فصل: تفسير الآيات (98- 102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (98- 102):

{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)}
هذه مخاطبة من موسى عليه السلام لجميع بني إسرائيل مبيناً لهم، وقوله تعالى: {وسع كل شيء علماً} بمعنى وسع علمه كل شيء. و{علماً} تمييز، وهذا كقوله تفقأت شحماً وتصببت عرقاً، والمصدر في الأصل فاعل ولكن يسند الفعل إلى غيره وينصب هو على التمييز، وقرأ مجاهد وقتادة {وسَّع كل شيء} بفتح السين وشدها بمعنى خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات، وقوله تعالى: {كذلك نقص} مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل هذا في خبر العجل {كذلك نقص عليك} فكأنه قال هكذا نقص عليك فكأنها تعديد نعمته، وقوله: {ما قد سبق} يريد به ما قد سبق مدة محمد صلى الله عليه وسلم، والذكر القرآن، وقرأت فرقة {يحمَّل} بفتح الميم وشدها. وقوله: {من أعرض عنه} يريد بالكفر به والتكذيب له، والوزر الثقل وهو هاهنا ثقل العذاب بدليل قوله تعالى: {خالدين فيه} و{حملاً} تمييز، و{يوم} ظرف، و{يوم} الثاني بدل منه وقرأ الجمهور {يُنفخ} بضم الياء وبناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة {يَنفخ} بفتح الياء وبناء الفعل للفاعل، أي ينفخ الملك. وقرأ أبو عمرو وحده {ننفخ} بالنون أي بأمرنا وهذه القراءة تناسب قوله: {ونحشر}. وقرأ الجمهور {في الصور} بسكون الواو، ومذهب الجمهور أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وبهذا جاءت الأحاديث، وقالت فرقة {الصوَر} جمع صورة كثمرة وثمر. وقرأ ابن عياض {ينفخ في الصوَر} بفتح الواو وهذه صريحة في بعث الأجساد من القبور، وقرأت فرقة هي الجمهور، {ونحشر} بالنون، وقرأت فرقة {ويحشر} بالياء، وقرأت فرقة {ويُحشر} بضم الياء {المجرمون} على المفعول الذي لم يسم فاعله، وهي قراءة مخالفة لخط المصحف وقوله: {زرقاً} اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة يحشرهم أول قيامهم سود الألوان زرق العيون تشويه ما ثم يعمون بعد ذلك وهي مواطن، وقالت فرقة إنهم يحشرون عطاشاً والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض فكأنهم بيض سواد عيونهم من شدة العطش، وقالت فرقة أراد زرق الألوان وهي غاية في التشويه لأنهم يجيئون كلون الرماد، ومهيع كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق ومنه زرقة الماء قال الشاعر: [زهير بن أبي سلمى] [الطويل]
فلما وردن الماء زرقاً جمامه ** وضعن عصي الحاضر المتخيم

ومنه قولهم سنان أزرق لأنه نحو ذلك اللون.

.تفسير الآيات (103- 107):

{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)}
أي يتخافت المجرمون {بينهم} أي يتسارون، المعنى أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوها، واختلف الناس فيماذا، فقالت فرقة في دار الدنيا ومدة العمر، وقالت فرقة في الأرض مدة البرزخ، وقالت فرقة ما بين النفختين في الصور، و{أمثلهم طريقة} معناه أثبتهم يقيناً وأعلمهم بالحقيقة بالإضافة إليهم فهم في هذه المقالة يظنون أن هذا قدر لبثهم والضمير في قوله تعالى: {ويسألونك} قيل إن رجلاً من ثقيف سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يكون أمرها يوم القيامة، وقيل بل سأله عن ذلك جماعة من المؤمنين، وقد تقدم معنى النسف. وروي ان الله تعالى يرسل على الجبال ريحاً فتدكدكها حتى تكون {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] ثم يتوالى عليها حتى يعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف وقوله تعالى: {فيذرها} يحتمل أن يريد مواضعها، ويحتمل أن يريد ذلك التراب الذي نسفه، لأنه إنما يقع على الأرض باعتدال حتى تكون الأرض كلها مستوية، والقاع المستوي من الأرض المعتدل الذي لا نشز فيه ومنه قول ضرار بن الخطاب: لتكونن بالطباخ قريش، بقعة القاع في أكف الماء. والصفصف نحوه في المعنى، والعوج ما يعتري اعتدال الأرض من الأخذ يمنة ويسرة بحسب النشز من جبل وطرق وكدية ونحوه، والأمت ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض، يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتاً فكأن الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء، والعوج في الآية مختص بالعرض وفي هذا نظر.

