فصل: تفسير الآيات (34- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (34- 36):

{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
الخطاب في هذه الآية للأوصياء الذين هم معدون لقرب مال اليتامى، ثم لمن تلبس بشيء من أمر يتيم من غير وصي، و{اليتيم} الفرد من الأبناء، واليتم الانفراد، يقال يتم الصبي يتيم إذا فقد أباه، قال ابن السكيت: اليتم في البشر من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأم، وفي كتاب الماوردي، أن اليتم في البشر من قبل الأم أيضاً، وجمعه أيتام كشريف وأشراف وشهيد وأشهاد، ويجمع يتامى كأسير وأسارى كأنهما الأمور المكروهة التي تدخل على المرء غلبة، قال ابن سيده: وحكى ابن الأعرابي يتمان في يتيم، وأنشد في ذلك: [الطويل]
فبت أشوي ظبيتي وحليلتي ** طربا وجرو الذيب يتمان جائع

ويجوز أن يكون يتامى جمع يتمان، وفي الحديث «لا يتم بعد حلم» وقوله: {إلا بالتي هي أحسن} يريد إلا بأحسن الحالات.
قال القاضي أبو محمد: وذلك في الوصي الغني، أن يثمر المال ويحوطه ولا يمسّ منه شيئاً على جهة الانتفاع به، هذا هو الورع والأولى الا أن يكون يشتغل في مال اليتيم ويشح فله بالفقه أن تفرض له أجرة، وأما الوصي الفقير الذي يشغله مال اليتيم عن معاشه، فاختلف الناس في أكله منه بالمعروف كيف هو؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يتسلف منه، فإذا أيسر رد فيه، وقال ابن المسيب، لا يشرب الماء من مال اليتيم، قيل له فما معنى {فليأكل بالمعروف} [النساء: 6]؟ قال: إنما ذلك لخدمته وغسل ثوبه، وقال مجاهد: لا يقرب إلا التجارة ولا يستقرض منه، قال: قوله: {فليأكل بالمعروف} [ذاته] معناه من مال نفسه، وقال أبو يوسف: لعل قوله: {فليأكل بالمعروف} [ذاته] منسوخ بقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188] [النساء: 29] وقال ابن عباس: يأكل منه الشربة من اللبن والطرفة من الفاكهة ونحو هذا مما يخدمه، ويلط الحوض ويجد النخل، وينشد الضالة فليأكل غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب، وقال زيد بن أسلم: يأكل منه بأطراف أصابعه بلغة من العيش بتعبه.
قال القاضي أبو محمد: وهذه استعارة للتقلل، وقال مالك رحمه الله وغيره. يأخذ منه أجره بقدر تعبه، فهذه كلها تدخل فيما هو أحسن، وكمال تفسير هذه المعاني في سورة النساء بحسب ألفاظ تلك الآيات، وفي الخبر عن قتادة أن هذه الآية لما نزلت شقت على المسلمين وتجنبوا الأكل معهم في صحفة ونحوه، فنزلت {وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} [البقرة: 220] وقوله: {حتى يبلغ أشده} غاية الإمساك عن مال اليتيم، ثم ما بعد الغاية قد بينته آية أخرى، وما بعد هذه الغايات أبداً موقوف حتى يقوم فيه دليل شرعي أو يقتضي ذلك الاتفاق في النازلة، ومثل هذا قول عائشة رضي الله عنها أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وبعث بها، فلم يحرم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي، والأشد جمع شد عند سيبويه، وقال أبو عبيدة: لا واحد له من لفظه، ومعناها قواه في العقل والتجربة والنظر لنفسه، وذلك لا يكون إلا مع البلوغ، ف الأشد في مذهب مالك أمران، البلوغ بالاحتلام أو ما يقوم مقامه حسب الخلاف في ذلك، والرشد في المال، واختلف هل من شروط ذلك الرشد في الدين على قولين، فابن القاسم لا يراعيه إذا كان ضابطاً لماله، وراعاه غيره من بعض أصحاب مالك، ومذهب أبي حنيفة أن الأشد هو البلوغ فقط فلا حجر عنده على بالغ إلا أن يعرف منه السفه.
