فصل: تفسير الآيات (49- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (49- 52):

{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
{المجرمين} هم الكفار، و{مقرنين} مربوطين في قرن، وهو الحبل الذي تشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر: [البسيط].
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ** لم يستطع صولة البزل القناعيس

و{الأصفاد} الأغلال، واحدها: صفد، يقال: صفده وأصفده وصفده: إذا غلله، والاسم: الصفاد، ومنه قول سلامة بن جندل: [الوافر]
وزيد الخيل قد لاقى صفاداً ** يعض بساعد وبعظم ساق

وكذلك يقال في العطاء، والصفد العطاء، ومنه قول النابغة.
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد

والسرابيل: القمص، والقطران هو الذي تهنأ به الإبل، وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه، ويقال: قَطِران بفتح القاف وكسر الطاء، ويقال: قِطْران بكسر القاف وسكون الطاء، ويقال: قَطْران بفتح القاف وسكون الطاء.
وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف، وابن عباس وأبو هريرة وعلقمة وسنان بن سلمة وعكرمة وابن سيرين وابن جبير والكلبي وقتادة وعمرو بن عبيد من قطر آن والقطر: القصدير، وقيل: النحاس. وروي عن عمر أنه قال: ليس بالقطران ولكنه النحاس يسر بلونه. وآن وهو الطائب الحار الذي قد تناهى حره؛ قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره. وقال ابن عباس المعنى: أنى أن يعذبوا به.
وقرأ جمهور الناس {وجوهَهم} بالنصب، {النارُ} بالرفع. وقرأ ابن مسعود {وجوهُهم} بالرفع. {النارَ} بالنصب. فالأولى على نحو قوله: {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] فهي حقيقة الغشيان، والثانية على نحو قول الشاعر: [الكامل]
يغشون حتى ما تهر كلابهم ** لا يسألون عن السواد المقبل

فهي بتجوز في الغشيان، كأن ورود الوجوه على النار غشيان.
وقوله: {ليجزي} أي لكي يجزي، واللام متعلقة بفعل مضمر، تقديره: فعل هذا، وأنفذ هذا العقاب على المجرمين ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته. وجاء من لفظة الكسب بما يعم المسيء والمحسن، لينبه على أن المحسن أيضاً يجازى بإحسانه خيراً.
وقوله: {سريع الحساب} أي فاصله بين خلقه بالإحاطة التي له بدقيق أمرهم وجليلها. لا إله غيره، وقيل لعلي بن أبي طالب: كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد.
وقوله: {هذا بلاغ للناس} الآية، إشارة إلى القرآن والوعيد الذي يتضمنه ووصفه بالمصدر في قوله: {بلاغ} والمعنى: هذا بلاغ للناس وهو لينذروا به.
وقرأ جمهور الناس {ولينذَروا} بالياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول. وقرأ يحيى بن عمارة وأحمد بن يزيد بن أسيد: {ليَنذَروا به} بفتح الياء والذال كقول العرب: نذرت بالشيء إذا أشعرت وتحرزت منه وأعددت وروي أن قوله: {وليذكر أولو الألباب} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

.سورة الحجر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)}
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور. و{تلك} يمكن أن تكون إشارة إلى حروف المعجم- بحسب بعض الأقوال- ويمكن أن تكون إشارة إلى الحكم والعبر ونحوها التي تضمنتها آيات التوراة والإنجيل، وعطف القرآن عليه. قال مجاهد وقتادة: {الكتاب} في الآية، ما نزل من الكتب قبل القرآن، ويحتمل أن يريد ب {الكتاب} القرآن، ثم تعطف الصفة عليه.
وقرأ نافع وعاصم {ربَما} بتخفيف الباء. وقرأ الباقون بشدها، إلا أن أبا عمرو قرأها على الوجهين، وهما لغتان، وروي عن عاصم {رُبُما} بضم الراء والباء مخففة، وقرأ طلحة بن مصرف {ربتما} بزيادة تاء، وهي لغة. و{ربما} للتقليل وقد تجيء شاذة للتكثير، وقال قوم: إن هذه من ذلك، ومنه: رب رفد هرقته. ومنه:
رب كأس هرقت يا ابن لؤي.

