فصل: 1634 - مسألة: لا يحل لأحد أن يهب ولا أن يتصدق على أحد من ولده إلا حتى يعطي أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1634 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَهَبَ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ إِلاَّ حَتَّى يُعْطِيَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ‏.‏

وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى ‏,‏ وَلاَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ ‏,‏ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَإِنَّمَا هَذَا فِي التَّطَوُّعِ

وَأَمَّا فِي النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ فَلاَ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ الْوَاجِبَةُ‏.‏ لَكِنْ يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ بِحَسْبِ حَاجَتِهِ ‏,‏ وَيُنْفِقُ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْهُمْ دُونَ الْغَنِيِّ ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ ‏,‏ وَلاَ فِي أُمَّهَاتِهِمْ ‏,‏ وَلاَ فِي نِسَائِهِمْ ‏,‏ وَلاَ فِي رَقِيقِهِمْ ‏,‏ وَلاَ فِي غَيْرِ وَلَدٍ ‏,‏ بَلْ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ بِمَالِهِ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَأَعْطَاهُمْ ‏,‏ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَمَا أَعْطَاهُمْ ‏,‏ أَوْ يُشْرِكَهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُمْ ‏,‏ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَيْنُ الْعَطِيَّةِ مَا لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمْ فَيَصِيرُ مَالُهُ لِغَيْرِهِ ‏,‏ فَعَلَى الأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْوَلَدَ ‏,‏ كَمَا أَعْطَى غَيْرَهُ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُعْطِيَ مِمَّا تَرَكَ أَبُوهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ فِي حَيَاتِهِ فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ فَلَقِيَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ مَا نِمْت اللَّيْلَةَ مِنْ أَجْلِ ابْنِ سَعْدٍ هَذَا الْمَوْلُودُ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ وَأَنَا وَاَللَّهِ ‏,‏ فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ نُكَلِّمُهُ فِي أَخِيهِ ‏,‏ فَأَتَيْنَاهُ فَكَلَّمْنَاهُ فَقَالَ قَيْسٌ ‏:‏ أَمَّا شَيْءٌ أَمْضَاهُ سَعْدٌ فَلاَ أَرُدُّهُ أَبَدًا ‏,‏ وَلَكِنْ أُشْهِدُكُمَا أَنَّ نَصِيبِي لَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ قَدْ زَادَ قَيْسٌ عَلَى حَقِّهِ ‏,‏ وَإِقْرَارُ أَبِي بَكْرٍ لِتِلْكَ الْقِسْمَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ اعْتِدَالِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏:‏ يَا بُنَيَّةُ ‏,‏ إنِّي نَحَلْتُك نَخْلاً مِنْ خَيْبَرَ ‏,‏ وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ آثَرْتُك عَلَى وَلَدِي ‏,‏ وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي احْتَزْتِيهِ ‏,‏ فَرُدِّيهِ عَلَى وَلَدِي فَقَالَتْ ‏:‏ يَا أَبَتَاهُ ‏,‏ لَوْ كَانَتْ لِي خَيْبَرُ بِجِدَادِهَا ذَهَبًا لَرَدَدْتُهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ حَكِيم بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَيْدَةَ كَانَ لَهُ بَنُونَ لِعَلَّاتٍ أَصَاغِرُ وَلَدِهِ ‏,‏ وَكَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَجَعَلَهُ لِبَنِي عَلَّةٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ فَخَرَجَ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ‏,‏ فَخَيَّرَ عُثْمَانُ الشَّيْخَ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُوَزِّعَهُ بَيْنَهُمْ فَارْتَدَّ مَالُهُ ‏,‏ فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَهُ الأَكَابِرُ لأَِخْوَتِهِمْ‏.‏

وبه إلى إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ‏:‏ مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ نُحْلاً دُونَ بَنِيهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ‏:‏ يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ الْحَيِّ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ مِنْ وَصِيَّتِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الْوَلَدِ ‏:‏ لاَ يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ بِشَعْرَةٍ ‏,‏ النُّحْلُ بَاطِلٌ ‏,‏ هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ‏,‏ اعْدِلْ بَيْنَهُمْ كِبَارًا وَأَبِنْهُمْ بِهِ ‏,‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ قُلْت لَهُ ‏:‏ هَلَكَ بَعْضُ نُحْلِهِمْ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُمْ قَالَ ‏:‏ لِلَّذِي نَحَلَهُ مِثْلُهُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْت ‏:‏ أَرَدْت أَنْ أُفَضِّلَ بَعْضَ وَلَدِي فِي نُحْلٍ أَنْحَلُهُ فَقَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ وَأَبَى إبَاءً شَدِيدًا وَقَالَ ‏:‏ سَوِّ بَيْنَهُمْ‏.‏

وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ يَنْحَلُ وَلَدَهُ أَيُسَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبٍ وَزَوْجَةٍ قَالَ ‏:‏ لَمْ يُذْكَرْ إِلاَّ الْوَلَدَ ‏,‏ لَمْ أَسْمَعْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَؤُلاَءِ أَبُو بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرُ ‏,‏ وَعُثْمَانُ ‏,‏ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ‏,‏ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ ‏,‏ ثُمَّ مُجَاهِدٌ ‏,‏ وطَاوُوس ‏,‏ وَعَطَاءٌ ‏,‏ وَعُرْوَةُ ‏,‏ وَابْنُ جُرَيْجٍ

وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ‏,‏ وَابْنِ شُبْرُمَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا ‏,‏ فَقَالَ شُرَيْحٌ ‏,‏ وَأَحْمَدُ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ ‏,‏ الْعَدْلُ أَنْ يُعْطِيَ الذَّكَرَ حَظَّيْنِ ‏,‏ وَالْأُنْثَى حَظًّا وَقَالَ غَيْرُهُمْ ‏:‏ بِالسَّوِيَّةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَا خِلاَفَ ذَلِكَ ‏,‏ وَإِجَازَةُ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْوَلَدِ عَلَى بَعْضٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمَا ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏.‏ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَجَازَهُ إنْ وَقَعَ‏.‏ وَكَرِهَ مَالِكٌ ‏:‏ أَنْ يَنْحَلَ بَعْضَ وَلَدِهِ مَالَهُ كُلَّهُ وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ ‏,‏ وَقَوْلَ عُمَرَ مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ ثَلاَثَةَ أَرْؤُسٍ أَوْ أَرْبَعَةً لِبَعْضِ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ قَالَ بُكَيْر ‏:‏ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إذْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ هَذِهِ الأَرْضُ لأَبْنِي وَاقِدٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ مِسْكِينٌ ‏,‏ نَحَلَهُ إيَّاهَا دُونَ وَلَدِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ وَبَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَحَلَ ابْنَتَهُ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا‏.‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ كُلُّ ذِي مَالٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا‏.‏ وَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا يَحْتَجُّ بِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ‏,‏ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ ‏,‏ وَقُتَيْبَةُ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ‏,‏ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ‏,‏ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ‏,‏ قَالَ يَحْيَى ‏:‏ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ ‏,‏ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ‏,‏ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ‏,‏ وَقَالَ قُتَيْبَةُ ‏,‏ وَابْنُ رُمْحٍ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ‏,‏ وَقَالَ حَرْمَلَةُ ‏:‏ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ‏,‏ وَقَالَ عَبْد ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏:‏ أَنَا مَعْمَرٌ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ إبْرَاهِيمُ ‏,‏ وَسُفْيَانُ ‏,‏ وَاللَّيْثُ وَيُونُسُ ‏,‏ وَمَعْمَرٌ ‏,‏ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏,‏ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلاَهُمَا عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ ‏:‏ أَتَى بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَكُلُّ بَنِيكَ نَحَلْتَ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ فَارْدُدْهُ هَذَا لَفْظُ إبْرَاهِيمَ ‏,‏ وَيُونُسَ ‏,‏ وَمَعْمَرٍ ‏,‏ وَقَالَ سُفْيَانُ ‏,‏ وَاللَّيْثُ ‏:‏ أَكُلُّ وَلَدِك نَحَلْتَ وَاتَّفَقُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ‏.‏ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏:‏ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا فَقَالَ ‏:‏ أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَارْجِعْهُ‏.‏ وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا نَصًّا مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏,‏ كُلُّهُمْ يَقُولُ فِيهِ ‏"‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ‏:‏ رُدَّهُ ‏,‏ أَوْ اُرْدُدْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ ‏:‏ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَعْطَيْت ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ‏,‏ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عليه السلام ‏:‏ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ ارْجِعْ فَرُدَّ عَطِيَّتَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ ‏:‏ تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ ‏,‏ فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلاَدِكُمْ فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ‏,‏ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ‏,‏ وَفِيهِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏فَلاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ‏)‏‏.‏ فَكَانَتْ هَذِهِ الآثَارُ مُتَوَاتِرَةً مُتَظَاهِرَةً ‏:‏ الشَّعْبِيُّ ‏,‏ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ ‏,‏ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏,‏ كُلُّهُمْ سَمِعَهُ مِنْ النُّعْمَانِ‏.‏ وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ الْحُفَلاَءُ مِنْ الأَئِمَّةِ كُلِّهِمْ مُتَّفِقٌ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَسْخِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَرَدِّهَا ‏,‏ وَبَيَّنَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا رُدَّتْ ‏,‏ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَخْبَرَ أَنَّهَا جَوْرٌ ‏,‏ وَالْجَوْرُ لاَ يَحِلُّ إمْضَاؤُهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏

وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ إمْضَاءُ كُلِّ جَوْرٍ وَكُلِّ ظُلْمٍ ‏,‏ وَهَذَا هَدْمُ الإِسْلاَمِ جِهَارًا‏.‏ فَوَجَدْنَا الْمُخَالِفِينَ قَدْ تَعَلَّلُوا بِهَذَا فِي هَذَا بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ إنَّهُ وَهَبَهُ جَمِيعَ مَالِهِ‏.‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ ‏"‏ بَعْضَ مَالِهِ ‏"‏ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ ‏"‏ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ ‏"‏‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبَشِيرٍ ‏:‏ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ‏,‏ أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا أُولَئِكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءٌ قَالَ ‏:‏ بَلَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَلاَ إذًا‏.‏ وَرَوَاهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ ‏,‏ وَقَالَ فِيهِ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ ‏;‏ لأََنَّ قَوْلَهُ عليه السلام ‏"‏ فَلاَ إذًا ‏"‏ نَهْيٌ صَحِيحٌ كَافٍ لِمَنْ عَقَلَ‏.‏ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي لَوْ لَمْ يَأْتِ إِلاَّ هَذَا اللَّفْظُ لَمَا كَانَ لَكُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ‏.‏

وَأَمَّا وَقَدْ رَوَى مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ الْمُغِيرَةِ وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ الزِّيَادَةَ الثَّابِتَةَ الَّتِي لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ الْخُرُوجُ عَنْهَا مِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِرَدِّ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَارْتِجَاعِهَا فَصَحَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ ‏,‏ وَبِإِخْبَارِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ جَوْرٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي إنَّمَا هُوَ الْوَعِيدُ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ شَهِدُوا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ‏}‏ لَيْسَ عَلَى إبَاحَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَوْرِ وَالْبَاطِلِ ‏,‏ لَكِنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏‏.‏ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ‏}‏ و‏{‏كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إنَّكُمْ مُجْرِمُونَ‏}‏ وَحَاشَ لَهُ عليه السلام أَنْ يُبِيحَ لأََحَدٍ الشَّهَادَةَ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ هُوَ أَنَّهُ جَوْرٌ ‏,‏ وَأَنْ يُمْضِيَهُ ، وَلاَ يَرُدَّهُ ‏,‏ هَذَا مَا لاَ يُجِيزُهُ مُسْلِمٌ ‏,‏ وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَ ‏:‏ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ أَحَقٌّ جَائِزٌ هِيَ أَمْ بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزٍ‏.‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ حَقٌّ جَائِزٌ أَعْظَمُوا الْفِرْيَةَ ‏,‏ إذْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَبَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي أَتَانَا عَنْ رَبِّنَا تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا‏}‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ‏}

وَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّهَا بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزٍ أَعْظَمُوا الْفِرْيَةَ ‏,‏ إذْ أَخْبَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَأَنْفَذَ الْجَوْرَ ‏,‏ وَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى عَقْدِهِ ‏,‏ وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ مُخْرِجٌ إلَى الْكُفْرِ بِلاَ مِرْيَةٍ ‏,‏ وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا‏.‏ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ضَلاَلاً وَفِرْيَةً فَقَالَ ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي أَيْ إنِّي إمَامٌ وَالْإِمَامُ لاَ يَشْهَدُ ‏,‏ فَجَمَعُوا فِرْيَتَيْنِ ‏,‏ إحْدَاهُمَا ‏:‏ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَقْوِيلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ‏,‏ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ الْإِمَامَ لاَ يَشْهَدُ ‏,‏ فَقَدْ كَذَبُوا وَأَفِكُوا فِي ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ الْإِمَامُ يَشْهَدُ ‏;‏ لأََنَّهُ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِأَنْ لاَ يَأْبَوْا إذَا دُعُوا ‏,‏ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ‏}‏ فَهَذَا أَمْرٌ لِلأَئِمَّةِ بِلاَ شَكٍّ ، وَلاَ مِرْيَةٍ‏.‏ وَالْعَجَبُ مِنْ قِلَّةِ حَيَاءِ هَذَا الْقَائِلِ ‏,‏ وَمِنْ قَوْلِهِ وَمَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا شَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ ‏,‏ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشْهَدَ لَمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ‏.‏ ثُمَّ أَتَى بَعْضُهُمْ بِمَا كَانَ الْخَرَسُ أَوْلَى بِهِ فَقَالَ ‏:‏ لَعَلَّ النُّعْمَانَ كَانَ كَبِيرًا وَلَمْ يَكُنْ قَبَضَ النُّحْلَ وَقَائِلُ هَذَا إمَّا فِي نِصَابِ التُّيُوسِ جَهْلاً ‏,‏ وَأَمَّا مَنْزُوعُ الْحَيَاءِ وَالدِّينِ ‏;‏ لأََنَّ صِغَرَ النُّعْمَانِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ ‏,‏ وَأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ ‏,‏ ‏"‏ وَأَنَا يَوْمِئِذٍ غُلاَمٌ ‏"‏ ، وَلاَ تُطْلَقُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى رَجُلٍ بَالِغٍ أَصْلاً‏.‏

وقال بعضهم لَمْ يَكُنْ النُّحْلُ تَمَّ إنَّمَا كَانَ اسْتِشَارَةً وَمَوَّهُوا بِرِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ عَنْ النُّعْمَانِ ‏,‏ نَحَلَنِي أَبِي غُلاَمًا ثُمَّ جَاءَ بِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا فَإِنْ أَذِنْتَ لِي أَنْ أُجِيزَهُ أَجَزْتُهُ

قال أبو محمد ‏:‏ لَوْلاَ عَمَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَضَلاَلِهِمْ مَا تَمَكَّنَ الْهَوَى مِنْهُمْ هَذَا التَّمَكُّنُ ‏,‏ هُمْ يَسْمَعُونَ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ ‏"‏ نَحَلَنِي أَبِي غُلاَمًا ‏"‏ وَفِي وَسَطِهِ ‏"‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلاَمًا ‏"‏ وَيَقُولُونَ ‏:‏ لَمْ يَتِمَّ النُّحْلُ‏.‏ وَقَوْلُ بَشِيرٍ ‏"‏ فَإِنْ أَذِنْت لِي أَنْ أُجِيزَهُ أَجَزْته ‏"‏ قَوْلٌ صَحِيحٌ ‏,‏ وَقَوْلُ مُؤْمِنٍ لاَ يَعْمَلُ إِلاَّ مَا أَبَاحَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِلاَ تَأْوِيلٍ ‏,‏ نَعَمْ ‏,‏ إنْ أَجَازَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَهُ بَشِيرٌ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ عليه الصلاة والسلام رَدَّهُ بَشِيرٌ وَلَمْ يُجِزْهُ كَمَا فَعَلَ‏.‏ وَذَكَرُوا أَيْضًا رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ لِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ ‏:‏ نَحَلَنِي أَبِي نُحْلاً ثُمَّ أَتَى بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ فَقَالَ ‏:‏ أَكُلُّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ هَذَا قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمْ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا قَالَ ‏:‏ بَلَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ ‏:‏ فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنَّمَا حَدَّثَنَا ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَارِبُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ أَعْظَمُ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا لِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَشْهَدُ عَلَى بَاطِلٍ ‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ ‏,‏ إذْ لَمْ يَسْتَجِزْ عليه السلام أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ لِهَذَا الْخَبَرِ ‏,‏ وَفِيهِ لاَ أَشْهَدُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ ‏:‏ قَارِبُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ ‏,‏ فَمُنْقَطِعٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّهُ أَمَرَ بِالْمُقَارَبَةِ وَنَهَى عَنْ خِلاَفِهَا ‏,‏ وَهُمْ يُجِيزُونَ خِلاَفَ الْمُقَارَبَةِ ‏,‏ وَلاَ يُوجِبُونَ الْمُقَارَبَةَ ‏,‏ فَمَنْ أَضَلُّ مِنْ هَؤُلاَءِ الْمَحْرُومِينَ‏.‏ وَالْمُقَارَبَةُ ‏:‏ هُوَ الأَجْتِهَادُ فِي التَّعْدِيلِ ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ‏}

فَصَحَّ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ إنْ لَمْ يُصَادِفْ حَقِيقَةَ التَّعْدِيلِ كَانَ مُقَارِبًا ‏,‏ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِرِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ لِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ جَابِرٌ ‏:‏ قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ ‏:‏ انْحَلْ ابْنِي غُلاَمَكَ هَذَا ‏,‏ أَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَهُ إخْوَةٌ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَكُلُّهُمْ أَعْطَيْتَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا ‏,‏ أَلاَ وَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ فِي أَوَّلِهِ لَيْسَ يَصْلُحُ وَفِي آخِرِهِ إنِّي لاَ أَشْهَدُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا ‏,‏ وَإِذْ لَيْسَ حَقًّا فَهُوَ بَاطِلٌ وَضَلاَلٌ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ فَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ فِي حَدِيثِ الشُّفْعَةِ ‏,‏ ثُمَّ أَجَزْتُمُوهُ إذَا أَجَازَهُ الشَّفِيعُ وَنَهَى عليه الصلاة والسلام عَنْ النَّذْرِ ‏,‏ ثُمَّ أَوْجَبْتُمُوهُ إذَا وَقَعَ‏.‏

