فصل: سورة القصص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة القصص:

.تفسير الآيات (1- 4):

{طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)}
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا، وقوله تعالى: {تلك} يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف، فمن جعل {طسم} مثالاً لحروف المعجم جاءت الإشارة ب {تلك} إلى حروف المعجم، ومن قطعها قال: {تلك} في موضع هذه، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئاً فشيئاً فسائغ أن يقال في الإشارة إليها {تلك}.
قال القاضي أبو محمد: والأصل أن {تلك} إشارة إلى ما غاب وهذه إشارة إلى ما حضر، وقد تتداخل متى كان في الغيبة حصول وثقة به تقوم مقام الحضور- ومتى كان في الحضور بعدما يقوم مقام الغيبة فمن ذلك قوله تعالى {وما تلك بيمينك يا موسى} [طه: 17] لما كان موسى لا يرى ربه تعالى، فهو وعصاه في منزل غيب، فساغ ذلك، ومن النقيض قول المؤلف لكتاب ونحوه هذا كتاب وما جرى هذا المجرى فتتبعه فهو كثير فيشبه في آياتنا هذه أن تكون {تلك} بمنزلة هذه {آيات الكتاب المبين}، ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة، و{نتلو} معناه نقص ونتابع القصص، وخص تعالى بقوله: {لقوم يؤمنون} من حيث هم المنتفعون بذلك دون غيره فخصوا تشريفاً، و{علا في الأرض} من علو الطغيان والتغلب، وقوله: {في الأرض} يريد في أرض مصر وموضع ملكه، ومتى جاءت {الأرض} هكذا عامة فإنما يراد بها الأرض التي تشبه قصة القول المسوق لأن الأشياء التي تعم الأرض كلها قليلة والأكثر ما ذكرناه، والشيع الفرق، وكان هذا الفعل من فرعون بأن جعل القبط ملوكاً مستخدِمين، وجعل بني إسرائيل عبيداً مستخدَمين، وهم كانوا الطائفة المستضعفة، و{يذبح} مضعف للمبالغة والعبارة عن تكرار الفعل، وقال قتادة كان هذا الفعل من فرعون بأنه قال له كهنته وعلماؤه إن غلاماً لبني إسرائيل يفسد ملكك، وقال السدي: رأى في ذلك رؤيا- فأخذ بني إسرائيل يذبح الأطفال سنين فرأى أنه يقطع نسلهم، فعاد يذبح عاماً ويستحيي عاماً، فولد هارون في عام الاستحياء وولد موسى في عام الذبح، وقرأ جمهور القراء {يُذبح} بضم الياء وكسر الباء على التكثير، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن بفتح الياء وسكون الذال، قال وهب بن منبه: بلغني أن فرعون ذبح في هذه المحاولة سبعين ألفاً من الأطفال، وقال النقاش، جميع ما قتل ستة عشر طفلاً.
قال الفقيه الإمام القاضي: طمع بجهله أن يرد القدر وأين هذا المنزع من قول النبي عليه السلام «فلن تقدر عليه» يعني ابن صياد، وباقي الآية بين.

.تفسير الآيات (5- 7):

