فصل: تفسير الآيات (16- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (16- 22):

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)}
الضمير في قوله: {استقاموا} قال أبو مجلز والفراء والربيع بن أنس وزيد ابن أسلم والضحاك بخلاف عنه: الضمير عائد على قوله: {من أسلم} [الجن: 14]، و{الطريقة} طريقة الكفر، لو كفر من أسلم من الناس {لأسقيناهم} إملاء لهم واستدراجاً. وقال قتادة وابن جبير وابن عباس ومجاهد الضمير عائد على القاسطين. والمعنى على طريقة الإسلام والحق لأنعمنا عليهم، وهذا المعنى نحو قوله: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم} [المائدة: 65]، وقوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [المائدة: 66]. وهذا قول أبين لأن استعارة الاستقامة للكفر قلقة. وقرأ الأعمش وابن وثاب {وأن لوُ} بضم الواو. وقال أبو الفتح هذا تشبيه بواو الجماعة اشتروا الضلالة، والماء الغدق: هو الماء الكثير. وقرأ جمهور الناس {غدَقاً} بفتح الدال، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عنه بكسرها. وقوله تعالى: {لنفتنهم} إن كان المسلمون فمعناه لنختبرهم، وإن كان القاسطون فمعناه لنمتحنهم ونستدرجهم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حيث يكون الماء فثم المال، وحيث يكون المال فثم الفتنة، ونزع بهذه الآية، وقال الحسن وابن المسيب وجماعة من التابعين: كانت الصحابة سامعين مطيعين، فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر وثب بعثمان فقتل وثارت الفتن. و{يسلكه} معناه يدخله، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء أي {يسلكه} الله، وقرأ بعض التابعين {يُسلكه} بضم الياء من أسلك وهما بمعنى، وقرأ باقي السبعة {نسلكه} بنون العظمة، وقرأ ابن جبير {نُسلِكه} بنون مضمومة ولام مكسورة. و{صعداً} معناه شاقاً، تقول فلان في صعد من أمره أي في مشقة، وهذا أمر يتصعدني، وقال عمر: ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح، وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس: صعد جبل في النار، وقرأ قوم {صُعُوداً} بضم الصاد والعين، وقرأ الجمهور بفتح الصاد والعين، وقرأ ابن عباس والحسن بضم الصاد وفتح العين، وقال الحسن: معناه لا راحة فيه، ومن فتح الألف من {أن المساجد لله} جعلها عطفاً على قوله: {قل أوحي إلي أنه} [الجن: 1]، ذكره سيبويه، و{المساجد} قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة.
وقال الحسن: أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة. وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء: {المساجد}: الآراب التي يسجد عليها، واحدها مسجد بفتح الجيم، وقال سعيد بن جبير: نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله: كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك: فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة.
وقال الخليل بن أحمد: معنى الآية، ولأن {المساجد لله فلا تدعوا} أي لهذا السبب، وكذلك عنده {لإيلاف قريش} [قريش: 1] {فليعبدوا} [قريش: 3] وكذلك عنده {وأن هذه أمتكم أمة} [الأنبياء: 92، المؤمنون: 52]. و{المساجد} المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم، وكل ما هو خالص لله تعالى، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا. ولا يتخذ طريقاً، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه. وقوله عز وجل: {وأنه لما قام عبد الله} يحتمل أن يكون خطاباً من الله تعالى، ويحتمل أن يكون إخباراً عن الجن، وقرأ بعض القراء على ما تقدم {وأنه} يفتح الألف، وهذا عطف على قوله: {أنه استمع} [الجن: 1]، والعبد على هذه القراءة قال قوم: هو نوح، والضمير في {كادوا} لكفار قومه، وقال آخرون، هو محمد، والضمير في {كادوا} للجن. المعنى أنهم {كادوا} يتقصفون عليه لاستماع القرآن، وقرأ آخرون منهم {وإنه لما قام} بكسر الألف، والعبد محمد عليه السلام، والضمير في {كادوا} يحتمل أن يكون للجن على المعنى الذي ذكرناه، ويحتمل أن يكون لكفار قومه وللعرب في اجتماعهم على رد أمره، ولا يتجه أن يكون العبد نوحاً إلا على تحامل في تأويل نسق الآية، وقال ابن جبير: معنى الآية، إنما قول الجن لقومهم يحكون، والعبد محمد صلى الله عليه وسلم.
