فصل: تفسير الآيات (104- 105):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (104- 105):

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}
قرأ الحسن والزهري وأبو عبد الرحمن وعيسى بن عمر وأبو حيوة: ولِتكن بكسر اللام على الأصل، إذ أصلها الكسر، وكذلك قرؤوا لام الأمر في جميع القرآن، قال الضحاك والطبري وغيرهما: أمر المؤمنون أن تكون منهم جماعة بهذه الصفة، فهم خاصة أصحاب الرسول، وهم خاصة الرواة.
قال القاضي: فعلى هذا القول من للتبعيض، وأمر الله الأمة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها ويحفظون قوانينها على الكمال، ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع، وقد علم تعالى أن الكل لا يكون عالماً، وذهب الزجّاج وغير واحد من المفسرين، إلى أن المعنى: ولتكونوا كلكم أمة يدعون، ومن لبيان الجنس قال: ومثله من كتاب الله، {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [الحج: 30] ومثله من الشعر قول القائل: [البسيط]
أَخُوا رَغَائِبَ يُعْطِيها وَيسْأَلُها ** يأبى الظُّلامةَ مِنْهُ النُّوفَل الزّفرُ

قال القاضي: وهذه الآية على هذا التأويل إنما هي عندي بمنزلة قولك: ليكن منك رجل صالح، ففيها المعنى الذي يسميه النحويون، التجريد، وانظر أن المعنى الذي هو ابتداء الغاية يدخلها، وكذلك يدخل قوله تعالى: {من الأوثان} ذاتها ولا تجده يدخل قول الشاعر: منه النوفل الزفر، ولا تجده يدخل في من التي هي صريح بيان الجنس، كقولك ثوب من خز، وخاتم من فضة، بل هذه يعارضها معنى التبعيض، ومعنى الآية على هذا التأويل: أمر الأمة بأن يكونوا يدعون جميع العالم إلى الخير، الكفار إلى الإسلام، والعصاة إلى الطاعة، ويكون كل واحد من هذه الأمور على منزلته من العلم والقدرة، قال أهل العلم: وفرض الله بهذه الآية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من فروض الكفاية إذا قام به قائم سقط عن الغير، وللزوم الأمر بالمعروف شروط، منها أن يكون بمعروف لا بتخرق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من كان آمراً بمعروف، فليكن أمره ذلك بمعروف، ومنها أن لا يخاف الآمر أذى يصيبه، فإن فعل مع ذلك فهو أعظم لأجره، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
قال القاضي: والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب، ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة، وحملهم على جادة العلم، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم، ولهم هي اليد، وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولاً، وهذا في المنكر الذي له دوام، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر، كالسلب والزنى ونحوه، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة، ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر، وإن ناله بعض الأذى، ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان بن عفان وابن مسعود وابن الزبير {يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويستعينون بالله على ما أصابهم}، فهذا وإن كان لم يثبت في المصحف، ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي، كما هي في قوله تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك} [لقمان: 17] وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105] معناه إذا لم يقبل منكم ولم تقدروا على تغيير منكره، وقال بعض العلماء: المعروف التوحيد، و{المنكر} الكفر، والآية نزلت في الجهاد.
قال الفقيه القاضي: ولا محالة أن التوحيد والكفر هما رأس الأمرين، ولكن ما نزل عن قدر التوحيد والكفر، يدخل في الآية ولا بد، {المفلحون} الظافرون ببغيتهم، وهذا وعد كريم.
ثم نهى لله تعالى هذه الأمة عن أن يكونوا كالمتفرقين من الأمم، واختلفت عبارة المفسرين في المشار إليهم، فقال ابن عباس: هي إشارة إلى كل من افترق في الأمم في الدين فأهلكهم الافتراق، وقال الحسن: هي إشارة إلى اليهود والنصارى، وقال الزجاج: يحتمل أن تكون الإشارة أيضاً إلى فرق اليهود وفرق النصارى، ومجيء {البينات} هو ببعث الرسل، وإنزال الكتب، وأسند الفعل دون علامة إلى {البينات}، من حيث نزلت منزلة البيان، ومن حيث لا حقيقة لتأنيثها، وباقي الآية وعيد، وقوله: {عذاب عظيم} يعني أنه أعظم من سواه، ويتفاضل هذان العرضان بأن أحدهما يتخلله فتور، وأما الجزء الفرد من هذا وذلك فسواء، هذا تحرير مذهب أصحابنا الأصوليين رحمهم الله.