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ‏,‏ وَفِي تَرْكِهِ إقْرَارُ ذَلِكَ الْبَيْعِ ‏,‏ فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ‏.‏ وَنَهَى عليه السلام عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ ‏,‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ ‏,‏ فَبَانُونَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمْضَاهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ ‏,‏ وَنَحْنُ أَوَّلُ سَامِعٍ وَمُطِيعٍ ‏,‏ وَذَلِكَ مَا لاَ يَجِدُونَهُ أَبَدًا‏.‏ وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ ‏,‏ وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ هُوَ أَبُو الضُّحَى سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُول ‏:‏ ذَهَبَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ فَقَالَ ‏:‏ أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَصَفَّ بِيَدِهِ أَجْمَعَ كُلِّهِ كَذَا ‏,‏ أَلاَ سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ إنَّ مَنْ عَارَضَ رِوَايَةَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا بِرِوَايَةِ فِطْرٍ لَمَخْذُولٌ ‏,‏ وَفِطْرٌ ضَعِيفٌ ‏,‏ وَلَوْلاَ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ النُّعْمَانِ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ حُكْمًا وَلَفْظًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة ‏,‏ فَكَيْفَ وَقَدْ

رُوِّينَا فِي حَدِيثِ فِطْرٍ هَذَا مِنْ طَرِيقِ مَنْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ فِطْرٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ يَقُولُ ‏:‏ جَاءَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ أَعْطَانِيهَا فَقَالَ ‏:‏ هَلْ لَكَ بَنُونَ سِوَاهُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ قَالَ ‏:‏ سَوِّ بَيْنَهُمْ فَهَذَا إيجَابٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ‏.‏ وَقَدْ حَمَلَ الْمَالِكِيُّونَ أَمْرَهُ عليه الصلاة والسلام بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْفَرْضِ بِمُجَرَّدِ الأَمْرِ ‏,‏ وَحَمَلَ الْحَنَفِيُّونَ أَمْرَهُ عليه الصلاة والسلام بِالْإِعَادَةِ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الْإِمَامِ عَلَى الْفَرْضِ بِمُجَرَّدِ الأَمْرِ‏.‏ وَمَا زَالُوا يَهْجُمُونَ عَلَى وُجُوهِ السُّخْفِ مُعَارَضَةً لِلْحَقِّ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ هَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَتَى بِخَرَزٍ فَقَسَمَهُ لِلْحُرَّةِ وَالأَمَةِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَنْ يَرُدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ وَالْعَطِيَّةَ ‏,‏ وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهَا جَوْرٌ لَوْ عَقَلُوا ‏:‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا الْخَبَرُ كُلُّ ذِي مَالٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ فَصَحِيحٌ ‏,‏ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏ فَاَلَّذِي حَكَمَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ ‏,‏ وَفَسَخَ أَجْرَ الْبَغِيِّ ‏,‏ وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ ‏,‏ وَبَيْعَ الْخَمْرِ ‏,‏ وَبَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ ‏,‏ وَبَيْعَ الرِّبَا ‏,‏ هُوَ الَّذِي فَسَخَ الصَّدَقَةَ وَالْعَطِيَّةَ الْمُفَضَّلَ فِيهَا بَعْضُ الْوَلَدِ عَلَى بَعْضٍ ‏,‏ وَلَوْ أَنَّهُمْ اعْتَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الأَعْتِرَاضِ فِي إبْطَالِهِمْ النُّحْلَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ لَكَانَ أَصَحَّ وَأَثْبَتَ ‏,‏ وَلَكِنَّهُمْ كَالسُّكَارَى يَخْبِطُونَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ عَمَلُ النَّاسِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ‏.‏ وَقَالَ أَنَسٌ ‏:‏ مَا أَعْرِفُ مِمَّا أَدْرَكْت النَّاسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ‏.‏

وقال بعضهم ‏:‏ لَمَّا جَازَتْ مُفَاضَلَةُ الْإِخْوَةِ جَازَتْ مُفَاضَلَةُ الأَوْلاَدِ

قلنا ‏:‏ هَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ وَهَلَّا قُلْتُمْ ‏:‏ لَمَّا جَازَ الْقَوَدُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ جَازَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَوَلَدِهِ فَكَانَ أَصَحَّ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِخِلاَفِ مَا أَوْرَدُوهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ مَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نُحْلاً ‏,‏ فَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ نُحْلَ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا الْمُفَاضَلَةَ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي كَلاَمِهِمَا إبَاحَةُ الْمُفَاضَلَةِ ‏,‏ كَمَا لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُمَا الْمَنْعُ مِنْهَا ‏,‏ كَمَا أَوْرَدْنَا‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَنْحَلْ الآخَرِينَ قَبْلُ ، وَلاَ بَعْدُ بِمِثْلِ ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ فِيهَا ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ وَاقِدٌ ابْنِي مِسْكِينٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَحَلَهُ بَعْدُ كَمَا نَحَلَ إخْوَتَهُ ‏,‏ فَأَلْحَقهُ بِهِمْ ‏,‏ وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ ‏,‏ عَلَى أَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ أَيْضًا مُنْقَطِعَةٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يُسَوِّ قَبْلُ ، وَلاَ بَعْدُ بَيْنَهُمْ ‏,‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا النَّفَقَاتُ الْوَاجِبَاتُ ‏:‏ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ إيجَابٌ لاََنْ يُنْفِقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لاَ قَوَامَ لَهُ إِلاَّ بِهِ ‏,‏ وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ‏.‏

وَكَذَلِكَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام إيجَابٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَوَارِيثِ فِي شَيْءٍ ‏,‏ وَلِكُلِّ نَصٍّ حُكْمُهُ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الأَوْلاَدِ ‏,‏ إذَا لَمْ يَأْتِ النَّصُّ إِلاَّ فِيهِمْ‏.‏

وَأَمَّا وَلَدُ الْوَلَدِ ‏:‏ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِمْ ‏,‏ وَقَدْ كَانَ لأََصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو بَنِينَ وَبَنُو بَنَاتٍ فَلَمْ يُوجِبْ عليه الصلاة والسلام إعْطَاءَهُمْ ، وَلاَ الْعَدْلَ فِيهِمْ‏.‏ وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ أَنْ وُهِبَ هِبَةً لاَ مُحَابَاةَ فِيهَا فَقَدْ صَارَتْ لِوَرَثَتِهِ وَبَطَلَ أَمْرُ الأَبِ فِيهَا ‏,‏

وَأَمَّا إنْ مَاتَ الْوَالِدُ فَالتَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ دَيْنٌ عَلَيْهِ ‏,‏ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1635 - مسألة‏:‏

وَهِبَةُ جُزْءٍ مُسَمًّى مَنْسُوبٍ مِنْ الْجَمِيعِ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُشَاعِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ لِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِ الشَّرِيكِ ‏,‏ وَلِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ ‏,‏ كَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ ‏,‏ وَمَعْمَرِ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ ‏;‏ وَأَبِي ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ

وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ تَجُوزُ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ ‏,‏ وَلاَ الصَّدَقَةُ بِهِ لاَ لِلشَّرِيكِ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ ‏,‏ لاَ عَلَى فَقِيرٍ ، وَلاَ عَلَى غَنِيٍّ وَتَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِمُشَاعٍ لاَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَلِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِهِ‏.‏ وَاَلَّذِي يَنْقَسِمُ عِنْدَهُ ‏:‏ الدُّورُ ‏,‏ وَالأَرَضُونَ ‏,‏ وَالْمَكِيلاَتُ ‏,‏ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ ‏,‏ وَالْمَذْرُوعَاتُ وَاَلَّذِي لاَ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيَوَانِ ‏,‏ وَالْحَمَامُ ‏,‏ وَالسَّيْفُ ‏,‏ وَاللُّؤْلُؤَةُ ‏,‏ وَالثَّوْبُ ‏,‏ وَالطَّرِيقُ ‏,‏ وَنَحْوُ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالْإِجَارَةُ بِمُشَاعٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَمِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ لاَ تَجُوزُ أَلْبَتَّةَ ‏,‏ إِلاَّ مِنْ الشَّرِيكِ وَحْدَهُ قَالَ ‏:‏ وَرَهْنُ الْمُشَاعِ الَّذِي يَنْقَسِمُ وَاَلَّذِي لاَ يَنْقَسِمُ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ ‏,‏ لاَ مِنْ الشَّرِيكِ ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَبَيْعُ الْمُشَاعِ وَإِصْدَاقِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ ‏:‏ جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِ الشَّرِيكِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْمُشَاعِ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ التَّقَاسِيمِ الَّتِي لاَ تَعْقِلُ ‏,‏ وَلاَ لَهَا فِي الدَّيَّانَةِ أَصْلٌ بِالْمَنْعِ خَاصَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ ‏:‏ كَمِائَةِ دِينَارٍ ‏,‏ أَوْ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ أَوْ ضَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ أَوْ كُرِّ طَعَامٍ ‏,‏ أَوْ قِنْطَارِ حَدِيدٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ لِغَنِيَّيْنِ لاَ يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ بِذَلِكَ عَلَى فَقِيرَيْنِ ‏,‏ أَوْ هِبَةِ ذَلِكَ لِفَقِيرَيْنِ ‏,‏ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْهِبَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ‏:‏ أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْفَقِيرَيْنِ وَفِي الأَصْلِ ‏:‏ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ ‏,‏ وَالأَشْهَرُ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرَيْنِ كَذَلِكَ ‏,‏ أَنَّهَا تَجُوزُ ‏,‏ إِلاَّ فِي رِوَايَةٍ مُبْهَمَةٍ غَيْرِ مُبَيِّنَةٍ أَجْمَلَ فِيهَا الْمَنْعَ فَقَطْ‏.‏ وَقَالَ ‏:‏ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ إنْ وَهَبَ دَارًا لأَثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ جَازَ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ وَهَبَ لأََحَدِهِمَا الثُّلُثَ ‏,‏ وَلِلآخَرِ الثُّلُثَيْنِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمَا مَعًا ‏:‏ جَازَ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْوَاحِدِ ثُمَّ إلَى الآخَرِ ‏:‏ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ‏.‏ وَمَنَعَ سُفْيَانُ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ أَجَازَ هِبَةَ وَاحِدٍ دَارًا لأَثْنَيْنِ ‏,‏ وَهِبَةَ الاِثْنَيْنِ دَارًا لِوَاحِدٍ وَمَنَعَ ابْنُ شُبْرُمَةَ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ ‏,‏ وَمِنْ هِبَةِ وَاحِدٍ دَارًا لأَثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ‏,‏ وَأَجَازَ هِبَةَ اثْنَيْنِ دَارًا لِوَاحِدٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا مَوَّهُوا بِهِ إِلاَّ إنْ قَالُوا ‏:‏ قَبْضُ الْمُشَاعَ لاَ يُمْكِنُ‏.‏

‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ ‏:‏ كَذَبْتُمْ ‏,‏ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ ‏,‏ وَهَبْكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْعَهُ ‏,‏ وَالْبَيْعُ عِنْدَكُمْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ ‏,‏ وَلِمَ أَجَزْتُمْ إصْدَاقَهُ ‏,‏ وَالصَّدَاقُ وَاجِبٌ فِيهِ الْإِقْبَاضُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا‏}‏ وَلِمَ أَجَزْتُمْ الْوَصِيَّةَ بِهِ وَلِمَ أَجَزْتُمْ إجَارَةَ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ ‏,‏ وَمَنَعْتُمْ الرَّهْنَ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكِ ‏,‏ وَمَنَعْتُمْ الْهِبَةَ مِنْ الشَّرِيكِ وَأَقْرَبُ ذَلِكَ لِمَ أَجَزْتُمْ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ‏.‏ فَهَلْ فِي التَّلاَعُبِ وَالسَّخَافَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهما ‏:‏ إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُك جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِ الْغَابَةِ فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك ‏,‏ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا ‏,‏ وَفَاحِشُ الْقُبْحِ لِوُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَثَانِيهَا أَنَّهُ كَمْ قَوْلَةٌ لأََبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما قَدْ خَالَفْتُمُوهُمَا فِيهَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي الزَّكَاةِ إنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ ‏,‏ وَكَتَرْكِهِ التَّضْحِيَةَ وَهُوَ غَنِيٌّ ‏,‏ وَكَصِيَامِ عَائِشَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ‏,‏ وَقَوْلِهَا ‏:‏ لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا‏.‏ وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ قَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِخِلاَفِ هَذِهِ الْقِصَّةِ‏.‏ وَرَابِعُهَا أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ جِهَارًا بَلْ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمُشَاعِ لِغَنِيَّةٍ ‏;‏ لأََنَّهُ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ‏.‏ وَلاَ يَخْلُو ذَلِكَ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَحَلَهَا مِنْ تِلْكَ النَّخْلِ مَا تَجِدُّ مِنْهَا عِشْرِينَ وَسْقًا ‏,‏ أَوْ نَحَلَهَا عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً ‏,‏ فَهِيَ إمَّا عِدَةٌ بِأَنْ يَنْحَلَهَا ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الأَظْهَرُ ‏;‏

وَأَمَّا أَنَّهُ نَحَلَهَا وَأَمْضَى لَهَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ ‏,‏ وَهُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالْعَدَدِ وَالْعَيْنِ فِي مُشَاعٍ ‏,‏ فَرَأَيَاهُ مَعًا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ جَائِزًا ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْهُمْ ‏,‏ وَلَمْ يُبْطِلْهُ أَبُو بَكْرٍ لِذَلِكَ‏.‏ فَكَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ صُرَاحًا ‏,‏ وَإِنَّمَا أَبْطَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بِنَصِّ قَوْلِهِ ‏"‏ لأََنَّهَا لَمْ تَحُزْهُ ‏"‏ فَقَطْ ‏,‏ وَلَوْ جَدَدْته وَحَازَتْهُ لَكَانَ نَافِذًا ‏,‏ فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ‏.‏ فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَعُدْنَا إلَى قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ ‏,‏ وَالْفَضْلِ ‏,‏ وَكَانَتْ الْهِبَةُ فِعْلَ خَيْرٍ ‏,‏ وَقَدْ عَلِمَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ فِي أَمْوَالِ الْمَحْضُوضِينَ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مُشَاعًا وَغَيْرَ مُشَاعٍ ‏,‏ فَلَوْ كَانَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَهُمْ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ فِي الْمُشَاعِ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ ‏,‏ وَلَمَا كَتَمَهُ عَنْهُمْ ‏,‏ وَمَنْ حَرَّمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ أَوْجَبَ مَا لَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِيجَابِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْمُورِ بِالتَّبْلِيغِ ‏,‏ وَالْبَيَانِ ‏:‏ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَافْتَرَى عَلَيْهِ ‏,‏ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا ‏:‏ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ وَالصَّدَقَةَ بِهِ ‏,‏ وَإِجَارَتَهُ وَرَهْنَهُ ‏:‏ جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ لِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِهِ ‏,‏ وَلِلْغَنِيِّ وَلِلْفَقِيرِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ‏"‏ قَالَ ‏:‏ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُبَّةِ شَعْرٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْهَا لِي ‏,‏ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نُعَالِجُ الشَّعْرَ‏.‏ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ نَصِيبِي مِنْهَا لَكَ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ ‏,‏ وَبِرِوَايَةِ شَرِيكٍ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ فَمَا صَرَفَهُمْ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ‏:‏ إنِّي وَرِثْت عَنْ أُخْتِي عَائِشَةَ مَالاً بِالْغَابَةِ ‏,‏ وَقَدْ أَعْطَانِي مُعَاوِيَةُ بِهَا مِائَةَ أَلْفٍ ‏,‏ فَهُوَ لَكُمَا ‏;‏ لأََنَّهُمَا لَمْ يَرِثَا مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا إنَّمَا وَرِثَا أَسْمَاءَ ‏,‏ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَهَذِهِ هِبَةٌ لِغَنِيَّيْنِ مُكْثِرَيْنِ مُشَاعَةً ‏,‏ وَفِعْلُ أَسْمَاءَ رضي الله تعالى عنها بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهَا مِنْهُمْ مُخَالِفٌ ‏,‏ وَصَدَقَاتُ الصَّحَابَةِ عَلَى بَنِيهِمْ وَبَنِي بَنِيهِمْ بِغَلَّةِ أَوْقَافِهِمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ صَدَقَةً أَوْ هِبَةً لأََغْنِيَاءَ بِمُشَاعٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَذَكَرَ قِصَّةَ حُنَيْنٍ وَطَلَبَ هَوَازِنَ عِيَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ ‏:‏ وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏ فَهَذِهِ هِبَةُ مُشَاعٍ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ‏.‏ وَالْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ ‏:‏ أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ ‏:‏ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ فَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ ‏,‏ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ ‏,‏ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً فَهَذِهِ عَطِيَّةُ تَمْرٍ مُشَاعَةٍ‏.‏ وَالْحُجَّةُ تَقُومُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلاَنِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلاَثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى وَذَكَرَ الْخَبَرَ فَهَذِهِ هِبَةُ مُشَاعٍ لَمْ يَنْقَسِمْ‏.‏

