فصل: تفسير الآيات (37- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (37- 44):

{وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)}
المعنى: {وتركنا} في القرية المذكورة، وهي سدوم أثراً من العذاب باقياً مؤرخاً لا يفنى ذكره فهو: {آية} أي علامة على قدرة الله وانتقامه من الكفرة. ويحتمل أن يكون. والمعنى: {وتركنا} في أمرها كما قال: {لقد كان في يوسف} [يوسف: 7] وقال ابن جريج: ترك فيها حجراً منضوداً كثيراً جداً. و: {للذين يخافون العذاب} هم العارفون بالله تعالى.
وقوله تعالى: {وفي موسى} يحتمل أن يكون عطفاً على قوله: {فيها} أي وتركنا في موسى وقصته أثراً أيضاً هو آية. ويحتمل أن يكون عطفاً على قوله قيل: {وفي الأرض آيات} [الذاريات: 20]، {وفي موسى}. و: {فرعون} هو صاحب مصر. والسلطان في هذه الآية الحجة و: {تولى} معناه: فأعرض وأدبر عن أمر الله و: {بركنه} بسلطانه وجنده وشدة أمره. وهو الأمر الذي يركن فرعون إليه ويسند في شدائده. قال ابن زيد: {بركنه} بجموعه قال قتادة: بقومه. وقول فرعون في موسى {ساحر أو مجنون} هو تقسيم ظن أن موسى لابد أن يكون أحد هذين. وقال أبو عبيدة: {أو} هنا بمعنى الواو. واستشهد ببيت جرير: [الوافر]
أثعلبة الفوارس أو رياحاً ** عدلت بهم طهية والخشابا

والخشاب: بيوت في بني تميم، وقول أبي عبيدة ضعيف لا داعية إليه في هذا الموضع. و: {نبذناهم} معناه: طرحناهم و: {اليم} البحر. وفي مصحف ابن مسعود: {فنبذناه}، والمليم: الذي أتى من المعاصي ونحوها ما يلام عليه وقال أمية بن أبي الصلت: [الوافر]
ومن يخذل أخاه فقد ألاما

وقوله: {وفي عاد} عطف على قوله: {وفي موسى}، و{عاد} هي قبيلة هود النبي عليه السلام.
و{العقيم} التي لا بركة فيها ولا تلقح شجراً ولا تسوق مطراً. وقال سعيد بن المسيب: كانت ريح الجنوب. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كانت نكباء. وهذا عندي لا يصح عن علي رضي الله عنه لأنه مردود بقوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» و: {تذر} معناه: تدع. وقوله تعالى: {من شيء أتت عليه} يعني مما أذن لها في إهلاكه. و: {الرميم} الفاني المتقطع يبساً أو قدماً من الأشجار والورق والحبال والعظام، ومنه قوله تعالى {من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78] أي في قوام الرمال وروي أن تلك الريح كانت تهب على الناس فيهم العادي وغيره، فتنتزع العادي من بين الناس وتذهب به.
وقوله تعالى: {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين} يحتمل أن يريد إذ قيل لهم في أول بعث صالح آمنوا وأطيعوا فتمتعوا متاعاً حسناً إلى آجالكم، وهو الحين على هذا التأويل وهو قول الحسن حكاه عن الرماني، ويجيء قوله تعالى: {فعتوا} مرتباً لفظاً في الآية ومعنى في الوجود متأخراً عن القول لهم {تمتعوا}، ويحتمل أن يريد: إذ قيل لهم بعد عقر الناقة: {تمتعوا} في داركم ثلاثة، وهي الحين على هذا التأويل وهو قول الفراء، ويجيء قوله: {فعتوا} غير مرتب المعنى في وجوده، لأن عتوهم كان قبل أن يقال لهم {تمتعوا} وكأن المعنى فكان من أمرهم قبل هذه المقالة أن عتوا وهو السبب في أن قيل لهم ذلك وعذبوا.
وقرأ جمهور القراء: {الصاعقة} وقرأ الكسائي وهي قراءة عمر وعثمان {الصعقة}، وهي على القراءتين الصيحة العظيمة، ومنه يقال للوقعة الشديدة من الرعد: صاعقة. وهي التي تكون معها النار التي يروى في الحديث أنها من المخراق الذي بيد ملك يسوق السحاب.
وقوله: {وهم ينظرون} يحتمل أن يريد فجأة وهم يبصرون بعيونهم حالهم، وهذا قول الطبري ويحتمل أن يريد: {وهم ينظرون} ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموا به فيها ورأوا علاماته في تلونه، وهذا قول مجاهد حسبما تقدم تفسيره، وانتظارهم العذاب هو أشد من العذاب.

