فصل: 2026 - مَسْأَلَةٌ: قتل المسلم خطأ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2026 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَإِنْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ، أَوْ الذِّمِّيُّ الْبَالِغَانِ الْعَاقِلاَنِ مُسْلِمًا خَطَأً فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَهِيَ عَشِيرَتُهُ، وَقَبِيلَتُهُ‏.‏ وَعَلَى الْقَاتِلِ فِي نَفْسِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلاً مُسْلِمًا‏:‏ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلاَ بُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لِفَقْرِهِ‏:‏ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمَا شَهْرُ رَمَضَانَ، وَلاَ بِيَوْمِ فِطْرٍ، وَلاَ بِيَوْمِ أَضْحَى، وَلاَ بِمَرَضٍ، وَلاَ بِأَيَّامِ حَيْضٍ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً‏.‏ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الذِّمِّيِّ، لاَ أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ فِي حَالِهِ تِلْكَ عَلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلاَ عَلَى صِيَامٍ حَتَّى يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ يَوْمًا مَا لَزِمَهُ الْعِتْقُ، أَوْ الصِّيَامُ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ وَذَلِكَ زَائِدٌ فِي إثْمِهِ وَعَذَابِهِ، وَلاَ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ هَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ الَّذِي لاَ يَجْهَلُهُ مَنْ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَقَلُّ حَظٍّ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ الدِّيَةِ عَلَى عَشِيرَتِهِ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا، وَزَوْجِهَا، أَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ‏:‏ الْعَقْلُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ وَادَّعَوْا أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لاَ يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِيذُ اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُحِيلُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْدِثُ حُكْمًا آخَرَ بِغَيْرِ وَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً عَصَبَةٌ فَمِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏، وَلاَ حَظَّ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ لِكَافِرٍ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ لاَ يَحُولُ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ بِرَمَضَانَ، وَلاَ بِأَضْحَى، وَلاَ بِمَرَضٍ، وَلاَ أَيَّامِ حَيْضٍ فَلأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِمَا مُتَتَابِعَيْنِ، وَأَمَّا إذَا حَالَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَيْسَا مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَيْلُولَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَيْلُولَةٍ بِعُذْرٍ‏.‏ وَتُؤَخِّرُ الْمَرْأَةُ صِيَامَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ حَيْضَتُهَا ‏;‏ لأََنَّهَا لاَ تَقْدِرُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ، فَفَرْضُهَا أَنْ تُؤَخِّرَ حَتَّى تَقْدِرَ كَالْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَلَوْ بَدَأَهُمَا فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ ثُمَّ سَافَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَجْزَأَهُ إتْمَامُ الشَّهْرَيْنِ فِيهِ ثُمَّ يَقْضِي رَمَضَانَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّ كُلَّ كَافِرٍ مَنْ جِنٍّ أَوْ إنْسٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ تَرْكُ كُلِّ دِينٍ وَالرُّجُوعُ إلَى الإِسْلاَمِ، وَالْتِزَامُ شَرَائِعِهِ لاَ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا مُسْلِمٌ ‏;‏ لأََنَّهُ بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَعَلَيْهِ حَارَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَالَفَهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَبِذَلِكَ وَجَبَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَإِذْ كُلُّ كَافِرٍ فَمُلْزَمٌ دِينَ الإِسْلاَمِ، وَمَأْمُورٌ بِهِ، فَحُكْمُهُ لاَزِمٌ لَهُمْ، وَشَرَائِعُهُ كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ مِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، كَالصَّلاَةِ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْجُنُبِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ، إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ مِنْهُمَا إِلاَّ حَتَّى يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ وَيَتَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ لاَ يَصُومُ عَنْ الْكَافِرِ وَلِيُّهُ بِخِلاَفِ الْمُسْلِمِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَصُومُ الْوَلِيُّ إِلاَّ مَا لَوْ صَامَهُ الْمَيِّتُ لاََجْزَأَهُ، وَلَيْسَ هَذَا صِفَةَ الْكَافِرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2027 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا عَمْدًا فِي دَارِ الإِسْلاَمِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ هُوَ بِهِ وَلِيَّهُ‏:‏ مِنْ ضَرْبٍ، أَوْ طَعْنٍ، أَوْ رَمْيٍ، أَوْ صَبٍّ مِنْ حَالِقٍ، أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ تَغْرِيقٍ، أَوْ شَدْخٍ، أَوْ إجَاعَةٍ أَوْ تَعْطِيشٍ، أَوْ خَنْقٍ أَوْ غَمٍّ، أَوْ وَطْءِ فَرَسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لاَ تُحَاشَ شَيْئًا‏.‏ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ أَحَبَّ الْقَاتِلُ أَمْ كَرِهَ لاَ رَأْيَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَوَدِ وَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ بِمُسْقِطٍ لِلدِّيَةِ، بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلْوَلِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، إِلاَّ أَنْ يَلْفِظَ بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ أَيْضًا‏.‏ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَهَاهُنَا خَاصَّةً إنْ لَمْ يُرْضِهِ الْقَاتِلُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ إِلاَّ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى الدِّيَةِ وَبَرَةً فَمَا فَوْقَهَا‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ إِلاَّ الْقَوَدُ فَقَطْ، أَوْ الْعَفْوُ، وَلاَ تَجِبُ لَهُ الدِّيَةُ إِلاَّ بِرِضَا الْقَاتِلِ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ إِلاَّ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَلَوْ أَضْعَافًا كَثِيرَةً فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَاتِلُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلاَ صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏ وَصَحَّ قَوْلُنَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقَوَدُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، قَالَ‏:‏ فَالْعَفْوُ‏:‏ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ يَطْلُبُ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْعَمْدُ يَرْضَى أَهْلُهُ بِالدِّيَةِ اتِّبَاعًا مِنْ الطَّالِبِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءً إلَيْهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِإِحْسَانٍ‏.‏ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَاضِي صَنْعَاءَ قَالَ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلاً إنْ أَحَبَّ الأَوْلِيَاءُ أَنْ يَعْفُوا عَفَوْا وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ أَخَذُوهَا، وَأَعْطُوا امْرَأَتَهُ مِيرَاثَهَا مِنْ الدِّيَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَلاَثِ دِيَاتٍ‏:‏ فَهُوَ جَائِزٌ، إنَّمَا اشْتَرَوْا بِهِ صَاحِبَهُمْ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ فَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏‏.‏ فَالضَّمِيرُ فِي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُ‏}‏ وَفِي مِنْ أَخِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ، لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ ‏;‏ لأََنَّهُ هُوَ الَّذِي عُفِيَ لَهُ مِنْ ذَنْبِهِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ‏.‏ وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ‏:‏ إمَّا يُودَى وَأَمَّا أَنْ يُقَادَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ فِي خَبَرِ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ‏:‏ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً بِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الدِّيَةِ أَوْ الْقَوَدِ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ لاَ إلَى الْقَاتِلِ، وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ إنْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ الأَوْلِيَاءِ فَأَكْثَرُ‏:‏ أَنَّ الدِّيَةَ وَاجِبَةٌ لِلْبَاقِينَ أَحَبَّ الْقَاتِلُ أَمْ كَرِهَ وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ‏:‏ إذَا بَطَلَ الْقَوَدُ بِأَيِّ وَجْهٍ بَطَلَ، كَالأَبِ قَتَلَ ابْنَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ امْتِنَاعِ الْقَوَدِ بِهَذَا وَبَيْنَ امْتِنَاعِهِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلاَ يَصِحُّ خِلاَفُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا يَشْغَبُ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوَّلاً، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ‏:‏ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هِلاَلُ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ قُتِلَ فِي رِمِّيَّا أَوْ عِمِّيَّا يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ، فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ اغْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلاً فَهُوَ مُودِيهِ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ‏:‏ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏.‏ وَبِمَا نَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَمَنْ اغْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ‏.‏ وَبِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْن مَيْسَرَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ عَنْ حَمْزَةَ أَبِي عُمَرَ الْعَايِذِيِّ الضَّبِّيِّ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ حَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جِيءَ بِقَاتِلٍ فِي عُنُقِهِ النِّسْعَةُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِمَوْلَى الْمَقْتُولِ‏:‏ أَتَعْفُو قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ أَتَأْخُذُ الدِّيَةَ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ أَفَتَقْتُلُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَفِي آخَرِ الْحَدِيثِ‏:‏ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ أَمَا إنَّكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ فَعَفَا عَنْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ أَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَاتِلٍ فَقَالَ لَهُ‏:‏ هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ تُؤَدِّي دِيَتَهُ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ فَمَوَالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ‏:‏ خُذْهُ ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام‏:‏ أَمَا إنَّهُ إنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ‏:‏ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ أَرْسِلْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِ صَاحِبِك وَإِثْمِهِ، فَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ فَأَرْسَلَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ أَنَا ضَمْرَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى بِقَاتِلِ وَلِيِّهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام‏:‏ اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى، فَقَالَ‏:‏ خُذْ الدِّيَةَ فَأَبَى، قَالَ‏:‏ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَإِنَّك مِثْلُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ‏:‏ الْقَوَدُ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ‏.‏ وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَأَنَسٍ‏:‏ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَفْوِ، وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَلَوْ كَانَتْ الدِّيَةُ وَاجِبَةً بِالْعَفْوِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الْوَلِيُّ الْعَامِّيُّ لاَسْتَغْنَى عليه الصلاة والسلام عَنْ إعَادَةِ ذِكْرِهَا‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَفِي أَحَدِ حَدِيثَيْ وَائِلٍ أَنَّهُ اسْتَشَارَ الْقَاتِلَ فِي إعْطَاءِ الدِّيَةِ، فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ مَا اسْتَشَارَهُ فِي ذَلِكَ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس قَالَ‏:‏ فِي الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ عِنْدَ أَبِي، وَهُوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَهِيَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ‏:‏ ثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَثَلاَثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فَتِيَّةً سَمِينَةً إذَا اصْطَلَحُوا فِي الْعَمْدِ، فَهُوَ عَلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ قَالُوا فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَمْدِ دِيَةٌ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَدَلَّ هَذَانِ النَّصَّانِ عَلَى أَنَّ مَالَ الْقَاتِلِ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏، وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ‏}‏‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ وَلَيْسَ مِثْلُ الْقَتْلِ إِلاَّ الْقَتْلَ، فَلاَ مَدْخَلَ لِلدِّيَةِ هَاهُنَا إِلاَّ بِرِضَاهُمَا مَعًا‏.‏ وَقَالُوا‏:‏

