فصل: تفسير الآيات (87- 91):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (87- 91):

{قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}
{ظلم} في هذه الآية بمعنى كفر، ثم توعد الكافرين بتعذيبه إياهم قبل عذاب الله، وعقب لهم بذكر عذاب الله، لأن تعذيب ذي القرنين هو اللاحق عندهم، المحسوس لهم، الأقرب نكاية فلما جاء إلى وعد المؤمنين، قدم تنعيم الله تعالى الذي هو اللاحق عن المؤمنين، والآخر بإزائه حقير، ثم عبر أخيراً بذكر إحسانه في قول اليسر، وجعله قولاً، إذ الأفعال كلها خلق الله تعالى، فكأنه سلمها، ولم يراع تكسبه، وقرأت فرقة {نُكراً} بضم الكاف، وفرقة {نكْراً} بسكون الكاف، ومعناه المنكر الذي تنكره الأوهام لعظمه وتستهوله، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر: {جزاء الحسنى} بإضافة الجزاء إلى {الحسنى}، وذلك يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد ب {الحسنى} الجنة، والجنة هي الجزاء، فأضاف ذلك كما قال: {دار الآخرة} والدار هي الآخرة، والثاني أن يريد ب {الحسنى} أعمالهم الصالحة في إيمانهم، فوعدهم بجزاء الأعمال الصالحة، وقرأ حمزة الكسائي وحفص عن عاصم {جزاءً الحسنى} بنصب الجزاء على المصدر في موضع الحال، والحسنى: ابتداء خبره في المجرور، ويراد بها الجنة، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق {جزاءٌ} بالرفع والتنوين {الحسنى} وقرأ ابن عباس ومسروق: {جزاءَ} نصب بغير التنوين {الحسنى} بالإضافة، قال المهدوي: ويجوز حذف التنوين لالتقاء الساكنين، ووعدهم بذلك بأنه ييسر عليهم أمور دنياهم، وقرأ ابن القعقاع: {يسُراً} بضم السين، وقوله: {ثم أتبع سبباً} المعنى: ثم سلك ذو القرنين الطرق المؤدية إلى مقصده، فيجيء سبب الوصول، وكان ذو القرنين، على ما وقع في كتب التواريخ يدوس الأرض بالجيوش الثقال، والسيرة الحميدة، والإعداد الموفي، والحزم المستيقظ المتقد، والتأييد المتواصل، وتقوى الله عز وجل، فما لقي أمة ولا مر بمدينة إلا دانت له، ودخلت في طاعته، وكل من عارضه أو توقف عن أمره جعله عظة وآية لغيره، وله في هذا المعنى أخبار كثيرة وغرائب. وكرهت التطويل بها لأنها علم تاريخ. وقرأ الجمهور {مطلِع} بكسر اللام، وقرأ الحسن بخلاف وابن كثير وأهل مكة {مَطلَع الشمس} بفتح اللام، والقوم: الزنج، قاله قتادة وهم الهنود وما وراءهم، وقال النقاش في قوله: {لم نجعل لهم من دونها ستراً} معناه: أنه لهم بنيان، إذ لا تحمل أرضهم البناء، وإنما يدخلون من حر الشمس في أسراب، وقيل يدخلون في ماء البحر، قاله الحسن وقتادة وابن جريج، وكثر النقاش في غيره في هذا المعنى، والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم وفعلها، لقدرة الله تعالى فيهم، ونيلها منهم، ولو كان لهم أسراب تغني لكان ستراً كثيفاً، وإنما هم في قبضة القدرة، سواء كان لهم أسراب أو دور أو لم يكن، ألا ترى أن الستر، عندنا نحن، إنما هو من السحاب والغمام وبرد الهوى، ولو سلط الله علينا الشمس لأحرقتنا، فسبحان المنفرد بالقدرة التامة، وقوله: {كذلك} معناه: فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب، فأوجز بقوله: {كذلك} ثم أخبر الله تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين، وما تصرف من أفعاله ويحتمل أن يكون {كذلك} استئناف قول، ولا يكون راجعاً على الطائفة الأولى، فتأمله، والأول أصوب.

