فصل: 170 - مَسْأَلَةٌ : إيلاَجُ الْحَشَفَةِ أَوْ إيلاَجُ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ الذَّاهِبِ الْحَشَفَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


بسم الله الرحمن الرحيم

الأَشْيَاءُ الْمُوجِبَةُ غَسْلَ الْجَسَدِ كُلِّهِ‏.‏

170 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

إيلاَجُ الْحَشَفَةِ أَوْ إيلاَجُ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ الذَّاهِبِ الْحَشَفَةِ وَالذَّاهِبِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ مِنْهَا بِحَرَامٍ أَوْ حَلاَلٍ ‏,‏ إذَا كَانَ بِعَمْدٍ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ‏,‏ فَإِنْ عَمَدَتْ هِيَ أَيْضًا لِذَلِكَ ‏,‏ فَكَذَلِكَ أَنْزَلَتْ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُكْرَهًا ‏,‏ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْهُمَا إلاَّ الْوُضُوءُ فَقَطْ إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ إلاَّ أَنْ يُنْزِلَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ بَالِغٍ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ وُضُوءَ ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ فِيمَا يَحْدُثُ لاَ فِيمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْوُضُوءُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ‏.‏ وَ

حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حدثنا مُسْلَمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ‏.‏ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ ‏:‏ وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ قَالاَ جَمِيعًا ، حدثنا قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا فِيهِ زِيَادَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا إسْقَاطُ الْغُسْلِ ‏,‏ وَالزِّيَادَةُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا‏.‏ وَإِنَّمَا

قلنا فِي مَخْرَجِ الْوَلَدِ ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ خِتَانَ إلاَّ هُنَالِكَ ‏,‏ فَسَوَاءٌ كَانَ مَخْتُونًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُونٍ لاَِنَّ لَفْظَةَ أَجْهَدَ نَفْسَهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام حَرَامًا مِنْ حَلاَلٍ‏.‏ وَإِنَّمَا

قلنا بِذَلِكَ فِي الْعَمْدِ دُونَ الأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا لاَِنَّ قَوْلَهُ عليه السلام إذَا قَعَدَ ثُمَّ أَجْهَدَ وَهَذَا الإِطْلاَقُ لَيْسَ إلاَّ لِلْمُخْتَارِ الْقَاصِدِ ‏,‏ وَلاَ يُسَمَّى الْمَغْلُوبُ أَنَّهُ قَعَدَ ، وَلاَ النَّائِمُ ، وَلاَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ عليه السلام الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الأَحْوَالُ كُلُّهَا مِنْ الْجُنُونِ وَالإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ وَالصِّبَا فَالْوُضُوءُ لاَزِمٌ لَهُمْ فَقَطْ لاَِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُخَاطَبِينَ بِالصَّلاَةِ وَبِالْوُضُوءِ لَهَا جُمْلَةً ‏,‏ وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانُوا مُجْنِبِينَ ‏,‏ وَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا بِمُجْنِبِينَ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ الْغُسْلَ بِقَوْلِهِ عليه السلام ‏:‏ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ

قلنا ‏:‏ هَذَا الْخَبَرُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام ‏:‏ إذَا أَقَحَطْتَ أَوْ أَكْسَلْتَ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْكَ‏.‏ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ الأَعَمِّ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ لَيُؤْخَذَ بِهِمَا مَعًا ‏,‏ ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ الإِكْسَالِ فَوَجَبَ إعْمَالُهُ أَيْضًا‏.‏

وَأَمَّا كُلُّ مَوْضِعٍ لاَ خِتَانَ فِيهِ ، وَلاَ يُمْكِنُ فِيهِ الْخِتَانُ فَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ سُنَّةٌ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الإِيلاَجِ فِيهِ ‏,‏ وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ لاَ غُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ فِي الْفَرْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَنْزَلَ ‏:‏ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجُمْهُورُ الأَنْصَارِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالأَعْمَشُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ‏.‏

