فصل: تفسير الآية رقم (60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (60):

{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}
قال الطبري: معنى قوله: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} أي في منعك يا محمد وحياطتك وحفظك، فالآية إخبار له بأنه محفوظ من الكفرة، آمن أن يقتل أو ينال بمكروه عظيم، أي فالتبليغ رسالة ربك، ولا تتهيب أحداً من المخلوقين، وهذا تأويل بيّن جار مع اللفظ، وقد روي نحوه عن الحسن بن أبي الحسن والسدي، إلا أنه لا يناسب ما بعده مناسبة شديدة، ويحتمل أن يجعل الكلام مناسباً لما بعده، توطئة له، فأقول: اختلف الناس في {الرؤيا}، فقال الجمهور: هي رؤيا عين ويقظة، وهي ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، قالوا: فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء بما رأى في تلك الليلة من العجائب، قال الكفار إن هذا لعجيب تحت الحداة إلى بيت المقدس شهرين إقبالاً وإدباراً، ويقول محمد إنه جاءه من ليلة وانصرف منه، فافتتن بهذا التلبيس قوم من ضعفة المسلمين، فارتدوا وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآيات فعلى هذا، يحسن أن يكون معنى قوله: {وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} أي: في إضلالهم وهدايتهم، وأن كل واحد ميسر لما خلق له، أي فلا تهتم أنت بكفر من كفر، ولا تحزن عليهم، فقد قيل لك إن الله محيط بهم مالك لأمرهم، وهو جعل رؤياك هذه فتنة ليكفر من سبق عليه الكفر، وسميت الرؤية في هذا التأويل رؤيا، إذ هما مصدران من رأى، وقال النقاش جاء ذلك على اعتقاد من اعتقد أنها منامة وإن كانت الحقيقة غير ذلك. وقالت عائشة {الرؤيا} في الإسراء رؤيا منام، وهذا قول الجمهور على خلافه، وهذه الآية تقضي بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها، وقد ذكر هذا مستوعباً في صدر السورة، وقال ابن عباس: {الرؤيا} التي في هذه الآية، هي رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدخل مكة، فعجل في سنة الحديبية فرد، فافتتن المسلمون بذلك، فنزلت الآيات، وقال سهل بن سعد: إنما هذه الرؤيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فاهتم لذلك وما استجمع ضاحكاً من يومئذ حتى مات، فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من ملكهم وصعودهم المنابر، إنما يجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً، ويجيء قوله: {أحاط بالناس} أي بأقداره، وأن كل ما قدره نافذ، فلا تهتم بما يكون بعدك من ذلك وقد قال الحسن بن علي، في خطبته في شأن بيعته لمعاوية {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} [الأنبياء: 111]، وفي هذا التأويل نظر، ولا يدخل في هذه الرؤيا عثمان بن عفان، ولا عمر بن عبد العزيز، ولا معاوية، وقوله: {والشجرة الملعونة في القرآن}: معطوفة على قوله: {الرؤيا}، أي جعلنا الرؤيا والشجرة فتنة {والشجرة} هنا في قول الجمهور هي شجرة الزقوم، وذلك أن أمرها لما نزل في سورة الصافات قال أبو جهل وغيره هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنها تنبت الشجر، والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد، ثم أمر أبو جهل جارية له، فأحضرت تمراً وزبداً وقال لأصحابه تزقموا، فافتتن أيضاً بهذه المقالة بعض الضعفاء، فأخبر الله نبيه أنه إنما جعل الإسراء وذكر شجرة الزقوم فتنة واختباراً ليكفر من سبق عليه الكفر، ويصدق من سبق له الإيمان، كما روي أن أبا بكر الصديق، قيل له، صبيحة الإسراء إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة بيت المقدس وانصرف منه فقال إن كان قال ذلك فلقد صدق، فقيل له: أتصدقه قبل أن تسمع منه، قال: أين عقولكم، أنا أصدقه بخبر السماء فكيف لا أصدقه بخبر بيت المقدس والسماء أبعد منها بكثير. وقالت فرقة: {والشجرة}: إشارة إلى القوم المذكورين قبل في {الرؤيا}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف محدث، وليس هذا عن سهل بن سعد، ولا مثله، وقال الطبري عن ابن عباس: إن {الشجرة الملعونة} يريد الملعون آكلها، لأنها لم يجر لها ذكر.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يريد {الملعونة}، هنا فأكد الأمر بقوله: {في القرآن} وقالت فرقة: {الملعونة}، المبعدة المكروهة، وهذا أراد لأنها لعنها بلفظ اللعنة المتعارف، وهذا قريب في المعنى من الذي قبله، وأيضاً فما ينبت في أصل الجحيم، فهو في نهاية البعد من رحمة الله، وقوله: {ونخوفهم} يريد: إما كفار مكة، وإما الملوك من بني أمية بعد الخلافة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم، «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً» والأول منها أصوب كما قلنا قبل، وقوله: {فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً} يريد كفرهم وانتهاكهم فيه كقول أبي جهل في الزقوم والتزقم، فقد قال النقاش إن في ذلك نزلت، وفي نحوه وقرأ الأعمش {ويخوفهم} وقرأ الجمهور و{ونخوفهم} بالنون.

