فصل: تفسير الآية رقم (23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (23):

{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
{يبغون}: أي يفسدون ويكفرون، والبغي: التعدي والأعمال الفاسدة، ووكد ذلك بقوله: {بغير الحق} ثم ابتدأ بالرجز وذم البغي في أوجز لفظ، وقوله: {متاعُ الحياة} رفع، وهذه قراءة الجمهور وذلك على خبر الابتداء، والمبتدأ {بغيكم}، ويصح أن يرتفع {متاع} على خبر ابتداء مضمر تقديره ذلك متاع أو هو متاع، وخبر البغي قوله: {على أنفسكم}، وقرأ حفص عن عاصم وهارون عن أبي كثير وابن أبي إسحاق: {متاعَ} بالنصب وهو مصدر في موضع الحال من {البغي} وخبر البغي على هذا محذوف تقديره: مذموم أو مكروه ونحو هذا، ولا يجوز أن يكون الخبر قوله: {على أنفسكم} لأنه كان يحول بين المصدر وما عمل فيه بأجنبي، ويصح أن ينتصب {متاع} بفعل مضمر تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا، وقرأ ابن أبي إسحاق. {متاعاً الحياةَ الدنيا} بالنصب فيهما، ومعنى الآية إنما بغيكم وإفسادكم مضر لكم وهو في حالة الدنيا ثم تلقون عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عيينة: {إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا} أي تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا، وعلى هذا قالوا: البغي يصرع أهله.
قال القاضي أبو محمد: وقالوا: الباغي مصروع، قال الله تعالى {ثم بغي عليه لينصرنه الله} [الحج: 60] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أسرع عقوبة من بغي» وقرأت فرقة {فننبئكم} على ضمير المعظم المتكلم وقرأت فرقة: {فينبئكم}، على ضمير الغائب، والمراد الله عز وجل.

.تفسير الآية رقم (24):

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
المعنى: {إنما مثل} تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء {فاختلط} ووقف هنا بعض القراء على معنى، فاختلط الماء بالأرض ثم استأنف به {نبات الأرض} على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في {به} على الماء أو على الاختلاط الذي يتضمنه القول. ووصلت فرقة فرفع النباتُ على ذلك بقوله: {اختلط} أي اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء، وقوله: {مما يأكل الناس}، يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك، وقوله: {والأنعام} يريد سائر العشب المرعي، و{أخذت الأرض}، لفظة كثرت في مثل هذا كقوله: {خذوا زينتكم} [الأعراف: 31] والزخرف التزين بالألوان، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه، وقرأ مروان بن الحكم وأبو جعفر والسبعة وشيبة ومجاهد والجمهور: {وازينت} أصله: تزينت سكنت التاء لتدغم فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبيّ بن كعب {وتزينت} وهذه أصل قراءة الجمهور، وقرأ الحسن وأبو العالية والشعبي وقتادة ونصر بن عاصم وعيسى {وأزينت} على معنى حضرت زينتها كما تقول أحصد الزرع، {وأزينت} على مثال أفعلت وقال عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا يقرؤونها {وازيانت} النون شديدة والألف ساكنة قبلها، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وقرأت فرقة {وأزيأنت} وهي لغة منها قول الشاعر [ابن كثير]: [الطويل]
إذا ما الهوادي بالغبيطِ احْمأرَّتِ

وقرأت فرقة {وازاينت} والمعنى في هذا كله ظهرت زينتها، وقوله: {وظن أهلها} على بابها. والضمير في {عليها} عائد على {الأرض}، والمراد ما فيها من نعمة ونبات، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، و{حتى} غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على {إذا} ومعناها متصل إلى قوله: {قادرون عليها}، ومن بعد ذلك بدأ الجواب، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك، وتقسيمه {ليلاً أو نهاراً} تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت، و{حصيداً}: فعيل بمعنى مفول وعبر ب {حصيد} عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد إذ الحكم فيهما وكأن الآفة حصدته قبل أوانه، وقوله: {كأن لم تغن} أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر بغضارتها وقرأ قتادة يغن بالياء من تحت يعني الحصيد وقرأ مروان كأن لم تتغن بتاءين مثل تتفعل والمغاني المنازل المعمورة ومنه قول الشاعر: [الوافر]
وقد نغنى بها ونرى عصوراً ** بها يقتدننا الخرد الخذالا

وفي مصحف أبي بن كعب {كأن لم تغن بالأمس وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل الآيات}، رواها عنه ابن عباس، وقيل: إن فيه {وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها}، وقرأ أبو الدرداء {لقوم يتذكرون} ومعنى الآية التحذير من الاغترار بالدنيا، إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه الأرض المذكورة بموت أو غيره من رزايا الدنيا، وخص المتفكرين بالذكر تشريفاً للمنزلة وليقع التسابق إلى هذه الرتبة.