.تفسير الآيات (106- 107):

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}
والعامل في قوله: {يوم} الفعل الذي تتعلق به اللام، وفي قوله: {ولهم عذاب عظيم} [آل عمران: 105] قال الزجاج: تقديره ويثبت لهم عذاب عظيم.
قال القاضي: وذلك ضعيف من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن عظم العذاب في ذلك اليوم، ولا يجوز أن يكون العامل قوله عذاب، لأنه مصدر قد وصف، وبياض الوجوه: عبارة عن إشراقها واستنارتها وبشرها برحمة الله، قال الزجّاج-وغيره-: ويحتمل عندي أن يكون ذلك من آثار الوضوء كما قال النبي عليه السلام، أنتم الغر المحجلون من آثار الوضوء، وأما سواد الوجوه، فقال المفسرون هي عبارة عن اربدادها وإظلامها بغمم العذاب، ويحتمل أن يكون ذلك تسويداً ينزله الله بهم على جهة التشويه والتمثيل بهم، على نحو حشرهم زرقاً وهذه أقبح طلعة، ومن ذلك قول بشار: [البسيط]
وَلِلْبَخِيلِ عَلى أَمْوالِهِ عِلَلٌ ** زُرْقٌ العُيونِ عَلَيْها أَوْجُةٌ سُودُ

وقرأ يحيى بن وثاب، {تِبيض وتِسود} بكسر التاء، وقرأ الزهري، {تبياض} وجوه، {وتسواد} وجوه بألف، وهي لغة، ولما كان صدر هذه الآية، إخباراً عن حال لا تخص أحداً معيناً، بدئ بذكر البياض لشرفه، وأنه الحالة المثلى، فلما فهم المعنى، وتعين له الكفار والمؤمنون، بدئ بذكر الذين اسودت وجوههم للاهتمام بالتحذير من حالهم، وقوله تعالى: {أكفرتم} تقرير وتوبيخ، متعلق بمحذوف، تقديره: فيقال لهم: أكفرتم؟ وفي هذا المحذوف هو جواب {أما}، وهذا هو فحوى الخطاب، وهو أن كون في الكلام شيء مقدر لا يستغني المعنى عنه، كقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة} [البقرة: 184] المعنى فأفطر فعدة وقوله تعالى: {بعد إيمانكم} يقتضي أن لهؤلاء الموقنين إيماناً متقدماً، فاختلف أهل التأويل في تعيينهم، فقال أبي بن كعب: الموقفون جميع الكفار، والإيمان الذي قيل لهم بسببه {بعد إيمانكم} هو الإيمان الذي أقروا به يوم قيل لهم- ألست بربكم؟ قالوا بلى- وقال أكثر المتأولين: إنما عني بالتوقيف في هذه الآية أهل القبلة من هذه الأمة، ثم اختلفوا، فقال الحسن: الآية في المنافقين، يؤمنون بألسنتهم ويكفرون بقلوبهم، فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم}؟ أي ذلك الإيمان بألسنتهم، وقال السدي: هي فيمن كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا، وقال أبو أمامة: الآية في الخوارج وقال قتادة: الآية في أهل الردة، ومنه الحديث: ليردن عليَّ الحوض رجال من أصحابي حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: فسحقاً فسحقاً، وفي بعض طرقه: فأناديهم: ألا هلم، ألا هلم، وذكر النحاس قولاً: إن الآية في اليهود، وذلك أنهم آمنوا بصفة محمد واستفتحوا به، فلما جاءهم من غيرهم كفروا، فهذا كفر بعد إيمان، وروي عن مالك أنه قال: الآية في أهل الأهواء.
قال القاضي: إن كان هذا ففي المجلحين منهم القائلين ما هو كفر، وروي حديث: أن الآية في القدرية وقال أبو أمامة: سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها في الحرورية، وقد تقدم عنه أنها في الخوارج وهو قول واحد، وما في قوله: {بما كنتم} مصدرية وقوله تعالى: {ففي رحمة الله} أي في النعيم الذي هو موجب رحمة الله وقوله بعد ذلك {هم فيها} تأكيد بجملتين، إذ كان الكلام يقوم دونها.

.تفسير الآيات (108- 110):

{تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}
الإشارة بتلك إلى هذه الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار وتنعيم المؤمنين، ولما كان فيها ذكر التعذيب، أخبر تعالى: أنه لا يريد أن يقع منه ظلم لأحد من العباد، وإذا لم يرد ذلك فلا يوجد البتة، لأنه لا يقع من شيء إلا ما يريد تعالى، وقوله تعالى: {بالحق} معناه: الإخبار الحق، ويحتمل أن يكون المعنى: {نتلوها عليك} مضمنة الأفاعيل التي هي {حق} في أنفسها، من كرامة قوم، وتعذيب آخرين، وقرأ أبو نهيك: {يتلوها} بالياء، وجاء الإعلام بأنه تعالى لا يريد ظلماً في حكمه، فإذا لا يوجد.
ولما كان للذهن أن يقف هنا في الوجه الذي به خص الله قواماً بعمل يرحمهم من أجله، وآخرين بعمل يعذبهم عليه، ذكر تعالى الحجة القاطعة في ملكه جميع المخلوقات، وأن {الحق} لا يعترض عليه، وذلك في قوله، {ولله ما في السموات وما في الأرض} الآية، وقال: {ما} ولم يقل {من} من حيث هي جمل وأجناس، وذكر الطبري: أن بعض البصريين نظر قوله تعالى: {وإلى الله} فأظهر الاسم، ولم يقل إليه بقول الشاعر:
لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيءٌ ** نَغَّصَ الموتُ ذا الغنى والْفَقيرا

