فصل: تفسير الآيات (9- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (9- 10):

{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}
هذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور، فدلهم تعالى على المثال الذي يعاينونه وهو سواء مع إحياء الموتى، والبلد الميت هو الذي لا نبت فيه قد اغبر من القحط فإذا أصابه الماء من السحاب اخضر وأنبت فتلك حياته، و{النشور} مصدر نشر الميت إذا حيي، ومنه قول الأعشى:
يا عجبا للميت الناشر

وقوله تعالى: {من كان يريد العزة} يحتمل ثلاثة معان: أحدها أن يريد {من كان يريد العزة} بمغالبة {فلله العزة} أي ليست لغيره ولا تتم إلا له وهذا المغالب مغلوب ونحا إليه مجاهد، وقال {من كان يريد العزة} بعبادة الأوثان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تمسك بقوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً} [مريم: 81] والمعنى الثاني {من كان يريد العزة} وطريقها القويم ويحب نيلها على وجهها {فلله العزة} أي به وعن أوامره لا تنال عزته إلا بطاعته، ونحا إليه قتادة. والمعنى الثالث وقاله الفراء {من كان يريد} علم {العزة فلله العزة} أي هو المتصف بها، و{جميعاً} حال، وقوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} أي التوحيد والتمجيد وذكر الله ونحوه، وقرأ الضحاك {إليه يُصعد} بضم الياء، وقرأ جمهور الناس {الكلم} وهو جمع كلمة، وقرأ أبو عبد الرحمن {الكلام}، و{الطيب} الذي يستحسن سماعه الاستحسان الشرعي، وقال كعب الأحبار: إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل تذكر بصاحبها، وقوله تعالى: {والعمل الصالح يرفعه} اختلف الناس في الضمير في {يرفعه} على من يعود، فقالت فرقة يعود على {العمل}، واختلفت هذه الفرقة فقال قوم الفاعل بـ يرفع هو {الكلم} أي والعمل يرفعه الكلم وهو قول لا إله إلا الله لأنه لا يرتفع عمل إلا بتوحيد، وقال بعضهم الفعل مسند إلى الله تعالى أي {والعمل الصالح يرفعه هو}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أرجح الأقوال، وقال ابن عباس وشهر بن حوشب ومجاهد وقتادة الضمير في {يرفعه} عائد على {الكلم} أي أن العمل الصالح هو يرفع الكلم.
قال القاضي أبو محمد: واختلفت عبارات أهل هذه المقالة فقال بعضها وروي عن ابن عباس أن العبد إذا ذكر الله وقال كلاماً طيباً وأدى فرائضه ارتفع قوله مع عمله، وإذا قال ولم يؤد فرائضه رد قوله على عمله، وقيل عمله أولى به.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول يرده معتقد أهل الحق والسنة ولا يصح عن ابن عباس، والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله تعالى وقال كلاماً طيباً فإنه مكتوب له متقبل منه وله حسناته وعليه سيئاته، والله تعالى يتقبل من كل من اتقى الشرك، وأيضاً فإن {الكلم الطيب} عمل صالح وإنما يستقيم قول من يقول إن العمل هو الرافع ل {الكلم} بأن يتأول أنه يزيد في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه، كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر لله كانت الأعمال أشرف.
قال القاضي أبو محمد: فيكون قوله: {والعمل الصالح يرفعه} موعظة وتذكرة وحضاً على الأعمال، وذكر الثعلبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا عمل إلا بنية»، ومعناه قولاً يتضمن أن قائله عمل عملاً أو يعمله في الأنف، وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها كالتوحيد والتسبيح فمقبولة على ما قدمناه، وقرأت فرقة {والعملَ} بالنصب {الصالحَ} على النعت وعلى هذه القراءة ف {يرفعه} مستند إما إلى الله تعالى وإما إلى {الكلم}، والضمير في {يرفعه} عائد على {العمل} لا غير، وقوله: {يمكرون السيئات} إما أنه عدى {يمكرون} لما أحله محل يكسبون، وإما أنه حذف المفعول وأقام صفته مقامه تقديره يمكرون المكرات السيئات، و{يمكرون} معناه يتخابثون ويخدعون وهم يظهرون أنهم لا يفعلون، و{يبور} معناه يفسد ويبقى لا نفع فيه، وقال بعض المفسرين يدخل في الآية أهل الربا.
قال القاضي أبو محمد: ونزول الآية أولاً في المشركين.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)}
هذه آية تذكير بصفات الله تعالى على نحو ما تقدم، وهذه المحاورة إنما هي في أمر الأصنام وفي بعث الأجساد من القبور، وقال تعالى: {خلقكم من تراب} من حيث خلق آدم أبانا منه، وقوله: {ثم من نطفة} أي بالتناسل من مني الرجال، و{أزواجاً} قيل معناه أنواعاً، وقيل أراد تزويج الرجال النساء، وقوله تعالى: {ومن يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} اختلف الناس في عود الضمير في قوله: {من عمره}، فقال ابن عباس وغيره ما مقتضاه أنه عائد على {معمر} الذي هو اسم جنس والمراد غير الذي يعمر، أي أن القول يتضمن شخصين يعمر أحدهما مائة سنة أو نحوها وينقص من عمر الآخر بأن يكون عاماً واحداً أو نحوه، وهذا قول الضحاك وابن زيد لكنه أعاد ضميراً إيجازاً واختصاراً، والبيان التام أن تقول ولا ينقص من عمر معمر لأن لفظة {معمر} هي بمنزلة ذي عمر.
قال القاضي أبو محمد: كأنه قال ولا يعمر من ذي عمر ولا ينقص من عمر ذي عمر، وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك وابن جبير المراد شخص واحد وعليه الضمير أي ما يعمر إنسان ولا ينقص من عمره بأن يحصي ما مضى منه إذا مر حول كتب ذلك، ثم حول، ثم حول، فهذا هو النقص، قال ابن جبير ما مضى من عمره فهو النقص وما يستقبل فهو الذي يعمر، وروي عن كعب الأحبار أنه قال المعنى {ولا ينقص من عمره} أي لا يخرم بسبب قدرة الله، ولو شاء لأخر ذلك السبب.
قال القاضي أبو محمد: وروي أنه قال: حين طعن عمر لو دعا الله تعالى لزاد في أجله، فأنكر عليه المسلمون ذلك وقالوا: إن الله تعالى يقول {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة} [الأعراف: 34، النحل: 61] فاحتج بهذه الآية وهو قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين، وبنحوه تمسكت المعتزلة، وقرأ الحسن والأعرج وابن سيرين {ينقِضُ} على بناء الفعل للفاعل أي ينقص الله، وقرأ {من عمْره} بسكون الميم الحسن وداود، والكتاب المذكور في الآية اللوح المحفوظ، وقوله: {إن ذلك} إشارة إلى تحصيل هذه الأعمال وإحصاء دقائقها وساعاتها.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)}
هذه آية أخرى يستدل بها كل عاقل ويقطع أنها مما لا مدخل لصنم فيه، و{البحران} يريد بهما جميع الماء الملح وجميع الماء العذب حيث كان، فهو يعني به جملة هذا وجملة هذا، والفرات الشديد العذوبة، والأجاج الشديد الملوحة الذي يميل إلى المرارة من ملوحته، قال الرماني هو من أججت النار كأنه يحرق من حرارته، وقرأ عيسى الثقفي {سيّغ شرابه} بغير ألف وبشد الياء، وقرأ طلحة {مَلِح} بفتح الميم وكسر اللام، واللحم الطري الحوت وهو موجود في البحرين، وكذلك {الفلك} تجري في البحرين، وبقيت الحلية وهي اللؤلؤ والمرجان، فقال الزجاج وغيره هذه عبارة تقتضي أن الحلية تخرج منهما، وهي إنما تخرج من الملح وذلك تجوز كما قال في آية أخرى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22]، وكما قال: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} [الأنعام: 128]، والرسل إنما هي من الإنس، وقال بعض الناس بل الحلية تخرج من البحرين، وذلك أن صدف اللؤلؤ إنما يلحقه فيما يزعمون ماء النيسان، فمنه ما يخرج ويوجد الجوهر فيه، ومنه ما ينشق في البحر عند موته وتقطعه، فيخرج جوهرة بالعطش وغير ذلك من الحيل، فهذا هو من الماء الفرات، فنسب إليه الإخراج لما كان من الحلية بسبب، وأيضاً فإن المرجان يزعم طلابه في البحر أنه إنما يوجد وينبت في موضع بإزائها انصباب ماء أنهار في البحر وأيضاً فإن البحر الفرات كل ينصب في البحر الأجاج فيجيء الإخراج منهما جميعاً.
قال القاضي أبو محمد: وقد خطئ أبو ذؤيب في قوله في صفة الجوهر: [الطويل]
فجاء بها ما شئت من لطمية ** وجهها ماء الفرات يموج

