فصل: كتاب الهبات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كتاب الهبات

1626 - مسألة‏:‏

لاَ تَجُوزُ هِبَةٌ إِلاَّ فِي مَوْجُودٍ ‏,‏ مَعْلُومٍ ‏,‏ مَعْرُوفِ الْقَدْرِ ‏,‏ وَالصِّفَاتِ ‏,‏ وَالْقِيمَةِ ‏,‏ وَإِلَّا فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ كَمَنْ وَهَبَ مَا تَلِدُ أَمَتُهُ ‏,‏ أَوْ شَاتُه ‏,‏ أَوْ سَائِرُ حَيَوَانِهِ ‏,‏ أَوْ مَا يَحْمِلُ شَجَرُهُ الْعَامَ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ ‏;‏ لأََنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ شَيْئًا ‏,‏ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا لَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ وَالأَشْيَاءَ مَعَهُ وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ‏.‏ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَطِيَّةُ يَقْتَضِي كُلُّ ذَلِكَ مَوْهُوبًا وَمُتَصَدَّقًا ‏,‏ فَمَنْ أَعْطَى مَعْدُومًا أَوْ تَصَدَّقَ بِمَعْدُومٍ فَلَمْ يُعْطِ شَيْئًا ‏,‏ وَلاَ وَهَبَ شَيْئًا ‏,‏ وَلاَ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ‏.‏ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ النَّاسِ إِلاَّ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ عَلَى مَا لاَ تَعْرِفُ صِفَاتِهِ ، وَلاَ مَا هُوَ ‏,‏ وَلاَ مَا قَدْرُهُ ‏,‏ وَلاَ مَا يُسَاوِي ‏,‏ وَقَدْ تَطِيبُ نَفْسُ الْمَرْءِ غَايَةَ الطِّيبِ عَلَى بَذْلِ الشَّيْءِ وَبَيْعِهِ ‏,‏ وَلَوْ عَلِمَ صِفَاتِهِ وَقَدْرِهِ وَمَا يُسَاوِي لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ فَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْطَى أَوْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِرِطْلٍ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ ‏,‏ أَوْ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا الْبُرِّ ‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوقِعْ صَدَقَتَهُ ‏,‏ وَلاَ هِبَتَهُ ‏,‏ عَلَى مَكِيلٍ بِعَيْنِهِ ‏,‏ وَلاَ مَوْزُونٍ بِعَيْنِهِ ‏,‏ وَلاَ مَعْدُودٍ بِعَيْنِهِ ‏,‏ فَلَمْ يَهَبْ ، وَلاَ تَصَدَّقَ أَصْلاً‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ لاَ يَدْرِي ‏,‏ وَلاَ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا ‏,‏

وَأَمَّا الْحَبْسُ فَبِخِلاَفِ هَذَا كُلِّهِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ ‏,‏ وَلِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ الْوَارِدُ فِيهِ بِالنَّصِّ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا الْحَدِيثَ الَّذِي

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ دِحْيَةُ يَوْمَ خَيْبَرَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ قَالَ ‏:‏ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ ‏,‏ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ بِنْتَ حُيَيِّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَمَا تَصْلُحُ إِلاَّ لَكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اُدْعُهُ بِهَا ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَجَاءَ بِهَا ‏,‏ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ‏:‏ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً لَنَا ‏;‏ لأََنَّ الْعَطِيَّةَ لَوْ تَمَّتْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الْمَثَلُ السَّوْءُ ‏,‏ وَهُوَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ ‏:‏ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ ‏,‏ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ لَكِنَّ أَخْذَهَا وَتَمَامَ مِلْكِهِ لَهَا ‏,‏ وَكَمَالَ عَطِيَّتِهِ عليه السلام لَهُ ‏,‏ إذْ عَرَفَ عليه الصلاة والسلام عَيْنَهَا ‏,‏ أَوْ صِفَتَهَا ‏,‏ أَوْ قَدْرَهَا ‏,‏ وَمَنْ هِيَ

فإن قيل ‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عليه السلام اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْ دِحْيَةَ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ‏.‏

قلنا ‏:‏ كِلاَ الْخَبَرَيْنِ عَنْ أَنَسٍ صَحِيحٌ ‏,‏ وَتَأْلِيفُهُمَا ظَاهِرٌ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏"‏ إنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ ‏,‏ إنَّمَا مَعْنَاهُ بِأَخْذِهِ إيَّاهَا إذْ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَقَدْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ اشْتَرَاهَا عليه السلام بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ يُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عليه السلام عَوَّضَهُ مِنْهَا فَسَمَّى أَنَسٌ ذَلِكَ الْفِعْلَ شِرَاءً‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّ دِحْيَةَ إذْ أَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ خُذْ غَيْرَهَا ‏,‏ قَدْ سَأَلَهُ إيَّاهَا ‏,‏ وَكَانَ عليه السلام لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ ‏,‏ فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا‏.‏

فَصَحَّتْ لَهُ ‏,‏ وَصَحَّ وُقُوعُهَا فِي سَهْمِهِ ‏,‏ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ‏.‏ وَلاَ شَكَّ فِي صِحَّةِ الْخَبَرَيْنِ ‏,‏ وَلاَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِصِحَّتِهِمَا ‏,‏ إِلاَّ كَمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَمَا لاَ شَكَّ فِيهِ فَلاَ شَكَّ فِيمَا لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ ‏:‏ لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذِهِ عِدَةٌ لاَ عَطِيَّةٌ ‏,‏ وَقَدْ أَنْفَذَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه هَذِهِ الْعِدَّةَ بَعْد مَوْتِهِ عليه السلام وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1627 - مسألة‏:‏

وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ حَقٌّ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ‏,‏ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَك ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ قَدْ أَعْطَيْتُكَ مَا لِي عِنْدَك ‏,‏ أَوْ قَالَ لأَخَرَ ‏:‏ قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَ فُلاَنٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ أَعْطَيْتُك مَا لِي عِنْدَ فُلاَنٍ ‏:‏ فَلاَ يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي ذَلِكَ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ عِنْدَ فُلاَنٍ فِي أَيِّ جَوَانِبِ الدُّنْيَا هُوَ ‏,‏ وَلَعَلَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ الآنَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا بِلَفْظِ ‏:‏ الْإِبْرَاءِ ‏,‏ أَوْ الْعَفْوِ ‏,‏ أَوْ الْإِسْقَاطِ ‏,‏ أَوْ الْوَضْعِ‏.‏ وَيَجُوزُ أَيْضًا بِلَفْظِ ‏"‏ الصَّدَقَةِ ‏"‏ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ‏:‏ أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَهَذَا عُمُومٌ لِلْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏لأََهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا‏}‏‏.‏

قلنا ‏:‏ أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِبَاتُهُ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهَا أَفْعَالُ خَلْقِهِ ، وَلاَ هِبَاتُهُمْ ‏;‏ لأََنَّهُ تَعَالَى لاَ آمِرَ فَوْقَهُ ‏,‏ وَلاَ شَرْعَ يَلْزَمُهُ ‏,‏ بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ‏,‏ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ فَكَيْفَ وَذَلِكَ الْغُلاَمُ الْمَوْهُوبُ مَخْلُوقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ نَفْسٍ مَوْجُودَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُهَا ‏,‏ وَمِنْ تُرَابٍ ‏,‏ وَمَا تَتَغَذَّى بِهِ أُمُّهُ ‏,‏ قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُ كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ ‏,‏ وَقَدْ أَحَاطَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا بِأَعْيَانِ كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ بِخِلاَفِ خَلْقِهِ ‏,‏ وَالْكُلُّ مِلْكُهُ بِخِلاَفِ خَلْقِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ فَرَّقَ مُخَالِفُونَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ‏:‏ فَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الصَّدَقَةَ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ ‏,‏ وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ إِلاَّ مَقْبُوضَةً‏.‏ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الصَّدَقَةِ‏.‏ وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ ‏,‏ وَيَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ ‏,‏ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ‏,‏ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ ‏,‏ وَعَلَى آلِهِ ‏,‏ وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِمَا الْعَطَايَا ، وَلاَ الْهِبَاتُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1628 - مسألة‏:‏

وَلاَ تَجُوزُ الْهِبَةُ بِشَرْطٍ أَصْلاً ‏,‏ كَمَنْ وَهَبَ عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَهَا الْمَوْهُوبُ ‏,‏ أَوْ عَلَى أَنْ يُوَلِّدَهَا ‏,‏ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ ‏:‏ فَالْهِبَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَكُلُّ مَا لاَ يُعْقَدُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ عَقْدٌ بِهِ‏.‏

1629 - مسألة‏:

وَلَا تَجُوزُ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا الثَّوَابُ أَصْلًا ‏,‏ وَهِيَ فَاسِدَةٌ مَرْدُودَةٌ ‏;‏ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ فَهُوَ بَاطِلٌ ‏,‏ بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْمَنْعُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ‏}

وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورٍ مِنْ السَّلَفِ ‏.‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا يَحْيَى الْجَبَّانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا‏}‏ قَالَ ‏:‏ هُوَ هَدِيَّةُ الرَّجُلِ ‏,‏ أَوْ هِبَةُ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ ‏,‏ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ‏,‏ وَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ‏,‏ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ‏.‏ قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ هَذَا إذَا أَرَادَهُ بِقَلْبِهِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَهُ فَعَيْنُ الْبَاطِلِ وَالْإِثْمِ ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْعَوْفِيُّ نا أَبِي سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ‏}‏ قَالَ ‏:‏ لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ ‏,‏ قَالَ مَعْمَرٌ ‏:‏ وَقَالَهُ طَاوُوس أَيْضًا - وَقَالَ الْحَسَنُ ‏:‏ لَا تَمْنُنْ عَطِيَّتَك ‏,‏ وَلَا عَمَلَك ‏,‏ وَلَا تَسْتَكْثِرْ ‏.‏ وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ‏}‏ قَالَ ‏:‏ لَا تُعْطِ مَالًا مُصَانَعَةً رَجَاءَ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْ الثَّوَابِ مِنْ الدُّنْيَا ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ عَارِمٌ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ سَمِعْت عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ‏}‏ قَالَ ‏:‏ لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهُ ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ قَالَا جَمِيعًا ‏:‏ لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُصِيبَ أَفْضَلَ مِنْهُ ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نا الْهَرَوِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ نا الزِّبْرِقَانُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ ‏:‏ مَا أَعْطَيْتَ مِنْ شَيْءٍ تُرِيدُ بِهِ عَرَضَ الدُّنْيَا ‏,‏ أَوْ تُثَابُ عَلَيْهِ لَمْ يَصْعَدْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ ‏:‏ مَا أَعْطَيْتَ مِنْ هَدِيَّةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي يَصْعَدُ ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ‏}‏ قَالَ ‏:‏ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا ‏.‏ وَبِهِ إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو بَكْرٍ النَّرْسِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا إسْرَائِيلُ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ لَا تُعْطِ الْأَغْنِيَاءَ لِتُصِيبَ أَفْضَلَ مِنْهُ ‏.‏ وَبِهِ إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نا الْهَرَوِيُّ نا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ نا نَافِعٌ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ ‏:‏ لَا تُعْطِ شَيْئًا تَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهُ ‏.‏ وَبِإِبْطَالِ هِبَةِ الثَّوَابِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ ‏.‏ وَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمَا رَوَيَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ‏,‏ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه إجَازَتَهَا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ وَعَطَاءٍ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ‏,‏ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ - وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ ‏(‏الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏}‏ ‏.‏ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏:‏ أَمَّا مَالِكٌ ‏:‏ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا ‏;‏ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ ‏,‏ وَهَؤُلَاءِ يُجِيزُونَ ذَلِكَ ‏.‏ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَمُخَالِفٌ لَهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏.‏ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا ‏.‏ وَأَمَّا ‏(‏الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏)‏ فَقَدْ تَقَدَّمَ إبْطَالُنَا لِهَذَا الِاحْتِجَاجِ الْفَاسِدِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ - ‏:‏