وما جرى مجراه، وقاله الزجّاج، وحكي أن العرب تفعل ذلك إرادة تفخيم الكلام والتنبيه على عظم المعنى.
قال القاضي أبو محمد: والآية تشبه البيت في قصد فخامة النظم، وتفارقه من حيث الآية جملتان مفترقتان في المعنى، فلو تكررت جمل كثيرة على هذا الحد لحسن فيها كلها إظهار الاسم، وليس التعرض بالضمير في ذلك بعرف، وأما البيت وما أشبهه فالضمير فيه هو العرف، إذ الكلام في معنى واحد، ولا يجوز إظهار الاسم إلا في المعاني الفخمة في النفوس من التي يؤمن فيها اللبس على السامع، وقرأ بعض السبعة، {تَرجع الأمور} بفتح التاء على بناء الفعل للفاعل، وقد تقدم ذكر ذلك.
واختلف المتأولون في معنى قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} فقال عمر بن الخطاب: هذه لأولنا، ولا تكون لآخرنا وقال عكرمة: نزلت في ابن مسعود وسالم ومولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.
قال القاضي أبو محمد: يريد من شاكلهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
قال القاضي: فهذا كله قول واحد، مقتضاه أن الآية نزلت في الصحابة، قيل لهم {كنتم خير أمة}، فالإشارة بقوله: {أمة} إلى أمة محمد معينة، فإن هؤلاء هم خيرها، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم: معنى الآية، خطاب الأمة بأنهم {خير أمة أخرجت للناس}، فلفظ {أمة}، على هذا التأويل اسم جنس كأنه قيل لهم كنتم خير الأمم، ويؤيد هذا التأويل كونهم شهداء على الناس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«نحن الآخرون السابقون» الحديث. وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وهو مسند ظهره إلى الكعبة، «نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرها» قال مجاهد: معنى الآية {كنتم خير الناس}- وقال الحسن: نحن آخرها وأكرمها على الله تعالى، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: معنى الآية كنتم للناس خير الناس.
قال القاضي أبو محمد: {فأمة} على هذا التأويل، اسم جنس، قال أبو هريرة: يجيئون بالكفار في السلاسل فيدخلونهم في الإسلام.
قال القاضي: ولم يبعث نبي إلى الأمم كافة إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وأمته يدعون إلى الإيمان ويقاتلون العالم عليه، فهم خير الناس للناس، وليس يلزم على هذا التأويل أنها أفضل الأمم من نفس لفظ الآية، لكن يعلم هذا من لفظ آخر، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم: أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، فليس يقتضي هذا اللفظ أن أبا بكر أرأف الناس على الإطلاق، في مؤمن وكافر.
قال القاضي: والرأفة على الإطلاق ليست بجارية مع الشرع كما يجب، وأما قوله، {كنتم} على صيغة المضي، فإنها التي بمعنى الدوام، كما قال: {وكان الله غفوراً رحيماً} [النساء: 96- 99- 100- 152- الفرقان: 70، الأحزاب: 5- 50- 59- 73، الفتح: 14]، إلى غير هذا من الأمثلة، وقال قوم: المعنى كنتم في علم الله، وقيل: في اللوح المحفوظ، وقيل فيما أخبر به الأمم قديماً عنكم و{خير} على هذه الأقوال كلها خبر كان، ويحتمل أن تكون كان التامة، ويكون {خير أمة} نصباً على الحال، وهذا يتجه على بعض التأويلات التي ذكرناها دون بعض.
قال القاضي: وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، وقوله: {تأمرون بالمعروف} وما بعده، أحوال في موضع نصب، ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب على جهة التوبيخ المقرون بالنصح، أنهم لو آمنوا لنحّوا أنفسهم من عذاب الله، وجاءت لفظة {خير} في هذه الآية وهي صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كفرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك لما في لفظة {خير} من الشياع وتشعب الوجوه، وكذلك هي لفظة أفضل وأحب وما جرى مجراها، وقد بيّن هذا المعنى في غير هذا الموضع بأوعب من هذا، وقوله تعالى: {منهم المؤمنون} تنبيه على حال عبد الله بن سلام وأخيه وثعلبه بن سعية وغيرهم ممن آمن، ثم حكم الله على أكثرهم بالفسق في كفره لأنهم حرفوا وبدلوا وعاندوا بعد معرفتهم بحقيقة أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فهم كفار فسقة في الكفر قد جمعوا المذمتين.