فصل: تفسير الآيات (43- 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (43- 45):

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
المعنى: {وقال الملك} الأعظم: {إني أرى} يريد في منامه، وقد جاء ذلك مبيناً في قوله تعالى: {إني أرى في المنام أني أذبحك} [الصافات: 104]. وحكيت حال ماضية ف {أرى} وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا. {سبع بقرات سمان} يروى أنه قال: رأيتها خارجة من نهر، وخرجت وراءها {سبع عجاف}، فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها ورأى السنابل أيضاً كما ذكر، والعجاف التي بلغت غاية الهزال، ومنه قول الشاعر: [الكامل]
ورجال مكة مسنتون عجاف

ثم قال لجماعته وحاضريه: {يا أيها الملأ أفتوني}.
قرأت فرقة بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بأن لفظت بألف {أفتوني} واواً.
وقوله: {للرؤيا} دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط، وذلك أن المفعول إذا تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام، وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك. وعبارة الرؤيا مأخوذة من عبر النهر، وهو تجاوزه من شط إلى شط، فكأن عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها.
وقوله: {قالوا: أضغاث أحلام} الآية، الضغث في كلام العرب أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب ونحوه، وربما كان ذلك من جنس واحد. وربما كان من أخلاط النبات، فمن ذلك قوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثاً} [ص: 44] وروي أنه أخذ عثكالاً من النخل، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في حد أقامه على رجل زمن، ومن ذلك قول ابن مقبل: [الكامل]
خود كأنَّ فراشها وضعت به ** أضغاث ريحان غداة شمال

ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها: ضغث على إبالة فيشبه اختلاط الأحلام باختلاط الجملة من النبات، والمعنى أن هذا الذي رأيت أيها الملك اختلاط من الأحلام بسبب النوم، ولسنا من أهل العلم بذلك، أي بما هو مختلط ورديء؛ فإنما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا عبر الرؤيا على الإطلاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان». وقال للذي كان يرى رأسه يقطع ثم يرده فيرجع: «إذا لعب الشيطان بأحدكم في النوم فلا يحدث بذلك».
قال القاضي أبو محمد: فالأحلام وحِدثان النفس ملغاة، والرؤيا هي التي تعبر ويلتمس علمها.
والباء في قولهم {بعالمين} للتأكيد، وفي قولهم: {بتأويل} للتعدية وهي متعلقة بقولهم {بعالمين}.
و{الأحلام} جمع حلم، يقال: حلَم الرجل- بفتح اللام- يحلم: إذا خيل إليه في منامه، والأحلام مما أثبتته الشريعة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله وهي المبشرة والحلم المحزن من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليتفل على يساره ثلاث مرات وليقل: أعوذ بالله من شر ما رأيت، فإنها لا تضره».
وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه.
ولما سمع الساقي- الذي نجا- هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه، تذكر يوسف وعلمه بتأويل الأحلام والرؤى، فقال مقالته في هذه الآية.
و{ادكر} أصله ادتكر- افتعل- من الذكر، قلبت التاء دالاً وأدغم الأول في الثاني، ثم بدلت دالاً غير منقوطة لقوة الدال وجلدها، وبعض العرب يقول: اذكر؛ وقرئ {فهل من مذكر} [القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51] بالنقط و{من مدكر} [القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51] على اللغتين؛ وقرأ جمهور الناس: {بعد أمة} وهي المدة من الدهر، وقرأ ابن عباس وجماعة {بعد أمة} وهو النسيان، وقرأ مجاهد وشبل بن عزرة {بعد أمه} بسكون الميم وهو مصدر من أمه إذا نسي، وقرأ الأشهب العقيلي {بعد إمة} بكسر الهمزة، والإمة: النعمة والمعنى: بعد نعمة أنعمها الله على يوسف في تقريب إطلاقه وعزته.
وبقوله: {ادكر} يقوي قول من يقول: إن الضمير في {أنسانيه} [الكهف: 63] عائد على الساقي، والأمر محتمل.
وقرأ الجمهور: {أنا أنبئكم} وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {أنا آتيكم}، وكذلك في مصحف أبي بن كعب.
وقوله: {فأرسلون} استئذان في المضي، فقيل: كان السجن في غير مدينة الملك- قاله ابن عباس- وقيل: كان فيها.
قال القاضي أبو محمد: ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال.