وَأَمَّا مِنْ النَّظَرِ ‏:‏ فَلَيْسَ إِلاَّ مِلْكٌ صَحِيحٌ ‏,‏ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيمَا صَحَّ الْمِلْكُ فِيهِ ، وَلاَ مَزِيدَ ‏,‏ فَتَمَلُّكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَمَا مَلَكَهُ الْوَاهِبُ وَالْمُتَصَدِّقُ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ أَلْبَتَّةَ وَيَتَصَرَّفُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ‏,‏ وَالْمُتَصَدِّقُ ‏;‏ وَالْمُكْتَرِي ‏,‏ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْوَاهِبُ ‏,‏ وَالْمُتَصَدِّقُ ‏,‏ وَالْمُكْتَرِي ‏,‏ وَوُكَلاَؤُهُمْ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ وَتَكُونُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ عَلَيْهِ يَدُ الرَّاهِنِ وَوَكِيلُهُ ، وَلاَ فَرْقَ وَهَذَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1636 - مسألة‏:‏

وَأَمَّا إذَا أَعْطَى شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةٍ ‏,‏ أَوْ عَدَدًا كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ ذَرْعًا كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ وَزْنًا كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ كَيْلاً كَذَلِكَ ‏,‏ فَهُوَ بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ ‏,‏ مِثْلُ ‏:‏ أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ ‏,‏ أَوْ دَابَّةً مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ أَوْ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ مِنْ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ ‏,‏ أَوْ رِطْلاً مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ هَذَا التَّمْرِ ‏,‏ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ هَذَا الثَّوْبِ ‏,‏ وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏,‏ وَالصَّدَقَةُ بِكُلِّ هَذَا ‏,‏ وَالْهِبَةُ وَالْإِصْدَاقُ ‏,‏ وَالْبَيْعُ ‏,‏ وَالرَّهْنُ ‏,‏ وَالْإِجَارَةُ ‏,‏ بَاطِلٌ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَبْعَاضُهُ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ لاَ لِشَرِيكٍ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ ‏,‏ وَلاَ لِغَنِيٍّ ، وَلاَ لِفَقِيرٍ لأََنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الْهِبَةَ ، وَلاَ الصَّدَقَةَ ‏,‏ وَلاَ الْإِصْدَاقَ ‏,‏ وَلاَ الرَّهْنَ ‏,‏ وَلاَ الْإِجَارَةَ عَلَى شَيْءٍ أَبَانَهُ عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ أَوْ أَوْقَعَ فِيهِ حُكْمَ الرَّهْنِ ‏,‏ أَوْ الْإِجَارَةِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ‏,‏ فَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ عَنْ مِلْكِهِ ‏,‏ وَلاَ أَوْقَعَ فِيهِ حُكْمًا ‏:‏ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا تَقَدَّمَ ‏;‏ لأََنَّ الْجُزْءَ الْمُسَمَّى مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ لاَ جُزْءَ إِلاَّ وَفِيهِ حَظٌّ لِلْمُشْتَرِي ‏,‏ أَوْ الْمُصَدِّقِ ‏,‏ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ ‏,‏ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ‏,‏ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ‏,‏ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ شَرِيكًا لأََبِيهِ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ ‏:‏ لَك مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَك فَقَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ قَضَى أَبُو بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرُ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ‏,‏ حَتَّى يَحُوزَهُ مِنْ الْمَالِ وَيَعْزِلَهُ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ ‏,‏ إِلاَّ مَا أُفْرِدَ ‏,‏ وَعُزِلَ ‏,‏ وَأُعْلِمَ‏.‏

1637 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أُعْطِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ‏,‏ فَفَرَضَ عَلَيْهِ قَبُولَهُ ‏,‏ وَلَهُ أَنْ يَهَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ لِلَّذِي وَهَبَهُ لَهُ ‏,‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الصَّدَقَةِ ‏,‏ وَالْهَدِيَّةِ ‏,‏ وَسَائِرِ وُجُوهِ النَّفْعِ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، عَنِ ابْنِ السَّاعِدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ ‏:‏ ‏"‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ‏,‏ وَلاَ إشْرَافِ نَفْسٍ ‏,‏ فَاقْبَلْهُ‏)‏ لاَ نَعْلَمُ حَدِيثًا رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي نَسْقِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ إِلاَّ هَذَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو الطَّاهِرِ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ ‏,‏ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ ‏,‏ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ، وَلاَ سَائِلٍ ‏:‏ فَخُذْهُ ‏,‏ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ‏.‏ قَالَ سَالِمٌ ‏:‏ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا ‏,‏ وَلاَ يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيهِ ‏"‏‏.‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ نَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏مَنْ جَاءَهُ مِنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَقْبَلْهُ ، وَلاَ يَرُدَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ‏)‏‏.‏ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا ‏,‏ وَأَخَذَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَبُوهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ هُوَ أَبُو الْيَمَانِ نَا شُعَيْبٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِي فِي خِلاَفَتِهِ ‏:‏ أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّك تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعِمَالَةَ كَرِهْتهَا‏.‏ قُلْت ‏:‏ إنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا وَأَنَا بِخَيْرٍ ‏,‏ فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عِمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ فَلاَ تَفْعَلْ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ خَبَرَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَهَذَا عُمَرُ يَنْهَى عَنْ رَدِّ مَا أُعْطِيَ الْمَرْءُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ‏,‏ نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ مَا أَحَدٌ يُهْدِي إلَيَّ هَدِيَّةً إِلاَّ قِبْلَتُهَا ‏,‏

فأما أَنْ أَسْأَلَ ‏,‏ فَلَمْ أَكُنْ لأََسْأَلَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ نَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ ‏:‏ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ ‏:‏ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَلاَ إشْرَافٍ ‏,‏ فَلْيَأْكُلْهُ ‏,‏ وَلْيَتَمَوَّلْهُ

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد هُوَ الْخُرَيْبِيُّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ ‏:‏ رَأَيْت هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ فَيَقْبَلاَنِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ خُذْ مِنْ السُّلْطَانِ مَا أَعْطَاك‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا مِنْ طَرِيقِ الأَثَرِ ‏,‏

وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو مَنْ أَعْطَاهُ ‏:‏ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُ سُلْطَانٍ ‏,‏ كَائِنًا مَنْ كَانَ ‏,‏ مِنْ بَرٍّ أَوْ ظَالِمٍ ‏,‏ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا ‏:‏ إمَّا أَنْ يُوقِنَ الْمُعْطَى أَنَّ الَّذِي أُعْطِي حَرَامٌ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّهُ حَلاَلٌ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يَشُكَّ فَلاَ يَدْرِي أَحَلاَلٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ ثُمَّ يَنْقَسِمُ هَذَا الْقِسْمُ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَغْلَبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ حَرَامٌ ‏,‏ أَوْ يَكُونَ أَغْلَبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ حَلاَلٌ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ مُمْكِنًا عَلَى السَّوَاءِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ مُوقِنًا أَنَّهُ حَرَامٌ وَظُلْمٌ وَغَصْبٌ ‏,‏ فَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى ظَالِمٌ ‏;‏ لأََنَّهُ يُعِينُ بِهِ ظَالِمًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ بِإِبْقَائِهِ عِنْدَهُ ‏,‏ وَلاَ يُعِينُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي انْتِزَاعِهِ مِنْهُ ‏,‏ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِخِلاَفِ مَا فَعَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏‏.‏ ثُمَّ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ لاَ يَعْرِفُهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ‏.‏ فَهُنَا زَادَ فِسْقُهُ ‏,‏ وَتَضَاعَفَ ظُلْمُهُ ‏,‏ وَأَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ ‏,‏ وَصَارَ أَظْلَمَ مِنْ ذَلِكَ الظَّالِمِ ‏;‏ لأََنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْمَظْلِمَةِ إلَى صَاحِبِهَا وَعَلَى إزَالَتِهَا عَنْ الظَّالِمِ فَلَمْ يَفْعَلْ ‏,‏ بَلْ أَعَانَ الظَّالِمَ ‏,‏ وَأَيَّدَهُ وَقَوَّاهُ ‏,‏ وَأَعَانَ عَلَى الْمَظْلُومِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ لاَ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ فَكُلُّ مَالٍ لاَ يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَالْقَوْلِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ‏,‏ إذْ مَنَعَ الْمَسَاكِينَ وَالْفُقَرَاءَ وَالضُّعَفَاءَ حَقَّهُمْ ‏,‏ وَأَعَانَ عَلَى هَلاَكِهِمْ ‏,‏ وَقَوَّى الظَّالِمَ بِمَا لاَ يَحِلُّ لَهُ ‏,‏ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ يُوقِنُ أَنَّهُ حَلاَلٌ فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ مُكْتَسِبٌ بِذَلِكَ حَسَنَاتٍ جَمَّةٍ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَهُوَ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهُ غَيْرُ نَاصِحٍ ‏,‏ لَهُ ‏,‏ إذْ مَنْعُهُ الْحَسَنَاتِ الْكَثِيرَةِ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأََئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَنْصَحْ لأََخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي دِينِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلَعَلَّهُ إنْ رَدَّهُ لاَ يَحْضُرُ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ بِنِيَّةٍ أُخْرَى فِي بَذْلِهِ ‏,‏ فَيَكُونُ قَدْ حَرَمَهُ الأَجْرَ وَصَدَّ عَنْ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ لاَ يَدْرِي أَحَلاَلٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ فَهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ إِلاَّ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي يُوقِنُ فِيهِ أَنَّهُ حَلاَلٌ ‏,‏ أَوْ أَنَّهُ حَرَامٌ ‏,‏ فَلَوْ حَرُمَ أَخْذُ هَذَا لَحَرُمَتْ الْمُعَامَلاَتُ كُلُّهَا إِلاَّ فِي النَّادِرِ الْقَلِيلِ جِدًّا‏.‏ وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِقَاتٌ وَمُعَامَلاَتٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ ‏,‏ فَمَا حَرَّمَ عليه الصلاة والسلام قَطُّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَخْذَ مَالٍ يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ اتَّقُوا مَا الأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ حَرَامٌ ‏,‏ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ وُجُوبِ النَّصِيحَةِ بِأَخْذِهِ ‏,‏ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ ‏,‏ وَإِنْ اتَّقَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ فَيُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ‏,‏ فَهَذَا