.تفسير الآيات (25- 27):

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
نصت هذه الآية أن الدعاء إلى الشرع عام في كل بشر، والهداية التي هي الإرشاد مختصة بمن قدر إيمانه، و{السلام} قيل: هو اسم الله عز وجل، فالمعنى يدعو إلى داره التي هي الجنة، وإضافتها إليه إضافة ملك الى مالك، وقيل: {السلام} بمعنى السلامة، أي من دخلها ظفر بالسلامة وأمن الفناء والآفات، وهذه الآية رادة على المعتزلة، وقد وردت في دعوة الله تعالى عباده أحاديث منها رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم إذ رأى في نومه جبريل وميكائيل ومثلا دعوة الله ومحمداً الداعي والملة المدعو إليها والجنة التي هي ثمرة الغفران بالمادية يدعو إليها ملك إلى منزله. وقال قتادة في كلامه على هذه الآية ذكر لنا أت في التوراة مكتوباً يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر انته. وقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} الآية، قالت فرقة وهي الجمهور: {الحسنى} الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة، وقالت فرقة {الحسنى} هي الحسنة، والزيادة هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261]، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقتراناً بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان، وعبر عن الحسنات ب {الحسنى} مبالغة، إذ هي عشرة، وقال الطبري: {الحسنى} عام في كل حسنى فهي تعم جميع ما قيل، ووعد الله تعالى على جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك ذلك أيضاً قوله: {أولئك أصحاب الجنة}، ولو كان معنى {الحسنى} الجنة لكان في القول تكرير بالمعنى، على أن هذا ينفصل عنه بأنه وصف المحسنين بأن لهم الجنة وأنهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، ثم قال: {أولئك أصحاب الجنة} على جهة المدح لهم، أي أولئك مستحقوها وأصحابها حقاً وباستيجاب، و{يرهق} معناه يغشى مع ذلة وتضييق، والقتر الغبار المسود، ومنه قول الشاعر [الفرزدق]: [البسيط]
متوج برداء الملك يتبعه ** موج ترى وسطه الرايات والقترا

وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش وأبو رجاء {قتْر} بسكون التاء، وقوله: {والذين كسبوا السيئات} الآية، اختلف النحويون في رفع الجزاء بم هو؟ فقالت فرقة: التقدير لهم جزاء سيئة بمثلها، وقالت فرقة: التقدير جزاء سيئة مثلها والباء زائدة.
قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يكون رفع الجزاء على المبتدأ وخبره في {الذين} لأن {الذين} معطوف على قوله: {للذين أحسنوا} فكأنه قال والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وعلى الوجه الآخر فقوله: {والذين كسبوا السيئات} رفع بالابتداء، وتعم {السيئات} هاهنا الكفر والمعاصي فمثل سيئة الكفر التخليد في النار، ومثل سيئة المعاصي مصروف إلى مشيئة الله تعالى. والعاصم المنجي، ومنه قوله تعالى {إلى جبل يعصمني من الماء} [هود: 43]. و{أغشيت} كسيت ومنه الغشاوة، والقطع جمع قطعة، وقرأ ابن كثير والكسائي {قطْعاً} من الليل بسكون الطاء، وقرأ الباقون بفتح الطاء، والقطع الجزء من الليل ومنه قوله تعالى: {فاسر بأهلك بقطع من الليل} [هود: 81] وهذا يراد به الجزء من زمان الليل، وفي هذه الآية الجزء من سواده. و{مظلماً}، نعت ل قطع، ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله: {من الليل}، فإذا كان نعتاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة ولكن قد يجيء بعدها، وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل{مظلماً}على نحو قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} [الأنعام: 155] ومن قرأ{قطعاً}على جمع قطعة فنصب{مظلماً}على الحال {من الليل} والعامل في الحال {من} إذ هي العامل في ذي الحال، وقرأ أبي بن كعب،{كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل وظلم}، وقرأ ابن أبي عبلة{قطَع من الليل مظلم}بتحريك الطاء في قطع.