.تفسير الآيات (61- 65):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}
المعنى: واذكر إذ قلنا، وكذلك {إذ} [الإسراء: 60] في الآية المتقدمة: هي منصوبة بفعل مضمر، وقد تقدم في غير موضع ذكر خلق آدم وأمر السجود، واختلف في قوله: {إلا إبليس} فقيل هو استثناء منقطع، لأن {إبليس} لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل لأن إبليس من الملائكة، وقوله: {طيناً} يصح أن يكون تمييزاً، ويصح أن يكون حالاً، وقاس {إبليس} في هذه النازلة فأخطأ، وذلك أنه رأى الفضيلة لنفسه، من حيث رأى النار أفضل من الطين، وجهل أن الفضائل في الأشياء، إنما تكون حيث خصصها الله تعالى، ولا ينظر إلى أصولها. وذكر الطبري عن ابن عباس أن إبليس هو الذي أمره الله فأخذ من الأرض طينة آدم، والمشهور أنه ملك الموت، وكفر إبليس في أن جهل صفة العدل من الله تعالى، حين لحقته الأنفة، والكبر، وكان أصل ذلك الحسد، ولذلك قيل: إن أول ما عصي الله بالحسد، وظهر ذلك من إبليس، من قوله: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} {أنا خير منه} [الأعراف: 11] حسبما ذكر الله في آية أخرى. فهذا هو النص بأن فعلك غير مستقيم، والكاف في قوله: {أرأيتك} هي كاف خطاب ومبالغة في التنبيه، لا موضع لها من الإعراب، فهي زائدة، ومعنى أرأيت: أتأملت ونحوه، كأن المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه عليه بعد، وقال سيبويه: هي بمعنى أخبرني، ومثل بقوله أرأيتك زيداً أبو من هو؟ وقاله الزجاج: في {آياتنا} [طه: 56] ولم يمثل، وقول سيبويه: صحيح حيث يكون بعدها استفهام كمثاله، وأما في هذه الآية، فهي كما قلت، وليست التي ذكر سيبويه رحمه الله، وقرأ ابن كثير {أخرتني} بياء في الوصل والوقف، وهذا هو الأصل، وليس هذا الموضع كالقافية التي يحسن فيها الحذف، كمثل قول الأعشى: [المتقارب]
فهل يمنعني ارتياد البلاد ** من حذر الموت أن يأتين

وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء في الوصل وبحذفها في الوقف، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي {أخرتن} بحذف الياء في الوصل والوقوف، وهذا تشبيه بياء قاض ونحوه، لكونها ياء متطرقة قبلها كسرة، ومنه قوله تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه} [هود: 105] وقوله: {لأحتنكن} معناه: لأميلن ولأجرن، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل أو غيره فتنقاد، وألسنة تحتنك المال، أي تجتره، ومنه قول الشاعر:
تشكو إليك سنة قد أجحفت ** جهداً إلى جهة بنا فأضعفت

