فصل: تفسير الآيات (83- 91):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (83- 91):

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)}
{وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يامُوسَى قَالَ هُمْ أُوْلآءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً}
قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما شرع في النهوض ببني إسرائيل إلى جانب الطور الأيمن حيث كان الموعد أن يكلم الله موسى بما فيه شرف العاجل والآجل رأى على جهة الاجتهاد أن يتقدم وحده مبادراً إلى أمر الله تعالى، وحرصاً على القرب منه وشوقاً إلى مناجاته، واستخلف هارون على بني إسرائيل وقال لهم موسى تسيرون إلى جانب الطور، فلما انتهى موسى عليه السلام وناجى ربه زاده في الأجل عشراً، وحينئذ وقفه على معنى استعجاله دون القوم ليخبره موسى أنهم على الأثر فيقع الإعلام له بما صنعوا وقرأت فرقة {أولايَ} بياء مفتوحة. وقوله: {على أثري} يحتمل أن يكون في موضع رفع خبراً بعد خبر، ويحتمل أن يكون في موضع نصب في موضع الحال، وقرأت فرقة {على أَثَري} بفتح الهمزة والثاء، وقرأت فرقة {إثْري} بكسر الهمزة وسكون الثاء، وأعمله موسى عليه السلام أنه إنما استعجل طلب الرضى فأعمله الله تعالى أنه قد فتن بني اسرائيل، أي اختبرهم بما صنعه السامري. ويحتمل أن يريد ألقيناهم في فتنة، أي في ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف كلمة، و{من بعدك} أي من بعد فراقك لهم، وقرأت فرقة {وأضلَّهم السامري} على إسناد الفعل إلى {السامري} وقرأت فرقة {وأضلُّهم السامري} بضم اللام على الابتداء والإخبار عن {السامري} بأنه {أضلُّ} القوم، والقراءة الأولى أكثر وأشد في تذنيب السامري و{السامري} رجل من بني إسرائيل يقال إنه كان ابن خال موسى، وقالت فرقة لم يكن من بني إسرائيل بل كان أصله من العجم من أهل كرمان والأول أصح، وكان قصص السامري أنه كان منافقاً عنده حيل وقبض القبضة من أثر جبريل عليه السلام وعلم ما أقدره الله عليه لفتنة القوم أنه يتهيأ له بتلك القبضة ما يريد مما يجوز على الله تعالى لأنه لو ادعى النبوءة مع ذلك العجل لما صح ولا جاز أن يخور ولا أن تتم الحيلة فيه ولكنه لما ادعى له الربوبية وعلامات كذبه قائمة لائحة صحت الفتنة به وجاز ذلك على الله تعالى كقصة الدجال الذي تخرق له العادات لانه مدعي الربوبية ولو كان مدعي نبوءة لما صح شيء من ذلك. فلما رأى السامري مدعا ورأى سفه بني إسرائيل في طلبهم من موسى آلهة حين مروا على قوم يعبدون أصناماً على صفة البقر، وقيل كانت بقراً حقيقة علم أنه سيفتنهم من هذه الطريق، فيروى أنه قال لهم إن الحلي الذي عندكم من مال القبط قبيح بكم حبسه ولكن اجمعوه عندي حيت يحكم الله لكم فيه، وقيل إن هارون عليه السلام أمرهم بجمعه ووضعه في حفرة حتى يجيء موسى ويستأذن فيه ربه، وقيل بل كان المال الذي جمعوه للسامري مما لفظ البحر من أموال الغارقين مع فرعون، فروي مع هذا الاختلاف أن الحلي اجتمع عند العجل وأنه صاغ العجل وألقى القبضة فيه فخار، وروي وهو الأصح الأكثر أنه ألقى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وألقى هو عليه القبضة فتجسد العجل وهذا وجه فتنة الله تعالى لهم، وعلى هذا تقول انخرقت السامري عادة وأما على أن يصوغه فلم تتخرق له عادة وإنما فتنوا حينئذ بخواره فقط وذلك الصوت قد تولد في الأجرام بالصنعة فلما أخبره الله تعالى رجع موسى {إلى قومه غضبان أسفاً} عليهم من حيث له قدرة على تغيير منكرهم {أسفاً} أي حزيناً من حيث علم أنه موضع عقوبة مأموله فدفعها ولابد منها، والأسف في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن، وتأمل ذلك فهو مطرد إن شاء الله عز وجل.
{قَالَ ياقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ}
وبخ موسى عليه السلام قومه بهذه المقالة والوعد الحسن هو ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى به أهل طاعته، وقوله: {وعداً} إما أن يكون نصباً على المصدر والمفعول الثاني مقدراً، وإما أن يكون بمعنى الموعود ويكون هو المفعول الثاني بعينه، ثم وقفهم على أعذار لم تكن ولا تصح لهم وهي طول {العهد} حتى يتبين لهم خلف في الموعد أو إرادة غضب الله تعالى. وذلك كله لم يكن ولكنهم عملوا عمل من لم يتدين وسمي العذاب غضباً من حيث هو عن الغضب، والغضب إن جعل بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن جعل ظهور النقمة والعقاب فهو صفة فعل فهو من المتردد بين الحالين، وقرأ نافع وعاصم {بمَلكنا} بفتح الميم، وقرأ حمزة والكسائي {بمُلكنا} بضمة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {بمِلكنا} بكسرة، قال أبو علي هذه لغات ع ظاهر هذا الكلام أنها بمعنى واحد ولكن إن أبا علي وغيره قد فرق بين معانيها فأما ضم الميم فمعناه على قول أبي علي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بقوته وسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري وليس المعنى أن لهم ملكاً وإنما هذا كقول ذي الرمة: [البسيط]
لا يشتكي سقط منها وقد رقصت ** بها المفاوز حتى ظهرها حدب

