فصل: تفسير الآيات (9- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (9- 10):

{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة: {أمَن} بتخفيف الميم، وهي قراءة أهل مكة والأعمش وعيسى وشيبة بن نصاح، ورويت عن الحسن، وضعفها الأخفش وأبو حاتم. وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي والحسن والأعرج وقتادة وأبو جعفر: {أمّن} بتشديد الميم، فأما القراءة الأولى فلها وجهان، أحدهما: وهو الأظهر أن الألف تقرير واستفهام، وكأنه يقول: أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلاً وهو من أصحاب النار؟ وفي الكلام حذف يدل عليه سياق الآيات مع قوله آخراً: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، ونظيره قول الشاعر [امرئ القيس]: [الطويل]
فأقسم لو شيء أتانا رسوله ** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

ويوقف على هذا التأويل على قوله: {رحمة ربه}. والوجه الثاني: أن يكون الألف نداء، والخطاب لأهل هذه الأوصاف، كأنه يقول: أصحاب هذه الصفات {قل هي يستوي} فهذا السؤال ب {هل} هو للقانت، ولا يوقف على التأويل على قوله: {رحمة ربه}، وهذا معنى صحيح، إلا أنه أجنبي من معنى الآيات قبله وبعده، وضعفه أبو علي الفارسي. وقال مكي: إنه لا يجوز عند سيبويه، لأن حرف النداء لا يسقط مع المبهم وليس كما قال مكي، أما مذهب سيبويه في أن حرف النداء لا يسقط مع الميم، فنعم، لأنه يقع الإلباس الكثير بذلك، وأما أن هذا الموضع سقط فيه حرف النداء فلا، والألف ثابتة فيه ظاهرة، وأما القراءة بتشديد الميم فإنها: أم دخلت على: من والكلام على هذه القراءة لا يحتمل إلا المعادلة بين صنفين، فيحتمل أن يكون ما يعادل أم متقدماً في التقدير، كأنه يقول: أهذا الكافر خير أم من، ويحتمل أن تكون أم قد ابتدأ بها بعد إضراب مقدر ويكون المعادل في آخر الكلام، والأول أبين.
والقانت: المطيع، وبهذا فسر ابن عباس رضي الله عنه، والقنوت في كلام العرب: يقع على القراءة وعلى طول القيام في الصلاة، وبهذا فسرها ابن عمر رضي الله عنه، وروي عن ابن عباس أنه قال: من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة، فليره الله في سواد الليل ساجداً أو قائماً، ويقع القنوت على الدعاء وعلى الصمت عبادة. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القنوت: الطاعة. وقال جابر بن عبد الله: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» والآناء: الساعات، واحدها: أني كمعى ومنه قولهم: لن يعدو شيء أناه، ومنه قوله تعالى: {غير ناظرين إناء} [الأحزاب: 53] على بعض التأويلات في ذلك ويقال في واحدها أيضاً: أنى على وزن قفى، ويقال فيه أيضاً: إني بكسر الهمزة وسكون النون، ومنه قول الهذلي: [البسيط]
حلو ومر كعطف القدح مرته ** في كل إني حداه الليل ينتعل

وقرأ الضحاك: {ساجدٌ وقائمٌ} بالرفع فيهما.
وقوله تعالى: {يحذر الآخرة} معناه يحذر حالها وهولها. وقرأ سعيد بن جبير: {يحذر عذاب الآخرة} و{أولو} معناه أصحاب الألباب، واحدهم: ذو.
وقرأ جمهور القراء: {قل يا عبادي} بفتح الياء. وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش: {يا عبادي} بياء ساكنة. وقرأ أبو عمرو أيضاً وعاصم والأعمش وابن كثير: {يا عباد} بغير ياء في الوصل.
ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة. ووعد تعالى بقوله: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} ويحتمل أن يكون قوله: {في هذه الدنيا}، متعلقاً ب {أحسنوا}، فكأنه يريد أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم، قاله مقاتل، ويحتمل أن يريد: أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العاقبة والظهور وولاية الله تعالى، قاله السدي. وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخراً ويجوز تقديمه، والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة. {وأرض الله} يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي في الكلام فيها، وهذا حض على الهجرة، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة. وقال قوم: أراد ب الأرض هنا الجنة، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه.
ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره والخروج عن الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات: بأن الأجر يوفى {بغير حساب}، وهذا يحتمل معنيين، أحدهما: أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن نعيم ولا يتابع بذنوب، فيقع {الصابرون} في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه السلام أنها تدخل الجنة دون حساب في قوله: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» الحديث على اختلاف ترتيباته. والمعنى الثاني: أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا وعد، بل جزافاً، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى، ومنه قول الشاعر [طويس المغني]: [الكامل]
ما تمنعي يقضى فقد تعطينه ** في النوم غير مسرد محسوب

وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة: ليس ثم والله مكيال ولا ميزان، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] قال النبي عليه السلام: اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة} [البقرة: 245]، فقال: اللهم زد أمتي حتى أنزلت: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} فقال: رضيت يا رب.

