فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (41- 42):

{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)}
هذا إعلام بعلو مكانة محمد عليه السلام واصطفاء ربه له. و{الكتاب} القرآن.
وقوله: {بالحق} يحتمل معنيين، أحدهما: أن يريد مضمناً الحق في أخباره وأحكامه، والآخر: أن يريد أنه أنزله بالواجب من إنزاله وبالاستحقاق لذلك لما فيه من مصلحة العالم وهداية الناس، وكأن هذا الذي فعل الله تعالى من إنزال كتاب إلى عبيده هو إقامة حجة عليهم، وبقي تكسبهم بعد إليهم، {فمن اهتدى فلنفسه} عمل وسعى، {ومن ضل فعليها} جنى، والهدى والضلال إنما لله تعالى فيهما خلق واختراع، وللعبد تكسب، عليه يقع الثواب أو العقاب. وأخبر نبيه أنه ليس بوكيل عليهم ولا مسيطر، والوكيل: القائم على الأمر حتى يكمله، ثم نبه تعالى على آية من آياته الكبر تدل الناظر على الوحدانية وأن ذلك لا شرك فيه لصنم وهي حالة التوفي، وذلك أن الله تعالى ما توفاه على الكمال فهو الذي يموت، وما توفاه متوفياً غير مكمل فهو الذي يكون في النوم، قال ابن زيد: النوم وفاة، والموت وفاة. وكثرت فرقة في هذه الآية وهذا المعنى. ففرقت بين النفس والروح، وفرق قوم أيضاً بين نفس التمييز ونفس التخيل، إلى غير ذلك من الأقوال التي هي غلبة ظن. وحقيقة الأمر في هذا هي مما استأثر الله به وغيبه عن عباده في قوله: {قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] ويكفيك أن في هذه الآية {يتوفى الأنفس}، وفي الحديث الصحيح: «إن الله قبض أرواحنا حين شاء وردها علينا حين شاء» في حديث بلال في الوادي، فقد نطقت الشريعة بقبض الروح والنفس في النوم وقد قال الله تعالى: {قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] فظاهر أن التفصيل والخوض في هذا كله عناء وإن كان قد تعرض القول في هذا ونحوه أئمة، ذكره الثعلبي وغيره عن ابن عباس أنه قال: في ابن آدم نفس بها العقل والتمييز، وفيه روح به النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه. والأجل المسمى في هذه الآية: هو عمر كل إنسان.
وقرأ جمهور القراء {قَضى عليها} بفتح القاف على بناء الفعل للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي {قُضي} بضم القاف على بنائه للمفعول، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى. ثم أحال أهل الفكرة على النظر في هذا ونحوه فأنه من البين أن هذه القدرة لا يملكها ويصرفها إلا الواحد الصمد، لا رب غيره.

.تفسير الآيات (43- 45):

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}
{أم} هنا مقطوعة مما قبلها، وهي مقدرة بالألف وبل، وهذا تقرير وتوبيخ، فأمر الله تعالى نبيه أن يوقفهم على الأمر وعلى أنهم يرضون بهذا مع كون الأصنام بصورة كذا وكذا من عدم الملك والعقل. والواو في قوله: {أو لو} واو عطف دخلت عليها ألف الاستفهام، ومتى دخلت ألف الاستفهام على واو العطف أو فائه أحدثت التقرير.
ثم أمره بأن يخبر بأن جميع الشفاعة إنما هو لله تعالى. و: {جميعاً} نصب على الحال، والمعنى ان الله تعالى يشفع ثم لا يشفع أحد قبل شفاعته إلا بإذنه، فمن حيث شفاعة غيره موقوفة على إذنه بالشفاعة كلها له ومن عنده.
وقوله تعالى: {وإذا ذكر الله وحده} الآية، قال مجاهد وغيره: نزلت في قراءة النبي عليه السلام سورة النجم عند الكعبة بمحضر من الكفار، وعند ذلك ألقى الشيطان في أمنيته، فقال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، إنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى} [النجم: 19] فاستبشر الكفار بذلك وسروا، فلما أذهب الله ما ألقى الشيطان، أنفوا واستكبروا و{اشمأزت} نفوسهم، ومعناه تقبضت كبراً أو أنفة وكراهية ونفوراً، ومنه قول عمرو بن كلثوم: [الوافر]
إذا عض الثقاف بها اشمأزت ** وولته عشوزنة زبونا