إذ لا تكون منها سقطة فتشتكي، قال وهذا كقوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافاً} [البقرة: 273] أي ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف ع وهذا كله في هذه الأمثلة غير متيقن من قول أبي علي وإنما مشى في ذلك على أثر الزجاج دون تعقب وقد شرحت هذا المعنى في سورة البقرة في تفسير {لا يسألون الناس إلحافاً} [البقرة: 273] وبين أن هذه ليست كهذه الأمثلة لأنهم لم يرفعوا الإخلاف فيها والأمثلة فيها رفع الوجهين، وأما فتح الميم فهو مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وفقنا له بل غلبتنا أنفسنا، وأما كسر الميم فقط كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل والمفعول مقدر أي بملكنا الصواب، وهذا كما قد يضاف أحياناً إلى المفعول والفاعل مقدر كقوله تعالى: {بسؤال نعجتك} [ص: 24] ومن دعاء الخير، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم {حُمّلنا} بضم الحاء وشد الميم، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {حَمَلنا} بفتح الحاء والميم. والأوزار الأثقال، وتحتمل هذه التسمية أن تكون من حيث هي ثقيلة الأجرام، ويحتمل أن يكون من حيث آمنوا في قذفها وظهر لهم أن ذلك هو الحق فكانت آثاماً لمن حملها. وقوله: {فكذلك ألقى} أي فكما قذفنا نحن {فكذلك} أيضاً {ألقى السامري} ما كان بيده ع وهذه الألفاظ تقتضي أن العجل لم يصغه السامري، ثم أخبر الله تعالى عن فعل السامري بقوله تعالى: {فأخرج لهم عجلاً جسداً}، ومعنى قوله: {جسداً} أي شخصاً لا روح فيه، وقيل معنى {جسداً} لا يتغذى. والخوار صوت البقر، وقالت فرقة كان هذا العجل يخور ويمشي ع وهكذا تكون الفتنة من قبل الله تعالى قاله ابن عباس، وقالت فرقة إنما خار مرة واحدة. ثم لم يعد وقالت فرقة إنما كان خواره بالريح كانت تدخل من دبره وتخرج من فيه فيصوت لذلك.
{فَقَالُواْ هَذَآ إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُواْ أَمْرِي قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}
الضمير في قوله: {فقالوا} لبني إسرائيل، أي قالوا حين قال كبارهم لصغارهم وهذا إشارة إلى العجل.
قوله تعالى {فنسي} يحتمل أن يكون من كلام بني إسرائيل أي فنسي موسى ربه وإلهه فذهب يطلبه في غير موضعه، ويحتمل أن يكون قوله: {فنسي} إخباراً من الله تعالى عن السامري، أي نسي دينه وطريق الحق ع فالنسيان في التأويل الأول بمعنى الذهول، وفي الثاني بمعنى الترك، ثم قرن تعالى مواضع خطاهم بقوله تعالى: {أفلا يرون} المعنى أفلم يتبين هؤلاء الذين ضلوا أن هذا العجل إنما هو جماد لا يتكلم ولا يرجع قولاً ولا يضر ولا ينفع، وهذه خلال لا يخفى معها الحدوث والعجز لا أن هذه الخلال لو حصلت له أوجبت كونه إلهاً وقرأت فرقة {أن لا يرجعُ} برفع العين، {وأن} على هذه القراءة المخففة من الثقيلة والتقدير أنه لا يرجع، وقرأت فرقة {أن لا يرجع} {وأن} على هذه القراءة هي الناصبة، وأخبر عز وجل أن {هارون} قد كان لهم في أول حال العجل {يا قوم} إنما هي فتنة وبلاء وتمويه من السامري وإنما {ربكم الرحمن} الذي له القدرة والعلم والخلق والاختراع {فاتبعوني} إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه {وأطيعوا أمري} في ما ذكرته لكم وقرأت فرقة {إنما وإن ربكم الرحمن} بكسر الهمزتين، وقرأت فرقة {إنما} بالكسر {وأن} بالفتح، والقراءة الوسطى ضعيفة فقال بنو إسرائيل حين وعظهم هارون وندبهم إلى الحق {لن نبرح} عابدين لهذا الإله، {عاكفين} عليه أي لازمين له والعكوف الانحناء على الشيء من شدة ملازمته ومنه قول الراجز: [الرجز]
عكف النبيط يلعبون الفنزجا...

