فصل: تفسير الآيات (18- 20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (18- 20):

{وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}
في قوله تعالى {وإن تكذبوا} الآية وعيد، أي قد كذب غيركم وعذب وإنما على الرسول البلاغ، وكل أحد بعد ذلك مأخوذ بعمله، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم بخلاف عنه {أو لم تروا} بالتاء، وقرأ الباقون {أو لم يروا} بالياء، الأولى على المخاطبة والثانية على الحكاية عن الغائب.
وقرأ الجمهور {يبدئ} وقرأ عيسى وأبو عمرو بخلاف والزهري {يبدأ} وهذه الإحالة على ما يظهر مع الأحيان من إحياء الأرض والنبات وإعادته ونحو ذلك مما هو دليل على البعث من القبور والحشر، ويحتمل أن يريد {أو لم يروا} بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعد الله الأجسام بعد الموت وهو تأويل قتادة، وقال الربيع ابن أنس: كيف يبدأ الخلق الإنسان ثم يعيده إلى أحوال أخر حتى إلى التراب، وقال مقاتل {الخلق} في هذه الآية الليل والنهار، ثم أمر تعالى نبيه، ويحتمل أن يكون إبراهيم، ويحتمل أن يكون محمداً، إن كان في قصة إبراهيم اعتراض بين كلامين بأن يأمرهم على جهة الاحتجاج بالسير في الأرض والنظر في كل قطر وفي كل أمة قديماً وحديثاً، فإن ذلك يوجد أن لا خالق إلا الله تعالى ولا يبتدئ بالخلق سواه، ثم ساق على جهة الخبر أن الله تعالى يعيد وينشيء نشأة القيام من القبور، وقرأت فرقة {النشأة}، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {النشاءة} على وزن الفعالة وهي قراءة الأعرج، وهذا كما تقول رأفة ورآفة، وقرأ الباقون {النشأة} على وزن الفعلة، وقرأ الزهري {النشّة} بشين مشددة في جميع القرآن، والبعث من القبور يقوم دليل العقل على جوازه وأخبرت الشرائع وقوعه ووجوده.

.تفسير الآيات (21- 23):

{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)}
المعنى ييسر من يشاء لأعمال من حق عليه العذاب وييسر من يشاء لأعمال من سبقت له الرحمة فيتعلق الثواب والعقاب بالاكتساب المقترن الاختراع الذي لله تعالى في أعمال العبد، ثم أخبر أن إليه المنقلب وأن البشر ليس بمعجز ولا مفلت {في الأرض ولا في السماء}، ويحتمل أن يريد ب {السماء} الهواء علواً أي ليس للإنسان حيلة صعد أو نزل حكى نحوه الزهراوي ويحتمل أن يريد {السماء} المعروفة أي لستم {بمعجزين في الأرض ولا} ولو كنتم {في السماء}، وقال ابن زيد معناه ولا من في السماء معجز إن عصى ونظروه على هذا بقول حسان بن ثابت: [الوافر]
أمن يهجو رسول الله منا ** ويمدحه وينصره سواء

والتأويل الأوسط أحسنها.
ونحوه قول الأعشى: [الطويل]
ولو كنت في جب ثمانين قامة ** ولقيت أسباب السماء بسلم

ليعتورنك القول حتى تهزه ** وتعلم أني لست عنك بمحرم

والولي أخص من النصير، وقرأ يحيى بن الحارث وابن القعقاع {ييسوا} من غير همز، قال قتادة ذم الله تعالى قوماً هانوا عليه فقال {أولئك يئسوا من رحمتي}.
قال القاضي أبو محمد: وما تقدم من قوله تعالى {أو لم يروا كيف} [العنكبوت: 19] إلى هذه الآية المستأنفة، يحتمل أن يكون خطاباً لمحمد ويكون اعتراضاً في قصة إبراهيم، ويحتمل أن يكون خطاباً لإبراهيم ومحاورة لقومه، وعند آخر ذلك ذكر جواب قومه.

.تفسير الآيات (24- 25):

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)}
قرأ الجمهور {جوابَ} بالنصب، وقرأ الحسن {جوابُ} بالرفع، وكذلك قرأ سالم الأفطس، وأخبر الله تعالى عنهم أنهم لما بين إبراهيم الحجج وأوضح أمر الدين رجعوا معه إلى الغلبة والقهر والغشم وعدوا عن طريق الاحتجاج حين لم يكن لهم قبل به فتآمروا في قتله أو تحريقه بالنار، وأنفذوا أمر تحريقه حسبما قد اقتص في غير هذا الموضع، وأنجاه الله تعالى من نارهم بأن جعلها عليه برداً وسلاماً، قال كعب الأحبار: ولم تحرق النار إلا الحبل الذي أوثقوه به، وجعل ذلك آية وعبرة ودليلاً وحدانيته لمن شرح صدره ويسره للإيمان أي هذا الصنف ينتفع بالآية والكفار هي عليهم عمى وإن كانت في نفسها آية للكل، ثم ذكر تعالى أن إبراهيم عليه السلام قررهم على أن اتخاذهم الأوثان والأنصاب إنما كان اتباعاً من بعضهم لبعض وحفظاً لموداتهم ومحباتهم الدنياوية، وأنهم يوم القيامة يجحد بعضهم بعضاً ويتلاعنون لأن توادهم كان على غير تقوى، والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وقرأ عاصم في رواية الأعمش عن أبي بكر عنه {مودةٌ} بالرفع {بينَكم} بالنصب وهي قراءة الحسن وأبي حيوة.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي في رواية المفضل {مودةُ} بترك التنوين والرفع {بينِكم} بالخفض، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو في رواية أبي زيد {مودةً بينَكم} بالتنوين والنصب ونصب بين، وقرأ حمزة {مودةَ} بالنصب وترك التنوين والإضافة إلى بين، فأما قراءتا الرفع في {مودة} فوجههما أن يكون ما بمعنى الذي وفي قوله: {اتخذتم} ضمير عائد على الذي، وهذا الضمير هو مفعول أول ل {اتخذتم}، و{أوثاناً} مفعول ثان، و{مودة} خبر إن في قراءة من نونها، وفي قراءة من لم ينونها ويجوز أن تكون ما كافة ولا يكون في قوله: {اتخذتم} ضمير ويكون قوله: {أوثاناً} مفعولاً لقوله: {اتخذتم} ثم يقتصر عليه، ويقدر الثاني آلهة أو نحوه، كما يقدر قوله تعالى {إن الذين اتخذوا العجل} [الأعراف: 152] أي إلهاً {سينالهم غضب} [الأعراف: 152]، ويكون قوله مودةٌ خبر ابتداء تقديره هو مودة وفي هذه التأويلات مجاز واتساع في تسمية الأوثان مودة أو يكون ذلك على حذف مضاف، وأما من نصب مودة فعلى أن ما كافة وعلى خلو {اتخذتم} من الضمير والاقتصار على المفعول الواحد كما تقدم ويكون نصب المودة على المفعول من أجله، ومن أضاف المودة إلى البين في القراءتين بالنصب والرفع تجوز في ذلك وأجرى الظرف مجرى الأسماء، ومن نصب {بينَكم} في قراءتي الرفع والنصب في {مودة} فكذلك يحتمل أن ينتصب انتصاب الظروف ويكون معلقاً ب {مودة} وكذلك {في الحياة الدنيا} ظرف أيضاً متعلق ب {مودة} وهو مصدر عمل في ظرفين من حيث افترقا بالمكان والزمان ولو كانا لواحد منهما لم يجز ذلك، تقول رأيت زيداً أمس في السوق ولا تقول رأيت زيداً أمس البارحة اللهم إلا أن يكون أحد الظرفين جزءاً للآخر، رأيت زيداً أمس عشية، ويجوز أن ينتصب {بينكم} على أنه صفة ل {مودة} فهنا محذوف مقدر تقديره {مودة} ثابتة {بينكم}، وفي الظرف ضمير عائد على {مودة} لما حذفت ثابتة استقر الضمير في الظرف نفسه، وقوله: {في الحياة الدنيا} ظرف في موضع الحال من الضمير الكائن في {بينكم} بعد حذف ثابتة فهذه الحال متعلقة ب {مودة} وجاز تعلقها بها، وهي قد وصفت لأن معنى الفعل فيها، وإن وصفت فلا يمتنع أن يعمل معنى الفعل إلا في المفعول، فأما في الظرف والحال فيعمل، قال مكي: ويجوز أن يكون {في الحياة} صفة ثابتة ل {مودة} ويكون فيها مقدر مستقر وفيها ضمير ثان عائد إلى {مودة} فالتقدير على هذا مودة ثابتة بينكم مستقرة في الحياة الدنيا. قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يكون قوله: {مودة} في قراءة من نصب مفعولاً ثانياً لقوله: {اتخذتم} ويكون في ذلك اتساع فتأمله، وفي مصحف أبي بن كعب {مودة بينهم} بالهاء وفي مصحف ابن مسعود {إنما مودّة بينكم}.

.تفسير الآيات (26- 28):

{فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)}
{فآمن} معناه فصدق وهو فعل يتعدى بالباء وباللام والقائل {إني مهاجر} هو إبراهيم عليه السلام قاله قتادة والنخعي.
وقالت فرقة: هو لوط عليه السلام، ومما صح من القصص أن إبراهيم ولوطاً هاجرا من قريتهما كوثا وهي في سواد الكوفة من أرض بابل إلى بلاد الشام فلسطين وغيرها، وقال ابن جريج: إلى حران، ثم أمرا بعد إلى الشام وفي هذه الهجرة كانت سارة في صحبة إبراهيم واعتراهما أمر الملك، والمهاجر، النازع عن الأمر وهو في عرف الشريعة من ترك وطنه رغبة في رضى الله تعالى، وقد ذهب بهذا الأسم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح، وقوله: {العزيز الحكيم} مع الهجرة إليه، صفتان بليغتان يقتضي استحقاق التوكل عليه، وفي قوله: {إلى ربي}، حذف مضاف كأنه يقول إلى رضى ربي أو نحو هذا، و{إسحاق} بن إبراهيم هو الذي بشر به في شيخه، وبشر ب {يعقوب} من ورائه فهو ولد إسحاق، {والكتاب} اسم الجنس أي جعل الله تعالى في ذرية إبراهيم جميع الكتب المنزلة التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وعيسى عليه السلام من ذريته، وقوله: {أجره في الدنيا}، يريد في حياته وبحيث أدرك ذلك وسر به، والأجر الذي آتاه الله هو العافية من النار ومن الملك الجائر والعمل الصالح والثناء الحسن قاله مجاهد، وأن كل أمة تتولاه، قاله ابن جريج، والولد الذي قرت به العين بحسب طاعة الله، قاله الحسن ثم أخبر عنه أنه في الآخرة في عداد الصالحين الذين نالوا رضى الله وفازوا برحمته وكرامته العليا، وقوله تعالى {ولوطاً} نصب بفعل مضمر تقديره واذكر لوطاً، و{الفاحشة} إتيان الرجال في الأدبار وهي معصية ابتدعها قوم لوط.

.تفسير الآيات (29- 31):

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)}
تقدم القوم في القرآن في {أئنكم}، واختلف الناس في قطع السبيل المشار إليه ها هنا، فقالت فرقة: كان قطع الطريق بالسلب فاشياً فيهم، وقال ابن زيد: كانوا يقطعون الطرق على الناس لطلب الفاحشة فكانوا يخيفون، وقالت فرقة: بل أراد قطع سبيل النسل في ترك النساء وإتيان الرجال، وقالت فرقة: أراد أنهم لقبح الأحدوثة عنهم يقطعون سبل الناس عن قصدهم في التجارات وغيرها، والنادي المجلس الذي يجتمع فيه الناس وهو اسم جنس لأن الأندية في المدن كثيرة فكأنه قال وتأتون في اجتماعكم حيث اجتمعتم.
واختلف الناس في {المنكر}، فقالت فرقة كانوا يحذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم وروته أم هاني عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت حلقهم مهملة لا يربطهم دين ولا مروءة، وقال مجاهد ومنصور: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً، وقال القاسم بن محمد: منكرهم أنهم كانوا يتفاعلون في مجالسهم، ذكره الزهراوي، وقال ابن عباس كانوا يتضارطون ويتصافعون في مجالسهم، وقال مجاهد أيضاً: كان أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والحذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالتناهي واجب، فلما وقفهم لوط على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج فقالوا {ائتنا} بالعذاب، أي أن ذلك لا يكون ولا تقدر عليه، وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه، وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا، ثم استنصر لوط عليه السلام ربه عليهم، فبعث ملائكة لعذابهم ورجمهم بالحاصب فجاؤوا إبراهيم أولاً مبشرين بإسحاق ومبشرين بنصرة لوط على قومه، وكان لقاؤهم لإبراهيم على الصورة التي بنيت في غير هذه الآية، فلفظة البشرى في هذه الآية تتضمن أمر إسحاق ونصرة لوط، ولما أخبره بإهلاك القرية على ظلمهم أشفق إبراهيم على لوط فعارضهم بأمره حسبما يأتي.

.تفسير الآيات (32- 35):

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)}
روي عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام لما علم من قبل الملائكة أن قرية لوط تعذب أشفق على المؤمنين فجادل الملائكة وقال لهم: أرأيتم إن كان فيهم مائة بيت من المؤمنين أتتركونهم، قالوا ليس فيهم ذلك، فجعل ينحدر حتى انتهى إلى عشرة أبيات، فقال له الملائكة ليس فيهم عشرة ولا خمسة ولا ثلاثة ولا اثنان، فحينئذ قال إبراهيم {إن فيها لوطاً} فراجعوه حينئذ بأنا {نحن أعلم بمن فيها} أي لا تخف أن يقع حيف على مؤمن، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر {لننَجّينّه} بفتح النون الوسطى وشد الجيم و{منَجّوك} بفتح النون وشد الجيم.
وقرأ حمزة والكسائي {لننْجينه} بسكون النون وتخفيف الجيم، {ومنْجوك}، بسكون النون وتخفيف الجيم، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر {لننجّيه} بالتشديد و{ومنجوك} بالتخفيف، وقرأت فرقة {لننجينْه} بسكون النون الأخيرة من الكلمة وهذا إنما يجيء على أنه خفف النون المشددة وهو يريدها، وامرأة لوط هذه كانت كافرة تعين عليه وتنبه على أضيافه، والغابر الباقي ومعناه {من الغابرين} في العذاب، وقالت فرقة {من الغابرين} أي ممن عمر وبقي من الناس وعسا في كفره، والضمير في {بهم} في الموضعين عائد على الأضياف الرسل، وذلك من تخوفه لقومه عليهم فلما أخبروه بما هم فيه فرج عنه، وقرأ عامة القراء {سِيء} بكسر السين، وقرأ عيسى وطلحة بضمها، والرجز، العذاب، وقوله: {بما كانوا يفسقون}، أي عذابهم بسبب فسقهم، وكذلك كل أمة عذبها الله، فإنما عذبها على الفسوق والمعصية لكن بأن يقترن ذلك بالكفر الذي يوجب عذاب الآخرة، وقرأ أبو حيوة والأعمش {يفسِقون} بكسر السين، وقوله تعالى: {ولقد تركنا منها} أي من خبرها وما بقي من أثرها، ف من لابتداء الغاية ويصح أن تكون للتبعيض على أن يريد ما ترك من بقايا بناء القرية ومنظرها، والآية موضع العبرة وعلامة القدرة ومزدجر النفوس عن الوقوع في سخط الله تعالى، وقرأ جمهور القراء {منِزلون} بتخفيف الزاي، وقرأ ابن عامر {منزِّلون} بشد الزاء وهي قراءة الحسن وعاصم بخلاف عنهما، وقرء الأعمش {إنا مرسلون} بدل {منزلون}، وقرأ ابن محيصن {رُجزاً} بضم الراء.