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَلَمْ يَذْكُرْ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الْقَتْلَ فَقَطْ‏.‏ وَقَالُوا ‏"‏ لاَ يَخْلُو وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقِصَاصُ أَوْ يَكُونَ لَهُ أَيْضًا أَخْذُ الدِّيَةِ بَدَلاً مِنْ الْقِصَاصِ، فَإِنْ قُلْتُمْ هَذَا

قلنا‏:‏ لَمْ نَجِدْ قَطُّ حَقًّا لأَِنْسَانٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخْذُ بَدَلٍ مِنْهُ إِلاَّ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ لَهُ إمَّا الْقِصَاصُ وَأَمَّا الدِّيَةُ‏.‏ قلنا‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ إنْ عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُ إذَا اخْتَارَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَهُ بِعَيْنِهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ لاَ يَمْنَعُ السُّلْطَانُ وَلِيَّ الدَّمِ أَنْ يَعْفُوَ إنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ إنْ اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، وَلاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَقْتُلَ إنْ أَبَى إِلاَّ الْقَتْلَ بَعْدَ أَنْ يَحِقَّ لَهُ الْقَتْلُ فِي الْعَمْدِ‏.‏ وَاعْتَرَضُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ‏}‏‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي فِي لَهُ وَفِي مِنْ أَخِيهِ رَاجِعٌ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، لاَ إلَى الْقَاتِلِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَمَنْ سَمَحَ لَهُ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ‏.‏ وَاعْتَرَضُوا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ بِعَيْنِهِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، لَكِنْ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ أَرَنِي أَبِي حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا يُقَادَ، وَإإمَّا يُفَادَى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ فِي حَدِيثٍ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ‏:‏ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَأَمَّا أَنْ يُفَادِيَ أَهْلَ الْقَتِيلِ قَالُوا‏:‏ فَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَهَذَا قَوْلُنَا‏.‏ وَاعْتَرَضُوا فِي خَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمُوهُ كَمَا حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ‏:‏ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إحْدَى ثَلاَثِ أَشْيَاءَ‏:‏ إمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَأَمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالْعَفْوِ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ عليه الصلاة والسلام لِلدِّيَةِ مَعَ ذِكْرِهِ لِلْعَفْوِ مُخَيِّرًا بَيْنَهُمَا مَعْنًى‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام ‏"‏ إمَّا أَنْ يُقَادَ

وَأَمَّا أَنْ يَعْقِلَ ‏"‏ أَنْ يَرْضَى الْقَاتِلُ كَمَا تَقُولُ‏:‏ خُذْ بِسِلْعَتِك كَذَا وَكَذَا، أَيْ يَرْضَى الْبَائِعُ‏.‏ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ‏.‏ أَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَفْوًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ الْقَوَدَ فَقَطْ‏.‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ ذَكَرَ الْعَفْوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ

قلنا‏:‏ وَقَدْ ذُكِرَتْ الدِّيَةُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلاَ فَرْقَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَالْحَنَفِيُّونَ يُخَالِفُونَ هَذَا الْخَبَرَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْقَوَدَ لِلْوَلَدِ مِنْ الْوَالِدِ، فَخَصَّهُ بِلاَ