واحتنكت أموالنا وجلفت

ومن هذا الشعر، قال الطبري {لأحتنكن} معناه: لاستأصلن، وعبر ابن عباس في ذلك ب لأستولين، وقال ابن زيد لأضلن، وهذا بدل اللفظ لا تفسير، وحكم إبليس بهذا الحكم على ذرية آدم، من حيث رأى الخلقة مجوفة مختلفة الأجزاء وما اقترن بها من الشهوات والعوارض، كالغضب ونحوه، ثم استثنى القليل، لعلمه أنه لابد أن يكون في ذريته من يصلب في طاعة الله، وقوله: {اذهب} وما بعده من الأوامر، هو صيغة افعل من التهديد، كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] و{تبعك} معناه في طريق الكفر الذي تدعو إليه، فالآية في الكفار وفي من ينفذ عليه الوعيد من العصاة وقوله: {جزاء} مصدر في موضع الحال، والموفور المكمل {واستفزز} معناه استخف واخدع حتى يقع في إرادتك، تقول استفزني فلان في كذا إذا خدعك حتى تقع في أمر أراده، ومن الخفة قيل لولد البقرة فز ومثله قول زهير:
كما استغاث بسيئ فز غيطلة ** خاف العيون فلم ينظر به الحشك

والصوت هنا: هو الغناء والمزامير والملاهي، لأنها أصوات كلها مختصة بالمعاصي، فهي مضافة إلى {الشيطان}، قاله مجاهد، وقيل معناه: بدعائك إياهم إلى طاعتك، قال ابن عباس: صوته، كل داع إلى معصية الله، والصواب أن يكون الصوت يعم جميع ذلك. وقوله: {وأجلب} أي هول؛ والجلبة: الصوت الكثير المختلط الهائل، وقرأ الحسن: {واجلُب} بوصل الألف وضم اللام. وقوله: {بخيلك ورجلك} قيل هذا مجاز واستعارة، بمعنى: اسع سعيك، وابلغ جهدك، وقيل معناه: أن له من الجن خيلاً ورجلاً، قاله قتادة، وقيل المراد: فرسان الناس ورجالتهم، المتصرفون في الباطل، فإنهم كلهم أعوان إبليس على غيرهم، قاله مجاهد وقرأ الجمهور {ورجْلك} بسكون الجيم، وهو جمع راجل، كتاجر وتجر، وصاحب وصحب، وشارب وشرب، وقرأ حفص عن عاصم: {ورجِلك} بكسر الجيم على وزن فعل، وكذلك قرأ الحسن وأبو عمرو بخلاف عنه، وهي صفة؛ تقول فلان يمشي رجلاً، غير راكب، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
أنا أقاتل عن ديني على فرسي ** ولا كذا رجلاً إلا بأصحابي

وقرأ قتادة وعكرمة: {ورجالك}. {وشاركهم في الأموال} عام: لكل معصية يصنعها الناس بالمال، فإن ذلك المصرف في المعصية، هو خط إبليس، فمن ذلك البحائر وشبهها، ومن ذلك مهر البغي، وثمن الخمر، وحلوان الكاهن، والربا، وغير ذلك مما يوجد في الناس دأباً. وقوله: {والأولاد} عام لكل ما يصنع في أمر الذرية من المعاصي فمن ذلك الإيلاد بالزنا، ومن ذلك تسميتهم عبد شمس، وعبد الجدي، وأبا الكويفر، وكل اسم مكروه ومن ذلك الوأد الذي كانت العرب تفعله، ومن ذلك صنعهم في أديان الكفر، وغير هذا، وما أدخل النقاش من وطء الجن وأنه تحبل المرأة من الإنس فضعيف كله. وقوله: {وعدهم} أي منّهم بما لا يتم لهم، وبأنهم غير مبعوثين، فهذه مشاركة في النفوس، ثم أخبر الله تعالى أنه يعدهم {غروراً} منه، لأنه لا يغني عنهم شيئاً، وقوله: {إن عبادي} الآية، قول من الله تعالى لإبليس، وقوله: {عبادي} يريد المؤمنين في الكفر، والمتقين في المعاصي، وخصهم باسم العباد، وإن كان اسماً عاماً لجميع الخلق، من حيث قصد تشريفهم والتنويه بهم، كما يقول رجل لأحد بنيه إذا رأى منه ما يحب: هذا ابني، على معنى التنبيه منه والتشريف له، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله» والسلطان الملكة والتغلب، وتفسيره هنا بالحجة قلق، ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام: {وكفى بربك} يا محمد حافظاً للمؤمنين، وقيماً على هدايتهم.

