فصل: تفسير الآيات (11- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (11- 12):

{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}
{المخلفون من الأعراب} قال مجاهد وغيره: هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل، فإنهم في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىعمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدواً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة، وهم الأحابيش، ولم يكن تمكن إيمان أولئك الأعراب المجاورين للمدينة فقعدوا عن النبي عليه السلام وتخلفوا، وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم الله في هذه الآية، وأعلم محمد بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، فكان كذلك، قالوا: شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا، وهذا منهم خبث وإبطال، فلذلك قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} قال الرماني: لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة، ثم قال لنبيه عليه السلام {قل} لهم: {فمن يملك لكم من الله شيئاً} أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءاً.
وقرأ جمهور القراء: {إن أراد بكم ضَراً} بفتح الضاد. وقرأ حمزة والكسائي: ضُراً بالضم، ورجحها أبو علي وهما لغتان. وفي مصحف ابن مسعود. {إن أراد بكم سوءاً}. ثم رد عليهم بقوله: {بل كان الله بما تعملون خبيراً}، ثم فسر لهم العلة التي تخلفوا من أجلها بقوله: {بل ظننتم} الآية، وفي قراءة عبد الله: {إلى أهلهم} بغير ياء. و: {بوراً} معناه: فاسدين هلكى بسبب فسادهم. والبوار: الهلاك. وبارت السلعة، مأخوذ من هذا. وبور: يوصف به الجمع والإفراد، ومنه قول ابن الزبعرى: [الخفيف]
يا رسول المليك إن لساني ** راتق ما فتقت إذ أنا بور

والبور في لغة أزد عمان: الفاسد، ومنه قول أبي الدرداء: فأصبح ما جمعوا بوراً، أي فاسداً ذاهباً، ومنه قول حسان بن ثابت:
لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد ** يهدي الإله سبيل المعشر البور

وقال الطبري في قوله تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} يعني به قولهم: {فاستغفر لنا} لأنهم قالوا ذلك مصانعة من غير توبة ولا ندم، قال وقوله تعالى: {قل فمن يملك} الآية، معناه: وما ينفعكم استغفاري، وهل أملك لكم شيئاً والله قد أراد ضركم بسبب معصيتكم كما لا أملك إن أراد بكم النفع في أموالكم وأهليكم.

.تفسير الآيات (13- 15):

{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}
لما قال لهم: {وكنتم قوماً بوراً} [الفتح: 12] توعدهم بعد ذلك بقوله: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله} الآية، وأنتم هكذا فأنتم ممن أعدت لهم السعير، وهي النار المؤججة. والمسعر: ما يحرك به النار، ومنه قوله عليه السلام: «ويل من مسعر حرب». ثم رجى بقوله تعالى: {ولله ملك السماوات والأرض}، الآية: لأن القوم لم يكونوا مجاهرين بالكفر، فلذلك جاء وعيدهم وتوبيخهم ممزوجاً فيه بعض الإمهال والترجية، لأن الله تعالى قد كان علم منهم أنهم سيؤمنون، ثم إن الله تعالى أمر نبيه على ما روي بغزو خيبر ووعده بفتحها، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود وهم عدو مستضعف، طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا والغنيمة فكان كذلك.
وقوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} معناه: يريدون أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر. وقال عبد الله بن زيد بن أسلم {كلام الله} قوله تعالى: {قل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً} [التوبة: 83] وهذا قول ضعيف، لأن هذه الآية نزلت في رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهذا في آخر عمره، وآية هذه السورة نزلت سنة الحديبية، وأيضاً فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فضلهم رسول الله بعد ذلك على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، الحديث المشهور فأمره الله تعالى أن يقول لهم في هذه الغزوة إلى خيبر: {لن تتبعونا} وخص الله بها أهل الحديبية.
وقوله تعالى: {كذلكم قال الله من قبل} يريد وعده قبل باختصاصهم بها، وقول الأعراب: {بل تحسدوننا} معناه: بل يعز عليكم أن نصيب مغنماً ومالاً، فرد الله على هذه المقالة بقوله: {بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً} أي لا يفقهون من الأمور مواضع الرشد، وذلك هو الذي خلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ذلك سبباً إلى منعهم من غزوة خيبر.
وقرأ أبو حيوة: {تحسِدوننا} بكسر السين. وقرأ الجمهور من القراء: {كلام} قال أبو علي: هو أخص بما كان مفيداً حديثاً. وقرأ الكسائي وحمزة وابن مسعود وطلحة وابن وثاب: {كلم} والمعنى فيهما متقارب.

