فصل: تفسير الآيات (217- 219):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (217- 219):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قوله تعالى: {ولا يزالون} ابتداء خبر من الله-عز وجل- وتحذير منه للمؤمنين من شر الكفرة، و{يردوكم} نصب ب {حتى} لأنها غاية مجردة، وقوله تعالى {ومن يرتدد} أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر، قالت طائفة من العلماء: يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قتل.
وقال عبيد بن عمير وطاوس والحسن-على خلاف عنه- والشافعي في أحد قوليه: يقتل دون أن يستتاب، وروي نحو هذا عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل.
قال القاضي أبو محمد: ومقتضى قولهما إنه يقال له للحين: راجع، فإن أبى ذلك قتل، وقال عطاء ابن أبي رباح: إن كان المرتد ابن مسلمين قتل دون استتابة وإن كان أسلم ثم ارتد استتيب، وذلك لأنه يجهل من فضل الإسلام ما لا يجهل ابن المسلمين، واختلف القائلون بالاستتابة: فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستتاب ثلاثة أيام. وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه.
وقال الزهري: يدعى إلى الإسلام فإن تاب وإلا قتل.
وروي عن علي أبي طالب رضي الله عنه أنه استتاب مرتداً شهراً فأبى فقتله، وقال النخعي والثوري: يستتاب محبوساً أبداً، قال ابن المنذر: واختلفت الآثار عن عمر في هذا الباب.
{قال القاضي أبو محمد}: كان رضي الله عنه ينفذ بحسب جرم ذلك المرتد أو قلة جرمه المقترن بالردة، وحبط العمل إذا انفسد في آخر فبطل، وقرأ أبو السمال {حبطَت} بفتح الباء في جميع القرآن.
وقال علي بن أبي طالب والحسن والشعبي الحكم والليث وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه: ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وقال مالك وربيعة وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور: ميراثه في بيت المال، وأجمع الناس على أن ورثته من أهل الكفر لا يرثونه إلإ شذوذاً، روي عن عمر بن عبد العزيز وعن قتادة، وروي عن عمر بن عبد العزيز خلافه.
وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا} الآية، قال جندب بن عبد الله وعروة بن الزبير وغيرهما: لما قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي في الشهر الحرام توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ خمسه الذي وفق في فرضه له عبد الله به جحش وفي الأسيرين، فعنف المسلمون عبد الله بن جحش وأصحابه حتى شق ذلك عليهم، فتلافاهم الله عز وجل بهذه الآية في الشهر الحرام، ثم بذكرهم والإشارة إليهم في قوله: {إن الذين آمنوا}، ثم هي باقية في كل من فعل ما ذكر الله عز وجل، وهاجر الرجال إذا انتقل نقلة إقامة من موضع إلى موضع وقصد ترك الأول إيثاراً للثاني، وهي مفاعلة من هجر، ومن قال المهاجرة الانتقال من البادية إلى الحاضرة فقد أوهم بسبب أن ذلك كان الأغلب في العرب، وليس أهل مكة مهاجرين على قوله، وجاهد مفاعلة من جهد إذا استخرج الجهد، {ويرجون} معناه يطمعون ويستقربون، والرجاء تنعم، والرجاء أبداً معه خوف ولا بد، كما أن الخوف معه رجاء، وقد يتجوز أحياناً ويجيء الرجاء بمعنى ما يقارنه من الخوف، كما قال الهذلي: [الطويل]
إذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا ** وَحَالَفَهَا في بَيْتِ نَوْبٍ عَوَامِلُ

وقال الأصمعي: إذ اقترن حرف النفي بالرجاء كان بمعنى الخوف، كهذا البيت، وكقوله عز وجل: {لا يرجون لقاءنا} [سورة يونس: الآيات: 7- 11- 15، سورة الفرقان: الآية: 21]، المعنى لا يخافون، وقد قيل: إن الرجاء في الآية على بابه، أي لا يرجون الثواب في لقائنا، وبإزاء ذلك خوف العقاب، وقال قوم: اللفظة من الأضداد دون تجوز في إحدى الجهتين، وليس هذا بجيد، وقال الجاحظ في كتاب البلدان: إن معنى قوله لم يرج لسعها أي لم يرج برء لسعها وزواله، فهو يصبر عليه، وباقي الآية وعد.
وقوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية، السائلون هم المؤمنون، و{الخمر} مأخوذة من خمر إذا ستر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خمروا الإناء»، ومنه خمار المرأة، والخمر ما واراك من شجر وغيره، ومنه قول الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا ** فقد جاوزتما خمر الطريق

أي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره، ومنه قول العجاج:
في لامِعِ العقْبَانِ لاَ يَمْشِي الخَمر