{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)}
المعنى يستضعف فرعون ونحن نريد أن ننعم ونعظم المنة على أولئك المستضعفين، والأئمة ولاة الأمور قاله قتادة {ونجعلهم الوارثين} يريد أرض مصر والشام، وقرأ الأعمش {ولنمكن} بلام، وقرأ الجمهور {ونُرِيَ فرعون} بضم النون وكسر الراء وفتح الياء ونصب فرعون، وقرأ حمزة والكسائي {ويرَى} بالياء وفتح ا لراء وسكون الياء على الفعل الماضي وإسناد الفعل إلى {فرعون} ومن بعده والمعنى ويقع فرعون وقومه وجنوده فيما خافوه وحذروه من جهة بني إسرائيل وظهورهم، {وهامان} هو وزير فرعون وأكبر رجاله، فذكر لمحله من الكفر ولنباهته في قومه فله في هذا الموضع صغار ولعنة لا شرف، وهذا الوحي {إلى أم موسى} قالت فرقة: كان قولاً في منامها، وقال قتادة: كان إلهاماً، وقالت فرقة: كان بملك تمثل لها، وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص في الحديث المشهور وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة، وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند الله ووعد منه، يقتضي ذلك قوله تعالى بعد: {رددناه إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق} [القصص: 13] وهذا معنى قوله: {لتكون من المؤمنين} [القصص: 10] أي بالوعد، وقال السدي وغيره: أمرت أن ترضعه عقب الولادة وتصنع به ما في الآية. لأن الخوف كان عقب كل ولادة، وقال ابن جريج: أمرت برضاعه أربعة أشهر في بستان فإذا خافت أن يصيح لأن لبنها لا يكفيه، صنعت به هذا.
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده أمران: أحدهما قوله: {فإذا خفت عليه} وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان، والآخر أنه لم يقبل المراضع والطفل إثر ولادته لا يعقل ذلك، اللهم إلا أن يكون هذا منه بأن الله تعالى حرمها عليه وجعله يأباها بخلاف سائر الأطفال، وقرأ عمرو بن عبد الواحد {أن ارضعيه} بكسر النون وذلك على حذف الهمزة عبطاً لا تخفيفاً، والتخفيف القياسي فتح النون قاله ابن جني، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه و{اليم} جمهور الماء ومعظمه، والمراد نيل مصر، وروي في قصص هذه الآية أن أم موسى واسمها يوحانه أخذته ولفته في ثيابه وجعلت له تابوتاً صغيراً وسدته عليه بقفل وعلقت مفتاحة عليه وأسلمته ثقة بالله وانتظاراً لوعده فلما غاب عنها عاودها بثها وأسفت عليه وأقنطها الشيطان فاهتمت به وكادت تفتضح وجعلت الأخت تقصه أي تطلب أثرة.

.تفسير الآيات (8- 11):

{فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}
الالتقاط اللقاء على غير قصد وروية، ومنه قول الشاعر [نقادة الأسدي]: [الرجز]
ومنهم وردته التقاطا ** لم ألق إذ وردته فراطا

إلا الحمام القمر والغطاطا ** فهن يلغطن به إلغاطا

ومنه اللغطة و{آل فرعون} أهله وجملته، وروي أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في اليم فأمرت بسوقه وفتحته فرأت فيه صبياً صغيراً فرحمته وأحبته، وقال السدي: إن جواريها كان لهن في القصر على النيل فرضة يدخل الماء فيها إلى القصر حتى ينلنه في المرافق والمنافع فبينا هنّ يغسلن في تلك الفرضة إذ جاء التابوت فحملته إلى مولاتهن، وقال ابن إسحاق: رآه فرعون يعوم فأمر بسوقه وآسية جالسة معه فكان ما تقدم، وقوله تعالى: {ليكون لهم عدواً وحزناً} هي لام العاقبة لا أن المقصد بالالتفاظ كان لأن يكون عدواً، وقرأ الجمهور {وحَزَناً} بفتح الحاء والزاي.
وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش {وحُزْناً} بضم الحاء وسكون الزاي، والخاطئ متعمد الخطأ، والمخطئ الذي لا يتعمده، واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون {قرة عين لي ولك}، فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له»، وقال السدي: بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوته فاحترق لسانه وعلق العقدة، وقوله: {لا يشعرون} أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره، وقرأ ابن مسعود {لا تقتلوه قرة عين لي ولك} قدم وأخر، وقوله: {وأصبح} عبارة عن دوام الحال واستقرارها وهي كظل، ومنه قل أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً يريد استقرت حاله عظيماً. وقرأ جمهور الناس {فارغاً} من الفراغ واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس: {فارغاً} من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقال مالك: هو ذهاب العقل.
قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قوله: {وأفئدتهم هواء} [إبراهيم: 43] وقالت فرقة {فارغاً} من الصبر، وقال ابن زيد {فارغاً} من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة {فارغاً} من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن {فزعاً} من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس {قرعاً} بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابه رضي الله عنهم {فِزْغاً} بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: [الطويل]
فإن تك قتلى قد أصيبت نفوسهم ** فلن يذهبوا فرغاً بقتل حبال

أي هدراً تالفاً لا يتبع، وقرأ الخليل بن أحمد {فُرُغاً} بضم الفاء والراء. وقوله تعالى: {إن كادت لتبدي به} أي أمر ابنها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كادت أم موسى أن تقول واإبناه وتخرج صائحة على وجهها» والربط على القلب تأنيسه وتقويته، ومنه قولهم للشجاع والصابر في المضايق: رابط الجأش، قال قتادة: وربط على قلبها بالإيمان، وقوله: {لتكون من المؤمنين} أي من المصدقين بوعد الله وما أوحى إليها به، ثم قالت لأخت موسى طمعاً منها وطلباً، {قصيه}، والقص طلب الأثر، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع، و{عن جنب} أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر: [الطويل]
لقد ذكرتني عن جناب حمامة ** بعسفان أهلي فالفؤاد حزين