و: {الذين من دونه} يريد الذين يعبدون من دونه، وجاءت العبارة في هذه الآية عن الأصنام كما يجيء عمن يعقل من حيث صارت في حيز من يعقل، ونسب إليها الضر والنفع والألوهية، ونفي ذلك عنها فعوملت معاملة من يعقل. و: {وحده} منصوب عند سيبويه على المصدر، وعند الفراء على الحال.

.تفسير الآيات (46- 48):

{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)}
أمر الله تعالى نبيه بالدعاء ورد الحكم إلى عدله، ومعنى هذا الأمر تضمن الإجابة، و{اللهم} عند سيبويه منادى، وكذلك عند الكوفيين، إلا أنه خالفهم في هذه الميم المشددة. فقال سيبويه: هي عوض من حرف النداء المحذوف إيجازاً، وهي دلالة على أن ثم ما حذف. وقال الكوفيون: بل هو فعل اتصل بالمكتوبة وهو: أم، ثم حذفت الهمزة تخفيفاً، فكأن معنى {اللهم}: بالله أم بفضلك ورحمتك.
و: {فاطر} منادى مضاف، أي {فاطر السماوات}. و{الغيب}: ما غاب عن البشر. و{الشهادة}: ما شاهدوه: ثم أخبر تعالى عن سوء حال الكفرة يوم القيامة، وأن ما ينزل بهم لو قدروا على الافتداء منه بضعف الدنيا بأسرها لفعلوا.
وقوله: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} أي كانت ظنونهم في الدنيا متفرقة متنوعة حسب ضلالتهم وتخيلاتهم فيما يعتقدونه، فإذا عاينوا العذاب يوم القيامة وقصرت به حالاتهم ظهر لكل واحد ما كان يظن. وقال سفيان الثوري: ويل لأهل الرياء من هذه الآية. وقال عكرمة بن عمار جزع ابن المنكدر عند الموت فقيل له ما هذا؟ فقال أخاف هذه الآية {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}. {وحاق} معناه: نزل وثبت ولزم.
وقوله: {ما كانوا} هو على حذف مضاف تقديره: {وحاق بهم} جزاء {ما كانوا به يستهزئون}.

.تفسير الآيات (49- 52):