يصف جيشاً جاء برايات غير مستخف، ومنه قولهم دخل فلان في غمار الناس وخمارهم، أي هو بمكان خاف، فلما كانت الخمر تستر العقل وتغطي عليه سميت بذلك، والخمر ماء العنب الذي غلي ولم يطبخ أو طبخ طبخاً لم يكف غليانه، وما خامر العقل من غير ذلك فهو حكمه. قال أبو حنيفة: قد تكون الخمر من الحبوب، قال ابن سيده: وأظنه تسفحاً منه، لأن حقيقة الخمر إنما هي ماء العنب دون سائر الأشياء، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر من هاتين الشجرتين: العنب والنخلة»، وحرمت الخمر بالمدينة يوم حرمت وهي من العسل والزبيب والتمر والشعير والقمح، ولم تكن عندهم خمر عنب، وأجمعت الأمة على خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام قليلها وكثيرها، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير، وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره. والحد في ذلك واجب. وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة: ما أسكر كثيره من غير خمر العنب، فما لا يسكر منه حلال، وإذا سكر أحد منه دون أن يتعمد الوصول إلى حد السكر فلا حد عليه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف يرده النظر، وأبو بكر الصديق وعمر الفاروق والصحابة على خلافه، وروي أن النبي عليه السلام قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وما اسكر كثيره فقليله حرام»، قال ابن المنذر في الإشراف: لم يبق هذا الخبر مقالة لقائل ولا حجة لمحتج، وروي أن هذه الآية أول تطرق إلى تحريم الخمر، ثم بعده {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43]، ثم قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91]، ثم قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت الخمر»، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين، خرجه مسلم وأبو داود، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب فيها ضرباً مشاعاً، وحزره أبو بكر أربعين سوطاً، وعمل بذلك هو ثم عمر، ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله كأخف الحدود ثمانين، وبه قال مالك، وقال الشافعي بالأربعين، وضرب الخمر غير شديد عند جماعة العلماء ولا يبدو إبط الضارب، وقال مالك: الضرب كله سواء لا يخفف ولا يبرح، ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع، وقالت طائفة: هذه الآية منسوخة بقوله: {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]، يريد ما في قوله: {ومنافع للناس} من الإباحة والإشارة إلى الترخيص.
و{الميسر} مأخوذ من يسر إذا جزر، والياسر الجازر، ومنه قول الشاعر:
فلَمْ يَزَلْ بِكَ واشيهمْ وَمَكْرُهُمْ ** حتَّى أَشَاطُوا بِغْيبٍ لَحْمَ مَنْ يَسَرُوا

ومنه قول الآخر:
أقُولُ لَهُمْ بِالشَّعْبِ إذْ يَيْسِرونني ** أَلَمْ تَيْأسُوا إنّي ابْنُ فَارِسِ زهدمِ

والجزور الذي يستهم عليه يسمى ميسراً لأنه موضع اليسر، ثم قيل للسهام ميسر للمجاورة. وقال الطبري: الميسر مأخوذ من يسر لي هذا إذا وجب وتنسى، ونسب القول إلى مجاهد، ثم جلب من نص كلام مجاهد ما هو خلاف لقوله، بل أراد مجاهد الجزر، واليسر: الذي يدخل في الضرب بالقداح، وجمعه أيسار وقيل يسر جمع ياسر، كحارس وحرس وأحراس، وسهام الميسر سبعة لها حظوظ وفيها فروض على عدة الحظوظ، وثلاثة لا حظوظ لها، ولا فروض فيها، وهي الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى، والثلاثة التي لا حظوظ لها المنيح والسفيح والوغد، تزاد هذه الثلاثة لتكثر السهام وتختلط على الحرضة وهو الضارب بها، فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلاً، وكانت عادة العرب أن تضرب بهذه القداح في الشتوة وضيق الوقت وكلب البرد على الفقراء، تشتري الجزور ويضمن الأيسار ثمنها ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام، وأخطأ الأصمعي في قسمة الجزور، فذكر أنها كانت على قدر حظوظ السهام ثمانية وعشرين قسماً، وليس كذلك، ثم يضرب على العشرة الأقسام، فمن فاز سهمه بأن يخرج من الربابة متقدماً أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء، وفي أحيان ربما تقامروا لأنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز سهمه.
ويعيش بهذه السيرة فقراء الحي، ومنه قول الأعشى: [السريع]
المطعمو الضيف إذا ما شتا ** والجاعلو القوت على الياسر

ومنه قول الآخر: [الطويل]
بأيديهمُ مَقْرومَةٌ وَمَغَالقٌ ** يَعُودُ بأرزاقِ العُفَاةِ مَنِيحُها

والمنيح في هذا البيت المستمنح، لأنهم كانوا يستعيرون السهم الذي قد أملس وكثر فوزه، فلذلك المنيح الممدوح، وأما المنيح الذي هو أحد الثلاثة الأغفال، فذلك إنما يوصف بالكر، وإياه أراد جرير بقوله: [الكامل]
وَلَقَدْ عَطَفْنَ عَلَى فَزَارَةَ عَطْفَةً ** كَرَّ الْمَنيحِ وَجُلْنَ ثمَّ مَجَالاَ