.تفسير الآيات (11- 15):

{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بأن يصدع للكفار فيما أمر به من عبادة ربه.
وقوله: {وأمرت} لأن معناه: وأمرت بهذا الذي ذكرت لكي أكون أول من أسلم من أهل عصري وزمني، فهذه نعمة من الله عليه وتنبيه منه.
وقوله: {أخاف إن عصيت} فعل معلق بشرط وهو العصيان، وقد علم أنه عليه السلام معصوم منه، ولكنه خطاب للأمة يعمهم حكمه ويحفهم وعيده.
وقوله تعالى {قل الله أعبد} تأكيد للمعنى الأول وإعلام بامتثاله كله للأمر، وهذا كله نزل قبل القتال لأنها موادعات.
وقوله: {فاعبدوا ما شئتم من دونه} صيغة أمر على جهة التهديد كنحو قوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] وقوله: {تمتع بكفرك} [الزمر: 8]، وهذا كثير، و{الذين} في قوله: {الذين خسروا أنفسهم} في موضع رفع خبر، لأن قوله: {وأهليهم} قيل معناه أنهم خسروا الأهل الذي كان يكون لهم لو كانوا من أهل الجنة، فهذا كما لو قال: خسروا أنفسهم ونعيمهم، أي الذي كان يكون بهم، وقيل أراد الأنفس والأهلين الذين كانوا في الدنيا، لأنهم صاروا في عذاب النار، ليس لهم نفوس مستقرة ولا بدل من أهل الدنيا، ومن له في الجنة قد صار له إما أهله وإما غيرهم على الاختلاف فيما يؤثر في ذلك فهو على كل حال لا خسران معه بتة.

.تفسير الآيات (16- 18):

{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
هذه صفة حال أهل جهنم. والظلة: ما غشي وغم كالسحابة وسقف البيت ونحوه، فأما ما فوقهم فكونه ظلة بين، وأما ما تحتهم فقالت فرقة: سمي ظلة لأنه يتلهب ويصعد مما تحتهم شيء كثير ولهب حتى يكون ظلة، فإن لم يكن فوقهم شيء لكفى فرع الذي تحتهم في أن يكون ظلة، وقالت فرقة: جعل ما تحتهم ظلة، لأنه فوق آخرين، وهكذا هي حالهم إلا الطبقة الأخيرة التي في القعر.
وقوله: {عباده} يريد جميع العالم خوفهم الله النار وحذرهم منها، فمن هدي وآمن نجا، ومن كفر حصل فيما خوف منه. واختلفت القراءة في قوله: {عباد} وقد تقدم نظيره.
وقوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت} الآية، قال ابن زيد: إن سبب نزولها زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري، والإشارة إليهم، وقال ابن إسحاق: الإشارة بها إلى عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير، وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاؤوه، فقالوا أسلمت؟ قال نعم، وذكرهم بالله فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم هذه الآية، وهي على كل حال عامة في الناس إلى يوم القيامة يتناولهم حكمها. و{الطاغوت}: كل ما يعبد من دون الله. و{الطاغوت} أيضاً: الشيطان، وبه فسر هنا مجاهد والسدي وابن زيد، وأوقعه هنا على جماعة الشياطين، ولذلك أنث الضمير بعد.
وقوله تعالى: {الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه} كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه.
واختلف المفسرون في العبارة عن هذا، فقالت فرقة: أحسن القول كتاب الله، أي إذا سمعوا الأقاويل وسمعوا القرآن اتبعوا القرآن. وقالت فرقة: القول هو القرآن و{أحسنه} ما فيه من عفو وصفح واحتمال على صبر ونحو ذلك. وقال قتادة: أحسن القول طاعة الله، وهذه أمثلة وما قلناه أولاً يعمها.

.تفسير الآيات (19- 21):

{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)}
أسقط العلامة التي في الفعل المسند إلى الكلمة لوجهين: أحدهما الحائل الذي بين الفعل والفاعل، ولو كان متصلاً به لم يحسن ذلك، والثاني أن الكلمة غير مؤنث حقيقي، وهذا أخف وأجوز من قولهم: حضر القاضي يوماً امرأة، لأن التأنيث هنا حقيقي. وقالت فرقة: في هذا الكلام محذوف أختصره لدلالة الظاهرة عليه تقديراً: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} تتأسف أنت عليه أو نحو هذا من التقدير، ثم استأنف توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يريد أن ينقذ من في النار، أي ليس هذا إليك. وقالت فرقة: الألف في قوله: {أفأنت} إنما هي مؤكدة زادها لطول، وإنما معنى الآية: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟} لكنه زاد الألف الثانية توكيداً للأمر، وأظهر الضمير العائد تشهيراً لهؤلاء القوم وإظهاراً لخسة منازلهم، وهذا كقول الشاعر [عدي بن زيد العبادي]: [الخفيف]
***لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** فإنما أظهر الضمير تنبيهاً على عظم الموت، وهذا كثير، ثم استفتح إخباراً آخر ب {لكن} وهذه معادلة وتخصيص على التقوى لمن فكر وازدجر.
وقوله تعالى: {من تحتها} أي من تحت الغرف، وعادلت {غرف من فوقها غرف} ما تقدم من الظلل فوقهم وتحتهم. والغرف: ما كان من المساكين مرتفعاً عن الأرض، في الحديث: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم كما يتراءون الكواكب الذي في الأفق» و: {وعدَ الله} نصب على المصدر، ونصبه إما بفعل مضمر من لفظه، وإما بما تضمن الكلام قبل من معنى الوعد على الاختلاف الذي للنحاة في ذلك. ثم وقف نبيه صلى الله عليه وسلم على معتبر من مخلوقاته، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل بشر داخل معه في معناه. وقال الطبري وغيره: أشار إلى ماء المطر، وقالوا: العيون منه، ودليل ذلك أنها تنماع عن وجوده وتيبس عند فقده. وقال الحسن بن مسلم بن يناق، والإشارة إلى العيون وليست العيون من المطر، ولكن ماؤها نازل من السماء. قال الشعبي: وكل ماء عذب في الأرض فمن السماء نزل.
قال القاضي أبو محمد: والقولان متقاربان: و: {سلكه} معناه: أجراه وأدخله، ومنه قول الشاعر [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك ** من نسل جوابه الآفاق مهداج