قال القاضي أبو محمد: ولست من هذا التقييد في قوله على ثقة، وقال أبو إسحاق الزجاج الأشد في قوله أن تأتي على الصبي ثمان عشرة سنة، وإنما أراد أنها بعض ما قيل في حد البلوغ لمن لا يحتلم، وأما أن يكون بالغ رشيد تقي لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ هذه المدة فشيء لا أحفظ من يقوله، وقوله: {بالعهد} لفظ عام لكل عهد وعقد بين الإنسان وبين ربه أو بينه وبين المخلوقين في طاعة، وقوله: {إن العهد كان مسؤولاً} أي مطلوباً ممن عهد إليه أو عوهد هل وفى به أم لا؟.
وقوله تعالى: {وأوفوا الكيل} الآية، أمر الله تعالى في هذه الآية أهل التجر والكيل والوزن أن يعطوا الحق في كيلهم ووزنهم، وروي عن ابن عباس أنه كان يقف في السوق ويقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم، هذا المكيال وهذا الميزان.
قال القاضي أبو محمد: وتقتضي هذه الآية أن الكيل على البائع، لأن المشتري لا يقال له أوف الكيل، هذا ظاهر اللفظ والسابق منه، و{القسطاس} قال الحسن هو القبان، ويقال القفان وهو القلسطون، ويقال القرسطون، وقيل: القسطاس الميزان صغيراً كان أو كبيراً، وقال مجاهد {القسطاس} العدل، وكان يقول هي لغة رومية، فكأن الناس قيل لهم زنوا بمعدلة في وزنكم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {القُسطاس} بضم القاف، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {القِسطاس} بكسر القاف، وهما لغتان، واللفظة منه للمبالغة من القسط، والمراد بها في الآية جنس الموازين المعدّلة على أي صفة كانت، قال أبو حاتم إنما قرأ بكسر القاف أهل الكوفة، وكل قراءة لا تجاوز الكوفة إلى الحرمين والبصرة فاقرأ بغيرها، وقرأت فرقة {القصطاس} بالصاد.
قال القاضي أبو محمد: وكان مذهب مجاهد في هذا وفي ميزان القيامة، وكل ذلك أنها استعارات للعدل، وقوله: في ميزان القيامة مردود، وعقيدة أهل السنة أنه ميزان له عمود وكفتان.
وسمعت أبي رضي الله عنه يقول رأيت الواعظ أبا الفضل الجوهري في جامع عمرو بن العاص يعظ الناس في الوزن فقال في جملة كلامه إن هيئة اليد بالميزان عظة وذلك أن الأصابع تجيء منها صورة المكتوبة ألف ولامان وهاء فكأن الميزان يقول الله الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وعظ جميل، والتأويل في هذه الآية المآل. قاله قتادة، ويحتمل أن يكون التأويل مصدر تأول أي يتأول عليكم الخير في جميع أموركم إذا أحسنتم في الكيل والوزن، والفرض من أمر الكيل والوزن تحري الحق، فإن غلب الإنسان تعد تحريه شيء يسير من تطفيف شاذاً لم يقصده بذلك نزر موضوع عنه إثمه، وذلك ما لا يكون الانفكاك عنه في وسع، وقوله: {ولا تقف} معناه ولا تقل ولا تتبع.
قال القاضي أبو محمد: لكنها لفظة تستعمل في القذف والعضه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن بنو النضر لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا»، ونقول فلان قفوتي أي موضع تهمتي، وتقول العرب رب سامع عذرتي ولم يسمع قفوتي أي ما رميت به، وهذا مثل للذي يفشي سره ويعتذر من ذنب لم يسمعه المعتذر إليه، وقد قال ابن عباس أيضاً ومجاهد: {ولا تقف} معناه، ولا ترم، ومن هذه اللفظة قول الشاعر:
ومثل الدمى شم العرانين ساكن ** بهن الحياء لا يشعن التقافيا