ومن الميسر قول لبيد:
[الطويل]
وإذا يَسِرُوا لَمْ يُورِثِ الْيُسْرُ بَيْنَهُمْ ** فَوَاحِش يُنْعى ذكرُها بِالْمَصَايِفِ

فهذا كله هو نفع الميسر، إلى أنه أكل المال بالباطل، ففيه إثم كبير، وقال محمد بن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم: كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز.
وقوله تعالى: {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} الآية، قال ابن عباس والربيع: الإثم فيهما بعد التحريم، والمنفعة فيهما قبله، وقالت طائفة: الإثم في الخمر ذهاب العقل والسباب والافتراء والإذاية والتعدي الذي يكون من شاربها، والمنفعة اللذة بها كما قال حسان بن ثابت:
وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكَنَا ملوكاً ** وَأسْداً ما يُنَهْنِهُنَا للقَاءُ

إلى غير ذلك من أفراحها، وقال مجاهد: المنفعةَ بها كسب أثمانها ثم أعلم الله عز وجل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة، فهذا هو التقدمة للتحريم، وقرأ حمزة والكسائي كثير بالثاء المثلثة، وحجتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها، ومبتاعها، والمشتراة له، وعاصرها، والمعصورة له، وساقيها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، فهذه آثام كثيرة، وأيضاً فجمع المنافع يحسن معه جمع الآثام، وكثير بالثاء المثلثة يعطي ذلك، وقرأ باقي القراء وجمهور الناس {كبير} بالباء بواحدة، وحجتها أن الذنب في القمار وشرب الخمر من الكبائر فوصفه بالكبير أليق، وأيضاً فاتفاقهم على {أكبر} حجة لكبير بالباء بواحدة، وأجمعوا على رفض أكثر بالثاء مثلثة، إلا ما مصحف ابن مسعود فإن فيه {قل فيهما إثم كثير وإثمهما أكثر} بالثاء مثلثة في الحرفين، وقوله تعالى: {فيهما إثم} يحتمل مقصدين، أحدهما أن يراد في استعمالهما بعد النهي، والآخر أن يراد خلال السوء التي فيهما، وقال سعيد بن جبير: لما نزلت {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} كرهها قوم للإثم وشربها قوم للمنافع، فلما نزلت: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] تجنبوها عند أوقات الصلوات الخمس، فلما نزلت {إنما الخمر والمسير والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90] قال عمر بن الخطاب: ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر والأنصاب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت الخمر.
ولما سمع عمر بن الخطاب قوله تعالى: {فهل أنتمْ منتهون} [المائدة: 91] قال: انتهينا، انتهينا، قال الفارسي: وقال بعض أهل النظر: حرمت الخمر بهذه الآية لأن الله تعالى قال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم} [الأعراف: 33]، وأخبر في هذه الآية أن فيها إثماً، فهي حرام.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ليس هذ النظر بجيد لأن الإثم الذي فيها هو الحرام، لا هي بعينها على ما يقتضيه هذا النظر، وقال قتادة: ذم الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمها.
وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال قيس بن سعد: هذه الزكاة المفروضة. وقال جمهور العلماء: بل هي نفقات التطوع. وقال بعضهم: نسخت بالزكاة. وقال آخرون: هي محكمة وفي المال حق سوى الزكاة. و{العفو}: هو ما ينفقه المرء دون أن يجهد نفسه وماله. ونحو هذا هي عبارة المفسرين: وهو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر، فالمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من كان له فضل فلينفقه على نفسه، ثم على من يعول، فإن فضل شيء فليتصدق به»، وقال صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما أبقت غنى»، وفي حديث آخر: «ما كان عن ظهر غنى».
وقرأ جمهور الناس {العفو} بالنصب، وقرأ أبو عمرو وحده {العفُو} بالرفع، واختلف عن ابن كثير، وهذا متركب على {ماذا}، فمن جعل {ما} ابتداء و{ذا} خبره بمعنى الذي وقدر الضمير في {ينفقونه} عائداً قرأ {العفوُ} بالرفع، لتصح مناسبة الجمل، ورفعه على الابتداء تقديره العفو إنفاقكم، أو الذي تنفقون العفو، ومن جعل {ماذا} اسماً واحداً مفعولاً ب {ينفقون}، قرأ {قل العفوَ} بالنصب بإضمار فعل، وصح له التناسب، ورفع {العفوُ} مع نصب {ما} جائز ضعيف، وكذلك نصبه مع رفعها.
وقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} الإشارة إلى ما تقدم تبيينه من أمر الخمر والميسر والإنفاق، وأخبر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات التي تقودهم إلى الفكرة في الدنيا والآخرة، وذلك طريق النجاة لمن تنفعه فكرته، وقال مكي: معنى الآية أنه يبين للمؤمنين آيات في الدنيا والآخرة تدل عليهما وعلى منزلتيهما لعلهم يتفكرون في تلك الآيات، فقوله: {في الدنيا} متعلق على هذا التأويل ب {الآيات}، وعلى التأويل الأول وهو المشهور عن ابن عباس وغيره يتعلق {في الدنيا} ب {تتفكرون}.