برهان ظَاهِرٌ لاَئِحٌ‏.‏

وبرهان آخَرُ ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْجَهْلِ الْمُفْرِطِ ‏,‏ وَالْعَمَلِ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ يَسْتَسْهِلُ بِلاَ مُؤْنَةٍ أَخْذَ مَالِ زَيْدٍ فِي بَيْعٍ يَبِيعُهُ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ فِي إجَارَةٍ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ ‏,‏ لَهُ ‏,‏ ثُمَّ يَتَجَنَّبُ أَخْذَ مَالِ ذَلِكَ الزَّيْدِ نَفْسِهِ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهِ ‏,‏ فَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ ‏,‏ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَصْلاً ‏;‏ لأََنَّهُ إنْ كَانَ يَتَّقِي كَوْنَ ذَلِكَ الْمَالِ خَبِيثًا فَقَدْ أَخَذَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ رِيَاءً مَشُوبًا بِجَهْلٍ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ يَكْرَهُ الْمَرْءُ أَخْذَهُ قِيلَ ‏:‏ هَذَا خِلاَفُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرَّغْبَةُ عَنْ سُنَّتِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لَوْ دُعِيتُ إلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لاََجَبْتُ ‏,‏ وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ فَمَا وُفِّقَ لِخَيْرٍ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ ‏:‏ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَكَانَ مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ لاَ يَرُدَّانِ مَا أُعْطِيَا ‏,‏ وَلاَ يَسْأَلاَنِ أَحَدًا شَيْئًا ‏,‏ فَإِنْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ إذْ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ ‏:‏ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ‏.‏ وَبِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَقْبَلَ هِبَةً إِلاَّ مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ‏)‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَالرَّازِيُّ نَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ وَاَيْمُ اللَّهِ لاَ أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُهَاجِرِيٍّ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ‏.‏ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ نَا الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ‏,‏ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ فِيهِ ‏,‏ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ ، وَلاَ يَشْبَعُ ‏,‏ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ بَعْدَكَ أَحَدًا شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا ‏,‏ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ‏,‏ ثُمَّ إنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ ‏"‏‏.‏ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّهُ قَالَ لِلأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ الأَحْنَفُ عَنْ الْعَطَاءِ فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ ‏:‏ خُذْهُ ‏,‏ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً ‏,‏ فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِك فَلاَ تَأْخُذْهُ‏.‏ فَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏:‏ أَمَّا حَدِيثُ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَقْبَلَ هِبَةً فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ لاَ يَخْلُو ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ‏.‏ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْمَعْهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ فَإِنَّمَا فِيهِ ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام هَمَّ بِذَلِكَ ‏,‏ لاَ أَنَّهُ أَنْفَذَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ ‏,‏ لأََنَّ الأَصْلَ كَانَ أَنَّ الْمُعْطَى مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ‏.‏ وَحَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه وَارِدٌ بِإِبْطَالِ الْحَالِ الأَوَّلِ ‏,‏ وَلاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام بِقَبُولِ مَا جَاءَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَلاَ إشْرَافِ نَفْسٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْهَمَّ قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ ‏,‏ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوقَنَ نَسْخُهُ قَدْ دَعَا وَنَسَخَ النَّاسِخُ ‏,‏ فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ ‏,‏ وَمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ ‏,‏ وَحَاشَ اللَّهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الدِّينِ ‏,‏ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا عَلِمْنَا صَحِيحَ الدِّينِ مِنْ سَقِيمِهِ فِيهِ ، وَلاَ مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا لاَ يَلْزَمُنَا ‏,‏ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا الآخَرُ لاَ أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً فَرِوَايَةُ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ الأَبْرَشِ وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ رَدَّهُ وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُحْرِمِينَ ‏,‏ وَهَذَا بَعْضُ الأَحْوَالِ الَّتِي عَمَّهَا حَدِيثُ عُمَرَ ‏,‏ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ نَقُولُ ‏:‏ إنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أُهْدِي لَهُ صَيْدٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ‏,‏ وَهَكَذَا

رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْبَلاَنِ الْهَدَايَا وَيَرُدَّانِ الصَّيْدَ إنْ أُهْدِي لَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمٍ فَبَيِّنٌ جِدًّا ‏;‏ لأََنَّهُ لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَنْ أَخَذَ الْمَالَ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ مَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْإِشْرَافَ إلَى الْمَالِ لَمْ يَسْتَجِزْ أَخْذَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ ‏:‏ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَخْذُهُ مَنْ كَانَ غَيْرُ مُشْرِفِ النَّفْسِ إلَيْهِ‏.‏

وبرهان ذَلِكَ ‏:‏ إخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ ‏,‏ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ ‏,‏ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حَتَّى خَاطَبَهُ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَطَاءً فَاسْتَقَلَّهُ ‏,‏ فَزَادَهُ ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ ‏,‏ وَهَذَا غَايَةُ إشْرَافِ النَّفْسِ ‏;‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْحَفْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْكَرَ مَسْأَلَتَكَ يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ‏.‏ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏ فَهَذَا بَيَانٌ لاَئِحٌ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِحَكِيمٍ رضي الله عنه غَيْرُ هَذَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ فَصَحِيحٌ ‏;‏ لأََنَّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ وَطَلَبَ عِوَضًا مِنْهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ ‏,‏ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَخْذُ مَا أُعْطِي دُونَ شَرْطٍ فَاسِدٍ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَالَ ‏:‏ لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ يَزَالُ يَدْعُونِي‏.‏ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ‏:‏ مُهَنَّاهُ لَك ‏,‏ وَإِثْمُهُ عَلَيْك ‏,‏ قَالَ سُفْيَانُ ‏:‏ إنْ عَرَفَتْهُ بِعَيْنِهِ فَلاَ تَأْكُلُهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ صَدَقَ سُفْيَانُ الأَكْلُ غَيْرُ الأَخْذِ ‏,‏ لِمَا عُرِفَ أَنَّ عَيْنَهُ حَرَامٌ ‏;‏ لأََنَّهُ يَقْدِرُ فِي أَخْذِهِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ إيصَالِهِ إلَى أَهْلِهِ وَإِزَالَتِهِ عَنْ الْمَظَالِمِ ‏,‏ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الأَكْلِ ‏,‏ فَفَرَضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ أَكْلِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ ، هُوَ ابْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا كَانَ لَك صَدِيقٌ عَامِلٌ ‏,‏ أَوْ جَارٌ عَامِلٌ ‏,‏ أَوْ ذُو قَرَابَةٍ عَامِلٌ ‏,‏ فَدَعَاك إلَى طَعَامٍ فَاقْبَلْهُ ‏,‏ فَإِنَّهُ مُهَنَّاهُ لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ‏.‏

وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ ‏:‏ كَانَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ هُوَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ يَبْعَثُ إلَى الْحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ بِجِفَانِ ثَرِيدٍ فَيَأْكُلُ الْحَسَنُ مِنْهَا وَيُطْعِمُ أَصْحَابَهُ قَالَ ‏:‏ وَبَعَثَ عَدِيٌّ إلَى الْحَسَنِ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَابْنِ سِيرِينَ ‏,‏ فَقَبِلَ الْحَسَنُ ‏,‏ وَالشَّعْبِيُّ ‏,‏ وَرَدَّ ابْنُ سِيرِينَ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ طَعَامِ الصَّيَارِفَةِ فَقَالَ ‏:‏ قَدْ أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الرِّبَا وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قُلْت لأَِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ عَرِيفٌ لَنَا يَهْمِطُ وَيُصِيبُ مِنْ الظُّلْمِ فَيَدْعُونِي فَلاَ أُجِيبُهُ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ ‏:‏ الشَّيْطَانُ عَرَضَ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً ‏,‏ وَقَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ ‏,‏ قُلْت لَهُ ‏:‏ نَزَلْتُ بِعَامِلٍ فَنَزَلَنِي وَأَجَازَنِي ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اقْبَلْ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ فَصَاحِبُ رِبًا فَقَالَ ‏:‏ اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَهَكَذَا أَدْرَكْنَا مَنْ يَوْثُقُ بِعِلْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1638 - مسألة‏:‏

وَلاَ تَحِلُّ الرِّشْوَةُ ‏:‏ وَهِيَ مَا أَعْطَاهُ الْمَرْءُ لِيُحْكَمَ لَهُ بِبَاطِلٍ ‏,‏ أَوْ لِيُوَلِّيَ وِلاَيَةً ‏,‏ أَوْ لِيُظْلَمَ لَهُ إنْسَانٌ فَهَذَا يَأْثَمُ الْمُعْطِي وَالآخِذُ‏.‏