.تفسير الآيات (45- 52):

{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)}
قال بعض المفسرين: {من قيام} معناه: ما استطاعوا أن يقوموا من مصارعهم. وقال قتادة وغيره معناه: ما قيام بالأمر ودفعه كما تقول: ما أن له بكذا وكذا قيام، أي استضلاع وانتهاض.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم: {وقوم نوح} بالنصب، وهو عطف إما علىلضمير في قوله: {فأخذتهم} [الذاريات: 44] إذ هو بمنزلة أهلكناهم، وإما على الضمير في قوله: {فنبذناهم} [الذاريات: 40]، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث: {وقومُ نوح} بالرفع وذلك على الابتداء وإضمار الخبر وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {وقومِ} بالخفض عطفاً على ما تقدم من قوله: {وفي ثمود} [الذاريات: 43] وقد روي النصب عن أبي عمرو.
وقوله: {والسماءَ} نصب بإضمار فعل تقديره: وبنينا السماء بنيناها. والأيد: القوة قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، ووقعت في المصحف بياءين وذلك على تخفيف الهمز، وفي هذا نظر.
وقوله: {لموسعون} يحتمل أن يريد: إنا نوسع الأشياء قوة وقدرة كما قال تعالى: {على الموسع قدره} [البقرة: 236] أي الذي يوسع أهله إنفاقاً، ويحتمل أن يريد: {لموسعون} في بناء السماء، أي جعلناها واسعة وهذا تأويل ابن زيد وقال الحسن: أوسع الرزق بمطر السماء والماهد المهيئ الموطئ للموضع الذي يتمهد ويفترش.
وقوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} أي مصطحبين ومتلازمين، فقال مجاهد معناه أن هذه إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء كالليل والنهار والشقوة والسعادة والهدى والضلالة والأرض والسماء والسواد والبياض والصحة والمرض والكفر والإيمان ونحو هذا، ورجحه الطبري بأنه دل على القدرة التي توجد الضدين، بخلاف ما يفعل بطبعه فعلاً واحداً كالتسخين والتبريد. وقال ابن زيد وغيره: هي إشارة غلى الأنثى والذكر من كل حيوان والترجي الذي في قوله: {لعلكم} هو بحسب خلق البشر وعرفها. وقرأ الجمهور {تذّكرون} بشد الذال والإدغام. وقرأ أبي بن كعب: {تتذكرون} بتاءين وخفة الذال.
وقوله: {ففروا} أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً وأمراً حقه أن يفر منه، فجمعت لفظة فروا بين التحذير والاستدعاء، وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» الحديث، قال الحسن بن الفضل: من فر إلى غير الله.
وقوله: {ولا تجعلوا مع الله} الآية نهي عن عبادة الأصنام والشياطين وكل مدعو من دون الله وفائدة تكرار قوله: {إني لكم منه نذير مبين} الإبلاغ وهز النفس وتحكيم التحذير وإعادة الألفاظ بعينها في هذه المعاني بليغة بقرينة شدة الصوت.
وقوله تعالى: {كذلك} تقديره: سيرة الأمم كذلك، أو الأمر في القديم كذلك. وقوله: {إلا قالوا ساحر أو مجنون} معناه: إلا قال بعض: هذا وبعض: هذا وبعض: الجميع ألا ترى أن قوم نوح لم يقولوا قط: {ساحر} وإنما قالوا: {به جنة} [سبأ: 8] فلما اختلف الفرق جعل الخبر عن ذلك بإدخال أو بين الصفتين، وليس المعنى أن كل أمة قالت عن نبيها إنه ساحر أو هو مجنون، فليست هذه كالمتقدمة في فرعون، بل هذه كأنه قال: إلا قالوا هو ساحر وهو مجنون.

.تفسير الآيات (53- 60):

