فصل: 2086 - مسألة: مقتول كان في أوليائه غائب , أو صغير , أو مجنون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2086 - مسألة‏:‏ مقتول كان في أوليائه غائب ‏,‏ أو صغير ‏,‏ أو مجنون

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَفِيهِمْ وَاحِدٌ كَبِيرٌ وَغَيْرُهُمْ صِغَارٌ ‏:‏ إنَّ لِلْوَاحِدِ الْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ ‏,‏ وَلاَ يَنْتَظِرَ بُلُوغَ الصِّغَارِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَقْتُلُوا حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال مالك مِثْلَ ذَلِكَ ‏,‏ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَزَادَ أَنَّ الْمَقْتُولَ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ ‏,‏ وَأَخٌ كَبِيرٌ ‏,‏ أَوْ أُخْتٌ كَبِيرَةٌ ‏,‏ فَلِلأَخِ ‏,‏ أَوْ لِلْأُخْتِ أَنْ يَقْتُلاَ قَوَدًا ‏,‏ وَلاَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ ‏,‏ وَكَذَلِكَ لِلْعَصَبَةِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏.‏ وَرَأَى مَالِكٌ ‏:‏ لِلْعَصَبَةِ إذْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الدِّيَةِ ‏,‏ وَيَنْفُذَ حُكْمُهُمْ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏,‏ وَأَبُو يُوسُفَ ‏,‏ وَمُحَمَّدٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ لاَ يَسْتَقِيدُ الْكَبِيرُ مِنْ الْبَنِينَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ ‏:‏ أَنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّغِيرِ ‏,‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ التَّنَاقُضِ إذْ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ ‏,‏ وَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ فِي هَذَا ‏:‏ أَنَّ الْغَائِبَ لاَ يُوَلَّى عَلَيْهِ ‏,‏ وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَكَمَا كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجُ إذَا كَانَ هُنَالِكَ صَغِيرٌ مِنْ الأَوْلِيَاءِ ‏,‏ فَكَذَلِكَ يَقْتُلُ وَقَالُوا ‏:‏ قَدْ قَتَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ قَاتِلَ عَلِيٍّ ‏,‏ وَلِعَلِيٍّ بَنُونَ صِغَارٌ وَهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِفِعْلِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَهُوَ لاَزِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ ‏,‏ وَلِمَنْ وَافَقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ ‏:‏ أَبَا يُوسُفَ ‏,‏ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ‏,‏ لأََنَّهُمْ مِثْلُ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَئِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا إجْمَاعًا فَلَقَدْ شَهِدَ الْحَنَفِيُّونَ عَلَى شَيْخِهِمْ بِخِلاَفِ الْإِجْمَاعِ ‏,‏ فَإِنْ كَفَّرُوهُمَا بِهَذَا ‏,‏ أَوْ بَدَّعُوهُمَا فَمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُ دِيَتِهِمْ عَنْ كَافِرٍ ‏,‏ ، وَلاَ عَنْ مُبْتَدِعٍ وَإِنْ عَذَرُوهُمَا فِي ذَلِكَ فَلَنَا مِنْ الْعُذْرِ مَا لِيَعْقُوبَ ‏,‏ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ بَطَلَ تَشْنِيعُهُمْ فِي الأَبَدِ بِمِثْلِ هَذَا ‏,‏ وَهَذَا وَاضِحٌ‏.‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد ‏:‏ فَكَانَ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّافِعِيِّينَ أَنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما كَانَ إمَامًا فَنَظَرَ فِي ذَلِكَ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ ‏,‏ أَوْ قَتَلَهُ بِالْمُحَارَبَةِ لاَ قَوَدًا وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏,‏ لأََنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ لَمْ يُحَارِبْ ‏,‏ وَلاَ أَخَافَ السَّبِيلَ‏.‏ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ ، وَلاَ لِلْوَصِيِّ ‏,‏ أَنْ يَأْخُذَ الْقَوَدَ لِصَغِيرٍ حَتَّى يَبْلُغَ فَبَطَلَ تَشْنِيعُهُمْ إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَائِدَةٌ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ بِمِثْلِ مَا شَغَبُوا بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ‏,‏ لأََنَّهُمْ وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ آخَرَ عَلَى تَأْوِيلٍ فَلاَ قَوَدَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ لَمْ يَقْتُلْ عَلِيًّا رضي الله عنه إِلاَّ مُتَأَوِّلاً مُجْتَهِدًا مُقَدِّرًا أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ‏.‏ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ شَاعِرُ الصِّفْرِيَّةِ ‏:‏ يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا إِلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا إنِّي لاََذْكُرُهُ حِينًا فَأَحْسَبُهُ أَوْفَى الْبَرِّيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا أَيْ لاَ أُفَكِّرُ فِيهِ ثُمَّ أَحْسَبُهُ فَقَدْ حَصَلَ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ خِلاَفِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى مِثْلِ مَا شَغَبُوا بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ ‏,‏ وَمَا يَنْقُلُونَ أَبَدًا مِنْ رُجُوعِ سِهَامِهِمْ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَمِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا حَفَرُوهُ‏.‏ فَظَهَرَ تَنَاقُضُ الْحَنَفِيِّينَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيِّينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ الصَّغِيرَ يُوَلَّى عَلَيْهِ ‏,‏ وَالْغَائِبَ لاَ يُوَلَّى عَلَيْهِ ‏,‏ فَلاَ شُبْهَةَ لَهُمْ فِي هَذَا ‏,‏ لأََنَّ الْغَائِبَ يُوَكَّلُ لَهُ أَيْضًا كَمَا يُوَلَّى عَلَى الصَّغِيرِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَصِيَّ عِنْدَهُمْ لاَ يَقْتَصُّ لِلصَّغِيرِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ جُمْلَةً‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَى الْقَوَدِ فَلِلْكَبِيرِ ‏,‏ وَلِلْحَاضِرِ الْعَاقِلِ ‏:‏ أَنْ يَقْتُلَ ، وَلاَ يَسْتَأْنِيَ بُلُوغَ الصَّغِيرِ ‏,‏ وَلاَ إفَاقَةَ الْمَجْنُونِ ‏,‏ وَلاَ قُدُومَ الْغَائِبِ فَإِنْ عَفَا الْحَاضِرُونَ الْبَالِغُونَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْغَائِبِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْمَجْنُونِ ‏,‏ بَلْ هُمْ عَلَى حَقِّهِمْ فِي الْقَوَدِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ ‏,‏ وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ ‏,‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقَوَدَ قُضِيَ لَهُ بِهِ ‏,‏ وَإِنْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْعَفْوِ جَازَ ذَلِكَ حِينَئِذٍ ‏,‏‏.‏

لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ أَوْ الْغَائِبُ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ حِينَئِذٍ رُجُوعُ الأَمْرِ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُ مَنْ عَفَا فَلَمْ يَنْفُذْ عَفَوْهُ ذَلِكَ الْعَفْوُ الَّذِي قَدْ بَطَلَ ‏,‏ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ حُكْمَ لَهُ فِي نَصٍّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْعَفْوُ اللَّازِمُ عَفْوٌ صَحَّ بِإِمْضَائِهِ نَصٌّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٌ فَقَطْ ‏,‏ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ وَمَنْ عَفَا دُونَ سَائِرِ ‏"‏ الأَهْلِ ‏"‏ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَمَنْ مَاتَ مِنْ ‏"‏ الأَهْلِ ‏"‏ لَمْ يُوَرَّثُ عَنْهُ الْخِيَارُ ‏,‏ لأََنَّ الْخِيَارَ لِلأَهْلِ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ مِنْ الأَهْلِ فَلَهُ الْخِيَارُ ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الأَهْلِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ أَصْلاً ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَالْخِيَارُ لَيْسَ مَالاً فَيُوَرَّثُ ‏,‏ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ فِيمَا تَرَكَ الْمَوْرُوثُ وَالْخِيَارُ لَيْسَ مَالاً مَوْرُوثًا‏.‏ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ مَالاً مَوْرُوثًا لَوَجَبَ فِيهِ حَقُّ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَدُونَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا ‏,‏ أَوْ مَجْنُونًا ‏,‏ أَوْ غَائِبًا ، وَلاَ وَارِثَ هُنَالِكَ غَيْرُهُ ‏:‏ فَقَدْ وَجَبَ الْقَوَدُ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلاَ تَجِبُ الدِّيَةُ ‏,‏ وَلاَ الْمُفَادَاةُ ‏,‏ إِلاَّ بِرِضَا الْوَارِثِ ‏,‏ أَوْ بِتَرَاضٍ مِنْهُ ‏,‏ وَمِنْ الْقَاتِلِ‏.‏ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الصَّغِيرَ ‏,‏ وَالأَحْمَقَ ‏,‏ لاَ رِضَا لَهُمَا ‏,‏ وَالْقَوَدُ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لَهُمَا بِيَقِينٍ ‏,‏ فَأَخْذُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ ‏,‏ يَأْخُذُهُ لَهُمَا الْوَلِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ ‏,‏ وَهَكَذَا الْغَائِبُ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ حَظِّهِمْ فِي الْقَوَدِ ‏,‏ وَأَخْذِ حَظِّهِمْ فِي الأَمْوَالِ وَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَالْإِبْرَاءُ لِلْغَائِبِ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ جَوَازًا وَاحِدًا ‏,‏ إذْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ تَرْكُهُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصَّغِيرِ ‏,‏ وَالْمَجْنُونِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ فِي حَقَّيْنِ وَجَبَا وُجُوبًا وَاحِدًا ‏,‏ وَوَجَبَ لِمَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ الْعَفْوُ عَنْهُمَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ ‏,‏ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلاً

وَالثَّانِي فَرْعًا ‏,‏ بَلْ هُمَا أَصْلاَنِ مَعًا ‏,‏ وَلاَ أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَالآخَرُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ ‏,‏ بَلْ كِلاَهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ‏,‏ لِوُجُوبِ الأَنْتِصَافِ مِنْ الْقَوَدِ وَمِنْ الْمَالِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

2087 - مسألة‏:‏ عفو الأب عن جرح ابنه الصغير ‏,‏ أو استقادته له أو في المجنون كذلك

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا وَهَبَ الشَّجَّةَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي تُصِيبُ ابْنَهُ جَازَتْ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ تَفْرِيقُ الشَّعْبِيِّ رحمه الله بَيْنَ الشَّجَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لاَ مَعْنَى لَهُ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ ‏,‏ وَحَقُّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ قَدْ وَجَبَ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَهُ لَهُ غَيْرُهُ ‏,‏ لأََنَّهُ كَسْبٌ عَلَيْهِ ‏,‏ وَهَذَا مَا لاَ إشْكَالَ فِيهِ‏.‏ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلأَبِ وَالْوَلِيِّ أَنْ يَطْلُبَا ‏,‏ وَأَنْ يَقْتَصَّا كُلَّ حَقٍّ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ‏,‏ فِي مَالِهِمَا ‏,‏ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلأَبِ ‏,‏ وَلاَ لِلْوَلِيِّ ‏,‏ فِي ذَلِكَ عَفْوٌ ‏,‏ وَلاَ إبْرَاءٌ فَهَلاَّ قَاسُوا أَمْرَ الْقِصَاصِ لَهُمَا عَلَى أَمْرِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُمْ لاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ ، وَلاَ النَّصَّ يَتْبَعُونَ

