فصل: تفسير الآيات (52- 55):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (52- 55):

{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
{يوم}: بدل من قوله: {قريباً} [الإسراء: 51]، ويظهر أن يكون المعنى: هو يوم، جواباً لقولهم: {متى هو} [ذاته] ويريد: يدعوكم من قبوركم بالنفخ في الصور، لقيام الساعة، وقوله: {فتستجيبون} أي بالقيام والعودة والنهوض نحو الدعوة، وقوله: {بحمده}، حكى الطبري عن ابن عباس أنه قال معناه: بأمره، وكذلك قال ابن جريج، وقال قتادة معناه: بطاعته ومعرفته، وهذا كله تفسير لا يعطيه اللفظ ولا شك أن جيمع ذلك بأمر الله تعالى وإنما معنى {بحمده}: إما أن جميع العالمين، كما قال ابن جبير، يقومون وهم يحمدون الله ويحمدونه لما يظهر لهم من قدرته، وإما أن قوله: {بحمده} هو كما تقول لرجل خصمته وحاورته في علم قد أخطأت بحمد الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم في هذه الآيات: عسى، أن الساعة قريبة، يوم يدعون فيقومون بخلاف ما تعتقدون الآن، وذلك بحمد الله على صدق خبري، نحا هذا المنحى الطبري ولم يخلصه، وقوله تعالى {وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً} يحتمل معنيين: أحدهما أنه أخبر أنهم لما رجعوا إلى حالة الحياة، وتصرف الأجساد، وقع لهم ظن أنهم لم ينفصلوا عن حال الدنيا إلا قليلاً لمغيب علم مقدار الزمن عنهم، إذ من في الآخرة لا يقدر زمن الدنيا، إذ هم لا محالة أشد مفارقة لها من النائمين، وعلى هذا التأويل عول الطبري، واحتج بقوله تعالى: {كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أبو بعض يوم} [المؤمنون: 112-113]، والآخر: أن يكون الظن بمعنى اليقين فكأنه قال لهم: يوم تدعون فتستجيبون بحمد الله، وتتيقنون أنكم إنما لبثتم قليلاً، من حيث هو منقض منحصر، وهذا كما يقال في الدنيا بأسرها: متاع قليل، فكأنه قلة قدر على أن الظن بمعنى اليقين يقلق هاهنا لأنه في شيء قد وقع، وإنما يجيء الظن بمعنى اليقين فيما لم يخرج بعد إلى الكون والوجود، وفي الكلام تقوية للبعث، كأنه يقول: أنت أيها المكذب بالحشر، الذي تعتقد أنك لا تبعث أبداً، لابد أن تدعى للبعث، فتقوم، وترى أنك إنما لبثت قليلاً منقضياً منصرماً. وحكى الطبري عن قتادة أنهم لما رأوا هول يوم القيامة احتقروا الدنيا فظنوا أنهم لبثوا فيها قليلاً. وقوله تعالى: {وقل لعبادى} الآية اختلف النحويون في قوله: {يقولوا} فمذهب سيبويه، أنه جواب شرط مقدر تقديره: وقل لعبادي: إنك إن تقل لهم يقولوا، وهذا على أصله، في أن الأمر لا يجاب، وإنما يجاب معه شرط مقدر، ومذهب الأخفش: أن الأمر يجاب، وأن قوله هاهنا {يقولوا} إنما هو جواب {قل}.