وأنكر الزجاج أن تجيء {رب} للتكثير. وما التي تدخل عليها رب قد تكون اسماً نكرة بمنزلة شيء، وذلك إذا كان في الضمير عائد عليه، كقول الشاعر: [الخفيف]
ربما تكره النفوس من الأم ** ر له فرجة كحل العقال

التقدير: رب شيء، وقد تكون حرفاً كافاً لرب وموطئاً لها لتدخل على الفعل إذ ليس من شأنها أن تدخل إلا على الأسماء، وذلك إذا لم يكن ثم ضمير عائد كقول الشاعر: [جذيمة الأبرش] [المديد]
ربما أوفيت في علم ** ترفعن ثوبي شمالات

قال القاضي أبو محمد: وكذلك دخلت ما على من كافة، في نحو قوله: وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه. ونحو قول الشاعر: [الطويل]
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ** على رأسه تلقي اللسان من الفم

قال الكسائي والفراء: الباب في ربما أن تدخل على الفعل الماضي، ودخلت هنا على المستقبل إذ هذه الأفعال المستقبلة من كلام الله تعالى لما كانت صادقة حاصلة ولابد جرت مجرى الماضي الواقع.
قال القاضي أبو محمد: وقد تدخل رب على الماضي الذي يراد به الاستقبال، وتدخل على العكس. والظاهر في {ربما} في هذه الآية أن ما حرف كاف- هكذا قال أبو علي، قال: ويحتمل أن تكون اسماً، ويكون في {يود} ضمير عائد عليه، التقدير: رب ود أو شيء يوده {الذين كفروا لو كانوا مسلمين}.
قال القاضي أبو محمد: ويكون {لو كانوا مسلمين} بدلاً من ما.
وقالت فرقة: تقدير الآية: ربما كان يود الذين كفروا. قال أبو علي: وهذا لا يجيزه سيبويه، لأن كان لا تضمر عنده.
واختلف المتأولون في الوقت الذي يود فيه الكفار أن لو كانوا مسلمين، فقالت فرقة: هو عند معاينة الموت في الدنيا- حكى ذلك الضحاك- وفيه نظر، لأنه لا يقين للكافر حينئذ بحسن حال المسلمين، وقالت فرقة: هو عند معاينة أهوال يوم القيامة- قاله مجاهد- وهذا بين، لأن حسن حال المسلمين ظاهر، فتود، وقال ابن عباس وأنس بن مالك: هو عند دخولهم النار ومعرفتهم بدخول المؤمنين الجنة، واحتج لهذا القول بحديث روي في هذا من طريق أبي موسى الأشعري وهو: أن الله إذا أدخل عصاة المسلمين النار نظر إليهم الكفار فقالوا: ليس هؤلاء من المسلمين فماذا أغنت عنهم لا إله إلا الله؟ قال: فيغضب الله تعالى لقولهم، فيقول: أخرجوا من النار كل مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فحينئذ يود الذين كفروا أن لو كانوا مسلمين».
قال القاضي أبو محمد: ومن العبر في هذه الآية حديث الوابصي الذي في صدر ذيل الأمالي، ومقتضاه أنه ارتد ونسي القرآن إلا هذه الآية.
وقوله: {ذرهم يأكلوا} الآية وعيد وتهديد، وما فيه من المهادنة منسوخ بآية السيف. وقوله: {فسوف يعلمون} وعيد ثان، وحكى الطبري عن بعض العلماء أنه قال: الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة، فكيف تطيب حياة بين هذين الوعيدين؟
ومعنى قوله: {ويلههم} أي يشغلهم أملهم في الدنيا والتزيد منها عن النظر والإيمان بالله ورسوله.
ومعنى قوله: {وما أهلكنا من قرية} الآية، أي لا تستبطئن هلاكهم فليس قرية مهلكة إلا بأجل وكتاب معلوم محدود. والواو في قوله: {ولها} هو واو الحال.
وقرأ ابن أبي عبلة {إلا لها} بغير واو. وقال منذر بن سعيد: هذه الواو هي التي تعطي أن الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} [الزمر: 73] وباقي الآية بين.

