فصل: تفسير الآيات (11- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (11- 12):

{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}
وقوله تعالى: {يوصيكم} يتضمن الفرض والوجوب، كما تتضمنه لفظة أمر- كيف تصرفت، وأما صيغة الأمر من غير اللفظة ففيها الخلاف الذي سيأتي موضعه إن شاء الله، ونحو هذه الآية قوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلك وصاكم به} [الأنعام: 151] وقيل: نزلت هذه الآية بسبب بنات سعد بن الربيع وقال السدي: نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت، وقيل: بسبب جابر بن عبد الله، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، قال جابر بن عبد الله، وذكر أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقى الحروب وقاتل العدو، فنزلت الآيات تبييناً أن لكل أنثى وصغير حظه، وروي عن ابن عباس: أن نزول ذلك كان من أجل أن المال كان للولد، والوصية للوالدين، فنسخ ذلك بهذه الآيات، و{مثل} مرتفع بالابتداء أو بالصفة، تقديره حظ مثل حظ، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة {في أولادكم أن للذكر} وقوله تعالى: {فإن كن نساء} الآية الأولاد لفظ يجمع الذكران والإناث، فلما أراد بهذه الآية أن يخص الإناث بذكر حكمهن أنث الفعل للمعنى، ولو اتبع لفظ الأولاد لقال كانوا، واسم- كان- مضمر، وقال بعض نحويي البصرة: تقديره وإن كن المتروكات {نساء} وقوله: {فوق اثنتين} معناه: {اثنتين} فما فوقهما، تقتضي ذلك قوة الكلام، وأما الوقوف مع اللفظ فيسقط معه النص على الاثنتين، ويثبت الثلثان لهما بالإجماع الذي مرت عليه الأمصار والأعصار، ولم يحفظ فيه خلاف، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس: أنه يرى لهما النصف. ويثبت أيضاً ذلك لهما بالقياس على الأختين المنصوص عليهما، ويثبت لهما بالحديث الذي ذكره الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للابنتين بالثلثين، ومن قال: {فوق} زائدة واحتج بقوله تعالى: {فوق الأعناق} [الأنفال: 12] هو الفصيح، وليست {فوق} زائدة بل هي محكمة المعنى لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، كما قال دريد بن الصمة اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال: وقد احتج لأخذهما الثلثين بغير هذا، وكله معارض، قال إسماعيل القاضي: إذا كانت البنت تأخذ مع أخيها الثلث إذا انفرد، فأحرى أن تأخذ ذلك مع أختها قال غيره: وكما كان حكم الاثنين فما فوقهما من الإخوة للأم واحداً، فكذلك البنات، وقال النحاس: لغة أهل الحجاز وبني أسد، الثلث والربع إلى العشر، وقد قرأ الحسن ذلك كله بإسكان الأوسط، وقرأه الأعرج، ومذهب الزجاج: أنها لغة واحدة، وأن سكون العين تخفيف، وإذا أخذ بنات الصلب الثلثين، فلا شيء بعد ذلك لبنات الابن، إلا أن يكون معهن أخ لهن، أو ابن أخ، فيرد عليهن، وعبد الله بن مسعود لا يرى لهن شيئاً، وإن كان الأخ أو ابن الأخ، ويرى المال كله للذكر وحده دونهن.