ومنه قول امرئ القيس: [السريع]
وواحد الينابيع وهو العين بني لها بناء مبالغة من النبع. والزرع هنا واقع على كل ما يزرع. وقالت فرقة: {ألوانه} أعراضه من الحمرة والصفرة وغير ذلك. وقالت فرقة: {ألوانه} أنواعه من القمح والأرز. والذرة وغير ذلك. و: {يهيج} ييبس، هاج النبات والزرع إذا يبس، ومنه قول علي رضي الله عنه في الحيث الذي في غريب ابن قتيبة: ذمتي رهينة وأنا به زعيم. أي لا يهيج عن التقوى زرع قوم، ولا ييبس على التقوى سنخ أصل، والحديث. والحطام: اليابس المتفتت. ومعنى قوله: {لذكرى} أي للبعث من القبور وإحياء الموتى على ما يوجبه هذا المثال المذكور.

.تفسير الآيات (22- 23):

{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}
روي أن هذه الآية: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} آية نزلت في علي وحمزة، وأبي لهب وابنه هما اللذان كانا من القاسية قلوبهم، وفي الكلام محذوف يدل الظاهر عليه، تقديره، أفمن شرح الله صدره كالقاسي القلب المعرض عن أمر الله. وشرح الصدر: استعارة لتحصيله للنظر الجيد والإيمان بالله. و«النور» هداية الله تعالى، وهي أشبه شيء بالضوء. قال ابن مسعود: قلنا يا رسول الله كيف انشراح الصدر؟ قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح»، قالوا وما علامة ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل الموت». والقسوة: شدة القلب، وهي مأخوذة من قسوة الحجر، شبه قلب الكافر به في ضلالته وقلة انفعاله للوعظ. وقال مالك بن دينار: ما ضرب العبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، ويدل قوله: {فويل للقاسية} على المحذوف المقدر.
وقوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث} يريد به القرآن، وروي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن قوماً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله حدثنا بأحاديث حسان وأخبرنا بأخبار الدهر، فنزلت الآية في ذلك.
وقوله: {متشابهاً} معناه: مستوياً لا تناقض فيه ولا تدافع، بل يشبه بعضه بعضاً في وصف اللفظ ووثاقة البراهين وشرف المعاني، إذ هي اليقين في العقائد في الله تعالى وصفاته وأفعاله وشرعه.
وقوله: {مثاني} معناه: موضع تثنية للقصص والأقضية، والمواعظ شتى فيه ولا تمل مع ذلك ولا يعرضها ما يعرض الحديث المعاد. قال ابن عباس: ثنى فيه الأمر مراراً. ولا ينصرف {مثاني} لأنه جمع لا نظير له في الواحد.
وقوله تعالى: {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} عبارة عن قفّ شعر الإنسان عندما يداخله خوف ولين قلب عن سماع موعظة أو زجر قرآن ونحوه، وهذه علامة وفزع المعنى المخشع في قلب السامع، وفي الحديث أن أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فرقت القلوب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة» وقال العباس بن عبد المطلب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقشعر جلده من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحاتُّ عن الشجرة اليابسة ورقها» وقالت أسماء بنت أبي بكر: كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن أقواماً اليوم إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشياً عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقال ابن عمر: وقد رئي ساقطاً عند سماع القرآن فقال: إنا لنخشى الله وما نسقط، هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم. وقال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء الذي يصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط باسطاً رجليه ثم يقرأ القرآن كله، فإن رمى بنفسه فهو صادق.
وقوله: {ذلك هدى الله} يحتمل أن يشير إلى القرآن، أي ذلك الذي هذه صفته هدى الله، ويحتمل أن يشير إلى الخشية واقشعرار الجلود، أي ذلك أمارة هدى الله، ومن جعل {تقشعر} في موضع الصفة لم يقف على {مثاني}، ومن جعله مستأنفاً وإخباراً منقطعاً وقف على {مثاني} وباقي الآية بين.