برهان وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّونَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْقَوَدَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ فَخَصُّوهُ أَيْضًا بِلاَ

برهان‏.‏ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ثُمَّ هُوَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَسَاقِطٌ ‏;‏ لأََنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد الَّذِي رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَجْهُولُ الْحَالِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ‏:‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هُوَ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَكَانَا حُجَّةً لَنَا لاَ لَهُمْ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ‏:‏ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا، بَلْ نَقُولُ‏:‏ إنَّهُمْ إنْ رَضُوا بِالدِّيَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَهُمْ رِضَاهُمْ‏.‏ وَخَبَرُ أَبِي شُرَيْحٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ فَفِيهِمَا زِيَادَةُ عَدْلٍ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَزِيَادَةُ عَدْلَيْنِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَكَمْ قَضِيَّةً فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ خَالَفُوهَا بِآرَائِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الزَّكَاةِ ‏"‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثَا وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَسَاقِطَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَمْرٍو الْعَايِذِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَوْفٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرٍو الضَّبِّيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ مُدَلَّسًا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُمَوَّهَ بِهِ عَلَى جَاهِلٍ بِعُلُومِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ جِيءَ بِالْقَاتِلِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فَأَسْقَطَ بَيْنَ عَوْفٍ، وَعَلْقَمَةَ‏:‏ أَبَا عَمْرٍو الْمَذْكُورَ‏.‏

وَالثَّانِي مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ‏:‏ أَتَعْفُو قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ أَفَتَقْتُلُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ فِي الْعَفْوِ أَوْ الْقَوَدِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ دُونَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْقَاتِلَ، أَوْ يَلْتَفِتَ إلَى رِضَاهُ وَهَذَا قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ‏.‏ وَالآخَرُ أَنَّ فِيهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِلْقَاتِلِ‏:‏ أَلَكَ مَالٌ تُؤَدِّي دِيَتَهُ قَالَ‏:‏ لاَ‏:‏ قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ فَمَوَالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَمَنْ لاَ مَالَ لَهُ، وَلاَ يَطْمَعُ فِي أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الدِّيَةَ، لاَ النَّاسُ، وَلاَ مَوَالِيهِ الَّذِينَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِنَايَتِهِ فَلاَ يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ مَا لاَ يُطِيقُ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ فَسَاقِطٌ ‏;‏ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا كَمَا قلنا فِي خَبَرِ وَائِلٍ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ تَخْيِيرَ الْوَلِيِّ بَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ أَوْ الْقَوَدِ أَوْ الْعَفْوِ، فَكَيْفَ وَهُمَا خَبَرَانِ مَوْضُوعَانِ بِلاَ شَكٍّ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولُوهُ مِنْ إيجَابِ النَّارِ عَلَى مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام إيَّاهُ فَقَتَلَ مَنْ نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِ فَهَذَا تَنَاقُضٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ لَوْ كَانَتْ الدِّيَةُ وَاجِبَةً بِالْعَفْوِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَمَا كَرَّرَهَا عليه الصلاة والسلام فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ عليه الصلاة والسلام عَفْوًا مُطْلَقًا عَامًّا لاَ عَفْوًا خَاصًّا عَنْ الدَّمِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ نَقُولُ‏:‏ إنْ عَفَا عَنْ الدَّمِ وَحْدَهُ خَاصَّةً، فَالدِّيَةُ بَاقِيَةٌ لَهُ، وَإِنْ عَفَا عَفْوًا عَامًّا عَنْ الدَّمِ وَالدِّيَةِ فَذَلِكَ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ فَمُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، ثُمَّ هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لِخِلاَفِهِمْ لِمَا فِيهِ‏.‏ أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَالدِّيَةُ عِنْدَهُمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِخِلاَفِ مَا فِيهِ، لَكِنْ أَرْبَاعًا جِذَاعٌ، وَحِقَاقٌ، وَبَنَاتُ لَبُونٍ، وَبَنَاتُ مَخَاضٍ،

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلاَ يَرَوْنَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ شَيْئًا أَصْلاً‏.‏ فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَيُصَحِّحُهُ عَلَى مَنْ لاَ يُصَحِّحُهُ ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ كَمَا فِي الْعَمْدِ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ إذَا اصْطَلَحُوا، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا، وَلاَ نُخَالِفُهُ‏.‏

