فصل: تفسير الآيات (9- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (9- 10):

{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
{الذين تبوءوا} هم الأنصار، والضمير في {قبلهم} للمهاجرين، و{الدار} هي المدينة، والمعنى: تبوءوا الدار مع الإيمان معاً، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله: {من قبلهم} فتأمله، {والإيمان} لا يتبوأ لأنه ليس مكاناً ولكن هذا من بليغ الكلام ويتخرج على وجوه كلها جميل حسن. وأثنى الله تعالى في هذه الآية على الأنصار بأنهم {يحبون} المهاجرين، وبأنهم {يؤثرون على أنفسهم} وبأنهم قد وقوا شح أنفسهم لأن مقتضى قوله: {ومن يوق شح نفسه} الآية. أن هؤلاء الممدوحين قد وقوا الشح، والحاجة: الحسد في هذا الموضع، قاله الحسن وتعم بعد جميع الوجوه التي هي بخلاف ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء المهاجرين أموال بني النضير والقرى، و{أوتوا} معناه: أعطوا، والضمير المرفوع بأن لم يسم فاعله هو للمهاجرين، وقوله تعالى: {ويؤثرون} الآية، صفة للأنصار. وقد روي من غير ما طريق، أنها نزلت بسبب رجل من الأنصار، قال أبو المتوكل: هو ثابت بن قيس، وقال أبي هريرة في كتاب مكي: كنية هذا الرجل أبو طلحة، وخلط المهدوي في ذكر هذا الرجل ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما عندنا إلا قوت الصبية، فقال: نومي صبيتك وأطفئي السراج وقدمي ما عندك للضيف ونوهمه نحن أنا نأكل، ففعلا ذلك فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عجب الله من فعلكما البارحة»، ونزلت الآية في ذلك، والإيثار على النفس أكرم خلق، وقال حذيفة العدوي: طلبت يوم اليرموك ابن عم لي في الجرحى ومعي شيء من ماء، فوجدته، فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فإذا رجل يصيح آه، فأشار ابن عمي أن انطلق إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاصي، فقلت: اشرب فإذا آخر يقول: آه، فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئته، فإذا به قد فاضت نفسه، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات، فعجبت من إيثارهم رحمهم الله وقال أبو زيد البسطامي: قدم علينا شاب من بلخ حاجاً فقال: ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا، فقال: هكذا عندنا كلاب بلخ، فقلت له: فما هو عندكم، فقال: إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا آثرنا وروي: أن سبب هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى في المهاجرين قال للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه» فقالوا: بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة، فنزلت هذه الآية. والخصاصة: الفاقة والحاجة، وهو مأخوذ من خصائص البيت وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتوح فكأن حال الفقير هي كذلك يتخللها النقص والاحتياج، وشح النفس هو كثرة منعها وضبطها على المال والرغبة فيه وامتداد الأمل هذا جماع شح النفس وهو داعية كل خلق سوء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برئ من الشح»، واختلف الناس بعد هذا الذي قلنا، فذهب الجمهور والعارفون بالكلام إلى هذا وعلى هذا التأويل، كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يطوف ويقول: اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقيل له في ذلك فقال إذا وقيته لم أفعل سوءاً.
قال القاضي أبو محمد: شح النفس فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده وينصب به، وقال ابن زيد وابن جبير وجماعة: من لم يأخذ شيئاً نهاه الله تعالى عنه ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس. وقال ابن مسعود رحمه الله شح النفس: هو أكل مال الغير بالباطل، وأما منع الإنسان ماله فهو بخل وهو قبيح، ولكنه ليس بالشح. وقرأ عبد الله بن عمر: {شِح} بكسر السين، ويوقى وزنه: يفعل من وقى يقي مثل وزن يزن. وقرأ أبو حيوة: {يوَقّ} بفتح الواو وشد القاف و{المفلحون}: الفائزون ببغيتهم.
واختلف الناس في قوله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم} فقال الفراء: أراد الفرقة الثالثة من الصحابة وهي من آمن أو كبر في آخر مدة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال جمهور العلماء: أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة، فوصف الله تعالى القول الذي ينبغي أن يلتزمه كل من لم يكن من الصدر الأول وإعراب {الذين} رفع عطفاً على {هم} أو على {الذين} أو رفع بالابتداء. وقوله تعالى: {يقولون} حال فيها الفائدة والمراد: والذين جاؤوا قائلون كذا أو يكون يقولون صفة، ولهذه الآية قال مالك وغيره: إنه من كان له في أحد من الصحابة قول سوء أو بغض فلا حظ له في الغنيمة أدباً له، وجاء عراقيون إلى علي بن الحسين فسبوا أبا بكر وعمر وعثمان فقال لهم: أمن المهاجرين الأولين أنتم؟ فقالوا: لا، أفمن {الذين تبوءوا الدار والإيمان}؟ قالوا: لا، قال فقد تبرأتم من هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى فيهم: {والذين جاؤوا من بعدهم} الآية. قوموا فعل الله بكم وفعل، وقال الحسن أدركت ثلاثمائة من الصحابة منهم سبعون بدرياً كلهم يحدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. فالجماعة أن لا تسبوا الصحابة ولا تماروا في دين الله ولا تكفروا أحداً من أهل التوحيد بذنب». والغل: الحقد والاعتقاد الرديء، وقرأ الأعمش: {في قلوبنا غمراً للذين} والغمر: الحقد، وقد تقدم الاختلاف في قراءة {رؤوف}.