وَرُوِيَ الْغُسْلُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ‏.‏

171 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فَلَوْ أَجْنَبَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْجَسَدِ إذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَانْتَبَهَ النَّائِمُ وَصَحَا السَّكْرَانُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ ‏,‏ وَبِالإِجْنَابِ يَجِبُ الْغُسْلُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا‏}‏ فَلَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَالْمَجْنُونُ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ أَوْ غَسَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ وَالسَّكْرَانُ لَمْ يُجْزِهِمْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْغُسْلِ ‏,‏ لاَِنَّهُمْ بِخُرُوجِ الْجَنَابَةِ مِنْهُمْ صَارُوا جُنُبًا وَوَجَبَ الْغُسْلُ بِهِ ‏,‏ وَلاَ يَجْزِي الْفَرْضَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ أَدَائِهِ قَصْدًا إلَى تَأْدِيَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}

وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّئُوا فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ لِلْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِمْ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ بَعْدَ زَوَالِهَا لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

172 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَالْجَنَابَةُ هِيَ الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ نَوْعِهِ الْوَلَدُ ‏,‏ وَهُوَ مِنْ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الطَّلْعُ ‏,‏ وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ‏,‏ وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ ‏,‏ وَمَاءُ الْخَصِيِّ لاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ ‏,‏ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ الذَّكَرِ السَّالِمُ الآُنْثَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاؤُهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا سَعِيدُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ‏,‏ قِيلَ ‏:‏ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ‏,‏ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذَا هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ وَالسَّالِمِ الْخُصْيَةِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا ‏,‏ فَهَذِهِ صِفَتُهُ وَقَدْ يُولَدُ لِهَذَا ‏,‏

وَأَمَّا مَاءُ الْخَصِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ أَصْفَرُ ‏,‏ فَلَيْسَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ فِيهِ فَلاَ غُسْلَ فِيهِ ‏,‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً شُفِرَتْ وَهِيَ بَالِغٌ أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ ‏,‏ فَدَخَلَ الْمَنِيُّ فَرْجَهَا فَحَمَلَتْ فَالْغُسْلُ عَلَيْهَا ، وَلاَ بُدَّ لاَِنَّهَا قَدْ أَنْزَلَتْ الْمَاءَ يَقِينًا‏.‏

173 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَكَيْفَمَا خَرَجَتْ الْجَنَابَةُ الْمَذْكُورَةُ بِضَرْبَةٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ حَتَّى وَجَدَهُ أَوْ بِاسْتِنْكَاحٍ فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا‏}‏ وَأَمْرُهُ عليه السلام إذَا فَضَخَ الْمَاءَ أَنْ يَغْتَسِلَ ‏,‏ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الْجَنَابَةُ ‏,‏ وَلَمْ يَسْتَثْنِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام حَالاً مِنْ حَالٍ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَخُصَّ النَّصَّ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد‏.‏

وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ ‏:‏ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ لِعِلَّةٍ ‏,‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ أَوْ ضُرِبَ عَلَى اسْتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، وَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ ‏,‏

وَهَذَا قَوْلٌ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ وَلِلْقِيَاسِ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ إلاَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُ لاَ غُسْلَ إلاَّ مِنْ شَهْوَةٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا خِلاَفُهُمْ لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ وَالرِّيحَ مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ كَيْفَمَا خَرَجَ ذَلِكَ فَالْوُضُوءُ فِيهِ ‏,‏ وَكَذَلِكَ الْحَيْضُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ ‏,‏ وَكَيْفَمَا خَرَجَ فَالْغُسْلُ فِيهِ ‏,‏ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ كَذَلِكَ ‏,‏ فَلاَ بِالْقُرْآنِ أَخَذُوا ، وَلاَ بِالسُّنَّةِ عَمِلُوا ، وَلاَ الْقِيَاسُ طَرَدُوا‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ لَيْسَ فِي خُرُوجِهِمَا حَالٌ تُحِيلُ الْجَسَدَ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ لِشَهْوَةٍ أَذْهَبَ الشَّهْوَةَ وَأَحْدَثَ فِي الْجَسَدِ أَثَرًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِخِلاَفِهِمَا‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا تَخْلِيطٌ ‏,‏ بَلْ اللَّذَّةُ فِي خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ أَشَدُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى خُرُوجِهَا مِنْهَا فِي خُرُوجِ الْمَنِيِّ ‏,‏ وَضَرَرُ أَلَمِ امْتِنَاعِ خُرُوجِهَا أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ امْتِنَاعِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَقَدْ اسْتَوَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏,‏ فَإِنْ تَأَذَّى الْمُسْتَنْكِحُ بِالْغُسْلِ فَلْيَتَيَمَّمْ ‏;‏ لاَِنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْغُسْلِ بِهِ ‏,‏ فَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