قوله تعالى: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلَّ وَاحِدٍ مَّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأٌمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْدَيْنٍ}
قرا السبعة سوى نافع {واحدةً} بالنصب على خبر كان، وقرأ نافع واحدة بالرفع على أن كان بمعنى وقع وحصر، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {النُّصف} بضم النون، وكذلك قرأه علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت في جميع القرآن، وقوله: {ولد} يريد ذكراً أو أنثى، واحداً أو جماعة للصلب أو ولد ولد ذكر، فإن ذلك كيف وقع يجعل فرض الأب السدس، وإن أخذ النصف في ميراثه فإنما يأخذه بالتعصيب، وقوله تعالى: {فإن لم يكن له ولد} الآية، المعنى: فإن لم يكن له ولد، ولا ولد ولد ذكر، ذكراً كان أو أثنى، وقوله: {ووراثه أبواه} تقتضي قوة الكلام أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره، فعلى هذا يكون قوله: {وورثه} حكماً لهما بالمال فإذا ذكر وحدّ بعد ذلك نصيب أحدهما أخذ النصيب الآخر، كما تقول لرجلين: هذا المال بينكما، ثم تقول لأحدهما، أنت يا فلان لك منه الثلث، فقد حددت للآخر منه الثلثين، بنص كلامك، وعلى أن فريضتهما خلت من الولد وغيره يجيء قول أكثر الناس: إن للأم مع الانفراد الثلث من المال كله، فإن كان معهما زوج كان {للأم السدس} وهو الثلث بالإضافة إلى الأب، وعلى أن الفريضة خلت من الولد فقط يجيء قول شريح وابن عباس: إن الفريضة إذا خلت من الولد أخذت {الأم الثلث} من المال كله مع الزوج، وكان ما بقي للأب ويجيء على هذا، قوله: {وورثه أبواه}. منفردين أو مع غيرهم. وقرأ حمزة والكسائي {فلإمه} بكسر الهمزة، وهي لغة حكاها سيبويه، وكذلك كسر الهمزة من قوله: {في بطون أمهاتكم} [النجم: 32] وفي {أمها} [القصص: 59] وفي {أم الكتاب} [آل عمران: 7، الرعد: 39، الزخرف: 4] وهذا كله إذا وصلا إتباعاً للكسرة أو الياء التي قبل الهمزة، وقرأ الباقون كل هذا بضم الهمزة، وكسر همزة الميم من {امهاتكم} إتباعاً لكسر الهمزة، ومتى لم يكن وصل وياء أو كسرة فالضم باتفاق، وقوله تعالى: {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} الإخوة يحطون الأم إلى السدس ولا يأخذونه، أشقاء كانوا أو للأب أو للأم، وقال من لا يعد قوله إلا في الشذوذ: إنهم يحطون ويأخذون ما يحطون لأنفسهم مع الأب، روي عن ابن عباس، وروي عنه خلافة مثل قول {السدس} الذي يحجبون {الأم} عنه، قال قتادة: وإنما أخذه الأب دونهم، لأنه يمونهم، ويلي نكاحهم، والنفقة عليهم، هذا في الأغلب، ومجمعون على أن أخوين فصاعداً يحجبون الأم عنه، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس، أن الأخوين، في حكم الواحد، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة.
واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتصي أنها جمع، وذكر المفسرون أن العرب قد تأتي بلفظ الجمع وهي تريد التثنية، كما قال تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] وكقوله في آية الخصم {إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا} [ص: 21، 22] وكقوله: {وأطراف النهار} [طه: 130] واحتجوا بهذا كله في أن الإخوة يدخل تحته الأخوان.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية، لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان، فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك، إذ معك في الأولى- يحكمان- وفي الثانية- إن هذا أخي، وأيضاً فالحكم قد يضاف إلى الحاكم والخصوم، وقد يتسور مع الخصم وغيرهما فهم جماعة، وأما {النهار} في الآية الثالثة فالألف واللام فيه للجنس فإنما أراد طرفي كل يوم وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد فإنما يحمل على الجمع، ولا يحمل على التثنية، لأن اللفظ مالك للمعنى وللبنية حق، وذكر بعض من احتج لقول عبد الله بن عباس: أن بناء التثنية يدل على الجنس والعدد، كبناء الإفراد وبناء الجمع يدل على الجنس ولا يدل على العدد فلا يصح أن يدخل هذا على هذا، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي- {يوصي}- بإسناد الفعل إلى الموروث، إذ قد تقدم له ذكر، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر، {يوصَى} بفتح الصاد ببنيه الفعل للمفعول الذي لم يسَّم فاعله، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {يوصَّى} بفتح الصاد وتشديدها، وكل هذا في الموضعين، وقرأ حفص عن عاصم في الأولى بالفتح، وفي الثانية بالكسر، وهذه الآية إنما قصد بها تقديم هذين الفعلين على الميراث، ولم يقصد بها ترتيبهما في أنفسهما، ولذلك تقدمت الوصية في اللفظ، والدين مقدم على الوصية بإجماع، والذي أقول في هذا: إنه قدم الوصية إذ هي أقل لزوماً من الدين، اهتماماً بها وندباً إليها كما قال تعالى: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [الكهف: 49] وأيضاً قدمها من جهة أنها مضمنها الوصية التي هي كاللازم يكون لكل ميت، إذ قد حض الشرع عليها، وأخر الدين لشذوذه، وأنه قد يكون ولا يكون، فبدأ بذكر الذي لابد منه، ثم عطف بالذي قد يقع أحياناً، ويقوي هذا كون العطف ب {أو}، ولو كان الدين راتباً لكان العطف بالواو، وقدمت الوصية أيضاً إذ هي حظ مساكين وضعاف وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة، وهو صاحب حق له فيه، كما قال عليه السلام إن لصاحب الحق مقالاً وأجمع العلماء على أن ليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث، واستحب كثير منهم أن لا يبلغ الثلث، وأن يغض الناس إلى الربع.
{آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ}
{آباؤكم وأبناؤكم} رفع الابتداء، والخبر مضمر تقديره: هم المقسوم عليهم، وهم المعطون، وهذا عرض للحكمة في ذلك، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة، و{لا تدرون} عامل في الجملة بالمعنى ومعلق عن العمل في اللفظ بحسب المعمول فيه، إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، و{نفعاً}، قال مجاهد والسدي وابن سيرين: معناه في الدنيا، أي إذا اضطر إلى نفاقهم للحاجة نحا إليه الزجاج، وقد ينفقون دون اضطرار، وقال ابن عباس والحسن، في الآخرة، أي بشفاعة الفاضل للمفضول، وقال ابن زيد: فيهما، واللفظ يقتضي ذلك، و{فريضة} نصب على المصدر المؤكد، إذ معنى {يوصيكم} يفرض عليكم، وقال مكي وغيره: هي حال مؤكدة، وذلك ضعيف، والعامل {يوصيكم}، و{كان} هي الناقصة، قال سيبويه لما رأوا علماً وحكمة قيل لهم: إن الله لم يزل هكذا وصيغة- كان- لا تعطي إلا المضي، ومن المعنى بعد يعلم أن الله تعالى كان كذلك، وهو ويكون، لا من لفظ الآية، وقال قوم: {كان} بمعنى وجد ووقع، و{عليماً} حال، وفي هذا ضعف، ومن قال: {كان} زائدة فقوله خطأ.
وقوله تعالى: {ولكن نصف ما ترك أزواجكم} الآية. الخطاب للرجال والولد هاهنا بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سفلوا، ذكراناً وإناثاً، واحداً فما زاد هذا بإجماع من العلماء.
قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مَمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنِ وَإن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ في الثُّلُثِ}
والولد في هذه الآية كما تقدم في الآية التي قبلها، والثمن للزوجة أو للزوجات هن فيه مشتركات بإجماع، ويلحق العول فرض الزوج والزوجة، كما يلحق سائر الفرائض المسماة، إلا عند ابن عباس، فإنه قال: يعطيان فرضهما بغير عول، والكلالة: مأخوذة من تكلل النسب: أي أحاط، لأن الرجل إذا لم يترك والداً ولا ولداً فقد انقطع طرفاه، وبقي أن يرثه من يتكلله نسبه، أي يحيط به من نواحيه كالإكليل، وكالنبات إذا أحاط بالشيء، ومنه: روض مكلل بالزهر، والإكليل منزل القمر يحيط به فيه كواكب، ومن الكلالة قول الشاعر: [المتقارب]
فإنّ أبا الْمَرْءِ أحمَصُ له ** ومولى الكَلاَلَةِ لا يَغْضَبُ

فالأب والابن هما عمودا النسب، وسائر القرابة يكللون، وقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وسليم بن عبيد وقتادة والحكم وابن زيد والزهري وأبو إسحاق السبيعي: {الكلالة} خلو الميت عن الولد اوالوالد، وهذا هو الصحيح، وقالت طائفة: هي خلو الميت من الولد فقط، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعن عمر، ثم رجعا عنه، وروي عن ابن عباس، وذلك مستقراً من قوله في الإخوة مع الوالدين: إنهم يحيطون الأم ويأخذون ما يحطونها.
قال القاضي أبو محمد: هكذا حكى الطبري. ويلزم على قول ابن عباس إذ ورثهم بأن الفريضة {كلالة} أن يعطيهم الثلث بالنص، وقالت طائفة منهم الحكم بن عتيبة: {الكلالة} الخلو من الوالد، وهذان القولان ضعيفان، لأن من بقي والده أو ولده، فهو موروث بجزم نسب لا بتكلل، وأجمعت الآن الأمة على أن الإخوة لا يرثون مع ابن ولا مع أب، وعلى هذا مضت الأمصار والأعصار، وقرأ جمهور الناس- {يورَث} بفتح الراء، وقرأ الأعمش وأبو رجاء- {يورِّث}- بكسر الراء وتشديدها، قال أبو الفتح بن جني: قرأ الحسن {يورث} من أورث، وعيسى {يورّث} بشد الراء من ورث، والمفعولان على كلتا القراءتين محذوفان، التقدير: يورث وارثة كلالة، ونصب {كلالة} على الحال، واختلوا في {الكلالة} فيما وقعت عليه في هذه الآية، فقال عمر وابن عباس: {الكلالة} الميت الموروث إذا لم يكن له أب، ونصبها على خبر كان، وقال ابن زيد: {الكلالة} الوارثة بجملتها، الميت والأحياء كلهم {كلالة}، ونصبها على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره وراثة {كلالة}، ويصح على هذا أن تكون {كان} تامة بمعنى وقع، ويصح أن تكون ناقصة وخبرها {يورث} وقال عطاء: {الكلالة} المال، ونصب على المفعول الثاني.