أَوَّلُهَا - أَنَّهُ كَلَامٌ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَوَاهُ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ ‏;‏ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ رِوَايَةِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ - أَوْ مُرْسَلٌ ‏.‏ وَالثَّانِي - أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ مَنْ شَرَطَ لِآخَرَ أَنْ يُغَنِّيَ لَهُ ‏,‏ أَوْ أَنْ يَزْفِنَ لَهُ ‏,‏ أَوْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ إلَى الْبُسْتَانِ ‏,‏ أَوْ أَنْ يَصْبُغَ قَمِيصَ نَفْسِهِ أَحْمَرَ ‏:‏ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ‏.‏ وَقَدْ أَبْطَلُوا كَثِيرًا مِنْ الْعُقُودِ بِكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوطِ ‏,‏ فَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَهُمْ ‏"‏ ‏(‏الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏)‏ فَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسُوا عِنْدَ شُرُوطِهِمْ عَلَى الْجُمْلَةِ ‏.‏ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ ‏,‏ فَقَدْ أَفْصَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِأَنَّ ‏(‏كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ‏)‏ ‏,‏ فَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرِطُوا شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏ وَالثَّالِثُ - أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشُّرُوطِ فَيُقَالُ ‏:‏ شُرُوطُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا فِي الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ ‏,‏ لَا فِي الشُّرُوطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَإِبْطَالِهِ إيَّاهُ إذَا وَقَعَ - فَصَحَّ أَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا هِيَ الشُّرُوطُ الْمَنْصُوصَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْمُفْتَرَضِ اتِّبَاعُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ جَوَازَ شَرْطٍ إلَّا بِوُرُودِ النَّصِّ بِجَوَازِهِ ‏,‏ وَإِلَّا فَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِإِبْطَالِ كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَضَحَ الْأَمْرُ فِي بُطْلَانِ هِبَةِ الثَّوَابِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏ وَقَالَ مَنْ أَجَازَهَا ‏:‏ هِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ ‏.‏ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏:‏ وَهَذَا بَاطِلٌ ‏;‏ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مَذْكُورٍ ‏,‏ وَلَا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ ‏,‏ وَهِبَةُ الثَّوَابِ لَمْ يُذْكَرْ ثَوَابُهَا ‏,‏ وَلَا عُرِفَ ‏,‏ فَهِيَ إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَهِيَ بَيْعٌ فَاسِدٌ حَرَامٌ خَبِيثٌ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْعًا فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُهُمْ لَهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ ‏.‏ وَلَهُمْ هَاهُنَا تَخَالِيطُ شَنِيعَةٌ - ‏:‏ مِنْهَا ‏:‏ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ‏:‏ كُلُّ هِبَةٍ وَقَعَتْ عَلَى اشْتِرَاطِ عِوَضٍ مَعْلُومٍ فَهِيَ وَعِوَضُهَا فِي حُكْمِ الْهِبَةِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا الْهِبَةَ وَعِوَضَهَا ‏.‏ وَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ فَإِذَا تَقَابَضَا ذَلِكَ حَلَّا مَحَلَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ ‏,‏ وَلَا رُجُوعَ لَهُمَا بَعْدَ التَّقَابُضِ - فَهَلَّا سُمِعَ بِأَفْسَدَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ تَكُونَ هِبَةٌ تَنْقَلِبُ بَيْعًا هَكَذَا مُطَارَفَةً بِشَرْعِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى ‏؟‏ وَأَجَازُوا هَذِهِ الْهِبَةَ وَهَذَا الشَّرْطَ ‏.‏ ثُمَّ قَالُوا ‏:‏ مَنْ وَهَبَ لِآخَر هِبَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ بَعْضَهَا - أَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ ‏,‏ أَوْ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ ‏,‏ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُمَا ‏,‏ فَقَبَضَهَا فَالْهِبَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ‏.‏ فَمَرَّةً جَازَ الشَّرْطُ وَالْهِبَةُ ‏,‏ وَمَرَّةً جَازَتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ - فَهَلْ فِي التَّحَكُّمِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا ‏؟‏ وَقَالَ مَالِكٌ ‏:‏ الْهِبَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ - ‏:‏ أَحَدُهُمَا - هِبَةٌ لِذِي رَحِمٍ عَلَى الصِّلَةِ ‏,‏ وَهِبَةُ الْوَالِدَيْنِ لِلْوَلَدِ ‏,‏ وَهِبَةٌ لِلثَّوَابِ ‏.‏ فَهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ بِصِحَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

1630 - مسألة‏:‏

وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً سَالِمَةً مِنْ شَرْطِ الثَّوَابِ ‏,‏ أَوْ غَيْرِهِ ‏,‏ أَوْ أَعْطَى عَطِيَّةً كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةِ كَذَلِكَ ‏,‏ فَقَدْ تَمَّتْ بِاللَّفْظِ ، وَلاَ مَعْنَى لِحِيَازَتِهَا ‏,‏ وَلاَ لِقَبْضِهَا ، وَلاَ يُبْطِلُهَا تَمَلُّكُ الْوَاهِبِ لَهَا ‏,‏ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا‏.‏ وَسَوَاءٌ بِإِذْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ‏,‏ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ أَمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ‏,‏ سَوَاءٌ تَمَلَّكَهَا إلَى أَنْ مَاتَ ‏,‏ أَوْ مُدَّةً يَسِيرَةً أَوْ كَثِيرَةً عَلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ كَانَتْ أَوْ عَلَى كَبِيرٍ ‏,‏ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا اسْتَغَلَّ مِنْهَا كَالْغَصْبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي حَيَاتِهِ ‏,‏ وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ‏,‏ أَوْ قَرِيبٍ صَغِيرٍ ‏,‏ أَوْ كَبِيرٍ وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُهُ حُكْمُ هِبَةٍ ‏,‏ وَلاَ صَدَقَةٍ ‏,‏ وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ إلَى الَّذِي وَهَبَهَا لَهُ ‏,‏ فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ مُخْتَارًا ‏,‏ فَحِينَئِذٍ تَمَّتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ‏,‏ وَصَحَّ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ بِذَلِكَ مِلْكٌ ‏,‏ وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّهَا إلَى الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ إِلاَّ الصَّغِيرَ ‏,‏ فَإِنَّ أَبَاهُ أَوْ وَصِيَّهُ يَقْبِضَانِ لَهُ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ ‏,‏ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ ‏,‏ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ ‏,‏ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ‏:‏ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ الْحَائِزُ لِلصَّغِيرِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ ‏,‏ وَلِلْأُنْثَى تُنْكَحُ وَتَرْشُدُ‏.‏ فَإِنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدٍ كَبِيرٍ ‏,‏ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ‏:‏ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا فَإِنْ قَبَضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ قَبْضٌ صَحِيحٌ ‏,‏ فَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ ‏,‏ وَالْهِبَةُ أَوْ الصَّدَقَةُ فِي يَدِهِ وَاعْتِمَارِهِ ‏:‏ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَعَادَتْ مِيرَاثًا فَإِنْ دَفَعَ الْبَعْضَ وَاعْتَمَرَ الْبَعْضَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ‏:‏ بَطَلَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ ‏:‏ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا اعْتَمَرَ وَفِيمَا لَمْ يَعْتَمِرْ‏.‏

وقال الشافعي فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا وَالصَّدَقَاتِ الْمُطْلَقَةِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَفِي الأَحْبَاسِ فَقَطْ بِالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَصْحَابِنَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ احْتَجَّ مَنْ لَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ ‏,‏ وَالصَّدَقَةَ إِلاَّ بِالْقَبْضِ ‏:‏ بِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ ‏:‏ مَالِي مَالِي ‏,‏ وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ‏,‏ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ وَيَقُولُ ‏:‏ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ ‏:‏ مَالِي مَالِي ‏,‏ وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ‏,‏ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ‏,‏ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَشَرَطَ عليه الصلاة والسلام فِي الْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ الْإِمْضَاءَ ‏,‏ وَهُوَ الْإِقْبَاضُ وَقَالُوا ‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْقَرْضِ ‏,‏ وَالْعَارِيَّةِ ‏,‏ فَلاَ يَصِحَّانِ إِلاَّ مَقْبُوضَيْنِ ‏,‏ بِعِلَّةِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ ‏,‏ وَعَلَى الْوَصِيَّةِ ‏,‏ فَلاَ تَصِحُّ بِاللَّفْظِ وَحْدَهُ ‏,‏ لَكِنْ بِمَعْنًى آخَرَ مُقْتَرِنٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَوْتُ‏.‏ وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏"‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا ‏:‏ إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا ‏,‏ فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك فَإِذْ لَمْ تَفْعَلِي فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ ‏,‏ وَذَكَرَ الْخَبَرَ ‏,‏ وَفِيهِ ‏:‏ أَنَّهَا قَالَتْ ‏"‏ وَاَللَّهِ يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَرَدَدْته ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ ‏:‏ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ ‏,‏ قَالَ لَهَا ‏:‏ إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْضِي الَّتِي بِالْغَابَةِ ‏,‏ وَإِنَّك لَوْ كُنْتِ احْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك ‏,‏ فَإِذَا لَمْ تَفْعَلِي ‏,‏ فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ‏,‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَارِي ‏:‏ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ ‏:‏ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَنْحَلُونَ أَوْلاَدَهُمْ فَإِذْ مَاتَ الأَبْنُ قَالَ الأَبُ ‏:‏ مَالِي وَفِي يَدِي ‏,‏ وَإِذَا مَاتَ الأَبُ قَالَ ‏:‏ قَدْ كُنْتُ نَحَلْتُ ابْنِي كَذَا وَكَذَا ‏;‏ لاَ نَحْلَ إِلاَّ لِمَنْ حَازَهُ وَقَبَضَهُ عَنْ أَبِيهِ‏.‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ شُكِيَ ذَلِكَ إلَيْهِ ‏,‏ فَقَالَ عُثْمَانُ ‏:‏ نَظَرْنَا فِي هَذِهِ النُّحُولِ فَرَأَيْنَا أَحَقَّ مَنْ يَحُوزُ عَلَى الصَّبِيِّ أَبُوهُ فَهَذِهِ أَصَحُّ رِوَايَةٍ فِي هَذَا ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلاً ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ ‏:‏ مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا ‏,‏ وَإِنْ مَاتَ قَالَ ‏:‏ لأَبْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إيَّاهُ ‏,‏ مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً لَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى تَكُونَ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ فَهِيَ بَاطِلٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ مَنْ نَحَلَ وَلَدًا صَغِيرًا لَهُ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَةً فَأَعْلَنَ بِهَا ‏,‏ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ وَبُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ ‏:‏ مِنْ هَذَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏,‏ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏,‏ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ عَمْرٌو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدٌ وَعَطَاءٌ ‏,‏ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَابْنَ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنَ عُمَرَ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ لاَ تَجُوزُ صَدَقَةٌ حَتَّى تُقْبَضَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏:‏ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لاَ يُجِيزُ الصَّدَقَةَ حَتَّى تُقْبَضَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ ‏,‏ وَزَادَ فِيهِ ‏:‏ إِلاَّ الصَّبِيَّ بَيْنَ أَبَوَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ أَنَّ شُرَيْحًا وَمَسْرُوقًا ‏,‏ كَانَا لاَ يُجِيزَانِ صَدَقَةً إِلاَّ مَقْبُوضَةً وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقْضِي بِذَلِكَ‏.‏ قَالَ هُشَيْمٌ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا كَانَتْ فِي يَدِهِ فَإِذَا أَمْضَاهَا فَقُبِضَتْ ‏,‏ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ‏.‏