وَأَمَّا ذِكْرُهُمْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏ وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَصَحِيحٌ كُلُّ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ‏}‏‏.‏ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّيَةَ، أَوْ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَجَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الزَّاعِمِ رَضِيَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ كَرِهَ طَابَتْ نَفْسُهُ، أَوْ خَبُثَتْ كَمَا قلنا‏.‏ وَقَالُوا فِي الْعَاقِلَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَرِهُوا وَلَمْ تَطِبْ أَنْفُسُهُمْ، وَلاَ رَضُوا، وَلاَ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ وَهَذَا هُوَ الأَكْلُ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَقًّا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِه}ِ {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ‏}‏ وَ ‏{‏فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ فَحَقٌّ كُلُّ ذَلِكَ‏.‏ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ‏}‏، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إمَّا أَنْ يُقَادَ وَأَمَّا أَنْ يُودَى حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى تِلْكَ الآيَاتِ، وَأَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا حَقٌّ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏ وَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذِهِ الآيَاتِ حَيْثُ خَالَفُوهَا مِنْ إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ لِلْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ، وَإِسْقَاطِ الْقَوَدِ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ مِنْ أَجْلِ عَفْوِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِسْقَاطِ بَعْضِهِمْ الْقَوَدَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ‏:‏ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏}‏ فَحَقٌّ، وَبِهِ نَقُولُ‏:‏ إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ فَلْيَقْتُلْ قَاتِلَ وَلِيِّهِ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُسْرِفَ فَيَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ وَلَيْسَ هَاهُنَا ذِكْرُ الدِّيَةِ الَّتِي قَدْ وَرَدَ حُكْمُهَا فِي نَصٍّ آخَرَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ لاَ يَخْلُو وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقِصَاصُ، أَوْ أَخْذُ الدِّيَةِ بَدَلاً مِنْ الْقِصَاصِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلَمْ نَجِدْ قَطُّ حَقًّا لأَِنْسَانٍ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ بَدَلٍ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَهَذَيَانٌ نَسَوْا فِيهِ أَقْوَالَهُمْ الْفَاسِدَةَ‏.‏ إذْ قَالُوا‏:‏ مَنْ كَسَرَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِغَيْرِهِ فَصَاحِبُ الْقَلْبِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ قَلْبِهِ كَمَا هُوَ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا غَيْرَ مَكْسُورٍ مِنْ الذَّهَبِ أَحَبَّ الْكَاسِرُ أَوْ أَبَى‏.‏ وَإِذْ قَالُوا‏:‏ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا لأَخَرَ فَقَطَعَهُ قِطَعًا اسْتَهْلَكَهُ بِهِ، كَحَرْقٍ أَوْ خَرْقٍ فِي بَعْضِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَقِيمَةَ نُقْصَانِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ لِلْغَاصِبِ وَأَلْزَمَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا بِخِلاَفِ الْحُكْمِ لَوْ قَطَعَهُ قَمِيصًا‏.‏ بِخِلاَفِ الْقَمْحِ إذَا طَحَنَهُ دَقِيقًا وَالدَّقِيقِ إذَا خَبَزَهُ خُبْزًا، وَاللَّحْمِ إذَا طَبَخَهُ أَوْ شَوَاهُ، فَلَمْ يَرَوْا لِلْمَغْصُوبِ فِي كُلِّ هَذَا إِلاَّ قِيمَةَ مَا غُصِبَ مِنْهُ فَقَطْ وَجَعَلُوا الْقَمِيصَ، وَالْخُبْزَ، وَالطَّبْخَ، وَالشِّوَاءَ‏:‏ حَلاَلاً لِلْغَاصِبِ، بِحُكْمِ إبْلِيسَ اللَّعِينِ‏.‏ فَهَذِهِ أَبْدَالٌ أَوْجَبُوهَا بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ فَرْضًا مِنْ حُقُوقٍ وَاجِبَةٍ بِغَيْرِ رِضَا الَّذِي أَلْزَمُوهَا إيَّاهَا، وَلاَ طِيبِ نَفْسِهِ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَعْتَرِضُ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْقَضَايَا الْخَبِيثَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنْ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَلاَ يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَخْتَارَهُ فَقَوْلٌ سَخِيفٌ، بَلْ عَفْوُهُ عَنْ الْقَوَدِ جَائِزٌ، وَتَبْقَى لَهُ الدِّيَةُ، إِلاَّ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ‏:‏ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدِّيَةِ، وَإِذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ، وَإِذَا عَفَا عَنْ الْقَوَدِ بَقِيَ حُكْمُهُ فِي الْقِسْمِ الآخَرِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ التَّخْيِيرَ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ، وَلاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إِلاَّ بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ‏:‏ فَصَحِيحٌ، وَالنَّسْخُ جَائِزٌ ‏;‏ لِمَا فِي الْقُرْآنِ بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ‏.‏ وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِلسُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، وَبِخَبَرٍ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ أَيْضًا‏.‏ فَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الْقَوْلِ حَيْثُ زَادُوا عَلَى النَّسْخِ بِالأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، كَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَالتَّدْلِيكِ فِي الْغُسْلِ وَكَإِيجَابِ الدِّيَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَعْضَاءِ بِقِيَاسٍ، أَوْ رِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ أَوْ تَقْلِيدٍ بِغَيْرِ نَصٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا رِوَايَتُهُمْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلاَ تَصِحُّ ‏;‏ لأََنَّهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُولَدْ عُمَرُ رحمه الله تعالى إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه بِنَحْوِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الثَّابِتُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفًا لَهُ‏.‏

وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ، فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَمُحَالٌ لاَ يَجُوزُ ‏;‏ لأََنَّهَا دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ، وَتَكَلُّفٌ ظَاهِرُ الْبُطْلاَنِ مَعَ أَنَّهُ خِلاَفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ مِنْهُمْ ‏;‏ لأََنَّ فِي الآيَةِ‏:‏ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ فَقَالُوا هُمْ‏:‏ بَلْ نَتْبَعُ بِضَرْبِ مِائَةِ سَوْطٍ وَنَفْيِ سَنَةٍ بِلاَ نَصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَصْلاً، وَلاَ رِوَايَةٍ عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ يَشُكُّ ذُو فَهْمٍ أَنَّ الْمَعْفُوَّ لَهُ مِنْ دِيَتِهِ فِي أَخِيهِ هُوَ الْقَاتِلُ، وَأَمَّا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَلَمْ يُعْفَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَخِيهِ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا تَأَوَّلُوهُ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ مُخَالِفًا لأََقْوَالِهِمْ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يُوجِبُ ذَلِكَ مُرَاعَاةَ رِضَا الْوَلِيِّ، بَلْ كَانَ يَكُونُ الْخِيَارُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ فَقَطْ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لاَ هُمْ، وَلاَ غَيْرُهُمْ فَصَحَّ أَنَّ تَأْوِيلَهُمْ فِي الآيَةِ مُحَالٌ بَاطِلٌ مُمْتَنِعٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ أَصْلاً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى فِيهِ أَيْضًا‏:‏ إمَّا أَنْ يُقَادَ وَأَمَّا أَنْ يُفَادَى أَهْلُ الْقَتِيلِ‏:‏ فَصَحِيحٌ، وَهُوَ مَعْنًى ثَالِثٌ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ اتِّفَاقُهُمْ كُلُّهُمْ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى فِدَاءِ الْقَاتِلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِمَّا صَحَّ، وَلاَ ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَهَذَا هُوَ التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ، وَكَيْدُ الإِسْلاَمِ جِهَارًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَلَيْسَ تَرْكُ الصَّحِيحِ مِمَّا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يُقَادَ أَوْ يُودَى مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ صَحَّ أَيْضًا مِنْ أَنْ يُقَادَ أَوْ يُفَادَى بِأَوْلَى مِنْ آخَرَ خَالَفَ الْحَقَّ، فَتَرَكَ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام‏:‏ أَنْ يُفَادَى مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ‏:‏ أَوْ يُودَى وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَ كُلِّ ذَلِكَ، وَضَمَّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ‏:‏ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ‏.‏

وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ فِي خَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ بِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ‏:‏ فَسُفْيَانُ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ مَا فِيهِ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ‏:‏ إيجَابَ الْقَوَدِ فِي الْجِرَاحِ جُمْلَةً، وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ إِلاَّ فِي الْمُوضِحَةِ وَحْدَهَا فَقَطْ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَيِّ بَابٍ يَقَعُ احْتِجَاجُ الْمَرْءِ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا يُخَالِفُ وَهُوَ يُصَحِّحُهُ وَخَصْمُهُ لاَ يُصَحِّحُهُ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ لِلْمَجْرُوحِ، أَوْ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ بَيْنَ الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ الْعَفْوِ دُونَ اشْتِرَاطِ رِضَا الْجَانِي وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ، وَرِضًا بِالتَّمْوِيهِ الْمُفْتَضَحِ مِنْ قُرْبٍ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا بِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ فَرْقَ، فَلِعُمُومِ نَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَخُصَّ إحْدَى الدَّارَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ وَبِهِ نَأْخُذُ‏.‏