.تفسير الآيات (6- 11):

{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)}
الضمير في {قالوا} يراد به كفار قريش. ويروى أن القائلين كانوا: عبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، وأشباههما.
وقرأ الأعمش: {يا أيها الذي ألقي إليه الذكر}.
وقولهم: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر} كلام على جهة الاستخفاف، أي بزعمك ودعواك، وهذه المخاطبة كما تقول لرجل جاهل أراد أن يتكلم فيما لا يحسن: يا أيها العالم لا تحسن تتوضأ.
و{لو ما} بمعنى لو لا، فتكون تحضيضاً- كما في هذه الآية- وقد تكون دالة على امتناع الشيء لوجود غيره، كما قال ابن مقبل: [البسيط]
لو ما الحياء ولو ما الدين عبتكما ** ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {ما تنزل الملائكة} بفتح التاء والرفع وقرأ عاصم- في رواية أبي بكر- {ما تُنزلُ} بضم التاء والرفع، وهي قراءة يحيى بن وثاب، وقرأ حمزة والكسائي وحفص {ما ننزلُ} بنون العظمة- الملائكةَ بالنصب، وهي قراءة طلحة بن مصرف.
وقوله: {إلا بالحق} قال مجاهد: المعنى: بالرسالة والعذاب.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن معناه: كما يجب ويحق من الوحي والمنافع التي رآها الله لعباده، لا على اقتراح كافر، ولا باختيار معترض.
ثم ذكر عادة الله في الأمم من أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في إثرها إن لم يؤمنوا. فكأن الكلام: ما تنزل الملائكة إلا بالحق وواجب، لا باقتراحكم؛ وأيضاً فلو نزلت لم تنظروا بعد ذلك بالعذاب، أي تؤخروا، والنظرة: التأخير، المعنى: فهذا لا يكون، إذ كان في علم الله أن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن.
وقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر} رد على المستخفين في قولهم: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر}. وهذا كما يقول لك رجل على جهة الاستخفاف: يا عظم القدر، فتقول له- على جهة الرد والنجة: نعم أنا عظيم القدر. ثم تأخذ في قولك- فتأمله.
وقوله: {وإنا له لحافظون} قالت فرقة: الضمير في {له} عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أي يحفظه من أذاكم ويحوطه من مكركم وغيره، ذكر الطبري هذا القول ولم ينسبه؛ وفي ضمن هذه العدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله به الشرع وحان أجله. وقالت فرقة- وهي الأكثر- الضمير في {له} عائد على القرآن وقاله مجاهد وقتادة، والمعنى: {لحافظون} من أن يبدل أو يغير، كما جرى في سائر الكتب المنزلة، وفي آخر ورقة من البخاري عن ابن عباس: أن التبديل فيها إنما كان في التأويل وأما في اللفظ فلا؛ وظاهر آيات القرآن أنهم بدلوا اللفظ، ووضع اليد في آية الرجم هو في معنى تبديل الألفاظ.
وقيل: {لحافظون} باختزانه في صدور الرجال.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى متقارب، وقال قتادة: هذه الآية نحو قوله تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصلت: 42].
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك} الآية، تسلية للنبي عليه السلام وعرض أسوة، أي لا يضيق صدرك يا محمد بما يفعله قومك من الاستهزاء في قولهم: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر} وغير ذلك، فقد تقدم منا إرسال الرسل في شيع الأولين، وكانت تلك سيرتهم في الاستهزاء بالرسل. و{شيع} جمع شيعة، وهي الفرقة التابعة لرأس ما: مذهب أو رجل أو نحوه وهي مأخوذة من قولهم: شيعت النار: إذا استدمت وقدها بحطب أو غيره، فكأن الشيعة تصل أمر رأسها وتظهره وتمده بمعونة. وقوله: {أرسلنا} يقتضي رسلاً، ثم أوجز باختصار ذكرهم لدلالة الظاهر من القول على ذلك.

.تفسير الآيات (12- 15):

{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
يحتمل أن يكون الضمير في {نسلكه} يعود على الاستهزاء والشرك ونحوه- وهو قول الحسن وقتادة وابن جرير وابن زيد- ويكون الضمير في {به} يعود أيضاً على ذلك بعينه، وتكون باء السبب، أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم، ويكون قوله: {لا يؤمنون به} في موضع الحال.
ويحتمل أن يكون الضمير في {نسلكه} عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن، أي مكذباً به مردوداً مستهزأ به ندخله في قلوب المجرمين، ويكون الضمير في {به} عائداً عليه أيضاً أي لا يصدقون به.
ويحتمل أن يكون الضمير في {نسلكه} عائداً على الاستهزاء والشرك، والضمير في {به} يعود على القرآن، فيختلف- على هذا- عود الضميرين.
والمعنى في ذلك كله ينظر بعضه إلى بعض.
و{نسلكه} معناه: ندخله، يقال: سلكت الرجل في الأمر، أي أدخلته فيه، ومن هذا قول الشاعر [عدي بن زيد]: [الوافر].
وكنت لزاز خصمك لم أعرد ** وقد سلكوك في يوم عصيب