.تفسير الآيات (92- 94):

{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}
في سرد القصص اقتضاب يدل عليه ما ذكره تقديره فرجع موسى فوجد الامر كما ذكره الله تعالى له فجعل يؤنب هارون بهذه المقالة، وقرأ الجمهور {تتبعن} بحذف الياء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وبإثباتها في الوصل ويقف ابن كثير بالياء وأبو عمرو بغير الياء. ويحتمل قوله: {ألا تتبعن} أي بني إسرائيل نحو جبل الطور فيجيء اعتذار هارون أي لو فعلت ذلك مشت معي طائفة وأقامت طائفة على عبادة العجل فيتفرق الجمع فخفت لومك على التفرق، ويحتمل قوله: {ألا تتبعن} أي لا تسير بسيري وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد ويجيء اعتذار هارون بمعنى أن الأمر كان متفاقماً فلو تقويت عليه وقع القتال واختلاف الكلمة فكان تفريقاً بين بني إسرائيل وإنما لاينت جهدي. وقوله تعالى: {ألا تتبعن} بمعنى ما منعك أن تتبعني، واختلف الناس في وجه دخول لا فقالت فرقة هي زائدة، وذهب حذاق النحاة إلى أنها مؤكدة وأن في الكلام فعلاً مقدراً كأنه قال ما منعك ذلك أو حضك أو نحو هذا على {أن لا تتبعن} وما قبل وما بعد يدل على هذا ويقتضيه. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم {يبنؤم} يحتمل ان يريد يا بن أما فحذف الألف تخفيفاً ويحتمل أن يجعل الاسمين اسماً واحداً وبناه كخمسة عشر، وقرأ ابن كثير عن عاصم وحمزة والكسائي {يا بن أمِ} بالكسر على حذف الياء تخفيفاً وهو شاذ لأنها ليست كالياء في قولك يا غلامي وإنما هي كالياء في قولك يا غلام غلامي وهذه ياء لا تحذف، ويحتمل أن يجعل الاسمين اسماً واحداً ثم أضاف إلى نفسه فحذف الياء كما تحذف من الأسماء المفردة إذا أضيفت نحو يا غلام، وقالت فرقة لم يكن هارون أخا موسى إلا من أمه ع وهذا ضعيف، وقالت فرقة كان شقيقه وإنما دعاه بالأم لأن التداعي بالأم أشفق وأشد استرحاماً، وأخذ موسى عليه السلام بلحية هارون غضباً وكان حديد الخلق عليه السلام.

