فصل: تفسير الآيات (16- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (16- 18):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)}
ثم إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى فغفر الله خطأه ذلك. قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر.
قال القاضي أبو محمد: ولم يزل عليه السلام يعتمد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر حتى أنه في القيامة يقول وقتلت نفساً لم أؤمر بقتلها حسبما صح في حديث الشفاعة، ثم قال عليه السلام لربه معاهداً {رب} بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معيناً {للمجرمين} هذا أحسن ما تؤول.
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله: {فلن أكون}، والقسم لا يتلقى ب لن، والفاء تمنع أن تنزل لن منزلة لا أو ما فتأمله واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله {فلا تجعلني ظهيراً}.
قال الفقيه الإمام القاضي: واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره، وقوله تعالى {فأصبح} عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيد عالماً، و{يترقب} معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس، قال ابن عباس: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثاً ومنه قول الشاعر [سلامة بن جندل]: [البسيط]
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ** كان الصراخ له فزع الظنابيب

فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتباً ومؤنباً {إنك لغوي مبين} وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول.

.تفسير الآيات (19- 21):

{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}
قرأ جمهور القراء {يبطِش}، وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح، قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى من المقدمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى وذبحه، غلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة فأنفذ فيه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل يقال إنه مؤمن آل فرعون ويقال إنه غير في بنيات الطريق قصد إلى موضع موسى فبلغه قولهم له {إن الملأ} الآية، و{يسعى} معناه يسرع في مشيه قال الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة والأول عندي أظهر في هذه الآية: و{يأتمرون} وزنه يفتعلون ويفتعلون يأتي كثيراً بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهل ابن قتيبة إلى أنه بمعنى يأمر بعضهم بعضاً وقال: لو كان ذلك لكان يتأمرون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل وفي القرآن {وأتمروا بينكم بمعروف} [الطلاق: 6]، وقد قال النمر بن تولب: [المتقارب]
أرى الناس قد أحدثوا شيمة ** وفي كل حادثة يؤتمر

وأنشد الطبري: [الكامل]
ما تأتمر فينا فأمرك في ** يمينك أو شمالك

ومنه قول ربيعة بن جشم: [المقارب]
أجار بن كعب كأني خمر ** ويعدو على المرء ما يأتمر

فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق، ولم يصحب أحداً، فركب مجهلتها واثقاً بالله تعالى ومتوكلاً عليه، قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل، وقيل ملكاً غيره، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغيرفرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح، شك الطبري أنه قال: إن الذي {أراد أن يبطش} هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له {إنك لغوي مبين} [القصص: 18] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر، وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي {من أقصى المدينة} شمعون، وقال ابن إسحاق: شمعان.
قال الفقيه القاضي أبو محمد: والثبت في هذا ونحوه بعيد.

.تفسير الآيات (22- 24):

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
ولما خرج موسى عليه السلام فاراً بنفسه منفرداً حافياً لا شيء معه، رأى حاله وعدم معرفته بالطريق وخلوه من الزاد وغيره فأسند أمره إلى الله تعالى و{قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}، وهذه الأقوال منه تقتضي أنه كان عارفاً بالله تعالى عالماً بالحكمة والعلم الذي آتاه الله تعالى، و{توجه}، رد وجهه إليها، و{تلقاء} معناه ناحية، أي إلى الجهة التي يلقى فيها الشيء المذكور، و{سواء السبيل} معناه وسطه وقويمه، وفي هذا الوقت بعث الله تعالى الملك المسدد حسبما ذكرناه قبل وقال مجاهد: أراد ب {سواء السبيل} طريق مدين وقال الحسن: أراد سبيل الهدى.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أبدع ونظيره قول الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم «هذا الذي يهديني السبيل» الحديث، فمشى عليه السلام حتى ورد {مدين} أي بلغها، ووروده الماء معناه بلغه لا أنه دخل فيه، ولفظ الورود قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون الإطلال عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل فيه فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه، وهذه الوجوه في اللفظة تتأول في قوله تعالى {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71]، و{مدين} لا ينصرف إذ هي بلدة معروفة، والأمة الجمع الكثير، و{يسقون} معناه ماشيتهم، و{من دونهم} معناه ناحية إلى الجهة التي جاء منها فوصل إلى المرأتين قبل وصوله إلى الأمة وهكذا هما {من دونهم} بالإضافة إليه، و{تذودان} معناه تمنعان وتحبسان، ومنه قوله عليه السلام «فليذادن رجال عن حوضي» الحديث، وشاهد الشعر في ذلك كثير، وفي بعض المصاحف {امرأتين حابستين تذودان}، واختلف في المذود، فقال عباس وغيره {تذودان} غنمهما عن الماء خوفاً من السقاة الأقوياء، وقال قتادة {تذودان} الناس عن غنمهما، فلما رأى موسى عليه السلام انتزاح المرأتين {قال ما خطبكما} أي ما أمركما وشأنكما، وكان استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب أو مضطهدٍ أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما {شيخ كبير} فالمعنى أنه لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا يقدران على مزاحمة الأقوياء وأن عادتهما التأني حتى يصدر الناس عن الماء ويخلى، وحينئذ تردان، وقالت فرقة كانت الآبار مكشوفة وكان زحم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقي لهما زحم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغلب الذي كان منه، وصفته إحداهما بالقوة، وقالت فرقة: بل كانت آبارهم على أفواهها حجارة كبار وكان ورود المرأتين تتبع ما في صهاريج الشرب من الفضلات التي تبقى للسقاة وأن موسى عليه السلام عمد إلى بئر كانت مغطاة والناس يسقون من غيرها وكان حجرها لا يرفعه إلا سبعة، قاله ابن زيد، وقال ابن جريج: عشرة، وقال ابن عباس: ثلاثون، وقال الزجاج: أربعون، فرفعه موسى وسقى للمرأتين، فعن رفع الصخرة وصفته بالقوة، وقيل إن بئرهم كانت واحدة وإنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة إذ كانت عادة المرأتين شرب الفضلات، وقرأ الجمهور {نسقي} بفتح النون، وقرأ طلحة {نُسقي} بضمها، وقرأ أبو عمرو وابن عامر {حتى يَصدُر} بفتح الياء وضم الدال وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وقتادة، وقرأ الباقون {يُصدِر} بضم الياء وكسر الدال على حذف المفعول تقديره مواشيهم وحذف المفعول كثير في القرآن والكلام، وهي قراءة الأعرج وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق وعيسى، و{الرعاء} جمع راع، و{تولى} موسى عليه السلام إلى ظل سمرة قاله ابن مسعود، وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله: {رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير}، ولم يصرح بسؤال، هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله، قال ابن عباس: وكان قد بلغ به الجوع واخضر لونه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه بظهره، ورئيت خضرة البقل في بطنه وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله، وروي أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدمه، وفي هذا معتبر وحاكم بهوان الدنيا على الله تعالى.

.تفسير الآيات (25- 27):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر قدره ابن إسحاق فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه، وقيل الصغرى، أن تدعوه له فجاءت على ما في هذه الآية، وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى شرفا، وروي أن اسم زوجة موسى منهما صفورة، وقيل إن اسمها صوريا، وقال وهب: زوجه الكبرى، وروي عن النبي عليه السلام أنه زوجه الصغرى، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر، وقال النقاش: ويقال كانتا توأمتين، وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار، وقوله: {تمشي} حال من {إحداهما}، وقوله: {على استحياء} أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعاً من النساء ولاجة خراجة، واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى عليه السلام من هو، فقال الجمهور هو شعيب عليه السلام وهما ابنتاه، وقال الحسن: هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال أبو عبيدة: يثرون، وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب، وقيل إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب فقام يتبعها إلى أبيها فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها فتحرج موسى من النظر إليها فقال لها ارجعي خلفي وأرشديني الطريق ففهمت عنه فذلك سبب وصفها له بالأمانة قاله ابن عباس، فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فأنسه بقوله: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون.
فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه {يا أبت استأجره} الآية، فما وصفته بالقوة والأمانة قال لها أبوها ومن أين عرفت هذا منه؟ فقالت: أما قوته ففي رفع الصخرة وأما أمانته ففي تحرجه من النظر إليَّ وقت هبوب الريح، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم، فقال له عند ذلك الأب {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيَّ} قال ابن عباس فزوجه التي دعته، وتأجر، معناه تثيب وقال مكي في هذه الآية خصائص في النكاح منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمر وجعل المهر إجارة ودخل ولم ينقد شيئاً.
قال القاضي أبو محمد: أما التعيين فيشبه أنه كان في أثناء حال المراوضة وإنما عرض الأمر مجملاً وعين بعذ ذلك، وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه فإما رسماه، وإلا فهو من وقت العقد وإما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهذا أمر قد قرره شرعنا وجرى به في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك خاص، وبعضهم إلى أنه منسوخ، ولم يجوز مالك رحمه الله النكاح بالإجارة، وجوزها ابن حبيب وغيره إذا كانت الأجرة تصل إلى الزوجة قبل ومن لفظ شعيب عليه السلام حسن في لفظ العقود في النكاح، أنكحه إياها أكثر من أنكحها إياه هذا معترض، وجعل شعيب الثمانية الأعوام شرطاً ووكل العامين إلى المروءة.