ومنه قول الآخر [عبد مناف بن ربع الهذلي]: [البسيط]
حتى إذا سلكوهم في قتايدة ** شلاكما تطرد الجمالة الشردا

ومنه قول أبي وجزة يصف حمر وحش: [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك ** من نسل جوابة الآفاق مهداج

قال الزجاج: ويقرأ: {نُسلِكه} بضم النون وكسر اللام، و{المجرمين} في هذه الآية يراد بهم كفار قريش ومعاصري محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {لا يؤمنون به} عموم معناه الخصوص فيمن حتم عليه. وقوله: {وقد خلت سنة الأولين} أي على هذه الوتيرة.
وتقول: سلكت الرجل في الأمر، وأسلكته، بمعنى واحد. ويروى: حتى إذا أسلكوهم في قتايدة؛ البيت.
وقوله: {ولو فتحنا عليهم}، الضمير في {عليهم} عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم. والضمير في قوله: {فظلوا} يحتمل أن يعود عليهم- وهو أبلغ في إصرارهم- وهذا تأويل الحسن: و{يعرجون} معناه: يصعدون.
وقرأ الأعمش وأبو حيوة {يعرِجون} بكسر الراء، والمعارج الأدراج، ومنه: المعراج، ومنه قول كثير: [الطويل].
إلى حسب عود بني المر قبله ** أبوه له فيه معارج سلم

ويحتمل أن يعود على {الملائكة} [الحجر: 7] لقولهم: {لو ما تأتينا بالملائكة} [الحجر: 7]، فقال الله تعالى: «ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء، لما آمنوا»: وهذا تأويل ابن عباس.
وقرأ السبعة سوى ابن كثير: {سُكّرت} بضم السين وشد الكاف، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف الكاف، وهي قراءة مجاهد. وقرأ ابن الزهري بفتح السين وتخفيف الكاف، على بناء الفعل لفاعل. وقرأ أبان بن تغلب {سحرت أبصارنا}، ويجيء قوله: {بل نحن قوم مسحورون} انتقالاً إلى درجة عظمى من سحر العقل والجملة.
وتقول العرب: سكرت الريح تسكر سكوراً: إذا ركدت ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولاً، وتقول سكر الرجل من الشراب سكراً: إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ فيما للإنسان أن ينفذ فيه، ومن هذا المعنى: سكران لا يبت- أي لا يقطع أمراً، وتقول العرب: سكرت الفتق في مجاري الماء سكراً: إذا طمسته وصرفت الماء عنه، فلم ينفذ لوجهه.
قال القاضي أبو محمد: فهذه اللفظة {سكّرت}- بشد الكاف- إذا كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح فهي فعل عدي بالتضعيف، وإن كانت من سكر مجاري الماء فتضعيفها للمبالغة، لا للتعدية، لأن المخفف من فعله متعد. ورجح أبو حاتم هذه القراءة، لأن الأبصار جمع، والتثقيل مع الجمع أمثل، كما قال: {مفتحة لهم الأبواب} [ص: 50] ومن قرأ {سُكرت}- بضم السين وتخفيف الكاف، فإن كانت اللفظة من سكر الماء فهو فعل متعد؛ وإن كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح، فيضمنا أن الفعل بني للمفعول إلى أن ننزله متعدياً، ويكون هذا الفعل من قبيل: رجح زيد ورجحه غيره، وغارت، وغارت العين وغارها الرجل: فتقول- على هذا- سكر الرجل، وسكره غيره، وسكرت الريح، وسكرها شيء غيرها.
ومعنى هذه المقالة منهم: أي غيرت أبصارنا عما كانت عليه، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الشياء كما كانت تفعل.
قال القاضي أبو محمد: وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله: غشي على أبصارنا وقال بعضهم عميت أبصارنا، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ.
ولقال أيضاً هؤلاء المبصرون عروج الملائكة، أو عروج أنفسهم، بعد قولهم: {سكرت أبصارنا} بل سحرنا حتى ما نعقل الأشياء كما يجب، أي صرف فينا السحر.