قال أبو محمد ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا‏}‏‏.‏ فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْقَوَدَ قَدْ وَجَبَ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَأَنَّ الْعَفْوَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِرِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لاَ رِضَا لَهُمَا ‏,‏ وَلاَ عَفْوَ ‏,‏ وَلاَ أَمْرَ نَافِذٌ بِصَدَقَةٍ فَسَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ ‏,‏ وَبَقِيَ الَّذِي وَجَبَ بِيَقِينٍ مِنْ الْقَوَدِ ‏,‏ فَيَسْتَقِيدُ لَهُ أَبُوهُ ‏,‏ أَوْ وَلِيُّهُ ‏,‏ أَوْ وَصِيُّهُ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ ‏,‏ وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ ‏,‏ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ الَّذِي قَدْ وَجَبَ أَخْذُهُ لَهُ بَعْدُ ‏,‏ وَحَدَثَ لَهُ جَوَازُ الْعَفْوِ إنْ شَاءَ ‏,‏ وَلَيْسَ لِلأَبِ ‏,‏ وَلاَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُفَادِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ هَذَا دَاخِلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ وَالْعَفْوُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِرِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِتَرَاضٍ مِنْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ‏.‏

2088 - مسألة‏:‏ هل يجوز عفو المجني عليه جناية يموت منها خطأ أو عمدا عن ديته وغيرها عن دمه أم لا

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ ‏:‏ كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ وَبَيْنَ حَيٍّ مِنْ الأَحْيَاءِ قِتَالٌ ‏,‏ وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ ‏,‏ وَضَرْبٌ بِالنِّعَالِ ‏,‏ فَأُصِيبَ غُلاَمٌ مِنْ آلِ عُمَرَ ‏,‏ فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ ‏,‏ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ قَالَ ‏:‏ إنِّي قَدْ عَفَوْت رَجَاءَ الثَّوَابِ وَالْإِصْلاَحِ بَيْنَ قَوْمِي ‏,‏ فَأَجَازَهُ ابْنُ عُمَرَ‏.‏ وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا عَفَا الرَّجُلُ عَنْ قَاتِلِهِ فِي الْعَمْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَهُوَ جَائِزٌ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ طَاوُوس قُلْت لأََبِي ‏:‏ يُقْتَلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَيَعْفُو عَنْ دَمِهِ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا قُتِلَ الرَّجُلُ فَعَفَا عَنْ دَمِهِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتُلُوا‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ إنْ وَهَبَ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً دِيَتَهُ لِمَنْ قَتَلَهُ ‏,‏ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْهَا ثُلُثُهَا ‏,‏ إنَّمَا هُوَ مَالٌ يُوصِي بِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لاَ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدِيَتِهِ فَإِنْ قُتِلَ خَطَأً فَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا ثُمَّ يَعْفُو عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ قَالَ ‏:‏ هُوَ جَائِزٌ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ‏.‏ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ ‏:‏ إذَا كَانَ خَطَأً فَهُوَ فِي الثُّلُثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدُهُ فَصَالَحَ عَلَيْهَا ‏,‏ ثُمَّ انْتَقَضَتْ بِهِ فَمَاتَ قَالَ ‏:‏ الصُّلْحُ مَرْدُودٌ ‏:‏ وَيُؤْخَذُ بِالدِّيَةِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَزُفَرَ قَالاَ ‏:‏ إذَا عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ الْعَمْدِ ‏,‏ أَوْ الشَّجَّةِ ‏,‏ وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ ‏,‏ فَإِنْ عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ ‏,‏ أَوْ الْقَطْعِ ‏,‏ أَوْ الشَّجَّةِ ‏,‏ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏,‏ وَمُحَمَّدٌ ‏:‏ لاَ شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَالُوا ‏:‏ فَإِنْ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فِي الْخَطَأِ فَذَلِكَ فِي الثُّلُثِ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ مَنْ صَالَحَ مِنْ جِرَاحَةٍ ‏,‏ أَوْ مِنْ قَطْعٍ ثُمَّ مَاتَ ‏:‏ بَطَلَ الصُّلْحُ وَوَجَبَ الْقَوَدَ فَإِنْ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فِي الْخَطَأِ فَذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏:‏ إذَا عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ ثُمَّ مَاتَ فَلاَ قَوَدَ ‏,‏ لَكِنْ يُغَرَّمُ الْجَانِي الدِّيَةَ بَعْدَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ إذَا عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا مِنْ عَقْلٍ ‏,‏ أَوْ قَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ فَلاَ قَوَدَ ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الدِّيَةِ ‏,‏ فَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلَهُ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ‏.‏

وقال الشافعي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَحْمَدُ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ ‏:‏ لاَ عَفْوَ لَهُ فِي الْعَمْدِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏;‏ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعَهُ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَا حمام ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ دَعَا قَوْمَهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَمَاتَ فَعَفَا عَنْهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَ عَفْوَهُ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ هُوَ كَصَاحِبِ يَاسِينَ‏.‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ مَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ فَمَا دُونَهُ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إلَى يَوْمِ تَصَدَّقَ بِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَقَالُوا ‏:‏ هَذَا حُكْمُ ابْنِ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَقَالُوا ‏:‏ هَذَا هُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِنَفْسٍ‏.‏ فَهَذَا كُلُّ مَا أَوْرَدُوهُ فِي ذَلِكَ

فَنَظَرْنَا فِي الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلاً‏.‏ أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ فَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذَلِكَ عَقِبَ قوله تعالى ‏{‏وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ كَلاَمٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ قوله تعالى ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏}‏ فَإِنَّمَا جَاءَ نَصُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْجُرُوحِ بِالأَعْضَاءِ وَهَكَذَا نَقُولُ ‏:‏ إنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا أُصِيبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ فَيَبْطُلُ الْقَوَدُ جُمْلَةً فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ حُكْمُ الصَّدَقَةِ بِالدَّمِ فِي النَّفْسِ ‏,‏ لأََنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ‏,‏ إنَّمَا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ بِنَصِّ الآيَةِ‏.‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ خِطَابًا لَنَا ‏,‏ وَإِنَّمَا خُوطِبْنَا بِمَا بَعْدَهُ إذَا قُرِئَ كُلُّ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ خَاصَّةً ‏,‏ فَإِذَا قُرِئَ بِالنَّصْبِ فَلَيْسَ خِطَابًا لَنَا ‏,‏ وَكِلاَ الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ‏.‏

وَأَمَّا قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}

وَقَوْله تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ فَهِيَ بِنَصِّهَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ‏,‏ لأََنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهَا بِأَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ‏,‏ هُوَ الَّذِي عُوقِبَ نَفْسُهُ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الآيَةِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ صَرْفُهَا عَنْهُ بِالدَّعْوَى ‏,‏ وَهَكَذَا نَقُولُ‏.‏ وَلَيْسَ فِيهَا جَوَازُ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ أَصْلاً ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهَا جَوَازُ الصَّبْرِ عَنْ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا إلَى قَوْلِهِ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}‏ فَهُوَ عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَفْوُ عَنْ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَعَفْوُ الْوَلِيِّ أَيْضًا دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنْ وَجَدْنَا مِنْهَا دَلِيلاً يَخُصُّ مِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُمْ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَإِنَّمَا قَامَ بِدَعْوَةِ قَوْمِهِ إلَى الإِسْلاَمِ وَهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ قَدْ حَارَبَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ عَنْهُمْ وَهُمْ أَطْغَى مَا كَانُوا فَتَوَجَّهَ إلَيْهِمْ عُرْوَةُ دَاعِيًا إلَى الإِسْلاَمِ كَمَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَرَمَوْهُ فَقَتَلُوهُ ،

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لاَ قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ إذَا أَسْلَمَ ، وَلاَ دِيَةَ ‏,‏ فَأَيُّ مَعْنًى لِلْعَفْوِ هَاهُنَا وَهَكَذَا شَبَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبِ يَاسِينَ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِهِ أَصْلاً وَإِنَّمَا هِيَ تَمْوِيهَاتٌ يُرْسِلُونَهَا لاَ يُفَكِّرُونَ فِي الْمَخْرَجِ مِنْهَا يَوْمَ الْمَوْقِفِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ فَعَهْدُنَا بِإِسْمَاعِيلَ يَرُدُّ الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ فِيمَنْ سَمِعَ الأَذَانَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ ‏,‏ وَيُوهِنُ رِوَايَتَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ‏,‏ وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ كَلاَمِهِ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا فِي الدِّينِ وَيُفَكِّرُ فِي قوله تعالى ‏{‏مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى مِثْلِ هَذَا ‏,‏ وَأَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ عِنْدَ مَنْ طَالَعَ أَقْوَالَهُمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ وَتَرْكِ الْعَصَبِيَّةِ لِلأَقْوَالِ الَّتِي لاَ تُغْنِي عَنَّا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ‏,‏ لاَ هِيَ ‏,‏ وَلاَ الْقَائِلُ بِهَا‏.‏ ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنَّ فِيهِ عِلَلاً تَمْنَعُ مِنْ الأَحْتِجَاجِ بِهِ ‏:‏ أَحَدُهَا ‏:‏ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ وَلَيْسَ مَعْرُوفَ الْعَدَالَةِ قَالَ أَحْمَدُ ‏:‏ فِيهِ نَظَرٌ‏.‏

وَالثَّانِي ‏:‏ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لأََنَّ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ إيَّاهُ مِنْ الصَّاحِبِ‏.‏ وَالثَّالِثُ ‏:‏ أَنَّنَا لاَ نَدْرِي ذَلِكَ الصَّاحِبَ أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لاَ وَالرَّابِعُ ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عُمُومًا كَمَا

قلنا فِي قوله تعالى ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}‏ ‏,‏ فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخُصُّ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ لَهُ وَإِلَّا فَوَاجِبٌ حَمْلُهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا ‏,‏ لِوُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا ‏:‏ أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا مَا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا لَمْ يُوَافِقْ آرَاءَهُمْ ‏,‏ أَقْرَبُ ذَلِكَ حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ ‏,‏ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ تُكْسَرُ ‏,‏ بِثُلُثِ دِيَةٍ‏.‏ فَقَوْلُ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا وَإِذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ حُجَّةً وَحَلَّ خِلاَفُهُ وَهَذَا حُكْمٌ لاَ طَرِيقَ لِلتَّقْوَى ، وَلاَ لِلْحَيَاءِ إلَى قَائِلِهِ‏.‏ وَثَانِيهَا ‏:‏ أَنَّهُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ وَثَالِثُهَا ‏:‏ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا لأََنَّهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عُمَرَ‏.‏ وَرَابِعُهَا ‏:‏ أَنَّ الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهِيَ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَ أَوْلاَدِ الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ شَرٌّ وَمُقَاتَلَةٌ فَتَعَصَّبَتْ بُيُوتَاتُ بَنِي عَدِيٍّ بَيْنَهُمْ فَأَتَى الْغُلاَمُ الْمَذْكُورُ لَيْلاً وَالضَّرْبُ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي الظَّلَّامِ وَهَذَا الْغُلاَمُ هُوَ زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُمُّهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنهم ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ لاَ يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ وَقَدْ قِيلَ ظَنًّا ‏:‏ إنَّ خَالِدَ بْنَ أَسْلَمَ أَخَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ فِي الظُّلْمَةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَخُوهُ يَقُولُ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ‏:‏ اتَّقِ اللَّهَ يَا زَيْدُ فَإِنَّك لاَ تَعْرِفُ مَنْ أَصَابَك ‏,‏ فَإِنَّك كُنْت فِي ظُلْمَةٍ وَاخْتِلاَطٍ فَهَكَذَا كَانَتْ قِصَّتُهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّهُ هُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِنَفْسِهِ ‏:‏ فَتَمْوِيهٌ ضَعِيفٌ لأََنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ الَّتِي هُوَ أَوْلَى بِهَا إنَّمَا هِيَ مَا كَانَ حَاكِمًا فِيهَا بَعْدَ حُلُولِهَا بِهِ ‏,‏ وَهَذَا حَقٌّ ‏,‏ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا عَاشَ بَعْدَهَا ‏,‏ فَاخْتَارَ مَا لَهُ أَنْ يَخْتَارَ ‏,‏

وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ عِنْدَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ ‏,‏ وَلاَ خِيَارَ لَهُ فِي جِنَايَةٍ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إِلاَّ قوله تعالى فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا‏}‏ وَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏ فَوَجَدْنَا قوله تعالى فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ وَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ‏{‏وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏إنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا‏}‏ ، وَلاَ قَتْلَ إِلاَّ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ فَرْضٌ أَنْ تُسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحَرَامٌ عَلَى الْمَقْتُولِ أَنْ يُبْطِلَ تَسْلِيمَهَا إِلاَّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِمْ ‏,‏ وَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنَفِّذَ حُكْمَ الْمَقْتُولِ فِي إبْطَالِ تَسْلِيمِ الدِّيَةِ إلَى أَهْلِهِ فَهَذَا بَيَانٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ‏.‏ وَصَحَّ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ الَّذِي لاَ يُرَدُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ سُلْطَانًا ‏,‏ وَجَعَلَ إلَيْهِ الْقَوَدَ ‏,‏ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْرِفَ ‏,‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَجُوزَ لِلْمَقْتُولِ حُكْمٌ فِي إبْطَالِ السُّلْطَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِوَلِيِّهِ ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ إنْفَاذُ حُكْمِ الْمَقْتُولِ فِي خِلاَفِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ‏;‏ وَهَذَا هُوَ الْحَيْفُ وَالْإِثْمُ مِنْ الْوَصِيَّةِ‏.‏

وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََهْلِ الْمَقْتُولِ الْخِيَارَ فِي الْقَوَدِ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةِ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةِ ‏,‏ فَنَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارًا جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام لأََهْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ إنْفَاذُ حُكْمِ الْمَقْتُولِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنَّ هَذَا خَطَأٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ فَكَانَ بِيَقِينٍ عَفْوُ الْمَقْتُولِ عَنْ دِيَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لأََهْلِهِ بَعْدَهُ لاَ لَهُ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ ‏,‏ فَكَانَ عَفْوُ الْمَقْتُولِ عَنْ دِيَةٍ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى تَسْلِيمَهَا إلَى أَهْلِهِ ‏,‏ وَعَنْ دَمٍ ‏,‏ أَوْ مَالٍ ‏,‏ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا أَهْلَهُ بَعْدَهُ ‏:‏ كَسْبًا عَلَى أَهْلِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَالدِّيَةُ إنَّمَا هِيَ ‏,‏ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََهْلِ الْمَقْتُولِ ‏,‏ فَحَرَامٌ عَلَى الْمَقْتُولِ التَّصَرُّفُ فِي ‏,‏ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّهَا مَالُ أَهْلِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لِلْمَقْتُولِ سُلْطَانًا فِي الْقَوَدِ فِي نَفْسِهِ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ لَهُ خِيَارًا فِي دِيَةٍ ‏,‏ أَوْ قَوَدٍ ‏,‏ وَلاَ أَنَّ لَهُ دِيَةً وَاجِبَةً‏.‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقٌّ ‏,‏ أَوْ رَأْيٌ ‏,‏ أَوْ نَظَرٌ ‏,‏ أَوْ أَمْرٌ‏.‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}‏ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُنِيَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ‏,‏ وَفِيمَا عَفَا عَنْهُ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام الْعَفْوَ إلَيْهِ وَهُمْ الأَهْلُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ وَهَكَذَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَوْ صَحَّ‏.‏

وبرهان آخَرُ أَنَّ الدِّيَةَ عِوَضٌ مِنْ الْقَوَدِ بِلاَ شَكٍّ فِي الْعَمْدِ وَعِوَضٌ مِنْ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ بِيَقِينٍ ‏,‏

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الْمَقْتُولَ مَا دَامَ حَيًّا فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الْقَوَدِ ‏,‏ فَإِذْ لاَ حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَلاَ عَفْوَ لَهُ ‏,‏ وَلاَ أَمْرَ فِيمَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ تَذْهَبْ نَفْسُهُ بَعْدُ ‏,‏ لأََنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ عِوَضٌ مِنْهَا ‏,‏ فَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ شَيْءٌ ‏,‏ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ ‏,‏ وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ الْقَوَدَ لاَ يَجِبُ ‏,‏ وَلاَ الدِّيَةُ ‏,‏ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ ‏,‏ وَهُوَ إذَا لَمْ يَمُتْ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ قَوَدٌ ‏,‏ وَلاَ دِيَةٌ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏ وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأََحَدٍ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ ‏,‏ فَإِذَا وَجَبَ كُلُّ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ لِلأَهْلِ لاَ لَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَقْتُولِ خَطَأً ‏,‏ أَوْ عَمْدًا ‏:‏ عَفْوٌ ‏,‏ أَوْ حُكْمٌ ‏,‏ أَوْ وَصِيَّةٌ فِي الْقَوَدِ ‏,‏ أَوْ فِي الدِّيَةِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ مَالٌ لِلأَهْلِ حَدَثَ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَرِثُوهُ قَطُّ عَنْهُ ‏,‏ إذْ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ شَيْءٌ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ ‏,‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ قَطُّ فِي حَيَاتِهِ ‏,‏ وَأَنْ يُنَفَّذَ فِيهِ وَصِيَّتُهُ ‏,‏ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ مَوْتِهِ ‏,‏ فَهُوَ كَمَالِ مَوْلًى لَهُ مَاتَ إثْرَ مَوْتِهِ ‏,‏ فَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ أَجْلِ الْمَيِّتِ ‏,‏ وَلَمْ يَجِبْ لِلْمَيِّتِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَوْ عَفَا الْوَرَثَةُ أَوْ أَحَدُهُمْ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ ‏,‏ أَوْ عَفَوْا كُلُّهُمْ عَنْ الْقَوَدِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ ‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ وَذَلِكَ لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بَعْدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُمْ بِمَوْتِهِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَعَفَوْهُمْ لاَ شَيْءَ ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُهُمْ ‏,‏ وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ لَهُمْ ‏,‏ أَوْ الْعَافِي بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْقَوَدُ وَاجِبٌ لَهُمْ أَيْضًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ ‏,‏ وَمَا نَرَاهُ إِلاَّ قَوْلَ الْمَالِكِيِّينَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ أَيْضًا ‏,‏ فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ يُسْقِطُوا عَفْوَ الْوَرَثَةِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمْ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ وَهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ وَمُسْتَحِقُّوهُ بِلاَ خِلاَفٍ ثُمَّ يُجِيزُونَ عَفْوَ الْمَقْتُولِ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ فِي حَيَاتِهِ وَهِيَ الدِّيَةُ وَالْقَوَدُ ، وَلاَ يَجِبُ لَهُ أَيْضًا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَهَذَا مِقْدَارُ نَظَرِهِمْ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ جُرْحٌ ‏,‏ أَوْ قَطْعٌ ‏,‏ أَوْ كَسْرٌ ‏,‏ فَعَفَا عَنْهُ فَقَطْ ‏,‏ أَوْ عَنْهُ وَعَمَّا يَحْدُثُ عَنْهُ ‏,‏ فَعَفَوْهُ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ‏.‏

وَأَمَّا عَفَوْهُ عَمَّا جُنِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ‏,‏ وَهُوَ لَهُ لاَزِمٌ ‏,‏ وَذَلِكَ لأََنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ الْقَوَدُ فِي الْكَسْرِ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي الْجِرَاحَةِ ‏,‏ فَإِنْ عَفَا فَإِنَّمَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بَعْدُ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ حَدَثَ عَنْهُ بُطْلاَنُ عُضْوٍ آخَرَ ‏,‏ فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْعُضْوِ الآخَرِ ‏,‏ لأََنَّهُ الآنَ وَجَبَ لَهُ وَلأََوْلِيَائِهِ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ خَاصَّةً لاَ بِمِثْلِ مَا جَنَى عَلَى مَقْتُولِهِمْ لأََنَّ تِلْكَ الْجِنَايَاتِ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ فِيهَا فَعَفَا عَنْهَا فَسَقَطَتْ وَبَقِيَ قَتْلُ النَّفْسِ فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ عَفْوَ لَهُ فِيهِ ‏,‏ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ ‏,‏ فَلَهُمْ قَتْلُهُ ‏,‏ وَإِذْ لَهُمْ قَتْلُهُ ‏,‏ وَبَطَلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا جَنَى عَلَيْهِ ‏,‏ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ يُقَدْ مِنْهَا ‏,‏ فَإِنَّمَا الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ فَقَطْ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ اسْتَقَادَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا جَنَى عَلَيْهِ الْجَانِي ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنَّ الْجَانِيَ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ فَقَطْ ‏,‏ لأََنَّهُ قَدْ اُسْتُقِيدَ مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ فَلاَ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِأُخْرَى‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ جَانِيًا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ جِنَايَةً قَدْ يُعَاشُ مِنْهَا ‏,‏ أَوْ لاَ سَبِيلَ إلَى الْعَيْشِ مِنْهَا ‏,‏ فَقَامَ وَلِيُّ هَذَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَتَلَ الْجَانِي قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلأََوْلِيَاءِ الْجَانِي الْمَقْتُولِ قَتْلُ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ ‏,‏ ثُمَّ إنْ مَاتَ الْجَانِي عَلَيْهِ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا حَتَّى مَاتَ الْجَانِي فَلاَ شَيْءَ فِيهَا ‏,‏ لأََنَّ الْقَوَدَ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ ‏,‏ وَقَدْ صَارَ الْمَالُ فِي حَيَاةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِغَيْرِ الْجَانِي ‏,‏ وَهُمْ الْوَرَثَةُ ‏,‏ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِمْ ‏,‏ وَلاَ حَقَّ لَهُ عِنْدَهُمْ ‏,‏ وَلاَ مَالَ لِلْجَانِي أَصْلاً ‏,‏ فَجِنَايَتُهُ بَاطِلٌ ‏,‏ قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2089 - مسألة‏:‏ والولي يعفو أو يأخذ الدية ثم يقتل

