فصل: تفسير الآيات (7- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (7- 11):

{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)}
المعنى قيل له بإثر دعائه {يا زكريا إنا نبشرك بغلام} يولد لك {اسمه يحيى} وقرأ الجمهور {بَشِّرك} بفتح الباء وكسر الشين مشددة، وقرأ أصحاب ابن مسعود {نبْشُرك} بسكون الباء وضم الشين، قال قتادة: سمي {يحيى} لأن الله أحياه بالنبوءة والإيمان، وقال بعضهم سمي بذلك لأن الله أحيا له الناس بالهدى. وقوله: {سمياً} معناه في اللغة لم نجعل لم مشاركاً في هذا الاسم، أي لم يتسم قبل ب {يحيى} وهذا قول قتادة وابن عباس وابن أسلم والسدي، وقال مجاهد وغيره {سمياً} معناه مثلاً ونظيراً وهذا كأنه من المساماة والسمو، وفي هذا بعد لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى اللهم إلا أن يفضل في خاص بالسؤود والحصر. وقال ابن عباس معناه لم تلد العواقر مثله. وقول زكرياء {أنى يكون لي غلام} اختلف الناس فيه فقالت فرقة: إنما كان طلب الولي دون تخصيص ولد فلما بشر بالولد استفهم عن طريقه مع هذه الموانع منه، وقالت فرقة: إنما كان طلب الولد وهو بحال يرجو الولد فيها بزواج غير العاقر أو تسرٍّ، ولم تقع إجابته إلا بعد مدة طويلة صار فيها الى حال من لا يولد له فحينئذ استفهم وأخبر عن نفسه ب {الكبر} والعتو فيه. وقالت فرقة: بل طلب الولد فلما بشر به لحين الدعوة تفهم على جهة السؤال لا على جهة الشك كيف طريق الوصول الى هذا وكيف نفذ القدر به؟ لا أنه بعد عنده هذا في قدرة الله. والعتي والعسي المبالغة في الكبر أو يبس العود أو شيب الرأس أو عقيدة ما ونحو هذا، وقرأ حمزة الكسائي {عِتياً} بكسر العين والباقون بضمها، وقرأ ابن مسعود {عَتياً} بفتح العين، وحكى أبو حاتم أن ابن مسعود قرأ {عُسياً} بضم العين وبالسين وحكاها الداني عن ابن عباس أيضاً، وحى الطبري عن ابن عباس أنه قال: ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر ولا أدري أكان يقرأ {عتياً} أو {عسياً} بالسين. وحكى الطبري عن السدي أنه قال: نادي جبريل زكرياء إن الله يبشرك {بغلام إسمه يحيى} فلقيه الشيطان فقال له إن ذلك الصوت لم يكن لملك وإنما كان لشيطان فحينئذ قال زكرياء {أنى يكون لي غلام}، ليثبت إن ذلك من عند الله، و{زكرياء} هو من ذرية هارون عليه السلام، وقال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة وقيل ابن سبعين وقال الزجاج: ابن خمس وستين فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له.
وقوله: {قال كذلك} قيل إن المعنى قال له الملك {كذلك} فليكن الوجود كما قيل لك {قال ربك} خلق الغلام {عليّ هين}، أي غير بدع فكما {خلقتك من قبل} وأخرجتك من عدم الى وجود كذلك أفعل الآن، وقال الطبري: معنى قوله: {كذلك} أي الأمران اللذان ذكرت من المرأة العاقر والكبرة هو {كذلك} ولكن {قال ربك} قال القاضي والمعنى عندي قال الملك {كذلك} أي على هذه الحال {قال ربك هو علي هين}. وقرأ الجمهور {وقد خلقتك} وقرأ حمزة الكسائي {وقد خلقناك}. وقوله: {ولم تك شيئاً} أي موجوداً، قال زكرياء {رب اجعل لي آية} علامة أعرف بها صحة هذا وكونه من عندك. وروي أن زكرياء عليه السلام لما عرف ثم طلب الآية بعد ذلك عاقبه الله تعالى بأن أصابه بذلك السكوت عن كلام الناس، وذلك وإن لم يكن عن مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب. ما روي عن ابن زيد أن زكرياء لما حملت زوجته منه يحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم احداً، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله، فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه، ويحتمل على هذا أن يكون قوله: {اجعل لي آية} معناه علامة أعرف بها أن الحمل قد وقع، وبذلك فسر الزجاج. ومعنى قوله: {سوياً} فيما قال الجمهور صحيحاً من غير علة ولا خرس، وقال ابن عباس أيضاً ذلك عائد على الليالي أراد كاملات مستويات، وقوله: {فخرج على قومه} المعنى أن الله تعالى أظهر الآية بأن خرج زكرياء من محرابه وهو موضع مصلاة، و{المحراب} أرفع المواضع والمباني اذ هي تحارب من ناوأها ثم خص بهذا الاسم مبنى الصلاة، وكانوا يتخذونها فيما ارتفع من الأرض، واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمة يحارب الشيطان والشهوات، وقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرَب بفتح الراء كأن ملازمه يلقى منه حرباً وتعباً ونصباً، وفي اللفظ بعد هذا نظر، وقوله: {فأوحى} قال قتادة وابن منبه: كان ذلك بإشارة، وقال مجاهد: بل بأن كتبه في التراب.
قال القاضي أبو محمد: وكلا الوجهين وحي. وقوله: {أن سبحوا}، {أن} مفسرة بمعنى أي، و{سبحوا} قال قتادة: معناه صلوا، والسبحة الصلاة، وقالت فرقة: بل أمرهم بذكر الله وقول سبحان الله. وقرأ طلحة {أن سبحوه} بضمير، وباقي الآية ويقال وحى وأوحى بمعنى واحد.