.تفسير الآيات (46- 49):

{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
المعنى: فجاء الرسول- وهو الساقي- إلى يوسف فقال له: يا يوسف {أيها الصديق}- وسماه صديقاً من حيث كان جرب صدقه في غير شيء- وهو بناء مبالغة من صدق، وسمي أبو بكر صديقاً من صدق غيره، إذ مع كل تصديق صدق، فالمصدق بالحقائق صادق أيضاً، وعلى هذا سمي المؤمنون صديقين في قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} [الحديد: 19].
ثم قال: {أفتنا في سبع بقرات} أي فيمن رأى في منام سبع بقرات، وحكى النقاش حديثاً روى فيه: أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف في السجن وبشره بعطف الله تعالى عليه، وأخرجه من السجن وأنه قد أحدث للملك منامة جعلها سبباً لفرج يوسف. ويروى أن الملك كان يرى {سبع بقرات سمان} يخرجن من نهر، وتخرج وراءها {سبع عجاف}، فتأكل العجاف السمان، فكان يعجب كيف غلبتها وكيف وسعت السمان في بطون العجاف، وكان يرى {سبع سنبلات خضر} وقد التفت بها سبع يابسات، حتى كانت تغطي خضرتها فعجب أيضاً لذلك.
وقوله: {لعلهم يعلمون} أي تأويل هذه الرؤيا، فيزول هم الملك لذلك وهم الناس. وقيل: {لعلهم يعلمون} مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سبباً لتخلصك.
وقوله تعالى: {قال تزرعون} الآية، تضمن هذا الكلام من يوسف عليه السلام ثلاثة أنواع من القول:
أحدها: تعبير بالمعنى لا باللفظ.
والثاني: عرض رأي وأمر به، وهو قوله: {فذروه في سنبله}.
والثالث: الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن، قاله قتادة.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل هذا ألا يكون غيباً، بل علم العبارة، أعطى انقطاع الجدب بعد سبع، ومعلوم أنه لا يقطعه إلا خصب شاف، كما أعطى أن النهر مثال للزمان. إذ هو أشبه شيء به فجاءت البقرات مثالاً للسنين.
و{دأبا} معناه: ملازمة لعادتكم في الزراعة، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
كدأبك من أم الحويرث قبلها

البيت.
وقرأ جمهور السبعة {دأْباً} بإسكان الهمزة، وقرأ عاصم وحده {دأَباً} بفتح الهمزة، وأبو عمرو يسهل الهمزة عند درج القراءة، وهما مثل: نهر ونهر. والناصب لقوله: {دأباً} {تزرعون}، عند أبي العباس المبرد، إذ في قوله: {تزرعون} تدأبون، وهي عنده مثل قولهم: قعد القرفصاء، واشتمل الصماء؛ وسيبويه يرى نصب هذا كله بفعل مضمر من لفظ المصدر يدل عليه هذا الظاهر، كأنه قال: تزرعون تدأبون دأباً.
وقوله: {فما حصدتم فذروه} هي إشارة برأي نبيل نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل، فإن الحبة إذا بقيت في خبائها انحفظت والمعنى: اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل، فيجتمع الطعام هكذا ويتركب، ويؤكل الأقدم فالأقدم؛ فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر، وادخروا أيضاً الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته، وحملت الأعوام بعضها على بعض حتى يتخلص الناس، وإلى هذه السنين أشار النبي عليه السلام في دعائه على قريش: «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف»، فابتدأ ذلك بهم ونزلت سنة حصت كل شيء حتى دعا لهم النبي عليه السلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين، وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره، قال له الملك: قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة، فكان هذا أول ما ولي يوسف.
وأسند الأكل في قوله: {يأكلن} إلى السنين اتساعاً من حيث يؤكل فيها كما قال تعالى: {والنهار مبصراً} [النمل: 86، يونس: 67، غافر: 61] وكما قال: نهارك بطال وليلك قائم؛ وهذا كثير في كلام العرب. ويحتمل أن يسمى فعل الجدب وإيباس البلالات أكلاً، وفي الحديث: «فأصابتهم سنة حصت كل شيء»؛ وقال الأعرابي في السنة جمشت النجم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم.
و{تحصنون} معناه تحرزون وتخزنون، قاله ابن عباس، وهو مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ، ومنه تحصن النساء لأنه بمعنى التحرز.
وقوله: {يغاث} جائز أن يكون من الغيث، وهو قول ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين، أي يمطرون، وجائز أن يكون من أغاثهم الله، أذا فرج عنهم، ومنه الغوث وهو الفرج.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم {يَعصِرون} بفتح الياء وكسر الصاد، وقرأ حمزة والكسائي ذلك بالتاء على المخاطبة، وقال جمهور المفسرين: هي من عصر النباتات كالزيتون والعنب والقصب والسمسم والفجل وجميع ما يعصر، ومصر بلد عصر لأشياء كثيرة؛ وروي أنهم لم يعصروا شيئاً مدة الجدب، والحلب منه لأنه عصر للضروع. وقال أبو عبيدة وغيره: ذلك مأخوذ من العصرة والعصر وهو الملجأ ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه: [الخفيف]
صادياً يستغيث غير مغاث ** ولقد كان عصرة المنجود