.تفسير الآية رقم (16):

{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)}
أمر الله نبيه عليه السلام بالتقدمة إلى هؤلاء المخلفين بأنهم سيؤمرون بقتال عدو بئيس، وهذا يدل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام، وإلا فلم يكونوا أهلاً لهذا الأمر، واختلف الناس من القوم المشار إليهم في قوله: {إلى قوم أولي بأس شديد} فقال عكرمة وابن جبير وقتادة: هم هوازن ومن حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين.
قال القاضي أبو محمد: ويندرج في هذا القول عندي من حورب وغلب في فتح مكة.
وقال كعب: هم الروم الذين خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة. وقال الزهري والكلبي: هم أهل الردة وبنو حنيفة باليمامة.
وقال منذر بن سعيد: يتركب على هذا القول أن الآية مؤذنة بخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يريد لما كشف الغيب أنهما دعوا إلى قتال أهل الردة. وحكى الثعلبي عن رافع بن خديج أنه قال: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم، حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا. وقال ابن عباس وابن أبي ليلى: هم الفرس. وقال الحسن: هم فارس والروم. وقال أبو هريرة: هم قوم لم يأتوا بعد، والقولان الأولان حسنان، لأنهما الذي كشف الغيب وباقيهما ضعيف. وقال منذر بن سعيد: رفع الله في هذه الجزية، وليس إلا القتال أو الإسلام، وهذا لا يوجد إلا في أهل الردة.
قال القاضي أبو محمد: وهو من حورب في فتح مكة. وقرأ الجمهور من القراء: {أو يسلمون} على القطع، أي أو هم يسلمون دون حرب. وقرأ أبيّ بن كعب فيما حكى الكسائي: {أو يسلموا} بنصب الفعل على تقدير: أو يكون أن يسلموا، ومثله من الشعر قول امرئ القيس: [الطويل]
فقلت له لا تبك عيناك إنما ** نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

يروى: نموتَ بالنصب. ونموتُ بالرفع، فالنصب على تقدير: أو يكون أن نموت، والرفع على القطع، أو نحن نموت.
وقوله: {فإن تطيعوا} معناه: فيما تدعون إليه، والعذاب الذي توعدهم: يحتمل أن يريد به عذاب الدنيا، وأما عذاب الآخرة فبين فيه.

.تفسير الآيات (17- 19):

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}
لما بالغ عز وجل في عتب هؤلاء المتخلفين من القبائل المجاورة للمدينة لجهينة ومزينة وغفار وأسلم وأشجع، عقب ذلك بأن عذر أهل الأعذار من العرج والعمى والمرض جملة ورفع الحرج عنهم والضيق والمأثم، وهذا حكم هؤلاء المعاذير في كل جهاد إلى يوم القيامة، إلا أن يحزب حازب في حضرة ما، فالفرض متوجه بحسب الوسع، ومع ارتفاع الحرج فجائز لهم الغزو وأجرهم فيه مضاعف، لأن الأعرج أحرى الناس بالصبر وأن لا يفر، وقد غزا ابن أم مكتوم، وكان يمسك الراية في بعض حروب القادسية، وقد خرج النسائي هذا المعنى وذكر ابن أم مكتوم رحمه الله.
وقرأ الجمهور من القراء: {يدخله} بالياء. وقرأ ابن عامر ونافع وأبو جعفر والأعرج والحسن وشيبة وقتادة: {ندخله} بالنون، وكذلك نعذبه ويعذبه.
وقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} تشريف وإعلام برضاه عنهم حين البيعة، وبهذا سميت بيعة الرضوان. والرضى بمعنى الإرادة، فهو صفة ذات. ومن جعل {إذ} مسببة بمعنى لأنهم بايعوا تحت الشجرة، جاز أن يجعل {رضي} بمعنى إظهار النعم عليهم بسبب بيعتهم، فالرضى على هذا صفة فعل، وقد تقدم القول في المبايعة ومعناها.
وكان سبب هذه المبايعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث إلى مكة رجلاً يبين على قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد حرباً، وإنما جاء معتمراً، فبعث إليهم خراش بن أمية الخزاعي وحمله على جمل يقال له الثعلب، فلما كلمهم، عقروا الجمل، وأرادوا قتل خراش، فمنعه الأحابيش، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد بعث عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله أنا قد علمت فظاظتي على قريش وهم يبغضونني، وليس هناك من بني عدي بن كعب من يحميني، ولكن ابعث عثمان بن عفان، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي، فنزل عن دابته فحمله عليها وأجاره، حتى إذا جاء قريشاً فأخبرهم، فقالوا له: إن شئت يا عثمان أن تطوف بالبيت فطف، وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه، فقال عثمان: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن بني سعيد بن العاصي حبسوا عثمان على جهة المبرة، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحديبية من مكة على عشرة أميال، فصرخ صارخ من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وقالوا: لا نبرح إن كان هذا حتى نلقى القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، ونادى مناديه: أيها الناس، البيعة البيعة، نزل روح القدس، فما تخلف عن البيعة أحد ممن شهد الحديبية إلا الجد بن قيس المنافق، وحينئذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وقال:
«هذه يد لعثمان، وهي خير من يد عثمان ثم جاء عثمان بعد ذلك سالماً».
و{الشجرة} سمرة كانت هنالك، ذهبت بعد سنين، فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته فاختلف أصحابه في موضعها، فقال عمر سيروا هذا التكلف.
وقوله تعالى: {فعلم ما في قلوبهم} قال قوم معناه: من كراهة البيعة على الموت ونحوه وهذا ضعيف، فيه مذمة للصحابة. وقال الطبري ومنذر بن سعيد معناه: من الإيمان وصحته والحب في الدين والحرص عليه، وهذا قول حسن، لكنه من كانت هذه حاله فلا يحتاج إلى نزول ما يسكنه، أما أنه يحتمل أن يجازى ب {السكينة} والفتح القريب والمغانم.
وقال آخرون معناه: من الهم بالانصراف عن المشركين والأنفة في ذلك على نحو ما خاطب فيه عمر وغيره، وهذا تأويل حسن يترتب معه نزول {السكينة} والتعريض بالفتح القريب. و{السكينة} هنا تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر الله تعالى والصبر له.
وقرأ الناس: {وأثابهم} قال هارون وقد قرئت: {وأتابهم} بالتاء بنقطتين والفتح القريب: خيبر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف بالمؤمنين إلى المدينة وقد وعده الله بخيبر وخرج إليها لم يلبث، قال أبو جعفر النحاس، وقد قيل: الفتح القريب: فتح مكة، والمغانم الكثيرة: فتح خيبر.
وقرأ يعقوب في رواية رويس: {تأخذونها} على مخاطبتهم بالتاء من فوق. وقرأ الجمهور: {يأخذونها} على الغيبة.
واختلف في عدة المبايعين فقيل: ألف وخمسمائة، قاله قتادة، وقيل: وأربعمائة قاله جابر بن عبد الله، وقيل: وخمسمائة وخمسة وعشرون، قاله ابن عباس، وقيل: وثلاثمائة قاله ابن أبي أوفى، وقيل غير هذا مما ذكرناه من قبل، وأول من بايع في ذلك رجل من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب قاله الشعبي.

