فصل: تفسير الآيات (28- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (28- 29):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
اختلف الناس في سبب هذه الآية، فقالت فرقة سببها غيرة غارتها عائشة، وقال ابن زيد وقع بين أزواجه عليه السلام تغاير ونحوه مما شقي هو به فنزلت الآية بسبب ذلك، ويسر الله له أن يصرف إرادته في أن يؤوي إليه من يشاء، وقال ابن الزبير: نزل ذلك بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة وتشططن في تكليفه منها فوق وسعه، وقالت فرقة بل سبب ذلك أنهن طلبن منه ثياباً وملابس وقالت واحدة: لو كنا عند غير النبي لكان لنا حلي ومتاع. وقال بعض الناس: هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوتها عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وأمر الطلاق مرجاً فلو اخترن أنفسهن نظر هو كيف يسرحهن وليس فيها تخييرهن في الطلاق، لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات وهو قد قال: {وأسرحكن سراحاً جميلاً} وليس مع بت الطلاق سراح جميل، وقالت فرقة: بل هي آية تخيير فاخترته ولم يعد ذلك طلاقاً وهو قول عائشة أيضاً. واختلف الناس في التخيير إذا اختارت المرأة نفسها، فقال مالك: هي طالق ثلاثاً ولا مناكرة للزوج بخلاف التمليك، وقال غيره هي طلقة بائنة، وقال بعض الصحابة إذا خير الرجل امرأته فاختارته فهي طلقة وهذا مخالف جداً، وقوله تعالى: {إن كنتن تردن الحياة الدنيا} أي إن كانت عظم همتكن ومطلبكن الدنيا أي التعمق فيها والنيل من نعيمها وزينة الدنيا المال والبنون. {فتعالين} دعاء، و{أمتعكن} معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله تعالى له في قوله: {ومتعوهن} [البقرة: 236]، وأكثر الناس على أنها من المندوب إليه، وقالت فرقة هي واجبة، والسراح الجميل يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المتعقد وحسن العشرة وجميل الثناء وإن كان الطلاق باتاً و{أعد} معناه يسر وهيأ والمحسنات الطائعات لله والرسول.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأزواج النبي صلى اللواتي فيهن تسع، خمس من قريش، عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وأربع من غير قريش، ميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
قال الفقيه الإمام القاضي: وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من إيلائه الشهر ونزلت عليه هذه الآية بدأ بعائشة وقال: «يا عائشة إني ذاكر لك أمراً ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك» ثم تلا عليها الآية، فقالت له: وفي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه ثم تتابع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على مثل قول عائشة فاخترن الله ورسوله رضي الله عنهن.

.تفسير الآيات (30- 32):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
قال أبو رافع كان عمر كثيراً ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح، فكان إذا بلغ {يا نساء النبي} رفع بها صوته، فقيل له فقال أذكرهن العهد. وقرأ الجمهور {من يأت} بالياء وكذلك {من يقنت} حملاً على لفظ {من}، وقرأ عمرو بن فائد الجحدري ويعقوب {من تأت} و{من تقنت} بالتاء من فوق حملاً على المعنى، وقال قوم: الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنا واللواط، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي كل ما يستفحش، وإذا وردت موصوفة بالبيان فهي عقوق الزوج وفساد عشرته، ولذلك يصفها بالبيان إذ لا يمكن سترها، والزنا وغيره هو مما يتستر به ولا يكون مبيناً، ولا محالة أن الوعيد واقع على ما خفي منه وما ظهر. وقالت فرقة بل قوله: {بفاحشة مبينة} تعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت. ولما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله تعالى ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، والإشارة بالفاحشة إلى الزنا وغيره، وقرأ ابن كثير وشبل وعاصم {مبيَّنة} بالفتح في الياء، وقرأ نافع وأبو عمرو وقتادة {مبيَنة} بكسر الياء، وقرأت فرقة {يضعف} بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه خارجة {نُضاعف} بالنون المضمومة ونصب العذابَ وهي قراءة ابن محيصن، وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص، وقرأ نافع وحمزة والكسائي {يضاعَف} بالياء وفتح العين، {العذابُ} رفعاً، وقرأ أبو عمرو {يضعَّف} على بناء المبالغة بالياء {العذابُ} رفعاً وهي قراءة الحسن وابن كثير وعيسى، وقرأ ابن كثير وابن عامر {نضعِّف} بالنون وكسر العين المشددة {العذابَ} نصباً