قال علي ‏:‏ هذا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ ‏,‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا ‏,‏ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ‏,‏

فأما قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ‏:‏ إِلاَّ مَا تَصَدَّقْتَ ‏,‏ أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ فَلَمْ يَقُلْ عليه السلام ‏:‏ إنَّ الْإِمْضَاءَ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّصَدُّقِ ‏,‏ وَالْإِعْطَاءِ ‏,‏ وَلاَ جَاءَ ذَلِكَ قَطُّ فِي لُغَةٍ ‏,‏ بَلْ كُلُّ تَصَدُّقٍ وَإِعْطَاءٍ إعْطَاءٌ ‏,‏ فَاللَّفْظُ بِهِمَا إمْضَاءٌ لَهُمَا ‏,‏ وَإِخْرَاجٌ لَهُمَا عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ كَمَا أَنَّ الأَكْلَ نَفْسَهُ هُوَ الْإِفْنَاءُ ‏,‏ وَاللِّبَاسُ هُوَ الْإِبْلاَءُ ‏;‏ لأََنَّ لِكُلِّ لُبْسَةٍ حَظُّهَا مِنْ الْإِبْلاَءِ ‏,‏ فَإِذَا تَرَدَّدَ اللِّبَاسُ ظَهَرَ الْإِبْلاَءُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ ‏:‏ مَا لِي هَذَا صَدَقَةٌ عَلَى فُلاَنٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ قَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذَا الشَّيْءِ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ مَالِي هَذَا هِبَةٌ لِفُلاَنٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ قَدْ وَهَبْتُهُ لِفُلاَنٍ ‏:‏ فَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِمَّنْ يُحْسِنُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ فِي أَنَّهُ يُقَالُ ‏:‏ قَدْ تَصَدَّقَ فُلاَنٌ بِكَذَا عَلَى فُلاَنٍ ‏,‏ وَقَدْ وَهَبَ لَهُ كَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ كَامِلَةً تَامَّةً بِاللَّفْظِ ‏,‏ لَكَانَ الْمُخْبِرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَصَدَّقَ ‏,‏ أَوْ وَهَبَ كَاذِبًا فَوَجَبَ حَمْلُ الْحُكْمِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ اللُّغَةُ ‏,‏ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِحُكْمٍ زَائِدٍ لاَ تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَيُعْمَلُ بِهِ‏.‏ وَيُسْأَلُ الْمَالِكِيُّونَ خَاصَّةً عَمَّنْ قَالَ ‏:‏ قَدْ وَهَبْتُ هَذَا الشَّيْءَ لَك ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ هَذَا الشَّيْءُ هِبَةٌ لَك ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ قَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذَا ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ هَذَا صَدَقَةٌ عَلَيْك أَتَصَدَّقُ ‏,‏ وَوَهَبَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَمْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ ، وَلاَ وَهَبَهُ ، وَلاَ ثَالِثَ لِهَذَا التَّقْسِيمِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ وَوَهَبَهُ

قلنا ‏:‏ فَإِذْ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ وَوَهَبَهُ فَقَدْ تَمَّتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَصَحَّتْ ‏,‏ فَمَا يَضُرُّهُمَا تَرْكُ الْحِيَازَةِ وَالْقَبْضِ ‏,‏ إذَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لَمْ يَهَبْ ، وَلاَ تَصَدَّقَ

قلنا ‏:‏ فَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ إجْبَارَهُ وَالْحُكْمَ عَلَيْهِ بِدَفْعِ مَالٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُتَصَدَّقْ بِهِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ وَهَبَهُ إلَى مَنْ لَمْ يَهَبْهُ لَهُ ، وَلاَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ هَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ ‏,‏ وَلاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْ أَحَدِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ دُونَ الصَّحَابَةِ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا وَالْخِلاَفُ قَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏

وَأَيْضًا فَأَكْثَرُ تِلْكَ الأَخْبَارِ إمَّا لاَ تَصِحُّ ‏,‏

وَأَمَّا قَدْ جَاءَتْ بِخِلاَفِ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ أَلْفَاظِهَا ‏,‏

وَأَمَّا قَدْ خَالَفُوا أُولَئِكَ الصَّحَابَةَ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ ‏,‏ كَمَجِيءِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ‏,‏ أَوْ بِأَصَحَّ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الْهِبَةَ ‏,‏ وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْقَرْضِ ‏,‏ وَالْوَصِيَّةِ ‏,‏ وَالْعَارِيَّةِ ‏:‏ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ ‏:‏ أَمَّا الْقَرْضُ ‏:‏ فَقَدْ أَبْطَلُوا وَهُوَ لاَزِمٌ بِاللَّفْظِ وَمَحْكُومٌ بِهِ ، وَلاَ بُدَّ إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا ‏,‏ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الْقَرْضِ بِعَدَمِ الْإِقْبَاضِ مِثْلُ مَا يَبْطُلُ مِنْ الْهِبَةِ ‏,‏ وَالصَّدَقَةِ ‏,‏ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ ‏,‏ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ قَدْ أَقْرَضْتُكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ مَالِي ‏,‏ أَوْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ مَالِي ‏,‏ أَوْ وَهَبْتُكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ مَالِي ‏:‏ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَلْزَمُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ‏:‏ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ ‏,‏ إِلاَّ فِي مُعَيَّنٍ ‏,‏ وَإِلَّا فَلَيْسَ وَاهِبًا لِشَيْءٍ ‏,‏ وَلاَ مُتَصَدِّقًا بِشَيْءٍ ‏,‏ وَلاَ مُقْرِضًا لِشَيْءٍ‏.‏ وَالْقَوْلُ فِي الْعَارِيَّةِ كَالْقَوْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَرْضَ يَرْجِعُ فِيهِ مَتَى أَحَبَّ ‏,‏ وَالْعَارِيَّةَ كَذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ يَرْجِعُ عِنْدَنَا فِي الْهِبَةِ ، وَلاَ فِي الصَّدَقَةِ ‏,‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ‏,‏ وَالْقَرْضَ تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ بِعِوَضٍ ‏,‏ وَالْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ أَصْلاً ‏:‏ فَبَطَلَ قِيَاسُ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ لأَخْتِلاَفِ أَحْكَامِهَا‏.‏ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ ‏:‏ اتِّفَاقُ جَمِيعِهَا فِي أَنَّهَا بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ فَأَنَا أَقِيسُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ افْتِرَاقُهَا فِي أَحْكَامِهَا يُوجِبُ أَنْ لاَ يُقَاسَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ‏,‏ وَإِذَا كَانَ الأَتِّفَاقُ يُوجِبُ الْقِيَاسَ ‏,‏ فَالأَفْتِرَاقُ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ تَحَكَّمُوا بِالدَّعْوَى بِلاَ

برهان‏.‏ وَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ هَلَّا قِسْتُمْ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى النَّذْرِ الْوَاجِبِ عِنْدَكُمْ بِاللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ ‏,‏ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ ‏:‏ فَقَدْ كَفَوْنَا مُؤْنَةَ قِيَاسِهِمْ عَلَيْهَا ‏,‏ لأََنَّهُمْ لاَ يُوجِبُونَ فِيهَا الصِّحَّةَ بِالْقَبْضِ أَصْلاً ‏,‏ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ بِالْمَوْتِ فَقَطْ‏.‏ وَقَوْلُهُمْ ‏:‏ لاَ تَجِبُ بِاللَّفْظِ دُونَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ فَاسِدٌ ‏;‏ لأََنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يُوجِبْ الْوَصِيَّةَ قَطُّ بِلَفْظِهِ ‏,‏ بَلْ إنَّمَا أَوْجَبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَحِينَئِذٍ وَجَبَتْ بِمَا أَوْجَبَهَا بِهِ فَقَطْ دُونَ مَعْنًى آخَرَ ‏:‏ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبَرْدُهُ وَغَثَاثَتُهُ ‏,‏ وَمُخَالَفَتُهُ لِلْحَقِّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَنَبْدَأُ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ لَمَّا نَصَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ ‏,‏ فَلاَ يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَخْلاً تَجِدُّ مِنْهَا عِشْرِينَ وَسْقًا‏.‏

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَمْرًا يَكُونُ عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً ‏,‏ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَيُّ الأَمْرَيْنِ كَانَ فَإِنَّمَا هِيَ عِدَةٌ ، وَلاَ يَلْزَمُ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ عِنْدَهُمْ ، وَلاَ عِنْدَنَا ‏;‏ لأََنَّهَا لَيْسَتْ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ النَّخْلِ ‏,‏ وَلاَ مُعَيَّنٍ مِنْ التَّمْرِ ‏,‏ وَقَدْ تَجِدُّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً ‏,‏ وَقَدْ تَجِدُّ مِنْ مِائَتَيْ نَخْلَةٍ ‏,‏ وَقَدْ لاَ تَجِدُّ مِنْ نَخْلَةٍ بِالْغَابَةِ عِشْرِينَ وَسْقًا لِعَاهَةٍ تُصِيبَ الثَّمَرَةَ ‏,‏ فَهَذَا لاَ يَتِمُّ إِلاَّ حَتَّى يُعَيِّنَ النَّخْلَ أَوْ الأَوْسَاقَ فِي نَخْلَةٍ ‏,‏ فَيَتِمُّ حِينَئِذٍ بِالْجِدَادِ وَالْحِيَازَةِ ‏,‏ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ الْهِبَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَحْدُودَةِ ‏,‏ وَلاَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ فِي وِرْدٍ ، وَلاَ صَدْرٍ ‏,‏ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُوهِمُونَ فِي الأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا‏.‏

وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ عُرْوَةَ ‏,‏ وَآخَرُ هُوَ مِثْلُ عُرْوَةَ بِخِلاَفِ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏:‏ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏:‏ يَا بُنَيَّةُ ‏,‏ إنِّي نَحَلْتُك نَخْلاً مِنْ خَيْبَرَ ‏,‏ وَإِنِّي أَخَاف أَنْ أَكُونَ آثَرْتُكِ عَلَى وَلَدِي ‏,‏ وَأَنَّكِ لَمْ تَكُونِي احْتَزْتِيهِ فَرُدِّيهِ عَلَى وَلَدِي فَقَالَتْ ‏:‏ يَا أَبَتَاهُ ‏,‏ لَوْ كَانَتْ لِي خَيْبَرُ بِجِدَادِهَا لَرَدَدْتهَا‏.‏ فَالْقَاسِمُ لَيْسَ دُونَ عُرْوَةَ ‏,‏ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ لَيْسَ دُونَ ابْنِ شِهَابٍ ‏;‏ لأََنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ لَمْ يَأْخُذْ الزُّهْرِيُّ عَنْهُمْ ‏,‏ كَأَسْمَاءِ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا ، وَابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ دُونَ مَالِكٍ‏.‏ وَهَذِهِ السِّيَاقَةُ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا لاَ لِقَوْلِهِمْ‏.‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مَا رَوَوْهُ مِمَّا لاَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ ‏,‏ بَلْ يُخَالِفُهُ ‏:‏ حُجَّةً لِمَا لاَ يُوَافِقُهُ ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ مَا رُوِّينَاهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا ‏:‏ حُجَّةً لِمَا يُوَافِقُهُ هَذِهِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ مِمَّنْ أَطْلَقَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ قَالَتْ ‏:‏ قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ حِين أُحْضِرَ ‏:‏ إنِّي قَدْ كُنْتُ أَبَنْتُكِ بِنُحْلٍ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذِي مِنْهُ قِطَاعًا أَوْ قِطَاعَيْنِ ثُمَّ تَرُدِّينَهُ إلَى الْمِيرَاثِ قَالَتْ ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ‏.‏ ، وَلاَ خِلاَفَ مِنْ أَنَّ مَسْرُوقًا أَجَلُّ مِنْ عُرْوَةَ ‏;‏ لأََنَّهُ أَفْتَى فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ وَكَانَ أَخَصَّ النَّاسِ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَشَقِيقٌ أَجَلُّ مِنْ الزُّهْرِيِّ ‏;‏ لأََنَّهُ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرَهُ ‏,‏ وَصَحِبَ الصَّحَابَةَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ عليه الصلاة والسلام الأَكَابِرَ الأَكَابِرَ‏.‏ وَالأَعْمَشُ إنَّمَا يُعَارَضُ بِهِ شُيُوخَ مَالِكٍ ‏;‏ لأََنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ أَنَسًا وَرَآهُ ‏,‏ فَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْ الْقَرْنِ الثَّانِي ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ كَمَا تَرَى بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَرَدَّهُ بِإِذْنِهَا ‏,‏ لاَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِاللَّفْظِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُرْسَلاً كَذَلِكَ ‏,‏ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ جُمْلَةً وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْهِبَةَ جَائِزَةً بِغَيْرِ قَبْضٍ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ صَدَقَةٌ حَتَّى تُقْبَضَ فَبَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّ رَاوِيَهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ هَالِكٌ مُطْرَحٌ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ الْمُوَافِقَةُ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ فَلاَ شَيْءَ ‏;‏ لأََنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَا وَالرِّوَايَةُ عَنْ مُعَاذٍ فِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ‏,‏ وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ فَهِيَ حُجَّةٌ إِلاَّ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا ‏:‏ فَعُمَرُ عَمَّ كُلَّ مَوْهُوبٍ ‏,‏ وَعُثْمَانُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ صِغَارَ الْوَلَدِ ‏,‏ وَإِنَّمَا هِيَ رَأْيٌ مِنْ رَأْيِهِمَا اخْتَلَفَا فِيهِ ‏,‏ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعَائِشَةَ خِلاَفُ ذَلِكَ ‏,‏ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ فِي النُّحْلِ خَاصَّةً ‏,‏ لاَ فِي الصَّدَقَةِ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ الصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ ‏,‏ قُبِضَتْ أَوْ لَمْ تُقْبَضْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَابْنُ مَسْعُودٍ ‏:‏ يُجِيزَانِ الصَّدَقَةَ وَإِنْ لَمْ تُقْبَضْ فَهَذَا إسْنَادٌ كَإِسْنَادِ حَدِيثِ مُعَاذٍ ‏,‏ وَتِلْكَ الْمُنْقَطِعَاتُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ ‏[‏ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏]‏ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ نَحَلَنِي أَبِي نِصْفَ دَارِهِ ‏,‏ فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ ‏:‏ إنْ سَرَّك أَنْ تَحُوزَ ذَلِكَ فَاقْبِضْهُ ‏,‏ فَإِنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الأَنْحَالِ ‏:‏ مَا قُبِضَ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ ‏,‏ وَمَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ فَهَذَا أَنَسٌ بِأَصَحِّ سَنَدٍ لاَ يَرَى الْحِرْزَ شَيْئًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لأَمْرَأَتِهِ قَالَ ‏:‏ هِيَ جَائِزَةٌ لَهَا ‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهَا‏.‏ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ كَقَضَائِهِمَا بِوَلَدِ الْمُسْتَحَقَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ ‏,‏ وَقَضَائِهِمَا فِي وَلَدِ الْعَرَبِيِّ مِنْ الأَمَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ‏,‏ وَكَإِبَاحَتِهِمَا الأَشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ‏.‏ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ مِنْ إبْطَالِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ‏.‏ وَكَكَلاَمِ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْخُطْبَةِ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ‏,‏ إذْ ذَكَرَ لَهُ عُمَرُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ ‏,‏ وَكَإِيجَابِهِمَا الْقِصَاصَ مِنْ الْوَكْزَةِ وَاللَّطْمَةِ ‏,‏ وَسُجُودِهِمَا فِي الْخُطْبَةِ ‏,‏ إذْ قَرَآ السَّجْدَةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ دُونَ مُخَالِفٍ وَقَوْلُهُمَا ‏:‏ مَنْ أَشْعَرَ لَزِمَتْهُ الْحُدُودُ ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ وَكَتَخْيِيرِهِمَا الْمَفْقُودَ إذَا قَدِمَ امْرَأَتَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا ‏,‏ فَمَرَّةً هُمَا حُجَّةٌ وَمَرَّةً لَيْسَا حُجَّةً‏.‏

وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فِيمَنْ اعْتَمَرَ مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ وَهَبَ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَهُ ‏,‏ أَوْ مَا دُونَ الثُّلُثِ ‏,‏ فَقَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ مَعَ تَنَاقُضِهِ هَاهُنَا ‏,‏ فَجَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ ‏,‏ وَجَعَلَهُ فِيمَا تَحْكُمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَفْظَةٌ ‏;‏ لأََنَّ جَمِيعَهُمْ إمَّا مُبْطِلٌ لِلْهِبَةِ فِيمَا لَمْ يَجُزْ جُمْلَةً ‏,‏ أَوْ فِي الصَّدَقَةِ كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ مُجِيزٌ لَهُ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏:‏ إنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ فَلَيْسَ قَبْضًا فَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ ‏,‏ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ‏.‏ وَعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ ‏;‏ لأََنَّهُمَا رضي الله عنهما لَمْ يَقُولاَ حَتَّى يَقْبِضَ بِإِذْنِهِ ‏,‏ لَكِنْ قَالاَ ‏:‏ حَتَّى يَقْبِضَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً وَإِجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ الْحُجَّةَ وَالْإِجْمَاعَ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا حُجَّةً ، وَلاَ إجْمَاعًا فَلاَ مَعْنَى لأَحْتِجَاجِهِمْ بِهِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِكُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ فَإِنَّنَا

رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصَّدَقَةَ جُمْلَةٌ تَتِمُّ بِلاَ حِيَازَةٍ وَاحْتَجُّوا ‏:‏ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَكُونُ إِلاَّ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏

قال أبو محمد ‏,‏ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏;‏ لأََنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَهِيَ بَاطِلٌ ‏,‏ فَلَوْ عَمِلْنَا ذَلِكَ لَمَا أَجَزْنَاهَا ‏,‏ إذْ كُلُّ عَمَلٍ عُمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ ‏,‏ وَنُبْطِلُ قَوْلَهُ فِي الْهِبَةِ بِمَا أَبْطَلْنَا بِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ بِأَنَّ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ الْمُطْلَقَةِ يَمْلِكُهَا أَرْبَابُهَا ‏,‏ فَاحْتَاجُوا إلَى الْقَبْضِ

وَأَمَّا الْحُبَسُ فَلاَ مَالِكَ لَهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي قَبْضَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ فَلاَ قَابِضَ لَهَا دُونَهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ الأَرْضُ كُلُّهَا وَكُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ عَنْ مِلْكِهِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ ‏,‏ وَقَدْ بَطَلَ قَوْلُهُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَإِذَا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ ‏,‏ فَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏ ‏,‏ وَهَذَا مَكَانُ الأَحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الآيَةِ ‏,‏ لاَ حَيْثُ احْتَجُّوا بِهَا مِمَّا بَيَّنَتْ السُّنَنُ أَنَّهُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِيهَا‏.‏

وَكَذَلِكَ قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏‏.‏ وَمَنْ تَلَفَّظَ بِالْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً ‏,‏ وَعَقَدَ عَقْدًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ إبْطَالُهُ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ فِي إبْطَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1631 - مسألة‏:‏

وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً صَحِيحَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا أَصْلاً مُذْ يَلْفِظُ بِهَا إِلاَّ الْوَالِدَ ‏,‏ وَالْأُمَّ فِيمَا أَعْطَيَا ‏,‏ أَوْ أَحَدُهُمَا لِوَلَدِهِمَا فَلَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ‏.‏ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ الأَبْنَةُ عَلَى تِلْكَ الْعَطِيَّةِ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجَا ‏,‏ دَايَنَا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنَا ‏,‏ فَإِنْ فَاتَ عَيْنُهَا فَلاَ رُجُوعَ لَهُمَا بِشَيْءٍ ‏,‏ وَلاَ رُجُوعَ لَهُمَا بِالْغَلَّةِ ، وَلاَ بِالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْهِبَةِ ‏,‏ فَإِنْ فَاتَ الْبَعْضُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ أَوْ لِوَلَدٍ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا أَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَلاَ رُجُوعَ لأََحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِيمَا وَهَبَ‏.‏ وَمَنْ وَهَبَ لأََجْنَبِيٍّ ‏,‏ أَوْ لِمَوْلًى ‏,‏ أَوْ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ ‏:‏ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا ‏,‏ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ مِنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ مَا لَمْ تَزِدْ الْهِبَةُ فِي بَدَنِهَا ‏,‏ أَوْ مَا لَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ أَوْ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ ‏,‏ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ ‏,‏ أَوْ مَا لَمْ يُعَوِّضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ ‏,‏ أَوْ غَيْرُهُ عَنْهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا يَقْبَلُهُ الْوَاهِبُ ‏,‏ فَأَيُّ هَذِهِ الأَسْبَابِ كَانَ فَلاَ رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلاَّ بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَحَبَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ كَرِهَ قَالَ ‏:‏ فَلَوْ وَهَبَ آخَرُ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ وَالْخَيْرَ ‏,‏ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِيهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَأَدَّاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا ‏,‏ أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً فَأَسْلَمَتْ فَلاَ رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيهَا‏.‏

وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلاَ رُجُوعَ لِلْمُتَصَدِّقِ فِيهَا لأََجْنَبِيٍّ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ بِخِلاَفِ الْهِبَةِ

وقال مالك ‏:‏ لاَ رُجُوعَ لِوَاهِبٍ ، وَلاَ لِمُتَصَدِّقٍ فِي هِبَتِهِ أَصْلاً ‏,‏ لاَ لأََجْنَبِيٍّ ، وَلاَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ ‏,‏ إِلاَّ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَقَطْ ‏,‏ وَفِيمَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ أَوْ ابْنَتِهِ الْكَبِيرَيْنِ أَوْ الصَّغِيرَيْنِ ‏,‏ مَا لَمْ يَقُلْ ‏:‏ إنَّهُ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ هَذَا فَلاَ رُجُوعَ لَهُ فِيمَا وَهَبَ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ ‏,‏ مَا لَمْ يُدَايِنْ الْوَلَدَ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ ‏,‏ أَوْ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ الأَبْنُ أَوْ الأَبْنَةُ عَلَيْهَا ‏,‏ أَوْ مَا لَمْ يَثِبْ الْوَلَدُ أَوْ الأَبْنَةُ أَبَاهُمَا عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ فَقَدْ بَطَلَ رُجُوعُ الأَبِ فِي الْهِبَةِ‏.‏ وَتَرْجِعُ الْأُمُّ كَذَلِكَ فِيمَا وَهَبَتْ الْأُمُّ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ خَاصَّةً مَا دَامَ أَبُوهُمْ حَيًّا ‏,‏ فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ فَلاَ رُجُوعَ لَهَا ‏,‏

وَكَذَلِكَ لاَ رُجُوعَ لَهَا فِيمَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الْكِبَارِ ‏,‏ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَهِبَةُ الثَّوَابِ صَاحِبُهَا الْوَاهِبُ لَهَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا ‏,‏ فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ‏.‏ فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ ‏,‏ فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُمْ قَوْلاَنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ أَنَّهُ لاَ رُجُوعَ لَهُ ‏,‏ وَالآخَرُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مَا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الثَّوَابِ ‏,‏ وَلاَ ثَوَابَ عِنْدَهُمْ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ ‏,‏ وَلاَ لِلْفَقِيرِ فِيمَا أَهْدَى إلَى الْغَنِيِّ يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ ‏;‏ كَالْمَوْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ‏:‏ وَلاَ رُجُوعَ فِي صَدَقَةٍ أَصْلاً ‏,‏ لاَ لِوَالِدٍ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذِهِ أَقَاوِيلُ لاَ تُعْقَلُ ‏,‏ وَفِيهَا مِنْ التَّضَادِّ ‏,‏ وَالدَّعَاوَى بِلاَ دَلِيلٍ مَا يَكْفِي سَمَاعُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ ‏,‏ فَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْفَقِيرِ يُهْدِي إلَى الْغَنِيِّ يُقَدِّمُ الْمَوْزَ وَنَحْوَهُ مِنْ طَلَبِ الثَّوَابِ ‏,‏ وَمَا أَحَدٌ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْهُ ‏,‏ وَإِطْلاَقُهُمْ الْغَنِيَّ عَلَى طَلَبِ الثَّوَابِ ‏,‏ وَمَنْعُهُمْ الْأُمَّ مِنْ الرُّجُوعِ إذَا مَاتَ أَبُو وَلَدِهَا ‏,‏ وَإِبَاحَتُهُمْ لَهَا الرُّجُوعَ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا ‏,‏ وَإِبَاحَتُهُمْ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِيَتِيمٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ ‏,‏ وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُكْمِ الْوَالِدِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ تَخْصِيصُهُمْ إذَا تَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ الأَبْنَةُ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ بِالْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا ‏,‏ إذْ رَأَى الإِسْلاَمَ بَعْدَ الْكُفْرِ خَيْرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ‏,‏ وَلَمْ يَرَ تَعَلُّمَ الْقُرْآنِ خَيْرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ‏.‏ وَإِذَا رَأَى أَدَاءَ دَيْنِ الْعَبْدِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ‏,‏ وَلَمْ يَرَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَإِذَا لَمْ يَرَ الرُّجُوعَ إِلاَّ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ هَذَا عَجَبٌ جِدًّا ‏,‏ وَلَئِنْ كَانَ الرُّجُوعُ حَقًّا فَمَا بَالُهُ لاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْحَاكِمِ ‏,‏ وَلَئِنْ كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي إبْطَالِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ رُجُوعِ بَائِعِ السِّلْعَةِ فِيهَا إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَ مُفْلِسٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَهَا مَلَكَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ صَارَتْ عِنْدَهُ ‏,‏ وَفِي جُمْلَةِ مَالِهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا فَلاَ سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى مَالِهِ فَهَاهُنَا كَانَ هَذَا الأَعْتِرَاضُ صَحِيحًا لاَ هُنَاكَ

وَهَا هُنَا لاَ يَخْلُو الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ مَا وَهَبَ لَهُ أَمْ لَمْ يَمْلِكْهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَالأَكْلُ ‏,‏ وَالْبَيْعُ ‏,‏ وَالتَّصَرُّفُ ‏,‏ وَبِأَيِّ شَيْءٍ وَرِثْث عَنْهُ إنْ مَاتَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ ‏,‏ فَلاَ سَبِيلَ لِلْوَاهِبِ عَلَى مَالِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ احْتَجَّ مَنْ رَأَى الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا ‏:‏ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إِلاَّ لِذِي رَحِمٍ‏.‏ وَمِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ فَهُوَ جَائِزٌ ‏,‏ وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ‏:‏ أَوَّلُ مَنْ رَدَّ الْهِبَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ‏,‏ وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ غَرِيمَهُ مَاتَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنُ أَبْزَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏:‏ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ الْمَوَاهِبُ ثَلاَثَةٌ ‏:‏ مَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ النَّاسِ ‏,‏ وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ فَمَوْهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا صَاحِبُهَا إذَا لَمْ يُثَبْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا يَعْنِي الْهِبَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ ‏:‏ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَأَتَاهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي بَازٍ ‏,‏ فَقَالَ أَحَدُهُمَا ‏:‏ وَهَبْتُ لَهُ بَازِي رَجَاءَ أَنْ يُثِيبَنِي فَأَخَذَ بَازِي وَلَمْ يُثِبْنِي فَقَالَ الآخَرُ ‏:‏ وَهَبَ لِي بَازِيَهُ مَا سَأَلْتُهُ ، وَلاَ تَعَرَّضْت لَهُ ‏,‏ فَقَالَ فَضَالَةُ ‏:‏ رُدَّ عَلَيْهِ بَازِيَهُ أَوْ أَثِبْهُ مِنْهُ ‏,‏ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْمَوَاهِبِ النِّسَاءُ وَشِرَارُ الأَقْوَامِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ ‏:‏ الْمَوَاهِبُ ثَلاَثَةٌ ‏:‏ رَجُلٌ وَهَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَوْهَبَ ‏,‏ فَهِيَ كَسَبِيلِ الصَّدَقَةِ ‏,‏ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي صَدَقَتِهِ ‏,‏ وَرَجُلٌ اُسْتُوْهِبَ فَوَهَبَ فَلَهُ الثَّوَابُ ‏,‏ فَإِنْ قَبِلَ عَلَى مَوْهِبَتِهِ ثَوَابًا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ ‏,‏ وَرَجُلٌ وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ‏.‏ فَهَؤُلاَءِ ‏:‏ عُمَرُ ‏,‏ وَعُثْمَانُ ‏,‏ وَعَلِيٌّ ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ ‏,‏ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ ‏,‏ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ‏,‏ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ حَتَّى يُثَابَ مِنْهَا مَا يَرْضَى ‏,‏ فَإِنْ نَمَتْ عِنْدَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ فَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَهَا إِلاَّ هِيَ بِعَيْنِهَا لَيْسَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ شَيْءٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ هِبَةً لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ ‏,‏ فَإِنْ أَدْرَكَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَ مَنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يُتْلِفْهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلْيَرْجِعْ فِيهَا عَلاَنِيَةً غَيْرَ سِرٍّ ‏,‏ ثُمَّ تُرَدُّ عَلَيْهِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَهَبَ شَيْئًا مُثْبَتًا فَحَسُنَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ‏,‏ فَلْيَقْضِ لَهُ بِشَرْوَاهُ يَوْمَ وَهَبَهَا لَهُ ‏,‏ إِلاَّ مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا ‏,‏ أَوْ الزَّوْجَيْنِ ‏,‏ أَيُّهُمَا أَعْطَى صَاحِبَهُ شَيْئًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ ‏,‏ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَيُونُسُ ‏,‏ وَابْنُ عَوْنٍ ‏,‏ كُلُّهُمْ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ ‏:‏ مَنْ أَعْطَى فِي صِلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَجَزْنَا عَطِيَّتَهُ ‏,‏ وَالْجَانِبُ الْمُسْتَغْزِرُ يُثَابُ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ تُرَدُّ عَلَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ ‏:‏ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يُثِبْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ ‏:‏ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ‏,‏ وَمَنْ وَهَبَ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ ‏,‏ فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ ‏:‏ فَرَضِيَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّهِ بِخَادِمٍ لَهُ وَتَزَوَّجَ فَسَاقَ الْخَادِمَ إلَى امْرَأَتِهِ فَقَبَضَتْهَا امْرَأَتُهُ فَخَاصَمَتْهَا الْأُمُّ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهَا شُرَيْحٌ ‏:‏ إنَّ ابْنَك لَمْ يَهَبْك صَدَقَتَهُ وَأَجَازَهَا لِلْمَرْأَةِ ‏;‏ لأََنَّ الْأُمَّ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهَا‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَهَؤُلاَءِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ ‏,‏ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ‏.‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ أَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ مَثَلُ الَّذِي اسْتَرَدَّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ‏.‏ فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ فَلْيُوقَفْ فَلْيُعَرَّفْ مَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ لِيُدْفَعْ إلَيْهِ مَا وَهَبَ ‏;‏ وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ أَخْبَرَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ وَإِنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَعَلَى هَذَا لَهُ مَا ابْتَغَى إذْ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ وَهَبَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِبَةً فَأَثَابَهُ فَلَمْ يَرْضَ فَزَادَهُ فَلَمْ يَرْضَ ‏,‏ فَقَالَ عليه السلام ‏:‏ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَقْبَلَ هِبَةً‏.‏ وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ أَنْ لاَ أَتَّهِبَ إِلاَّ مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏

فأما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الأَدْنَى وَهُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّنَا لَمْ نُنْكِرْ إثَابَةَ الْمَوْهُوبِ ‏,‏ بَلْ هُوَ فِعْلٌ حَسَنٌ ‏,‏ وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا وُجُوبَهُ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ أَنْكَرْنَا أَنْ يُوجِبَ فِي النَّاسِ الطَّمَعَ الَّذِي لاَ يُقْنِعُهُ تَطَوُّعُ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ‏.‏ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِمَّا أَنْكَرْنَا مَعْنًى ، وَلاَ إشَارَةً ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ مَا لاَ نُنْكِرُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَأَنَّهُ عليه السلام هَمَّ أَنْ لاَ يَقْبَلَ هِبَةً إِلاَّ مِمَّنْ ذَكَرَ وَلَوْ أَنْفَذَ ذَلِكَ لَكَانَ مُبَاحًا فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَلَيْسَ مِنْ الْمَحْذُورِ عَلَيْهِ خِلاَفُهُ ‏,‏ فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ الثَّوَابِ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ ، وَلاَ فِيهِ إجَازَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَصْلاً‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ ‏,‏ فِيهِ ‏:‏ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ‏,‏ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ‏.‏ وَفِيهِ أَيْضًا ‏:‏ أَبُو حُذَيْفَةَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ بَشِيرٍ النَّجَّارِيُّ فَهُوَ هَالِكٌ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ جُمْلَةً ‏,‏ وَلَمْ يَحِلَّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِهِبَةِ الثَّوَابِ أَصْلاً ، وَلاَ لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ ‏:‏ أَنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏"‏ لَهُ مَا ابْتَغَى ‏"‏ فَجُنُونٌ ‏,‏ نَاهِيكَ بِهِ ‏;‏ لأََنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ ‏:‏ أَنَّهُ ابْتَغَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ ‏,‏ وَمَنْ لَهُ بِذَلِكَ وَقَدْ تُقْضَى ، وَلاَ تُقْضَى ‏,‏ لَيْسَ لِلْمَرْءِ مَا نَوَى فِي الدُّنْيَا ‏:‏ إنَّمَا هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الآخِرَةِ فِي الْجَزَاءِ فَقَطْ‏.‏

ثم نقول ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ صَانَ نَبِيَّهُ عليه السلام عَنْ أَنْ يُصَوِّبَ أَنْ يُجِيزَ أَكْلَ هَدِيَّةٍ لَمْ يَبْتَغِ بِهَا مُهْدِيهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَإِنَّمَا قَصَدَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فَقَطْ وَوَجْهَ الرَّسُولِ ‏,‏ وَهَذِهِ هِيَ الرِّشْوَةُ الْمَلْعُونُ قَابِلُهَا وَمُعْطِيهَا فِي الْبَاطِلِ ‏,‏ فَلاَحَ مَعَ تَعَرِّي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ‏,‏ مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ سُوءٍ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَدَأْنَا فِيهِ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ الثَّانِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ أَصْلاً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَلاَ أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ أَصْلاً ‏,‏ وَأَعَلَّا مَنْ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ بَعْدَ السَّبْعِينَ ‏,‏ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَجَابِرٍ ‏,‏ وَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَبْلَ السِّتِّينَ ‏,‏ فَسَقَطَ جُمْلَةً‏.‏ ثُمَّ إنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ ‏;‏ لأََنَّ نَصَّهُ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَلَمْ يَخُصَّ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ ‏,‏ وَلاَ هِبَةً اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ مِنْ غَيْرِهَا ‏,‏ وَلاَ ثَوَابًا قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ‏.‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ حَقًّا فَقَدْ خَالَفُوا الْحَقَّ بِإِقْرَارِهِمْ ‏,‏ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا ‏,‏ وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَلاَ حُجَّةَ فِي الْبَاطِلِ ‏,‏ وَهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةَ أَنَّهَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَالْأُصُولِ ‏,‏ وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ هَاهُنَا فَخِلاَفُ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالْأُصُولِ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏:‏ فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِيهَا ‏,‏ ثُمَّ هُوَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ ‏,‏ وَلاَ زَوْجٍ لِزَوْجَةٍ ، وَلاَ أَدَايَنَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنْ ‏,‏ وَلاَ شَيْءٍ مِمَّا خَصَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَلاَ هِبَةَ ثَوَابٍ مِنْ غَيْرِهَا ‏,‏ بَلْ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هِبَةٍ ‏,‏ فَمَنْ خَصَّهَا فَقَدْ كَذَبَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَدِيثًا بِأَسْرِهِ وَمَنْ خَالَفَ بَعْضَهُ وَأَقَرَّ بِبَعْضِهِ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا مِثْلُهُمْ وَمِثْلُنَا ‏,‏ فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ مَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَقٌّ ‏,‏ وَأَنَّهُ حُجَّةٌ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا ‏,‏ فَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالدَّمَارِ وَالْبَوَارِ ‏,‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُخَالِفُ إِلاَّ مَا لاَ يَصِحُّ ‏,‏ كَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذِي عَقْلٍ ‏,‏ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نُخَالِفَ خَبَرًا نُصَحِّحُهُ إِلاَّ بِنَسْخٍ بِنَصٍّ آخَرَ ‏,‏ أَوْ بِتَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ‏.‏ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِلاَ حَيَاءٍ ‏:‏ إنَّ الْمَنْصُوصَ فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي ‏,‏ فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكْذُوبِ بِلاَ شَكٍّ ‏:‏ مِنْ أَنَّهُ يُوقَفُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا اسْتَرَدَّ ‏,‏ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ الرَّاوِي ‏,‏ بِلاَ شَكٍّ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ‏,‏ إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُخْبِرَ عليه السلام أَنَّ مُسْتَرِدَّ الْهِبَةِ كَالْكَلْبِ فِي أَقْبَحِ أَحْوَالِهِ مِنْ أَكْلِ قَيْئِهِ ‏,‏ وَاَلَّذِي ضَرَبَ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْمَثَلَ لِلْكَافِرِ فَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ‏}‏ ثُمَّ يَنْفُذُ عليه السلام الْحُكْمُ بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ ‏,‏ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ بَلْ لَوْ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مُحْتَجٌّ بِهَذَا الْخَبَرِ لَكَانَ أَقْوَى تَشْغِيبًا ‏;‏ لأََنَّ ظَاهِرَهُ ‏:‏ أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا اسْتَرَدَّ مَا وَهَبَ وُقِفَ وَعُرِفَ مَا اسْتَرَدَّ ‏,‏ ثُمَّ لِيُدْفَعْ إلَيْهِ مَا وَهَبَ ‏,‏ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى مَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ‏,‏ وَلاَ يُتْرَكُ عِنْدَ الْمُسْتَرِدِّ ‏,‏ وَاحْتِمَالٌ بِاحْتِمَالٍ ‏,‏ وَدَعْوَى بِدَعْوَى‏.‏ وَالْعَجَبُ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ كَمَا بَيَّنَّا ‏,‏ وَصَارَتْ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَاهُنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حُجَّةً ‏,‏ وَهُمْ يَرُدُّونَ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَيْسَتْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحْسَنَ مِنْهَا ‏:‏ كَرِوَايَتِنَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ‏,‏ وَحَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏:‏ لاَ يَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا‏.‏ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ نَا الْعَلاَءُ بْنُ الْحَارِثِ نَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَيْنِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ‏.‏ وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ إِلاَّ بِأَنَّهُ صَحِيفَةٌ ‏,‏ فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا ‏,‏ أَوْ أَيُّ عَمَلٍ يَرْتَفِعُ مَعَهُ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ ‏,‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ‏.‏

وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏:‏ فَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ‏.‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ‏:‏ أَوَّلُ ذَلِكَ ‏:‏ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرٍ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَرْضَى مِنْهَا فَلَمْ يَخُصَّ رَحِمًا مَحْرَمَةً مِنْ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ ، وَلاَ خَصَّ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ كَمَا خَصُّوا ‏,‏ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ ‏:‏ أَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا ‏,‏ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ ‏,‏ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ ‏,‏ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا‏.‏ يَا لِلْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ ‏,‏ فَكَيْفَ اسْتَحَلُّوا خِلاَفَهُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِمَا يُمَوِّهُونَ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ هُوَ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا ‏:‏ تَرْجِعُ فِيمَا أَعْطَتْهُ ، وَلاَ يَرْجِعُ فِيمَا أَعْطَاهَا‏.‏ وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ أَنَّ النِّسَاءَ يُعْطِينَ أَزْوَاجَهُنَّ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتَصِرَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ ‏,‏ وَصَحَّ الْقَضَاءُ بِهَا عَنْ شُرَيْحٍ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ‏,‏ حَتَّى أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى لَهَا بِالرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَتْ‏.‏ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ‏.‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَةَ عَنْ غَيْلاَنَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ مَا أَدْرَكْتُ الْقُضَاةُ إِلاَّ يُقِيلُونَ الْمَرْأَةَ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا ‏,‏ وَلاَ يُقِيلُونَ الزَّوْج فِيمَا وَهَبَ لأَمْرَأَتِهِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ وَصَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَلاَحَ أَنَّ قَوْلَهُمْ خِلاَفُ قَوْلِهِ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ عُثْمَانَ فَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ رَأْيٌ مُحْدَثٌ ‏;‏ لأََنَّ فِي نَصِّهِ ‏"‏ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ الْهِبَةَ عُثْمَانَ ‏"‏ وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ‏.‏ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ رَدَّ الْهِبَةِ جُمْلَةً بِلاَ تَخْصِيصِ ذِي رَحِمٍ ، وَلاَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ فَصَارُوا مُخَالِفِينَ لَهُ وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ فَبَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّ أَحَدَ طَرِيقَيْهِ فِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ‏,‏ وَفِي الآخَرِ ابْنُ لَهِيعَةَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ ‏;‏ لأََنَّ فِي أَحَدِهِمَا الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا دُونَ تَخْصِيصِ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ ‏,‏ وَلاَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا ‏,‏ وَفِي الْأُخْرَى أَيْضًا كَذَلِكَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ جُمْلَةً فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ عَنْهُ ‏,‏ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْ غَيْرِهَا ‏,‏ وَلاَ تَخْصِيصُ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ فَضَالَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ ‏;‏ لأََنَّهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ ‏,‏ وَلاَ تَخْصِيصُ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ ‏,‏ وَظَاهِرُ إبْطَالِ هِبَةِ الثَّوَابِ ‏,‏ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لاَ لَهُمْ ‏;‏ لأََنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ‏.‏ فَعَادَتْ الأَخْبَارُ كُلُّهَا خِلاَفًا لَهُمْ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ وَإِنْ كَانَتْ حُجَّةَ حَقٍّ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّةَ الْحَقِّ الَّتِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا ‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً ، وَلاَ إجْمَاعًا فَالْإِيهَامُ بِإِيرَادِهَا لاَ يَجُوزُ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا خِلاَفَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَضَاءِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ بَيْنَ أَهْلِهَا قَضَى ‏:‏ أَنَّهُ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا عَلَى أَنَّكَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ فَسَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ ‏,‏ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ ‏,‏ وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ كَذَا وَكَذَا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ ‏,‏ فَهُوَ لِلْوَاهِبِ إذَا جَاءَ الأَجَلُ ‏,‏ وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ‏.‏

وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ ‏:‏ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ ‏:‏ لاَ يُعَادُ فِي الْهِبَةِ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ لاَ يَعُودُ الرَّجُلُ فِي الْهِبَةِ‏.‏ فَهَذَا مُعَاذٌ ‏,‏ وَالْحَسَنُ ‏,‏ وطَاوُوس يَقُولُونَ بِقَوْلِنَا سَوَاءً سَوَاءً‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ إنَّمَا خَصَصْنَا ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لأََنَّ الْهِبَةَ لَهُمْ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ قَالُوا ‏:‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِي الصَّدَقَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏‏.‏

‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ ‏:‏ وَالْهِبَةُ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ وَلِغَيْرِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا صَدَقَةٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ‏}‏‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ هِبَةٍ لِمُسْلِمٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ ‏,‏ فَإِذْ قَدْ صَحَّ إجْمَاعٌ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنْ لاَ رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ ‏,‏ فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ ‏,‏ فَهَلاَّ قَاسُوا الْهِبَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَا وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَ قِيَاسًا ، وَلاَ يَتَّبِعُونَ نَصًّا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏ ‏,‏ فَهَذَا مَوْضِعُ الأَحْتِجَاجِ بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ لاَ حَيْثُ احْتَجُّوا بِهِمَا حَيْثُ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِيهِمَا وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ‏.‏

وَأَيْضًا

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏"‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ‏)‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ نَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ ‏,‏ قَالاَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدُ يُعْطِيَ وَلَدَهُ ‏,‏ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَالْكَلْبِ ‏,‏ أَكَلَ حَتَّى إذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فَرَجَعَ فِي قَيْئِهِ‏.‏ فَهَذِهِ الآثَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا ‏,‏ وَلاَ الْخُرُوجُ عَنْهَا

وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏:‏ مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ الْحُكْمُ فِي الْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ ‏,‏ وَفِي الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ سَوَاءٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مُخْطِئٌ ‏,‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ قَوْلُهُمْ ‏"‏ إنَّمَا شَبَّهَهُ بِالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ‏,‏ وَالْكَلْبُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَهَذَا مِثْلُهُ ‏"‏ فَهَنِيئًا لَهُمْ هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي أَبَاحُوا لأََنْفُسِهِمْ الدُّخُولَ فِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّهُ مَثَلُ السَّوْءِ ‏,‏ فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ ‏,‏ وَالْقَيْءُ عِنْدَهُمْ حَرَامٌ لاَ نَدْرِي بِمَاذَا

وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَبِهَذَا النَّصِّ‏.‏ وَأَطَمُّ شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ ‏"‏ لاَ يَمْنَعُ كَوْنُهُ حَرَامًا مِنْ جَوَازِهِ ‏"‏ وَهَذَا هَتْكُ الإِسْلاَمِ جِهَارًا‏.‏ وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدُ يُعْطِي وَلَدَهُ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا احْتَاجَ الْوَالِدُ فَيَأْخُذُ نَفَقَتَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ سَهْلٌ خَفِيفٌ ‏,‏ وَهَلْ فَهِمَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ هَذَا الْمَعْنَى ‏,‏ وَقَدْ عَلِمَ الْجَمِيعُ أَنَّ الأَبَ إذَا احْتَاجَ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ‏.‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

وَأَمَّا جَعْلُنَا لِلْجَدِّ وَلِلْأُمِّ الرُّجُوعَ فِيمَا أَعْطَيَا لأَبْنِ الأَبْنِ وَلِلأَبْنِ عُمُومًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ‏}‏ فَجَعَلَ تَعَالَى الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ أَبَوَيْنِ ‏,‏ وَالْأُمَّ وَالِدَةً تَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ ‏,‏ وَهِيَ فِيهِ اسْمُ الْوَالِدِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعْتَصِرُ الرَّجُلُ مِنْ وَلَدِهِ مَا أَعْطَاهُ ‏,‏ مَا لَمْ يَمُتْ ‏,‏ أَوْ يَسْتَهْلِك ‏,‏ أَوْ يَقَعُ فِيهِ دَيْنٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ ني ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُوسَى بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ سَعْدًا مَوْلَى الزُّبَيْرِ نَحَلَ ابْنَتَهُ جَارِيَةً فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ الْوَالِدَ يَعْتَصِرُ مَا دَامَ يَرَى مَالَهُ ‏,‏ مَا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا فَتَقَعُ فِي مِيرَاثٍ أَوْ تَكُونُ امْرَأَةً تُنْكَحُ ‏,‏ ثُمَّ تَلاَهُ عُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً وَهَبَ لأَبْنِهِ نَاقَةً فَرَجَعَ فِيهَا ‏,‏ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهَا ‏,‏ وَجَعَلَ نَمَاهَا لأَبْنِهِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَهَذَا عَمَلُ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَابْنِهِ ‏,‏ بِأَصَحَّ مِنْ هَذَا السَّنَدِ رُجُوعُ الْمَرْءِ فِيمَا وَهَبَ مَا لَمْ يُثَبْ إِلاَّ لِذِي رَحِمٍ‏.‏ وَعَنْ عُثْمَانَ مِثْلُهُ فَمَا الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَوْلَى مِنْ تِلْكَ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ أَيْضًا ‏;‏ لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّمَا لِلأَبِ الأَرْتِجَاعُ فِي ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ فَقَطْ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَيَقُولُونَ ‏:‏ لَيْسَ لِلأَبِ الأَرْتِجَاعُ فِيمَا وَهَبَ ابْنَهُ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَحَاشَا لَهُمَا ‏:‏ أَنْ يُجِيزَا هِبَةً لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ فَهِيَ لِلشَّيْطَانِ‏.‏ فَحَصَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ لاَ حُجَّةَ لَهُمَا أَصْلاً ‏,‏ وَمُخَالِفًا لِكُلِّ مَا أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏

1632 - مسألة‏:‏

فَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ عِنْدَ الْوَلَدِ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهَا الاسْمُ ‏,‏ أَوْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ أَوْ مَاتَ ‏,‏ أَوْ صَارَتْ لاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَلاَ رُجُوعَ لِلأَبِ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّهَا إذَا تَغَيَّرَتْ فَهِيَ غَيْرُ مَا جَعَلَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّجُوعَ فِيهِ ‏,‏ وَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ أَوْ مَاتَ ‏,‏ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ وَإِذَا بَطَلَ تَمَلُّكُهَا ‏,‏ فَلاَ تَمَلُّكَ لِلأَبِ فِيهَا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1633 - مسألة‏:‏

وَلاَ تَنْفُذُ هِبَةٌ ، وَلاَ صَدَقَةٌ لأََحَدٍ إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى لَهُ وَلِعِيَالِهِ غِنًى ‏,‏ فَإِنْ أَعْطَى مَا لاَ يَبْقَى لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بَعْدَهُ غِنًى فُسِخَ كُلَّهُ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏:‏ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ‏.‏

وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى‏)‏‏.‏ فَإِذًا كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ‏,‏ وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ وَخَيْرُهَا مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ‏,‏ فَبِلاَ شَكٍّ وَبِالضَّرُورَةِ ‏:‏ أَنَّ مَا زَادَ فِي الصَّدَقَةِ وَنَقَصَ مِنْ الْخَيْرِ ‏,‏ وَالأَفْضَلِ فَلاَ أَجْرَ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ فَضْلَ فِيهِ ‏,‏ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ وَإِذَا كَانَ بَاطِلاً ‏,‏ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ ‏:‏ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ عِنْدِي آخَرُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ ‏:‏ أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ‏,‏ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأََهْلِكَ ‏,‏ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ‏,‏ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَكَهَذَا وَهَكَذَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ ‏:‏ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ قَالَ ‏:‏ قُلْتُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك فَقُلْتُ ‏:‏ إنِّي أُمْسِكَ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي سَعْدٌ ‏,‏ وَيَعْقُوبُ ابْنًا إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ‏,‏ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْتَاعَهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ‏.‏

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبُغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةٌ مَا تَرَكْتُ لِي مَالاً غَيْرَهَا ‏,‏ فَحَذَفَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ أَصَابَهُ لاََوْجَعَهُ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَنْخَلِعُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَصِيرُ عِيَالاً عَلَى النَّاسِ‏.‏ وَ

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا ‏,‏ فَطَرَحُوا ‏,‏ فَأَمَرَ لَهُ بِثَوْبَيْنِ ‏,‏ ثُمَّ حَثَّ عليه السلام عَلَى الصَّدَقَةِ ‏,‏ فَجَاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ ‏,‏ فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ ثَوْبَكَ‏.‏ فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَدَّ الْعِتْقَ ‏,‏ وَالتَّدْبِيرَ ‏,‏ وَالصَّدَقَةَ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ ‏,‏ وَصَدَقَةَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ ‏,‏ وَلَمْ يُجِزْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا ‏:‏ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ‏:‏ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَمَعَ حَرَامًا وَحَلاَلاً فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ كُلُّهُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ تَمَيَّزَ حَلاَلُهُ مِنْ حَرَامِهِ ‏,‏ فَهُوَ عَقْدٌ لَمْ يَكُنْ قَطُّ صَحِيحًا عَمَلُهُ‏.‏ وَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ وَجَابِرٍ ‏,‏ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ‏,‏ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ‏,‏ وَأَبِي سَعِيدٍ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مَعْنَاهَا عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا‏.‏ وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ ‏:‏ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ‏}‏ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا السَّلَفُ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ لأََبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏:‏ إنِّي رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ لاَ تَخْرُجُ مِنْ مَالِك كُلِّهِ ‏,‏ وَلَكِنْ تَصَدَّقْ وَأَمْسِكْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ‏:‏ يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ‏:‏ لاَ أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ الْمَرْءُ بِمَالِهِ كُلِّهِ ‏,‏ وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ فِي حَيَاتِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ عَلَى بَعْضِ وَلَدِهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِلاَّ شَيْئًا يَسِيرًا فَأَمْضَى لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ الثُّلُثَ ‏,‏ أَوْ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ لاَ نَحُدُّ الثُّلُثَ ، وَلاَ أَكْثَرَ ، وَلاَ أَقَلَّ إنَّمَا هُوَ مَا أَبْقَى غِنًى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ ‏:‏ كُلُّ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ قَدْ بَلَغَ لاَ بَأْسَ بِعَقْلِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ بِهِ جَائِزَةٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَهُ غِنًى فَيَتَصَدَّقُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ سَرَفًا ‏,‏ فَتَرُدُّ الْوُلاَةُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِقَدْرِ رَأْيِهِمْ فِيهِ ‏,‏ وَيُجِيزُونَ السَّدَادَ ‏,‏ عَلَى هَذَا جَرَى أَمْرُ الْقُضَاةِ‏.‏ فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَعُرْوَةُ ‏,‏ وَابْنُ شِهَابٍ ‏,‏ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ وَأَبُو الزِّنَادِ ‏,‏ وَالْقُضَاةُ جُمْلَةً لاَ يُجِيزُونَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ الْمَالِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَالْغِنَى هُوَ مَا يَقُومُ بِقُوتِ الْمَرْءِ وَأَهْلِهِ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ قُوتِ مِثْلِهِ ‏,‏ وَبِكِسْوَتِهِمْ كَذَلِكَ وَسُكْنَاهُمْ ‏,‏ وَبِمِثْلِ حَالٍ مِنْ مَرْكَبٍ وَزِيٍّ فَقَطْ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَهَذَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ غِنًى ‏,‏ لأَسْتِغْنَائِهِ عَنْ النَّاسِ ‏,‏ فَمَا زَادَ فَهُوَ وَفْرٌ وَدَثْرٌ وَيَسَارٌ ‏,‏ وَفَضْلٌ إلَى الْإِكْثَارِ ‏,‏ وَمَا نَقَصَ فَلَيْسَ غِنًى ‏,‏ وَلَكِنَّهُ حَاجَةٌ وَعُسْرَةٌ وَضِيقَةٌ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ إلَى الْمَسْكَنَةِ ‏,‏ وَالْفَاقَةِ ‏,‏ وَالْفَقْرِ ‏,‏ وَالْإِدْقَاعِ ‏,‏ وَالضَّرُورَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَمِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَالْمَالِ‏.‏ فَإِنْ ذَكَرَ الْمُخَالِفُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}