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ‏:‏ إنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَمْدًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَكَانَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ سَاكِنٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ أَصْلاً، إنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمَقْتُولُ سَاكِنًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَعَلَى قَاتِلِهِ عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ، وَلاَ قَوَدَ فِيهِ، وَلاَ دِيَةَ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخْرَجَ هَذَا الْقَوْلَ السَّخِيفَ، وَلاَ مَنْ تَقَدَّمَهُ إلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُبْتَلِينَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ مَوَّهُوا فِي ذَلِكَ‏:‏ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ‏:‏ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً فَقَالَ‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلاَحِ قَالَ‏:‏ أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْت أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ‏.‏ وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى الإِسْلاَمِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا‏:‏ أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ‏:‏ صَبَأْنَا، صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ فِيهِمْ أَسْرًا وَقَتْلاً، وَدَفَعَ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا، حَتَّى إذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ لَهُ صَنِيعُ خَالِدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ‏:‏ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ قَالَ‏:‏ لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ لاَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذِهِ الأَحَادِيثِ‏:‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الْيَمَانِ وَالِد حُذَيْفَةَ رضي الله عنه فَفِيهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ مُلْجَمِ بْنِ قُدَامَةَ وَقَتْلُهُ عَامِرَ بْنَ الأَضْبَطِ، وَإِعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّيَةَ فِيهِ، وَمَنْعُهُ مِنْ الْقَوَدِ، فَفِيهِ زِيَادُ بْنُ ضُمَيْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ بَلْ إنَّهُ يَصِحُّ فِي حَدِيثِ مُلْجَم الْمَذْكُورِ‏:‏ مَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ‏:‏ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُطُمٍ، فَلَقِيَنَا عَامِرُ بْنُ الأَضْبَطِ هُوَ أَشْجَعِيٌّ فَحَيَّانَا بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُلْجَمُ بْنُ جَثَّامَةَ هُوَ لَيْثِيٌّ كِنَانِيٌّ فَقَتَلَهُ ثُمَّ سَلَبَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ فَنَزَلَتْ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ كُلُّ هَذِهِ الأَخْبَارِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ خَالِدًا لَمْ يَقْتُلْ بَنِي جَذِيمَةَ إِلاَّ مُتَأَوِّلاً أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنْ قَوْلَهُمْ‏:‏ صَبَأْنَا، صَبَأْنَا إسْلاَمٌ صَحِيحٌ،

وَكَذَلِكَ أُسَامَةُ بِلاَ شَكٍّ، وَحَسْبُك بِمُرَاجَعَتِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلِهِ‏:‏ إنَّمَا قَالَهَا مِنْ خَوْفِ السِّلاَحِ وَهُوَ وَاَللَّهِ الثِّقَةُ الصَّادِقُ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِلاَّ مَا فِي نَفْسِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ السَّرِيَّةُ الَّتِي أَسْرَعَتْ بِالْقَتْلِ فِي خَثْعَمَ وَهُمْ مُعْتَصِمُونَ بِالسُّجُودِ، وَإِذْ هُمْ مُتَأَوِّلُونَ فَهُمْ قَاتِلُو خَطَأٍ بِلاَ شَكٍّ، فَسَقَطَ الْقَوَدُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِمْ فَوَجَدْنَاهُمْ كُلَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَسَقَطَتْ الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْكَفَّارَةُ، فَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً‏:‏ إمَّا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُمْ بِهَا فَسَكَتَ الرَّاوِي عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا أَنَّ الآيَةَ الَّتِي فِيهَا‏:‏ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الأَسْتِغْفَارُ وَالدُّعَاءُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ‏.‏

فإن قيل‏:‏ كَيْفَ يَقُولُ مُتَأَوِّلاً وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِهِ

قلنا‏:‏ نَعَمْ، قَدْ بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ خَطَأٍ خَالَفَ الْحَقَّ، وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فَاعِلُهُ مَأْجُورًا أَجْرًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَبْرَأْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَالِدٍ قَطُّ، إنَّمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ تَأْوِيلٍ أَخْطَأَ فِيهِ الْمُتَأَوِّلُ، وَلاَ نَبْرَأُ مِنْ الْمُتَأَوِّلِ وَلَوْ بَرِئَ عليه الصلاة والسلام مِنْ خَالِدٍ لَمَا أَمَرَهُ بَعْدَهَا فَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَمَا وَجْهُ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَثْعَمًا نِصْفَ الدِّيَةِ

قلنا‏:‏ فَعَلَ ذَلِكَ تَفَضُّلاً، وَصِلَةً وَاسْتِئْلاَفًا عَلَى الإِسْلاَمِ فَقَطْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَهُمْ دِيَةٌ لَمَا مَنَعَهُمْ عليه الصلاة والسلام مِنْهَا وَبَرَةً فَمَا فَوْقَهَا‏.‏ فَلَمَّا بَطَلَ احْتِجَاجُ الْحَنَفِيِّينَ لِقَوْلِهِمْ الْخَبِيثِ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ، وَالدِّيَةِ عَمَّنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَفِي إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ فَقَطْ عَنْ الْمُتَعَمِّدِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهَا كُلُّهَا قَتْلُ خَطَأٍ لاَ قَتْلُ عَمْدٍ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَقَدْ بَرِئَ عليه الصلاة والسلام مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ سَكَنَ بَيْنَ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ

قلنا‏:‏ لَوْ كَانَ هَذَا مُبِيحًا لِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ لَبَطَلَ قَوْلُكُمْ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّهُ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ قَتَلَهُ مَنْ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلاَ قَوَدَ، وَلاَ دِيَةَ، إنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ ‏;‏ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏.‏ ثُمَّ زَادُوا ضَلاَلاً فَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ سَاقِطٍ مَوْضُوعٍ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي السَّفَرِ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا ‏;‏ لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، فَيَقْطَعُونَ الأَيْدِيَ فِي السَّفَرِ، فَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ دَارِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ إسْقَاطُهُمْ الْقَوَدَ، وَالدِّيَةَ، أَوْ الْقَوَدَ فَقَطْ عَلَى تَرْكِ قَطْعِ الأَيْدِي هَوَسًا ظَاهِرًا وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ رَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ أَنْ يُرِيدَ النَّهْيَ عَنْ الْقَوَدِ، وَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ نَفْسِ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَيَدَعَ ذِكْرَ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَطْعِ الأَيْدِي فِي السَّفَرِ هَذَا لاَ يُضِيفُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا كَذَّابٌ مَلْعُونٌ مُتَعَمِّدُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَأَمَّا قَوْلُنَا يُقْتَلُ قَاتِلُ الْعَمْدِ بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ بِهِ فَإِنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قلنا‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَفْصٌ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ الْعَمْدُ كُلُّهُ قَوَدٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ‏:‏ الْعَمْدُ قَوَدٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ‏:‏ إذَا مَثَّلَ بِالرَّجُلِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُمَثَّلُ بِهِ ثُمَّ يُقْتَلُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ‏:‏ كُلِّ شَيْءٍ يَقْتُلُهُ فَإِنَّهُ يُقَادُ بِهِ نَحْوُ الْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَقْتُلُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنًا لِصُهَيْبٍ أَخَذَ ابْنًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ فَضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ مَعَهُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا، وَأَنَّ الصُّهَيْبِيَّ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ حَاطِبٍ، فَضَرَبَهُ بِعَصًا مَعَهُ فِي الرَّأْسِ حَتَّى تَطَايَرَتْ شُؤُونُ رَأْسِهِ فَمَاتَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسٌ لاَ يُنْكِرُهُ كَانَ اسْمُ الصُّهَيْبِيِّ‏:‏ الْحَسَنَ بْنَ عُثْمَانَ وَكَانَ اسْمُ الْحَاطِبِيِّ‏:‏ يَزِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ إنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ قُتِلَ بِحَجَرٍ، وَإِنْ قَتَلَ بِخَشَبَةٍ قُتِلَ بِخَشَبَةٍ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ‏:‏ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بِفِهْرٍ فَكَتَبَ مَيْمُونٌ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ يَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ إلَى أُمِّ الْيَهُودِيِّ، فَدَفَعَهُ إلَيْهَا، فَقَتَلَتْهُ بِفِهْرٍ‏.‏ وَبِهِ يَأْخُذُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ عَصًا، أَوْ بِالنَّارِ، أَوْ بِالتَّغْرِيقِ‏:‏ قُتِلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، يُكَرَّرُ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ حَتَّى مَاتَ‏:‏ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ، وَإِنْ حَبَسَهُ بِلاَ طَعَامٍ، وَلاَ شَرَابٍ حَتَّى يَمُوتَ‏:‏ حُبِسَ مِثْلُ تِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ‏:‏ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَهَكَذَا إنْ غَرَّقَهُ، وَهَكَذَا إنْ أَلْقَاهُ مِنْ مَهْوَاةٍ عَالِيَةٍ فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ‏:‏ قُطِعَتْ يَدَا الْقَاطِعِ وَرِجْلاَهُ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ إنْ لَمْ يَمُتْ تُرِكَ كَمَا هُوَ حَتَّى يَمُوتَ‏:‏ لاَ يُطْعَمُ، وَلاَ يُسْقَى وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ جُوعًا أَوْ عَطَشًا‏:‏ جُوِّعَ وَعُطِّشَ حَتَّى يَمُوتَ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ تُرَاعَى الْمُدَّةُ أَصْلاً‏.‏ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ‏:‏ إنْ غَمَسَهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَمُوتَ‏:‏ غَمَسْتُهُ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ وَإِنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا ضَرَبْتُهُ مِثْلَ ضَرْبِهِ لاَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُثْلَةَ، وَيَقُولُونَ‏:‏ السَّيْفُ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ بَلْ أَضْرِبُهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لاَ يُقْتَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِحَدِيدَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَتَلَ بِخَشَبَةٍ أَوْ بِالشَّيْءِ قَالَ‏:‏ السَّيْفُ مَحَلُّ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِحَدِيدَةٍ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ سُفْيَانَ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ‏:‏ بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ مِمَّا يُوجِبُ الْقَوَدَ فَلاَ يُقَادُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ ظَاهِرُ مَا رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ‏:‏ إيجَابُ الْقَوَدِ بِالسَّيْفِ، وَالرُّمْحِ، وَالسِّكِّينِ، وَالْمِطْرَقَةِ‏:‏ فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا‏}‏، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ‏}‏‏.‏ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ‏}‏‏.‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَكَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَوْرَدْنَا‏:‏ مُوجِبٌ أَنَّ الْغَرَضَ فِي الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ إنَّمَا هُوَ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى غَيْرِ مَا اعْتَدَى بِهِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَمَنْ قَتَلَ بِالسَّيْفِ مَنْ قَتَلَ مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِ السَّيْفِ، فَقَاتِلُهُ بِمَا لَمْ يَقْتُلْ بِهِ، مُتَعَدٍّ ظَالِمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أُمِرَ بِهِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَمَنْ قَتَلَ أَحَدًا بِغَيْرِ السَّيْفِ ظَالِمًا عَامِدًا‏:‏ فَبَشَرَةُ غَيْرِ الْقَاتِلِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَقِيدِ، وَغَيْرِهِ، إذْ قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِبَاحَتِهَا، إنَّمَا حَلَّ مِنْ بَشَرَةِ الْقَاتِلِ، وَمِنْ التَّعَدِّي عَلَيْهِ مِثْلُ مَا انْتَهَكَ هُوَ مِنْ بَشَرَةِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ بِهِ قَطُّ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ كَمَنْ أَفْتَى مَنْ فُقِئَتْ عَيْنَاهُ ظُلْمًا بِأَنْ يَجْدَعَ هُوَ أَشْرَفَ أُذُنَيْ فَاقِئِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا هَمَّامٌ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ جَارِيَةً قَدْ وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ فُلاَنٌ فُلاَنٌ حَتَّى ذَكَرُوا لَهَا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ الْحِجَارَةِ‏.‏ وَرَوَاهُ أَيْضًا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ‏:‏ أَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَا أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَلاَ تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَقَالُوا‏:‏ بَلَى‏:‏ فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَطَرَدُوا الْإِبِلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ، وَأَرْجُلُهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا‏.‏ قَالَ مُسْلِمٌ‏:‏ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ مَرْوَزِيٌّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلاَنَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ إنَّمَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ ‏;‏ لأََنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ فَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُهُ الَّذِي لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْعَمْدُ قَوَدٌ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودَى،

وَأَمَّا أَنْ يُقَادَ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ الْقَوَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ‏:‏ الْمُقَارَضَةُ بِمِثْلِ مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ، لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ بِالْيَدِ، وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، وَالأَنْفِ بِالأَنْفِ، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، كُلُّ ذَلِكَ يُسَمَّى ‏"‏ قَوَدًا ‏"‏‏.‏ فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَرَنَا بِالْقَوَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَمَرَنَا بِأَنْ يُعْمَلَ بِالْمُعْتَدِي فِي الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ‏:‏ مِثْلُ مَا عَمِلَ هُوَ سَوَاءً سَوَاءً هَذَا أَمْرٌ تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ وَاللُّغَةُ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى‏:‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يُعَوِّلُونَ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْعَثَ، وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ هَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِمُرْسَلٍ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ الْخَبَرَانِ عَنْ أَنَسٍ فِي الَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ، وَفِي الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ، فَإِنَّمَا كَانَا إذْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ مُبَاحَةً، ثُمَّ نَسَخَهَا بِتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ‏.‏ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ لِذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَالرَّجْمُ قَدْ لاَ يُصِيبُ الرَّأْسَ، فَقَدْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ مَا قَتَلَ هُوَ بِهِ الْجَارِيَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الصَّبَاحِ بْنِ عِمْرَانَ هُوَ الْبُرْجُمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَعِمْرَانَ يَقُولاَنِ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا نَحْوَهُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ قَالُوا‏:‏ مَا سَمِعْنَاهُ عليه الصلاة والسلام قَطُّ خَطَبَنَا إِلاَّ وَهُوَ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ‏:‏ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ غَيْلاَنَ الْحَرَّانِيُّ أَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ ثنا أَبُو قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، أَوْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ‏:‏ فَاقْتُلُوهُ، وَلاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ أَحَدًا يَعْنِي بِالنَّارِ، وَنَهَى عليه الصلاة والسلام عَنْ الْمُثْلَةِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا‏.‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ لَمْ نُخَالِفْهُمْ قَطُّ فِي أَنَّ الْمُثْلَةَ لاَ تَحِلُّ، لَكِنْ