.تفسير الآيات (108- 111):

{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)}
المعنى يوم ننسف الجبال يتبع الخلق داعي الله إلى المحشر وهذا نحو قوله تعالى {مهطعين إلى الداع} [القمر: 8] وقوله تعالى {لا عوج له} يحتمل أن يريد الإخبار به أي لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره، ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه والمشي نحو صوته. والخشوع التطامن والتواضع وهي الأصوات استعارة بمعنى الخفاءِ والاستسرار ومعنى {للرحمن} أي لهيبته وهول مطلع قدرته، والهمس الصوت الخفي الخافت وقد يحتمل أن يريد بالهمس المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة. و{من} في قوله: {إلا من} يحتمل أن يكون الاستثناء متصلاً وتكون {من} في موضع نصب يراد بها المشفوع له فكأن المعنى {إلا من أذن له الرحمن} في أن يشفع له، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً على تقدير لكن من أذن له الرحمن يشفع، ف {من} في موضع نصب بالاستثناء ويصح أن يكون في موضع رفع كما يجوز الوجهان في قولك ما في الدار أحد إلا حماراً وإلا حمار والنصب أوجه {من} على هذه التأويلات للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه. وقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} قالت فرقة يريد الملائكة، وقالت فرقة يريد خلقه أجمع، وقد تقدم القول في ترتيب ما بين اليد وما خلف في غير موضع على أن جماعة من المفسرين قالوا في هذه الآية {ما خلفهم} الدنيا و{ما بين أيديهم} أمر الآخرة والثواب والعقاب، وهذا بأن نفرضها حالة وقوف حتى نجعلها كالأجرام وأما إن قدرناها في نسق الزمان فالأمر على العكس بحكم ما بيناه قبل. {وعنت} معناه ذلت، والعاني الأسير ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النساء: «هن عوان عندكم»وهذه حالة الناس يوم القيامة. وقال طلق بن حبيب: أراد سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة.
قال القاضي أبو محمد: وإن كان روي هذا أن الناس يوم القيامة سجوداً وجعل هذه الآية إخباراً فهو مستقيم وإن كان أراد سجود الدنيا فإنه أفسد نسق الآية، و{القيوم} بناء مبالغة من قيامه عز وجل على كل شيء بما يجب فيه، و{خاب} معناه لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه، والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك على الإطلاق، وخيبة المعاصي مقيدة بوقت وحد في العقوبة.

.تفسير الآيات (112- 114):

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}
قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات} عادل لقوله: {من حمل ظلماً} [طه: 111]، وفي قوله: {من الصالحات} تيسير في الشرع لأنها {من} التي للتبعيض، والظلم أعم من الهضم وهما يتقاربان في المعنى ويتداخلان، ولكن من حيث تناسقا في هذه الآية ذهب قوم إلى تخصيص كل واحد منهما بمعنى، فقالوا الظلم أن تعظم عليه سيئاته وتكثر أكثر مما يجب، والهضم أن ينقض حسناته ويبخسها، وكلهم قرأ {فلا يخاف ظلماً} على الخبر، غير ابن كثير فإنه قرأ {فلا يخف} على النهي، ثم قال تعالى: {وكذلك أنزلناه} أي كما قدرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد كذلك حذرنا هؤلاء أمرنا و{أنزلناه قرآناً عربياً} وتوعدنا فيه بأنواع من الوعيد {لعلهم} بحسب توقع البشر وترجيهم {يتقون} الله ويخشون عقابه فيؤمنون ويتذكرون نعمه عندهم وما حذرهم من أليم عقابه، هذا تأويل فرقة في قوله: {أو يحدث لهم ذكراً} وقالت فرقة معناه أو يكسبهم شرفاً ويبقي عليهم إيمانهم ذكراً صالحاً في الغابرين، وقرأ الحسن البصري أو يحدثْ ساكنة الثاء، وقرأ مجاهد أو نحدثْ بالنون وسكون الثاء ولا وجه للجزم الا على أن يسكن حرف الإعراب استثقالاً لحركته، وهذا نحو قول جرير ولا يعرفكم العرب. وقوله: {فتعالى الله الملك الحق} ختم للقول لأنه لما قدم صفة سلطانه يوم القيامة وعظم قدرته وذلة عبيده وحسن تلطفه بهم ختم ذلك بهذه الكلمة وجعل بعد ذلك الأمر بنوع آخر من القول وقوله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن} قالت فرقة سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاف وقت تكلم جبريل له أن ينسى أول القرآن فكان يقرأ قبل أن يستتم جبريل عيله السلام الوحي فنزلت في ذلك، وهي على هذا في معنى قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16] وقالت فرقة سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه القرآن أمر بكتبه للحين فأمره الله تعالى في هذه الآية أن يتأنى حتى يفسر له المعاني وتقرر عنده، وقالت فرقة سبب الآية أن امرأة شكت إلى النبي صلى لله عليه وسلم أن زوجها لطمها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكما القصاص ثم نزلت {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34]، ونزلت هذه بمعنى الأمر بالتثبت في الحكم بالقرآن حتى يبين والله أعلم. وقرأ الجمهور {من قبل ان يقضي إليك وحيه} وقرأ عبدالله بن مسعود {من قبل أن نقضي إليك وحيه}. وباقي الآية بين رغبة في خير.