.تفسير الآيات (28- 30):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والحسن وشيبة وغيرهم، {نحشرهم} بالنون، وقرأت فرقة: {يحشرهم} بالياء، والضمير في {يحشرهم} عائد على جميع الناس محسنين ومسيئين، و{مكانكم} نصب على تقدير لازموا مكانكم وذلك مقترن بحال شدة وخزي، و{مكانكم} في هذا الموضع من أسماء الأفعال إذ معناه قفوا واسكنوا، وهذا خبر من الله تعالى عن حالة تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ثم ينطق الله الأصمام بالتبري منهم. وقوله: {وشركاؤكم}، أي الذين تزعمون أنتم أنهم شركاء لله، فأضافهم إليهم لأن كونهم شركاء إنما هو بزعم هؤلاء وقوله: {فزيلنا بينهم} معناه فرقنا في الحجة والذهب وهو من زلت الشيء عن الشيء أزيله، وهو تضعيف مبالغة لا تعدية، وكون مصدر زيل تزييلاً، يدل على أن زيل إنما هو فعل لا فيعل، لأن مصدره كان يجيء على فيعلة، وقرأت {فزايلنا}، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار إذ رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم اتبعوا ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد هؤلاء فتقول الأصنام: والله ما كنا نسمع أو نعقل: {ما كنتم إيانا تعبدون} فيقولون والله لإياكم كنا نعبد فنقول الألهة {كفى بالله شهيداً} الآية.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بن مريم بدليل القول لهم {مكانكم أنتم وشركاؤكم} ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم {إن كنا عن عبادتكم لغافلين}، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم، و{أنتم} رفع بالابتداء والخبر موبخون أو مهانون، ويجوز أن يكون {أنتم} تأكيداً للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه. و{شهيداً} نصب على التمييز، وقيل على الحال، وأنْ هذه عند سيبويه هي مخففة موجبة حرف ابتداء ولزمتها اللام فرقاً بينها وبين إن النافية، وقال الفراء: إن بمعنى ما واللام بمعنى إلا، و{هنالك} نصب على الظرف، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {تبلوا} بالباء بواحدة بمعنى اختبر، وقرأ حمزة والكسائي {تتلوا} بالتاء بنقطتين من فوق بمعنى تتبع أي تطلب وتتبع ما أسلفت من أعمالها، ويصح أن يكون بمعنى تقرأ كتبها التي ترفع إليها، وقرأ يحيى بن وثاب {ودوا} بكسر الراء والجمهور {وردوا إلى الله}، أي ردوا إلى عقاب مالكهم وشديد بأسه، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في الرحمة والنصر ونحوه.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والحسن وشيبة وغيرهم، {نحشرهم} بالنون، وقرأت فرقة: {يحشرهم} بالياء، والضمير في {يحشرهم} عائد على جميع الناس محسنين ومسيئين، و{مكانكم} نصب على تقدير لازموا مكانكم وذلك مقترن بحال شدة وخزي، و{مكانكم} في هذا الموضع من أسماء الأفعال إذ معناه قفوا واسكنوا، وهذا خبر من الله تعالى عن حالة تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ثم ينطق الله الأصمام بالتبري منهم. وقوله: {وشركاؤكم}، أي الذين تزعمون أنتم أنهم شركاء لله، فأضافهم إليهم لأن كونهم شركاء إنما هو بزعم هؤلاء وقوله: {فزيلنا بينهم} معناه فرقنا في الحجة والذهب وهو من زلت الشيء عن الشيء أزيله، وهو تضعيف مبالغة لا تعدية، وكون مصدر زيل تزييلاً، يدل على أن زيل إنما هو فعل لا فيعل، لأن مصدره كان يجيء على فيعلة، وقرأت {فزايلنا}، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار إذ رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم اتبعوا ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد هؤلاء فتقول الأصنام: والله ما كنا نسمع أو نعقل: {ما كنتم إيانا تعبدون} فيقولون والله لإياكم كنا نعبد فنقول الألهة {كفى بالله شهيداً} الآية.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية أمن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بن مريم بدليل القول لهم {مكانكم أنتم وشركاؤكم} ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم {إن كنا عن عبادتكم لغافلين}، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم، {وأنتم} رفع بالابتداء والخبر موبخون أو مهانون، ويجوز أن يكون {أنتم} تأكيداُ للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه. و{شهيداً} نصب عل التمييز، وقيل على الحال، وأن هذه عند سيبويه هي مخففة موجبة حرف ابتداء ولزمتها اللام فرقاً بينها وبين إن النافية، وقال الفراء: إن بمعنى ما واللام بمعنى إلا، و{هنالك} ويصح أن يكون بمعنى تقرأ كتبها التي ترفع إليها، وقرأ يحيى بن وثاب {ودوا} بكسر الراء والجمهور {وردوا إلى الله}، أي ردوا إلى عقاب مالكهم وشديد بأسه، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في الرحمة والنصر ونحوه.