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُقْتَلُ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً ثُمَّ صَالَحَ ‏,‏ فَأَدَّى الدِّيَةَ ثُمَّ قَتَلَهُ قَالَ ‏:‏ نَرَى أَنْ يُقَادَ بِهِ صَاغِرًا ‏,‏ وَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ إنْ شَاءَ‏.‏

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ هَارُونَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ يُقْتَلُ ‏,‏ أَمَا سَمِعْت قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يُقْتَلُ كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ ، وَلاَ يُقْتَلُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ‏:‏ مَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ

وَأَمَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لِلأَهْلِ إِلاَّ أَحَدَ الأَمْرَيْنِ ‏:‏ إمَّا الدِّيَةُ ‏,‏

وَأَمَّا الْقَوَدُ وَلَمْ يَجْعَلْ الأَمْرَيْنِ مَعًا ‏,‏ فَإِذَا قَتَلَ فَلاَ دِيَةَ لَهُ ‏,‏ وَإِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَلاَ قَتْلَ لَهُ هَذَا نَصُّ حُكْمِهِ عليه الصلاة والسلام‏.‏ فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَقْتُولِ لَمَّا عَفَوْا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ حَلَّتْ لَهُمْ ‏,‏ وَصَارَتْ حَقَّهُمْ ‏,‏ وَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْقَوَدِ ‏,‏ لَيْسَ لَهُمْ جَمِيعُ الأَمْرَيْنِ بِالنَّصِّ ‏,‏ فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْقَوَدِ بِذَلِكَ حُرِّمَ الْقَوَدُ وَحَلَّتْ الدِّيَةُ‏.‏ وَلَوْلاَ أَنَّ الْقَوَدَ حُرِّمَ لَمَّا حَلَّتْ الدِّيَةُ ‏,‏ فَإِذَا حُرِّمَ الْقَوَدُ فَقَدْ قَتَلُوا نَفْسًا مُحَرَّمَةً حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَإِذْ قَتَلُوا نَفْسًا مُحَرَّمَةً فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ ‏,‏ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ ‏:‏ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ ‏,‏ أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ ‏,‏ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ هَذَا قَتَلَ نَفْسًا بِنَفْسٍ قِيلَ لَهُ ‏:‏ لاَ تَحِلُّ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ إِلاَّ حَيْثُ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا اخْتَارُوا ذَلِكَ دُونَ الدِّيَةِ ‏,‏

وَأَمَّا إذَا اخْتَارُوا الدِّيَةَ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ تِلْكَ النَّفْسَ ‏,‏ إذْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إِلاَّ أَحَدَ الأَمْرَيْنِ‏.‏

وَمَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ شَيْئًا صَحَّ تَحْلِيلُهُ أَنَّهُ حُرِّمَ فَهُوَ مُبْطِلٌ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ كَوْنُ الدِّيَةِ لَهُمْ حَلاَلاً ‏,‏ وَمَالاً مِنْ مَالِهِمْ إذَا أَخَذُوهَا ‏,‏ وَصَحَّ تَحْرِيمُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِلاَ خِلاَفٍ ‏,‏ إذْ لاَ يَقُولُ أَحَدٌ فِي الأَرْضِ ‏,‏ إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ الأَمْرَيْنِ مَعًا الدِّيَةَ وَالْقَوَدَ‏.‏ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِيمَا ذَكَرْنَا فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ عَادَ حَلاَلاً لَهُمْ ‏,‏ وَأَنَّ الدِّيَةَ الَّتِي أَخَذُوا فَحَلَّتْ لَهُمْ قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ ‏,‏ لَمْ يُصَدَّقْ إِلاَّ بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2090 مسألة‏:‏ وهل يستقاد في الحرم ‏؟‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏,‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يُقَادُ فِي الْحَرَمِ ‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ فِي الْحَرَمِ ‏,‏ أَوْ فِي الْحِلِّ ‏,‏ ثُمَّ دَخَلَ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يُجَالَسُ ‏,‏ وَلاَ يُكَلَّمُ ‏,‏ وَلاَ يُؤْذَى ‏,‏ وَيُنَاشَدُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏ وَمَنْ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ فَأَخَذَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ ‏,‏ فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ مَا أَصَابَ أَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ ‏,‏ فَإِنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ‏.‏ وَعَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي رَجُلٍ أَخَذَهُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ فَقَتَلَهُ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لاَ يُجَالَسُ ‏,‏ وَلاَ يُكَلَّمُ ‏,‏ وَلاَ يُبَايَعُ ‏,‏ وَلاَ يُؤْذَى يُؤْتَى إلَيْهِ فَيُقَالُ ‏:‏ يَا فُلاَنُ اتَّقِ اللَّهَ فِي دَمِ فُلاَنٍ اُخْرُجْ مِنْ الْمَحَارِمِ‏.‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا قَالَ ‏:‏ سَمِعْت طَاوُوسًا يَقُولُ ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ‏:‏ مَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ ‏,‏ لَمْ يُجَالَسْ ‏,‏ وَلَمْ يُبَايَعْ ‏,‏ وَيَأْتِيه الَّذِي يَطْلُبُهُ ‏,‏ فَيَقُولُ ‏:‏ أَيْ فُلاَنُ اتَّقِ اللَّهَ فِي دَمِ فُلاَنٍ ‏,‏ اُخْرُجْ عَنْ الْمَحَارِمِ ‏,‏ فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏‏.‏ قَالَ ‏:‏ إذَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ حَدَثًا ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ ‏,‏ لَمْ يُجَالَسْ ‏,‏ وَلَمْ يُبَايَعْ ‏,‏ وَلَمْ يُطْعَمْ ‏,‏ وَلَمْ يُسْقَ ‏,‏ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ ‏,‏ فَيُؤْخَذَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ لَوْ وَجَدْت فِيهِ يَعْنِي حَرَمَ مَكَّةَ قَاتِلَ الْخَطَّابِ مَا مَسِسْته حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَحَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ لَوْ وَجَدْت فِيهِ يَعْنِي حَرَمَ مَكَّةَ قَاتِلَ عُمَرَ مَا نَدَهْته‏.‏ وَعَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا عَرَضْته‏.‏ قَالَ عَطَاءٌ ‏:‏ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ كَذَلِكَ مِثْلُ الْحَرَمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِي الْحَرَمِ ‏,‏ وَمَنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَامَ أُخْرِجَ إلَى الْحِلِّ فَقُتِلَ فِي الْحِلِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ تِلْكَ السُّنَّةُ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْمٍ خِلاَفُ هَذَا وَشَيْءٌ يُظَنُّ أَنَّهُ خِلاَفُ هَذَا وَهُوَ كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ ‏,‏ ثُمَّ يُعَلِّقُ فِي رَقَبَتِهِ الصُّوفَةَ ‏,‏ ثُمَّ يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ الْمَقْتُولِ أَوْ أَبُوهُ فَلاَ يُحَرِّكُهُ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏,‏ فأما الْيَوْمَ فَلَوْ سَرَقَ فِيهِ أَحَدٌ قُطِعَ ‏,‏ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ ‏,‏ وَلَوْ قُدِرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِ قُتِلُوا‏.‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَرَحَ رَجُلاً فِي الْحَرَمِ ‏:‏ أَنَّهُ يُقَادُ بِهِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ فِي الْحِلِّ أُقِيدَ بِهِ فِي الْحَرَمِ ‏,‏ وَحَيْثُ وُجِدَ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَابْنُهُ عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَأَبُو شُرَيْحٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا ‏,‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏ وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ ‏,‏ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ ‏,‏ وَغَيْرُهُمْ ‏,‏ وَيُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ عُلَمَائِهِمْ ‏,‏ وَهُمْ التَّابِعُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ‏,‏ وَيُخْبِرُ ‏:‏ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِذَلِكَ فِيمَا تَعَلَّقَ مَنْ تَعَلَّقَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ إِلاَّ بِرِوَايَةٍ عَنْ رَبِيعَةَ‏.‏

وَأَمَّا قَتَادَةُ ‏,‏ وَالْحَسَنُ ‏,‏ فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِمَا خِلاَفٌ لِمَنْ ذَكَرْنَا ‏,‏ لأََنَّ الْحَسَنَ إنَّمَا أَخْبَرَ عَمَّنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الإِسْلاَمَ جَاءَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ إِلاَّ بِهِ ‏,‏

