فصل: تفسير الآيات (47- 51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (47- 51):

{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)}
أمره الله تعالى في هذه الآية بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة وتسليم كل دنيا إلى أربابها والتوكل على الله في الأجر وجزاء الجد والإقرار بأنه شهيد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك، وقوله: {يقذف بالحق} يريد بالوحي وآيات القرآن واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بآياته وحكمه، وقرأ جمهور القراء {علاّمُ} بالرفع أي هو علام، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {علاّمَ} بالنصب إما على البدل من اسم {إن} وإما على المدح، وقرأ الأعمش {بالحق هو علام الغيوب}، وقرأ عاصم {الغِيوب} بكسر الغين، وقوله: {قل جاء الحق} يريد الشرع وأمر الله ونهيه، وقال قوم يعني السيف، وقوله: {وما يبدئ الباطل وما يعيد}، قالت فرقة: {الباطل} هو غير {الحق} من الكذب والكفر ونحوه استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه، كأنه قال وما يصنع الباطل شيئاً، وقالت فرقة {الباطل} الشيطان، والمعنى ما يفعل الشيطان شيئاً مفيداً أي ليس يخلق ولا يرزق، وقالت فرقة {ما} استفهام كأنهم قال وأي شيء يصنع الباطل؟ وقرأ جمهور الناس {ضلَلت} بفتح اللام فإنما إضِل بكسر الضاد، وقرأ الحسن وابن وثاب {ضلِلت} بكسر اللام أضَل بفتح الضاد وهي لغة بني تميم، وقوله: {فيما} يحتمل أن تكون ما بمعنى الذي، ويحتمل أن تكون مصدرية، و{قريب} معناه بإحاطته وإجابته وقدرته، واختلف المتأولون في قوله تعالى: {لو ترى} الآية، فقال ابن عباس والضحاك: هذا في عذاب الدنيا، وروي أن ابن أبزى قال ذلك في جيش يغزو الكعبة فيخسف بهم في بيداء من الأرض ولا ينجو إلا رجل من جهينة فيخبر الناس بما نال الجيش قالوا بسببه قيل وعند جهينة الخبر اليقين، وهذا قول سعيد، وروي في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة وذكر الطبري أنه ضعيف السند مكذوب فيه على داود بن الجراح، وقال قتادة: ذلك في الكفار عند الموت، وقال ابن زيد: ذلك في الكفار في بدر ونحوها، وقال الحسن بن أبي الحسن: ذلك في الكفار عند خروجهم من القبور في القيامة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا أرجح الأقوال عندي، وأما معنى الآية فهو التعجيب من حالهم إذا فزعوا من أخذ الله إياهم ولم يتمكن لهم أن يفوت منهم أحد، وقوله: {من مكان قريب} معناه أنهم للقدرة قريب حيث كانوا قبل من تحت الأقدام، وهذا يتوجه على بعض الأقوال والذي يعم جميعها أن يقال إن الأخذ يجيئهم من قرب في طمأنينتهم ويعقبها بينا الكافر يؤمل ويظن ويترجى إذ غشيه الأخذ، ومن غشيه أخذ من قريب، فلا حيلة له ولا روية، وقرأ الجمهور {وأخذوا}، وقرأ طلحة بن مصرف {فلا فوت وأخذ}، كأنه قال وجاء لهم أخذ من مكان قريب.

.تفسير الآيات (52- 54):

{وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)}
الضمير في {به} عائد على الله تعالى، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه والقرآن، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وعامة القراء {التناوُش} بضم الواو دون همز، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم أيضاً {التناؤش} بالهمز، والأولى معناها التناول من قولهم ناش ينوش إذا تناول وتناوش القوم في الحرب إذا تناول بعضهم بعضاً بالسلاح، ومنه قول الراجز: [الرجز]
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا ** نوشاً به تقطع أجواز الفلا

فكأنه قال وأنى لهم تناول مرادهم وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك، وأما التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناؤش الذي تقدم تفسيره وهمزت الواو لما كانت مضمونة وكانت ضمتها لازمة، كما قالوا أقتت وغير ذلك، ويحتمل أن يكون من الطلب، تقول اتناشت الشيء إذا طلبته من بعد، وقال ابن عباس تناؤش الشيء رجوعه حكاه عنه ابن الأنباري وأنشد: [الوافر]
تمنى أن تؤوب إليك ميّ ** وليس إلى تناوشها سبيل