.تفسير الآيات (12- 15):

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود {يا يحيى}، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه. و{الكتاب} التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً عند الناس. وقوله: {بقوة} أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال {وآتيناه الحكم صبياً}، واختلف في {الحكم} فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، و{صبياً} يريد شاباً لم يبلغ حد الكهول. وقال الحسن {الحكم} النبوة، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقال فرقة {الحكم} الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبياً، وقوله: {وحناناً} عطف على قوله: {الحكم} {وزكاة} عطف عليه، أعمل في جميع ذلك {آتيناه}، ويجوز أن يكون قوله: {وحناناً} عطفاً على قوله: {صبياً}، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان، وقال عطاء بن أبي رباح {حناناً من لدنا} بمعنى تعظيماً من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً. وقد روي عن ابن عباس أنه قال والله ما أدري ما الحنان. والزكاة التطهير والتنمية في وجود الخير والبر. والتقي من تقوى الله عز وجل، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة، وقال مجاهد: كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس: [الوافر]
وتمنحها بنو شمجى بن جرم ** معيزهمُ حنانك ذا الحنان

وقال النابغة: [الطويل]
أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا ** حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وقال الآخر: [منذر بن إبراهيم الكلبي] [الطويل]
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف

وقوله تعالى: {وبراً بوالديه} الآية، البر الكثير البر.
والجبار المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه والنخلة الجبارة العظيمة العالية. والعصي أصله عصوي فعول بمعنى فاعل. وروي أن يحيى بن زكرياء عليه السلام لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة كما تقدم. وقوله: {وسلام} قال الطبري وغيره، معناه وأمان، والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان وهي أقل درجاته وإنما الشرف في أن أسلم الله عليه وحياه في المواطن التي الأنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر الى الله وعظيم الهول، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع لي فأنت خير مني. فقال عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
قال القاضي أبو محمد: قال أبي، رضي الله عنه: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال إذلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه عليه السلام لكل وجه.
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود {يا يحيى}، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه. و{الكتاب} التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً عند الناس. وقوله: {بقوة} أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال {وآتيناه الحكم صبياً}، واختلف في {الحكم} فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، و{صبياً} يريد شاباً لم يبلغ حد الكهول. وقال الحسن {الحكم} النبوة، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقال فرقة {الحكم} الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبياً، وقوله: {وحناناً} عطف على قوله: {الحكم} {وزكاة} عطف عليه، أعمل في جميع ذلك {آتيناه}، ويجوز أن يكون قوله: {وحناناً} عطفاً على قوله: {صبياً}، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان، وقال عطاء بن أبي رباح {حناناً من لدنا} بمعنى تعظيماً من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال والله ما أدري ما الحنان. والزكاة التطهير والتنمية في وجود الخير والبر. والتقي من تقوى الله عز وجل، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة، وقال مجاهد: كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس: [الوافر]
وتمنحها بنو شمجى بن جرم ** معيزهمُ حنانك ذا الحنان