.تفسير الآيات (66- 69):

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)}
الإزجاء: سوق الثقيل السير، إما لضعف أو ثقل حمل أو غيره، فالإبل الضعاف تزجى، ومنه قول الفرزدق: [البسيط]
على زواحف تزجيها محاسير

والسحاب تزجى ومنه قوله تعالى {ألم تر أن الله يزجي سحاباً} [النور: 43] والبضاعة المزجاة هي التي تحتها لاختلالها أن تساق بشفاعة وتدفع بمعاون إلى الذي يقبضها، وإزجاء {الفلك} سوقه بالريح اللينة والمجاديف، و{الفلك} و{البحر} الماء الكثير عذباً كان أو ملحاً، وقد غلب الاسم على هذا المشهور، و{الفلك} تجري فيها. وقوله: {لتبتغوا من فضله} لفظ يعم البصر، وطلب الأجر، في حج أو غزو ونحوه، ولا خلاف في جواز ركوبه للحج والجهاد والمعاش، واختلف في وجوبه للحج، أعني الكثير منه، واختلف في كراهيته للثروة وتزيد المال، وقد روي عنه أنه قال البحر لا أركبه أبداً، وهذا حديث يحتمل أنه رأي رآه لنفسه، ويحتمل أنه أوحي إليه ذلك، وهذه الآية توقيف على آلاء الله وفضله عند عباده. و{الضر} لفظ يعم خوف الغرق، والامتساك في المشي، وأهول حالاته: اضطرابه وتموجه. وقوله: {ضل} معناه تلف وفقد، وهي عبارة تحقير لمن يدعي إلهاً من دون الله، والمعنى في هذه الآية أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة، وأن لها فضلاً، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علماً لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد العظام، فوفقهم الله من ذلك على حالة البحر. وقوله: {أعرضتم} أي لم تفكروا في صنع الله وقت حاجتكم إليه، وقوله: {كفوراً} أي بالنعم. و{الإنسان} هنا للجنس، وكل أحد لا يكاد يؤدي شكر الله تعالى كما يجب، وقال الزجاج {الإنسان} يراد به الكفار، وهذا غير بارع. وقوله: {أفأمنتم} الآية، المعنى {أفأمنتم} أيها المعرضون الناسون الشدة، حين صرتم إلى الرخاء أن يخسف الله بكم مكانكم من البر إذا أنتم في قبضه القدرة في البحر والبر، والحاصب العارض الرامي بالبرد والحجارة ونحو ذلك، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
مستقبلين شمال الشام تضربنا ** بحاصب كنديف القطن منثور

ومنه قول الأخطل: [الكامل]
ترمي العصاة بحاصب من ثلجها ** حتى يبيت على العضاه جمالا

ومنه الحاصب الذي أصاب قوم لوط، والحصب: الرمي بالحصباء، وهي الحجارة الصغار، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {يخسف} بالياء على معنى يخسف الله، وكذلك {يرسل} و{يعيد} و{يرسل} و{يغرق}، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ذلك كله بالنون، وقرأ أبو جعفر ومجاهد {تغرقكم} بالتاء أي الريح، وقرأ حميد {نغرقكم} بالنون حقيقة وأدغم القاف في الكاف، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن وقرأ الحسن وأبو رجاء {يغرّقكم} بشد الراء.
والوكيل: القائم بالأمور، والقاصف الذي يكسر كل ما يلقى ويقصفه، و{تارة}، جمعها تارات وتير، معناه: مرة أخرى، وقرأ أبو جعفر: {من الرياح} بالجمع. والتبيع: الذي يطلب ثأراً أو ديناً، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
غدوا وغدت غزلانهم فكأنها ** ضوامن عزم لزهن تبيع

ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «إذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع» فالمعنى لا تحدون من يتبع فعلنا بكم ويطب نصرتكم.