فصل: تفسير الآيات (33- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (33- 34):

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ}
استعف وزنه استفعل ومعناه طلب أن يكون عفيفاً، فأمر الله تعالى في هذه الآية كل من يتعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعف، ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم المال وعد بالإغناء من فضله، فعلى هذا التأويل يعم الأمر بالاستعفاف كل من تعذر عليه النكاح بأي وجع تعذر، وقالت جماعة من المفسرين النكاح في هذه الآية اسم ما يمهر وينفق في الزواج كاللحاف واللباس لما يلتحف به ويلبس، قال القاضي وحملهم على هذا قوله: {حتى يغنيهم الله من فضله}، فظنوا أن المأمور بالاستعفاف إنما هو من عدم المال الذي يتزوج به، وفي هذا القول تخصيص المأمورين بالاستعفاف وذلك ضعيف، ثم أمر الله تعالى المؤمنين كافة أن يكاتب منهم كل من له مملوك، وطلب المملوك الكتابة وعلم سيده منه {خيراً}، قال النقاش سببها أن غلاماً لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، وقال مكي هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة، ولفظ {الكتاب} في الآية مصدر كالقتال والجلاد ونحوه من مصادر فاعل، والمكاتبة مفاعلة من حيث هذا يكتب على نفسه وهذا على نفسه، واختلف الناس هل هذا الأمر بالكتابة على الوجوب أو على الندب على قولين، فمذهب مالك رحمه الله أن ذلك على الندب، وقال عطاء ذلك واجب وهو ظاهر قول عمر لأنس بن مالك في سيرين حين سأل سيرين الكتابة فتلكأ أنس فقال عمر كاتبه أو لأضربنك بالدرة، وهو قول عمرو بن دينار والضحاك، واختلف الناس في المراد ب الخير، فقالت فرقة: هو المال ولم تر على سيد عبد أن يكاتب إلا إذا علم أن له مالاً يؤدي منه أو من التجر فيه، وروي عن ابن عمر وسلمان أنهما أبيا من كتابة عبدين رغبا في الكتابة ووعدا باسترفاق الناس، فقال كل واحد منهما لعبده أتريد أن تطعمني أوساخ الناس، وقال مالك إنه ليقال الخير القوة والأداء، وقال الحسن بن أبي الحسن الخير هو صدق الموعد وقلة الكذب والوفاء وإن لم يكن للعبد مال، وقال عبيدة السلماني الخير هو الصلاح في الدين عَ وهذا في ضمنه القول الذي قبله، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وحرمة العتق إنما يتلبس بها بعد الأداء هذا قول جمهور الأمة، وقال ابن مسعود إذا أدى ثلث الكتابة فهو عتيق غريم، وقال علي بن أبي طالب العتاقة تجري فيه بأول نجم، وقوله تعالى: {وآتوهم}، قال المفسرون هو أمر لكل مكاتب أن يضع للعبد من مال كتابته، واستسحن ذلك علي بن أبي طالب أن يكون ذلك ربع الكتابة، قال الزهراوي وروي ذلك عن النبي عليه السلام، واستحسن الحسن بن أبي الحسن وابن مسعود ثلثها وقال قتادة عشرها، ورأى عمر بن الخطاب أن يكون ذلك من أول نجومه مباردة إلى الخير خوف أن لا يدرك آخرها، ورأى مالك رحمه الله وغيره أن يكون الوضع من آخر نجم، وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد، فرجع هو وماله إلى السيد، فعادت إليه وضيعته، وهي شبه الصدقة، وهذا قول عبدالله بن عمر، ورأى مالك رحمه الله هذا الأمر على الندب ولم ير لقدر الوضيعة حداً، ورأى الشافعي وغيره الوضيعة واجبة يحكم بها الحاكم على المكاتب وعلى ورثته، وقال الحسن والنخعي، وبريدة إنما الخطاب بقوله تعالى: {وآتوهم} للناس أجمعين في أن يتصدقوا على المكاتبين وأن يعينوهم في فكاك رقابهم، وقال زيد بن أسلم إنما الخطاب لولاة الأمور بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم وهو الذي تضمنه قوله تعالى: {وفي الرقاب} [البقرة: 177].
قوله عز وجل: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين}
روي أن سبب هذه الآية هو أن عبدالله بن أبي ابن سلول كانت له أمة تسمى مسيكة، وقيل معادة، فكان يأمرها بالزنا والكسب به، فشكت ذلك إلى النبي عليه السلام، فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين وقوله: {إن أردن تحصناً} راجع إلى الفتيات، وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يتصور ويمكن أن يكون السيد مكرهاً، ويمكن أن ينهى عن الإكراه وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن، فلا يتصور أن يقال للسيد لا تكرهها لأن الإكراه لا يتصور فيها هي مريدة للزنا، فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه، وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين فقال بعضهم قوله: {إن أردن} راجع إلى {الأيامى} [النور: 32] في قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم}، وقال بعضهم هذا الشرط في قوله: {إن أردن} ملغى ونحو هذا مما ضعف والله الموفق للصواب برحمته، وعرض {الحياة الدنيا}، في هذه الآية الشيء الذي تكتسبه الأمة بفرجها ومعنى باقي الآية بين {فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}، بهن، وقد يتصور الغفران والرحمة بالمكرهين بعد أن تقع التوبة من ذلك، فالمعنى {غفور} لمن تاب، وقرأ ابن مسعود وجابر بن عبدالله وابن جبير {لهن غفور رحيم} بزيادة {لهن}، ثم عدد تعالى على المؤمنين نعمه فيها أنزل إليهم من الآيات المنيرات، وفيما ضرب لهم من أمثال الماضين من الأمم، ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه وفيما ذكر لهم من المواعظ، وقرأ جمهور الناس {مبينَّات} بفتح الياء أي بينها الله تعالى وأوضحها، وقرأ الحسن وطلحة وعاصم والأعمش {مبيِّنات} بكسر الياء أي بينت الحق وأوضحته.

