فصل: تفسير الآيات (69- 71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (69- 71):

{أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)}
هذا أيضاً توبيخ والمعنى ألم يعرفوه صادقاً مدة عمره ولم يقع منهم قط إنكار لمعرفة وجه محمد صلى الله عليه وسلم وإنما أنكروا صدقه، وقوله: {أم يقولون به جنة} توبيخ أيضاً لأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين كلام ذي الجنة لا يخفى على ذي فطرة، ثم بين تعالى حاله عليه السلام في مجيئه بالحق، وقوله تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم} قال ابن جريج وأبو صالح {الحق} الله تعالى ع وهذا ليس من نمط الآية، وقال غيرهما {الحق} هنا الصواب والمستقيم ع وهذا هو الأجرى على أن يكون المذكور قبل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويستقيم على هذا الفساد، {السماوات والأرض ومن فيهن} لو كان بحكم هوى هؤلاء، وذلك أنهم جعلوا لله شركاء وأولاداً ولو كان هذا حقاً لم تكن لله الصفات العالية، ولو لم تكن له لم تكن الصنعة والقدرة كما هي، وكان فساد {السماوات والأرض ومن فيهن}، ومن قال إن {الحق} في الآية الله تعالى بشعت له لفظة {اتبع} وصعب عليه ترتيب الفساد المذكور في الآية لأن لفظة الاتباع على كلا الوجهين إنما هي استعارة بمعنى أن تكون أهواؤهم يصوبها الحق ويقررها فنحن نجد الله تعالى قد قرر كفر أمم وأهواءهم فليس في ذلك فساد سماوات، وأما الحق نفسه الذي هو الصواب فلو كان طبق أهوائهم لفسد كل شيء فتأمله، وقرأ ابن وثاب {ولوُ اتبع} بضم الواو وقال أبو الفتح: الضم في هذه الواو قليل والوجه تشبيههاً بواو الجمع كقوله: {اشتروا الضلالة} [البقرة: 16] وقوله: {بذكرهم} يحتمل أن يريد بوعظهم والبيان لهم قاله ابن عباس، وقرأ قتادة {نُذَكِّرهم} بنون مضمونة وذال مفتوحة وكسر الكاف مشددة ويحتمل أن يريد بشرفهم، وهو مروي، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {بل أتيتُهم بذكرهم} بضم تاء المتكلم، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضاً {بل أتيتَهم} خطاباً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الجمهور {بل أتينهم بذكرهم} وروي عن أبي عمرو و{آتيناهم} بالمد بمعنى أعطيناهم.

.تفسير الآيات (72- 75):

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)}
هذا تبوبيخ لهم كأنه قال: أم سألتهم مالاً فقلقوا بذلك واستثقلوا من أجله، وقرأ حمزة والكسائي {خراجاً فخراج} وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم {خرجاً فخراج} وقرأ ابن عامر {خرجاً فخرج} وهو المال الذي يجيء ويؤتى به لأوقات محدودة، قال الأصمعي: الخرج الجعل مرة واحدة والخراج ما تردد لأوقات ما، ع وهذا فرق استعمالي وإلا فهما في اللغة بمعنى، وقد قرئ {خراجاً} في قصة ذي القرنين وقوله: {فخراج ربك} يريد ثوابه سماه خراجاً من حيث كان معادلاً للخراج في هذا الكلام، ويحتمل أن يريد {فخراج ربك} رزق ربك ويؤيد هذا قوله: {وهو خير الرازقين}، و{الصراط} المستقم، دين الإسلام و{ناكبون} معناه عادلون ومعرضون ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لو زال عنهم القحط ومنَّ الله عليهم بالخصب ورحمهم بذلك لبقوا على كفرهم و{لجوا في طغيانهم}، وهذه الآية نزلت في المرة التي أصابت قريشاً فيها السنون المجدية والجوع الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «اللهم سبعاً كسني يوسف» الحديث.