وَقَوْله تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏:‏

وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ‏}‏ وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا فَيُحَامِلُ فَيَجِيءُ بِالْمُدِّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ ‏,‏ كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ أَجْوَدَهُمَا ‏,‏ وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيِّ عَنْ حَجَّاجٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيٍّ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ الصَّنْعَانِيِّ الْخَثْعَمِيِّ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ ‏:‏ جُهْدُ الْمُقِلِّ‏)‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ سَعِيدٌ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْهَا قَالَ ‏:‏ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ‏)‏ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ ‏,‏ فَقَالَ لأَمْرَأَتِهِ ‏:‏ نَوِّمِي الصِّبْيَةَ ‏,‏ وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ ‏,‏ وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَك فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ‏:‏ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بَلَغَنَا ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ صَدَقَةً وَهُوَ مَالُهُ كُلُّهُ ثُمَّ وَرِثَهُمَا ‏,‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ هُوَ كُلُّهُ لَكَ حَلاَلٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلاَلٍ إذْ هَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي أَرَى أَبَا بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا بِخِلاَلٍ قَالَ ‏:‏ يَا جِبْرِيلُ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ فَقَالَ ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكَ ‏:‏ اقْرَأْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ السَّلاَمَ ‏,‏ وَقَالَ لَهُ ‏:‏ أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي يَا أَبَا بَكْرٍ فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ذَلِكَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَسْخَطُ عَلَى رَبِّي ‏,‏ أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ وَكَرَّرَهَا ثَلاَثًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ ‏:‏ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَا أَبْقَيْتُ لأََهْلِكَ فَقَالَ ‏:‏ أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرُسُلَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ ‏,‏ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْقَيْتَ لأََهْلِكَ فَقُلْتُ ‏:‏ مِثْلَهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ ‏:‏ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأََهْلِكَ قَالَ ‏:‏ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏.‏ هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرُوهُ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ‏.‏ أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ فَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا‏.‏ وَمَنْ أَنْفَقَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏,‏ أَوْ أَنْفَقَ ثَلاَثَةً بِالْعَدَدِ كَذَلِكَ ‏:‏ فَقَدْ أَنْفَقَ أَمْوَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ كَمَا أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَقَلَّ ‏,‏ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏;‏ لأََنَّ بَعْضَ مَالِهِ وَإِنْ قَلَّ يُسَمَّى مَالَهُ‏.‏ ثُمَّ بَيَانُ مَا يَجُوزُ إنْفَاقُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ فِي الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَا ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِتِلْكَ وَمُبِيحَةٌ لِبَسْطِ يَدِهِ كُلَّ الْبَسْطِ ‏,‏ وَلِلتَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ ‏,‏ فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ‏}‏ مَعَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام إذْ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ فَإِنَّ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ بَيَّنَهُمَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏,‏ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ ‏:‏ جُهْدُ الْمُقِلِّ ‏,‏ وَأَبْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ ‏,‏ وَخَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ إنَّمَا هُمَا فِي جُهْدِهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مُقِلًّا مِنْ الْمَالِ غَيْرَ مُكْثِرٍ إذَا أَبْقَى لِمَنْ يَعُولُ غِنًى ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ‏}‏ فَحَقٌّ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّ مَنْ بِهِ خَصَاصَةٌ وَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ فِي مَجْهُودٍ ‏,‏ وَهَكَذَا نَقُولُ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ تَضْيِيعُ نَفْسِهِ ‏,‏ وَأَهْلِهِ ‏,‏ وَالصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ هُوَ أَغْنَى مِنْهُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يُحَامِلُ فَيَأْتِي بِالْمُدِّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَهَذَا حَسَنٌ ‏,‏ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غِنًى وَلأََهْلِهِ ‏,‏ وَلاَ فَضْلَ عِنْدَهُ فَيَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيُصِيبُ مُدًّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَيَتَصَدَّقُ بِهِ‏.‏ وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ابْدَأْ بِمِنْ تَعُولُ وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ‏,‏ وَرَدُّهُ عليه الصلاة والسلام مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ تَصْحِيحٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ غِنًى ‏,‏ وَفَضَلَ لَهُ دِرْهَمَانِ فَقَطْ فَتَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا ‏,‏ وَكَانَتْ نِسْبَةُ الدِّرْهَمِ مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِسْبَةِ الْمِائَةِ الأَلْفِ مِنْ مَالِ الآخَرِ فَقَطْ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى سِوَاهُمَا‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى يَعْتَمِلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ فَبَيِّنٌ كَقَوْلِنَا ‏;‏ لأََنَّهُ عليه السلام لَمْ يُفْرِدْ الصَّدَقَةَ دُونَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ‏,‏ بَلْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ‏,‏ وَهَكَذَا نَقُولُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي بَاتَ بِهِ الضَّيْفُ فَقَدْ رُوِّينَاهُ بِبَيَانٍ لاَئِحٍ ‏,‏ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ هُوَ فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُضِيفَهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا لِضَيْفِهِ فَقَالَ ‏:‏ أَلاَ رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ ‏:‏ أَبُو طَلْحَةَ ‏,‏ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى رَحْلِهِ ‏,‏ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ ‏,‏ كَمَا رَوَاهُ جَرِيرٌ ، وَوَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ

فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ أَبَا طَلْحَةَ وَهُوَ مُوسِرٌ مِنْ مَيَاسِيرِ الأَنْصَارِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ‏,‏ وَقَدْ لاَ يَحْضُرُ الْمُوسِرَ أَكْلٌ حَاضِرٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ فَمُنْقَطِعٌ ‏,‏ وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا السَّنَدِ بَيَانًا ‏,‏ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الأَعْرَجِ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي صَدَقَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ ‏,‏ فَأَتَى أَبُوهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ مَا كَانَ لَنَا عَيْشٌ غَيْرُهَا ‏,‏ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى الأَبِ فَمَاتَ فَوَرِثَهَا يَعْنِي الأَبْنُ عَنْ أَبِيهِ فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ السَّنَدِ وَفِيهِ رَدُّهُ عليه السلام لِتِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ لاَ عَيْشَ لأََبِيهِ إِلاَّ مِنْهَا ‏,‏ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الأَبْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلاً ‏;‏ لأََنَّ إحْدَى طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّ الأَصْلَ إبَاحَةُ الصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ تَحْرِيمِهَا فَكَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الأَصْلِ ‏,‏ وَكَانَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَارِدًا بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الصَّدَقَةِ ‏,‏ فَهُوَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ نَاسِخٌ لِمَا يَقْدُمُهُ ‏,‏

وَمَنْ ادَّعَى فِيمَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ ‏,‏ فَقَدْ كَذَبَ ‏,‏ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَرَامَ إبْطَالَ الْيَقِينِ بِالظَّنِّ الْإِفْكِ‏.‏

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ الَّذِي فِيهِ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَلاَءِ بْنِ عَمْرٍو الْحَنَفِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ مُطْرَحٌ ثُمَّ التَّوْلِيدُ فِيهِ لاَئِحٌ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ نَصًّا ‏:‏ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ ‏,‏ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِعَامَيْنِ ‏,‏ وَكَانَ لأََبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ سَهْمِهِ مَالٌ وَاسِعٌ مَشْهُورٌ‏.‏ وَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ كَانَ قَدْ خَالَفَ تِلْكَ ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ ‏,‏ وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِتِلْكَ قَدْ أَخَذَ بِهَذِهِ ‏,‏ وَلاَ بُدَّ مِنْ تَأْلِيفِ مَا صَحَّ مِنْ تِلْكَ الأَخْبَارِ ‏,‏ وَضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ إِلاَّ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ‏.‏ وَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏:‏ رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ ‏,‏ فَمِنْ الْعَجَبِ الأَحْتِجَاجُ فِي الدِّينِ بِأَحْلاَمِ نَائِمٍ ‏,‏ هَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ أَبُوهُ رضي الله عنه تِلْكَ الرُّؤْيَا فَلَمْ يَعْبَأْ بِهَا‏.‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبَقِيَ كُلُّ مَا أَوْرَدْنَا بِحَسْبِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لاَ نَظِيرَ لَهَا ‏:‏ مَنْعُ الْمَالِكِيِّينَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ ‏,‏ مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَهُوَ صَاحِبُ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ وَمِائَةِ عَبْدٍ وَقَدْ حَضَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ ثُمَّ يُجِيزُونَ لَهُ إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ لاَ يُغْبَنَ فِي الْبَيْعِ فَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي عَلَى مَالِهِ ‏,‏ وَمَا أَدْرَاك مَا الْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ مَالِهِ لِشَاعِرٍ سَفِيهٍ ‏,‏ أَوْ لِنَدِيمِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏,‏ وَيَبْقَى هُوَ وَأَطْفَالُهُ وَعِيَالُهُ يَسْأَلُونَ عَلَى الأَبْوَابِ وَيَمُوتُونَ جُوعًا وَبَرْدًا ‏,‏ وَاَللَّهِ مَا كَانَ قَطُّ هَذَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ مَا هُوَ إِلاَّ مِنْ حُكْمِ الشَّيْطَانِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