.تفسير الآيات (20- 24):

{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)}
قوله تعالى: {وعدكم الله} الآية مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة، قاله مجاهد وغيره.
وقوله: {فعجل لكم هذه} يريد خيبر، وقال زيد بن أسلم وابنه، المغانم الكثيرة: خيبر، و: {هذه} إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش، وقاله ابن عباس: وقوله: {وكف أيدي الناس عنكم} يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي وكانت قد أمكنتهم فرصة فكفهم الله عن ذراري المسلمين وأموالهم، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله ينصرهم ويلطف لهم، قاله قتادة. وحكى الثعلبي أنه قال: كف الله غطفان ومن معها عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا لنصر أهل خيبر، وذكره النقاش وقال الثعلبي أيضاً عن بعضهم إنه أراد كف قريش.
وقوله: {وأخرى لم تقدروا عليها} قال عبد الله بن عباس: الإشارة إلى بلاد فارس والروم. وقال الضحاك: الإشارة إلى خيبر. وقال قتادة والحسن: الإشارة إلى مكة، وهذا هو القول الذي يتسق معه المعنى ويتأيد.
وقوله: {قد أحاط الله بها} معناه بالقدرة والقهر لأهلها، أي قد سبق في علمه ذلك وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها.
وقوله: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار} إشارة إلى قريش ومن والاها في تلك السنة، قاله قتادة، وفي هذا تقوية لنفوس المؤمنين، وقال بعض المفسرين: أراد الروم وفارس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وإنما الإشارة إلى العدو الأحضر.
وقوله: {سنة الله} إشارة إلى وقعة بدر، وقيل إشارة إلى عادة الله من نصر الأنبياء قديماً، ونصب {سنة} على المصدر، ويجوز الرفع ولم يقرأ به.
وقوله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم} الآية، روي في سببها أن قريشاً جمعت جماعة من فتيانها وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس في عدد هؤلاء اختلافاً متفاوتاً، فلذلك اختصرته فلما أحس بهم المسلمون بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم خالد بن الوليد وسماه حينئذ سيف الله في جملة من المسلمين، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت مكة وأسروا منهم جملة، فسيقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن عليهم وأطلقهم، فهذا هو أن كف الله أيديهم عن المسلمين بالرعب وكف أيدي المسلمين عنهم بالنهي في بيوت مكة وغيرها وذلك هو بطن مكة. وقال قتادة: أسر النبي الله صلى الله عليه وسلم هذه الجملة بالحديبية عند عسكره ومن عليهم، وذلك هو بطن مكة. قال النقاش: الحرام كله {مكة}، والظفر عليهم هو أسر من أسر منهم، وباقي الآية تحريض على العمل الصالح، لأن من استشعر أن الله يبصر عمله أصلحه.
وقرأ الجمهور من القراء: {بما تعملون} بالتاء على الخطاب. وقرأ أبو عمرو وحده: {بما يعملون} بالياء على ذكر الكفار وتهددهم.