فصل: تفسير الآيات (63- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (63- 68):

{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)}
البينات: التي جاء بها عيسى عليه السلام هي: إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، إلى غير ذلك. وقال قتادة: الإنجيل. والحكمة: النبوءة قاله السدي وغيره.
وقوله: {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} قال أبو عبيدة: {بعض} بمعنى كل، وهذا ضعيف ترده اللغة، ولا حجة له من قول لبيد:
أو يعتلق بعض النفوس حمامها ** لأنه أراد نفسه ونفس من معه، وذلك بعض النفوس، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور، أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عدداً، منها أمور أخروية ودينية، ومنها ما لا مدخل له في الدين، فكل نبي فإنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة، فذلك بعض ما يختلف فيه.

وقوله تعالى: {هذا صراط مستقيم} حكاية عن عيسى عليه السلام إذ أشار إلى شرعه. و: {الأحزاب} المذكورون: قال جمهور المفسرين أراد: اختلف بنو إسرائيل وتحزبوا، فمنهم من آمن به، وهو قليل، وكفر الغير، وهذا إذا كان معهم حاضراً. وقال قتادة: {الأحزاب} هم الأربعة الذين كان الرأي والمناظرة صرفت إليهم في أمر عيسى عليه السلام. وقال ابن حبيب وغيره: {الأحزاب} النصارى افترقت مذاهبهم فيه بعد رفعه عليه السلام، فقالت فرقة: هو الله، وهم اليعقوبية قال الله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17]. وقالت فرقة: هو ابن الله، وهم النسطورية قال الله تعالى فيهم: {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30]، وقالت فرقة: هو ثالث ثلاثة، وهم الملكانية قال الله تعالى فيهم: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73].
وقوله تعالى: {من بينهم} بمعنى من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم، ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم. والضمير في: {ينظرون} لقريش، والمعنى: ينتظرون. و: {بغتة} معناه: فجأة دون مقدمة ولا إنذار بها.
ثم صرف تعالى بعض حال القيامة، وإنها لهول مطلعها والخوف المطبق بالناس فيها يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنه.
وقوله: {يا عبادي} المعنى يقال لهم، أي للمتقين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {يا عباديَ} بفتح الياء، وهذا هو الأصل. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: {يا عبادي} بسكون الياء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم {يا عباد} بحذف الياء. قال أبو علي: وحذفها أحسن، لأنه في موضع تنوين وهي قد عاقبته، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد، كذلك تحذف الياء هنا لكونها على حرف، كما أن التنوين كذلك، ولأنها لا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون.
وذكر الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: {لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} فيرجوها الناس كلهم، قال فيتبعها. {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} [الزخرف: 69] قال: فييأس منها جميع الكفار.
وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويعقوب: {لا خوفَ} بنصب الفاء من غير تنوين. وقرأ ابن محيصن برفع الفاء من غير تنوين.

.تفسير الآيات (69- 73):

{الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}
{الذين} نعت للعباد في قوله تعالى: {يا عباد} [الزخرف: 68]. ثم ذكر أمره إياهم بدخول الجنة هم وأزواجهم. و: {تحبرون} معناه: تنعمون وتسرون. والحبرة: السرور. والأكواب: ضرب من الأواني كالأباريق، إلا أنها لا آذان لها ولا مقابض.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر وشيبة: {ما تشتهيه} بإثبات الهاء الأخيرة وكذلك في مصحف المدينة ومصاحف الشام، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم والجمهور: {ما تشتهي} بحذف الهاء، وكذلك وقع في أكثر المصاحف وحذفها من الصلة لطول القول حسن، وكذلك كثر في التنزيل كقوله تعالى: {أهذا الذي بعث الله} [الفرقان: 41] وفي قوله: {وسلام على عباده الذين اصطفى} [النمل: 58] وغير ذلك، وفي مصحف ابن مسعود: {ما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين}.
وقوله تعالى: {أورثتموها بما كنتم تعملون} ليس المعنى أن الأعمال أوجبت على الله إدخالهم الجنة، وإنما المعنى: أن حظوظهم منها على قدر أعمالهم، وأما نفس دخول الجنة وأن يكون من أهلها فبفضل الله وهداه.

.تفسير الآيات (74- 81):