.تفسير الآيات (11- 13):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)}
هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن التابوت، وقوم من منافقي الأنصار كانوا بعثوا إلى بني النضير وقالوا لهم، أثبتوا في معاقلكم فإنا معكم حيثما تقلبت حالكم، وإنما أرادوا بذلك أن تقوى نفوسهم عسى أن يثبتوا حتى لا يقدر محمد عليهم فيتم لهم مرادهم وكانوا كذبة فيما قالوا من ذلك، ولذلك لم يخرجوا حين أخرج بني النضير بل قعدوا في ديارهم.
وقوله عز وجل: {لئن نصروهم} معناه: ولئن حاولوا ذلك فإنهم ينهزمون، ثم لا ينصر الله تعالى منهم أحداً، وجاءت الأفعال غير مجزومة في قوله: {لا يخرجون} و: {لا ينصرونهم} لأنها راجعة على حكم القسم لا على حكم الشرط، وفي هذا نظر، ثم خاطب تعالى أمة محمد مخبراً أن اليهود والمنافقين أشد خوفاً من المؤمنين منهم من الله تعالى، لأنهم يتوقعون عاجل الشر من المؤمنين، لا يؤمنون بآجل العذاب من الله تعالى وذلك لقلة فهمهم بالأمور وفقهم بالحق.

.تفسير الآيات (14- 17):

{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)}
الضمير في قوله تعالى: {لا يقاتلونكم} لبني النضير وجميع اليهود، وهذا قول جماعة المفسرين، ويحتمل أن يريد بذلك: اليهود والمنافقين، لأن دخول المنافقين في قوله تعالى: {بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى} متمكن بين. ومعنى الآية: {لا يقاتلونكم} في جيش مفحص، والقرى المدن. قال الفراء هذا جمع شاذ. قال الزجاج: ما في القرآن فليس بشاذ وهو مثل ضيعة وضيع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وكثير من المكيين {جدار} على معنى الجنس. وقرأ كثير من المكيين وهارون عن ابن كثير: {جَدْر} بفتح الجيم وسكون الدال ومعناه أصل بنيان كالسور ونحوه، وقرأ الباقون من القراء {جُدُر} بضم الجيم والدال وهو جمع جدار، وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة {جُدْر} بضم الجيم وسكون الدال وهو تخفيف في جمع جدار، ويحتمل أن يكون من جدر النخل أي من وراء نخلهم إذ هي مما يتقى به عند المضايقة، وقوله تعالى: {بأسهم بينهم شديد} أي في عائلتهم وأحبتهم، وفي قراءة عبد الله بن مسعود {تحسبهم جميعاً وفي قلوبهم أشتات}، وهذه حال الجماعات المتخاذلة وهي المغلوبة أبداً فيما يحاول، واللفظة مأخوذة من الشتات وهو التفرق ونحوه، وقوله تعالى: {كمثل الذين من قبلهم} معناه مثلهم {كمثل}، و{الذين من قبلهم}، قال ابن عباس: هم بنو قينقاع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن المدينة قبل بني النضير وكانوا مثلاً لهم، وقال قتادة ومجاهد: {الذين من قبلهم} أهل بدر الكفار فإنهم قبلهم ومثل لهم في أن غلبوا وقهروا، وقال بعض المتأولين: الضمير في قوله: {قبلهم} للمنافقين، و{الذين من قبلهم} هم منافقو الأمم المتقدمة وذلك أنهم غلبوا ونالتهم الذلة على وجه الدهر فهم مثل لهؤلاء، ولكن قوله: {قريباً} إما أن يكون في زمن موسى وإلا فالتأويل المذكور يضعف، إلا أن تجعل {قريباً} ظرفاً للذوق، فيكون التقدير {ذاقوا وبال أمرهم} {قريباً} من عصيانهم وبحدثانه، ولا يكون المعنى أن المثل قريب في الزمن من الممثل له، وعلى كل تأويل ف {قريباً} ظرف أو نعت لظرف والوبال: الشدة والمكروه وعاقبة السوء، و{العذاب الأليم}: هو في الآخرة، وقوله تعالى: {كمثل الشيطان} معناه مثل هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير {كمثل الشيطان} والإنسان، فالمنافقون مثلهم الشيطان وبنو النضير مثلهم الإنسان، وذهب مجاهد وجمهور من المتأولين إلى أن {الشيطان} والإنسان في هذه الآية أسماء جنس لأن العرف أن يعمل هذا شياطين بناس كما يغوي الشيطان الإنسان ثم يفر منه بعد أن يورطه، كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحرضوهم على الثبوت ووعدوهم النصر، فلما نشب بنو النضير وكشفوا عن وجوههم تركهم المنافقون في أسوأ حال، وذهب قوم من رواة القصص أن هذا شيطان مخصوص مع عابد من العباد مخصوص، وذكر الزجاج أن اسمه برصيص، قالوا إنه استودع امرأة وقيل سيقت إليه ليشفيها بدعائه من الجنون فسول له الشيطان الوقوع عليها فحملت، فخشي الفضيحة، فسول له قتلها ودفنها، ففعل ثم شهره، فلما استخرجت المرأة وحمل العابد شر حمل وهو قد قال: إنها قد ماتت فقمت عليها ودفنتها، فلما وجدت مقتولة علموا كذبه فتعرض له الشيطان فقال له: اكفر واسجد لي وأنجيك، ففعل وتركه عند ذلك.
وقال {إني بريء منك}، وهذا كله حديث ضعيف، والتأويل الأول هو وجه الكلام وقول الشيطان: {إني أخاف الله}، رياء من قوله وليست على ذلك عقيدته، ولا يعرف الله حق معرفته ولا يحجزه خوفه عن سوء يوقع فيه ابن آدم من أول إلا آخر، وقوله تعالى: {فكان عاقبتهما} الآية، يحتمل الضمير أن يعود على المخصوصين المذكورين، ويحتمل أن يعود على اسمي الجنس أي هذا هو عاقبة كل شيطان وإنسان يكون أمرهما هكذا، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {عاقبتُهما} بالرفع، وقرأ جمهور الناس: {عاقبتَهما} بالنصب وموضع أن يخالف إعراب المعاقبة في القراءتين إن شاء الله تعالى، وقرأ الأعمش وابن مسعود: {خالدان} بالرفع على أنه خبر أن، والظرف ملغى، ويلحق هذه الآية من الاعتراض إلغاء الظرف مرتين قاله الفراء، وذلك جائز عند سيبويه على التأكيد.