والضمير في {كادوا} لأصحابه الذين يطوعون له ويقتدون به في الصلاة، فهم عليه لبد. واللبد الجماعات شبهت بالشيء المتلبد بعضه فوق بعض، ومنه قول عبد بن مناف بن ربع: [البسيط]
صافوا بستة أبيات وأربعة ** حتى كأن عليهم جانياً لبدا

يريد الجراد سماه جانياً لأنه يجني كل شيء، ويروى جابياً بالباء لأنه يجبي الأشياء بأكله، وقرأ جمهور السبعة وابن عباس: {لِبداً} بكسر اللام جمع لِبدة، وقال ابن عباس: أعواناً. وقرأ ابن عامر بخلاف عنه وابن مجاهد وابن محيصن: {لُبَداً} بضم اللام وتخفيف الباء المفتوحة وهو جمع أيضاً. وروي عن الجحدري: {لُبُدا} بضم اللام والباء. وقرأ أبو رجاء: {لِبداً} بكسر اللام، وهو جمع لابد فإن قدرنا الضمير للجن فتقصفهم عليه لاستماع الذكر، وهذا تأويل الحسن وقتادة و{أدعو} معناه أعبده، وقرأ جمهور السبعة وعلي بن أبي طالب: {قال إنما}، وهذه قراءة تؤيد أن العبد نوح، وقرأ عاصم وحمزة بخلاف عنه: {قال إنما} وهذه تؤيد بأنه محمد عليه السلام وإن كان الاحتمال باقياً من كليهما. واختلف القراء في فتح الياء من {ربي} وفي سكونها. ثم أمر تعالى محمداً نبيه عليه السلام بالتبري من القدرة وأنه لا يملك لأحد {ضراً ولا رشداً}، بل الأمر كله لله. وقرأ الأعرج {رُشُداً} بضم الراء والشين، وقرأ أبيّ بن كعب {لكم غياً ولا رشداً}. وقولهم {من دونه} أي من عند سواه. والملتحد: الملجأ الذي يمال إليه ويُركَن، ومنه الإلحاد الميل، ومنه اللحد الذي يمال به إلى أحد شقي القبر.

.تفسير الآيات (23- 28):

{إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
اختلف الناس في تأويل قوله: {إلا بلاغاً}: فقال الحسن ما معناه أنه استثناء منقطع، والمعنى لن يجيرني من الله أحد {إلا بلاغاً}، فإني إن بلغت رحمني بذلك، والإجارة: للبلاغ مستعارة إذ هو سبب إجارة الله تعالى ورحمته، وقال بعض النحاة على هذا المعنى هو استثناء متصل. والمعنى لن أجد ملتحداً {إلا بلاغاً}، أي شيئاً أميل إليه وأعتصم به إلا أن أبلغ وأطيع، فيجبرني الله. وقال قتادة: التقدير لا أملك {إلا بلاغاً} إليكم، فأما الإيمان أو الكفر فلا أملكه. وقال بعض المتأولين {إلا} بتقدير الانفصال، وإن شرط ولا نافية كأنه يقول: ولن أجد ملتحداً إن لم أبلغ من الله ورسالته، و{من} في قوله: {من الله} لابتداء الغاية. وقوله تعالى: {ومن يعص الله} يريد الكفر بدليل الخلود المذكور. وقرأ طلحة وابن مصرف، {فإن له} على معنى فجزاؤه أن له، وقوله: {حتى إذا رأوا}، ساق الفعل في صيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه. وقوله تعالى: {من أضعف} يحتمل أن تكون {مَن} في موضع رفع على الاستفهام والابتداء و{أضعف} خبرها، ويحتمل أن تكون في موضع نصب ب {سيعلمون}، و{أضعف} خبر لابتداء مضمر، ثم أمره تعالى بالتبري من معرفة الغيب في وقت عذابهم الذي وعدوا به، والأمد: المدة والغاية، و{عالم} يحتمل أن يكون بدلاً من {ربي} [الجن: 20] ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مضمر على القطع، وقرأ السدي: {عالم الغيب} على الفعل الماضي ونصب الباء، وقرأ الحسن: {فلا يَظهَر} بفتح الياء والهاء {أحدٌ} بالرفع. وقوله تعالى: {إلا من ارتضى من رسول} معناه فإنه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير، ثم يبث تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة {رصداً} لإبليس وحزبه من الجن والإنس، وقوله تعالى: {ليعلم} قال قتادة معناه {ليعلم} محمد أن الرسل {قد أبلغوا رسالات ربهم} وحفظوا ومنع منهم. وقال سعيد بن جبير: معناه يعلم محمد أن الملائكة الحفظة، الرصد النازلين بين يديه جبريل وخلفه {قد أبلغوا رسالات ربهم}. وقال مجاهد {ليعلم} من كذب وأشرك أن الرسل قد بلغت.
قال القاضي أبو محمد: وهذا العلم لا يقع لهم إلا في الآخرة، وقيل معناه {ليعلم} الله رسالته مبلغة خارجة إلى الوجود لأن علمه بكل شيء قد تقدم، وقرأ الجمهور: {ليَعلم} بفتح الياء أي الله تعالى. وقرأ ابن عباس: {ليُعلم} بضم الياء، وقرأ أبو حيوة: {رسالة ربهم} على التوحيد، وقرأ ابن أبي عبلة: {وأحيط} على ما لم يسم فاعله، وقوله تعالى: {وأحصى كل شيء} معناه كل شيء معدود، وقوله تعالى: {ليعلم} الآية، مضمنه أنه تعالى قد علم ذلك، فعلى هذا الفعل المضمر انعطف {وأحاط}، {وأحصى} والله المرشد للصواب بمنه.

.سورة المزمل:

.تفسير الآيات (1- 10):

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)}
قوله تعالى: {يا أيها المزمل} نداء للنبي صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس لمَ نودي بهذا، فقالت عائشة والنخعي وجماعة: لأنه كان وقت نزول الآية متزملاً بكساء، والتزمل: الالتفاف في الثياب بضم وتشمير، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
كأن أبانا في أفانين ودقة ** كبير أناس في بجاد مزمل

أي ملفوف، وخفض مزمل في هذا البيت هو على الجوار، وإنما هو نعت لكبير، فهو عليه السلام على قول هؤلاء، إنما دعي بهيئة في لباسه. وقال قتادة، كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد فنودي على معنى يا أيها المستعد للعبادة المتزمل لها، وهذا القول مدح له صلى الله عليه وسلم. وقال عكرمة معناه: {يا أيها المزمل} للنبوءة وأعبائها، أي المتشمر المجدّ. وقال جمهور المفسرين والزهري بما في البخاري من أنه عليه السلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال: زملوني زملوني: فنزلت {يا أيها المدثر} [المدثر: 1]، وعلى هذا نزلت {يا أيها المزمل}. وفي مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب {يا أيها المتزمل}. وقرأ بعض السلف {يا أيها المزَمَّل} بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها، والمعنى الذي زمله أهله أو زمل للنبوءة. وقرأ عكرمة {يا أيها المزمِّل} بكسر الميم المشددة وتخفيف الزاي أي المزمل نفسه، واختلف الناس في هذا الأمر بقيام الليل كيف كان؟ فقال جمهور أهل العلم: هو أمر على جهة الندب مذ كان لم يفرض قط، ويؤيد هذا: الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة في رمضان خلف حصير احتجره فصلى وصلى بصلاته ناس ثم كثروا من الليلة القابلة ثم غص المسجد بهم في الثالثة أو الرابعة فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصبوا بابه فخرج مغضباً وقال: «إني إنما تركت الخروج لأني خفت أن يفرض عليكم». وقيل إنه لم يكلمهم إلا بعد الصبح. وقال آخرون: كان فرضاً في وقت نزول هذه الآية. واختلف هؤلاء فقال بعضهم: كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وبقي كذلك حتى توفي عليه السلام، وقيل: بل نسخ عنه ولم يمت إلا والقيام تطوع، وقال بعضهم: كان فرضاً على الجميع ودام الأمر على ما قال سعيد بن جبير عشر سنين، وقالت عائشة وابن عباس دام عاماً، وروي عنها أيضاً ثمانية أشهر ثم رحمهم الله تعالى. فنزلت: {إن ربك يعلم أنك تقوم} [المزمل: 20] فخفف عنهم. وقال قتادة بقي عاماً أو عامين. وقرأ أبو السمال {قمُ الليل} بضم الميم لاجتماع الساكنين، والكسر في كلام العرب أكثر كما قرأ الناس، وقوله تعالى: {نصفه} يحتمل أن يكون بدلاً من قوله: {قليلاً}، وكيف ما تقلب المعنى، فإنه أمر بقيام نصف الليل أو أكثر شيء أو أقل شيء، فالأكثر عند العلماء لا يزيد على الثلثين، والأقل لا ينحط عن الثلث ويقوي هذا حديث ابن عباس في بيت ميمونة قال: فلما انتصف الليل أو قبله بقليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزم على هذا الذي ذكرناه أن يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل، وقد يحتمل عندي قوله: {إلا قليلاً}، أن يكون استثناء من القيام، فيجعل الليل اسم جنس، ثم قال: {إلا قليلاً}، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البين.
وهذا النظر يحسن مع القول مع الندب جداً. وقد تكلم الجرجاني رحمه الله في نظمه في هذه الآية بتطويل وتدقيق غير مفيد أكثره غير صحيح. وقرأ الجمهور: {أوُ انقص} بضم الواو، وقرأ الحسن وعاصم وحمزة بكسر الواو، وقرأ عيسى بالوجهين، والضمير في {منه} و{عليه} عائدان على النصف، وقوله تعالى: {ورتل القرآن} معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين. والمقصد أن يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني، وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة. قال ابن كيسان: المراد تفهمه تالياً له ومنه الثغر الرتل الذي بينه فسخ وفتوح. وروي أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بينة مترسلة لو شاء أحد أن يعد الحروف لعدها. والقول الثقيل: هو القرآن. واختلف الناس لم سماه {ثقيلاً}، فقالت جماعة من المفسرين: لما كان يحل في رسول الله من ثقل الجسم حتى أنه كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته بركت به، وحتى كادت فخذه أن ترض فخذ زيد بن ثابت رحمه الله. وقال أبو العالية والقرطبي: بل سماه {ثقيلاً} لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده ونحو ذلك. وقال حذاق العلماء: معناه ثقيل المعاني من الأمر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الأعمال الصالحة دائمة، قال الحسن: إن الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل. وقوله تعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً}، قال ابن جبير وابن زيد هي لفظة حبشية نشأ الرجل إذا قام من الليل، ف {ناشئة} على هذا، جمع ناشئ، أي قائم، و{أشد وطئاً} معناه ثبوتاً واستقلالاً بالقيام، {وأقوم قيلاً}، أي بخلو أفكارهم وإقبالهم على ما يقرأونه.