174 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مَاءُ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِهَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا ‏,‏ لاَ غُسْلَ ، وَلاَ وُضُوءَ ‏,‏ لاَِنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ إنْزَالِهَا لاَ مِنْ إنْزَالِ غَيْرِهَا ‏,‏ وَالْوُضُوءُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حَدَثِهَا لاَ مِنْ حَدَثِ غَيْرِهَا وَخُرُوجُ مَاءِ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِهَا لَيْسَ إنْزَالاً مِنْهَا ، وَلاَ حَدَثًا مِنْهَا ‏,‏ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهَا ، وَلاَ وُضُوءَ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهَا تَغْسِلُ ‏,‏ وَعَنْ قَتَادَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ تَتَوَضَّأُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

175 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً شَفَرَهَا رَجُلٌ فَدَخَلَ مَاؤُهُ فَرْجَهَا فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ تُنْزِلْ هِيَ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ ‏:‏ عَلَيْهَا الْغُسْلُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ إيجَابُ الْغُسْلِ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

176 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبَا وَكَانَ مِنْهُمَا وَطْءٌ دُونَ إنْزَالٍ فَاغْتَسَلاَ وَبَالاَ أَوْ لَمْ يَبُولاَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ أَوْ كُلُّهُ فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ فَلَوْ صَلَّيَا قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُمَا صَلاَتُهُمَا ‏,‏ ثُمَّ لاَ بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ ‏,‏ فَلَوْ خَرَجَ فِي نَفْسِ الْغُسْلِ وَقَدْ بَقِيَ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ لَزِمَهُمَا أَوْ الَّذِي خَرَجَ ذَلِكَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ الْغُسْلِ ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا‏}‏ وَالْجُنُبُ هُوَ مَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ الْجَنَابَةُ‏.‏ وَقَوْلُهُ عليه السلام ‏:‏ إذَا فَضَخَ الْمَاءَ فَلْيَغْتَسِلْ ، وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ بِالرَّأْيِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ إنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ قَدْ بَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبُلْ فَلاَ غُسْلَ عَلَيْهِ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ غُسْلَ عَلَيْهِ بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ‏.‏

وقال الشافعي كَقَوْلِنَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ وَالْغُسْلُ إنَّمَا هُوَ لِنُزُولِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْجَسَدِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ مَا الْغُسْلُ إلاَّ مِنْ ظُهُورِ الْجَنَابَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام ‏:‏ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً الْتَذَّ بِالتَّذَكُّرِ حَتَّى أَيْقَنَ أَنَّ الْمَنِيَّ قَدْ صَارَ فِي الْمَثَانَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ ‏,‏ لاَِنَّهُ لَيْسَ جُنُبًا بَعْدُ ‏,‏

وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ الْغُسْلِ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ قَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ‏.‏

قلنا ‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاَةٍ ‏,‏ فَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ مَالِكٌ ، وَلاَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حُجَّةً فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي أُخْرَى‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

177 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَمَنْ أَوْلَجَ فِي الْفَرْجِ وَأَجْنَبَ فَعَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي غُسْلِهِ ذَلِكَ لَهُمَا مَعًا ‏,‏ وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُضُوءُ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَيُجْزِيهِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلٌ وَاحِدٌ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ ‏,‏ فَإِنْ نَوَى بَعْضَ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ وَلَمْ يَنْوِ سَائِرَهَا أَجْزَأَهُ لِمَا نَوَى ‏,‏ وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ لِمَا لَمْ يَنْوِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ مُجْنِبًا بِاحْتِلاَمٍ أَوْ يَقِظَةٍ مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَطْ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ وَمِنْ الإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيلاَجٌ ‏,‏ وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الإِيلاَجِ ‏,‏ فَهِيَ أَعْمَالٌ مُتَغَايِرَةٌ وَقَدْ قَالَ عليه السلام ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى تَأْدِيَتِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَيُجْزِئُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عَمَلٌ وَاحِدٌ ‏;‏ لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ غُسْلاً وَاحِدًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ فَأَجْزَأَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ ‏,‏ وَوَجَبَتْ النِّيَّاتُ بِالنَّصِّ ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّ نِيَّةً لِبَعْضِ ذَلِكَ تُجْزِئُ عَنْ نِيَّةِ الْجَمِيعِ ‏,‏ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