.تفسير الآيات (92- 95):

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قرأت فرقة {اتّبع} بشد التاء، وقرأت فرقة {أتبع} بتخفيفها، وقد تقدم ذكره وهذه الآية تقتضي أنه لما بلغ مطلع الشمس، أي أدنى الأرض من مطلع الشمس، {أتبع} بعد ذلك {سبباً}، أي طريقاً آخر، فهو، والله أعلم، إما يمنة وإما يسرة من مطلع الشمس، والسدان فيما ذكر أهل التفسير، جبلان سدا مسالك تلك الناحية من الأرض، وبين طرفي الجبلين فتح، هو موضع الردم، قال ابن عباس: الجبلان اللذان بينهما السد: أرمينية وأذربيجان، وقالت فرقة: هما من وراء بلاد الترك، ذكره المهدوي.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله غير متحقق، وإنما هما في طريق الأرض مما يلي المشرق ويظهر من ألفاظ التواريخ، أنه إلى ناحية الشمال، وأما تعيين موضع فيضعف، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم: {السُّدين} بضم السين، وكذلك سُداً حيث وقع، وقرأ حفص عن عاصم بفتح ذلك كله من جميع القرآن، وهي قراءة مجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي، وقرأ ابن كثير {السَّدين} بفتح السين وضم {سداً} في يس، واختلف بعد فقال الخليل وسيبويه: الضم هو الاسم والفتح هو المصدر، وقال الكسائي: الضم والفتح لغتان بمعنى واحد، وقرأ عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة ما كان من خلقة الله لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح.
قال القاضي أبو محمد: ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرأ {بين السُّدين} بالضم وبعد ذلك {سَداً} بالفتح، وهي قراءة حمزة والكسائي، وحكى أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة، وقال ابن أبي إسحاق: وما رأته عيناك فهو سُد بالضم، وما لا يرى فهو سَد بالفتح، والضمير في {دونهما} عائد على الجبلين، أي: وجدهم في الناحية التي تلي عمارة الناس إلى المغرب، واختلف في القوم، فقيل: هم بشر، وقيل جن، والأول أصح من وجوه، وقوله: {لا يكادون يفقهون قولاً} عبارة عن بعد السانهم عن ألسنة الناس، لكنهم فقهوا وأفهموا بالترجمة ونحوها، وقرأ حمزة والكسائي {يُفقهون} من أفقه، وقرأ الباقون {يَفقهون} من فقه، والضمير في {قالوا}: للقوم الذين من دون السدين، و{يأجوج ومأجوج}: قبيلتان من بني آدم لكنهم ينقسمون أنواعاً كثيرة، اختلف الناس في عددها، فاختصرت ذكره لعدم الصحة، وفي خلقهم تشويه: منهم المفرط الطول، ومنهم مفرط القصر، على قدر الشبر، وأقل، وأكثر، ومنهم صنف: عظام الآذان، الأذن الواحدة وبرة والأخرى زعرى يصيف بالواحدة ويشتو في الأخرى وهي تعمه، واختلفت القراءة فقرأ عاصم وحده {يأجوج ومأجوج} بالهمز وقرأ الباقون: {ياجوج وماجوج} بغير همزة فأما من همز، فاختلف: فقالت فرقة: هو أعجمي علتاه في منع الصرف: العجمة والتأنيث، وقالت فرقة: هو معرب من أجج وأج، علتاه في منع الصرف التعريف والتأنيث، وأما من لم يهمز فإما أن يراهما اسمين أعجميين، وإما أن يسهل من الهمز، وقرأ رؤبة بن العجاج: {آجوج ومأجوج} بهمزة بدل الياء، واختلف الناس في {إفسادهم} الذي وصفوهم به، فقال سعيد بن عبد العزيز: {إفسادهم}: أكل بني آدم، وقالت فرقة {إفسادهم} إنما عندهم توقعاً، أي سيفسدون، فطلبوا وجه التحرز منهم، وقالت فرقة: {إفسادهم} هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر، وهذا أظهر الأقوال، لأن الطائفة الشاكية إنما تشكت من ضرر قد نالها، وقولهم {فهل نجعل لك خرجاً} استفهام على جهة حسن الأدب، والخرج: المجبي، وهو الخراج، وقال فوم: الخرج: المال يخرج مرة، والخراج المجبي المتكرر، فعرضوا عليه أن يجمعوا له أموالاً يقيم بها أمر السد، قال ابن عباس {خرجاً}: أجراً وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم خرجاً وقرأ حمزة والكسائي {خراجاً} وهي قراءة طلحة بن مصرف والأعمش والحسن بخلاف عنه وروي في أمر {يأجوج ومأجوج} أن أرزاقهم هي من التنين يمطرونها، ونحو هذا مما لم يصح، وروي أيضاً أن الذكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف، والأنثى لا تموت حتى تخرج من بطنها ألف، فهم لذلك إذا بلغوا العدد ماتوا، ويروى أنهم يتناكحون في الطرق كالبهائم، وأخبارهم تضيق بها الصحف، فاختصرتها لضعف صحتها وقوله: {قال ما مكني} الآية، المعنى قال لهم ذو القرنين: ما بسطه الله لي من القدرة والملك، خير من خرجكم وأموالكم، ولكن أعينوني بقوة الأبدان، ويعمل منكم بالأيدي، وقرأ ابن كثير {ما مكنني} بنونين، وقرأ الباقون {ما مكني} بإدغام النون الأولى في الثانية، وهذا من تأييد الله تعالى لذي القرنين، فإنه {تهدما} في هذه المحاورة إلى الأنفع الأنزه، فإن القوم، لو جمعوا له خرجاً لم يمنعه منهم أحد، ولوكلوه إلى البنيان، ومعونتهم بالقوة أجمل به، وأمر يطاول مدة العمل، وربما أربى على المخرج، والردم أبلغ من السد، إذ السد كل ما سد به، والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع، ومنه ردم ثوبه: إذا رقعه برقاع متكاثفة، بعضها فوق بعض، ومنه قول الشاعر: [الكامل]
هل غادر الشعراء من متردم ** أي من قول يركب بعضه على بعض.

.تفسير الآيات (96- 100):

{آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)}
قرأ عاصم وحمزة {ايتوني} بمعنى جيئوني، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي {آتوني} بمعنى أعطوني، وهذا كله إنما هو استدعاء إلى المناولة، لا استدعاء العطية والهبة، لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخرج، فلم يبق الاستدعاء المناولة، وإعمال القوة، و{ايتوني}: أشبه بقوله: فأعينوني بقوة، ونصب الزبر به على نحو قول الشاعر: أمرتك الخير، حذف الجار فنصب الفعل وقرأ الجمهور {زبَر} بفتح الباء، وقرأ الحسن بضمها، وكل ذلك جمع زبرة، وهي القطعة العظيمة منه، والمعنى: فرصفه وبناه، حتى إذا ساوى بين الصدفين، فاختصر ذلك لدلالة الظاهر عليه، وقرأ الجمهور {ساوى} وقرأ قتادة {سوى}، والصدفان: الجبلان المتناوحان، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان لاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر، وقرأ نافع وحمزة والكسائي {الصَّدَفين} بفتح الصاد وشدها وفتح الدال، وهي قراءة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو {الصُّدفين} بضم الصاد والدال، وهي قراءة مجاهد والحسن، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بضم الصاد وسكون الدال، وهي قراءة أبي رجاء وأبي عبد الرحمن وقرأ الماجشون بفتح الصاد وضم الدال، وقراءة قتادة {بين الصَّدْفين}، بفتح الصاد وسكون الدال، وكل ذلك بمعنى واحد: هما الجبلان المتناوحان، وقيل الصدفان: السطحان الأعليان من الجبلين، وهذا نحو من الأول، وقوله: {قال انفخوا} إلى آخر الآية معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة، ثم يوقد عليها، حتى تحمى، ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو الرصاص أو بالحديد، بحسب الخلاف في القطر، فيفرغه، على تلك الطاقة المنضدة، فإذا التأم واشتد استأنف وصف طاقة أخرى، إلى أن استوى العمل، وقرأ بعض الصحابة: {بقطر أفرغ عليه}، وقال أكثر المفسرين: القطر: النحاس المذاب، ويؤيد هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني رأيت سد يأجوج ومأجوج، «قال كيف رأيته؟» قال رأيته كالبرد المحبر: طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد رأيته»، وقالت فرقة القطر: الرصاص المذاب، وقالت فرقة الحديد المذاب، وهو مشتق من قطر يقطر، والضمير في قوله: {استطاعوا} ل {يأجوج ومأجوج} [الكهف: 94]، وقرأت