.تفسير الآية رقم (35):

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
النور في كلام العرب الأضواء المدركة بالبصر ويستعمل فيما صح من المعاني ولاح فيقال منه كلام له نور ومنه الكتاب المنير ومنه قول الشاعر: [الكامل]
نسب كأن عليه من شمس الضحى ** نوراً ومن فلق الصباح عمودا

والله تعالى ليس كمثله شيء فبين أنه ليس كالأضواء المدركة ولم يبق للآية معنى إلا أنه أراد {الله} ذو {نور السماوات والأرض} أي بقدرته أنارت أضواؤها واستقامت أمورها وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقريب للذهن، كما تقول الملك نورالأمة أي به قوام أمورها وصلاح جملتها، والأمر في الملك مجاز وهو في صفة الله تعالى حقيقة محضة، إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نوراً هادياً لأن ظهور الوجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات تبارك الله لا رب سواه، وقالت فرقة التقدير دين الله {نور السماوات والأرض}، قال ابن عباس هادي أهل السماوات والأرض والأول أعم للمعاني وأوضح مع التأمل، وقرأ عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبدالرحمن السلمي الله {نَوّرَ} بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء على أنه فعل، وروي أن اليهود لما نزلت هذه الآية جسموا في تأوليها واعترضوا محمداً عليه السلام بأن قالوا كيف هو نور الأرض والسماء بيننا وبينه، فنزلت حينئذ {مثل نوره كمشكاة} الآية أي ليس الأمر كما ظننتم وإنما هو نور بأنه قوام كل شيء وخالقه وموجده {مثل نوره} كذا وكذا، واختلف المتأولون في الضمير في {نوره} على من يعود، فقال كعب الأحبار وابن جبير هو عائد على محمد عليه السلام أي مثل نور محمد، وقال أبي بن كعب وابن جبير والضحاك هو عائد على المؤمنين، وفي قراءة أبي بن كعب {مثل نور المؤمنين}، وروي أن في قراءته {نور المؤمن}، وروي أن فيها {مثل نور من آمن به}، وقال الحسن هو عائد على القرآن والإيمان، قال مكي بن أبي طالب وعلى هذه الأقوال يوقف على قوله: {والأرض}.
قال القاضي أبو محمد: وهذه أقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر، وفيها تقطع المعنى المراد بالآية، وقالت فرقة الضمير في {نوره} عائد على {الله}، ثم اختلفت هذه الفرقة في المراد ب النور الذي أضيف إلى الله تعالى إضافة خلق إلى خالق كما تقول سماء الله وناقة الله، فقال بعضها هو محمد، وقال بعضها هو المؤمن، وقال بعضها هو الإيمان والقرآن، وهذه الأقوال متجهة مطرد معها المعنى فكأن اليهود لما تأولوا {الله نور السماوات والأرض} بمعنى الضوء، قيل لهم ليس كذلك وإنما هو نور فإنه قوام كل شيء وهاديه مثل نوره في محمد أو في القرآن، والإيمان {كمشكاة} وهي الكوة غير النافذة فيها القنديل ونحوه.
وهذه الأقوال الثلاثة تطرد فيها مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل، فعلى قول من قال الممثل به محمد عليه السلام، وهو قول كعب الحبر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، هو المشكاة أو صدره، و{المصباح} هو النبوءة وما يتصل بها من عمله وهداه، و{الزجاجة} قلبه والشجرة المباركة هي الوحي والملائكة رسل إليه وسببه المتصل به، والزيت هو الحجج والبراهين، والآيات التي تضمنها الوحي، وعلى قول من قال الممثل به المؤمن وهذا قول أبي بن كعب، ف المشكاة صدره، و{المصباح} الإيمان والعلم، و{الزجاجة} قلبه والشجرة القرآن، وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها، قال أبي فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات، ومن قال إن الممثل به القرآن والإيمان فتقدير الكلام {مثل نوره} الذي هو الإيمان في صدر المؤمن في قلبه {كمشكاة}، أي كهذه الجملة وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين، لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان، وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، أي فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أية البشر، والمشكاة الكوة في الحائط غير النافذة، قاله ابن جبير وسعيد بن عياض وجمهور المفسرين، وهي أجمع للضوء، و{المصباح} فيها أكثر إنارة من غيرها، وقال مجاهد