وهي قراءة الجحدري. وقوله: {ضعفين} معناه أن يكون العذاب عذابين، أي يضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله، وقال أبو عبيدة وأبو عمرو، وفيما حكى الطبرى عنهما، بل يضاعف إليه عذابان مثله فتكون ثلاثة أعذبة وضعفه الطبري، وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق احتمال ويكون الأجر مرتين ما يفسد هذا القول لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة، والإشارة بذلك إلى تضعيف العذاب. و{يقنت} معناه يطيع ويخضع بالعبودية قال الشعبي وقتادة، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر {يقنت} بالياء، {وتعمل} بالتاء، {نؤتها} بالنون، وهي قراءة الجمهور، قال أبو علي أسند {يقنت} إلى ضمير فلما تبين أنه المؤنث حمل فيما يعمل على المعنى، وقرأ حمزة والكسائي كل الثلاثة المواضع بالياء حملاً في الأولين على لفظ {من} وهي قراءة الأعمش وأبي عبد الرحمن وابن وثاب، وقرأ الأعمش {فسوف يؤتها الله أجرها}، والإعتاد التيسير والإعداد، والرزق الكريم الجنة، ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي، أي أن رزقها في الدنيا على الله وهو كريم من حيث ذلك هو حلال وقصد ويرضى من الله في نيله، وقال بعض المفسرين {العذاب} الذي توعد به {ضعفين} هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة وكذلك الأجر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، اللهم إلا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ترفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة على ما هي عليه حال الناس بحكم حديث عبادة بن الصامت، وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقرره. ثم خاطبهن الله تعالى بأنهن لسن كأحد من نساء عصرهن فما بعد، بل هن أفضل بشرط التقوى لما منحهن من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في لحفهن، وإنما خصص لأن فيمن تقدم آسية ومريم فتأمله، وقد أشار إلى هذا قتادة ثم نهاهن الله تعالى عما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم القول، و{لا تخضعن} معناه ولا تلن، وقد يكون الخضوع في القول في نفس الألفاظ ورخامتها، وإن لم يكن المعنى مريباً، والعرب تستعمل لفظة الخضوع بمعنى الميل في الغزل ومنه قول ليلى الأخيلية حين قال لها الجحاج: هل رأيت قط من توبة شيئاً تكرهينه، قالت: لا والله أيها الأمير إلا أنه أنشدني يوماً شعراً ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر فأنشدته: [الطويل]
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ** فليس إليها ما حييت سبيل

الحكاية، وقال ابن زيد: خضوع القول ما يدخل في القلوب الغزل، وقرأ الجمهور {فيطمعَ} بالنصب على أنه نصب بالفاء في جواب النهي، وقرأ الأعرج وأبان بن عثمان {فيطمعِ} بالجزم وكسر للالتقاء وهذه فاء عطف محضة وكأن النهي دون جواب ظاهر، وقراءة الجمهور أبلغ في النهي لأنها تعطي أن الخضوع سبب الطمع، قال أبو عمرو الداني قرأ الأعرج وعيسى بن عمر {فيَطمِع} بفتح الياء وكسر الميم، والمرض في هذه الآية قال قتادة هو النفاق، وقال عكرمة الفسق والغزل وهذا أصوب، وليس للنفاق مدخل في هذه الآية، والقول المعروف هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}
قرأ الجمهور {وقِرن} بكسر القاف، وقرأ عاصم ونافع {وقَرن} بالفتح، فأما الأولى فيصح أن تكون من الوقار تقول وقر يقر فقرن مثل عدن أصله أو قرن، ويصح أن تكون من القرار وهو قول المبرد تقول قررت بالمكان بفتح القاف والراء أقر فأصله أقررن حذفت الراء الواحدة تخفيفاً، كما قالوا في ظللت ظلت ونقلوا حركتها إلى القاف واستغني عن الألف، وقال أبو علي: بل أعل بأن أبدلت الراء ياء ونقلت حركتها إلى القاف ثم حذفت الياء لسكونها وسكون الراء بعدها، وأما من فتح القاف فعلى لغة العرب قرِرت بكسر الراء أقر بفتح القاف في المكان وهي لغة ذكرها أبو عبيد في الغريب المصنف، وذكرها الزجاج وغيره، وأنكرها قوم، منهم المازني وغيره، قالوا وإنما يقال قررت بكسر الراء من قرت العين، وأما من القرار فإنما هو من قررت بفتح الراء، وقرأ عاصم {في بِيوتكن} بكسر الباء، وقرأ ابن أبي عبلة {واقرِرن} بألف وصل وراءين الأولى مكسورة، فأمر الله تعالى في هذه الآية نساء النبي بملازمة بيوتهن ونهاهن عن التبرج وأعلمهن أنه فعل الجاهلة الأولى، وذكر الثعلبي وغيره أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها، وذكر أن سودة قيل لها لم لا تحجين ولا تعمرين كما يفعل أخواتك، فقالت قد حججت واعتمرت وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى خرجت جنازتها.