وقال ابن عمر وأنس بن مالك وعلي بن الحسين: {ناشئة الليل} ما بين المغرب والعشاء، وقالت عائشة ومجاهد: القيام بعد النوم، ومن قام أول الليل قبل النوم فلم يقم ناشئة، وقال ابن جبير وابن زيد وجماعة: {ناشئة الليل} ساعاته كلها لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء. وقال أبو مجلز وابن عباس وابن الزبير والحسن: ما كان بعد العشاء فهو {ناشئة}، وما كان قبلها فليس ب {ناشئة}، قال ابن عباس: كانت صلاتهم أول الليل فهي {أشد وطئاً} أي أجدر أن يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لأن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ؟ وقال الكسائي: {ناشئة الليل} أوله، وقال ابن عباس وابن الزبير: الليل كله {ناشئة} و{أشد وطئاً}، على هذا يحتمل أن يكون أشد ثبوتاً فيكون نسب الثبوت إليها من حيث هو القائم فيها.
ويحتمل أن يريد أنها صعبة القيام لمنعها النوم كما قال اللهم اشدد وطأتك على مضر فذكرها تعالى بالصعوبة ليعلم عظم الأجر فيها كما وعد على الوضوء على المكاره والمشي في الظلام إلى المساجد ونحوه. وقرأ الجمهور: {وَطْئاً} بفتح الواو وسكون الطاء، وقرأ أبو عمرو ومجاهد وابن الزبير وابن عباس: {وطاء} على وزن فعال، والمعنى موافقة لأنه يخلو البال من أشغال النهار وأشغابه، فيوافق قلب المرء لسانه، وفكره عبارته فهذه مواطأة صحيحة، وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره، وقرأ قتادة في رواية حسين: {وِطاء} بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة، وقرأ أنس {وأصوب قيلاً}، فقيل له إنما هو {أقوم}، فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد. وقوله تعالى: {إن لك في النهار سبحاً طويلاً} أي تصرفاً وتردداً في أمورك كما يتردد السابح في الماء. ومنه سمي الفرس سابحاً لتثنيه واضطرابه، وقال قوم من أهل العلم إنما معنى الآية التنبيه على أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر فليخلف بالنهار فإن فيه {سبحاً طويلاً}، وقرأ يحيى بن يعمر وعكرمة: {سبخاً طويلاً} بالخاء منقوطة، ومعناه خفة لك من التكاليف، والتسبيخ التخفيف، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تسبخي عنه» لعائشة في السارق الذي سرقها، فكانت تدعو عليه، معناه لا تخففي عنه. قال أبو حاتم: فسر يحيى السبح بالنوم.
وقال سهل: {واذكر اسم ربك} يراد اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك، {وتبتل} معناه: انقطع من كل شيء إلا منه وأفرغ إليه. قال زيد بن أسلم: التبتل رفض الدنيا ومنه تبتل الحبل، وقولهم في الهبات ونحوها بتلة، ومنه البتول، و{تبتيلاً} مصدر على غير المصدر، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: {ربِّ المشرق} بالخفض على البدل من {ربك}، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {ربُّ} على القطع أي هو رب أو على الابتداء والخبر {لا إله إلا هو}. وقرأ ابن عباس وأصحاب عبد الله: {رب المشارق والمغارب} بالجمع. والوكيل: القائم بالأمر الذي يوكل إليه الأشياء، وقوله تعالى: {واصبر على ما يقولون} الآية، قيل هي موادعة منسوخة بآية السيف، والمراد بالآية قريش. وقال بعض العلماء: قوله: {واهجرهم هجراً جميلاً} منسوخ، وأما الصبر على ما يقولون فقد يتوجه أحياناً ويبقى حكمه، وفيما يتوجه من الهجر الجميل من المسلمين، قال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتقليهم. والقول الأول أظهر لأن الآية إنما هي في كفر قريش وردهم رسالته وإعلائهم بذلك لا يمكن أن يكون الحكم في هذه المعاني باقياً.