وَأَمَّا قَتَادَةُ فَلَمْ يَقُلْ ‏:‏ إنَّ مَنْ أَصَابَ فِي الْحِلِّ دَمًا أُقِيدَ بِهِ فِي الْحَرَمِ‏.‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَتَادَةَ ‏,‏ وَالْحَسَنِ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد ‏:‏ وَجَاهَرَ بَعْضُهُمْ أَقْبَحَ مُجَاهِرَةٍ ‏,‏ فَذَكَرَ ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ يَعْنِي الْمَائِدَةَ آيَةُ الْقَلاَئِدِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فَمَوَّهَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِلاَفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا الْبَهْتُ الْفَاضِحُ وَالْكَذِبُ الْمُجَرَّدُ ‏,‏ وَنَعَمْ ‏:‏ إنْ قوله تعالى ‏{‏لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا‏}‏ قَدْ قِيلَ ‏:‏ إنَّهُ نُسِخَ مِنْهُ ‏"‏ الْقَلاَئِدُ ‏"‏ فَقَطْ ‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْبُرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ وَذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ فَقَالَ ‏:‏ مَنْسُوخٌ ‏,‏ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا خَرَجَ إلَى الْحَجِّ يُقَلِّدُ مِنْ الشَّعْرِ ‏,‏ فَلاَ يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ ‏,‏ وَإِذَا تَقَلَّدَ قِلاَدَةَ شَعْرٍ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ ‏,‏ وَكَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمَئِذٍ لاَ يُصْدَرُ عَنْ الْبَيْتِ ‏,‏ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لاَ يُقَاتَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ‏,‏ وَلاَ عِنْدَ الْبَيْتِ ‏,‏ ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏}‏ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِ قَتَادَةَ‏.‏ فَهَبْكَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ نَسْخُ ‏"‏ الْقَلاَئِدِ ‏"‏ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ ‏"‏ الْقَلاَئِدِ ‏"‏ فَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْحَرَمِ ‏,‏ وَلاَ يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي الْحَرَمِ ‏,‏ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ أَنْ يَعْمَى هَذَا الْعَمَى وَأَنْ يَتَّبِعَ هَوَاهُ فِي الْبَاطِلِ هَذَا الأَتِّبَاعِ ‏,‏ وَ ‏"‏ الْقَلاَئِدُ ‏"‏ هَاهُنَا إنَّمَا هِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا ‏"‏ قَلاَئِدُ الْهَدْيِ ‏"‏ الَّتِي لاَ يَحِلُّ إحْلاَلُهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَعَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا خَمْسَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ‏.‏ وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وأعجب مِنْ هَذَا كُلِّهِ ‏:‏ احْتِجَاجُهُمْ بِابْنِ خَطَلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَهَذِهِ قِصَّةٌ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهَا لَهُ خَاصَّةً ‏,‏ وَلاَ تَحِلُّ لأََحَدٍ بَعْدَهُ ‏,‏ كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا ‏,‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏ وَهَذَا أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْخَبَرِ هَذَا لاَ يَخْلُو الْقَوْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أَوْ أَمْرًا فَبَطَلَ أَنْ يَكُنْ خَبَرًا ‏,‏ لأََنَّنَا قَدْ وَجَدْنَا ‏"‏ الْقَرَامِطَةَ ‏"‏ الْكَفَرَةَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ قَدْ قَتَلُوا فِيهِ أَهْلَ الإِسْلاَمِ‏.‏ وَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ‏,‏ وَالْفَاسِقَ الْحَجَّاجَ قَدْ قَتَلاَ فِيهِ النُّفُوسَ الْمُحَرَّمَةَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ‏.‏ وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ كَذَبَ ‏,‏ لأََنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ بِمَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ‏.‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏,‏ حَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ الْحَرَمُ لَهُ فَضْلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَخَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ فِي الإِسْلاَمِ ‏,‏ بَلْ مَا زَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَرَمَ فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ تَعْظِيمًا ‏,‏ وَحُرْمَةً ‏,‏ وَإِكْرَامًا‏.‏ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْفَتْحِ ‏,‏ وَفِيهِ إنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لأََبِي سُفْيَانَ ‏:‏ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ‏,‏ الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ الْمُحَرَّمَةُ ‏,‏ فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ ‏:‏ أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ‏:‏ مَا قَالَ قَالَ ‏:‏ قَالَ كَذَا وَكَذَا‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ سَعْدٌ ‏,‏ وَلَكِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ ‏,‏ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ ‏:‏ بِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ ‏:‏ إنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِ قَالَ عُرْوَةُ ‏:‏ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ تُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قَالَ أُسَامَةُ ‏:‏ فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ ‏,‏ فَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ‏,‏ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ‏,‏ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا وَذَكَرَتْ عَائِشَةُ الْحَدِيثَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا قُطِعَتْ يَدُهَا فِي الْحَرَمِ ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ ‏;‏ وَنَصِّ بَيَانِ السُّنَنِ بِظَنٍّ لاَ حَقِيقَةَ فِيهِ وَلَعَلَّ أَمْرَهَا كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا‏}‏ ‏,‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ ‏:‏ إنَّمَا مَعْنَى قوله تعالى ‏{‏مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏ إنَّمَا عَنَى الصَّيْدَ وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجُرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ فَضِيحَةٌ فِي اللَّحْنِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ يُخْبِرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَفَظَّةُ ‏"‏ مَنْ ‏"‏ إِلاَّ عَمَّنْ يَعْقِلُ ‏,‏ لاَ عَنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الآدَمِيِّ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ إنَّمَا هَذَا فِي ‏"‏ الْمَقَامِ ‏"‏ وَحْدَهُ بِنَصِّ الآيَةِ قِيلَ لَهُ ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّمُ عِبَادَهُ بِالْمُحَالِ ‏,‏ وَلاَ بِمَا لاَ يُمْكِنُ ‏,‏ وَبِالْيَقِينِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ ‏"‏ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ ‏"‏ حَجَرٌ وَاحِدٌ لاَ يَدْخُلُهُ أَحَدٌ ‏,‏ وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ وَإِنَّمَا ‏"‏ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ ‏"‏ الْحَرَمُ كُلُّهُ ‏,‏ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ ‏,‏ إنَّهُ قَالَ ‏"‏ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ ‏"‏ الْحَرَمُ كُلُّهُ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ‏}‏‏.‏

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ هَكَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ قِتَالُ أَحَدٍ لاَ مُشْرِكٍ ، وَلاَ غَيْرِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ ‏,‏ لَكِنَّنَا نُخْرِجُهُمْ مِنْهُ ‏,‏ فَإِنْ خَرَجُوا وَصَارُوا فِي الْحِلِّ نَفَّذْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ ‏,‏ أَوْ أَسْرٍ ‏,‏ أَوْ عُقُوبَةٍ ‏,‏ فَإِنْ امْتَنَعُوا وَقَاتَلُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْحَرَمِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَاتَلْنَاهُمْ فِيهِ ‏,‏ وَهَكَذَا نَفْعَلُ بِكُلِّ بَاغٍ وَظَالِمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏}‏ الآيَةَ

قلنا ‏:‏ الَّذِي قَالَ هَذَا قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ‏}‏ وَكَلاَمُهُ كُلُّهُ وَعُهُودُهُ كُلُّهَا فَرْضٌ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ كَلاَمِهِ لِشَيْءٍ آخَرَ إِلاَّ بِنَسْخٍ مُتَيَقَّنٍ فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعْمِلَ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَنَجْمَعَهَا ‏,‏ وَنَسْتَثْنِيَ الأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ الأَكْثَرِ ‏,‏ إذْ لاَ يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏ فَنَحْنُ نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْنَاهُمْ إِلاَّ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏.‏ فَنَحْنُ إذَا فَعَلْنَا هَذَا كُنَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّنَا قَدْ أَطَعْنَا اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَمَرَنَا بِهِ ‏,‏ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْعَمَلَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي إحْدَى الآيَتَيْنِ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَصْلاً‏.‏ وَكَمَا

قلنا فَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه فَإِنَّهُ لَمَّا ابْتَدَأَهُ الْفُسَّاقُ بِالْقِتَالِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ ‏:‏ يَزِيدُ ‏,‏ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ ‏,‏ وَالْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ‏,‏ وَالْحَجَّاجُ ‏,‏ وَمَنْ بَعَثَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ جُنُودِ السُّلْطَانِ قَاتَلَهُمْ مُدَافِعًا لِنَفْسِهِ وَأَحْسَنَ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لاَ هِجْرَةَ ‏,‏ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ‏,‏ وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ‏,‏ فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ‏,‏ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏,‏ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأََحَدٍ قَبْلِي ‏,‏ وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ‏,‏ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏,‏ لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ ‏,‏ وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ ‏,‏ وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا ‏,‏ وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا قَالَ الْعَبَّاسُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ ‏:‏ إِلاَّ الْإِذْخِرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأََحَدٍ كَانَ قَبْلِي ‏,‏ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ‏,‏ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأََحَدٍ بَعْدِي ‏,‏ فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ‏,‏ وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا ‏,‏ وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثَ بِذِكْرِ الْإِذْخِرِ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ لَيْثٍ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ ‏:‏ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْك قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ ‏,‏ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ‏,‏ وَوَعَاهُ قَلْبِي ‏,‏ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ ‏:‏ أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى ‏,‏ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلاَ يَحِلُّ لأَمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا ‏,‏ وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً ‏,‏ فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا ‏:‏ إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ ‏,‏ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ‏,‏ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ ‏,‏ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ‏.‏ قِيلَ لأََبِي شُرَيْحٍ ‏:‏ مَاذَا قَالَ لَك عَمْرٌو قَالَ ‏:‏ قَالَ ‏:‏ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك يَا أَبَا شُرَيْحٍ ‏,‏ إنَّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا ‏,‏ وَلاَ فَارًّا بِخَرِبَةٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَلاَ كَرَامَةَ لِلَطِيمِ الشَّيْطَانِ شُرْطِيِّ الْفَاسِقِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَمِعَهُ ذَلِكَ الصَّاحِبُ رضي الله عنه مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ‏,‏ عَلَى عَظِيمِ الْمُصَابِ فِي الإِسْلاَمِ ثُمَّ عَلَى تَضَاعُفِ الْمُصِيبَةِ مِمَّنْ شَاهِدُهُ يَحْتَجُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا بِقَوْلِ الْفَاسِقِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ مُعَارَضَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَيُغْرِ الضُّعَفَاءَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ ‏,‏ وَمَا الْعَاصِي لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْفَاسِقُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ ‏,‏ وَمَنْ وَلَّاهُ وَقَلَّدَهُ ‏,‏ وَمَا حَامِلُ الْخَرِبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ هُوَ ‏,‏ وَمَنْ أَمَّرَهُ وَأَيَّدَهُ ‏,‏ وَصَوَّبَ قَوْلَهُ

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتَرْ ثَلاَثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَأَبُو شُرَيْحٍ ‏,‏ كُلُّهُمْ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمْ مَكَّةَ خُصُوصًا الْقِتَالَ الْمُحَرَّمَ بِالظُّلْمِ ‏,‏ لأََنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكَان فِي الأَرْضِ ‏,‏ لَكِنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ الْقِتَالُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي غَيْرِهَا ‏,‏ لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام الْمُقَاتِلُ فِي مَكَّةَ ‏,‏ وَلاَ قَتْلَ إِلاَّ بِحَقٍّ ‏,‏ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ الْقِتَالِ بِعَيْنِهِ غَيْرَهُ ‏,‏ وَحَرَّمَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي مِثْلِهِ ‏,‏ وَقَطْعُ الأَيْدِي فِيهِ سَفْكُ دَمٍ ‏,‏ وَالْقِصَاصُ كَذَلِكَ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ فِيهَا أَلْبَتَّةَ‏.‏ وَقَدْ شَغَفَ قَوْمٌ ‏:‏ بِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قُلْت لِمَالِكٍ ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ‏,‏ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ ‏:‏ اُقْتُلُوهُ‏.‏ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّ هَذَا كَانَ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ عليه الصلاة والسلام فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنَّهَا قَدْ عَادَتْ إلَى حُرْمَتِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏ فَإِذْ قَدْ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَجَبَ تَأْمِينُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ جُمْلَةً مِنْ كُلِّ قَتْلٍ وَقِصَاصٍ وَحَدٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قال قائل مِمَّنْ يَحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ ‏:‏ إنَّ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ‏}‏ فَمَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةً فِي الْحَرَمِ وَجَبَ أَنْ يُنْتَهَكُ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ

قلنا لَهُ ‏:‏ هَذَا عُمُومٌ يَخُصُّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ‏,‏ وَيَخُصُّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِهَا أَنْ لاَ يُسْفَكَ فِيهَا دَمٌ أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَنَا فِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ‏,‏ وَبِالْإِجْمَاعِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ النَّفْسِ الظُّلْمَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ أَنَّ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ أَنْ نَنْتَهِكَهَا نَحْنُ أَيْضًا قِصَاصًا مِنْهُ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏,‏ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَبِهِ نَأْخُذُ‏.‏

وَأَمَّا نَهْيُ النَّاسِ عَنْ مُبَايَعَتِهِ وَمُكَالَمَتِهِ ‏,‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا‏}‏ فَلاَ يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِفْشَاءِ السَّلاَمِ فَلاَ يَجُوزُ مَنْعُهُ ‏,‏ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ‏.‏ فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ دَارَ السِّجْنِ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ ‏,‏ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ‏.‏

قلنا ‏:‏ قَدْ جَاءَ لِبَعْضِ السَّلَفِ خِلاَفٌ لِهَذَا ‏,‏ كَمَا رُوِيَ عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ كَرِهَ السِّجْنَ بِمَكَّةَ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْتُ عَذَابٍ فِي بَيْتِ رَحْمَةٍ وَبِهَذَا نَأْخُذُ‏.‏ فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا خِلاَفَ عُمَرَ ‏,‏ وَنَافِعٍ ‏,‏ وَصَفْوَانَ فِي ذَلِكَ‏.‏