.تفسير الآيات (76- 77):

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}
هذا إخبار من الله تعالى عن استكبارهم وطغيانهم بعد ما نالهم من الجوع، هذا قول روي عن ابن عباس وابن جريج أن العذاب هو الجوع والجدب المشهور نزوله بهم حتى أكلوا الجلود وما جرى مجراها والباب والمتوعد به يوم بدر، وهذا القول يرده أن الجدب الذي نالهم إنما كان بعد وقعة بدر وروي أنهم لما بلغهم الجهد جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألست تزعم يا محمد أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال بلى قال قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع وقد أكلنا العهن فنزلت الآية، و{استكانوا} معناه انخفضوا وتواضعوا، ويحتمل أن يكون من السكون ويلزمه أن يكون استكنوا ووجهه أن فتحة الكاف مطلت فتولدت منه الألف ويعطي التصريف أنه من كان وأن وزنه استفعل وعلى الأول وزنه افتعل وكونه من كان أبين والمعنى فما طلبوا أن يكونوا لربهم أي طاعة وعبيد خير، وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: إذا أصاب الناس من قتل السلطان بلاء فإنما هي نقمة فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ولكن استقبلوها بالاستغفار واستكينوا وتضرعوا إلى الله وقرأ هذه الآية {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} والعذاب الشديد، إما يوم بدر بالسيوف كما قال بعضهم وإما توعد بعذاب غير معين وهو الصواب لما ذكرناه من تقدم بدر للمجاعة، وروي عن مجاهد أن العذاب والباب الشديد هو كله مجاعة قريش.
قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن كأن الأخذ كان في صدر الأمر ثم فتح الباب عند تناهيه حيث أبلسوا وجاء أبو سفيان، والملبس: الذي قد نزل به شر ويئس من زواله ونسخه خير.

.تفسير الآيات (78- 83):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}
ابتدأ تعالى بتعديد نعم في نفس تعديدها استدلال بها على عظيم قدرته وأنها لا يعزب عنها أمر البعث ولا يعظم و{أنشأ} بمعنى اخترع و{السمع} مصدر فلذلك وحد وقيل أراد الجنس، و{الأفئدة} القلوب وهذه إشارة إلى النطق والعقل وقوله: {قليلاً} نعت لمصدر محذوف تقديره شكراً قليلاً ما تشكرون وذهبت فرقة إلى أنه أراد {قليلاً} منكم من يشكر أي يؤمن ويشكر حق الشكر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأول أظهر وَذرأ معناه بث وخلق، وقوله: {وإليه} فيه حذف مضاف أي إلى حكمه وقضائه، و{تحشرون} يريد البعث، وقوله: {وله اختلاف الليل والنهار} أي له القدرة التي عنها ذلك، والاختلاف هنا التعاقب، والكون خلفة، ويحتمل أن يكون الذي هو المغايرة البينة، وقوله: {بل} إضراب والجحد مقدر كأنه قال ليس لهم نظر في هذه الآيات أو نحو هذا، و{الأولون} يشير به إلى الأمم الكافرة كعاد وثمود، وقوله: {لمبعوثون} أي لمعادون أحياء وقولهم {وآباؤنا} أي حكى المقالة عن العرب فمرادهم من سلف من العالم جعلوهم آباء من حيث النوع واحد وإن حكى ذلك عن الأولين فالأمر مستقيم فيهم، والأساطير قيل هي جمع أسطورة كأعجوبة وأعاجيب وأحدوثة وأحاديث وقيل هي جمع سطر وأسطار وأساطير.

.تفسير الآيات (84- 89):

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)}
أمر الله تعالى نبيه بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم إلا الإقرار بها ويلزم من الإقرار بها أن يؤمنوا بباريها ويذعنوا لشرعه ورسالة رسوله، وقرأ الجميع في الأول {لله} بلا خلاف وفي الثاني والثالث، فقرأ أبو عمرو وحده {لله} جواباً على اللفظ، وقرأ باقي السبعة، {لله} جواباً على المعنى كأنه قال في السؤال لمن ملك {السموات السبع} إذ قولك لمن هذه الدار؟ وقولك من مالك هذه الدار؟ واحد في المعنى ثم جعل التوبيخ مدرجاً بحسب وضوح الحجة شيئاً فشيئاً فوقف على الأرض ومن فيها وجعل بإزاء ذلك التذكر، ثم وقف على {السموات السبع}، و{العرش}، وجعل بإزاء ذلك التقية وهي أبلغ من التذكر وهذا بحسب وضوح الحجة، وفي قوله تعالى: {أفلا تتقون} وعيد، ثم وقف على {ملكوت كل شيء} وفي الإقرار بهذا التزام كل ما تقع به الغلبة في الاحتجاج، فوقع التوبيخ بعد في غاية البلاغة بقوله: {فأنى تسحرون} ومعنى {أنى} كيف ومن أين، وفي هذا تقرير سحرهم وهو سؤال عن الهيئة التي سحروا بها، والسحر هنا مستعار لهم وهو تشبيه لما وقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك، وقالت فرقة {تسحرون} معناه تمنعون، وحكى بعضهم ذلك لغة، وقرأ ابن محيصن {العظيمُ} برفع الميم {ملكوت} مصدر في بناء مبالغة والإجارة المنع من الإنسان والمعنى أن الله إذا منع احداً فلا يقدر عليه، وإذا أراد أحداً فلا مانع له، وكذلك في سائر قدرته وما نفذ من قضائه لا يعارض ذلك الشيء ولا يحيله عن مجراه.