قال القاضي أبو محمد: ولا يصح المعنى على هذا بأن يجعل {قل} مختصة بهذه الألفاظ على معنى أن يقول لهم النبي: قولوا التي هي أحسن؛ وإنما يصح بأن يكون {قل} أمراً بالمحاورة في هذا المعنى بما أمكن من الألفاظ، كأنه قال بين لعبادي، فتكون ثمرة ذلك القول والبيان قولهم {التي هي أحسن}، وهذا المعنى يجوزه مذهب سيبويه الذي قدمنا ومذهب أبي العباس المبرد: أن {يقولوا} جواب لأمر محذوف، تقديره: وقل لعبادي {قولوا التي هي أحسن} يقولوا فحذف وطوي الكلام، ومذهب الزجاج: أن {يقولوا} جزم بالأمر، بتقدير {قل لعبادي} ليقولوا، فحذفت اللام لتقدم الأمر، وحكى أبو علي في الحلبيات في تضاعيف كلامه: أن مذهب أبي عثمان المازني في {يقولوا} أنه فعل مبني، لأنه مضارع حل محل المبني الذي هو فعل الأمر؛ لأن المعنى {قل لعبادي} قولوا، واختلف الناس في {التي هي أحسن} فقالت فرقة: هي لا إله إلا الله، ويلزم على هذا أن يكون قوله: {لعبادي} يريد به جميع الخلق، لأن جميعهم مدعو إلى لا إله إلا الله.
ويجيء قوله بعد ذلك {إن الشيطان ينزع بينهم} غير مناسب للمعنى، إلا على تكره، بأن يجعل {بينهم} بمعنى خلالهم، وأثناءهم، ويجعل النزع بمعنى الوسوسة والإضلال، وقال الجمهور: {التي هي أحسن} هي المحاورة الحسنى بحسب معنى قال الحسن: يقول: يغفر الله لك، يرحمك الله، وقوله: {لعبادي} خاص بالمؤمنين، فكأن الآية بمعنى قوله عليه السلام، {وكونوا عباد الله إخواناً} ثم اختلفوا، فقالت فرقة: أمر الله المؤمنين فيما بينهم بحسن الأدب، وخفض الجناح، وإلانة القول، واطراح نزغات الشيطان، وقالت فرقة: إنما أمر الله في هذه الآية المؤمنين بالإنة القول للمشركين بمكة، أيام المهادنة، وسبب الآية: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه بعض الكفرة، فسبه عمر وهم بقتله، فكاد أن يثير فتنة، فنزلت الآية وهي منسوخة بآية السيف، وقرأ الجمهور: {ينزَغ} بفتح الزاي، وقرأ طلحة بن مصرف: {ينزغ}، بكسر الزاي على الأصل قال أبو حاتم: لعلها لغة، والقراءة بالفتح، ومعنى النزغ: حركة الشيطان بسرعة ليوجب فساداً، ومنه قول النبي عليه السلام «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزع الشيطان في يده» فهذا يخرج اللفظة عن الوسوسة، وعداوة الشيطان البينة هي قصته مع آدم عليه السلام فما بعد، وقوله تعالى: {ربكم أعلم بكم} الآية، هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة؛ وذلك أن هذه المخاطبة في قوله: {ربكم أعلم بكم} هي لكفار مكة بدليل قوله: {وما أرسلناك عليهم وكيلاً} فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال للكفار إنه أعلم بهم، ورجاهم وخوفهم، ومعنى {يرحمكم} بالتوبة عليكم من الكفر، قاله ابن جريج وغيره، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنما عليك البلاغ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد، فتتناسب الآيات بهذا التأويل ثم قال تبارك وتعالى لنبيه عليه السلام {وربك أعلم بمن في السماوات والأرض} وهو الذي فضل بعض الأنبياء على بعض بحسب علمه فيهم، فهذه إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى استبعاد قريش أن يكون الرسول بشراً، المعنى: لا تنكروا أمر محمد عليه السلام، وإن أوتي قرآناً، فقد فضل النبيون، وأوتي داود زبوراً، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته، وتفضيل بعض الرسل، هو إما بهذا الإخبار المجمل دون أن يسمى المفضول وعلى هذا يتجه لنا أن نقول محمد أفضل البشر، وقد نهى عليه السلام عن تعيين أحد منهم في قصة موسى ويونس، وإما أن يكون التفضيل مقسماً فيهم: أعطي هذا التكليم، وأعطيت هذه الخلفة، ومحمد الخمس، وعيسى الإحياء، فكلهم مفضول على وجه فاضل على الإطلاق، وقوله: {بمن في السماوات}، الباء متعلقة بفعل تقديره، علم من في السماوات ذهب إلى هذا أبو علي لأنه لو علقها ب {أعلم} لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يلزم ويصح تعلقها ب {أعلم} ولا يلتفت لدليل الخطاب وقرأ الجمهور: {زَبورا} بفتح الزاي، وهو فَعول بمعنى مفعول، وهو قليل لم يجئ إلا في قدوع وركوب وحلوب، وقرأ حمزة ويحيى والأعمش {زُبوراً} بضم الزاي، وله وجهان: أحدهما أن يكون جمع زبور بحذف الزائد، كما قالوا في جمع ظريف، ظروف، والآخر، أن يكون جمع زبور كأن ما جاء به داود، جزئ أجزاء كل جزء منها زبر، سمي بمصدر زبر يزبر، ثم جمع تلك الأجزاء على زبور، فكأنه قال: آتينا داود كتباً، ويحتمل أن يكون جمع زبر الذي هو العقل وسداد النظر، لأن داود أوتي من المواعظ والوصايا كثيراً، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم، في آخر كتاب مسلم: «وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له»، قال قتادة زبور داود مواعظ وحكم ودعاء ليس فيه حلال ولا حرام.

.تفسير الآيات (56- 59):

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}
الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم في هذه الآية، ليسوا عبدة الأصنام، وإنما هم عبدة من يعقل، واختلف في ذلك. فقال ابن عباس: هي في عبدة العزير والمسيح وأمه ونحوهم، وقال ابن عباس أيضاً، وابن مسعود: هي في عبدة الملائكة، وقال ابن مسعود أيضاً: هي في عبدة شياطين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم أولئك الشياطين، وعبدتهم بقوا يعبدونهم فنزلت الآية في ذلك.
وقال ابن عباس أيضاً: هي في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه، وأي ذلك كان، فمعنى الآية: قل لهؤلاء الكفرة {ادعوا} عند الشدائد، و{الضر} هؤلاء المعبودين، فإنهم لا يملكون كشفه ولا تحويله عنكم، ثم أخبرهم على قراءة ابن مسعود وقتادة {تدعون} بالتاء، أو أخبر النبي عليه السلام على قراءة الجمهور، {يدعون} بالياء من تحت، أن هؤلاء المعبودين، يطلبون التقرب إلى الله والتزلف إليه وأن هذه حقيقة حالهم، وقرأ ابن مسعود {إلى ربك}، والضمير في {ربهم} للمتبعين أو للجميع، و{الوسيلة}، هي القربة، وسبب الوصول إلى البغية، وتوسل الرجل: إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما، وقال عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة

ومنه قول النبي عليه السلام: «من سأل الله لي الوسيلة» الحديث. و{أيهم} ابتداء، و{أقرب} خبر، و{أولئك} يراد به المعبودون وهو: ابتداء خبره {يبتغون} والضمير في {يدعون} للكفار، وفي {يبتغون} للمعبودين، والتقدير: نظرهم ووكدهم أيهم أقرب وهذا كما قال عمر بن الخطاب في حديث الراية بخيبر: فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها أي يتبارون في طلب القرب، وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله، وقال ابن فورك وغيره: إن الكلام من قوله: {أولئك الذين} راجع إلى النبيين المتقدم ذكرهم، ف {يدعون} على هذا من الدعاء، بمعنى الطلبة إلى الله، والضمائر لهم في {يدعون} وفي {يبتغون} وباقي الآية بين. وقوله تعالى: {وإن من قرية} الآية: أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء، هذا مع السلامة وأخذها جزءاً أو هي معذبة مأخوذة مرة واحدة فهذا عموم في كل مدينة و{من} لبيان الجنس، وقيل المراد الخصوص {وإن من قرية} ظالمة، وحكى النقاش أنه وجد في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية استقراء البلاد المعروفة اليوم، وذكر الهلاك كل قطر منها صفة، ثم ذكر نحو ذلك عن وهب بن منبه، فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش فيها، وتركت سائرها لعدم الصحة في ذلك، والمعلوم أن كل قرية تهلك، إما من جهة القحوط والخسف غرقاً، وإما من الفتن، أو منهما، وصور ذلك كثيرة لا يعلمها إلا الله عزّ وجل، فأما ما هلك بالفتنة، فعن ظلم ولا بد، إما في كفر أو معاص، أو تقصير في دفاع، وحزامة، وأما القحط فيصيب الله به من يشاء، وكذلك الخسف.