فرقة{فما اسْطاعوا}بسكون السين وتخفيف الطاء، وقرأت فرقة بشد الطاء، وفيها تكلف الجمع بين ساكنين و{يظهروه} معناه: يعلونه بصعود فيه، ومنه في الموطأ: والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، {وما اسطاعوا له نقباً} لبعد عرضه وقوته ولا سبيل سوى هذين إما ارتقاء وإما نقب، وروي أن في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسين فرسخاً، وروي غير هذا مما لا ثبوت له، فاختصرناه، إذ لا غاية للتخرص، وقوله في هذه الآية {انفخوا} يريد بالأكيار، وقوله: {اسطاعوا} بتخفيف الطاء، على قراءة الجمهور قيل هي لغة بمعنى استطاعوا وقيل بل استطاعوا بعينه، كثر في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء، فقالوا: {اسطاعوا}، وحذف بعضهم منه الطاء فقال: استاع يستيع بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة وقرأ حمزة وحده{فما اسطّاعوا}بتشديد الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه، قال أبو علي: هي غير جائزة، وقرأ الأعمش: {فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا}بالتاء في الموضعين، وقوله: {هذا رحمة} الآية القائل: ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به، وقرأ ابن أبي عبلة{هذه رحمة}، والوعد: يحتمل أن يريد به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد به وقت خروج يأجوج ومأجوج، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر{دكاً}مصدر دك يدك إذا هدم ورض، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي{دكاء} بالمد، وهذا على التشبيه بالناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره جعله مثل دكاء، وأما النصب في {دكاً} فيحتمل أن يكون مفعولاً ثانياً ل جعل، ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق، وينصب {دكاً} على الحال، وكذلك أيضاً النصب في قراءة من مد يحتمل الوجهين، والضمير في {تركنا} لله عز وجل، وقوله: {يومئذ} يحتمل أن يريد به يوم القيامة لأنه قد تقدم ذكره، فالضمير في قوله: {بعضهم} على ذلك لجميع الناس، ويحتمل أن يريد بقوله: {يومئذ} يوم كمال السد، فالضمير في قوله: {بعضهم} على ذلك {يأجوج ومأجوج} [الكهف: 94]، واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض كالمولهين من هم وخوف ونحوه، فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض، وقوله: {ونفخ في الصور} إلى آخر الآية معني به يوم القيامة بلا احتمال لغيره، فمن تأول الآية كلها في يوم القيامة، اتسق تأويله، ومن تأول الآية إلى قوله: {يموج في بعض} في أمر يأجوج ومأجوج، تأول القول وتركناهم يموجون دأباً على مر الدهر وتناسل القرون منهم فنائهم، ثم {نفخ في الصور} فيجتمعون، و{الصور}: في قول الجمهور وظاهر الأحاديث الصحاح، هو القرن الذي ينفخ فيه للقيامة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر»، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قولوا حسبنا الله وعلى الله توكلنا، ولو اجتمع أهل منى ما أقلوا ذلك القرن»، وأما النفخات، فأسند الطبري إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصور «قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين»، وقال بعض الناس النفخات اثنتان: نفخة الفزع، وهي نفخة الصعق، ثم الأخرى التي هي للقيام، وملك الصور هو إسرافيل، وقالت فرقة {الصور} جمع صورة، فكأنه أراد صور البشر والحيوان نفخ فيها الروح، والأول أبين وأكثر في الشريعة، وقوله: {وعرضنا جهنم} معناه: أبرزناها لهم لتجمعهم وتحطمهم، ثم أكد بالمصدر عبارة عن شدة الحال، وروى الطبري في هذا حديثاً مضمنه أن النار ترفع لليهود والنصارى كأنها السراب، فيقال هل لكم في الماء حاجة؟ فيقولون نعم، وهذا مما لا صحة له.