178 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ لاَزِمٌ لِكُلِّ بَالِغٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

وَكَذَلِكَ الطِّيبُ وَالسِّوَاكُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَلِيٌّ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حدثنا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ ‏:‏ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ‏:‏ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ ‏:‏ أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ ‏,‏

وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لاَ ‏,‏ وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ‏.‏

وَرُوِّينَا إيجَابَ الْغُسْلِ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ‏,‏ فَصَارَ خَبَرًا مُتَوَاتِرًا يُوجِبُ الْعِلْمَ ‏,‏ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ ‏,‏ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ وَعَطَاءٌ وَكَعْبٌ وَالْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ‏.‏ أَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ ‏:‏ مَا هُوَ إلاَّ أَنْ سَمِعْت الأَذَانَ الأَوَّلَ فَتَوَضَّأْت وَخَرَجْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ ‏,‏ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا فَيَغْسِلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ كَانَ لاَِهْلِهِ ‏,‏ وَالْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ‏.‏

فأما اللَّفْظُ الأَوَّلُ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّفْظُ الثَّانِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ‏:‏ مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَدْعُ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّ بِهِ ‏:‏ لاََنَا أَحْمَقُ مِنْ الَّذِي لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ لاَ يُحَمَّقُ مَنْ تَرَكَ مَا لَيْسَ فَرْضًا لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ ‏:‏ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ ‏,‏ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ وَالْمُفْلِحُ الْمَضْمُونُ لَهُ الْجَنَّةُ لَيْسَ أَحْمَقَ‏.‏ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّ بِهِ ‏:‏ أَنَا إذَنْ كَمَنْ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏:‏ أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسُئِلَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ‏:‏ أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَعَنْ كَعْبٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً فَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ ‏,‏ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ وَأَنَا أَرَى أَنْ يَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ إنْ كَانَ لَهُمْ‏.‏ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ‏:‏ اغْتَسِلْ‏.‏

وَرُوِّينَا أَمْرَهُ بِالطِّيبِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةِ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ وَأَمْرَهُ بِالْغُسْلِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُوس قَالَ ‏:‏ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُوجِبُ الطِّيبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ ‏:‏ ثَلاَثٌ هُنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏:‏ الْغُسْلُ وَالسِّوَاكُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إنْ وَجَدَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إسْقَاطُ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ‏,‏ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا وَعَنْهَا أَيْضًا كَانَ النَّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ ‏,‏ فَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ فَقِيلَ لَهُمْ لَوْ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏,‏ وَبِحَدِيثٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنْبَأَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏,‏ وَلَكِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَغْتَسِلُونَ‏.‏ وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا اغْتَسَلَ وَرُبَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ‏,‏ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ ‏,‏ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ ‏,‏ وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ ‏,‏ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعِرَقَ النَّاسُ فِي الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ‏,‏ فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ قَالَ ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ طِيبًا ‏,‏ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ ‏,‏ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ ‏,‏ وَكُفُوا الْعَمَلَ ‏,‏ وَوَسَّعُوا مَسْجِدَهُمْ ‏,‏ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ ‏"‏‏.‏ وَبِحَدِيثٍ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ‏.‏ وَمَثَلُهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ عَنْهُ عليه السلام نَصًّا‏.‏

وَكَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ ‏,‏

وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ عَنْهُ عليه السلام ‏,‏ وَمَثَلُهُ نَصًّا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَمَثَلُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْعَلاَءِ‏.‏ وَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ ‏,‏ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لاَِنَّ كُلَّ هَذِهِ الآثَارِ لاَ خَيْرَ فِيهَا ‏,‏ حَاشَا حَدِيثِ عَائِشَةَ وَعُمَرَ فَهُمَا صَحِيحَانِ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ أَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَمُرْسَلاَنِ ‏,‏ وَكَمْ مِنْ مُرْسَلٍ لِلْحَسَنِ لاَ يَأْخُذُونَ بِهِ ‏,‏ كَمُرْسَلِهِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلاَةِ ‏,‏ لاَ يَأْخُذُ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ ‏,‏ وَكَمُرْسَلِهِ إنَّ الأَرْضَ لاَ تَنْجُسُ لاَ يَأْخُذُ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ ‏,‏

وَكَذَلِكَ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَمِمَّا يُوجِبُ الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلُوا الْمُرْسَلَ حُجَّةً ‏,‏ ثُمَّ لاَ يَأْخُذُونَ بِهِ ‏,‏ أَوْ أَنْ لاَ يَرَوْهُ حُجَّةً ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ ‏,‏ فَيَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثَا ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيِّ ‏,‏ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَالْكَذِبِ

وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو هَذِهِ نَفْسَهَا عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَمْرٍو حُجَّةً فَلْيَأْخُذُوا بِهَذَا ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ الاِحْتِجَاجُ بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ ‏,‏

وَأَمَّا عَمْرٌو فَضَعِيفٌ لاَ نَحْتَجُّ بِهِ لَنَا ‏,‏ وَلاَ نَقْبَلُهُ حُجَّةً عَلَيْنَا ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ ‏,‏ وَلَوْ احْتَجَجْنَا بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لاََخَذْنَا بِخَبَرِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رَوَى عَنْهُ عَمْرٌو فِي قَتْلِ الْبَهِيمَةِ وَمَنْ أَتَاهَا ‏,‏

قلنا لَهُمْ ‏:‏ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ مَا رَوَى عَنْهُ عَمْرٌو فِي إسْقَاطِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عَمْرٍو هَذَا لِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ بَلْ لَكَانَ لَنَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ‏;‏ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ الأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَإِيجَابَهُ ‏,‏

وَأَمَّا كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ إسْقَاطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَلَيْسَ مِنْ كَلاَمِهِ عليه السلام ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَظَنِّهِ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ عليه السلام‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ ‏,‏ وَلاَ يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ سَمُرَةَ إلاَّ حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ ‏,‏ فَإِنْ أَبَوْا إلاَّ الاِحْتِجَاجَ بِهِ ‏,‏