فكأنه قال في الآية: وأنى لهم طلب مرادهم وقد بعد، قال مجاهد المعنى من الآخرة إلى الدنيا، وقرأ جمهور الناس {ويَقذِفون} بفتح الياء وكسر الذال على إسناد الفعل إليهم، أي يرجمون بظنونهم ويرمون بها الرسل وكتاب الله، وذلك غيب عنهم في قولهم سحر وافتراء وغير ذلك، قاله مجاهد، وقال قتادة قذفهم بالغيب هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار، وقرأ مجاهد {ويُقذَفون} بضم الياء وفتح الذال على معنى ويرجمهم الوحي بما يكرهون من السماء، وقوله: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} قال الحسن معناه من الإيمان والتوبة والرجوع إلى الإتابة والعمل الصالح، وذلك أنهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التوبة، وقاله أيضاً قتادة، وقال مجاهد معناه وحيل بينهم وبين نعيم الدنيا ولذاتها، وقيل حيل بينهم وبين الجنة ونعيمها، وهذا يتمكن جداً على القول بأن الأخذ والفزع المذكورين هو في يوم القيامة، وقوله: {كما فعل بأشياعهم من قبل} الأشياع الفرق المتشابهة، فأشياع هؤلاء هم الكفرة من كل أمة، وهو جمع شيعة، وشيع، وقوله: {من قبل} يصلح على بعض الأقوال المتقدمة تعلقه بفعل، ويصلح على قوم من قال إن الفزع هو في يوم القيامة تعلقه {بأشياعهم} أي بمن اتصف بصفتهم من قبل في الزمن الأول، لأن ما يفعل بجميعهم إنما هو في وقت واحد. لا يقال فيه {من قبل}، والشك المريب أقوى ما يكون من الشك وأشده إظلاماً.

.سورة فاطر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}
الألف واللام في {الحمد} لاستغراق الجنس على أتم عموم، لأن {الحمد} بالإطلاق على الأفعال الشريفة والكمال هو لله تعالى والشكر مستغرق فيه لأنه فصل من فصوله، و{فاطر} معناه خالق لكن يزيد في المعنى الانفراد بالابتداء لخلقها، ومنه قول الأعرابي المتخاصم في البئر عند ابن عباس: أنا فرطتها، أراد بدأت حفرها. قتال ابن عباس ما كنت أفهم معنى {فاطر} حتى سمعت قول الأعرابي، وقرأ الجمهور {الحمد لله فطر}، وقرأ جمهور الناس {جاعلِ} بالخفض، وفرأت فرقة {جاعلُ} بالرفع على قطع الصفة، وقرأ خليد بن نشيط {جعل} على صيغة الماضي {الملائكة} نصباً، فأما على هذه القراءة الأخيرة فنصب قوله: {رسلاً} على المفعول الثاني، وأما على القراءتين المتقدمتين فقيل أراد ب جاعل الاستقبال لأن القضاء في الأزل وحذف التنوين تخفيفاً وعمل عمل المستقبل في {رسلاً}، وقالت فرقة {جاعل} بمعنى المضي و{رسلاً} نصب بإضمار فعل، و{رسلاً} معناه بالوحي وغير ذلك من أوامره، فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل رسل، والملائكة المتعاقبون رسل، والمسددون لحكام العدل رسل وغير ذلك، وقرأ الحسن {رسْلاً} بسكون السين، و{أولي} جمع واحده ذو، تقول ذو نهية والقوم أولو نهي، وروي عن الحسن أنه قال في تفسير قول مريم {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً} [مريم: 18] قال علمت مريم أن التقي ذو نهية، وقوله: {مثنى وثلاث ورباع} ألفاظ معدولة من اثنين وثلاثة وأربعة عدلت في حال التنكير فتعرفت بالعدل، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف، وقيل للعدل والصفة، وفائدة العدل الدلالة على التكرار لأن {مثنى} بمنزلة قولك اثنين اثنين، وقال قتادة: إن أنواع الملائكة هي هكذا منها ما له جناحان، ومنها ما له ثلاثة، ومنها ما له أربعة، ويشذ منها ما له أكثر من ذلك، وروي أن لجبريل ستمائة جناح منهِا اثنان تبلغ من المشرق إلى المغرب، وقالت فرقة المعنى أن في كل جانب من الملك جناحين، ولبعضهم ثلاثة في كل جانب، ولبعضهم أربعة، وإلا فلو كانت ثلاثة لكل واحد لما اعتدلت في معتاد ما رأيناه نحن من الأجنحة، وقيل بل هي ثلاثة لكل واحد كالحوت والله أعلم بذلك، وقوله تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء} تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب عن الخبر بالملائكة أولي الأجنحة، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله تعالى فإنه يزيد في خلقه ما يشاء، وروي عن الحسن وابن شهاب أنهما قالا المزيد هو حسن لصوت قال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيراً، وقيل الزيادة الخط الحسن، وقال النبي عليه السلام:
«الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً»، وقال قتادة الزيادة ملاحة العينين.
قال القاضي أبو محمد: وقيل غير هذا وهذه الإشارة إنما ذكرها من ذكرها على جهة المثال لا أن المقصود هي فقط، وإنما مثل بأشياء هي زيادات خارجة عن الغالب الموجود كثيراً وباقي الآية بين، وقوله: {ما يفتح الله} {ما} شرط، و{يفتح} جزم بالشرط، وقوله: {من رحمة} عام في كل خير يعطيه الله تعالى للعباد جماعتهم وأفذاذهم، وقوله: {من بعده} فيه حذف مضاف أي من بعد إمساكه، ومن هذه الآية سمت الصوفية ما تعطاه من الأموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات، ومنها كان أبو هريرة يقول مطرنا بنوء الفتح، وقرأ الآية، وقوله: {يا أيها الناس} خطاب لقريش وهو متجه لكل كافر، ولاسيما لعباد غير الله، وذكرهم تعالى بنعمة الله عليهم في خلقهم وإيجادهم، ثم استفهمهم على جهة التقرير والتوقيف بقوله: {هل من خالق غير الله} أي فليس إله إلا الخالق لا ما تعبدون أنتم من الأصنام، وقرأ حمزة والكسائي {غيرِ} بالخفض نعتاً على اللفظ وخبر الابتداء {يرزقكم} وهي قراءة أبي جعفر وشقيق وابن وثاب، وقرأ الباقون غير نافع بالرفع، وهي قراءة شيبة بن نصاح وعيسى والحسن بن أبي الحسن، وذلك يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها النعت على الموضع والخبر مضمر تقديره في الوجود أو في العالم وأن يكون غيرُ خبر الابتداء الذي هو في المجرور والرفع على الاستثناء، كأنه قال هل خالق إلا الله، فجرت غير مجرى الفاعل بعد {إلا}، وقوله: {من السماء} يريد بالمطر ومن {الأرض} يريد بالنبات، وقوله: {فأنى تؤفكون} معناه فلأي وجه تصرفون عن الحق، ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بما سلف من حال الرسل مع الأمم، و{الأمور} تعم جميع الموجودات المخلوقات إلى الله مصير جميع ذلك على اختلاف أحوالها، وفي هذا وعيد للكفار ووعد للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم وعظ عز وجل جميع العالم وحذرهم غرور الدنيا بنعيمها وزخرفها الشاغلة عن المعاد الذي له يقول الإنسان: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] ولا ينفعه ليت يومئذ، وحذر غرور الشيطان، وقوله: {إن وعد الله} عبارة عن جميع خبره عز وجل في خير وتنعم أو عذاب أو عقاب، وقرأ جمهور الناس {الغَرور} بفتح الغين وهو الشيطان قاله ابن عباس، وقرأ سماك العبدي وأبو حيوة {الغُرور} بضم الغين وذلك يحتمل أن يكون جمع غار كجالس وجلوس، ويحتمل أن يكون جمع غر وهو مصدر غره يغره غراً، ويحتمل أن يكون مصدراً وإن كان شاذاً في الأفعال المتعدية أن يجيء مصدرها على فعول لكنه قد جاء لزمه لزوماً ونهكه المرض نهوكاً فهذا مثله وكذلك هو مصدر في قوله: {فدلاهما بغرور} [الأعراف: 22].