.تفسير الآيات (90- 92):

{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}
المعنى ليس الأمر كما يقولون من نسبتهم إلى الله تعالى ما لا يليق به {بل آتيناهم} وقرأ ابن أبي إسحاق {بل آتيناك} على الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، {ولكاذبون} يراد فيما ذكروا الله تعالى به من الصاحبة والولد والشريك، وفي قوله تعالى: {وما كان معه من إله} دليل على التمانع وهذا هو الفساد الذي تضمنه قوله: {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] والجزء المخترع محال أن يتعلق به قدرتان فصاعداً أو يختلف الإلهان في إرادة فمحال نفوذهما ومحال عجزهما فإذا نفذت إرادة الواحد فهو العالي والآخر ليس بإله، فإذا قيل نقدرهما لا يختلفان في إرادة قيل ذلك بفرض، فإذا جوزه الكفار قامت الحجة فإن ما التزم جوازه جرى ما التزم وقوعه، وقوله: {إذاً} جواب لمحذوف تقديره لو كان معه إله {إذاً لذهب} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم {عالمِ} بكسر الميم اتباعاً للمكتوبة في قوله: {سبحان الله}، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم {عالمُ} بالرفع والمعنى هو {عالم} قال الأخفش: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحدٍ قال أبو علي: ووجهه الرفع إن الكلام قد انقطع.
قال الفقيه الإمام القاضي: والابتداء عندي أبرع والفاء في قوله: {فتعالى} عاطفة بالمعنى كأنه قال: علم الغيب والشهادة {فتعالى} وهذا كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى {عما يشركون} على إخبار مؤتنف، و{الغيب} ما غاب عن الناس و{الشهادة} ما شهدوه.

.تفسير الآيات (93- 98):

{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)}
أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك، وإن شرط وما زائدة، و{تريني} جزم بالشرط لزمت النون الثقيلة وهي لا تفارق إما عند المبرد، ويجوز عن سيبويه أن تفارق فيقال {إما تريني} لكن استعمال القرآن لزومها فمن هنالك ألزمها المبرد، وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله ثم نظيره لسائر الأمة دعاء في جودة الخاتمة، وفي هذه الآية بجملتها إعلام بقرب العذاب منهم كما كان في يوم بدر، وقوله ثانياً اعتراض بين الشرط وجوابه، وقوله: {ادفع بالتي هي أحسن} الآية أمر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها، لهذا فهو حكم باق في الأمة أبداً وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال، وقوله: {نحن أعلم بما يصفون} يقتضي أنها آية موادعة، وقال مجاهد الدفع بالتي هي أحسن هو السلام يسلم عليه إذا لقيه، وقال الحسن: والله لا يصيبها أحد حتى يكظم غيظه عما يكره.
قال الفقيه الإمام القاضي: هذه الطرفان وفي هذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أي اشتغل بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا وأمره بالتعوذ من الشيطان في همزاته وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة، فلذلك اتصلت بهذه الآية، وقال ابن زيد: همز الشيطان الجنون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان، همزه ونفخه ونفثه» قال أبو داود همزه الموتة وهي الجنون ونفخه الكبر ونفثه السحر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والنزعات وسورات الغضب من الشيطان وهي المتعوذ منها في الآية، والتعوذ من الجنون أيضاً وكيد، وفي قراءة أبي بن كعب {ربي عائذاً بك من همزات الشيطان وعائذاً بك رب أن يحضرون}، وقوله: {أن يحضرون} أن يكونوا معي في أموري فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز فإذا لم يكن حضور فلا همز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأصل الهمز الدفع والوخز بيد وغيرها ومنه همز الخيل وهمز الناس باللسان وقيل لبعض العرب أتهمز الفأرة، سئل بذلك عن اللفظة فظن أن المراد شخص الفأرة فقال الهر يهمزها.