ومن جنابة قول الأعشى: [الطويل]
أتيت حريثاً زائراً عن جنابة ** فكان حريث عن عطائيَ جامدا

قال الفقيه الإمام القاضي: وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة: [الطويل]
فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابة ** فإني امرؤ وسط القباب غريب

وقرأ قتادة {عن جَنْب} بفتح الجيم وسكون النون وهي قراءة الحسن والإعرج، وقرأ {عن جانب} النعمان بن سالم، وقرأ الجمهور {عن جُنُب} بضم الجيم والنون، وقوله: {وهم لا يشعرون}، معناه أنها أخته وأنها من جملة لطائف الله تعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها، ويقال: بصرت الشيء وأبصرته بمعنى واحد متقارب، قال المهدوي: وقيل {عن جنب} معناه عن شوق وهي لغة لجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت إليه، وقال قتادة: معنى {عن جنب} أنها تنظر إليه كأنها لا تريده.

.تفسير الآيات (12- 15):

{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)}
قوله تعالى: {وحرمنا} يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشد به عن عرف الأطفال وهو تحريم تنقيص، و{المراضع} جمع مرضع واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال.
وقوله تعالى: {من قبل} معناه من أول أمره، و{قبل} مبني، والضمير في {قالت} لأخت موسى قال النقاش اسمها مريم، و{يكفلونه}، معناه يحسنون تربيته وإرضاعه، وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل وكان ذلك عرف بني إسرائيل أن يكونوا مراضع وخدمة، وقوله: {وهم له ناصحون} يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك: فتخلصت منهم بهذا التأويل.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصاً على التزلف إليه والتقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك فدرت عليه وقبلها وحظيت بذلك وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، و{قرت عينها} أي سرت بذلك، وروي أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب {نُقِر} بنون مضمومة وكسر القاف، و{وعد الله} المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولاً إما بملك وإنما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه {وعد}، وقوله تعالى: {أكثرهم} يريد القبط، والأشد، جمع شدة كنعمة وأنعم، هذا قول سيبويه وقال غيره: الأشد جمع شد وقالت فرقة الأشد اسم مفرد وليس بجمع، واختلف في قدر الأشد من السنين، فقالت فرقة: بلوغ الحلم وهي نحو خمسة عشر عاماً، وقالت فرقة: ثمانية عشر عاماً، وقال السدي: عشرون، وقالت فرقة: خمسة وعشرون، وقالت فرقة: ثلاثون، وقال مجاهد وابن عباس: ثلاثة وثلاثون، وقالت فرقة عظيمة: ستة وثلاثون، وقال مجاهد وقتادة الاستواء أربعون سنة، وقال مكي وقيل هو ستون سنة وهذا ضعيف، والأشد شدة البدن واستحكام أسره وقوته، و{استوى} معناه تكامل عقله وحزمه، وذلك عند الجمهور مع الأربعين، والحكم الحكمة، والعلم، والمعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام وهي مقدمة نبوته عليه السلام، واختلف المتأولون في قوله تعالى {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} فقال السدي: كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون، فقالوا فركب فرعون يوماً وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة، قاله ابن عبس وقال أيضاً هو ما بين العشاء والعتمة، وقال ابن إسحاق بل {المدينة} مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفياً بنفسه متخوفاً منهم فدخل متنكراً حذراً مغتفلاً للناس، وقال ابن زيد: بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به، وقيل كان يوم عيد، وقوله تعالى: {يقتتلان} في موضع الحال أي مقتتلين، و{شيعته} بنو إسرائيل، و{عدوه} القبط، وذكر الأخفش سعيد استعانه بالعين غير معجمة وبالنون وهي تصحيف لا قراءة، وذكر الثعلبي أن الذي {من شيعته} هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون، وقوله: {هذا} {وهذا} حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب {هذا} عن غائب ماض، والوكز الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاثة وسبعين، وقرأ ابن مسعود {فلكزه} والمعنى واحد، إلا أن اللكز في اللحا، والوكز على القلب، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود {فنكزه} بالنون المعنى واحد، {وقضى عليه}، معناه قتله مجهزاً، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد.