فصل: تفسير الآيات (65- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (65- 68):

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)}
هذا النداء أيضاً كالأول في احتماله الواسطة من الملائكة، وهذا النداء أيضاً للكفار يوقفهم على ما أجابوا به {المرسلين} الذين دعوهم إلى الله تعالى فتعمى {عليهم الأنباء} أي أظلمت لهم الأمور فلم يجدوا خبراً يخبرون به مما لهم فيه نجاة، وساق الفعل في صيغة المضي لتحقق وقوعه وأنه يقين، والماضي من الأفعال متيقن فلذلك توضع صيغته بدل المستقبل المتقين وقوعه وصحته، وعميت معناه أظلمت جهاتها وقرأ الأعمش {فعُمّيت} بضم العين وشد الميم، وروي في بعض الحديث: كان الله في عماء، وذلك قبل أن يخلق الأنوار وسائر المخلوقات، و{الأنباء} جمع نبأ، وقوله تعالى {فهم لا يتساءلون} معناه فيما قال مجاهد وغيره بالأرحام والمتات الذي عرفه في الدنيا أن يتساءل به لأنهم قد أيقنوا أن كلهم لا حيلة له ولا مكانة.
ويحتمل أن يريد أنهم لا يتساءلون عن الأنباء ليقين جميعهم أنه لا حجة لهم، ثم انتزع تعالى من الكفرة {من تاب} من كفره {وآمن} بالله ورسوله {وعمل} بالتقوى، ورجى عز وجل فيهم أنهم يفوزون ببغيهم ويبقون في النعيم الدائم وقال كثير من العلماء عسى من الله واجبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ظن حسن بالله تعالى يشبه فضله وكرمه واللازم من عسى أنها ترجية لا واجبة، وفي كتاب الله عز وجل {عسى ربه إن طلقكن} [التحريم: 5]، وقوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} الآية، قيل سببها ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقول بعضهم {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] فنزلت هذه الآية بسبب تلك المنازع، ورد الله تعالى عليهم وأخبر أنه يخلق من عباده وسائر مخلوقاته ما يشاء وأنه يختار لرسالته من يريد ويعلم فيه المصلحة ثم نفى أن يكون الاختيار للناس في هذا ونحوه، هذا قول جماعة من المفسرين أن {ما} نافية أي ليس لهم تخير على الله تعالى فتجيء الآية كقوله تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله} الآية [الأحزاب: 36].
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد و{يختار} الله تعالى الأديان والشرائع وليس له الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام ونحوها في العبادة، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {سبحان الله وتعالى عما يشركون}، وذهب الطبري إلى أن {ما} في قوله تعالى و{يختار ما كان} مفعولة ب {يختار} قال: والمعنى أن الكفار كانوا يختارون من أموالهم لأصنامهم أشياء فأخبر الله تعالى أن الاختيار إنما هو له وحده يخلق ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس لا كما يختارون هم ما ليس إليه ويفعلون ما لم يؤمروا به.
قال القاضي أبو محمد: واعتذر الطبري عن الرفع الذي أجمع القراء عليه في قوله تعالى: {ما كان لهم الخيرة} بأقوال لا تتحصل وقد رد الناس عليه في ذلك، وذكر عن الفراء أن القاسم بن معن أنشده بيت عنترة: [البسيط]
أمن سمية دمع العين تذريف ** لو كان ذا منك قبل اليوم معروف

وقرن الآية بهذا البيت والرواية في البيت لو أن ذا ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون الأمر والشأن مضمراً في كان وذلك في الآية ضعيف، لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها مجرور وفي هذا كله نظر، والوقف على ما ذهب إليه جمهور الناس في قوله: {ويختار} وعلى ما ذهب إليه الطبري لا يوقف على ذلك ويتجه عندي أن يكون {ما} مفعولة إذا قدرنا {كان} تامة أي أن الله تعالى يختار كل كائن ولا يكون شيء إلا بإذنه، وقوله تعالى: {لهم الخيرة} جملة مستأنفة معناها تعديد النعمة عليهم في اختيار الله تعالى لهم لو قبلوا وفهموا.

.تفسير الآيات (69- 73):

{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)}
ذكر تعالى في هذه الآيات أموراً يشهد عقل كل مفطور بأن الأصنام لا شركة لها فيها، فمنها علم ما في النفوس وما يجيش بالخواطر، و{تكن} معناه تستر، وقرأ ابن محيص {تَكُن} بفتح التاء وضم الكاف، وعبر عن القلب ب الصدر من حيث كان محتوياً عليه، ومعنى الآية أن الله تعالى يعلم السر والإعلان، ثم أفرد نفسه بالألوهية ونفاها عن سواه، وأخبر أن الحمد له في الدنيا والآخرة إذ له الصفات التي تقضتي ذلك، و{الحكم} في هذا الموضع القضاء والفصل في الأمور، ثم أخبر بالرجعة إليه والحشر، ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم على أمر الليل والنهار وما منح الله فيهما من المصالح والمرافق وأن يوقفهم على إيجاده تعالى بتقليب الليل والنهار، وأنه لو مد أحدهما {سرمداً} لما وجد من يأتي بالآخر، والسرمد من الأشياء الدائم الذي لا ينقطع، وقرأت فرقة هي الجمهور {بضياء} بالياء، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل {بضئاء} بهمزتين وضعفه أبو علي، ثم ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب وإن وجد من يسكن بالنهار ويبتغي فضل الله بالليل فالشاذ النادر لا يعتد به، وقال بعض الناس: قوله تعالى {جعل لكم الليل والنهار} إنما عبر به عن الزمان لم يقصد لتقسيم، أي في هذا الوقت الذي هو ليل ونهار يقع السكون وابتغاء الفضل، وقوله: {ولعلكم} أي على نظر البشر من يرى هذا التلطف والرفق يرى أن ذلك يستدعي الشكر ولا بد.

.تفسير الآيات (74- 75):

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)}
التقدير واذكر يوم يناديهم وكرر هذا المعنى إبلاغاً وتحذيراً وهذا النداء هو عن ظهور كل ما وعد الرحمن على ألسنة المرسلين من وجوب الرحمة لقوم والعذاب لآخرين من خضوع كل جبار وذلة الكل لعزة رب العالمين.
فيتوجه حينئذ توبيخ الكفار {فيقول} الله تعالى لهم: {أين شركائي} على معنى التقريع، ثم أخبر تعالى أنه يخرج في ذلك اليوم {من كل أمة شهيداً} يميز بينه وبين الناس وهذا هو النزع أن يميز بين شيئين فينتزع أحدهما من الآخرة، وقال مجاهد: أراد ب الشيهد النبي الذي يشهد على أمته وقال الرماني: وقيل أراد عدولاً من الأمم وخياراً.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهم حملة الحجة الذين لا يخلو منهم زمان، والشهيد على هذا التأويل، اسم الجنس وفي هذا الموضع حذف يدل عليه الظاهر تقديره يشهد على الأمة بخيرها وشرها فيحق العذاب على من شهد عليه بالكفر ويقال لهم على جهة استبراء الحجة والاعذار في المحاورة {هاتوا برهانكم} على حق بأيديكم إن كان لكم، فيسقط حينئذ في أيديهم ويعلمون {أن الحق} متوجه {لله} عليهم في تعذيبهم، وينتلف لهم ما كانوا بسبيله في الدنيا من كذب مختلق وزور في قولهم هذه آلهتنا للأصنام وفي تكذيبهم للرسل وغير ذلك، ومن هذه الآية انتزع قول القاضي عند إرادة الحكم أبقيت لك حجة.

.تفسير الآيات (76- 77):

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)}
{قارون} اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف واختلف الناس في قرابة {قارون} من {موسى} عليه السلام فقال ابن إسحاق هو عمه، وقال ابن جريج وإبراهيم النخعي هو ابن عمه لحّاً، وهذ أشهر، وقيل هو ابن خالته، وهو بإجماع رجل من بني إسرائيل كان ممن أمن بموسى وحفظ التوراة وكان من أقرأ الناس لها، وكان عند موسى من عباد المؤمنين ثم إنه لحقه الزهو والإعجاب فبغى على قومه بأنواع من البغي من ذلك كفره بموسى واستخفافه به ومطالبته له فيما قال ابن عباس بأنه عمد إلى امرأة مومسة ذات جمال وقال لها أنا أحسن إليك وأخلطك بأهلي على أن تجيئي في ملإ بني إسرائيل عندي فتقولي يا قارون اكفني أمر موسى فإنه يعترضني في نفسي، فجاءت المرأة فلما وقفت على الملإ أحدث الله تعالى لها توبه، فقالت يا بني إسرائيل إن قارون قال لي كذا وكذا، ففضحته في جميع القصة، وبرأ الله تعالى موسى من مطالبته، وقيل بل قالت المرأة ذلك عن موسى فلما بلغه الخبر وقف المرأة بمحضر ملإ من بني إسرائيل فقالت يا نبي الله كذبت عليك وإنما دعاني قارون إلى هذه المقالة وكان من بغيه أنه زاد في ثيابه شبراً على ثياب الناس، قاله شهر بن حوشب، إلى غير ذلك مما يصدر عمن فسد اعتقاده، وكان من أعظم الناس مالاً وسميت أمواله كنوزاً إذ كان ممتنعاً من أداء الزكاة وبسبب ذلك عادى موسى عليه السلام أول عداوته، والمفاتح ظاهرها أنها التي يفتح بها ويحتمل أن يريد بها الخزائن والأوعية الكبار، قاله الضحاك لأن المفتح في كلام العرب الخزانة.
قال القاضي أبو محمد: وأكثر المفسرون في شأن {قارون} فروي عن خيثمة أنه قال: نجد في الإنجيل مكتوباً أن مفاتيح قارون كانت من جلود الإبل وكان المفتاح من نصف شبر وكانت وقر ستين بعيراً أو بغلاً لكل مفتاح كنز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي غير هذا مما يقرب منه ذلك كله ضعيف والنظر يشهد بفساد هذا ومن كان الذي يميز بعضها عن بعض وما الداعي إلى هذا وفي الممكن أن ترجع كلها إلى ما يحصى ويقدر وعلى حصره بسهولة وكان يلزم على هذا المعنى أن تكون مفاتيح بياء وهي قراءة الأعمش والذي يشبه إنما هو أن تكون المفاتيح من الحديد ونحوه وعلى هذا {تنوء بالعصبة} إذا كانت كثيرة لكثرة مخازنه وافتراقها من المواضع أو تكون المفاتيح الخزائن، قال أبو صالح كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلاً وأما قوله: {تنوء} فمعناه تنهض بتحامل واشتداد ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
ينؤن ولم يكسبن إلا قنازعاً ** من الريش تنواء النعاج الهزائل

ومنه قول الآخر يصف رامياً: [الرجز]
حتى إذا ما اعتدلت مفاصله ** وناء في شق الشمال كاهله

والوجه أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح المثقلة لها وكذلك قال كثير من المتأولين المراد هذا لكنه قلب كما تفعل العرب كثيراً، فمن ذلك قول الشاعر: [الوافر]
فديت بنفسه نفسي ومالي ** وما آلوك إلا ما أطيق

ومن ذلك قول الآخر [خداش بن زهير]: [الطويل]
وتركب خيل لا هوادة بينها ** وتشفي الرماح بالضياطرة الحمر

وهذا البيت لا حجة فيه إذ يتجه على وجهه فتأمله، ومن ذلك قول الآخر:
فما كنت في الحرب العوان مغمزاً ** إذا شب حر وقودها أجدالها

وقال سيبويه والخليل التقدير لتنيء العصبة فجعل بدل ذلك تعدية الفعل بحرف الجر كما تقول ناء الحمل وأنأته ونؤت به، بمعنى جعلته ينوء والعرب تقول ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يسند {تنوء} إلى المفاتح مجازاً لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها وهذا مطرد في قولهم ناء الحمل بالعير ونحوه فتأمله، واختلف الناس في {العصبة} كم هي فقال ابن عباس ثلاثة، وقال قتادة من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد خمسة عشر حملاً، وقيل أحد عشر حملاً على إخوة يوسف وقيل أربعون، وقرأ بديل بن ميسرة {لينوء} بالياء وجهها أبو الفتح على أنه يقرأ {مفاتحه} جمعاً وذكر أبو عمرو الداني إن بديل بن ميسرة قرأ {ما إن مفتاحه} على الإفراد فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح، وقوله تعالى: {إذ قال له قومه}، متعلق بقوله: {فبغى}، ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، والفرح هو الذي تخلق دائماً بالفرح، ولا يجب في هذا الموضع صفة فعل لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة وإنما هو لا يظهر عليهم بركته ولا يبهم رحمته، ثم وصوه أن يطلب بماله رضى الله تعالى وقدم لآخرته، وقوله تعالى: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}، اختلف المتأولون فيه فقال ابن عباس والجمهور: معناه لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملاً صالحاً في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام كله على هذا التأويل شدة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة: معناه ولا تضيع أيضاً حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، وقال الحسن: معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وحكى الثعلبي أنه قيل أرادوا بنصيبه الكفن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا وعظ متصل كأنهم قالوا لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن ونحو هذا قول الشاعر: [الطويل]
نصيبك مما تجمع الدهر كله ** رداءان تلوى فيهما وحنوط

وقوله: {وأحسن كما أحسن الله إليك} أمر بصلة المساكين وذوي الحاجة وباقي الآية بين.