قلنا لَهُمْ ‏:‏ نَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا إذَا أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلَكِنْ إذْ تُنْكِرُونَ هَذَا ، وَلاَ يَحِلُّ عِنْدَكُمْ فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلاَفَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ ‏,‏ فِي أَنَّهُ نَصُّ عُمَرَ ‏"‏ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ ‏"‏ وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ رِبًا مَحْضٌ ‏,‏ فَعَادَ الْإِثْمُ عَلَيْهِمْ وَالْعَارُ أَيْضًا فِي خِلاَفِهِمْ مَا لاَ يَسْتَحِلُّونَ خِلاَفَهُ إلَى خِلاَفِهِمْ ‏:‏ عُمَرَ ‏,‏ وَابْنِهِ ‏,‏ وَأَبِي شُرَيْحٍ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏ فِي أَنْ لاَ يُقَامَ قَوَدٌ بِمَكَّةَ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ ‏,‏ وَالسُّنَّةُ ‏,‏ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ يَهْتِفُ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ‏.‏ فَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّابِتُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِهِ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2091 - مسألة‏:‏ هل يقام القصاص أو الحدود في الشهر الحرام أم لا‏؟‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ‏}‏‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ أَيْنَ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ قَالَ ‏:‏ حَيْثُ شَاءَ أَهْلُ الْمَقْتُولِ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ قُتِلَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يُقْتَلْ فِي الْحَرَمِ قَالَ عَطَاءٌ ‏:‏

وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ شَهْرُ اللَّهِ الأَصَمُّ رَجَبٌ ‏,‏ قَالَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَظِّمُونَ الأَشْهُرَ الْحُرُمَ ‏,‏ لأََنَّ الظُّلْمَ فِيهَا أَعْظَمُ قَالَ ‏:‏ وَمَنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَلاَلٍ أَوْ جَرَحَ لَمْ يُقْتَلْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ حَتَّى يَجِيءَ شَهْرٌ حَلاَلٌ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏‏.‏ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ رَجُلاً جُرِحَ فِي شَهْرٍ حَلاَلٍ فَأَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يُقَيِّدَهُ وَهُوَ أَمِيرٌ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الدَّارِ ‏:‏ لاَ تُقِدْهُ حَتَّى يَدْخُلَ شَهْرٌ حَلاَلٌ

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ لاَ يَرَيَانِ أَنْ يُقَادَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ مَنْ جَنَى فِي شَهْرٍ حَلاَلٍ‏.‏ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ يَرَى مَنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَنْ يُقْتَلَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَإِنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَلاَلٍ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ‏.‏ فَهَؤُلاَءِ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقِيَمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ فَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَنْ الظُّلْمِ ‏,‏ فَكَانَ الظُّلْمُ فِيهَا أَوْكَدَ مِنْ الظُّلْمِ فِي غَيْرِهَا ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قوله تعالى ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ فَكَانَ مُوجَبُ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ جَرَحَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَلَمْ يُظْفَرْ بِهِ إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَلاَلٍ ‏,‏ فَإِنَّ وَلِيُّ الأَسْتِقَادَةِ مِنْ الدَّمِ ‏,‏ أَوْ الْجُرْحِ مُخَيَّرٌ ‏:‏ إنْ شَاءَ تَأْخِيرَهُ إلَى شَهْرٍ حَرَامٍ فَذَلِكَ لَهُ بِنَصِّ الآيَةِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَهُوَ بَعْضُ حَقِّهِ تَجَافَى عَنْهُ وَلَمْ تَمْنَعْهُ الآيَةُ مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا قوله تعالى ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ‏}‏ إنَّمَا هَذَا فِي الْقِتَالِ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي الْقَوَدِ فِي شَيْءٍ

قال أبو محمد ‏:‏ وَيُحْبَسُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فَأَخَّرَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيُّ الدَّمِ حَتَّى يَأْتِيَ شَهْرٌ حَرَامٌ ‏,‏ لأََنَّهُ قَدْ وَجَبَ أَخْذُهُ بِمَا جَنَى ‏,‏ فَلاَ يَنْبَغِي تَسْرِيحُهُ ‏,‏ بَلْ يُوقَفُ بِلاَ خِلاَفٍ لِلْقَوَدِ ‏,‏ وَيُمْنَعُ مِنْ الأَنْطِلاَقِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا الْحُدُودُ فَتُقَامُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كُلُّهَا مِنْ رَجْمٍ وَغَيْرِهِ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام وَتَعْجِيلُ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَاجِبٌ بِيَقِينٍ ‏,‏ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَأْخِيرَ ذَلِكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَبَيَّنَهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ أَنْ لاَ تُقَامَ الْحُدُودُ إِلاَّ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ‏.‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2092 - مسألة‏:‏ مقاتلة من مر أمام المصلي

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ مَنْ أَرَادَ الْمُرُورَ أَمَامَ الْمُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ أَوْ غَيْرِ سُتْرَةٍ ‏,‏ فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ ‏,‏ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْفَعْهُ ‏,‏ فَإِنْ انْدَفَعَ وَإِلَّا فَلْيُقَاتِلْهُ ‏,‏ فَإِنْ دَفَعَهُ فَوَافَقَتْ مَنِيَّةُ الْمُرِيدِ لِلْمُرُورِ فَدَمُهُ هَدَرَ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ فِيهِ ‏,‏ لاَ قَوَدَ ‏,‏ وَلاَ دِيَةَ ‏,‏ وَلاَ كَفَّارَةَ ‏,‏ وَكَذَا إنْ كُسِرَ لَهُ عُضْوٌ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ فَإِنْ وَافَقَ فِي ذَلِكَ مَنِيَّةَ الْمُصَلِّي ‏:‏ فَفِيهِ الْقَوَدُ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ أَوْ الْمُفَادَاةُ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ، هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ أَبُو صَالِحٍ ‏:‏ أُحَدِّثُك عَمَّا رَأَيْت مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ‏,‏ وَسَمِعْته مِنْهُ ‏:‏ دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى مَا يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ ‏,‏ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ‏,‏ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الصُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ الصُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَأَرَادَ ابْنٌ لِمَرْوَانَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَرَأَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ ‏,‏ فَضَرَبَهُ ‏,‏ فَخَرَجَ الْغُلاَمُ يَبْكِي حَتَّى أَتَى مَرْوَانَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ مَرْوَانُ لأََبِي سَعِيدٍ ‏:‏ لِمَ ضَرَبْت ابْنَ أَخِيك قَالَ ‏:‏ مَا ضَرَبْته ‏,‏ إنَّمَا ضَرَبْت الشَّيْطَانَ ‏,‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَدْرَؤُهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ‏,‏ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ‏.‏ وَمَنْ قَاتَلَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُحْسِنٌ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏}‏ ‏,‏ فَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَيْسَ مُتَعَدِّيًا ‏,‏ وَإِذْ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ ، وَلاَ دِيَةَ‏.‏ وَلَيْسَ قَاتِلَ خَطَأٍ فَتَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ‏,‏ فَلَوْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَعَمَدَ قَتْلَهُ أُقِيدَ بِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ مُعْتَدٍ حِينَئِذٍ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ

وَأَمَّا الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَمُعْتَدٍ بِالْمُرُورِ مُعْتَدٍ بِالْمُقَاتَلَةِ ‏,‏ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2093 - مسألة‏:‏ الجماعة تضرب الواحد فيقتل ، ولا يدرى من أصابه منهم ‏,‏ والمصطدمان ‏,‏ ومن وقع على آخر ‏,‏ ومن تعلق بآخر فسقط ‏,‏ والحفارون ‏,‏ والمتصارعان ‏,‏ والمتلاعبان

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا الْجَمَاعَةُ تَضْرِبُ الْوَاحِدَ فَيَمُوتُ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ مِنْهُمْ أَصَابَهُ فَإِنَّهُ إنْ وُجِدَ مَقْتُولاً فِي دَارِ قَوْمٍ فَادَّعَى أَهْلُهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ وَكَانَ الَّذِينَ ضَرَبُوهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ ‏:‏ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ ضَرَبُوهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ ‏:‏ فَلَيْسَ هَاهُنَا حُكْمُ الْقَسَامَةِ ‏,‏ وَلَكِنْ حُكْمُ التَّدَاعِي فَالْبَيِّنَةُ هَاهُنَا عَلَى مُدَّعِي الدَّمِ ‏,‏ فَإِنْ جَاءَ بِهَا فَلَهُ الْقَوَدُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَلَفُوا لَهُ ‏,‏ إنْ ادَّعَى عَلَى جَمِيعِهِمْ ‏;‏ أَوْ حَلَفَ لَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ ‏,‏ وَبَرِئُوا ‏,‏ وَسَنَذْكُرُ هَذَا كُلَّهُ فِي ‏"‏ بَابِ الْقَسَامَةِ ‏"‏‏.‏

2094 - مسألة‏:‏ وإذا اقتتل اثنان ‏,‏ فقتل أحدهما الآخر

فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ ‏:‏ عَلَى الْحَيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ ‏,‏ لأََنَّهُ مَاتَ الْمَقْتُولُ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏,‏ لأََنَّ الْمَقْتُولَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَفِي النَّارِ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَاصٍ يَحِلُّ دَمُهُ ، وَلاَ يُغَرَّمُ دِيَةً ‏,‏ لَكِنَّ الْقَاتِلَ الْحَيَّ هُوَ قَاتِلُ الآخَرِ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَإِذْ هُوَ قَاتِلُهُ بِيَقِينٍ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْقَاتِلِ ‏:‏ لِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَوَّلِ مَنْ جَعَلَ عَلَى الْمُصْطَدِمَيْنِ نِصْفَ عَقْلِهِ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ ‏:‏ نَرَى أَنَّ الْعَقْلَ تَامًّا عَلَى الْبَاقِي مِنْهُمَا ‏,‏ وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَا أَدْرَكْنَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَإِنْ جَنَى الْمَقْتُولُ عَلَى قَاتِلِهِ جِنَايَةً مَاتَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ تَعْجِيلُهُ عَلَى الْحَيِّ ‏,‏ إذْ كَانَا ظَالِمَيْنِ مَعًا ‏,‏ أَوْ كَانَ الْحَيُّ مِنْهُمَا ظَالِمًا وَالْمَقْتُولُ مَظْلُومًا فَيُسْتَقَادُ مِنْ الْحَيِّ فِي نَفْسِهِ ‏,‏ وَفِي الْجِرَاحِ الَّتِي جَرَحَ الْمَقْتُولَ بِهَا أَوْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَاتَ أَوْ عَاشَ ، وَلاَ شَيْءَ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ لاَ دِيَةَ ، وَلاَ غَيْرَهَا إِلاَّ إنْ كَانَ قَطَعَ لَهُ أُصْبُعًا ‏,‏ أَوْ أَصَابِعَ ‏,‏ أَوْ يَدًا ‏,‏ أَوْ رِجْلاً ‏,‏ فَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ مَا وَجَبَ فِي حَيَاةِ الْجَانِي مِنْ دِيَةٍ فَهِيَ وَاجِبَةٌ بَعْدُ ‏,‏ فَلاَ يُسْقِطُهَا مَوْتُهُ ‏,‏ إذْ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ فَلاَ يَسْقُطُ بِالدَّعْوَى