.تفسير الآيات (95- 97):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)}
المعنى قال موسى مخاطباً للسامري {فما خطبك يا سامري}، وقوله: {ما خطبك} كما تقول ما شأنك وما أمرك، لكن لفظة الخطب تقتضي انتهازاً لأن الخطب مستعمل في المكارة فكأنه قال ما نحسك وما شؤمك وما هذا الخطب الذي جاء من قبلك، والسامري قيل هو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل، وقيل هو منسوب إلى قرية يقال لها سامرة ع وهي معروفة اليوم ببلاد مصر، وقيل اسمه موسى بن ظفر. وقرأت فرقة {بصُرت} بضم الصاد على معنى صارت بصيرتي بصورة ما فهو كطرفت وشرفت، وقرأت فرقة {بصِرت} بكسر الصاد، فيحتمل أن يراد من البصيرة ويحتمل أن يراد من البصر وذلك أن في أمر السامري ما زاده على الناس بالبصر وهو وجه جبريل عليه السلام وفرسه وبالبصيرة وهو ما علمه من أن القبضة اذا نبذها مع الحلي جاءه من ذلك ما يريد، وقرأ الجمهور {يبصروا} بالياء يريد بني إسرائيل، وقرأ حمزة والكسائي {تبصروا} بالتاء من فوق يريد موسى مع بني إسرائيل، وقرأ الجمهور {فقبضت قبضة} بالضاد منقوطة بمعنى أخذت بكفي مع الأصابع، وقرأ ابن مسعود وابن الزبير وأبي بن كعب وغيرهم، {فقبصت قبصة} بالصاد غير منقوطة بمعنى أخذت بأصابعي فقط، وقرأ الحسن بخلاف عنه {قُبضة} بضم القاف. والرسول جبريل عليه السلام، والأثر هو تراب تحت حافر فرسه، وسبب معرفة السامري بجبريل وميزه له فيما روي أن السامري ولدته أمه عام الذبح فطرحته في مغارة فكان جبريل عليه السلام يغذوه ويحميه حتى كبر وشب فميزه بذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف. وقوله: {فنبذتها} أي على الحلي فكان منها ما تراه وهذا محذوف من اللفظ تقتضيه الحال والمخاطبة. ثم قال: {وكذلك سولت لي نفسي} أي وكما حدث ووقع قويت لي نفسي وجعلته لي سولاً وإرباً حتى فعلته، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ونحو هذا، وعلمه مع ذلك وجعل له أن يقول مدة حياته {لا مساس} أي لا مماسة ولا إذاية. وقرأ الجمهور {لا مِسَاسَ} بكسر الميم وفتح السين على النصب بالتبرئة وهو اسم يتصرف ومنه قول النابغة: [المتقارب]
فأصبح من ذاك كالسامري، ** إذ قال موسى له لا مساسا

ومنه قول رؤبة: [الرجز]
***حتى يقول الأزد لا مساسا ** واستعماله على هذا كثير. وقرأ أبو حيوة {لا مَساسِ} بفتح الميم وكسر السين وهو معدول عن المصدر كفجار ونحوه، وشبهه أبو عبيدة وغيره بنزال ودراك ونحوه والشبه صحيح من حيث هي معدولات وفارقة في أن هذه عدلت عن الأمر، ومساس وفجارعدلت عن المصدر ومن هذا قول الشاعر:
تميم كرهط السامري

