فصل: تفسير الآية رقم (111):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (111):

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
الضمير في {قصصهم} عام ليوسف وأبويه وإخوته وسائر الرسل الذين ذكروا على الجملة، ولما كان ذلك كله في القرآن قال عنه {ما كان حديثاً يفترى} فإذا تأملت قصة يوسف ظهر أن في غرائبها وامتحان الله فيها لقوم في مواضع، ولطفه لقوم في مواضع، وإحسانه لقوم في مواضع، معتبراً لمن له لب وأجاد النظر، حتى يعلم أن كل أمر من عند الله وإليه.
وقوله: {ما كان} صيغة منع، وقرينه الحال تقتضي أن البرهان يقوم على أن ذلك لا يفترى، وذلك بأدلة النبوءة وأدلة الإعجاز، والحديث- هنا- واحد الأحاديث، وليس للذي هو خلاف القديم هاهنا مدخل.
ونصب {تصديقَ} إما على إضمار معنى كان، وإما على أن تكون {لكن} بمعنى لكن المشددة.
وقرأ عيسى الثقفي {تصديقُ} بالرفع، وكذلك كل ما عطف عليه، وهذا على حذف المبتدأ، التقدير: هو تصديق. وقال أبو حاتم: النصب على تقدير: ولكن كان، والرفع على: ولكن هو. وينشد بيت ذي الرمة بالوجهين:
وما كان مالي من تراث ورثته ** ولا دية كانت ولا كسي مأثم

ولكن عطاءُ الله من كل رحلة ** إلى كل محجوب السرادق خضرم

رفع عطاء الله، والنصب أجود.
و{الذي بين يديه} هو التوراة والإنجيل، والضمير في {يديه} عائد على القرآن، وهم اسم كان. وقوله: {كل شيء} يعني من العقائد والأحكام والحلال والحرام. وباقي الآية بين.

.سورة الرعد:

.تفسير الآيات (1- 2):

{المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)}
تقدم القول في فواتح السور وذكر التأويلات في ذلك إلا أن الذي يخص هذا الموضع من ذلك هو ما قال ابن عباس رضي الله عنه: إن هذه الحروف هي من قوله: أنا الله أعلم وأرى. ومن قال: إن حروف أوائل السور هي مثال لحروف المعجم- قال: الإشارة هنا ب {تلك} هي إلى حروف المعجم، ويصح- على هذا- أن يكون {الكتاب} يراد به القرآن، ويصح أن يراد به التوراة والإنجيل. و{المر}- على هذا- ابتداء، و{تلك} ابتداء ثان- و{آيات} خبر الثاني، والجملة خبر الأول- وعلى قول ابن عباس في {المر} يكون {تلك} ابتداء و{آيات} بدل منه، ويصح في {الكتاب} التأويلات اللذان تقدما.
وقوله: {والذي أنزل إليك من ربك الحق} {الذي} رفع بالابتداء و{الحق} خبره- هذا على تأويل من يرى {المر} حروف المعجم، و{تلك آيات} ابتداء وخبر. وعلى قول ابن عباس يكون {الذي} عطفاً على {تلك} و{الحق} خبر {تلك}. وإذا أريد ب {الكتاب} القرآن فالمراد ب {الذي أنزل} جميع الشريعة: ما تضمنه القرآن منها وما لم يتضمنه. ويصح في {الذي} أن يكون في موضع خفض عطفاً على الكتاب، فإن أردت مع ذلك ب {الكتاب} القرآن، كانت الواو عطف صفة على صفة لشيء واحد، كما تقول: جاءني الظريف والعاقل، وأنت شخصاً واحداً، ومن ذلك قول الشاعر: [المتقارب]
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