ومنه قول عدي بن زيد: [الرمل]
لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصّان بالماء اعتصاري

ومنه قول ابن مقبل [البسيط]
وصاحبي وهوه مستوهل زعل ** يحول بين حمار الوحش والعصر

ومنه قول لبيد: [الطويل]
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ** وما كان وقافاً بغير معصر

أي بغير ملتجأ، فالآية على معنى ينجون بالعصرة.
وقرأ الأعرج وعيسى وجعفر بن محمد {يُعصَرون} بضم الياء وفتح الصاد، وهذا مأخوذ من العصرة، أي يؤتون بعصرة؛ ويحتمل أن يكون من عصرات السحاب ماءها عليهم، قال ابن المستنير: معناها يمطرون، وحكى النقاش أنه قرئ {يعصرون} وجعلها من عصر البلل ونحوه. ورد الطبري على من جعل اللفظة من العصرة رداً كثيراً بغير حجة.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}
في تضاعيف هذه الآية محذوفات يعطيها ظاهر الكلام ويدل عليها، والمعنى هنا: فرجع الرسول إلى الملأ والملك فقص عليهم مقالة يوسف، فرأى الملك وحاضروه نبل التعبير وحسن الرأي وتضمن الغيب في أمر العام الثامن، مع ما وصفه به الرسول من الصدق في المنامة المتقدمة، فعظم يوسف في نفس الملك، {وقال ائتوني به}، فلما وصل الرسول في إخراجه إليه، وقال: إن الملك قد أمر بأن تخرج، قال له: {ارجع إلى ربك}- أي الملك- وقل له: {ما بال النسوة} ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان- وقل له: يستقصي عن ذنبي وينظر في أمري، هل سجنت بحق أو بظلم. فرسم قصته بطرف منها إذا وقع النظر عليه بان الأمر كله. ونكب عن ذكر امرأة العزيز حسن عشرة ورعاية لذمام ملك العزيز له.
وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو حيوة {النُّسوة} بضم النون، وقرأ الباقون {النِّسوة} بكسر النون. وهما لغتان في تكسير نساء الذي هو اسم جمع لا واحد له من لفظة. وقرأت فرقة {اللايي} بالياء، وقرأ فرقة {اللاتي} بالتاء وكلاهما جمع التي.
وكان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبراً وطلباً لبراءة الساحة، وذلك أنه فيما روي خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحاً، فيراه الناس بتلك العين أبداً، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف عليه السلام أن تبين براءته وتتحقق منزلته من العفة والخير، وحينئذ يخرج للإخطاء والمنزلة؛ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يرحم الله أخي يوسف، لقد كان صابراً حليماً، ولو لبثت في السجن لبثه لأجبت الداعي ولم ألتمس العذر حينئذ»، وروي نحو هذا الحديث من طريق عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك في كتاب التفسير من صحيح البخاري، وليس لابن القاسم في الديوان غيره.
وهنا اعتراض ينبغي أن ينفصل عنه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما ذكر هذا الكلام على جهة المدح ليوسف، فما باله هو، يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره، فالوجه في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخذ لنفسه وجهاً آخر من الرأي له جهة أيضاً من الجودة، أي لو كنت أنا لبادرت بالخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك؛ وذلك أن هذه القصص والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها يوم القيامة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل الناس على الأحزم من الأمور، وذلك أن المتعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من مثل ذلك السجن، ربما تنتج له من ذلك البقاء في سجنه، وانصرفت نفس مخرجه عنه، وإن كان يوسف عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن ذلك؛ فالحالة التي ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إليها حالة حزم ومدح، وما فعله يوسف عليه السلام صبر عظيم وجلد.
وقوله: {إن ربي بكيدهن عليم} يحتمل أن يريد بالرب الله عز وجل، وفي الآية وعيد- على هذا- وتهديد، ويحتمل أن يريد بالرب العزيز مولاه، ففي ذلك استشهاد به وتقريع له.
والضمير في {كيدهن} ل {النسوة} المذكورات لا للجنس لأنها حالة توقيف على ذنب.