وقوله: [الطويل]
ألا لا يريد السامري مساس

وقرأ الجمهور {تخلَفه} بفتح اللام على معنى لن يقع فيه خلف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لن تخلِفه} بكسر اللام على معنى لن تستطيع الروغان عنه والحيدة فتزول عن موعد العذاب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بخلاف {لن نخلفه} بالنون، قال أبو الفتح المعنى لن نصادفه مخلفاً ع وكلها بمعنى الوعيد والتهديد. ثم وبخه عليه السلام بقوله: {وانظر إلى إلهك الذي} أي انظر صنيعك وتغيرنا له وردنا الأمر فيه إلى الواجب. وقرأت فرقة {ظَلت} بفتح الظاء على حذف اللام الواحدة، وقرأت فرقة {ظِلت} بكسر الظاء على نقل حركة اللام إلى الظاء ثم حذفها بعد ذلك نحو قول الشاعر: [أبو زبيد الطائي] [الوافر]
خَيلا ان العِتاقَ من المطايا ** أَحَسْنَ به فهن إليه شُوسُ

أراد احْسَسْنَ فنقلت حركة السين إلى الحاء ثم حذفت تخفيفاً، وفي بعض الروايات حسين، وقرأت فرقة {ظللت}، وظل معناه أقام يفعل الشيء نهاراً، ولكنها قد تستعمل في الدائب ليلاً ونهاراً بمثابة طفق. و{عاكفاً} معناه ملازماً حدباً. وقرأت فرقة {لنحرِقنه} بتخفيف الراء بمعنى النار، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس {لنحرُقنَّه} بضم الراء وفتح النون بمعنى لنبردنه بالمبرد، وقرأ نافع وغيره {لنُحرِّقنه} بضم النون وكسر الراء وشدها وهذا تضعيف مبالغة لا تعدية وهي قراءة تحتمل الحرق بالنار وتحتمل بالمبرد، وفي مصحف أبي وعبدالله بن مسعود {لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه}، وهذه القراءة مع رواية من روى أن العجل صار لحماً ودماً، وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرق بنار وإلا فإذا كان جماداً من ذهب فإنما هو حرق بمبرد اللهم إلا أن تكون إذابة ويكون النسف مستعاراً لتفريقه في اليم مذاباً. وقرات فرقة {لننسِفنه} بكسر السين، وقرأت فرقة {لننسُفنه} بضم السين. و{النسف} تفريق الريح الغبار وكل ما هو مثله كتفريق الغربال ونحوه فهو نسف.. و{اليم} غمر الماء من بحر وغيره وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يم، و{نسفاً} تأكيد بالمصدر. واللام في قوله: {لنحرقنه} لام القسم، وفي هذه الآية من القصص أن موسى عليه السلام برد العجل حتى رجع كالغبار ثم ذراه في البحر ثم أمر بني إسرائيل أن يشرب جميعهم من الماء فكلما شرب من كان في قلبه حب العجل خرج على شاربه من الذهب فضيحة له، وقال مكي رحمه الله وأسند أن موسى عليه السلام كان مع السبعين في المناجاة وحينئذ وقع أمر العجل وان الله تعالى أعلم موسى بذلك فكلمه موسى عنهم وجاء بهم حتى سمع لفظ بني إسرائيل حول العجل فحينذ أعلمهم موسى ع وهذه رواية، الجمهور على خلافها وإنما تعجل موسى عليه السلام وحده فوقع أمر العجل ثم جاءه موسى وصنع ما صنع بالعجل ثم خرج بعد ذلك بالسبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني إسرائيل وأن يطلعهم أيضاً على أمر المناجاة فكان لموسى عليه السلام نهضتان والله أعلم.