وإن أردت مع ذلك ب {الكتاب} التوراة والإنجيل، فذلك بيّن، فإن تأولت مع ذلك {المر} حروف المعجم- رفعت قوله: {الحق} على إضمار مبتدأ تقديره: هو الحق، وإن تأولتها كما قال ابن عباس ف {الحق} خبر {تلك} ومن رفع {الحق} بإضمار ابتداء وقف على قوله: {من ربك} وباقي الآية ظاهر بين إن شاء الله.
وقوله تعالى: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} الآية، لما تضمن قوله: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} توبيخ الكفرة، عقب ذلك بذكر الله الذي ينبغي أن يوقن به، ويذكر الأدلة الداعية إلى الإيمان به.
والضمير في قوله: {ترونها} قالت فرقة: هو عائد على {السماوات}. ف {ترونها}- على هذا- في موضع الحال، وقال جمهور الناس: لا عمد للسماوات البتة، وقالت فرقة: الضمير عائد على العمد، ف {ترونها}- على هذا- صفة للعمد، وقالت هذه الفرقة: للسماوات عمد غير مرئية- قاله مجاهد وقتادة- وقال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم: أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليها كالقبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، والحق أن لا عمد جملة، إذ العمد يحتاج إلى العمد ويتسلسل الأمر، فلابد من وقوفه على القدرة، وهذا هو الظاهر من قوله تعالى: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} [الحج: 65] ونحو هذا من الآيات، وقال إياس بن معاوية: السماء مقببة على الأرض مثل القبة.
وفي مصحف أبيّ: {ترونه} بتذكير الضمير، والعمد: اسم جمع عمود، والباب في جمعه: عمد- بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل، وشهاب وشهب وغيره، ومن هذه الكلمة قول النابغة: [البسيط]
وخيس الجن إني قد أذنت لهم ** يبنون تدمر بالصفّاح والعمد

وقال الطبري: العَمد- بفتح العين- جمع عمود، كما جمع الأديم أدماً.
قال القاضي أبو محمد: وليس كما قال، وفي كتاب سيبويه: إن الأدم اسم جمع، وكذلك نص اللغويون على العمد، ولكن أبا عبيدة ذكر الأمر غير متيقن فاتبعه الطبري.
وقرأ يحيى بن وثاب {بغير عُمُد} بضم العين والميم.
وقوله: {ثم} هي- هنا- لعطف الجمل لا للترتيب، لأن الاستواء على العرش قبل رفع السماوات، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله. وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض».
وقد تقدم القول في كلام الناس في الاستواء، واختصاره: أن أبا المعالي رجح أنه {استوى} بقهره وغلبته، وقال القاضي ابن الطيب وغيره: {استوى}- في هذا الموضع- بمعنى استولى، والاستيلاء قد يكون دون قهر. فهذا فرق ما بين القولين، وقال سفيان: فعل فعلاً سماه استواء. وقال الفراء: {استوى}- في هذا الموضع- كما تقول العرب: فعل زيد كذا ثم استوى إلى يكلمني، بمعنى أقبل وقصد. وحكي لي عن أبي الفضل بن النحوي أنه قال: {العرش}- في هذا الموضع- مصدر عرش، مكانه أراد جميع المخلوقات، وذكر أبو منصور عن الخليل: أن العرش: الملك، وهذا يؤيد منزع أبي الفضل بن النحوي إذ قال: العرش مصدر، وهذا خلاف ما مشى عليه الناس من أن العرش هو أعظم المخلوقات وهو الشخص الذي كان على الماء والذي بين يديه الكرسي؛ وأيضاً فينبغي النظر على أبي الفضل في معنى الاستواء قريباً مما هو على قول الجميع. وفي البخاري عن مجاهد أنه قال: المعنى: علا على العرش.
قال القاضي أبو محمد: وكذلك هي عبارة الطبري، والنظر الصحيح يدفع هذه العبارة.
وقوله: {وسخر} تنبيه على القدرة، و{الشمس والقمر} في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب- وكذلك قال: {كل يجري} أي كل ما هو في معنى الشمس والقمر من التسخير، و{كل} لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة، والأجل المسمى هو انقضاء الدنيا وفساد هذه البنية، وقيل: يريد بقوله: {لأجل مسمى} الحدود التي لا تتحداها هذه المخلوقات أن تجري على رسوم معلومة.
وقوله: {يدبر} بمعنى: يبرم- وينفذ- وعبر بالتدبير تقريباً لأفهام الناس، إذ التدبير إنما هو النظر في أدبار الأمور وعواقبها، وذلك من صفة البشر، و{الأمر} عام في جميع الأمور وما ينقضي في كل أوان في السماوات والأرضين وقال مجاهد: {يدبر الأمر} معناه: يقضيه وحده.
وقرأ الجمهور: {يفصل} وقرأ الحسن بنون العظمة، ورواها الخفاف وعبد الوهاب عن أبي عمرو وهبيرة عن حفص، قال المهدوي: ولم يختلف في {يدبر}، وقال أبو عمرو الداني: إن الحسن قرأ {نفصل} و{ندبر} بالنون فيهما، والنظر يقتضي أن قوله: {يفصل} ليس على حد قوله: {يدبر} من تعديد الآيات بل لما تعددت الآيات وفي جملتها يدبر الأمر، أخبر أنه يفصلها لعل الكفرة يوقنون بالبعث، و{الآيات} هنا إشارة إلى ما ذكر في الآية وبعدها.