وقال النابغة: [الطويل]
أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا ** حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وقال الآخر: [منذر بن إبراهيم الكلبي] [الطويل]
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف

وقوله تعالى: {وبراً بوالديه} الآية، البر الكثير البر. والجبار المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه والنخلة الجبارة العظيمة العالية. والعصي أصله عصوي فعول بمعنى فاعل. وروي أن يحيى بن زكرياء عليه السلام لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة كما تقدم. وقوله: {وسلام} قال الطبري وغيره، معناه وأمان، والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان وهي أقل درجاته وإنما الشرف في أن أسلم الله عليه وحياه في المواطن التي الأنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر الى الله وعظيم الهول، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع لي فأنت خير مني. فقال عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
قال القاضي أبو محمد: قال أبي، رضي الله عنه: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال إذلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه عليه السلام لكل وجه.

.تفسير الآيات (16- 20):

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)}
هذه ابتداء قصة ليست من الأولى، والخطاب لمحمد عليه السلام. و{الكتاب} القرآن، و{مريم} هي بنت عمران أم عيسى اخت أم يحيى واختلف الناس لم {انتبذت} والانتباذ التنحي. فقال السدي {انتبذت} لتطهر من حيض، وقال غيره لتعبد الله وهذا أحسن، وذلك أن مريم كانت وقفاً على سدانة المتعبد وخدمته والعبادة فيه فتنحت من الناس لذلك. وقوله: {شرقياً} يريد في جهة الشرق من مساكن أهلها، وسبب كونه في الشرق أنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ومن حيث تطلق الأنوار، وكانت الجهات الشرقية من كل شيء أفضل من سواها، حكاه الطبري، وحكي عن ابن عباس أنه قال إني لأعلم الناس لم اتخذ النصارى المشرق قبلة؟ لقول الله عز وجل {إذا انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً} فاتخذوا ميلاد عيسى قبله، وقال بعض الناس الحجاب هي اتخذته لتستتر به عن الناس لعبادتها. فقال السدي كان من جدرات، وقيل من ثياب، وقال بعض المفسرين اتخذت المكان بشرقي المحراب، والروح جبريل، وقيل عيسى، حكى الزجاج القولين. فمن قال إنه جبريل قدر الكلام فتمثل هو لها. ومن قال إنه عيسى قدر الكلام فتمثل الملك لها، قال النقاش ومن قرأ {روحنّا} مشددة النون جعله اسم ملك من الملائكة ولم أر هذه القراءة لغيره. واختلف الناس في نبوة مريم فقيل كانت نبية بهذا الإرسال والمحاورة للملك، وقيل لم تكن نبية وإنما كملها مثال بشر ورؤيتها لملك، كما رئي جبريل في صفة دحية وفي سؤاله عن الإسلام والأول أظهر. وقوله تعالى {أعوذ بالرحمن} الآية، المعنى قالت مريم للملك الذي تمثل لها بشراً لما رأته قد خرق الحجاب الذي اتخذته، فأساءت به الظن {أعوذ بالرحمن منك إن كنت} ذا تقى، قال أبو وائل علمت أن التقي ذو نهية، وقال وهب بن منبه تقي رجل فاجر كان ذلك في الزمن في قومها فلما رأته متسوراً عليها ظنته إياه فاستعاذت بالرحمن منه، حكى هذا مكي وغيره، وهو ضعيف ذاهب مع التخرص، فقال لها جبريل عليه السلام {إنما أنا رسول ربك لأهب لك}، جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله. وقرأ الجمهور {لأهب} كما تقدم، وقرأ عمرو ونافع {ليهب} بالياء أي ليهب الله لك، واختلف عن نافع. وفي مصحف ابن مسعود {ليهب الله لك} فلما سمعت مريم ذلك واستشعرت ما طرأ عليها استفهمت عن طريقه وهي لم يمسها بشر بنكاح ولم تكن زانية. والبغي المجاهرة المنبهرة في الزنا فهي طالبة له بغوى على وزن فعول كبتول وقتول ولو كانت فعيلاً لقوي أن يلحقها هاء التأنيث فيقال بغية.