.تفسير الآيات (115- 117):

{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)}
قال الطبري المعنى وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس فقدماً فعل ذلك أبوهم آدم ع وهذا التأويل ضعيف، وذلك أن يكون {آدم} مثالاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء، و{آدم} إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضة عليه صلى الله عليه وسلم وأما الظاهر في هذه الآية، إما ان يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه {فنسي} فعوقب لتكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم. والعهد هنا في معنى الوصية. ونسي معناه ترك، والنسيان الذهول لكن هنا أنه لا يتعلق بالناسي عقاب، وقرأ الأعمش {فنسي} بسكون الياء ووجهها طلب الخفة، والعزم المضي على المعتقد في أي شيء كان، وآدم عليه السلام كان معتقداً لأن لا يأكل من الشجرة لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده، وعبر بعض المفسرين عن العزم هنا بالصبر وبالحفظ وبغير ذلك مما هو أعم من حقيقة العزم والشيء الذي عهد إلى آدم هو أن يقرب الشجرة وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له، وقال أبو أمامة لو أن أحلام بني آدم وضعت منذ خلق الله إلى يوم القيامة ووضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله له {ولم نجد له عزماً} وقوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة} ابتداء قصة، والعامل، في {إذ} فعل مضمر وقد تقدم استيعاب هذه القصة لكن نذكر من ذلك ما تقتضيه ألفاظ هذه الآية، فالملائكة قيل كان جميعهم مأمور بذلك وقيل بل فرقة فاضلة منهم عددهم اثنان وعشرون، والسجود الذي أمروا به سجود كرامة لآدم وعبادة لله تعالى، وقوله تعالى: {إلا إبليس} الاستثناء متصل في قول من جعل إبليس من الملائكة، ومنقطع في قول من قال هو من قبيلة غير الملائكة يقال لها الجن. وقوله تعالى: {فلا يخرجنكما} أي لا يقع منكما طاعة له في إغوائه فيكون ذلك سبب خروجكما {من الجنة} ثم خصص بقوله: {فتشقى} من حيث كان المخاطب أولاً والمقصود في الكلام، وقيل بل ذلك لأن الله تعالى جعل الشقاء في معيشة الدنيا في حيز الرجال وروي أن آدم لما أهبط هبط معه ثور أحمر فكأن يحرك ويمسح العرق فهذا هو الشقاء الذي خوف منه.

.تفسير الآيات (118- 121):

{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)}
المعنى {إن لك} يا آدم نعمة تامة وعطية مستمرة أن لا يصيبك جوع ولا عري ولا ظمأ ولا بروز للشمس يؤذيك وهو الضحاء، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {وإنك لا تظمأ} بكسر الألف، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم {وأنك} بفتح الألف، وجعل الله تعالى الجوع في هذه الآية مع العري والظمأ مع الضحاء وكأن عرف الكلام أن يكون الجوع مع الظمأ المتناسب والعري مع الضحاء لأنها تتضاد إذ العري يمس بسببه البرد والحر يفعل ذلك بالضاحي، وهذه الطريقة مهيع في كلام العرب أن تفرق النسب ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
كأني لم أركب جواداً للذة ** ولم أتبطّن كاعباً ذات خلخال

ولم أسبأ الزقَّ الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إقفال

وقد ذهب بعض الأدباء إلى أن بيتي امرئ القيس حافظة لنسب وان ركوب الخيل للصيد وغيره من الملاذ يناسب تبطن الكاعب، ومن الضحاء قول الشاعر: [الطويل]
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ** فيضحي وأما بالعشيِّ فيخصر

ووسوسة الشيطان قيل كانت دون مشافهة، إلقاء في النفس، وقيل بل كان بالمشافهة والمخاطبة وهو ظاهر القصة من غير ما موضع وكان دخوله إلى الجنة فيما روي في فم الحية، وكان آدم عليه السلام قد قال الله تعالى له لا تأكل من هذه الشجرة وعين له شجرة قد تقدم الخلاف في جنسها فلما وصفها له إبليس بأنها {شجرة الخلد وملك لا يبلى} أي من أكلها ملكاً مخلداً عمد آدم إلى غير تلك التي نهي عنها من جنسها فأكلها بتأويل أن النهي كان في تلك المعينة، وقيل بل تأول أن النهي إنما كان على الندب لا على التحريم البت، وسارعت إلى ذلك حواء وكانت معه في النهي فلما رآها آدم قد أكلت أكل فطارت عنهما ثيابتها وظهر تبري الأشياء منهما وبدت سوءاتهما، {وطفقا} معناه وجعلا يفعلان ذلك دائماً، و{يخصفان} معناه يلفقان ويضمان شيئاً إلى شيء فكانا يستتران بالورق وروي أنه كان ورق التين، ثم نص تبارك وتعالى على آدم أنه {عصى} وغوى معناه ضل من الغي الذي هو ضد الرشد ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

وقرأت فرقة {وأنك} بفتح الألف عطفاً على قوله: {أن لا تجوع} وقرأت فرقة و{إنك} عطفاً على قوله: {إن لك}.