.تفسير الآيات (18- 21):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
هذه آية وعظ وتذكير وتقريب للآخرة، وتحذير ممن لا تخفى عليه خافية.
وقرأ جمهور الناس: {ولْتنظرْ} بسكون اللام وجزم الراء على الأمر، وقرا يحيى بن الحارث وأبو حيوة وفرقة كذلك بالأمر إلا أنها كسرت اللام على أصل لام الأمر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما روي عنه: {ولتنظرَ} بنصب الراء على لام كي كأنه قال وأمرنا بالتقوى لتنظروا، كأنه قال: {اتقوا الله} ولتكن تقواكم {لتنظرَ}، وقوله تعالى: {لغد} يريد يوم القيامة، قال قتادة: قرب الله القيامة حتى جعلها غداً، وذلك أنها آتية لا محالة وكل آت قريب، ويحتمل أن يريد بقوله: {لغد}: ليوم الموت، لأنه لكل إنسان كغده ومعنى الآية: ما قدمت من الأعمال، فإذا نظرها الإنسان تزيد من الصالحات، وكف عن السيئات، وقال مجاهد وابن زيد: الأمس: الدنيا، وغد: الآخرة، وقرأ الجمهور: {ولا تكونوا} بالتاء من فوق على مخاطبة جميع الذين آمنوا، وقرأ أبو حيوة {يكونوا} بالياء من تحت كناية عن النفس التي هي اسم الجنس، و{الذين نسوا الله} هم الكفار، والمعنى: تركوا الله وغفلوا عنه، حتى كانوا كالناسين، وعبر عما حفهم به من الضلالة ب {فأنساهم أنفسهم} سمى عقوبتهم باسم ذنبهم بوجه ما، وهذا أيضاً هو الجزاء على الذنب بالذنب تكسبوهم نسيان جهة الله فعاقبهم الله تعالى بأن جعلهم ينسون أنفسهم، قال سفيان: المعنى حظ أنفسهم، ويعطي لفظ هذه الآية، أن من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه تعالى، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اعرف نفسك تعرف ربك، وروي عنه أنه قال أيضاً: من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه. وقرأ ابن مسعود: {ولا أصحاب الجنة} بزيادة لا. وقوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن} الآية، موعظة للإنسان أو ذم لأخلاقه في غفلته وإعراضه عن داعي الله تعالى، وذلك أن القرآن نزل عليهم وفهموه وأعرضوا عنه، وهو لو نزل على جبل وفهم الجبل منه ما فهم الإنسان لخشع واستكان وتصدع خشية لله تعالى، وإذا كان الجبل على عظمه وقوته يفعل هذا فما عسى أن يحتاج ابن آدم يفعل؟ لكنه يعرض ويصد على حقارته وضعفه، وضرب الله تعالى هذا المثل ليتفكر فيه العاقل ويخشع ويلين قلبه، وقرأ طلحة بن مصرف {مصدعاً} على إدغام التاء في الصاد.