قلنا‏:‏ إنَّهُ لاَ مُثْلَةَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا مَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مُثْلَةً‏.‏ لَيْتَ شِعْرِي‏:‏ مَا الْفَرْقُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ، بَيْنَ مَنْ قَتَلَ عَامِدًا ظَالِمًا بِالْحِجَارَةِ فَقُتِلَ هُوَ كَذَلِكَ فَقَالُوا‏:‏ هَذِهِ مُثْلَةٌ وَبَيْنَ مَنْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقُتِلَ بِالْحِجَارَةِ فَقَالُوا‏:‏ لَيْسَ هُوَ مُثْلَةً، أَلاَ يَسْتَحِي ذُو دِينٍ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ الظَّاهِرِ فَسَادُهُ، فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالرَّجْمِ فِي الزِّنَى، وَالْإِحْصَانِ، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قلنا‏:‏ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالأَعْتِدَاءِ عَلَى الْمُعْتَدِي بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَبِالْمُعَاقَبَةِ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ظَالِمًا وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّدْخِ بِالْحَجَرِ مَنْ قَتَلَ ظَالِمًا كَذَلِكَ، فَهَلْ مِنْ فَرْقٍ وَلَيْتَ شِعْرِي‏:‏ عَلَى مَا يَعْهَدُ النَّاسُ أَيَكُونُ مُثْلَةً أَعْظَمَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلاَفٍ، وَفَقْءِ الْعَيْنَيْنِ، وَجَدْعِ الأَنْفِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَبَرْدِ الأَسْنَانِ، وَقَطْعِ الشَّفَتَيْنِ وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَنْ يُفْعَلَ بِمَنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِهِ ظَالِمًا، فَلَوْ تَرَكُوا التَّحَكُّمَ لَكَانَ أَوْلَى وَلَقَدْ قَالُوا‏:‏ إنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الثَّانِيَةُ، وَلاَ رِجْلُهُ‏.‏ وَنَظُنُّ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّهُ مَنْ قَطَعَ يَدَ آخَرَ وَرِجْلَهُ‏:‏ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ، لاَحَ تَنَاقُضُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوهُ زَادُوا فِي الْبَاطِلِ وَمَنْعِ الْحَقِّ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ فَخَطَأٌ، وَكَلاَمُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ تِلْكَ الْمَشَاهِدَ، وَلاَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ شَهِدَهَا‏:‏ فَهُوَ لاَ شَيْءَ‏.‏ وَحَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي مَوَّهُوا بِهِ لَمْ يُسْمَعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ يَخْطُبُ إِلاَّ نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي كَذِبِهِمْ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام بِاَلَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ ‏;‏ لأََنَّ أَنَسًا صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَزَمَهُ خَادِمًا لَهُ مِنْ حِينِ قَدِمَ عليه السلام الْمَدِينَةِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَحَّ يَقِينًا قَطْعًا بِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسٌ خُطْبَتَهُ عليه الصلاة والسلام وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُثْلَةِ قَبْلَ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام بِاَلَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ فَبَطَلَ ضَرُورَةً أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ نَاسِخًا لِلْمُتَأَخِّرِ، وَبِاَللَّهِ إنَّ ضَرْبَ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ لاََعْظَمُ مُثْلَةً وَلَقَدْ شَاهَدْنَاهُ فَرَأَيْنَاهُ مَنْظَرًا وَحْشًا، وَكَأَنَّهُ جَسَدٌ بِأَرْبَعَةِ أَفْخَاذٍ‏.‏ فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ بِالْمُثْلَةِ وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَيْسَ هُوَ مُثْلَةٌ، إنَّمَا الْمُثْلَةُ مِنْ فِعْلِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُتَعَدِّيًا، وَلاَ مَزِيدَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَكَّ، وَلاَ خِلاَفَ، فِي أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا هِيَ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فِي إنْسَانٍ وَاحِدٍ، فَقَوْلُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ‏.‏ وَقَوْلُ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ فَأَمَرَ بِهِ فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ‏.‏ وَقَوْلُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ الْحِجَارَةِ‏:‏ أَخْبَارٌ عَنْ عَمَلٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا رُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقَدْ رُضَّ بِالْحِجَارَةِ، وَقَدْ رُجِمَ رَأْسُهُ حَتَّى مَاتَ‏.‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِاخْتِلاَفِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ، إذْ كُلُّهَا مَعْنًى وَاحِدٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ، وَإِنَّمَا هَذَا تَعَلُّلٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَاطِلِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ‏:‏ خَصْلَتَانِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَغَايَةُ الْإِحْسَانِ فِي الْقِتْلَةِ هُوَ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ هُوَ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ

وَأَمَّا مَنْ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ عُنُقَ مَنْ قَتَلَ آخَرَ خَنْقًا، أَوْ تَغْرِيقًا، أَوْ شَدْخًا، فَمَا أَحْسَنَ الْقِتْلَةَ، بَلْ إنَّهُ أَسَاءَهَا أَشَدَّ الْإِسَاءَةِ، إذْ خَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَعَاقَبَ بِغَيْرِ مَا عُوقِبَ بِهِ وَلِيُّهُ، وَإِلَّا فَكُلُّهُ قَتْلٌ، وَمَا الْإِيقَافُ لِضَرْبِ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ بِأَهْوَنَ مِنْ الْغَمِّ، وَالْخَنْقِ، وَقَدْ لاَ يَمُوتُ مِنْ عِدَّةِ ضَرَبَاتٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أُخْرَى هَذَا أَمْرٌ قَدْ شَاهَدْنَاهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ هَذَا مِنْ طَرِيفِ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَمَتَى خَالَفْنَاهُمْ فِي أَنَّ الْعَبَثَ بِالْبَهَائِمِ، وَبِغَيْرِ الْبَهَائِمِ لاَ يَحِلُّ، إنَّمَا بِهِمْ أَنْ يُمَوِّهُوا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ وَهُمْ لاَ يَأْتُونَ إِلاَّ بِمَا نُهُوا عَنْهُ‏.‏

