فصل: كتاب القسمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ الْقِسْمَةِ

1249 - مسألة‏:‏

الْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ إذَا أَمْكَنَ، وَعَلَى حَسْبِ مَا يُمْكِنُ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ فَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ، وَلاَ أَمْلِكُ يَعْنِي الْقَلْبَ‏.‏ فَهَذَانِ نَصَّانِ عُمُومٌ لِكُلِّ قِسْمَةٍ، وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُمَا فِي مِيرَاثٍ أَوْ بَيْنَ النِّسَاءِ بِرَأْيِهِ، وَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ‏:‏ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ فِي وُجُوبِ الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَ ذُو الْحَقِّ حَقَّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1250 - مسألة‏:‏

وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَيْهَا، وَيُوَكِّلُ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْغَائِبُ مَنْ يَعْزِلُ لَهُ حَقَّهُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذُ ذَلِكَ وَيَقْضِيَ بِهِ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ حَقَّهُ، وَأَمَّا التَّقْدِيمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}‏ وَهَذَا مِنْ الْقِسْطِ‏.‏

1251- مسألة‏:‏

وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ آخِذٍ حَظَّهُ مِنْ الْمَقْسُومِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مِنْ حَضَرَ الْقِسْمَةَ مِنْ ذَوِي قُرْبَى أَوْ مِسْكَيْنِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَيُعْطِيَهُ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْغَائِبِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏‏.‏ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ ثَابِتٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا وَإِلَّا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ لاَ يَلْزَمُ إنْفَاذُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِخُصُوصٍ ادَّعَاهُ، أَوْ نَسْخٍ زَعَمَهُ، أَوْ لِنَدْبٍ أَطْلَقَهُ بِظَنِّهِ قَوْلٌ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ فَاسِدٌ فَاحِشٌ، إِلاَّ أَنْ يُخْبِرَنَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمْعًا وَطَاعَةً، لأََنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَحْكَامَهُ، وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَلاَ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، قَالاَ جَمِيعًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ‏.‏

وبه إلى هُشَيْمٍ عَنْ عَوْفٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَرْضَخُونَ لَهُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ، وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّحْوِيِّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قَالَ‏:‏ هِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ‏:‏ هِيَ مُحْكَمَةٌ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، فإن قيل‏:‏ قَدْ رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ إنَّهَا نَدْبٌ قلنا‏:‏ أَمَّا الأَحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاكِ فَقَوْلٌ يُسْتَغْنَى عَنْ تُكَلِّفْ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُمَا‏:‏ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَا قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّجَوِيِّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قَالَ‏:‏ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ حَكَمَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي مِيرَاثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِعِلْمِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تُنْكِرْ ذَلِكَ‏.‏ وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْتِي إلَى مَا قَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏ فَلاَ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدْ صَحَّ بُرْهَانُهُ بِإِنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ وَكُلُّ مَا خَالَفَ دِينَ الإِسْلاَمِ فَهُوَ حُكْمُ جَاهِلِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُفْتَرًى مِنْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَسَخَهُ بِغَيْرِهِ، كَالصَّلاَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَبُّصِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَوْلاً، وَالْتِزَامِ السَّبْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتِي فَيَحْتَجُّ بِقَوْلٍ جَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلاَفُهُ، وَهَذَا هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالتَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏;‏ وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخْتَلَفِ عَنْهُ فِيهِ هَاهُنَا حُجَّةً فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ قَوْلُهُ هُنَالِكَ حُجَّةً فَلَيْسَ هَاهُنَا حُجَّةً‏.‏ ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ‏:‏ هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَوْلٌ لاَ يَحِلُّ اتِّبَاعُهُ لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَنَهْيٌ عَنْ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ عليه السلام بِلاَ بُرْهَانٍ أَوْ إبَاحَةٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا كَذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ إِلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1252 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ، وَلاَ عَلَى تَقَاوُمِهِمَا الشَّيْءَ الَّذِي هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ أَصْلاً كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الْحَيَوَانِ، لَكِنْ يُجْبَرَانِ عَلَى الْقِسْمَةِ إنْ دَعَا إلَيْهَا أَحَدُهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمْ، أَوْ تُقْسَمُ الْمَنَافِعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ لاَ تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ وَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنْ شِئْت فَبِعْ حِصَّتَك وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ، وَكَذَلِكَ شَرِيكُك إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ بِلاَ شَيْءٍ مِنْ النَّفْعِ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ لِوَاحِدٍ كَانَ أَوْ لِشَرِيكَيْنِ فَصَاعِدًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَكَا لِتِجَارَةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ هَاهُنَا خَاصَّةً مَنْ أَبَاهُ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَ أَحَدٍ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُ، وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ إخْرَاجٌ لِلْمَالِ عَنْ صَاحِبِهِ إلَى مَنْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا ظُلْمٌ لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا الْبَيْعَ ضَرَرًا بِانْتِقَاصِ قِيمَةِ حِصَّةِ الآخَرِ

قلنا‏:‏ لاَ ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، بَلْ الضَّرَرُ كُلُّهُ هُوَ أَنْ يُجْبَرَ الْمَرْءُ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ، لاَ ضَرَرُ إنْسَانٍ بِأَنْ لاَ يُنَفِّذَ لَهُ هَوَاهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ‏.‏

وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ أَوْ دَارٌ صَغِيرَةٌ إلَى جَنْبِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِغَيْرِهِ لَوْ بِيعَتَا مَعًا لَتَضَاعَفَتْ الْقِيمَةُ لَهُمَا، وَإِنْ بِيعَتَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ الأَمْوَالِ دُونَ الْمَقْسُومِ مِنْهَا وَقَوْلُهُمْ هَاهُنَا عَارٍ مِنْ الأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَظُلْمٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا اُبْتِيعَ لِلتِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ فَهُوَ شَرْطٌ قَدْ أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَلاَ يَجُوزُ إبْطَالُهُ إِلاَّ بِرِضًا مِنْهُمَا جَمِيعًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمِنْ عَجَائِبِ الأَقْوَالِ‏:‏ أَنَّ الَّذِينَ يُجْبِرُونَ الشَّرِيكَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ عَلَى تَقَاوُمِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لأََحَدِهِمَا كُلَّهُ لاَ يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، فَأَوْجَبُوا الْبَيْعَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَلُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا بَيْعٌ وَبَيْعُ‏.‏

1253 - مسألة‏:‏

وَيُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَرْضًا كَانَ، أَوْ دَارًا صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ سَيْفًا، أَوْ لُؤْلُؤَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ سِوَاهُ حَاشَا الرَّأْسَ الْوَاحِدَ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْمُصْحَفَ فَلاَ يُقْسَمُ أَصْلاً، لَكِنْ يَكُونُ بَيْنَهُمْ يُؤَاجِرُونَهُ وَيَقْتَسِمُونَ أُجْرَتَهُ، أَوْ يَخْدُمَهُمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ‏}‏ إلَى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏‏.‏‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَانْتَفَعَ سَائِرُهُمْ‏:‏ لَمْ يَقْسِمْ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إنْ انْتَفَعَ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الآخَرُونَ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ إنْ اسْتَضَرَّ أَحَدُهُمْ بِالْقِسْمَةِ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لَمْ يُقْسَمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ‏:‏ أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ لاَ يَنْتَفِعُ بِمَا يَقَعُ لَهُ فَقَدْ عَجَّلَ الضَّرَرَ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ بِمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ ضَرَرَ زَيْدٍ مُبَاحًا خَوْفَ أَنْ يَسْتَضِرَّ عَمْرٌو وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ رَاعَى انْحِطَاطَ قِيمَةِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ بِالْقِسْمَةِ‏.‏