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
هذه حجة تلزم عباد الأوثان التناقض في أعمالهم، وذلك أنهم يعبدون الأوثان ويعتقدون تعظيمها، فإذا أزفت آزفة ونالت شدة نبذوها ونسوها ودعوا الخالق المخترع رب السماوات والأرض. و: {الإنسان} في هذه الآية للجنس. و: {خولناه} معناه: ملكناه. قال الزجاج وغيره: التخويل: العطاء عن غير مجازاة. والنعمة هنا: عامة في جميع ما يسديه الله إلى العبد، فمن ذلك إزالة الضر المذكور، ومن ذلك الصحة والأمن والمال، وتقوى الإشارة إليه في الآية بقوله: {إنما أوتيته على علم} وبقوله آخراً {يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}، وبذكر الكسب، وكذلك الضمير في: {أوتيته} وذلك يحتمل وجوهاً، منها: أن يريد بالنعمة المال كما قدمناه، ومنها أن يعيد الضمير على المذكور، إذ اسم النعمة يعم ما هو مذكر وما هو مؤنث، ومنها: أن يكون ما في قوله: {إنما} بمعنى الذي، وعلى الوجهين الأولين كافة.
وقوله: {على علم} في موضع نصب على الحال مع أن تكون ما كافة، وأما إذا كانت بمعنى الذي، ف {على علم} في موضع خبر إن ودال على الخبر المحذوف، كأنه قال: هو على علم، يحتمل أن يريد على علم مني بوجه المكاسب والتجارات وغير ذلك، قاله قتادة. ففي هذا التأويل أعجاب بالنفس وتعاط مفرط ونحو هذا، ويحتمل أن يريد على علم من الله في، وشيء سبق لي، واستحقاق حزته عند الله لا يضرني معه شيء، ففي هذا التأويل اغترار بالله تعالى وعجز وتمن على الله. ثم قال تعالى: {بل هو فتنة} أي ليس الأمر كما قال، بل هذه الفعلة به فتنة له وابتلاء. ثم أخبر تعالى عمن سلف من الكفرة أنهم قالوا هذه المقالة كقارون وغيره، وأنهم ما أغنى عنهم كسبهم واحتجانهم للأموال، فكذلك لا يغني عن هؤلاء.
ثم ذكر تعالى على جهة التوعد لهؤلاء في نفس المثال أن أولئك أصابهم {سيئات ما كسبوا} وأن الذي ظلموا بالكفر من هؤلاء المعاصرين لك {سيصيبهم سيئات ما كسبوا} وأن الذين ظلموا بالكفر ما أصاب المتقدمين وهذا خبر من الله تعالى أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره. و: {معجزين} معناه مفلتين وناجين بأنفسهم. ثم قرر على الحقيقة في أمر الكسب وسعة النعم فقال: {أولم يعلموا أن الله} هو الذي {يبسط الرزق} لقوم ويضيقه على قوم بمشيئته وسابق علمه، وليس ذلك لكيس أحد ولا لعجزه. {ويقدر} معناه: يضيق كما قال: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7].

.تفسير الآيات (53- 55):

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)}
هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة في كافر ومؤمن، أي إن توبة الكافر تمحو ذنوبه، وتوبة العاصي تمحو ذنبه. واختلف هل يكون في المشيئة أو هو مغفور له ولا بد؟ فقالت فرقة من أهل السنة: هو مغفور له ولا بد، وهذا مقتضى ظواهر القرآن، وقالت فرقة: التائب في المشيئة، لكن يغلب الرجاء في ناحيته، والعاصي في المشيئة، لكن يغلب الخوف في ناحيته.
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقال عطاء بن يسار: نزلت في وحشي قاتل حمزة. وقال قتادة والسدي وابن أبي إسحاق: نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا وفتنهم قريش فافتتنوا، ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم فنزلت الآية فيهم، منهم الوليد بن الوليد، وهشام بن العاصي، وهذا قول عمر بن الخطاب وأنه كتبها بيده إلى هشام بن العاصي الحديث. وقالت فرقة: نزلت في قوم كفار من أهل الجاهلية، قالوا: وما ينفعنا الإسلام ونحن قد زنينا وقتلنا الناس وأتينا كل كبيرة فنزلت الآية فيهم. وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر: هذه أرجى آية في القرآن. وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «ما أحب أن لي الدنيا بما فيها بهذه الآية»، {يا عبادي} و: {أسرفوا} معناه: أفرطوا وتعدوا الطور. والقنط. أعظم اليأس.
وقرأ نافع وجمهور الناس: {تقَنطوا} بفتح النون. قال أبو حاتم: يلزمهم أن يقرؤوا: {من بعد ما قنطوا} [الشورى: 28] بالكسر، ولم يقرأ به أحد. وقرأ الأشهب العقيلي بضم النون. وقرأ أبوعمرو وابن وثاب بكسرها، وهي لغات.
وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} عموم بمعنى الخصوص، لأن الشرك ليس بداخل في الآية إجماعاً، وهي أيضاً في المعاصي مقيدة بالمشيئة. و{جميعاً} نصب هلى الحال. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: «إن الله يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي». وقرأ ابن مسعود: {إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء}. {وأنيبوا} معناه: ارجعوا وميلوا بنفوسكم، والإنابة: الرجوع بالنفس إلى الشيء.
وقوله: {من قبل أن يأتيكم العذاب} توعد بعذاب الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: {واتبعوا أحسن} معناه: أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات والبر وحدوداً على المعاصي ووعيداً على بعضها، فالأحسن أن يسلك أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل، وطريق الطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجد أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود ب {أحسن}، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها. قال السدي: الأحسن هو ما أمر الله تعالى به في كتابه. و: {بغتة} معناه: فجأة وعلى غير موعد. و: {تشعرون} مشتق من الشعار.