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)}
لما ذكر تعالى حال أهل الجنة وما يقال لهم، عقب ذلك بذكر حال الكفرة من الخلود في النار ولتتضح الأمور التي منها النذارة، والمجرمون في هذه الآية: الكفار، بدليل الخلود وما تتضمنه الألفاظ من مخاطبة مالك وغيره. والملبس: المبعد اليائس من الخيرة، قاله قتادة وغيره.
وقرأ ابن مسعود: {وهم مبلسون} أي في جهنم.
وقوله تعالى: {وما ظلمناهم} أي ما وضعنا العذاب فيمن لا يستحقه، ولكن هم ظلموا في أن وضعوا العبادة فيمن لا يستوجبها وضعفوا الكفر والتفريط في جنب الله تعالى.
وقرأ الجمهور: {كانوا هم الظالمين} على الفصل. وقرأ ابن مسعود: {هم الظالمون} على الابتداء والخبر، وأن تكون الجملة خبر كان.
ثم ذكر تعالى عن أهل النار أنهم ينادون مالكاً خازن النار، فيقولون على معنى الرغبة التي هي في صيغة الأمر {ليقض علينا ربك} أي ليمتنا مرة حتى يتكرر عذابنا.
وقرأ النبي عليه السلام على المنبر: {يا مالكٍ} بالكاف، وهي قراءة الجمهور. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش: {يا مال}بالترخيم، ورويت عن علي بن أبي طالب، ورواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقضاء في هذه الآية بمعنى الموت، كما قال تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص: 15] وروي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أن مالكاً يقيم بعد سؤالهم ألف سنة، وقال نوف: مائة سنة، وقيل: ثمانين سنة. وقال عبد الله بن عمر: وأربعين سنة، ثم حينئذ يقول لهم: {إنكم ماكثون}.
وقوله: {لقد جئناكم} الآية، يحتمل أن يكون من قول مالك لأهل النار، ويكون قوله: {جئناكم} على حد ما يدخل أحد جملة الرئيس كناية عن نفسه في فعل الرئيس فيقول غلبناكم وفعلنا بكم ونحو هذا، ثم ينقطع كلام مالك في قوله: {كارهون} ويحتمل أن يكون قوله: {جئناكم} من قول الله تعالى لقريش بعقب حكاية أمر الكفار مع مالك، وفي هذا توعد وتخويف فصيح، بمعنى انظروا كيف تكون حالكم، ثم تتصل الآية على هذا بما بعدها من أمر قريش.
وقوله تعالى: {أم أبرموا أمراً} من أمور كفرهم وتدبيرهم على عهد محمد صلى الله عليه وسلم كما فعلوا في اجتماعهم على قتله في دار الندوة إلى غير ذلك، و: {أم} في هذه الآية: المنقطعة.
وقوله: {فإنا مبرمون} أي فإنا محكمو نصره وحمايته. والإبرام: أن تجمع خيطين ثم تفتلهما فتلاً متقناً. والبريم: خيط فيه لونان.
وقوله تعالى: {أم يحسبون} الآية، قال محمد بن كعب القرظي: نزلت لأن كثيراً من العرب كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يسمع السر، ومنه حديث الثقفي والقرشيين الذين سمعهم ابن مسعود يقولون عند الكعبة: أترى الله يسمعنا؟ فقال أحدهم: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا الحديث، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يسمع، أي يدرك السر والنجوى، وأن رسله الحفظة من الملائكة يكتبون أعمال البشر مع ذلك، وتعد للجزاء يوم القيامة.
واختلف المفسرون في قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين} فقالت فرقة: العابدون: هو من العبادة، ثم اختلفوا في معنى الآية بعد ذلك، فقال قتادة والسدي والطبري، المعنى:
{قل} لهم {إن كان للرحمن ولد} كما تقولون فأنا أول من يعبده على ذلك، ولكن ليس به شيء من ذلك تعالى وجل. قال الطبري: فهذا الطاف في الخطاب، ونحوه قوله: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: 24].
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: في مخاطبة الكفار: {أين شركائي} [النحل: 27، القصص: 62-72، فصلت: 47].
وقال مجاهد المعنى: إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم. وقال قتادة أيضاً وزهير بن محمد وابن زيد: {إن} نافية بمعنى: ما، فكأنه قال: ما كان للرحمن ولد. وهنا هو الوقف على هذا التأويل، ثم يبتدئ قوله: {فأنا أول العابدين} قاله أبو حاتم. وقالت فرقة: العابدون في الآية: من عبد الرجل إذا أنف وأنكر الشيء، ومنه قول الشاعر:
متى يشأ ذو الود يصرم خليله ** ويعبد عليه لا محالة ظالما

ومنه حديث عثمان وعلي في المرجومة حين قال علي: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} [الأحقاف: 15] قال: فما عبد عثمان أن بعث إليها لترد. والمعنى: إن جعلتم للرحمن ولداً وكان ذلك في قولكم فأنا أول الآنفين المنكرين لذلك.
وقرأ الجمهور: {وَلَد} بفتح الواو واللام. وقرأ ابن مسعود وابن وثاب وطلحة والأعمش: {وُلْد} بضم الواو وسكون اللام.
وقرأ أبو عبد الرحمن: {فأنا أول العابدين} وهي على هذا المعنى، قال أبو حاتم: العبد بكسر الباء: الشديد الغضب. وقال أبو عبيدة معناه: أول الجاحدين، والعرب تقول: عبدني حقي، أي جحدني.