وقوله: {مهلكوها} الضمير لها، وفي ضمن ذلك الأهل، وقوله: {معذبوها} هو على حذف مضاف، فإنه لا يعذب إلا الأهل، وقوله: {في الكتاب} يريد في سابق القضاء، وما خطه القلم في اللوح المحفوظ، والمسطور المكتوب إسطاراً، وقوله تعالى: {وما منعنا أن نرسل} الآية، هذه العبارة في معناها هي على ظاهر ما تفهم العرب، فسمى سبق قضائه بتكذيب من كذب وتعذيبه منعاً، وأن الأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع، والتقدير: وما منعنا الإرسال إلا التكذيب، وسبب هذه الآية أن قريشاً اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، واقترح بعضهم أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا الأرض، فأوحى الله إلى محمد عليه السلام، إن شئت أن أفعل ذلك لهم، فإن تأخروا عن لاإيمان عاجلتهم العقوبة، وإن شئت استأنيت بهم، عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تستأني بهم يا رب، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لم يمنعه من إرسال الآيات المقترحة إلا الاستيناء، إذ قد سلفت عادته بمعالجة الأمم الذين جاءتهم الآيات المقترحة فلم يؤمنوا، قال الزجاج: أخبر تعالى أن موعد كفار هذه الأمة الساعة، بقوله: {بل الساعة موعدهم} [القمر: 46]، فهذه الآية تنظر إلى ذلك، ثم ذكر أمر ثمود، احتجاجاً إن قال منهم قائل نحن كنا نؤمن لو جاءتنا آية اقترحناها ولا نكفر بوجه، فذكر الله تعالى ثمود، بمعنى: لا تؤمنون إن تظلموا بالآية كما ظلمت ثمود بالناقة، وقرأ الجمهور: {ثمود} بغير تنوين، قال هارون: أهل الكوفة ينونون {ثموداً} في كل وجه، قال أبو حاتم: لا تنون العامة والعلماء بالقرآن {ثمود} في وجه من الوجوه، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة، ونحن نقرؤها بغير ألف، وقوله: {مبصرة} على جهة النسب أي معها إبصار، كما قال: {آية النهار مبصرة} [الإسراء: 12] أي معها إبصار ممن ينظر، وهذا عبارة عن بيان أمرها، ووضوح إعجازها، وقرأ قوم {مُبصَرة} بضم الميم وفتح الصاد، حكاه الزجاج، ومعناه متبينة، وقرأ قتادة {مَبصَرة} بفتح الميم والصاد، وهي مَفعَلة من البصر ومثله قول عنترة: [الكامل].
الكفر مخبثة لنفس المنعم

وقوله: {فظلموا بها} أي وضعوا الفعل غير موضعه، أي بعقرها، وقيل بالكفر في أمرها، ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يرسل {بالآيات} غير المقترحة {تخويفاً} للعباد، وهي آيات معها إمهال لا معاجلة، فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك، قال الحسن والموت الذريع، وروي أن الكوفة رجفت في مدة عبد الله بن مسعود. فقال: أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه، ومن هذا قول النبي علي السلام في الكسوف: «فافزعوا إلى الصلاة» الحديث، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام: فقسم عام في كل شيء إذ حيثما وضعت نظرك وجدت آية، وهنا فكرة العلماء، وقسم معتاد غباً كالرعد والكسوف ونحوه، وهنا فكرة الجهلة فقط، وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوءة، وإنما يعتبر به توهماً لما سلف منه.