{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}
قوله تعالى: {أتواصوا به} توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة في تكذيب الأنبياء على تفرق أزمانهم أي أنهم لم يتواصوا، لكنهم فعلوا فعل من يتواصى.
والعلة في ذلك أن جميعهم طاغ، والطاغي: المستعلي في الأرض المفسد العاتي على الله.
وقوله تعالى: {فتول عنهم} أي عن الحرص المفرط عليهم، وذهاب النفس حسرات، ويحتمل أن يراد: فقول عن التعب المفرط في دعائهم وضمهم إلى الإسلام فلست بمصيطر عليهم ولست {بملوم} إذ قد بلغت، فنح نفسك عن الحزن عليهم، وذكر فقط، فإن الذكرى نافعة للمؤمنين ولمن قضي له أن يكون منهم في ثاني حال، وعلى هذا التأويل: فلا نسخ في الآية. إلا في معنى الموادعة التي فيها، إن آية السيف نسخت جميع الموادعات.
وروى قتادة وذكره الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما نزلت {فتول عنهم فما أنت بملوم} حزن المسلمون وظنوا أنه مر بالتوالي عن الجميع وأن الوحي قد انقطع حتى نزلت: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فسروا بذلك.
وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} اختلف الناس في معناه مع إجماع أهل السنة على أن الله تعالى لم يرد أن تقع العبادة من الجميع، لأنه لو أراد ذلك لم يصح وقوع الأمر بخلاف إرادته، فقال ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي، وليقروا لي بالعبودية فعبر عن ذلك بقوله: {ليعبدون} إذ العبادة هي مضمن الأمر، وقال زيد بن أسلم وسفيان: المعنى خاص، والمراد: {وما خلقت} الطائعين من {الجن والإنس} إلا لعبادتي، ويؤيد هذا التأويل أن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدوني}، وقال ابن عباس أيضاً معنى: {ليعبدون} أي ليتذللوا لي ولقدرتي، وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلل والكفار كذلك، ألا تراهم عند القحط والأمراض وغير ذلك. وتحتمل الآية، أن يكون المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدون، وكأن الآية تعديد نعمة، أي خلقت لهم حواس وعقولاً وأجساماً منقادة نحو العبادة، وهذا كما تقول: البقر مخلوقة للحرث، والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلاً، فالمعنى أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة، لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك، ويؤيد هذا المنزع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له». وقوله: «كل مولود يولد على الفطرة» والحديث، وقوله: {من رزق} أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم.
وقوله: {أن يطمعون} إما أن يكون المعنى أن يطمعوا خلقي فإضيف ذلك إلى الضمير على جهة التجوز، وهذا قول ابن عباد. وإما أن يكون الإطعام هنا بمعنى النفع على العموم، كما تقول: أعطيت فلاناً كذا وكذا طعمة، وأنت قد أعطيته عرضاً أو بلداً يحييه، ونحو هذا فكأنه قال: ولا أريد أن ينفعوني، فذكر جزءاً من المنافع وجعله دالاً على الجميع.
وقرأ الجميع: {إن الله هو الرزاق}. وروى أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن يزيد، قال أبو عمرو الداني عن ابن مسعود قال: أقراني رسول الله صلى الله عليه وسلم {إني أنا الرزاق} وقرأ الجمهور: {إن الله هو الرزاق} وقرأ ابن محيصن {هو الرازق}.
وقرأ جمهور القراء: {المتينُ} بالرفع إما على أنه خبر بعد خبر، أو صفة ل {الرزاق}. وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش {المتينِ} بالخفض على النعت ل القوة، وجاز ذلك من حيث تأنيث القوة غير حقيقي. فكأنه قال: ذو الأيد، أو ذو الحبل ونحوه {فمن جاءه موعظة} [البقرة: 275] وجوز أبو الفتح أن يكون خفض المتينِ علىلجواز و: المتين: الشديد.
وقوله تعالى: {فإن للذين ظلموا} يريد أهل مكة، وهذه آية وعيد صراح، وقرأ الأعمش {فإن للذين كفروا}. والذنوب: الحظ والنصيب، وأصله من الدلو، وذلك أن الذنوب هو ملء الدلو من الماء، وقيل الذنوب: الدلو العظيمة، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
إنا إذا نازلنا غريب ** له ذنوب ولنا ذنوب

فإن أبيتم فلنا القليب

وهو السجل، ومنه قول علقمة بن عبدة: [الطويل]
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ** فحق لشأس من نداك ذنوب

فيروى أن الملك لما سمع هذا البيت قال نعم وأذنبة، ومنه قول حسان: [الطويل]
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ** وسقى الغوادي قبره بذنوب

وأصحابهم يريد به من تقدم من الأمم المعذبة. وقوله: {فلا يستعجلون} تحقيق للأمر، بمعنى هو نازل بهم لا محالة في وقته المحتوم، فلا يستعجلوه، وقرأ يحيى بن وثاب: {فلا تستعجلون} بالتاء من فوق.
ثم أوجب تعالى لهم الويل من يومهم الذي يأتي فيه عذابهم. والويل: الشقاء والهم، وروي أن في جهنم وادياً يسمى: ويلاً. والطبري يذهب أبداً إلى أن التوعد إنما هو به، وذلك في هذا الموضع قلق، لأن هذا الويل إنما هو من يومهم الذي هو في الدنيا، و: من لابتداء الغاية. وقال جمهور المفسرين: هذا التوعد هو بيوم القيامة. وقال آخرون ذكره الثعلبي هو يوم بدر. وفي: يوعدون ضمير عائد، التقدير: يوعدون به، أو يوعدونه.
نجز تفسير سورة الذاريات والحمد لله رب العالمين كثيراً، وصلى الله عليه سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعن جميع تابعيه.