.تفسير الآيات (82- 85):

{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)}
لما قال تعالى: {فأنا أول العابدين} [الزخرف: 81] نزه الرب تعالى عن هذه المقالة التي قالوها و: {سبحان} تنزيه. وخص {السماوات والأرض} و{العرش} لأنها عظم المخلوقات.
وقوله تعالى: {فذرهم يخوضوا} مهادنة ما وترك، وهي مما نسخت بآية السيف وقرأ الجمهور {يلاقوا} وقرأ أبو جعفر وابن محيصن: {حتى يلقوا}. وقال جمهور اليوم الذي توعدهم به هو القيامة. وقال عكرمة وغيره: هو يوم بدر.
وقوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله} الآية آية حكم بعظمته وإخبار بألوهيته، أي هو النافذ أمره.
وقرأ عمر بن الخطاب وجابر بن زيد وأبو شيخ والحكم بن أبي العاصي وبلال بن أبي بردة وابن مسعود ويحيى بن يعمر وأبي بن كعب وابن السميفع: وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله، و: {الحكيم} المحكم. {وتبارك} تفاعل من البركة، أي تزيدت بركاته. و: {السماوات والأرض وما بينهما} حصر لجميع الموجودات المحسوسات. و: {علم الساعة} معناه: علم تحديد قيامها والوقف على تعيينه، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه، وإلا فنحن عندنا علم الساعة، أي إنها واقعة، وإنها ذات أهوال وبصفات ما، والمصدر في قوله: {علم الساعة} مضاف إلى المفعول.
وقرأ أكثر القراء: {وإليه يرجعون} بالياء من تحت. وقرأ نافع وأبو عمرو: {تُرجعون} بالتاء من فوق مضمومة.

.تفسير الآيات (86- 89):

{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
قوله تعالى: {ولا يملك} الآية مخاطبة لمحمد عليه السلام. و: {الذين} هم المعبودون، والضمير في: {يدعون} هو للكفار الذين عبدوا غير الله عز وجل، فأعلم تعالى أن من عبد من دون الله فإنه لا يملك شفاعة عند الله يوم القيامة.
وقرأ الجمهور: {يدعون} بالياء من تحت. وقرأ ابن وثاب: {تدعون}، بالتاء من فوق، ثم استثنى تعالى من هذه الأخبار، واختلف الناس في المستثنى، فقال قتادة: استثنى ممن عبد من دون الله: عيسى وعزيراً والملائكة، والمعنى فإنهم يملكون شفاعة، بأن يملكها الله إياهم، إذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمونه في كل أحوالهم، فالاستثناء على هذا التأويل متصل وقال مجاهد وغيره: استثنى من في المشفوع فيهم، فكأنه قال: لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق وهو يعلمه، أي هو بالتوحيد، فالاستثناء على هذا التأويل منفصل، كأنه قال: لكن من يشهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء، والتأويل الأول أصوب، والله أعلم. ثم أظهر تعالى عليهم الحجة من أقوالهم وإقرارهم بأن الله هو خالقهم وموجدهم بعد العدم، ثم وقفهم على جهة التقرير والتوبيخ بقوله: {فأنى يؤفكون} أي فلأي جهة يصرفون.
وقرأ جمهور القراء بالنصب، وهو مصدر كالقول، والضمير فيه لمحمد عليه السلام، وحكى مكي قولاً أنه لعيسى وهو ضعيف، واختلف الناس في الناصب، فقالت فرقة هو معطوف على قوله: {سرهم ونجواهم} [الزخرف: 80]. وقالت فرقة العامل فيه {يكتبون} [الزخرف: 80] أي أقوالهم من أفعالهم. {وقيله}. وقالت فرقة: الناصب له ما في قوله: {وعنده علم الساعة} [الزخرف: 85] من قوة الفعل، أي ويعلم قيله، ونزل قوله تعالى: {وقيله يا رب} بمنزلة وشكوى محمد واسغاثته من كفرهم وعتوهم. وقرأ عاصم وحمزة وابن وثاب والأعمش: وقيلهِ بالخفض عطفاً على {الساعة} [الزخرف: 85]. وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد: {وقيلُه} بالرفع على الابتداء. وخبره في قوله: {يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} أي قيله هذا القول، أو يكون التقدير: وقيله يا رب مسموع ومتقبل، ف {يا رب} على هذا منصوب الموضع ب قيله وقرأ أبو قلابة: {يا ربَّ} بفتح الباء المشددة، وأراد يا رب على لغة من يقول: يا غلاماً، ثم حذف الألف تخفيفاً واتباعاً لخط المصحف.
وقوله: {فاصفح عنهم} موادعة منسوخة بآيات السيف.
وقوله: {سلام} تقديره: وقل أمري سلام، أي مسالمة. وقالت فرقة المعنى: وقل سلام عليكم على جهة الموادعة والملاينة، والنسخ قد أتى على هذا السلام، فسواء كان تحية أو عبارة عن الموادعة.
وقرأ جمهور القراء: {يعلمون} بالياء. وقرأ نافع وابن عامر في رواية هشام عنه والحسن والأعرج وأبو جعفر: {تعلمون} بالتاء من فوق.