وقال الكميت: [الوافر]
ولا أرم البرى بغير ذنب ** ولا أقفو الحواضن إن قفينا

وأصل هذه اللفظة من اتباع الأثر، تقول قفوت الأثر، ويشبه أن هذا من القفا مأخوذ، ومنه قافية الشعر لأنها تقفو البيت، وتقول قفت الأثر، ومن هذا: هو القائف، وتقول فقوت الأثر بتقديم الفاء على القاف، ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في بعض الألفاظ، كما قالوا وعمري في لعمري وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت قفا وقاف مثل عثا وعاث، فمعنى الآية، ولا تتبع لسانك من القول ما لا علم لك به، وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جبذ وجذب فهذه الآية بالجملة تنهى عن قول الزور والقذف وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة الردية، وقرأ الجمهور {ولا تقف}، وقرأ بعض الناس فيما حكى الكسائي {ولا تقُفْ} بضم القاف وسكون الفاء، وقرأ الجراح {والفآد} بفتح الفاء وهي لغة، وأنكرها أبو حاتم وغيره، وعبر عن {السمع والبصر والفؤاد} ب {أولئك} لأنها حواس لها إدراك، وجعلها في هذه الآية مسؤولة، فهي حالة من يعقل، فلذلك عبر عنها ب {أولئك}، وقد قال سيبويه رحمه الله في قوله تعالى: {رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4] إنه إنما قال رأيتهم في نجوم لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل، عبر عنها بكناية من يعقل، وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل ب أولئك، وأنشد هو والطبري: [الكامل].
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيام

فأما حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأما البيت فالرواية فيه الأقوام، والضمير في {عنه} يعود على ما ليس للإنسان به علم، ويكون المعنى أن الله تعالى يسأل سمع الإنسان، وبصره، وفؤاده عما قال مما لا علم له به، فيقع تكذيبه من جوارحه وتلك غاية الخزي، ويحتمل أن يعود الضمير في {عنه} على كل التي هي للسمع والبصر والفؤاد، والمعنى أن الله تعالى يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصر وفؤاده، فكأنه قال كل هذه كان الإنسان عنه مسؤولاً، أي عما حصل لهؤلاء من الإدراكات ووقع منها من الخطأ، فالتقدير عن أعمالها مسؤولاً، فهو على حذف مضاف.

.تفسير الآيات (37- 40):

{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}
قرأ الجمهور {مرَحاً} بفتح الراء مصدر من مرَح يمرَح إذا تسبب مسروراً بدنياه مقبلاً على راحته، فهذا هو المرح، فنهي الإنسان في هذه الآية أن يكون مشيه في الأرض على هذا الوجه، ثم قيل له إنك لن تقطع الأرض وتمسحها بمشيك، ولن تبلغ أطوال الجبال فتنالها طولاً، فإذا كنت لا تستوي في الأرض بمشيك فَقَصْرُكَ نفسك على ما يوجبه الحق من المشي والتصرف أولى وأحق، وخوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية والمراد الناس كلهم.
قال القاضي أبو محمد: وإقبال الناس على الصيد ونحوه تنزهاً دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية، وأما الرجل يستريح في اليوم النادر أو الساعة من يومه يجم بها نفسه في التفرج والراحة ليستعين بذلك على شغل من البر كقراءة علم أو صلاة، فليس ذلك بداخل في هذه الآية، وقرأت فرقة فيما حكى يعقوب {مرِحاً} بكسر الراء على بناء اسم الفاعل، وهذا المعنى يترتب على هذه القراءة، ولكن يحسن معها معنى آخر ذكره الطبري مع القراءة الأولى وهو بهذه القراءة أليق، وهو أن قوله: {لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} أراد به أنك أيها المرح المختال الفخور لا تخرق الأرض ولا تطاول الجبال بفخرك وكبرك، وذهب بالألفاظ إلى هذا المعنى، ويحسن ذلك مع القراءة بكسر الراء من المرح، لأن الإنسان نهي حينئذ عن التخلق بالمرح في كل أوقاته، إذ المشي في الأرض لا يفارقه، فلم ينه إلا عن يكون مرحاً، وعلى القراءة الأخرى إنما نهي من ليس بمرح عن أن يمشي في بعض أوقاته مرحاً فيترتب في المرِح بكسر الراء أن يؤخذ بمعنى المتكبر المختال، وخرق الأرض قطعها، والخرق الواسع من الأرض ومنه قول الشاعر: [المتقارب]
وخرق تجاوزت مجهوله ** بوجناء خرق تشكى الكلالا