وليس ذلك بخطإ على ما ذكرنا من تأويل هذه الفرقة، و{الفلك} في هذا الموضع جمع بدليل صفته بجمع، و{مواخر} جمع ماخرة وهي التي تمخر الماء أي تشقه، وقيل الماخرة التي تشق الريح، وحينئذ يحدث الصوت، والمخر الصوت الذي يحدث من جري السفينة بالريح، وعبر المفسرون عن هذا بعبارات لا تختص باللفظة، فقال بعضهم المواخر التي تجيء وتذهب بريح واحدة، وقال مجاهد الريح تمخر السفن ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام.
قال القاضي أبو محمد: هكذا وقع لفظه في البخاري، والصواب أن تكون {الفلك} هي الماخرة لا الممخورة وقوله تعالى: {لتبتغوا} يريد بالتجارات والحج والغزو وكل سفر له وجه شرعي.

.تفسير الآيات (13- 14):

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}
{يولج} معناه يدخل، وهذه عبارة عن أن ما نقص من {الليل} زاد {في النهار}، فكأنه دخل فيه، وكذلك ما نقص من {النهار} يدخل {في الليل} والألف واللام في {الشمس والقمر} هي للعهد، وقيل هي زائدة لا معنى لها ولا تعريف وهذا أصوب، والأجل المسمى هو قيام الساعة، وقيل آماد الليل وآماد النهار، ف أجل على هذا اسم جنس، وقرأ جمهور الناس {تدعون} بالتاء، وقرأ الحسن ويعقوب {يدعون} بالياء من تحت، والقطمير القشرة الرقيقة التي على نوى التمرة هذا قول الناس الحجة، وقال جوبير عن رجاله القطمير القمع الذي في رأس التمرة، وقاله الضحاك والأول أشهر وأصوب، ثم بين تعالى أمر الأصنام بثلاثة أشياء كلها تعطي بطلانها،: أولها أنها لاتسمع إن دعيت، والثاني أنها لا تجيب أن لو سمعت وإنما جاء بهذه لأن لقائل متعسف أن يقول عساها تسمع، والثالث أنها تتبرأ يوم القيامة من الكفار، ويكفرون بشركهم أي بأن جعلوهم شركاء لله فأضاف الشرك إليهم من حيث هم قرروه، فهو مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله: {يكفرون} يحتمل ان يكون بكلام، وعبارة يقدر الله الأصنام عليها ويخلق لها إدراكاً يقتضيها، ويحتمل أن يكون بما يظهر هناك من جمودها وبطولها عند حركة كل ناطق ومدافعة كل محتج فيجيء هذا على طريق التجوز كما قال ذو الرمة: [الطويل]
وقفت على ربع لمية ناطق ** يخاطبني آثاره وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه ** تكلمني أحجاره وملاعبه

وهذا كثير، وقوله: {ولا ينبئك مثل خبير} قال المفسرون قتادة وغيره الخبير هنا أراد به تعالى نفسه فهو الخبير الصادق الخبر نبأ بهذا فلا شك في وقوعه، ويحتمل أن يكون قوله: {ولا ينبئك مثل خبير} من تمام ذكر الأصنام، كأنه قال: ولا يخبرك مثل من يخبر عن نفسه أي لا أصدق في تبريها من شرككم منها فيريد بالخبير على هذا المثل له، كأنه قال: {ولا ينبئك مثل خبير} عن نفسه وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء.

.تفسير الآيات (15- 18):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
هذه آية موعظة وتذكير، والإنسان فقير إلى الله تعالى في دقائق الأمور وجلائلها لا يستغني عنه طرفة عين، وهو به مستغن عن كل واحد، والله تعالى غني عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته غني على الإطلاق، و{الحميد} المحمود بالإطلاق، وقوله تعالى {بعزيز} أي بممتنع، و{تزر} معناه تحمل، والوزر الثقل، وهذه الآية في الذنوب والآثام والجرائم، قاله قتادة وابن عباس ومجاهد، وسببها أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا بمحمد وعلي وزركم، فحكم الله تعالى بأنه لا يحملها أحد عن أحد، ومن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زيادة ونحوه فإنما ذلك لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ومواصلة أو اطلاع على حاله وتقرير لها، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب، وهذا هو المعنى في قوله تعالى {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] لأنهم أغووهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة بعده، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده» وأنثت {وازرة} لأنه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك أجريت {مثقلة}، والحمل ما كان على الظهر في الأجرام، ويستعار للمعاني كالذنوب ونحوها، فيجعل كل محمول متصلاً بالظهر، كما يجعل كل اكتساب منسوباً إلى اليد، واسم {كان} مضمر تقديره ولو كان الداعي، ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما ينذر أهل الخشية وهم الذي يمنحون العلم، أي إنما ينتفع بالإنذار هم وإلا فلنذارة جميع العالم بعثه، وقوله: {بالغيب} أي وهو بحال غيبة عنهم إنما هي رسالة، ثم خصص من الأعمال إقامة الصلاة تنبيهاً عليها وتشريفاً لها، ثم حض على التزكي بأن رجى عليه غاية الترجية، وقرأ طلحة {ومن أزكى فإنما يزكي}، ثم توعد بعد ذلك بقوله: {وإلى الله المصير}.
قال القاضي أبو محمد: وكل عبارة مقصرة عن تبيين فصاحة هذه الآية، وكذلك كتاب الله كله، ولكن يظهر الأمر لنا نحن في مواضع أكثر منه في مواضع بحسب تقصيرنا.