.تفسير الآيات (3- 4):

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}
لما فرغت الآيات من ذكر السماوات ذكرت آيات الأرض.
وقوله: {مد الأرض} يقتضي أنها بسيطة لا كرة- وهذا هو ظاهر الشريعة وقد تترتب لفظة المد والبسط مع التكوير والله أعلم. والرواسي الجبال الثابتة، يقال: رسا يرسو، إذا ثبت، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
به خالدات ما يرمن وهامد ** وأشعث أرسته الوليدة بالفهر

والزوج- في هذه الآية- الصنف والنوع، وليس بالزوج المعروف بالمتلازمين الفردين من الحيوان وغيره، ومنه قوله تعالى: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} [يس: 36] ومثل هذه الآية: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} [ق: 7].
وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة فموجود منها نوعان، فإن اتفق أن يوجد في ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم {يغْشي} بسكون الغين وتخفيف الشين، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم- في رواية أبي بكر- بفتح الغين وتشديد الشين، وكفى ذكر الواحد ذكر الآخر، وباقي الآية بين.
قال القاضي أبو محمد: ويشبه أن الأزواج التي يراد بها الأنواع والأصناف والأجناس إنما سميت بذلك من حيث هي اثنان، اثنان، ويقال: إن في كل ثمرة ذكر وأنثى، وأشار إلى ذلك الفراء عند المهدوي، وحكى عنه غيره ما يقتضي أن المعنى تم في قوله: {الثمرات} ثم ابتدأ أنه جعل في الأرض من كل ذكر وأنثى زوجين.
وقوله تعالى: {وفي الأرض قطع...} الآية، القطع: جمع قطعة وهي الأجزاء، وقيد منها في هذا المثال ما جاور وقرب بعضه من بعض، لأن اختلاف ذلك في الأكل أغرب.
وقرأ الجمهور {وجناتٌ} بالرفع، عطفاً على {قطع}، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {وجناتٍ} بالنصب بإضمار فعل، وقيل: هو عطف على {رواسي}، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص- عن عاصم- {وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغيرُ} بالرفع في الكل- عطفاً على {قطع}- وقرأ الباقون: {وزرعٍ} بالخفض في الكل- عطفاً على {أعناب} وجعل الجنة من الأعناب من رفع الزرع.
و{الجنة} حقيقة إنما هي الأرض التي فيها الأعناب وفي ذلك تجوز ومنه قول الشاعر: [زهير بن أبي سلمى] [البسيط]
كأن عيني في غربي مقتلة ** من النواضح تسقي جنة سحقا