قال القاضي أبو محمد: والاشتقاق في معنى لكلالة يفسد تسمية المال بها، وقالت طائفة: الكلالة الورثةَ، وهذا يستقيم على قراءة {يورِث} بكسر الراء، فينصب {كلالة} على المفعول، واحتج هؤلاء بحديث جابر بن عبد الله، إذ عاده رسول الله صلى الله عيله وسلم، فقال: يا رسول الله، إنما يرثني {كلالة} أفأوصي بمالي كله؟ وحكى بعضهم: أن تكون {الكلالة} الورثة، ونصبها على خبر {كان}، وذلك بحذف مضاف، تقديره ذا كلالة، ويستقيم سائر التأويلات على كسر الراء، وقوله: {أو امرأة} عطف على الرجل، وقوله تعالى: {وله أخ أو أخت} الآية، الضمير في له عائد على الرجل، واكتفى بإعادته عليه دون المرأة، إذ المعنى فيهما واحد، والحكم قد ضبطه العطف الأول، وأصل {أخت}: أخوة، كما أصل بنت: بنية، فضم أول أخت إذ المحذوف منها واو، وكسر أول بنت إذ المحذوف ياء، وهذا الحذف والتعليل على غير قياس، وأجمع العلماء على أن الإخوة في هذه الآية الإخوة لأم، لأن حكمهم منصوص في هذه الآية على صفة، وحكم سائر الإخوة مخالف له، وهو الذي في كلالة آخر السورة، وقرأ سعد بن أبي وقاص {وله أخ أو أخت لأمه} والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء، وشركتهم في الثلث متساوية وإن كثروا، هذا إجماع، فإن ماتت امرأة وتركت زوجاً وأماً وإخوة أشقاء، فللزوج النصف، وللأم السدس وما بقي فللإخوة، فإن كانوا لأم فقط، فلهم الثلث، فإن تركت الميتة زوجاً وأماً وإخوين لأم وإخوة لأب وأم، فهذه الحمارية، قال قوم: فيها للإخوة للأم الثلث، ولا شيء لللإخوة الإشقاء، كما لو مات رجل وخلف أخوين لأم، وخلف مائة أخ لأب وأم، فإنه يعطى الأخوان الثلث، والمائة الثلثين، فيفضلون بالثلث عليهم، وقال قوم: الأم واحدة وهب أباهم كان حماراً، وأشركوا بينهم في الثلث وسموها أيضاً المشتركة.
قال القاضي ابو محمد: ولا تستقيم هذه المسألة أن لو كان الميت رجلاً، لأنه يبقى للأشقاء، ومتى بقي لهم شيء فليس لهم إلا ما بقي، والثلث للإخوة للأم.
{غير مضار} نصب على الحال، والعامل {يوصى} و{وصية} نصب على المصدر في موضع الحال، والعامل {يوصيكم} وقيل: هو نصب على الخروج من قوله: {فلكل واحد منهما السدس} أو من قوله: {فلهم شركاء في الثلث} ويصح أن يعمل {مضار} وفي {وصية}، والمعنى: أن يقع الضرر بها، وبسببها، فأوقع عليها تجوزاً، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {غير مضار وصية} بالإضافة، كما تقول: شجاع حرب، ومدره حرب، وبضة المتجرد، في قوله طرفة بن العبد، والمعنى على ما ذكرناه من التجوز في اللفظ لصحة المعنى، وقال ابن عباس: الضرار في الوصية من الكبائر، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ضارَّ في وصية ألقاه الله تعالى في وادٍ في جهنم.
قال القاضي أبو محمد: ووجوه المضارَّة كثيرة لا تنحصر، وكلها ممنوعة: يقر بحق ليس عليه، ويوصي بأكثر من ثلثه، أو لوارثه، أو بالثلث فراراً عن وارث محتاج، وغير ذلك، ومشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي لا يعد فعله مضارَّة ما دام في الثلث، فإن ضارّ الورثة في ثلثه مضى ذلك، وفي المذهب قوله: إن المضارة ترد وإن كانت في الثلث، إذا علمت بإقرار أو قرينة ويؤيد هذا قوله تعالى: {فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم} [البقرة: 182]