قلنا لَهُمْ ‏:‏ قَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يَأْخُذُونَ بِهَذَا ‏,‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهُ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعٌ وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ بِهَذَا‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ وَالْعَارِ احْتِجَاجُهُمْ فِي الدِّينِ بِرِوَايَةِ مَا إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهَا بِعَيْنِهَا إذَا خَالَفَتْ تَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ مَا نَرَى دِينًا يَبْقَى مَعَ هَذَا لاَِنَّهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الدِّينِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ‏,‏ صَحَّ عَنْ شُعْبَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لاََنْ أَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَأَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْوِيَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ ‏,‏ وَرُبَّ حَدِيثٍ لِيَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ تَرَكُوهُ لَمْ يَحْتَجُّوا فِيهِ إلاَّ بِضَعْفِهِ فَقَطْ ‏,‏ وَمِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ ‏,‏ وَهُوَ هَالِكٌ ‏,‏ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ‏,‏ وَهُوَ سَاقِطٌ ‏,‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ سَاقِطًا لاَِنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلاَّ مِنْ طُرُقٍ فِي أَحَدِهَا رَجُلٌ مَسْكُوتٌ عَنْ اسْمِهِ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ ‏,‏ وَفِي ثَانِيهمَا أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ‏,‏ وَفِي الثَّالِثِ مِنْهَا الْحَسَنُ عَنْ جَابِرٍ ، وَلاَ يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ جَابِرٍ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُمْرَةَ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ سَلَمِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي هِشَامٍ الْبَصْرِيِّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَسَقَطَتْ هَذِهِ الآثَارُ كُلُّهَا ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ نِعْمَ الْعَمَلُ ‏,‏ وَأَنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ‏}‏ فَهَلْ دَلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الإِيمَانَ وَالتَّقْوَى لَيْسَ فَرْضًا حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ فَرْضًا لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ ‏,‏ لاَِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ الأَمْرُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ عليه السلام غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عليه السلام شَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلْحَالَةِ الآُولَى بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ بِيَقِينٍ ‏,‏ وَالأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَالْغُبَارِ مِنْ الْعَوَالِي فَتَثُورُ لَهُمْ رَوَائِحُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا أَوْ أَوَلاَ تَغْتَسِلُونَ‏.‏ فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ عليه السلام عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏,‏ وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ عليه السلام بِأَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكُلِّ مُحْتَلِمٍ ‏,‏ وَالطِّيبَ وَالسِّوَاكَ ‏,‏ وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ عليه السلام أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ‏,‏ أَوْ يَكُونَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ قَبْلَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَابِرٌ ‏,‏ فَلاَ يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمُتَأَخِّرِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ وَأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ‏,‏ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الإِيجَابِ الْمُتَقَدِّمِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصِ عَلَى إثْبَاتِهِ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ تَبْكِيتٌ لِمَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمُوجِبَ فَقَطْ ‏,‏ وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلأَمْرِ الْمُتَيَقَّنِ لاَ إسْقَاطٌ لَهُ ‏,‏ فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَوَاصَلَ بِهِمْ تَنْكِيلاً لَهُمْ ‏,‏ أَفَيَسُوغُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ أَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ وَكُلُّ مَا أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ‏,‏ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ ، وَلاَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ أَنَّهُ نَدْبٌ ‏,‏ إلاَّ بِنَصٍّ جَلِيٍّ بِذَلِكَ ‏,‏ مَقْطُوعٌ عَلَى أَنَّهُ وَارِدٌ بَعْدَهُ ‏,‏ مُبَيِّنٌ أَنَّهُ نَدْبٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ ‏,‏ لاَ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمَتْرُوكِ لَهَا الْيَقِينُ‏.‏ هَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّ خَبَرَ عَائِشَةَ كَانَ بَعْدَ الإِيجَابِ لِلْغُسْلِ‏.‏ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ أَبَدًا ‏,‏ بَلْ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الإِيجَابِ لاَِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَالنَّاسُ عُمَّالُ أَنْفُسِهِمْ ‏,‏ وَفِي ضِيقٍ مِنْ الْحَالِ وَقِلَّةٍ مِنْ الْمَالِ ‏,‏ وَهَذِهِ صِفَةُ أَوَّلِ الْهِجْرَةِ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَالرَّاوِي لاِِيجَابِ الْغُسْلِ أَبُو هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا مُتَأَخِّرُ الإِسْلاَمِ وَالصُّحْبَةِ‏.‏ أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِسْلاَمُهُ إثْرَ فَتْحِ خَيْبَرَ ‏,‏ حَيْثُ اتَّسَعَتْ أَحْوَالُ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَارْتَفَعَ الْجَهْدُ وَالضِّيقُ عَنْهُمْ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامَيْنِ وَنِصْفٍ فَقَطْ ‏,‏ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا ‏:‏ لَوْ كَانَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا عِنْدَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَمَا تَرَكَهُ عُثْمَانُ ، وَلاَ أَقَرَّ عُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عُثْمَانَ عَلَى تَرْكِهِ وَقَالُوا ‏:‏ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ فَرْضٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا قَوْلٌ لاَ نَدْرِي كَيْفَ اُسْتُطْلِقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ لاَِنَّهُ كُلَّهُ قَوْلٌ بِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ شَيْءٌ لاَ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ ‏,‏ بَلْ نَصُّهُ وَدَلِيلُهُ بِخِلاَفِ مَا قَالُوهُ‏.‏ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ ‏:‏ مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْغُسْلِ

قلنا ‏:‏ هَبْكُمْ أَنَّهُ لاَ دَلِيلَ عِنْدَنَا بِهَذَا ‏,‏ وَلاَ دَلِيلَ عِنْدَكُمْ بِخِلاَفِهِ‏.‏ فَمَنْ جَعَلَ دَعْوَاكُمْ فِي الْخَبَرِ ‏,‏ وَتَكَهُّنَكُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ ‏,‏ وَقَفْوُكُمْ مَا لاَ عِلْمَ لَكُمْ بِهِ ‏,‏ أَوْلَى مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِكُمْ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي هَذَا إذْ دَعَوَاكُمْ وَدَعَوَانَا مُمْكِنَةٌ أَنْ يَبْقَى الْخَبَرُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ لَكُمْ ، وَلاَ عَلَيْكُمْ ‏,‏ وَلاَ لَنَا ، وَلاَ عَلَيْنَا ‏,‏ هَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ ‏,‏ فَكَيْفَ وَمَعَنَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ‏.‏

وَأَمَّا عُثْمَانُ رضي الله عنه فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَنَا قَالَ ‏:‏ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ كِلاَهُمَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ قَالَ ‏:‏ كُنْت أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورَهُ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إلاَّ وَهُوَ يَفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً‏.‏ فَقَدْ ثَبَتَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ ‏,‏ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ مِنْ الأَيَّامِ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَنَا ‏,‏ لَوَجَبَ أَنْ لاَ يُظَنَّ بِمِثْلِهِ رضي الله عنه خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لاَ يُقْطَعُ عَلَيْهِ إلاَّ بِطَاعَتِهِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ ‏,‏ كَمَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَسَائِرِ اللَّوَازِمِ لَهُ بِلاَ شَكٍّ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ لَنَا ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا عُمَرُ رضي الله عنه وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ فَهَذَا الْخَبَرُ عَنْهُمْ حُجَّةٌ لَنَا ظَاهِرَةٌ بِلاَ شَكٍّ لاَِنَّ عُمَرَ قَطَعَ الْخُطْبَةَ مُنْكِرًا عَلَى عُثْمَانَ أَنْ لَمْ يَصِلْ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ ‏,‏ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَرْضًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَمَا قَطَعَ لَهُ الْخُطْبَةَ ‏,‏ وَعُمَرُ قَدْ حَلَفَ ‏"‏ وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ ‏"‏ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ عِنْدَهُ فَرْضًا لَمَا كَانَتْ يَمِينُهُ صَادِقَةً وَاَلَّذِي حَصَلَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ الصَّحَابَةِ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ إنْكَارُ تَرْكِ الْغُسْلِ ‏,‏ وَالإِعْلاَنُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَظُنَّ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنْ يَسْتَجِيزَ خِلاَفَ أَمْرِهِ عليه السلام ‏,‏ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ فَصَحَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً لَنَا وَإِجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ آخَرُ يَقُولُ لِعُمَرَ ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ أَجَابَ عُمَرَ فِي إنْكَارِهِ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَمْرَ الْغُسْلِ بِأَحَدِ أَجْوِبَةٍ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا ‏:‏ إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ كُنْت اغْتَسَلْت قَبْلَ خُرُوجِي إلَى السُّوقِ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ ‏:‏ بِي عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْغُسْلِ ‏,‏ أَوْ يَقُولَ لَهُ ‏:‏ أُنْسِيتُ وَهَا أَنَا ذَا رَاجِعٌ فَأَغْتَسِلُ ‏,‏ فَدَارُهُ كَانَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَشْهُورَةٌ إلَى الآنِ أَوْ يَقُولُ لَهُ ‏:‏ سَأَغْتَسِلُ ‏,‏ فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ‏.‏ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا‏.‏ أَوْ يَقُولُ لَهُ ‏:‏ هَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَلَيْسَ فَرْضًا ‏,‏ وَهَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خُصُومِنَا‏.‏ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ التَّعَلُّقَ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ مِنْ جُمْلَةِ خَمْسَةِ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُمْكِنٌ ‏,‏ وَكُلُّهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلاً دُونَ أَنْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالأَجْوِبَةِ الآُخَرِ الَّتِي هِيَ أَدْخَلُ فِي الإِمْكَانِ مِنْ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ ‏,‏ لاَِنَّهَا كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا خَاطَبَهُ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم‏.‏ وَاَلَّذِي تَعَلَّقُوا هُمْ بِهِ تَكَهُّنٌ مُخَالِفٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ رَأَوْا الأَمْرَ بِالْغُسْلِ نَدْبًا ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ‏,‏ بَلْ الصَّحِيحُ خِلاَفُهُ بِنَصِّ الْخَبَرِ ‏,‏ فَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَطْعَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِدَهْرٍ فَصَحَّ وُجُودُ خِلاَفِ مَا يَدَّعُونَهُ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ إجْمَاعًا ‏,‏ وَإِذَا وُجِدَ التَّنَازُعُ فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ بَلْ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتُهُ عليه السلام قَدْ جَاءَتْ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدًا وَأَبَا سَعِيدٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ ‏,‏ فَحَسْبُهُمْ بِهَذَا ضَلاَلاً‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالاَ بِأَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَدْبٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا عَنْهُمَا فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ تَعْظِيمُ خِلاَفِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَاطِلِ الْمُتَكَهَّنِ وَلَمْ يُعَظِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلاَفَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ ‏,‏ فِي تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ ‏,‏ وَأَخْذِهِ فِي الْكَلاَمِ مَعَ عُثْمَانَ ‏,‏ وَمُجَاوَبَةِ عُثْمَانَ لَهُ بَعْدَ شُرُوعِ عُمَرَ فِي الْخُطْبَةِ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ هَذَا‏.‏

وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ‏,‏ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الآُخْرَى فَتَهَيَّئُوا لِلسُّجُودِ ‏,‏ فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ ‏:‏ عَلَى رِسْلِكُمْ ‏,‏ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلاَّ أَنْ نَشَاءَ‏.‏ فَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ ‏:‏ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا ‏,‏ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ ‏:‏ السُّجُودُ وَاجِبٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَوْ أَدْخَلُ فِي الْبَاطِلِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كَلاَمُ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ بِمَا لاَ يَجِدُونَهُ فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ فَرْضِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حُجَّةً عِنْدَهُمْ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ مُخَالَفَةَ عُمَرَ فِي عَمَلِهِ وَقَوْلِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا عِنْدَ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ ‏,‏ وَفِي نُزُولِهِ عَنْ الْمِنْبَرِ لِلسُّجُودِ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ أَفَيَكُونُ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَإِنْ هَذَا إلاَّ تَلاَعُبٌ أَقْرَبُ إلَى الْجَدِّ‏.‏ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَقْلِيدًا لاِرَاءِ مَنْ لاَ يُضْمَنُ لَهُ الصَّوَابُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ ‏,‏ كَقَوْلِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ ‏:‏ أَنْ لاَ غُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إمْنَاءٌ ‏,‏ وَكَقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ مَنْ أَجْنَبَ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ ، وَلاَ الصَّلاَةُ ‏,‏ وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ شَهْرًا ‏,‏ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْقَضَاءِ بِأَوْلاَدِ الْغَارَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا‏.‏

وقال بعضهم ‏:‏ هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى ‏,‏ فَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا خَفِيَ عَلَى الْعُلَمَاءِ‏.‏

قلنا نَعَمْ مَا خَفِيَ ‏,‏ قَدْ عَرَفَهُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَقَالُوا بِهِ‏.‏ وَهَؤُلاَءِ الْحَنَفِيُّونَ قَدْ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ اللِّثَاتِ أَوْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْقَلْسِ ‏,‏ وَهُوَ أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى ‏,‏ وَلاَ يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ ‏,‏ فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏.‏ وَالْمَالِكِيُّونَ يُوجِبُونَ التَّدَلُّكَ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا ‏,‏ وَالْفَوْرُ فِي الْوُضُوءِ فَرْضًا ‏,‏ تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ ‏,‏ وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى ‏,‏ وَلاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ ‏,‏ فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏.‏ وَالشَّافِعِيُّونَ يَرَوْنَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ ‏,‏ وَمِنْ مَسِّ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَأُمَّهُ ‏,‏ وَهُوَ أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى ‏,‏ وَلاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ ‏,‏ فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ ‏,‏ ثُمَّ يَرَوْنَهُ حُجَّةً إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَمِنْ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ ‏:‏ إنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ‏,‏ وَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُحْتَلِمٍ‏.‏

ثم نقول نَحْنُ ‏:‏ لَيْسَ هُوَ وَاجِبًا ، وَلاَ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ هَذَا أَمْرٌ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ ‏,‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ‏.‏