.تفسير الآيات (56- 60):

{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)}
{أن} في هذه الآية مفعول من أجله أي أنيبوا وأسلموا من أجل أن تقول.
وقرأ جمهور الناس: {يا حسرتى} والأصل {يا حسرتي}، ومن العرب من يرد ياء الإضافة ألفاً فيقول: يا غلاماً ويا جاراً. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: {يا حسرتايَ} بفتح الياء، ورويت عنه بسكون الياء، قال أبو الفتح: جمع بين العوض والمعوض منه. وروى ابن جماز عن أبي جعفر: {يا حسرتي} بكسر التاء وسكون الياء. قال سيبويه: ومعنى نداء الحسرة والويل، أي هذا وقتك وزمانك فاحضري. و: {فرطت} معناه: قصرت في اللازم.
وقوله تعالى: {في جنب الله} معناه: في مقاصدي إلى الله وفي جهة طاعته، أي في تضييع شريعته والإيمان به. والجنب: يعبر به عن هذا ونحوه. ومنه قول الشاعر: [الطويل]
أفي جنب بكر قطعتني ملامة ** لعمري لقد طالت ملامتها بيا

ومنه قول الآخر:
الناس جنب والأمير جنب

وقال مجاهد: {في جنب الله} أي في أمر الله. وقول الكافر: {وإن كنت لمن الساخرين} ندامة على استهزائه بأمر الله تعالى. والسخر: الاستهزاء.
وقوله: {أو تقول} في الموضعين عطف على قوله: {أن تقول} الأول. و: {كرة} مصدر من كر يكر. وقوله: {فأكون} نصب بأن مضمرة مقدرة، وهو عطف على قول: {كرة} والمراد: لو أن لي كرة فكونا، فلذلك احتيج إلى: ليكون مع الفعل بتأويل المصدر، ونحوه قول الشاعر أنشده الفراء: [الطويل]
فما لك منها غير ذكرى وحسبة ** وتسأل عن ركبانها أين يمموا

وقد قرر بعض الناس الكلام: أنه لي أن أكر فأكون، ذكره الطبري، وهذا الكون في هذه الآية داخل في التمني.
وقوله: {بلى} جواب لنفي مقدر في قوله: هذه النفس كأنها قالت: فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر، أو قالت: فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا، وحق {بلى} أن تجيء بعد نفي عليه تقرير، وقرأ جمهور الناس {جاءتكَ} بفتح الكاف، وبفتح التاء من قوله: {فكذبتَ} و{استكبرتَ وكنتَ} على مخاطبة الكافر ذي النفس. وقرأ ابن يعمر والجحدري بكسر الكاف والتاء في الثلاثة على خطاب النفس المذكورة. قال أبو حاتم: روتها أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الأعمش: {بلى قد جاءته} بالهاء.
ثم خاطب تعالى نبيه بخبر يراه يوم القيامة من حالة الكفار، في ضمن هذا الخبر وعيد بين لمعاصريه.
وقوله: {ترى} هو من رؤية العين، وكذبهم على الله: هو في أن جعلوا لله البنات والصاحبة، وشرعوا ما لم يأذن به إلى غير ذلك.
وقوله: {وجوههم مسودة} جملة في موضع الحال، وظاهر الآية: أن لون وجوههم يتغير ويسود حقيقة، ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز، وعبر بالسواد عن أن يراد به وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم. والمثوى: موضع الثواء والإقامة. والمتكبر: رافع نفسه إلى فوق حقه، وقال النبي عليه السلام: «الكبر سفه وغمط الناس أي احتقارهم».