وَأَمَّا مَا لَمْ يَجِبْ فِي حَيَاتِهِ بَعْدُ ‏,‏ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ بِمَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ ‏,‏ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ فَإِذْ صَارَ لَهُمْ ‏,‏ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِمْ ‏,‏ وَالدِّيَةُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ بِمَوْتِ الْمَقْتُولِ ‏,‏ فَإِذَا وَجَبَتْ بِمَوْتِهِ ، وَلاَ مَالَ لِلْجَانِي فَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ الْمَقْطُوعِ بِهِ ‏:‏ أَنْ تُؤْخَذَ دِيَةٌ مِنْ مَالِ مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ ‏,‏ وَلاَ جَنَى عَلَيْهِ

وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْقَاتِلِ الَّذِي قَدْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَالأَحْكَامُ لاَ تَلْحَقُ الْمَوْتَى ‏,‏ وَإِنَّمَا تَلْحَقُ الأَحْيَاءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَهَذَا حُكْمُ الظَّالِمَيْنِ‏.‏

وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ الْحَيُّ مَظْلُومًا وَالْمَقْتُولُ ظَالِمًا ‏,‏ فَقَدْ مَضَى إلَى لَعْنَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ الْجَارِحِ لاَ قَوَدَ ‏,‏ وَلاَ دِيَةَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي ‏"‏ كِتَابِ أَهْلِ الْبَغْيِ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا الْمُصْطَدِمَانِ ‏:‏ رَاجِلَيْنِ ‏,‏ أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ ‏,‏ أَوْ السَّفِينَتَيْنِ يَصْطَدِمَانِ ‏,‏ فَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ فِي السَّفِينَتَيْنِ يَصْطَدِمَانِ لاَ ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ لاَ يَجُوزُ فِيهِ إِلاَّ أَحَدُ قَوْلَيْنِ ‏:‏ إمَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ مُدَبِّرُ السَّفِينَةِ نِصْفَ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ ‏,‏ أَوْ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ أَلْبَتَّةَ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى صَرْفِهَا بِنَفْسِهِ ‏,‏ أَوْ بِمَنْ يُطِيعُهُ فَلاَ يَفْعَلُ فَيَضْمَنُ ‏,‏ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ‏:‏ أَنَّهُ مَا قَدَرَ عَلَى صَرْفِهَا ‏,‏ وَضَمَانُ الأَمْوَالِ إذَا ضَمِنَ فِي ذِمَّتِهِ ‏,‏ وَضَمَانُ النُّفُوسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ‏:‏ إذَا اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْ رُكَّابِهِمَا ‏,‏ لَكِنْ بِغَلَبَةٍ ‏,‏ أَوْ غَفْلَةٍ فَلاَ ضَمَانَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏ فَإِنْ حَمَلاَ سَفِينَتَهُمَا عَلَى التَّصَادُمِ فَهَلَكَتَا ‏:‏ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٌ نِصْفَ قِيمَةِ السَّفِينَةِ الْأُخْرَى ‏,‏ لأََنَّهَا هَلَكَتْ مِنْ فِعْلِهَا ‏,‏ وَمِنْ فِعْلِ رُكَّابِهَا‏.‏

وَأَمَّا الْفَارِسَانِ يَصْطَدِمَانِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكًا ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ إنْ مَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الآخَرِ كَامِلَةً‏.‏ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَزُفَرُ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمِثْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ أَوْجَبُوا إنْ هَلَكَتْ الدِّيَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَنِصْفُ قِيمَتِهَا أَيْضًا‏.‏ كَذَلِكَ لَوْ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَعَادَ الْحَجَرُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَمَاتَ ‏,‏ فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ ‏,‏ وَتَسْقُطُ مِنْهَا حِصَّةُ الْمَقْتُولِ ‏,‏ لأََنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَلَوْ صَدَمَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَقَطْ ‏,‏ فَمَاتَ الْمَصْدُومُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ إنْ كَانَ خَطَأً ‏,‏ وَفِي مَالِ الْقَاتِلِ إنْ قُتِلَتْ فِي الْعَمْدِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ أَنَّ السَّفِينَتَيْنِ إذَا اصْطَدَمَتَا بِغَلَبَةِ رِيحٍ أَوْ غَفْلَةٍ ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الرُّكْبَانِ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ أَصْلاً وَلَمْ يَكْسِبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا ‏,‏ وَأَمْوَالُهُمْ وَأَمْوَالُ عَوَاقِلِهِمْ مُحَرَّمَةٌ ‏,‏ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ‏.‏ فَإِنْ كَانُوا تَصَادَمُوا وَحَمَلُوا وَكُلُّ أَهْلِ سَفِينَةٍ غَيْرُ عَارِفَةٍ بِمَكَانِ الْأُخْرَى لَكِنْ فِي ظُلْمَةٍ لَمْ يَرُوا شَيْئًا فَهَذِهِ جِنَايَةٌ ‏,‏ وَالأَمْوَالُ مَضْمُونَةٌ ‏,‏ لأََنَّهُمْ تَوَلَّوْا إفْسَادَهَا ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا‏}‏ ‏,‏ وَأَمَّا الأَنْفُسُ فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ ‏,‏ لأََنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ ‏,‏ وَإِنْ كَانُوا تَعَمَّدُوا فَالأَمْوَالُ مَضْمُونَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً ‏,‏ وَالْقَوْلُ فِي الْفَارِسَيْنِ ‏,‏ أَوْ الرَّجُلَيْنِ يَصْطَدِمَانِ كَذَلِكَ ‏,‏

وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرُّمَاةُ بِالْمَنْجَنِيقِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ‏,‏ وَتُؤَدِّي عَاقِلَتُهُ وَعَاقِلَتُهُمْ دِيَتَهُ سَوَاءٌ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ قَاتِلٌ نَفْسَهُ مَعَ مَنْ قَتَلَهَا

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ ‏:‏ أَنَّ فِي قَاتِلِ نَفْسِهِ الدِّيَةَ بِنَصِّ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَاتِلِ الْخَطَأِ ‏,‏ فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ مَقْتُولٍ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ خَطَأً وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْمُصْطَدِمَيْنِ إنَّ الْمَيِّتَ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ ‏,‏ وَمِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ ‏,‏ وَالْفِعْلُ إنَّمَا هُوَ مُبَاشَرَةُ الْفَاعِلِ وَمَا يَفْعَلُهُ فِيهِ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْهُ بِصَدْمَةِ غَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ دَفَعَ ظَالِمًا إلَى ظَالِمٍ آخَرَ لِيُقَاتِلَهُ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ‏:‏ أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْهُمَا الْقَوَدَ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةَ كُلَّهَا إنْ فَاتَ الْقَوَدُ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ وَهُوَ قَدْ تَسَبَّبَ فِي مَوْتِ نَفْسِهِ بِابْتِدَاءِ الْقِتَالِ ‏,‏ كَمَا تَسَبَّبَ فِي مَوْتِ نَفْسِهِ فِي الصَّدْمِ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمُتَصَارِعَيْنِ ‏,‏ وَالْمُتَلاَعَبِينَ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللَّعِبِ شَيْئًا حَظَرَهُ فِي الْجِدِّ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عُلُوٍّ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَا جَمِيعًا ‏,‏ أَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ ‏,‏ أَوْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ ‏,‏ فَإِنَّ الْوَاقِعُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لأَِتْلاَفِ الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَبِالْمُشَاهَدَةِ ‏,‏ لأََنَّ الْوَقْعَةَ قَتَلَتْ الْمَوْقُوعَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلَمْ يَعْمَلْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ شَيْئًا ‏:‏ فَدِيَةُ الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ لأََنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ ‏,‏ فَإِنْ تَعَمَّدَ ‏,‏ فَالْقَوَدُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ إنْ سَلِمَ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ

وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ مَاتَ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ‏.‏ فَإِنْ مَاتَا مَعًا ‏,‏ أَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ قَبْلُ ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِمَوْتِ الْمَقْتُولِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏ فَإِذَا مَاتَ فِي حَيَاةِ قَاتِلَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ أَوْ الْقَوَدُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ‏.‏ وَإِذَا مَاتَ مَعَ قَاتِلِهِ أَوْ بَعْدَ قَاتِلِهِ ‏,‏ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ شَيْءٌ لاَ قَوَدَ ، وَلاَ دِيَةَ فِي حَيَاةِ الْقَاتِلِ ‏,‏ فَإِذَا مَاتَ فَالْقَاتِلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ ‏,‏ وَالْمَالُ قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ ‏,‏ وَهَذَا لاَ حَقَّ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ هَكَذَا قَتْلُ الْخَطَأِ ‏,‏ لأََنَّ الدِّيَةَ لاَ تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي ‏,‏ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ فَسَوَاءٌ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ ‏,‏ أَوْ مَعَهُ ‏,‏ أَوْ بَعْدَهُ ‏:‏ لاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الدِّيَةِ إمَّا عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ عَلِمَتْ ‏,‏