فأما مَنْ مُنِعَ مِنْ حَقِّهِ فَأَعْطَى لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلْمَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْمُعْطِي ‏,‏

وَأَمَّا الآخِذُ فَآثِمٌ ‏,‏ وَفِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ فَالْمَالُ الْمُعْطَى بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ كَمَا كَانَ ‏,‏ كَالْغَصْبِ ، وَلاَ فَرْقَ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا مَا أُعْطِيهِ أَهْلَ دَارِ الْكُفْرِ فِي فِدَاءِ الأَسْرَى ‏,‏ وَفِي كُلِّ ضَرُورَةٍ ‏,‏ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏,‏ إِلاَّ مِلْكَ أَهْلِ دَارِ الْكُفْرِ مَا أَخَذُوهُ فِي فِدَاءِ الأَسِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا ‏:‏ قَدْ مَلَكُوهُ وَهَذَا بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَلاَ نَظَرٌ ‏,‏

وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏ فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفْنَا ‏:‏ أَبِحَقٍّ أَخَذَ الْكُفَّارُ مَا أَخَذُوا مِنَّا فِي الْفِدَاءِ وَغَيْرِهِ أَمْ بِبَاطِلٍ فَمِنْ قَوْلِهِمْ ‏:‏ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَلَوْ قَالُوا غَيْرَ ذَلِكَ كَفَرُوا ‏,‏ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ ‏;‏ لأََنَّهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ‏,‏ وَلِلُزُومِ الدِّينِ لَهُمْ‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ لِمَ أَبَحْتُمْ إعْطَاءَ الْمَالِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ ‏,‏ وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ ‏:‏ فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي قَالَ ‏:‏ قَاتِلْهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي قَالَ ‏:‏ فَأَنْتَ شَهِيدٌ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ قَالَ ‏:‏ فَهُوَ فِي النَّارِ‏.‏ وَبِالْخَبَرِ الْمَأْثُورِ لَعَنْ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ خَبَرُ لَعْنِهِ الرَّاشِي إنَّمَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُعْطِيَ فِي ضَرُورَةِ دَفْعِ الظُّلْمِ لَيْسَ رَاشِيًا‏.‏

وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي الْمُقَاتَلَةِ فَهَكَذَا نَقُولُ ‏:‏ مَنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إعْطَاءُ فَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ فِي ذَلِكَ ‏,‏

وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ عليه السلام ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْمُقَاتَلَةِ وَالدِّفَاعِ ‏,‏ وَصَارَ فِي حَدِّ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَا أَعْطَى فِي ذَلِكَ‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ‏:‏ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ عَانٍ عِنْدَ كُلِّ كَافِرٍ أَوْ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَمَعْمَرٍ قَالَ ‏:‏ مَعْمَرٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَقَالَ سُفْيَانُ ‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ ‏,‏ ، وَإِبْرَاهِيمُ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ مَا أَعْطَيْت مُصَانَعَةً عَلَى مَالِك وَدَمِك ‏,‏ فَإِنَّك فِيهِ مَأْجُورٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1639- مسألة‏:‏

وأما من نصر آخر في حق ، أو دفع عنه ظلما ‏,‏ ولم يشترط عليه في ذلك عطاء ، فأهدى إليه مكافأة ، فهذا حسن لا نكرهه ، لأنه من جملة شكر المنعم ، وهدية بطيب نفس ، وما نعلم قرآنا ولا سنة في المنع من ذلك – وقد روينا عن علي ، وابن مسعود المنع من هذا ، ولا نعلم برهانا يمنع منه – وبالله تعالى التوفيق‏.‏

1639- مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ السُّؤَالُ تَكَثُّرًا إِلاَّ لِضَرُورَةِ فَاقَةٍ ‏,‏ أَوْ لِمَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً ‏,‏ فَالْمُضْطَرُّ فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ مَا يَقُوتُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِمَّا لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ ‏,‏ مِنْ ‏:‏ أَكْلٍ ‏,‏ وَسُكْنَى ‏,‏ وَكِسْوَةٍ ‏,‏ وَمَعُونَةٍ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ ظَالِمٌ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ طَلَبَ غَيْرَ مُتَكَثِّرٍ فَلَيْسَ مَكْرُوهًا‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ سَأَلَ سُلْطَانًا فَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو كُرَيْبٍ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلاَلِيِّ ‏,‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ‏:‏ يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأََحَدِ ثَلاَثَةٍ ‏:‏ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ ‏,‏ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ ‏,‏ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُوتَ ثَلاَثَةً مِنْ ذَوِي الْحَجِّ مِنْ قَوْمِهِ فَيَقُولُونَ ‏:‏ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ ‏,‏ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ ‏:‏ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْمَسْأَلَةُ كَدٌّ يَكُدُّ الرَّجُلُ بِهَا وَجْهَهُ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ ‏,‏ أَوْ فِي الأَمْرِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ‏.‏ فَهَذَا نَصُّ مَا

قلنا حَرْفًا بِحَرْفٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ‏:‏ أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الزَّكَاةِ ‏"‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وُجُوبَ قِيَامِ ذَوِي الْفَضْلِ مِنْ الْمَالِ بِمَنْ لاَ مَالَ مَعَهُ ‏,‏ يَقُومُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُحْتَاجُ إنَّمَا يَسْأَلُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ ‏,‏ وَدَيْنَهُ اللَّازِمَ ‏,‏ الَّذِي عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ ‏,‏ وَلَهُ أَخْذُهُ كَيْفَ قَدَرَ إنْ مَنَعَهُ ‏,‏ فَلاَ غَضَاضَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا السُّلْطَانُ فَلَيْسَ يُسْأَلُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ ‏,‏ إنَّمَا بِيَدِهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَلاَ حَرَجَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُوَ أَحَدُهُمْ‏.‏

وَأَمَّا سُؤَالُ غَيْرِ الْمُتَكَثِّرِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََبِي قَتَادَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْحِمَارِ الَّذِي عَقَرُوهُ ‏:‏ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ فَقُلْتُ ‏:‏ نَعَمْ ‏:‏ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَثَى نَفَذَهَا ‏,‏ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي رَقِيَ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ ‏:‏ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ

1641 - مسألة‏:‏

وَإِعْطَاءُ الْكَافِرِ مُبَاحٌ ‏,‏ وَقَبُولُ مَا أَعْطَى هُوَ كَقَبُولِ مَا أَعْطَى الْمُسْلِمُ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارَ نَا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ ‏:‏ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ وَأَهْدَى مَلِكُ آيِلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ ‏:‏ قَدِمَتْ أُمِّي عَلَيَّ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ صِلِي أُمَّكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَمِيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَسْلَمْتَ قُلْتُ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ مِثْلُهُ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا قَالَ الْحَسَنُ ‏:‏ زَبْدُ الْمُشْرِكِينَ رِفْدُهُمْ

قلنا ‏:‏ هَذَا مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ أَبِي حُمَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا ‏;‏ لأََنَّهُ كَانَ فِي تَبُوكَ ‏,‏ وَكَانَ إسْلاَمُ عِيَاضٍ قَبْلَ تَبُوكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1642 - مسألة‏:‏

لاَ تُقْبَلُ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ بَلْ يَكْتَسِبُ بِذَلِكَ إثْمًا زَائِدًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَكُلَّمَا تَصَرَّفَ فِي الْحَرَامِ فَقَدْ زَادَ مَعْصِيَةً وَإِذَا زَادَ مَعْصِيَةً زَادَ إثْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ‏}‏‏.‏

1643 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنَّ يَمُنَّ بِمَا فَعَلَ مِنْ خَيْرٍ إِلاَّ مَنْ كَثُرَ إحْسَانُهُ وَعُومِلَ بِالْمُسَاءَةِ ‏,‏ فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى‏}‏‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ سَمِعْت سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏,‏ وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ‏,‏ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏:‏ الْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ‏,‏ وَالْمُسْبِلُ إزَارَهُ ‏,‏ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شُرَيْحٌ بْنُ يُونُسَ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا قَسَّمَ الْغَنَائِمَ فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ ‏:‏ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي ‏,‏ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي ‏,‏ وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمْ اللَّهُ بِي وَيَقُولُونَ ‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ فَقَالَ ‏:‏ أَلاَ تُجِيبُونَنِي ‏,‏ أَمَا إنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا ‏,‏ وَكَانَ مِنْ الأَمْرِ كَذَا أَشْيَاءُ ذَكَرَ عَمْرٌو أَنَّهُ لاَ يَحْفَظُهَا فَهَذَا مَوْضِعُ إبَاحَةِ تَعْدِيدِ الْإِحْسَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1644 - مسألة‏:

وَهِبَةُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ ‏,‏ وَالْبِكْرِ ذَاتِ الأَبِ ‏,‏ وَالْيَتِيمَةِ ‏,‏ وَالْعَبْدِ ‏,‏ وَالْمَخْدُوعِ فِي الْبُيُوعِ ‏,‏ وَالْمَرِيضِ مَرَضَ مَوْتِهِ ‏,‏ أَوْ مَرَضَ غَيْرَ مَوْتِهِ ‏,‏ وَصَدَقَاتِهِمْ ‏:‏ كَهِبَاتِ الأَحْرَارِ ‏,‏ وَاَللَّوَاتِي لاَ أَزْوَاجَ لَهُنَّ ‏,‏ وَلاَ آبَاءَ كَهِبَاتِ الصَّحِيحِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا

برهان ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا‏.‏ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَدَبَ جَمِيعَ الْبَالِغِينَ الْمُمَيِّزِينَ إلَى الصَّدَقَةِ ‏,‏ وَفِعْلِ الْخَيْرِ ‏,‏ وَإِنْقَاذِ نَفْسِهِ مِنْ النَّارِ ‏,‏ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مُتَوَعَّدٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ ‏"‏ فَلاَ يَحِلُّ مَنْعُهُمْ مِنْ الْقُرْبِ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1645 - مسألة‏:

وَالصَّدَقَةُ لِلتَّطَوُّعِ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَعَلَى الْفَقِيرِ ‏,‏ وَلاَ تَحِلُّ لأََحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ‏,‏ وَالْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ ‏,‏ وَلاَ لِمَوَالِيهِمْ ‏,‏ حَاشَ ‏"‏ الْحَبْسِ ‏"‏ فَهُوَ حَلاَلٌ لَهُمْ ‏,‏ وَلاَ تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ مِنْهُمْ‏.‏

وَأَمَّا الْهِبَةُ ‏,‏ وَالْهَدِيَّةُ ‏,‏ وَالْعَطِيَّةُ ‏,‏ وَالْإِبَاحَةُ ‏,‏ وَالْمِنْحَةُ ‏,‏ وَالْعُمْرَى ‏,‏ وَالرُّقْبَى ‏:‏ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ لِبَنِي هَاشِمٍ ‏,‏ وَالْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهمْ هَذَا كُلُّهُ لاَ خِلاَفَ فِيهِ حَاشَ دُخُولِ بَنِي الْمُطَّلِبِ فِيهِمْ ‏,‏ وَحَاشَ دُخُولِ الْمَوَالِي فِيهِمْ ‏,‏ وَحَاشَ جَوَازِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَهُمْ ‏,‏ فَإِنَّ قَوْمًا أَجَازُوهَا لَهُمْ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا شُعْبَةُ نَا الْحَكَمُ ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَرَادَ أَبُو رَافِعٍ أَنْ يَتْبَعَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لَنَا ‏,‏ وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ‏.‏ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَدَقَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا هُشَيْمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ‏:‏ إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لاَ نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ ، وَلاَ إسْلاَمٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ قَدْ صَحَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ فَامْنَعُوهُمْ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ ، وَلاَ أَنْتُمْ ‏,‏ وَإِلَّا فَلاَ تَمْنَعُوهُمْ إِلاَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ وَهُوَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَقَطْ‏.‏

قلنا ‏:‏ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ قَدْ خَصَّهُ عَطَاؤُهُ لِبَنِي هَاشِمٍ ‏,‏ كَالْبَعِيرِ الَّذِي أَعْطَى عَلِيًّا مِنْ النَّفْلِ مِنْ الْخُمْسِ ‏,‏ وَمِنْ الْمَغْنَمِ ‏,‏ وَسَائِرِ هِبَاتِهِ عليه الصلاة والسلام لَهُمْ ‏,‏ فَوَجَبَ خُرُوجُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ‏.‏ وَوَجَدْنَا كُلَّ مَعْرُوفٍ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ فَلَهُ اسْمٌ آخَرُ يَخُصُّهُ ‏:‏ كَالْقَرْضِ ‏,‏ وَالْهِبَةِ ‏,‏ وَالْهَدِيَّةِ ‏,‏ وَالْإِبَاحَةِ ‏,‏ وَالْحَمَالَةِ ‏,‏ وَالضِّيَافَةِ ‏,‏ وَالْمِنْحَةِ ‏,‏ وَسَائِرِ أَسْمَاءِ وُجُوهِ الْبِرِّ‏.‏ وَوَجَدْنَا الصَّدَقَةَ التَّطَوُّعَ لَيْسَ لَهَا اسْمٌ غَيْرَ ‏"‏ الصَّدَقَةِ ‏"‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوَالِيهمْ ‏,‏ فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ التَّطَوُّعُ حَرَامًا عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّهَا هِيَ الصَّدَقَةُ الَّتِي لاَ اسْمَ لَهَا غَيْرَ ‏"‏ الصَّدَقَةِ ‏"‏ ، وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ الزَّكَاةُ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إبِلٍ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا صَحِيحٌ ‏,‏ وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُعْطِي لِتِلْكَ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَةٍ لاَزِمَةٍ لَهُ ‏,‏ فَبَعَثَهُ عليه الصلاة والسلام فِيهَا إلَى حَيْثُ يَجْمَعُ إبِلَ الصَّدَقَةِ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام هُوَ أَعْطَى تِلْكَ الْإِبِلَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ لَكَانَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ تَحْرِيمَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ هُوَ الرَّافِعُ الْمَعْهُودُ الأَصْلِ وَلِلْحَالِ الأَوَّلِ بِلاَ شَكٍّ مِنْ إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ ‏,‏

وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَ الْمَنْسُوخِ نَاسِخًا فَقَدْ كَذَبَ إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ نَصٌّ بَيِّنٌ بِذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الْغَنِيُّ ‏:‏ فَقَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَأَلاَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ شِئْتُمَا ‏,‏ وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ، وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا الْخَبَرُ وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى ‏"‏ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ ‏"‏ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَى الأَغْنِيَاءِ إِلاَّ مَنْ خَصَّهُ النَّصُّ مِنْهُمْ ‏:‏ مِنْ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَقَطْ‏.‏

برهان ذَلِكَ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ نَا شُعَيْبٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ قَالَ رَجُلٌ ‏:‏ لاََتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ‏,‏ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ ‏,‏ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ ‏:‏ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لاََتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ‏,‏ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ ‏,‏ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لاََتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ‏,‏ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ ‏,‏ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ ‏,‏ وَعَلَى زَانِيَةٍ ‏,‏ وَعَلَى غَنِيٍّ ‏,‏ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ ‏:‏ أَمَّا صَدَقَتُك فَقَدْ تُقُبِّلَتْ وَذَكَرَ الْخَبَرَ‏.‏ فَهَذَا بَيَانٌ فِي جَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ ‏,‏ وَالصَّالِحِ ‏,‏ وَالطَّالِحِ‏.‏

1646 - مسألة‏:‏

وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ بِمَا لاَ يُفْسِدُ ‏,‏ وَاسْتَدْرَكْنَا فِي تَصَدُّقِ الْعَبْدِ الْخَبَرَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ ‏,‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا قُتَيْبَةُ نَا حَاتِمٌ ، هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ ‏:‏ أَمَرَنِي مَوْلاَيَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ ‏,‏ فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلاَيَ فَضَرَبَنِي ‏,‏ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ ‏:‏ لِمَ ضَرَبْتَهُ فَقَالَ ‏:‏ يُطْعِمُ طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الأَجْرُ بَيْنَكُمَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏,‏ وَابْنُ نُمَيْرٍ ‏,‏ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كُلُّهُمْ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ ‏:‏ كُنْتُ مَمْلُوكًا فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ شَيْئًا قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَالأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ

قال أبو محمد ‏:‏ لاَ يَخْلُو مَالُ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ ‏,‏ أَوْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا يَقُولُونَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ مَالٌ فَصَدَقَةُ الْمَرْءِ مِنْ مَالِهِ فِعْلٌ حَسَنٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُ مِنْهُ فَلْيُعْضَدُوا بِالْجَنْدَلِ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ لَيْسَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ ‏;‏ لأََنَّنَا نَرَاهُمْ لاَ يَعْجِزُونَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ الْحُرُّ فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا عَنَى بَعْضَ الْعَبِيدِ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ وَلَيْسَ كُلُّ أَبْكَمَ كَذَلِكَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ الْبُكْمِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلاَةَ ‏,‏ وَالْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ ‏,‏ وَالصِّيَامَ ‏,‏ إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ هَذِهِ أَعْمَالُ أَبَدَانً‏.‏

قلنا ‏:‏ قَدْ تَرَكْتُمْ احْتِجَاجَكُمْ بِظَاهِرِ الآيَةِ بَعْدُ وَأَتَيْتُمْ بِدَعْوَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَعْمَالِ الأَبَدَانِ وَأَعْمَالِ الأَمْوَالِ بِلاَ

برهان وَالْحَجُّ عَمَلُ بَدَنٍ فَأَلْزِمُوهُ إيَّاهُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ قَدْ يُجْبَرُ بِالْمَالِ‏.‏

قلنا فَأَسْقِطُوا عَنْهُ الصَّوْمَ بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ ‏;‏ لأََنَّهُ يُجْبَرُ بِالْمَالِ مِنْ عِتْقِ الْمُكَفِّرِ وَإِطْعَامِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