ويقال لثقب الأرض، وليس هذا المعنى في الآية، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق

وقرأ الجراح الأعرابي {تخرُق} بضم الراء، وقال أبو حاتم: لا تعرف هذه اللغة، وقوله تعالى: {كل ذلك كان سيئة} الآية، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأبو جعفر والأعرج {سيئة}، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن ومسروق {سيئه} على إضافة سيئ إلى الضمير، والإشارة على القراءة الأولى إلى ما تقدم ذكره مما نهي عنه كقول أف وقذف الناس والمرح وغير ذلك، والإشارة على القراءة الثانية إلى جميع ما ذكر في هذه الآيات من بر ومعصية، ثم اختص ذكر السيئ منه بأنه مكروه عند الله تعالى، فأما من قرأ {سيئه} بالإضافة إلى الضمير فإعراب قراءته بين: وسيئ اسم {كان} و{مكروهاً} خبرها، وأما من قرأ {سيئة} فهي الخبر ل {كان}، واختلف الناس في إعراب قوله: {مكروهاً}، فقالت فرقة هو خبر ثان ل {كان} حمله على لفظ كل، و{سيئة} محمول على المعنى في جميع هذه الأشياء المذكورة قبل، وقال بعضهم هو نعت ل {سيئة} لأنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر.
قال القاضي أبو محمد: وضعف أبو علي الفارسي هذا، وقال إن المؤنث إذا ذكر فإنما ينبغي أن يكون ما بعده وفقه، وإنما التساهل أن يتقدم الفعل المسند إلى المؤنث وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر ألا ترى أن قول الشاعر: [المتقارب].
فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل إبقالها

مستقبح عندهم، ولو قال قائل، أبقل أرض لم يكن قبيحاً، قال أبو علي ولكن يجوز في قوله: {مكروهاً} أن يكون بدلاً من {سيئة}، قال ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله: {عند ربك} ويكون قوله: {عند ربك} في موضع الصفة ل {سيئة}، وقرا عبد الله بن مسعود {كان سيئاته}، وروي عنه {كان سيئات} بغير هاء، وروي عنه {كان خبيثة}، وذهب الطبري إلى أن هذه النواهي كلها معطوفة على قوله أولاً: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] وليس ذلك بالبين، قوله: {ذلك مما أوحى إليك ربك} الآية. الإشارة ب {ذلك} إلى هذه الآداب التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة أي هذه من الأفعال المحكمة التي تقتضيها حكمة الله في عباده وخلقه لهم محاسن الأخلاق، و{الحكمة} قوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة، ثم عطف قوله: {ولا تجعل} على ما تقدم من النواهي، والخطاب للنبي عليه السلام، والمراد كل من سمع الآية من البشر، والمدحور، المهان المبعد، وقوله: {أفأصفاكم} الآية، خطاب للعرب التي كانت تقول الملائكة بنات الله، فقررهم الله على هذه الحجة، أي أنتم أيها البشر لكم الأعلى من النسل ولله الإناث؟ فلما ظهر هذا التباعد الذي في قولهم عظم الله عليهم فساد ما يقولونه وشنعته، ومعناه عظيماً في المنكر والوخامة، و{أصفاكم} معناه جعلكم أصحاب الصفوة، وحكى الطبري عن قتادة عن بعض أهل العلم أنه قال: نزلت هذه الآية في اليهود لأنهم قالوا هذه المقالة من أن الملائكة بنات الله.