وَأَمَّا فِي كُلِّ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ كَمَا جَاءَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلاَ شَيْءَ لِوَارِثِ الْوَاقِعِ إنْ مَاتَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لاَ دِيَةَ ، وَلاَ غَيْرَهَا لأََنَّهُ لَمْ يَجْنِ أَحَدٌ عَلَيْهِ شَيْئًا ‏,‏ وَسَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ بِيَدِ الْمَدْفُوعِ عَلَيْهِ ‏,‏ أَوْ عَلَى رُمْحٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ لاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّهُ إنْ عَمَدَ فَهُوَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ عَمْدًا ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ بِلاَ خِلاَفٍ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ فَلَمْ يُبَاشِرْ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ قَتِيلُ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا الْمُتَمَاقِلُونَ فِي الْمَاءِ فَإِنْ عُرِفَ أَيُّهُمْ غَطَّسَهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى مَاتَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَاصِدٍ لَكِنْ غَطَسَ أَحَدُهُمْ ‏,‏ فَلَمَّا جَاءَ لِيَخْرُجَ لَقِيَ سَاقَيْ آخَرَ فَمَنَعَتَاهُ الْخُرُوجَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِذَلِكَ ‏:‏ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ‏,‏ لأََنَّهُ بَاشَرَ ذَلِكَ فِيهِ غَيْرَ قَاصِدٍ فَهُوَ قَتْلُ خَطَأٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ غَطَّسَهُ تَغْطِيسَةً لاَ يُمَاتُ أَلْبَتَّةَ مِنْ مِثْلِهَا فَوَافَقَ مَنِيَّتَهُ ‏,‏ فَهَذَا لاَ شَيْءَ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ لاَ عَمْدًا ، وَلاَ خَطَأً بَلْ مَاتَ بِأَجَلِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ‏.‏ فَإِنْ جُهِلَ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ بِهِ ‏,‏ فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أُحْلِفَ وَبُرِّئَ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، وَلاَ قَسَامَةَ هَاهُنَا ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ مِمَّا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ وَاجِبٌ هَاهُنَا ‏,‏ لأََنَّهُ هُوَ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ ‏,‏ لأََنَّ كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام إنِّي حَكَمْت بِالْقَسَامَةِ مِنْ أَجْلِ الدَّارِ ‏,‏ وَلاَ مِنْ غَيْرِ أَجْلِ الدَّارِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يَقُلْ ‏,‏ لَكِنْ نَحْكُمُ فِي نَوْعِ تِلْكَ الْحَالِ مِثْلَ حُكْمِهِ فِيهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ قُتِلَ فِي اخْتِلاَطِ قِتَالٍ ‏,‏ أَوْ لَيْلاً ‏,‏ أَوْ أَيْنَ قُتِلَ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا حَفَرُوا فِي حَائِطٍ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ أَوْ فِي مَعْدِنٍ ‏,‏ أَوْ بِئْرٍ فَتَرَدَّى عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ ‏,‏ أَوْ الْجُرُفُ فَمَاتُوا ‏,‏ أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ كَانُوا عَامِدِينَ قَاصِدِينَ إلَى هَدْمِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ‏:‏ فَهُوَ قَتْلُ عَمْدٍ ‏,‏ وَالْقَوَدُ عَلَى مَنْ عَاشَ ‏,‏ أَوْ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ‏,‏ لِجَمِيعِ مَنْ مَاتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِيَةٌ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلُ نَفْسٍ ‏,‏ وَهَذَا حُكْمُ قَاتِلِ النَّفْسِ عَمْدًا‏.‏ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْصِدُوا إِلاَّ الْعَمَلَ لاَ هَدْمَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ‏,‏ فَهُمْ قَتَلَةُ خَطَأٍ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ دِيَةٌ دِيَةٌ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ فَقَطْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَوَاقِلُ فَمِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ ‏,‏ أَوْ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا وَقَفُوا عَلَى جُرُفٍ فَانْهَارَ بِأَحَدِهِمْ فَتَعَلَّقَ بِمَنْ يَقْرُبُهُ ‏,‏ وَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِآخَرَ فَسَقَطُوا فَمَاتُوا ‏,‏ فَالْمُتَعَلِّقُ بِصَاحِبِهِ قَاتِلُ خَطَأٍ ‏,‏ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُتَعَلِّقِ فَكَأَنَّ زَيْدًا تَعَلَّقَ بِخَالِدٍ ‏,‏ وَتَعَلَّقَ خَالِدٌ بِمُحَمَّدٍ ‏,‏ فَعَلَى عَاقِلَةِ زَيْدٍ دِيَةُ خَالِدٍ ‏,‏ وَعَلَى عَاقِلَةِ خَالِدٍ دِيَةَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ ‏,‏

وَكَذَلِكَ أَبَدًا ‏,‏ لأََنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِإِنْسَانٍ إلَى مَهْلَكَةٍ قَاتِلُ خَطَأٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَتَعَمَّدَ بِلاَ شُبْهَةٍ فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ ‏,‏ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ لَوْ خُلِّصَ الْمُتَرَدِّي الْقَوَدُ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةُ‏.‏ فَلَوْ تَعَلَّقُوا هَكَذَا فَوَقَعُوا عَلَى أَسَدٍ ‏,‏ أَوْ ثُعْبَانٍ فَقَتَلَهُمْ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ قَاتِلَ خَطَأٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا قَتَلَتْ الْبَهِيمَةُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ خُلِّصَ وَيُرْمَى إلَى مِثْلِ الْبَهِيمَةِ حَتَّى تَقْتُلَهُ ‏,‏ كَمَا فَعَلَ هُوَ بِأَخِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}

قال أبو محمد ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ قَالَ ‏:‏ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ لِيَحْفِرُوا لَهُ بِئْرًا فَحَفَرُوهَا فَانْخَسَفَتْ بِهِمْ الْبِئْرُ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَضَمِنَ الثَّلاَثَةُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَطُرِحَ عَنْهُ رُبْعُ الدِّيَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا الأَثَرُ فِي وَضْعِ عَلِيٍّ الدِّيَةَ فِي قِصَّةِ الْحَفَّارِينَ فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ ‏,‏ وَهِيَ مُوَافَقَةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا وَهُمْ يُشَنِّعُونَ عَلَى مَنْ خَالَفَ الصَّاحِبَ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَهَذَا يُوضِحُ عَظِيمَ تَنَاقُضِهِمْ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَفَّارُونَ كُلُّهُمْ بَاشَرَ هَدْمَ مَا انْهَارَ عَلَى الَّذِي هَلَكَ مِنْهُمْ ‏,‏ فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ عَوَاقِلِ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتُوا كُلُّهُمْ دِيَةٌ دِيَةٌ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ يَعْنِي أَنَّ فِي كُلِّ مَيِّتٍ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ تُؤَدَّى إلَى عَوَاقِلِ جَمِيعِهِمْ وَعَاقِلَةُ الْمَيِّتِ فِي جُمْلَتِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أُجَرَاءَ اُسْتُؤْجِرُوا لِيَهْدِمُوا حَائِطًا فَخَرَّ عَلَيْهِمْ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ أَنَّهُ يَغْرَمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ بَقِيَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ جَاءَ أَعْمَى يُنْشِدُ النَّاسَ فِي زَمَانِ عُمَرَ يَقُولُ ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَقِيت مُنْكَرَا هَلْ يَعْقِلُ الأَعْمَى الصَّحِيحَ الْمُبْصِرَا خَرَّا مَعًا كِلاَهُمَا تَكَسَّرَا قَالَ وَكِيعٌ ‏:‏ كَانُوا يَرُونَ أَنَّ رَجُلاً صَحِيحًا كَانَ يَقُودُ أَعْمَى فَوَقَعَا فِي بِئْرٍ فَخَرَّ عَلَيْهِ

فأما قَتَلَهُ ‏,‏

وَأَمَّا جَرَحَهُ ‏,‏ فَضَمِنَ الأَعْمَى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي رَجُلٍ أَعْمَى قَادَهُ رَجُلٌ فَخَرَّا مَعًا فِي بِئْرٍ فَمَاتَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَمُتْ الأَعْمَى فَقَضَى عُمَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الأَعْمَى بِالدِّيَةِ ‏,‏ فَكَانَ الأَعْمَى يَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِ شَعْرٍ قَالَهَا ‏,‏ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَبْلَ هَذَا‏.‏ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْبَصِيرِ يَقُودُ الأَعْمَى فَيَقَعُ الْبَصِيرُ فِي بِئْرٍ ‏,‏ وَيَقَعُ الأَعْمَى عَلَى الْبَصِيرِ ‏,‏ فَيَمُوتُ الْبَصِيرُ فَإِنَّ دِيَةَ الْبَصِيرِ عَلَى عَاقِلَةِ الأَعْمَى‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ لاَ تَصِحُّ فِي أَمْرِ الأَعْمَى ‏,‏ لأََنَّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ‏,‏ وَاللَّيْثِ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ أَصْلاً‏.‏ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى آخَرَ فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ الْوَاقِعُ أَوْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي جَرَّ الْوَاقِعَ فَوَقَعَ عَلَيْهِ ‏,‏ كَبَصِيرٍ يَقُودُ أَعْمَى وَهُوَ يُمْسِكُهُ فَوَقَعَ الْبَصِيرُ ‏,‏ وَانْجَبَذَ بِجَبْذِهِ الأَعْمَى ‏,‏ أَوْ الْمَرِيضُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ الأَسْفَلُ ‏,‏ أَوْ الأَعْلَى أَوْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ‏,‏ لَكِنْ عَمَدَ رَمْيَ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْمِدْ ‏,‏ لَكِنْ عَثَرَ إذْ خَرَّ فَإِنْ دَفَعَهُ غَيْرُهُ ‏,‏ فَالدَّافِعُ هُوَ الْقَاتِلُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةُ ‏,‏ فِي أَيِّهِمَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ‏,‏ إذْ هُوَ الْقَاتِلُ خَطَأً وَالْمَدْفُوعُ حِينَئِذٍ وَالْحَجَرُ سَوَاءٌ فَهَذَا وَجْهٌ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ هُوَ جَبَذَ الْوَاقِعَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ الْمَجْبُوذُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةُ وَإِنْ مَاتَ هُوَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَجْبُوذِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ ‏,‏ وَلاَ أَخْطَأَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ جَبْذَهُ وَلَكِنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ فَوَقَعَ فَمَاتَ ‏,‏ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةُ الْمَجْبُوذِ إنْ مَاتَ ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ ‏,‏ لأََنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ فَإِنْ مَاتَ هُوَ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْبُوذِ شَيْءٌ ‏,‏ وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ عَامِدًا ، وَلاَ مُخْطِئًا ‏,‏ لَكِنْ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةُ نَفْسِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ قَاتِلُ نَفْسِهِ خَطَأً فَهَذَا وَجْهٌ ثَانٍ‏.‏ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ إنْ سَلِمَ فَالْقَوَدُ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةُ وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ عَمْدًا ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ إمَّا نَفْسَهُ

وَأَمَّا الآخَرَ ‏,‏ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَعَلَيْهِ إنْ سَلِمَ هُوَ وَمَاتَ الآخَرُ ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏

2095 - مسألة‏:‏ من قال إن صوم الشهرين في كفارة قتل الخطأ عوض من الدية والعتق إن لم يجد

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ مَسْرُوقٌ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَى قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ عَنْ الرَّقَبَةِ وَحْدَهَا ‏,‏ أَمْ عَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ قَالَ ‏:‏ مَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَبْرٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ ‏:‏ مَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ ذَهَبَ مَسْرُوقٌ ‏,‏ وَالشَّعْبِيُّ هَاهُنَا إلَى قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ إنْ صَحَّ مَعْنَاهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الدِّيَةَ وَالرَّقَبَةَ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَلَوْلاَ دَلِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا ‏,‏ وَذَلِكَ لأََنَّهُ عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ إِلاَّ بِدَلِيلٍ ‏,‏ لَكِنْ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ لَيْسَتْ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَطَلَ مَا قَالَ مَسْرُوقٌ ‏,‏ وَعَامِرٌ ‏,‏ لأََنَّ الدِّيَةَ لاَ نُبَالِي وَجَدَهَا الْقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَجِدْهَا فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏}‏ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى وُجُودِ الْمُكَلَّفِ لاَ فِيمَا لاَ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى وُجُودِهِ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ فِي الرَّقَبَةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ مَالِهِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَالصِّيَامُ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا مَنْ لاَ عَاقِلَةَ لَهُ فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَالٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ‏.‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ‏.‏ وَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا ‏:‏ هَلْ دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى الْقَاتِلِ الْمُخْطِئِ أَمْ لاَ فَوَجَبَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ‏}‏ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ لَمْ يُلْزِمْهَا الْقَاتِلَ ‏,‏ فَلاَ سَبِيلَ إلَى إلْزَامِهِ دِيَةً لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا ‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ‏;‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ‏:‏ إلْزَامِهِ الْكَفَّارَةَ بِالْعِتْقِ ‏,‏ أَوْ الصِّيَامِ ‏,‏ فَوَقَفْنَا عِنْدَ النَّصِّ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمْنَا الدِّيَةَ الْعَاقِلَةَ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي أَبْوَابِ الْعَاقِلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَلْزَمْنَاهَا فِي كُلِّ مَالٍ‏.‏