وَأَمَّا بِالْبَاطِلِ نَعَمْ، صَبْرُ الْبَهَائِمِ لاَ يَحِلُّ، إِلاَّ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ وَالرَّمْيِ فِيمَا شَرَدَ بِالنَّبْلِ، وَالرِّمَاحِ، وَإِرْسَالِ الْكِلاَبِ، وَسِبَاعِ الطَّيْرِ عَلَيْهَا فَهَذَا كُلُّهُ حَلاَلٌ حَسَنٌ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ الْعَبَثُ بِابْنِ آدَمَ، فَإِذَا عَبِثَ هُوَ ظَالِمًا‏:‏ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ وَكَانَ حَقًّا وَعَدْلاً ‏;‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ ضَرْبَ الْعُنُقِ صَبْرٌ بِلاَ شَكٍّ، وَالصَّلْبُ أَشْنَعُ الصَّبْرِ، وَهُمْ يَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ، فَلَوْ رَاجَعُوا الْحَقَّ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ‏.‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا مَوَّهُوا بِهِ مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَعْلَى قَالَ‏:‏ غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ‏.‏ وَذَكَرُوا

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِذَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ وَقَالَ‏:‏ إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَاقْتُلُوهُ، وَلاَ تُحَرِّقُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ‏:‏ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْرَقَ أَحَدٌ بِالنَّارِ ابْتِدَاءً، حَتَّى إذَا فَعَلَ الْمَرْءُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ‏:‏ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كَامِلٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَنَحْنُ نَقُولُ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا إِلاَّ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الْقِصَاصِ، فَمَنْ اسْتَحَقَّ لَعْنَةَ اللَّهِ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ، وَالأَعْتِدَاءِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى هُوَ بِهِ وَهُمْ يُوَافِقُونَنَا فِي رَمْيِ الْعَدُوِّ بِالنَّبْلِ، وَالْمَجَانِيقِ، وَاِتِّخَاذِهِمْ غَرَضًا وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ هَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا وَقَدْ عَلِمْنَا‏:‏ أَنَّ نَحْرَ الْإِبِلِ، وَذَبْحَ الْحَيَوَانِ، وَالْقَتْلَ بِالسَّيْفِ فِي الْقِصَاصِ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ قَتْلُ صَبْرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهَكَذَا سَائِرُ وُجُوهِ الْقِصَاصِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَذَكَرُوا

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَنِيءِ بْنِ نُوَيْرَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَفْظُهُ، فَإِنَّ فِيهِ هَنِيءَ بْنَ نُوَيْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَلاَ أَعَفُّ قِتْلَةً مِمَّنْ قَتَلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاعْتَدَى بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ عَلَى وَلِيِّهِ ظُلْمًا، وَمَا أَعَفُّ قَطُّ فِي قِتْلَةٍ مَنْ ضَرَبَ عُنُقَ مَنْ لَمْ يَضْرِبْ عُنُقَ وَلِيِّهِ، بَلْ هُوَ مُعْتَدٍ، ظَالِمٌ، فَاعِلٌ مَا لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ‏.‏ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ رضي الله عنه حِينَ اُسْتُشْهِدَ، فَذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ‏:‏ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ، مَعَ ذَلِكَ، لاَُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بَعْدُ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ هَذَا لَوْ صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، وَيَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَأَمْثَالِهِمَا‏:‏ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ وَهَذِهِ إبَاحَةُ التَّمْثِيلِ بِمَنْ مَثَّلَ بِحَمْزَةَ رضي الله عنه فَإِنَّمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يُمَثِّلَ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ لَمْ يُمَثِّلُوا بِحَمْزَةَ وَهَذَا قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ مَوْضُوعٍ، وَهُوَ‏:‏ مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَأْنَى بِالْجِرَاحِ سَنَةً‏.‏ وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَذَّابٌ‏.‏ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الأَسْتِيفَاءَ بِالْجِرَاحِ سَنَةً، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ، أَوْ مَنْ لَهُ حَيَاءٌ‏:‏ أَنْ يَحْتَجَّ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ لاَ يَرَى الْعَمَلَ بِمَا فِيهِ وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّ عَنْبَسَةَ هَذَا مَجْهُولٌ وَلَيْسَ هُوَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ‏;‏ لأََنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ لَمْ يُدْرِكْهُ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفُ هَذَا‏.‏ كَمَا أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ‏:‏ أَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ إنَّ رَجُلاً طَعَنَ رَجُلاً بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقِيدُ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ حَتَّى تَبْرَأَ، فَأَبَى وَعَجَّلَ فَاسْتَقَادَ، فَعَنِتَتْ رِجْلُهُ وَبَرِئَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ لَيْسَ لَك شَيْءٌ إنَّكَ أَبَيْتَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَ الْقَوَدِ أَوْ تَأْخِيرَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الأَخْبَارِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ وَجَدْنَا مَنْ قَطَعَ يَدَ آخَرَ خَطَأً أَنَّهُ إنْ بَرِئَ فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَإِنْ مَاتَ فَلَهُ دِيَةُ النَّفْسِ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمْدُ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْخَطَأِ‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لأََنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ عَلَى نَظِيرِهِ، لاَ عَلَى خِلاَفِهِ وَضِدِّهِ، وَالْعَمْدُ ضِدُّ الْخَطَأِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَقَالُوا‏:‏ يَلْزَمُكُمْ إنْ رَمَى إنْسَانٌ آخَرَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ أَنْ تَرْمُوهُ بِسَهْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَبِآخَرَ، ثُمَّ بِآخَرَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَافَهُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ حَتَّى يَمُوتَ وَهَذَا أَكْثَرُ مِمَّا فَعَلَ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا تَمْوِيهٌ فَاسِدٌ، وَكَلاَمٌ مُحَالٌ، بَلْ يُطْعَنُ بِسَهْمٍ مِثْلِهِ، فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَادَفَ فِيهِ سَهْمُهُ ظُلْمًا حَتَّى يَمُوتَ، وَكَذَلِكَ يُجَافِ بِجَائِفَةٍ مُوقَنٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهَا، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ، فَنَقُولُ لَهُمْ‏:‏ إنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ فِي عُنُقِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ، أَوْ قَطَعَ قَلِيلاً فَأُعِيدَ عَلَيْهِ مِرَارًا وَهَذَا أَشَدُّ مِمَّا قُلْتُمْ وَأَمْكَنُ فَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ يَقَعُ كَثِيرًا جِدًّا‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ أَرَأَيْتُمْ إنْ اسْتَدْبَرَهُ بِالأَوْتَارِ ‏.‏فَقُلْنَا‏:‏ يَسْتَدْبِرُهُ بِمِثْلِهَا، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ فَإِنْ نَكَحَهُ حَتَّى يَمُوتَ قلنا‏:‏ يَسْتَدْبِرُهُ بِوَتَدٍ حَتَّى يَمُوتَ ‏;‏ لأََنَّ الْمِثْلَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