.تفسير الآيات (6- 8):

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
قوله تعالى: {إن الشيطان} الآية، يقوي قراءة من قرأ {الغَرور} بفتح الغين، وقوله: {فاتخذوه عدواً} أي بالمباينة والمقاطعة والمخالفة له باتباع الشرع، والحزب الحاشية والصاغية، واللام في قوله: {ليكونوا} لام الصيرورة لأنه لم يدعهم إلى السعير إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك، و{السعير} طبقة من طبقات جهنم وهي سبع طبقات، وقوله: {الذين كفروا} في موضع رفع بالابتداء وهذا هو الحسن لعطف {الذين آمنوا} عليه بعد ذلك فهي جملتان تعادلتا، وجوز بعض الناس في {الذين} أن يكون بدلاً من الضمير في {يكونوا} وجوز غيره أن يكون {الذين} في موضع نصب بدلاً من {حزبه} وجوز بعضهم أن يكون في موضع خفض بدلاً من {أصحاب} وهذا كله محتمل، غير أن الابتداء أرجح. وقوله تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً} توقيف وجوابه محذوف تقديره عنده الكسائي تذهب نفسك حسرات عليهم، ويمكن أن يتقدر كمن اهتدى ونحو هذا من التقدير، وأحسنها ما دل اللفظ بعد عليه، وقرأ طلحة {أمن زين} بغير فاء، وهذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن كفر قومه، ووجب التسليم لله تعالى في إضلال من شاء وهداية من شاء، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن أمرهم وأن لا يبخع نفسه أسفاً عليهم، وقرأ جمهور الناس {فلا تذهَبُ} بفتح التاء والهاء {نفسُك} بالرفع، وقرأ أبو جعفر وقتادة وعيسى والأشهب {تُذهِبَ} بضم التاء وكسر الهاء نفسك بالنصب، ورويت عن نافع، و{الحسرة} هم النفس على فوات أمر، واستشهد ابن زيد لذلك بقوله تعالى: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56] ثم توعد تعالى الكفرة بقوله: {إن الله عليم بما يصنعون}.