أي نخيل جنة، إذ لا توصف بالسحق إلا النخل، ومن خفض الزرع فـ الجنات من مجموع ذلك لا من الزرع وحده، لأنه لا يقال للمزرعة جنة إلا إذا خالطتها شجرات.
و{صنوان} جمع صنو، وهو الفرع يكون مع الآخر في أصل واحد، وربما كان أكثر من فرعين، قال البراء بن عازب: الصنوان: المجتمع، وغير الصنوان المتفرق فرداً فرداً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العم صنو الأب» وروي أن عمر بن الخطاب أسرع إليه العباس في ملاحاة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أردت يا رسول الله أن أقول يا رسول الله لعباس، فذكرت مكانك منه فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحمك الله يا عمر العم صنو الأب» وفي كتاب الزكاة من صحيح مسلم أنه قال: «يا عمر أما شعرت أن العم صنو الأب» وجمع الصنو صنوان، وهو جمع مكسر، قال أبو علي: وكسرة الصاد في الواحد ليست التي في الجمع، وهو جار مجرى فلك. وتقول: صنو وصنوان في الجمع بتنوين النون وإعرابه.
وقرأ عاصم- في رواية القواس عن حفص- {صُنوان} بضم الصاد قال أبو علي: هو مثل ذئب وذؤبان.
قال القاضي أبو محمد: وهي قراءة ابن مصرف وأبي عبد الرحمن السلمي، وهي لغة تميم وقيس، وكسر الصاد هي لغة أهل الحجاز، وقرأ الحسن وقتادة {صَنوان} بفتح الصاد وهو اسم جمع لا جمع ونظير هذه الللفظة: قنو وقنوان، وإنما نص على الصنوان في هذه الآية لأنها بمثابة التجاوز في القطع، تظهر فيه غرابة اختلاف الأكل.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحسن وأبو جعفر وأهل مكة: {تسقى} بالتاء، وأمال حمزة والكسائي القاف. وقرأ عاصم وابن عامر {يسقى} بالياء، على معنى يسقى ما ذكر. وقرأ الجمهور {نفضل} بالنون وقرأ حمزة والكسائي {ويفضل} بالياء، وقرأ ابن محيصن: {يسقى بماء واحد، ويفضل} بالياء فيهما، وقرأ يحيى بن يعمر وأبو حيوة {ويفضَّل} بالياء وفتح الضاد {بعضُها} بالرفع، قال أبو حاتم: وجدته كذلك في نقط يحيى بن يعمر في مصحفه- وهو أول من نقط المصاحف.
و{الأكل} اسم ما يؤكل، بضم الهمزة، والأكل المصدر.
وقرأت فرقة {في الأُكُل} بضم الهمزة والكاف، وقد تقدم هذا في البقرة وحكى الطبري عن غير واحد- ابن عباس وغيره- {قطع متجاورات} أي واحدة سبخة، وأخرى عذبة، ونحو هذا من القول، وقال قتادة المعنى: قرى متجاورات.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وجه من العبرة كأنه قال: وفي الأرض قطع مختلفات بتخصيص الله لها بمعانٍ فهي تسقى بماء واحد، ولكن تختلف فيما تخرجه والذي يظهر من وصفه لها بالتجاور إنما هو أنها من تربة واحدة ونوع واحد، وموضع العبرة في هذا أبين لأنها مع اتفاقها في التربة والماء، تفضل القدرة والإرادة بعض أكلها على بعض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن هذه الآية- فقال: «الدقل والفارسي والحلو والحامض» وعلى المعنى الأول قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم: كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فسطحها فصارت قطعاً متجاورة فينزل عليها ماء واحد من السماء- فتخرج هذه زهرة وثمرة، وتخرج هذه سبخة وملحاً وخبثاً، فكذلك الناس: خلقوا من آدم فنزلت عليهم من السماء تذكرة-فرقت قلوب وخشعت، وقست قلوب ولهت وجفت: قال الحسن: فوالله ما جالس أحد القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} [الإسراء: 82].
والتفضيل في الأكل الأذواق والألوان والملمس وغير ذلك.