قال القاضي أبو محمد: وبكاء عائشة رضي الله عنها إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل وحينئذ قال لها عمار: إن الله أمرك أن تقري في بيتك، والتبرج، إظهار الزينة والتصنع بها ومنه البروج لظهورها وانكشافها للعيون، واختلف الناس في {الجاهلية الأولى} فقال الحكم بن عيينة ما بين آدم ونوح وهي ثمانمائة سنة، وحكيت لهم سير ذميمة، وقال الكلبي وغيره ما بين نوح وإبراهيم، وقال ابن عباس ما بين نوح وإدريس وذكر قصصاً، وقالت فرقة ما بين موسى وعيسى، وقال عامر الشعبي ما بين عيسى ومحمد، وقال أبو العالية هو زمان سليمان وداود كان فيه للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبيين.
قال الفقيه الإمام القاضي: والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقتها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة لأنهم كانوا لا غيرة عندهم فكان أمر النساء دون حجبة وجعلها أولى بالإضافة إلى حالة الإسلام، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى، وقد مر اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبيل الإسلام فقالوا جاهلي في الشعراء، وقال ابن عباس في البخاري سمعت أبي في {الجاهلية} يقول إلى غير هذا، و{الرجس} اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن {أهل البيت}، ونصب {أهل البيت} على المدح أو على النداء المضاف، أو بإضمار أعني، واختلف الناس في {أهل البيت} من هم، فقال عكرمة ومقاتل وابن عباس هم زوجاته خاصة لا رجل معهن، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقالت فرقة: هي الجمهور {أهل البيت} علي وفاطمة والحسن والحسين، وفي هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين» رضي الله عنهم، ومن حجة الجمهور قوله: {عنكم} و{يطهركم} بالميم، ولو كان النساء خاصة لكان عنكن.
قال القاضي أبو محمد: والذي يظهر إليّ أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتة، ف {أهل البيت} زوجاته وبنته وبنوها وزوجها، وهذه الآية تقضي أن الزوجات من {أهل البيت} لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن، أما أن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال «هؤلاء أهل بيتي»، وقرأ الآية وقال اللهم «أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، قالت أم سلمة فقلت: وأنا يا رسول الله، فقال «أنت من أزواج النبي وأنت إلي خير»، وقال الثعلبي قيل هم بنو هاشم فهذا على أن {البيت} يراد به بيت النسب، فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)}
اتصال هذه الألفاظ التي هي {واذكرن} تعطي أن {أهل البيت} [الأحزاب: 33] نساؤه، وعلى قول الجمهور هي ابتداء مخاطبة أمر الله تعالى أزواج النبي عليه السلام على جهة الموعظة وتعديد النعمة بذكر ما يتلى في بيوتهن، ولفظ الذكر هنا يحتمل مقصدين كلاهما موعظة وتعديد نعمة: أحدهما أن يريد {اذكرن} أي تذكرنه واقدرنه قدره وفكرن في أن من هذه حاله ينبغي أن تحسن أفعاله. والآخر أن يريد {اذكرن} بمعنى احفظن واقرأن والزمنه الألسنة، فكأنه يقول واحفظوا أوامر ونواهيه، وذلك هو الذي {يتلى في بيوتكن من آيات الله}، وذلك مؤد بكن إلى الاستقامة، {والحكمة} هي سنة الله على لسان نبيه دون أن يكون في قرآن متلو، ويحتمل أن يكون وصفاً للآيات، وفي قوله تعالى: {لطيفاً} تأنيس وتعديد لنعمه، أي لطف بكن في هذه النعمة، وقوله: {خبيراً} تحذير ما، وقوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} الآية روي عن أم سلمة أنها قالت: إن سبب هذه الآية أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يذكر الله تعالى الرجال في كتابه في كل شيء ولا يذكرنا، فنزلت الآية في ذلك، وروى قتادة أن نساء من الأنصار دخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلن لهن: ذكركن الله في القرآن ولم يذكر سائر النساء بشيء فنزلت الآية في ذلك، وروي عن ابن عباس أن نساء النبي قلن ما له تعالى يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات، فنزلت الآية في ذلك، وبدأ تعالى بذكر الإسلام الذي يعم الإيمان وعمل الجوارح، ثم ذكر الإيمان تخصيصاً وتنبيهاً على أنه عظم الإسلام ودعامته، والقانت: العابد المطيع، والصادق معناه: فيما عوهد عليه أن يفي به ويكمله، والصابر: عن الشهوات وعلى الطاعات في المكره والمنشط، والخاشع: الخائف لله المستكين لربوبيته الوقور، والمتصدق: بالفرض والنفل، وقيل هي في الفرض خاصة، والأول أمدح، والصائم كذلك: في الفرض والنفل، وحفظ الفرج هو: من الزنا وشبهه وتدخل مع ذلك الصيانة من جميع ما يؤدي إلى الزنا أو هو في طريقه، وفي قوله: {الحافظات} حذف ضمير يدل عليه المتقدم والحافظاتها، وفي {الذاكرات} أيضاً مثله، والمغفرة هي ستر الله ذنوبهم والصفح عنها، والأجر العظيم الجنة.