المشكاة العمود الذي يكون {المصباح} على رأسه، وقال أبو موسى المشكاة الحديدة أو الرصاصة التي يكون فيها الفتيل في جوف الزجاجة، وقال مجاهد ايضاً المشكاة الحدائد التي يعلق بها القنديل، والأول أصح هذه الأقوال، وقوله: {في زجاجة} لأنه جسم شفاف {المصباح} فيه أنور منه في غير الزجاج، و{المصباح} الفتيل بناره وأمال الكسائي فيما روى عنه أبو عمرو الداني الألف من مشكاة فكسر الكاف التي قبلها، وقرأ نصر بن عاصم {في زَجاجة} بفتح الزاي، والزجاجة كذلك وهي لغة، وقوله: {كأنها كوكب دري} أي في الإنارة والضوء وذلك يحتمل معنين: إما أن يريد انها بالمصباح كذلك، وإما أن يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور، قال الضحاك الكوكب الدري الزهرة، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم {دُريّ} بضم الدال وشد الياء.
ولهذه القراءة وجهان: إما أن ينسب الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه، وإما أن يكون أصله دريء مهموز من الدرء وهو الدفع وخففت الهمزة، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم {دريء} بالهمزة وهو فعيل من الدرء بمعنى أنها تدفع بعضها بعضاً أو بمعنى أن بهاءها يدفع خفاءها، وفعيل بناء لا يوجد في الأسماء إلا في قولهم مريق للعصفور وفي السرية إذا اشتقت من السرو، ووجه هذه القراءة أبو علي، وضعفها غيره، وقرأ أبو عمرو والكسائي {دريء} على وزن فعيل بكسر الفاء من الدرء وهذه متوجهة، وقرأ قتادة {دَريء} بفتح الدال والهمز قال أبو الفتح وهذا عزيز وإنما عزيز وإنما حفظ منه السكّينة بشد الكاف، وقرأ سعيد بن المسيب وأبو رجاء ونصر بن عاصم {دري} بفتح الدال دون همزة، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وطلحة والأعمش والحسن وقتادة وابن وثاب وعيسى {توقد} بضم التاء أي الزجاجة، وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة والحسن وابن محيصن {تَوَقّدُ} بفتح التاء والواو وشد القاف وضم الدال أي الزجاجة، وقرأ أبو عمرو أيضاً وابن كثير {تَوقَد} بفتح التاء والدال أي المصباح، وقرأ عاصم فيما روى عنه إسماعيل {يوقد} بالياء المرفوعة على معنى يوقد المصباح، قال أبو الفتح وقرأ السلمي والحسن وابن محيصن وسلام وقتادة {يَوَقَّدُ} بفتح الياء والواو والقاف والمشددة ورفع الدال أصله يتوقد، وقوله: {من شجرة} أي من زيت شجرة، والمباركة المنمأة، والزيتون من أعظم الثمار نماء واطراد أفنان وغضارة ولاسيما بالشام والرمان كذلك والعيان يقضي بذلك، وقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن امية ابن شمس: [الخفيف]
ليت شعري مسافر بن أبي عمرو ** وليتٌ يقولها المحزون

بورك الميّت الغريب كما بو ** رك الرمّانُ والزيتون

وقوله تعالى: {لا شرقية ولا غربية} قرأ الجمهور فيهما بالخفض عطفاً على {زيتونة}، وقرأ الضحاك {لا شرقيةٌ ولا غربيةٌ} بالرفع، واختلف المتأولون في معناه، فقال ابن عباس فيما حكى عنه الطبري معناه أنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها فهي غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول لا يصح عندي عن ابن عباس لأن الوجود يقتضي أَن الشجرة التي تكون بهذه الصفة ينفسد جناها، وقال الحسن ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية، وقال ابن زيد أراد أَنها من شجر الشام لأن شجر الشام هي أفضل الشجر وهي الأرض المباركة، وقال ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم المعنى في قوله: {لا شرقية ولا غربية} أنها في منكشف من الأرض تصيبها الشمس طول النهار تستدير عليها أي فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ولا للغرب فتسمى غربية، وقوله: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} مبالغة في صفة صفائه وحسنه وجودته، وقرأ الجمهور {تمسسه} بالتاء من فوق، وقرأ ابن عباس والحسن بالياء من تحت، وقوله: {نور على نور} أي هذه كلها معاون تكامل بها هذا النور الممثل به وفي هذا الموضع تم المثال، ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده وذكر تفضله في ضرب الأمثال للعباد ليقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان.