فصل: كتاب الحيض والاستحاضة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ الْحَيْضِ وَالاِسْتِحَاضَةِ

254 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الأَسْوَدُ الْخَاثِرُ الْكَرِيهُ الرَّائِحَةِ خَاصَّةً ‏,‏ فَمَتَى ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ ، وَلاَ أَنْ تَصُومَ ، وَلاَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، وَلاَ أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا ، وَلاَ سَيِّدُهَا فِي الْفَرْجِ ‏,‏ إلاَّ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ ‏,‏ فَإِذَا رَأَتْ أَحْمَرَ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ بَيَاضًا أَوْ جُفُوفًا فَقَدْ طَهُرَتْ وَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدِهَا بِالْمَاءِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلْتَتَيَمَّمْ ثُمَّ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا ‏,‏ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ قَبْلَ الْحَيْضِ وَبَعْدَهُ طُهْرٌ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا أَصْلاً‏.‏ أَمَّا امْتِنَاعُ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ ‏,‏ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِيهِ ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الأَزَارِقَةِ حَقُّهُمْ أَلاَّ يُعَدُّوا فِي أَهْلِ الإِسْلاَمِ‏.‏

وَأَمَّا مَا هُوَ الْحَيْضُ فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ حَدَّثَنَا قَالَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ‏:‏ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ ‏,‏ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ ‏,‏ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ ‏,‏ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ ‏,‏ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ ‏,‏ وَإِذَا ذَهَبَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي وَفِي بَعْضِهَا فَتَوَضَّئِي‏.‏ وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَمٍ ‏,‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ‏:‏ اُسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عليه السلام ‏:‏ إنَّهَا لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ ‏,‏ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ ‏,‏ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي‏.‏ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الأَذْفُونِيُّ الْمُقِرُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إلَيْهِ الدَّمَ ‏,‏ فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ ‏,‏ فَانْظُرِي إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلاَ تُصَلِّي ‏,‏ فَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ‏.‏ فَأَمَرَ عليه السلام بِاجْتِنَابِ الصَّلاَةِ لاِِقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَبِالْغُسْلِ لاِِدْبَارِهَا ‏,‏ وَخَاطَبَ بِذَلِكَ نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبَ الْعَارِفَاتِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَيْضَةِ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يُطْلَبَ بَيَانُ ذَلِكَ وَمَا هِيَ الْحَيْضَةُ فِي الشَّرِيعَةِ وَاللُّغَةِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، هُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ ‏"‏ كَانَتْ اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ ‏,‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلاَةِ ‏,‏ وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ ‏,‏ فَكَانَتْ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالدَّمَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ حُبَيْشٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ ‏,‏ فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ ‏,‏ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي‏.‏ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ‏.‏ فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا هُوَ الدَّمُ الأَسْوَدُ وَحْدَهُ وَإِنَّ الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ عِرْقٌ وَلَيْسَ حَيْضًا ‏,‏ وَلاَ يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الصَّلاَةَ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّمَا هَذَا لِلَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا الدَّمُ أَبَدًا ‏,‏

قلنا فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ بَعْضَ دَهْرِهَا وَانْقَطَعَ بَعْضُهُ فَمَا قَوْلُكُمْ أَلَهَا هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لاَ فَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَهَا‏.‏

‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ ‏:‏ حُدُّوا لَنَا الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ كَانَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُدَّةَ الَّتِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا هَذَا كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ ‏,‏ فَكَانَ الَّذِي وَقَفُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ أَيَّامُهَا الْمُعْتَادَةُ لَهَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى ‏:‏ بَلْ تِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَيَّامِهَا الْمُعْتَادَةِ لَهَا ‏,‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَاعَوْا فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا تَكَوُّنَ الدَّمِ وَإِلاَّ فَلاَ ‏,‏ فَقُلْتُ لَهُمْ ‏:‏ هَاتَانِ دَعْوَيَانِ قَدْ سَمِعْنَاهُمَا ‏,‏ وَالدَّعْوَةُ مَرْدُودَةٌ سَاقِطَةٌ إلاَّ بِبُرْهَانٍ ‏,‏ فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ اُقْعُدِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ وَدَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا‏.‏

قلنا نَعَمْ هَذَا صَحِيحٌ ‏,‏ وَإِنَّمَا أَمَرَ عليه السلام بِهَذَا الَّتِي لاَ تُمَيِّزُ دَمَهَا وَاَلَّذِي هُوَ كُلُّهُ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِلَّتِي تُمَيِّزُ دَمَهَا إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ ‏,‏ فَإِذَا جَاءَ الآخَرُ فَصَلِّي ‏,‏ وَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ ‏,‏ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ ‏,‏ فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ ‏,‏ مِثْلُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ ‏:‏ كُنْتُ أَرَى النِّسَاءَ يُرْسِلْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهَا الصُّفْرَةُ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلاَةِ ‏,‏ فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ ‏:‏ لاَ تُصَلِّينَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُتَعَلَّقًا إلاَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَحْدَهَا ‏,‏ وَقَدْ خُولِفَتْ أُمُّ عَلْقَمَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ ‏,‏ وَخَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ غَيْرُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

فأما الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ قَالَ ‏:‏ حدثنا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ أَبُو ذَرٍّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَافِظُ بِنَيْسَابُورَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْبَصْرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ هُوَ جَامِعُ الصَّحِيحِ قَالَ ‏:‏ قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الشِّمَالِ الْعُطَارِدِيُّ الْبَصْرِيُّ ‏,‏ حَدَّثَتْنِي أُمُّ طَلْحَةَ قَالَتْ ‏:‏ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ ‏:‏ دَمُ الْحَيْضِ بَحْرَانِيٌّ أَسْوَدُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ‏:‏ مَا كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حدثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ ‏:‏ اُسْتُحِيضَتْ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ أَنَسٍ فَأَمَرُونِي فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ ‏:‏ أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلاَ تُصَلِّي ‏,‏ فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي‏.‏ فَلَمْ يَلْتَفِتْ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى اتِّصَالِ الدَّمِ ‏,‏ بَلْ رَأَى وَأَفْتَى أَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَهُوَ طُهْرٌ ‏,‏ تُصَلِّي مَعَ وُجُودِهِ وَلَوْ لَمْ تَرَ إلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الصَّلاَةَ إلاَّ الدَّمُ الْبَحْرَانِيُّ ‏,‏ وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الْجَلاَلَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ‏:‏ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ ‏:‏ كُنَّا لاَ نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا ‏"‏ وَأُمُّ عَطِيَّةَ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ قَدِيمَةُ الصُّحْبَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ هَذَا نَفْسَهُ ‏,‏ وَكُلُّ هَذَا هُوَ الثَّابِتُ بِالأَسَانِيدِ الْعَالِيَةِ الصَّحِيحَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ إذَا رَأَتْ بَعْدَ الظُّهْرِ مِثْلَ غُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ مِثْلَ قَطْرَةِ الدَّمِ مِنْ الرُّعَافِ ‏,‏ فَإِنَّمَا تِلْكَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَلْتَنْضَحْ بِالْمَاءِ وَلْتَتَوَضَّأْ وَلْتُصَلِّ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَبِيطًا لاَ خَفَاءَ بِهِ فَلْتَدَعْ الصَّلاَةَ‏.‏ وَعَنْ ثَوْبَانَ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الْبَرِيَّةَ قَالَ ‏:‏ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي‏.‏ قِيلَ ‏:‏ أَشَيْءٌ تَقُولُهُ أَمْ سَمِعْتَهُ قَالَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ ‏:‏ بَلْ سَمِعْتُهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذَا أَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ عَلْقَمَةَ وَأَوْلَى ‏,‏ وَقَدْ رَوَى مَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أُمِّ عَلْقَمَةَ عَنْ عَمْرَةَ مِنْ رَأْيِهَا‏.‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلاَءِ مِنْ التَّابِعِينَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ ‏,‏ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي ‏,‏

وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ ‏:‏ سَأَلْنَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ قَالَ ‏:‏ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي ‏,‏ وَعَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُ ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ

قلنا ‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوا مَا فِيهِ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْخَبَرِ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ حَجَّةً ‏,‏ فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ لاَِنَّهُ رَاوِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ ‏,‏ جَرَّحَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ اضْطَرَبَ فِيهِ ‏,‏ فَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مَنْ حِفْظِهِ فَقَالَ ‏:‏ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ‏,‏ وَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ ‏:‏ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ ‏,‏ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلاَمَ أَحَدٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا اضْطِرَابًا ‏;‏ لاَِنَّ عُرْوَةَ رَوَاهُ عَنْ فَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ مَعًا وَأَدْرَكَهُمَا مَعًا ‏,‏ فَعَائِشَةُ خَالَتُهُ أُخْتُ أُمِّهِ ‏,‏ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ابْنَةُ عَمِّهِ ‏,‏ وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْمَأْمُونُ ‏,‏ وَلاَ يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلاَّ الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ لاَ يَقُولُونَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ‏,‏ تَعَلُّلاً عَلَى إبْطَالِ السُّنَنِ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ‏.‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا‏.‏

وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ‏:‏ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ ‏,‏ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا ‏,‏ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ‏:‏ الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ‏.‏

وقال مالك وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ ‏,‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ‏:‏ الصُّفْرَةُ وَالدَّمُ فَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ

وَأَمَّا الْكُدْرَةُ فَهِيَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَبْلَ الْحَيْضِ لَيْسَتْ حَيْضًا ‏,‏

وَأَمَّا بَعْدَ الْحَيْضِ فَهِيَ حَيْضٌ ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا ‏,‏ عَلَى عَظِيمِ اضْطِرَابِهِمْ فِي الدَّمِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ ‏,‏ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ‏:‏ إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ وَانْقَطَعَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوْ اتَّصَلَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْهَا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا ، وَلاَ تَمْتَنِعُ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ ‏,‏ وَيَتَّصِلَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ مُتَّصِلٌ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِيَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ وَاتَّصَلَ بِهَا فِي أَيَّامِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ كُلُّهُ حَيْضٌ ‏,‏ مَا لَمْ تُجَاوِزْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مُتَّصِلاً بِذَلِكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا ‏,‏ فَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ أَمَّا مَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا فَلَيْسَ حَيْضًا ‏,‏

وَأَمَّا مَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا فَهُوَ حَيْضٌ ‏,‏ وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَاهِيكَ بِهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَتَا حَيْضًا ‏,‏ وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَبْلَ الدَّمِ لَيْسَتَا حَيْضًا ‏,‏

وَأَمَّا بَعْدَ الدَّمِ مُتَّصِلاً بِهِ فَهُمَا حَيْضٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِأَنْ قَالُوا ‏:‏ مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْحَيْضُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ الْمُتَيَقَّنَ وُجُوبُهُمَا ‏,‏ وَلاَ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُتَيَقَّنِ تَحْلِيلُهُ حَتَّى إذَا تُيُقِّنَ الْحَيْضُ وَحَرُمَتْ الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالْوَطْءُ بِيَقِينٍ لَمْ يَسْقُطْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إلاَّ بِيَقِينٍ آخَرَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ وَهَذَا عَمَلٌ غَيْرُ صَحِيحِ الْبَيَانِ ‏,‏ بَلْ هُوَ مُمَوَّهٌ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ حَقٌّ ‏,‏ إلاَّ أَنَّ الْيَقِينَ الَّذِي ذَكَرُوا هُوَ النَّصُّ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ ‏,‏ بِأَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الأَسْوَدَ لَيْسَ حَيْضًا ‏,‏ وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ صَلاَةٍ ، وَلاَ مِنْ صَوْمٍ ، وَلاَ مِنْ وَطْءٍ ‏,‏ فَصَارَتْ حُجَّتُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ‏,‏

وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا هَذَا النَّصُّ لَمَا وَجَبَ مَا قَالُوهُ ‏,‏ لاَِنَّ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ فَرْضَانِ قَدْ تُيُقِّنَ وُجُوبُهُمَا ‏,‏ وَالْوَطْءُ حَقٌّ قَدْ تُيُقِّنَتْ إبَاحَتُهُ فِي الزَّوْجَةِ وَالأَمَةِ الْمُبَاحَةِ ‏,‏ وَالْحَيْضُ قَدْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى شَيْءٍ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مُحَرِّمٌ لِلصَّلاَةِ وَلِلصَّوْمِ وَلِلْوَطْءِ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ ‏,‏

وَأَمَّا بِدَعْوَى مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلاَ ‏,‏ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ ، وَلاَ لُغَةَ فِي أَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الأَسْوَدَ حَيْضٌ أَصْلاً‏.‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ وَاللُّغَةُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الأَسْوَدَ حَيْضٌ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى حَيْضًا إلاَّ مَا صَحَّ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ ‏,‏ لاَ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الآُولَى بِأَنْ قَالَ ‏:‏ لَمَّا كَانَ السَّوَادُ حَيْضًا وَكَانَتْ الْحُمْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ السَّوَادِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا ‏,‏ وَلَمَّا كَانَتْ الصُّفْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْحُمْرَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا ‏,‏ وَلَمَّا كَانَتْ الْكُدْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الصُّفْرَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا ‏,‏ وَلَمَّا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ حَيْضًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ حَيْضًا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ ‏;‏ لاَِنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ ‏:‏ لَمَّا كَانَتْ الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ طُهْرًا وَلَيْسَتْ حَيْضًا بِإِجْمَاعٍ ‏,‏ ثُمَّ كَانَتْ الْكُدْرَةُ بَيَاضًا غَيْرَ نَاصِعٍ ‏,‏ وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ حَيْضًا ‏,‏ ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الصُّفْرَةُ كُدْرَةً مُشْبَعَةً وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ حَيْضًا ‏,‏ ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الْحُمْرَةُ صُفْرَةً مُشْبَعَةً وَجَبَ أَنْ لاَ تَكُونَ حَيْضًا ‏,‏ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ وَهُوَ مَا كَانَ بَعْدَ أَكْثَرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَ حَيْضًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ لَيْسَ حَيْضًا ‏,‏ فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ ‏;‏ لاَِنَّنَا لَمْ نُسَاعِدْهُمْ قَطُّ عَلَى أَنَّ الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ فِي حَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ ، وَلاَ فِي وَقْتٍ مِنْ الأَوْقَاتِ ‏,‏ وَلاَ جَاءَ بِذَلِكَ قَطُّ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ غَيْرُ مُعَارَضٍ ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ لَمْ يُعَارَضْ وَهُمْ كُلُّهُمْ قَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَيْضًا إذَا رُئِيَ فِيمَا زَادَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ ‏,‏ فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ ‏,‏ وَكَانَ مَا جِئْنَاهُمْ بِهِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحُمْرَةَ جُزْءٌ مِنْ السَّوَادِ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ الصُّفْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْحُمْرَةِ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ الْكُدْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الصُّفْرَةِ ‏,‏ بَلْ هِيَ دَعْوَى عَارَضْنَاهُمْ بِدَعْوَى مِثْلِهَا فَسَقَطَ كُلُّ مَا قَالُوهُ ‏,‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏,‏ وَثَبَتَ قَوْلُنَا بِشَهَادَةِ النَّصِّ وَالإِجْمَاعِ لَهُ‏.‏

255 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ ، وَلاَ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدِهَا بِالْمَاءِ ‏,‏ أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً عَلَيْهَا فِي الْغُسْلِ حَرَجٌ ‏,‏ وَإِنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَاغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ بِمِقْدَارِ مَا تَدْخُلُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ صَحَّ صِيَامُهَا ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ ‏,‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَتَطَهَّرِي وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ‏}‏ وَقَدْ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ ‏,‏ فَوَجَبَ التَّيَمُّمُ لِلْحَائِضِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَفِي تَأْخِيرِهَا الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ عَنْ هَذَا الْمِقْدَارِ خِلاَفٌ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

256 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَأَمَّا وَطْءُ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا لَهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَلاَ يَحِلُّ إلاَّ بِأَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدَهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِأَنْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلاَةِ أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا بِالْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ أَيَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الأَرْبَعَةِ فَعَلَتْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ‏}‏ فَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُنَّ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيْضِ

وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ‏}‏ هُوَ صِفَةُ فِعْلِهِنَّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا يُسَمَّى فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ تَطَهُّرًا وَطَهُورًا وَطُهْرًا ‏,‏ فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ فَقَدْ تَطَهَّرَتْ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا‏}

فَجَاءَ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ بِالْمَاءِ ‏,‏

وَقَالَ عليه السلام ‏:‏ جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا

فَصَحَّ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَدَثِ طَهُورٌ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا‏}

وَقَالَ عليه السلام لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ يَعْنِي الْوُضُوءَ‏.‏ وَمَنْ اقْتَصَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ‏}‏ عَلَى غَسْلِ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ كُلِّهِ دُونَ الْوُضُوءِ وَدُونَ التَّيَمُّمِ وَدُونَ غَسْلِ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ ‏,‏ فَقَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ ‏,‏ وَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَلاَمُهُ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ هَلاَّ فَعَلْتُمْ هَذَا فِي الشَّفَقِ إذْ قُلْتُمْ أَيُّ شَيْءٍ تَوَقَّعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّفَقِ فَبِغُرُوبِهِ تَدْخُلُ صَلاَةُ الْعَتَمَةِ ‏,‏ فَمَرَّةً تَحْمِلُونَ اللَّفْظَ عَلَى كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ ‏,‏ وَمَرَّةً عَلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ بِالدَّعْوَى وَالْهَوَسِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ إذَا حَاضَتْ حَرُمَتْ بِإِجْمَاعٍ فَلاَ تَحِلُّ إلاَّ بِإِجْمَاعٍ آخَرَ ‏,‏

قلنا هَذَا بَاطِلٌ ‏,‏ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ ‏,‏ لَمْ يُوجِبْهَا لاَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ بَلْ إذَا حَرُمَ الشَّيْءُ بِإِجْمَاعٍ ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ يُبِيحُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ ‏,‏ مَا نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَى إبَاحَتِهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهَا ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ قَضِيَّتُكُمْ هَذِهِ صَحِيحَةً لَبَطَلَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَكْثَرُ أَقْوَالِكُمْ ‏,‏ فَيُقَالُ لَكُمْ ‏:‏ قَدْ حَرَّمْتُمْ الصَّلاَةَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْمُجْنِبِ بِإِجْمَاعٍ ‏,‏ فَلاَ تَحِلُّ لَهُمَا إلاَّ بِإِجْمَاعٍ ، وَلاَ تُجِيزُوا لِلْجُنُبِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ شَهْرًا فَلاَ إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالأَسْوَدُ لاَ يُجِيزُونَ لَهُ الصَّلاَةَ بِالتَّيَمُّمِ ‏,‏ وَأَبْطَلُوا صَلاَةَ مَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْشِقْ ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ إجْمَاعَ فِي صِحَّتِهَا ‏,‏ وَأَبْطَلُوا صَلاَةَ مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ امْرَأَةٍ وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ ‏,‏ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَجَمِيعِ الشَّرَائِعِ‏.‏فَصَحَّ أَنَّ قَضِيَّتَهُمْ هَذِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فِي ذَاتِهَا ‏,‏ وَفِي غَايَةِ الإِفْسَادِ لِقَوْلِهِمْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَطَاءٌ وطَاوُوس وَمُجَاهِدٌ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا‏.‏

وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ ‏:‏ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِطَاعِ الْعَشَرَةِ الأَيَّامِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ‏,‏ اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ ‏,‏ مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلاَةٍ أَوْ لَمْ يَمْضِ ‏,‏ تَوَضَّأَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَضَّأْ ‏,‏ تَيَمَّمَتْ أَوْ لَمْ تَتَيَمَّمْ ‏,‏ غَسَلَتْ فَرْجَهَا أَوْ لَمْ تَغْسِلْهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلاَّ بِأَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ أَدْنَى صَلاَةٍ مِنْ طُهْرِهَا ‏,‏ فَإِنْ مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فِيهِ فَلَهُ وَطْؤُهَا ‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ ، وَلاَ تَيَمَّمَتْ ، وَلاَ تَوَضَّأَتْ ، وَلاَ غَسَلَتْ فَرْجَهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْهَا ‏,‏ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ ‏,‏ وَلاَ نَعْلَمُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ الْمَنْعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ انْفَرَدُوا ‏,‏ فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْ هَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ ‏,‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا قَبْلُ ‏,‏ وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِي مَقْبَرَةٍ ، وَلاَ إلَى قَبْرٍ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ فَخَالَفُوهُمْ بِآرَائِهِمْ ‏,‏ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَأَنَسٍ ‏:‏ الْفَخِذُ لَيْسَتْ عَوْرَةً ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ فَخَالَفُوهُمْ ‏,‏ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏تَطَهَّرْنَ‏}‏ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ ذَلِكَ ‏,‏ فَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ عليه السلام ذَلِكَ وَأَحَالَنَا عَلَى الْقُرْآنِ أَيْقَنَّا قَطْعًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُرِدْ بَعْضَ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏

فَإِنْ قَالُوا قَوْلُنَا أَحْوَطُ ‏,‏

قلنا حَاشَا لِلَّهِ ‏,‏ بَلْ الأَحْوَطُ أَنْ لاَ يُحَرِّمَ عَلَيْهِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْوَطْءِ بِغَيْرِ يَقِينٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلاَّ بِمَا يَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ ‏,‏

قلنا هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ مُنْتَقِضَةٌ ‏,‏ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهَا لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَيْثُ لاَ تَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ ‏,‏ وَهُوَ كَوْنُهَا مُجْنِبَةً وَمُحْدِثَةً‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ ‏:‏ هَلاَّ قُلْتُمْ لاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلاَّ بِمَا يَحِلُّ لَهَا بِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ يَحِلُّ لَهَا عِنْدَهُمْ بِرُؤْيَةِ الطُّهْرِ فَقَطْ فَهَذِهِ دَعْوَى بِدَعْوَى فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ وَجَدْنَا التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الأَشْيَاءِ ‏,‏ وَلاَ يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلاَّ بِأَغْلَظِ الأَشْيَاءِ ‏,‏ كَنِكَاحِ مَا نَكَحَ الآبَاءُ ‏,‏ يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ ‏,‏ وَتَحْلِيلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لاَ يَحِلُّ لَهَا إلاَّ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ‏.‏

قلنا لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ ‏,‏ بَلْ قَدْ خَالَفْتُمْ قَضِيَّتَكُمْ هَذِهِ عَلَى فَسَادِهَا وَبُطْلاَنِهَا ‏,‏ فَتَرَكْتُمْ أَغْلَظَ الأَشْيَاءِ مِمَّا قَالَهُ غَيْرُكُمْ وَهُوَ الإِجْنَابُ ‏,‏ فَإِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لاَ يَرَى الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا تَحِلُّ إلاَّ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَالإِنْزَالِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرَى أَنَّهَا تَحِلُّ بِالْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ ، وَلاَ دُخُولٌ‏.‏ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ قَدْ وَجَدْنَا التَّحْلِيلَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الأَشْيَاءِ وَهُوَ فَرْجُ الأَجْنَبِيَّةِ الَّذِي فِي وَطْئِهِ دُخُولُ النَّارِ وَإِبَاحَةُ الدَّمِ بِالرَّجْمِ وَالشُّهْرَةِ بِالسِّيَاطِ ‏,‏ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِثَلاَثِ كَلِمَاتٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ ‏:‏ أَنْكِحْنِي ابْنَتَكَ‏.‏ قَالَ قَدْ أَنْكَحْتُهَا‏.‏ أَوْ تَلْفِظُ هِيَ بِالرِّضَا وَالْوَلِيُّ بِالإِذْنِ‏.‏ وَبِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الأَمَةِ ‏:‏ هِيَ لَكَ هِبَةً‏.‏ وَوَجَدْنَا التَّحْرِيمَ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ بِأَغْلَظِ الأَشْيَاءِ وَهُوَ طَلاَقُ الثَّلاَثِ أَوْ انْقِضَاءُ أَمَدِ الْعِدَّةِ ‏,‏ وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ بِالْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَإِلاَّ فَلاَ ‏,‏ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ تَخْلِيطٌ وَقَوْلٌ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ ‏,‏ وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا هُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ بِمَا يَدْخُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ ‏,‏ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ ، وَلاَ مَزِيدَ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

257 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَلاَ تَقْضِي الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلاَةِ الَّتِي مَرَّتْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا‏.‏ وَتَقْضِي صَوْمَ الأَيَّامِ الَّتِي مَرَّتْ لَهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا‏.‏ وَهَذَا نَصٌّ مُجْمَعٌ لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ‏.‏

258 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَإِنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلاَةِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ تِلْكَ الصَّلاَةَ سَقَطَتْ عَنْهَا ‏,‏ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهَا فِيهَا ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا‏.‏ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ ‏:‏ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

بُرْهَانُ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلصَّلاَةِ وَقْتًا مَحْدُودًا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلاَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِي آخِرِ وَقْتِهَا‏.‏فَصَحَّ أَنَّ الْمُؤَخِّرَ لَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا لَيْسَ عَاصِيًا‏.‏ لاَِنَّهُ عليه السلام لاَ يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ فَإِذًا هِيَ لَيْسَتْ عَاصِيَةً فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الصَّلاَةُ عَلَيْهَا بِعُدُولِهَا تَأْخِيرَهَا ‏,‏ فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهَا حَتَّى حَاضَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلاَةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَكَانَ مَنْ صَلاَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ مِقْدَارِ تَأْدِيَتِهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَاضِيًا لَهَا لاَ مُصَلِّيًا ‏,‏ وَفَاسِقًا بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا ‏,‏ وَمُؤَخِّرًا لَهَا عَنْ وَقْتِهَا ‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ‏.‏

259 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ بِمِقْدَارِ مَا لاَ يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ ‏,‏ فَلاَ تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلاَةُ ، وَلاَ قَضَاؤُهَا ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وقال الشافعي وَأَحْمَدُ ‏:‏ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الصَّلاَةَ إلاَّ بِطَهُورٍ ‏,‏ وَقَدْ حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّلَوَاتِ أَوْقَاتَهَا ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّهُورُ وَفِي الْوَقْتِ بَقِيَّةٌ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تُكَلَّفْ تِلْكَ الصَّلاَةَ الَّتِي لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتِهَا‏.‏

260 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ بِكُلِّ شَيْءٍ ‏,‏ حَاشَا الإِيلاَجَ فِي الْفَرْجِ ‏,‏ وَلَهُ أَنْ يُشَفِّرَ ، وَلاَ يُولِجَ ‏,‏

وَأَمَّا الدُّبُرُ فَحَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ‏.‏ وَفِي هَذَا خِلاَفٌ فَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَزِلُ فِرَاشَ امْرَأَتِهِ إذَا حَاضَتْ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ لَهُ مَا فَوْقَ الإِزَارِ مِنْ السُّرَّةِ فَصَاعِدًا إلَى أَعْلاَهَا ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ‏.‏

فأما مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ ‏,‏ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ ‏"‏ كُنْتُ إذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنْ الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ كَثِيرِ بْنِ الْيَمَانِ الرَّحَّالِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ ‏,‏ عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَسَقَطَ ‏,‏

وَأَمَّا الآيَةُ فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بَيَانٌ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏,‏ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ ‏,‏ فَأَرْجَأْنَا أَمْرَ الآيَةِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ‏.‏ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ نُدْبَةَ مَوْلاَةِ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إذَا كَانَ عَلَيْهَا إزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ‏.‏ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلِيفَةَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ وَبَيْنَهُمَا ثَوْبٌ‏.‏ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الْعِجْلِيِّ أَنَّ نَفَرًا سَأَلُوا عُمَرَ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ حَائِضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ ‏,‏ لاَ تَطَّلِعَنَّ إلَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى تَطْهُرَ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ مِثْلُهُ ‏,‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو ‏:‏ عَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو‏.‏ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ ، حدثنا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حدثنا الْعَلاَءُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ ‏:‏ لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ‏.‏ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيِّ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَغْطَشِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذِ الأَزْدِيِّ ، هُوَ ابْنُ قُرْطٍ أَمِيرُ حِمْصَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ ‏:‏ مَا فَوْقَ الإِزَارِ ‏,‏ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ‏.‏ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ حَائِضٌ لِزَوْجِهَا قَالَ ‏:‏ سَمِعْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ كَانَ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَذَلِكَ ‏:‏ يَحِلُّ مَا فَوْقَ الإِزَارِ‏.‏ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ قَالَ ‏:‏ مَا فَوْقَ الإِزَارِ‏.‏

فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَوَجَدْنَاهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ‏,‏ أَمَّا حَدِيثَا مَيْمُونَةَ فَأَحَدُهُمَا عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ ‏,‏

وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ ‏:‏ مَخْرَمَةُ هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ ‏,‏ وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ نَدَبَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لاَ تُعْرَفُ ‏,‏ وَأَبُو دَاوُد يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ اللَّيْثِ فَقَالَ ‏:‏ قَالَ نَدَبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ وَمَعْمَرٌ يَرْوِيهِ وَيَقُولُ ‏:‏ نُدْبَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ ‏,‏ وَيُونُسُ يَقُولُ بُدَيَّةَ ‏,‏ بِالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَالدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ ‏,‏ كُلُّهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ ‏,‏ فَسَقَطَ خَبَرَا مَيْمُونَةَ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثَا عَائِشَةَ فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ‏,‏ وَقَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ فَسَقَطَ ‏,‏

وَأَمَّا الثَّانِي ‏:‏ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ الْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ ‏,‏ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ‏,‏ إنَّمَا الثِّقَةُ أَخُوهُ عُبَيْدُ اللَّهِ ‏,‏ فَسَقَطَ حَدِيثَا عَائِشَةَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ ‏,‏ هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ‏:‏ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْجَزَرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ نَصًّا ‏,‏ فَسَقَطَ إسْنَادُهُ لاَِنَّ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ بَلْ رَوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا مُنْقَطِعًا عَنْ عُمَيْرٍ ‏,‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الشَّامِيِّ عَنْ أَحَدِ النَّفَرِ الَّذِينَ أَتَوْا عُمَرَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِنَصِّهِ ‏,‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَجَلِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَأَلُوا عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِمٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ عَنْ مَجْهُولِينَ ‏,‏ فَسَقَطَ جُمْلَةً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ لاَِنَّ حَرَامَ بْنَ حَكِيمٍ ضَعِيفٌ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي رَوَى غَسْلَ الآُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ ‏,‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عَنْ حَرَامٍ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَوَجَدْنَاهُ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ لاَِنَّهُ عَنْ بَقِيَّةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ‏,‏ عَنْ سَعِيدٍ الأَغْطَشِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ‏,‏ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ التَّعَفُّفَ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدْنَاهُ لَمْ يُحَقَّقْ إسْنَادُهُ ‏,‏ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا وَلَمْ يَجُزْ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا قُلْنَاهُ فَوَجَدْنَا الصَّحِيحَ عَنْ مَيْمُونَةَ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهما هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ‏.‏ وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كِلاَهُمَا عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا ‏,‏ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إرْبَهُ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ خِلاَسَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ وَأَنَا حَائِضٌ ‏,‏ فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَهُ لَمْ يَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ يَعُودُ مَعِي‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا ثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ‏,‏ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ‏,‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ‏}‏ إلَى آخِرِ الآيَةِ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ النِّكَاحَ‏.‏ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ بِصِحَّتِهِ ‏,‏ وَبَيَانُ أَنَّهُ كَانَ إثْرَ نُزُولِ الآيَةِ هُوَ الْبَيَانُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ ‏,‏

وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْمَحِيضُ فِي اللُّغَةِ مَوْضِعَ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ ‏,‏ وَهَذَا فَصِيحٌ مَعْرُوفٌ ‏,‏ فَتَكُونُ الآيَةُ حِينَئِذٍ مُوَافِقَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ‏,‏ وَيَكُونُ مَعْنَاهَا ‏:‏ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي مَوْضِعِ الْحَيْضِ ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ عَائِشَةَ ‏:‏ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ قَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْفَرْجَ ‏,‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ قَالَ ‏:‏ اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ‏,‏

وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَالَ مَنْ لاَ يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ ‏:‏ إنَّ حَدِيثَ عُمَرَ الَّذِي لاَ يَصِحُّ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي لاَ يَثْبُتُ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ ‏:‏ لاَِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ كَانَ مُتَّصِلاً بِنُزُولِ الآيَةِ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُمَرَ فَمَنْ لَهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ هَكَذَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ بِأَحَدِهِمَا ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ يَقِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إثْرَ نُزُولِ الآيَةِ لِظَنٍّ كَاذِبٍ فِي حَدِيثٍ لاَ يَصِحُّ ‏,‏ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ الثَّابِتَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُمَا ‏:‏ أَحَدُهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ‏:‏ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَتْ فَقُلْتُ ‏:‏ إنَّنِي حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ‏.‏

وَرُوِّينَا الآخَرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ وَأَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ‏:‏ يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ ‏,‏ فَقَالَتْ إنِّي حَائِضٌ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَهُمَا دَلِيلُ أَنْ لاَ يُجْتَنَبَ إلاَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْحَيْضَةُ وَحْدَهُ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

261 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَدَمُ النِّفَاسِ يَمْنَعُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ دَمُ الْحَيْضِ‏.‏ هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ ‏,‏ حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ‏,‏ فَإِنَّ النُّفَسَاءَ تَطُوفُ بِهِ ‏,‏ لاَِنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْحَائِضِ وَلَمْ يَرِدْ فِي النُّفَسَاءِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا أَنَّ النِّفَاسَ حَيْضٌ صَحِيحٌ ‏,‏ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ أَنُفِسْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَسَمَّى الْحَيْضَ نِفَاسًا‏.‏

وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ مِنْهُ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ‏.‏

262 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَجَائِزٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجَا وَأَنْ يَدْخُلاَ الْمَسْجِدَ

وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ ‏,‏ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ فِيهِمْ مِنْ يَحْتَلِمُ ‏,‏ فَمَا نُهُوا قَطُّ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ ‏:‏ لاَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ إلاَّ مُجْتَازِينَ ‏,‏ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا‏}‏ فَادَّعُوا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ مَعْنَاهُ لاَ تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلاَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ زَيْدٍ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ ، أَنَّهُ قَالَهُ لَكَانَ خَطَأً مِنْهُ ‏,‏ لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لاَ تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلاَةِ فَيَلْبِسُ عَلَيْنَا فَيَقُولُ ‏:‏ لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ

وَرُوِيَ أَنَّ الآيَةَ فِي الصَّلاَةِ نَفْسِهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ يَمُرَّا فِيهِ أَصْلاً ‏,‏ وقال أبو حنيفة وَسُفْيَانُ لاَ يَمُرَّا فِيهِ ‏,‏ فَإِنْ اُضْطُرَّا إلَى ذَلِكَ تَيَمَّمَا ثُمَّ مَرَّا فِيهِ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَِصْحَابِهِ ‏:‏ وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ ، وَلاَ جُنُبٍ ‏,‏ وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي غُنْيَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ الْهَجَرِيِّ عَنْ مَحْدُوجٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ ‏:‏ أَلاَ إنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لاَ يَحِلُّ لِجُنُبٍ ، وَلاَ حَائِضٍ إلاَّ لِلنَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ‏.‏ وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ عَطَاءٍ الْخَفَّافِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي غُنْيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ هَذَا الْمَسْجِدُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ جُنُبٍ مِنْ الرِّجَالِ وَحَائِضٍ مِنْ النِّسَاءِ إلاَّ مُحَمَّدًا وَأَزْوَاجَهُ وَعَلِيًّا وَفَاطِمَةَ‏.‏ وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لاَِحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلاَ يَمُرَّ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ إلاَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏:‏ أَمَّا أَفْلَتُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ ، وَلاَ مَعْرُوفٍ بِالثِّقَةِ ‏,‏

وَأَمَّا مَحْدُوجٌ فَسَاقِطٌ يَرْوِي الْمُعْضِلاَتِ عَنْ جَسْرَةَ ‏,‏ وَأَبُو الْخَطَّابِ الْهَجَرِيُّ مَجْهُولٌ ‏,‏