وَأَمَّا تَنَاقُضُهُمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي قِسْمَةِ الأَرْضِ الْوَاسِعَةِ وَإِنْ انْحَطَّتْ قِيمَةُ بَعْضِ الْحِصَصِ انْحِطَاطًا ظَاهِرًا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ‏.‏ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي بَيَانِ فَسَادِ أَقْوَالِهِمْ غَنِينَا عَنْ تَكْرَارِهِمَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قِسْمَةِ السَّيْفِ، وَاللُّؤْلُؤَةِ، وَالثَّوْبِ، وَالسَّفِينَةِ، وَبَيْنَ قِسْمَةِ الدَّارِ، وَالْحَمَّامِ، وَالأَرْضِ، وَقَدْ يَنْتَفِعُ الْمَرْءُ بِكُلِّ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يَنْحَطُّ النَّصِيبُ مِنْ الأَرْضِ، وَالدَّارِ، مِنْ قِيمَتِهِ الْمِئِينَ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَضْعَافَ مَا يَنْحَطُّ النَّصِيبُ مِنْ السَّيْفِ، وَالثَّوْبِ، وَاللُّؤْلُؤَةِ‏.‏ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يُبِيحَانِ قِسْمَةَ الْحَمَّامِ إذَا دَعَا إلَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ شَرِيكُهُ بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ يَرَى ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ‏.‏ وَقَدْ يَسْقُطُ فِي هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ، وَيَبْطُلُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَا لاَ يَسْقُطُ مِنْ اللُّؤْلُؤَةِ إذَا قُسِمَتْ، وَالسَّيْفِ إذَا قُسِمَ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ قَوْلِ صَاحِبٍ بِخِلاَفِ هَذَا، فَكَيْفَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِالْبَاطِلِ فَظَهَرَ فَسَادُ نَظَرِهِمْ وَبَطَلَ احْتِيَاطُهُمْ بِإِبَاحَتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ مَا مَنَعُوا مِنْهُ فِي آخَرَ‏.‏

وَأَمَّا الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيَوَانِ‏:‏ فَإِنْ كَانَ إنْسَانًا فَتَفْصِيلُ أَعْضَائِهِ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْحِمَارِ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، فَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَذَبْحُهُ لاَ يَكُونُ ذَكَاةً، فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَمَعْصِيَةٌ مُجَرَّدَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَمْ يَحِلَّ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ إذْنِ كُلِّ مَنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ ذَبْحُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إِلاَّ أَنْ يُرَى بِهِ مَوْتٌ فَيُبَادِرَ بِذَبْحِهِ، لأََنَّ تَرْكَهُ مَيْتَةً إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ‏.‏

وَأَمَّا الْمُصْحَفُ‏:‏ فَلاَ يَحِلُّ تَقْطِيعُهُ، وَلاَ تَفْرِيقُ أَوْرَاقِهِ، لأََنَّ رُتْبَةَ كِتَابِ اللَّهِ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِهِ فَلاَ تُحَالُ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ لاَ يُقْسَمُ الْمُصْحَفُ‏.‏

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ هَذَا بِخَبَرٍ فِيهِ لاَ تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إِلاَّ فِيمَا احْتَمَلَ الْقَسْمَ وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ صِدِّيقِ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لأََنَّ ‏"‏ التَّعْضِيَةَ ‏"‏ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قِسْمَةِ الأَعْضَاءِ وَإِنَّمَا الأَعْضَاءُ لِلْحَيَوَانِ فَقَطْ‏.‏

1254 - مسألة‏:‏

فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَقْسُومُ أَشْيَاءَ مُتَفَرِّقَةً فَدَعَا أَحَدُ الْمُقْتَسِمِينَ إلَى إخْرَاجِ نَصِيبِهِ كُلِّهِ بِالْقُرْعَةِ فِي شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ الْمَالِ، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ‏:‏ قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، أَحَبَّ شُرَكَاؤُهُ أَمْ كَرِهُوا‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ نَوْعٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَلاَ كُلُّ دَارٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَلاَ كُلُّ ضَيْعَةٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، إِلاَّ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَيُقْسَمُ الرَّقِيقُ، وَالْحَيَوَانُ، وَالْمَصَاحِفُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ عَبْدٌ وَبَعْضُ آخَرَ بَقِيَ شَرِيكًا فِي الَّذِي وَقَعَ حَظُّهُ فِيهِ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ قَوْلِنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ تَرْكِ قَوْلِهِ هَذَا وَالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِنَا، أَوْ إبْطَالِ الْقِسْمَةِ جُمْلَةً، وَتَكْلِيفُ مَا لاَ يُطَاقُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ‏:‏ مَا الْفَرْقُ بَيْنَك فِي قَوْلِك‏:‏ تُقْسَمُ كُلُّ دَارٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ ضَيْعَةٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ غَنَمٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ بَقَرٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ رَقِيقٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ ثِيَابٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ‏:‏ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ بَيْتٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ رُكْنٍ مِنْ كُلِّ فَدَّانٍ بَيْنَهُمْ، لأََنَّهُ إذَا جَعَلْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ لَزِمَك هَذَا الَّذِي أَلْزَمْنَاك، وَلاَ بُدَّ‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا‏}‏‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ هَذَا الْحَقُّ، وَهَذِهِ الآيَةُ حُجَّتُنَا عَلَيْك لأََنَّك إذَا حَمَلْتهَا عَلَى مَا قُلْت لَزِمَك مَا قلنا، وَلاَ بُدَّ، وَالآيَةُ مُوجِبَةٌ لِقَوْلِنَا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ مِنَّا مَا قَدْ جَعَلَهُ فِي وُسْعِنَا، فَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى مِمَّا قَلَّ مِمَّا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ كَثُرَ فَقَطْ، وَلَمْ يُرِدْ تَعَالَى قَطُّ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَقْسُومِ، إذْ لَوْ أَرَادَ تَعَالَى ذَلِكَ لَكَانَ تَعَالَى قَدْ كَلَّفَنَا مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ مِنْ قِسْمَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى قَدْرِ الصُّؤَابَةِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الْخَبَرَ الثَّابِتَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فِي حَدِيثٍ فَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا لأََنَّهُ عليه السلام أَعْطَى بَعْضَهُمْ غَنَمًا، وَبَعْضَهُمْ إبِلاً، فَهَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

1255 - مسألة‏:‏

وَيُقْسَمُ كُلُّ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ‏:‏ كَالْكِلاَبِ، وَالسَّنَانِيرِ، وَالثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَالْمَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ، لأََنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ وَتَخْلِيصُهُ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَ أَنْ تَأْخُذَ الْبِنْتُ دِينَارًا وَالأَبْنُ دِينَارَيْنِ‏.‏

وَكَذَلِكَ‏:‏ تَقْسِيمُ الضِّيَاعِ الْمُتَبَاعِدَةِ فِي الْبِلاَدِ الْمُتَفَرِّقَةِ، فَيَخْرُجُ بَعْضُهُمْ إلَى بَلْدَةٍ، وَالآخَرُ إلَى أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا وَكُلُّ قَوْلٍ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ تَحَكُّمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ يَئُولُ إلَى التَّنَاقُضِ، وَإِلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِنَا، وَتَرْكِ قَوْلِهِمْ، إذْ لاَ بُدَّ مِنْ تَرْكِ بَعْضٍ وَأَخْذِ بَعْضٍ وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يُقْسَمُ الْحَيَوَانُ إِلاَّ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1256 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْقِسْمَةِ لأََحَدِ الْمُقْتَسِمِينَ عُلْوُ بِنَاءٍ وَالآخَرِ سُفْلُهُ، وَهَذَا مَفْسُوخٌ أَبَدًا إنْ وَقَعَ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْهَوَاءَ دُونَ الأَرْضِ لاَ يُتَمَلَّكُ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ أَصْلاً لِوَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ لأََحَدٍ إلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ مُتَمَوِّجٌ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، وَلاَ مَضْبُوطٍ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعُلْوُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدُرَاتِ صَاحِبِهِ وَسَطْحِهِ، وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يَهْدِمَ صَاحِبُ السُّفْلِ جُدُرَاتِهِ، وَلاَ سَطْحَهُ، وَلاَ أَنْ يُعْلِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ أَنْ يُقَصِّرَهُ‏:‏ وَلاَ أَنْ يُقَبِّبَ سَطْحَهُ، وَلاَ أَنْ يُرَقِّقَ جُدُرَاتِهِ، وَلاَ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا أَقْوَاسًا‏.‏ وَكُلُّ هَذِهِ شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ‏.‏ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فَهُوَ مُمَلَّكٌ إيَّاهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ، مَا لَمْ يَمْنَعْهُ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَصَحَّ أَنَّ ابْتِيَاعَ الْعُلُوِّ عَلَى إقْرَارِهِ حَيْثُ هُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ أَنْقَاضِهِ فَقَطْ، فَإِذَا ابْتَاعَهَا فَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهَا عَلَى جَدَرَاتِ غَيْرِهِ، إِلاَّ مَا دَامَ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِإِزَالَتِهَا عَنْ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ‏.‏ وَقَدْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ اقْتِسَامِ سُفْلٍ لِوَاحِدٍ وَعُلُوٍّ لآخَرَ‏.‏

1257 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ الْحُكْمِ فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ، وَلاَ فِي كُلِّهِ سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَوْ كَثُرَ لاَ بَيْعٌ، وَلاَ صَدَقَةٌ، وَلاَ هِبَةٌ، وَلاَ إصْدَاقٌ، وَلاَ إقْرَارٌ فِيهِ لأََحَدٍ، وَلاَ تَحْبِيسٌ، وَلاَ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَنْ بَاعَ رُبُعَ هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ ثُلُثَ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ شَرِيكُهُ حَاضِرًا، أَوْ مُقَاسَمَتَهُ لَهُ مُمْكِنَةٌ، لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ، لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيَقَعُ لَهُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَمْ لاَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

1258 - مسألة‏:‏

فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فُسِخَ أَبَدًا سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ أَوْ لَمْ يَقَعْ‏:‏ لاَ يَنْفُذُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَصْلاً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ عَمَلٌ وَقَعَ بِخِلاَفِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ عليه السلام فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ حِينَ عَقْدِهِ بَلْ وَجَبَ إبْطَالُهُ، فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَجُوزَ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَمْ يَعْقِدْ فِيهِ، وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يُصَدَّقْ حِينَ النُّطْقِ بِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُصَدَّقَ حِينَ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي مَكَان مِنْ الأَمْكِنَةِ‏:‏ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَرْضٌ، أَوْ حَيَوَانٌ، أَوْ عَرَضٌ، فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَصْدَقَهُ، فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ غَائِبًا، وَلَمْ يُجِبْ إلَى الْقِسْمَةِ، أَوْ حَاضِرًا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى الْقِسْمَةِ، أَوْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى الْقِسْمَةِ‏:‏ فَلَهُ تَعْجِيلُ أَخْذِ حَقِّهِ، وَالْقِسْمَةِ وَالْعَدْلِ فِيهَا، لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ قِسْمَةِ الْحَاكِمِ إذَا عَدَلَ، وَبَيْنَ قِسْمَةِ الشَّرِيكِ إذَا عَدَلَ، إذْ لَمْ يُوجِبْ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ جَوْرٌ، وَكُلُّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ أَنْفَذَ مَا ذَكَرْنَا فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي الْقِيمَةِ بِالْعَدْلِ غَيْرَ مُتَزَيَّدٍ، وَلاَ مُحَابٍ لِنَفْسِهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً‏:‏ فَهِيَ قِسْمَةُ حَقٍّ، وَكُلُّ مَا أَنْفَذَ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ‏:‏ أَحَبَّ شَرِيكُهُ أَمْ كَرِهَ‏.‏ فَإِنْ كَانَ حَابَى نَفْسَهُ، فُسِخَ كُلُّ ذَلِكَ، لأََنَّهَا صَفْقَةٌ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلاَلاً فَلَمْ تَنْعَقِدْ صَحِيحَةً‏.‏ فَلَوْ غَرَسَ وَبَنَى وَعَمَّرَ‏:‏ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ وَقَضَى بِمَا زَادَ لِلَّذِي يُشْرِكُهُ، وَلاَ حَقَّ لَهُ فِي بِنَائِهِ وَعِمَارَتِهِ، وَغَرْسِهِ، إِلاَّ قَلْعَ عَيْنِ مَالٍ، كَالْغَصْبِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ فَلَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْهُ‏:‏ ضَمِنَ مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَ‏:‏ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ تَمَّ ‏"‏ كِتَابُ الْقِسْمَةِ ‏"‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