وَأَمَّا عَطَاءٌ الْخَفَّافُ فَهُوَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ مَجْهُولٌ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ‏,‏ وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلُهُ ‏,‏ فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ سَاكِنَةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَعْهُودُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَيْضُ فَمَا مَنَعَهَا عليه السلام مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ نَهَى عَنْهُ ‏,‏ وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْهَ عليه السلام عَنْهُ فَمُبَاحٌ

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ ‏:‏ جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا ،

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ مُبَاحٌ لَهُمَا جَمِيعُ الأَرْضِ ‏,‏ وَهِيَ مَسْجِدٌ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لاََخْبَرَ بِذَلِكَ عليه السلام عَائِشَةَ ‏,‏ إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلاَّ عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لاَ يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلاَ يَنْهَاهَا عليه السلام عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمَا ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

263 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَمَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ‏,‏ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالاِسْتِغْفَارُ ‏,‏ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ إنْ أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا قَالَ ‏:‏ مَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ‏,‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَطَأُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ ‏:‏ إنْ كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ‏.‏ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ ‏,‏

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِصْفِ دِينَارٍ ‏,‏ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ‏:‏ يُعْتِقُ رَقَبَةً ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏.‏

فأما مَنْ قَالَ ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي أَهْلَهُ حَائِضًا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ يَعْنِي الَّذِي يَعْمِدُ وَطْءَ حَائِضٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسَيْ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ، حدثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَإِذَا بِهَا حَائِضٌ ‏,‏ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلاً أَصَابَ حَائِضًا بِعِتْقِ نَسَمَةٍ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ نَصًّا ‏,‏

وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ أَوْ الصِّيَامَ أَوْ الإِطْعَامَ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْوَطْءِ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ كُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏ أَمَّا حَدِيثُ مِقْسَمٍ فَمِقْسَمٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَسَقَطَ الاِحْتِجَاجُ بِهِ ‏,‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ ‏,‏ فَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ خُصَيْفٍ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الأَوْزَاعِيِّ فَمُرْسَلٌ ‏,‏

وَأَمَّا حَدِيثَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ لَكَفَى بِهِ سُقُوطًا ‏,‏ فَكَيْفَ وَأَحَدُهُمَا عَنْ السَّبِيعِيِّ ‏,‏ وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ ‏,‏ وَالآخَرُ مَعَ الْمَكْفُوفِ ‏,‏ وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ وَهُوَ سَاقِطٌ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ‏,‏ فَسَقَطَ جَمِيعُ الآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَأَمَّا قِيَاسُ الْوَاطِئِ حَائِضًا عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ‏.‏ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الآخِذِينَ بِالآثَارِ الْوَاهِيَةِ كَحَدِيثِ حِزَامٍ فِي الاِسْتِظْهَارِ وَأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ ‏,‏ وَأَحَادِيثِ الْجُعْلِ فِي الأَنْفِ ‏,‏ وَحَدِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ ‏,‏ وَأَحَادِيثِ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ لاَ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ ، وَلاَ جُنُبٌ ‏,‏ وَبِالأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ فِي أَنْ لاَ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ الْجُنُبُ ‏,‏ أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الآثَارِ فَهِيَ أَحْسَنُ عَلَى عِلاَّتِهَا مِنْ تِلْكَ الصُّلْعِ الدَّبِرَةِ الَّتِي أَخَذُوا بِهَا هَهُنَا ‏,‏ وَلَكِنْ هَذَا يُلِيحُ اضْطِرَابَهُمْ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ لاَ يَتَعَلَّقُونَ بِمُرْسَلٍ ، وَلاَ مُسْنَدٍ ، وَلاَ قَوِيٍّ ، وَلاَ ضَعِيفٍ إلاَّ مَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الأَكْلَ فِي رَمَضَانَ ‏,‏ عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَقِيسَ وَاطِئَ الْحَائِضِ عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ ‏,‏ لاَِنَّ كِلَيْهِمَا وَطِئَ فَرْجًا حَلاَلاً فِي الأَصْلِ حَرَامًا بِصِفَةٍ تَدُورُ ‏,‏ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ ‏,‏ فَإِنَّ الْوَاطِئَ أَشْبَهُ بِالْوَاطِئِ مِنْ الآكِلِ بِالْوَاطِئِ‏.‏ نَعَمْ وَمِنْ الزَّيْتِ بِالسَّمْنِ وَمِنْ الْمُتَغَوِّطِ بِالْبَائِلِ ‏,‏ وَمِنْ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ وَمِنْ فَرْجِ الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ بِيَدِ السَّارِقِ الْمَلْعُونِ ‏,‏ وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ ‏,‏ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّهُمْ لاَ النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ ‏,‏ وَلاَ الْقِيَاسَ يَتَّبِعُونَ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُونَ أَوْ مُسْتَحْسِنُونَ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ لاََخَذْنَا بِهِ ‏,‏ فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فِي إيجَابِ شَيْءٍ عَلَى وَاطِئِ الْحَائِضِ فَمَالُهُ حَرَامٌ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا أَكْثَرَ مِمَّا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي عَمِلَ ‏,‏ وَالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّعْزِيرِ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ ‏,‏ وَسَنَذْكُرُ مِقْدَارَ التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ‏.‏