فصل: 2198 - مَسْأَلَةٌ : مَنْ أَصَابَ حَدًّا وَلَمْ يَدْرِ بِتَحْرِيمِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2198 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَنْ أَصَابَ حَدًّا وَلَمْ يَدْرِ بِتَحْرِيمِهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مُحَرَّمًا فِيهِ حَدٌّ أَوْ لاَ حَدَّ فِيهِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ لاَ إثْمَ ، وَلاَ حَدَّ ، وَلاَ مَلاَمَةَ لَكِنْ يُعَلَّمُ ‏,‏ فَإِنْ عَادَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَإِنْ ادَّعَى جَهَالَةً نُظِرَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ أَصْلاً وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ بِتَحْلِيفِهِ ‏,‏ وَلاَ نَرَى عَلَيْهِ حَدًّا ‏,‏ وَلاَ تَحْلِيفًا وَإِنْ كَانَ مُتَيَقَّنًا أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ

قال أبو محمد ‏:‏

برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏لأَُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ‏}‏ فَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ النِّذَارَةُ لاَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ ‏,‏ لأََنَّهُ عِلْمُ غَيْبٍ ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ فَلاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ أَحَدًا إِلاَّ مَا فِي وُسْعِهِ ‏,‏ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ تِلْكَ الْقِصَّةَ ‏,‏ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يُكَلَّفْهُ ‏,‏ وَلاَ حَدَّ ، وَلاَ مَلاَمَةَ‏.‏ وَإِنَّمَا سَقَطَ هَذَا عَمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَ ‏,‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَ ‏,‏ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ يُخْبِرُهُ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَى فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ ‏,‏ أَنْ سَلْهُ ‏:‏ هَلْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ ‏,‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ ‏,‏ وَإِنْ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ فَأَعْلِمْهُ أَنَّهُ حَرَامٌ ‏,‏ فَإِنْ عَادَ فَاحْدُدْهُ‏.‏ وَعَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ حَرْقُوصٍ قَالَ ‏:‏ أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ ‏:‏ إنَّ زَوْجِي زَنَى بِجَارِيَتِي ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ صَدَقَتْ ‏,‏ هِيَ وَمَالُهَا لِي حِلٌّ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ‏:‏ اذْهَبْ ، وَلاَ تَعُدْ ‏,‏ كَأَنَّهُ دَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ بِالْجَهَالَةِ

2199 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

الْمُرْتَدِّينَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ كُلُّ مَنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مُتَبَرِّئًا مِنْ كُلِّ دِينٍ حَاشَ دِينِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَخَرَجَ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ ‏,‏ أَوْ إلَى غَيْرِ دِينٍ ‏,‏ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يُسْتَتَابُ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُسْتَتَابُ ‏,‏ وَفَرَّقَتْ طَائِفَةٌ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ رِدَّتَهُ وَبَيْنَ مَنْ أَعْلَنَهَا وَفَرَّقَتْ طَائِفَةٌ بَيْنَ مَنْ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ ثُمَّ ارْتَدَّ ‏,‏ وَبَيْنَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ‏.‏ وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ ‏:‏

فأما مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ يُسْتَتَابُونَ ‏,‏ فَانْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ ‏,‏ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ ‏,‏ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنْ بَادَرَ فَتَابَ قُبِلَتْ مِنْهُ تَوْبَتُهُ ‏,‏ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ أُنْفِذَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ انْقَسَمُوا أَقْسَامًا ‏:‏ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ نَسْتَتِيبُهُ مَرَّةً فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ نَسْتَتِيبُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ ‏,‏ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ نَسْتَتِيبُهُ شَهْرًا ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ نَسْتَتِيبُهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ نَسْتَتِيبُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ يُسْتَتَابُ أَبَدًا ‏,‏ وَلاَ يُقْتَلُ‏.‏

فأما مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسِرِّ وَالْمُعْلِنِ ‏:‏ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ ‏:‏ مَنْ أَسَرَّ رِدَّتَهُ قَتَلْنَاهُ دُونَ اسْتِتَابَةٍ ‏,‏ وَلَمْ نَقْبَلْ تَوْبَتَهُ ‏,‏ وَمَنْ أَعْلَنَهَا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ إنْ أَقَرَّ الْمُسِرُّ وَصَدَقَ النِّيَّةَ قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ ، وَلاَ صَدَقَ النِّيَّةَ قَتَلْنَاهُ وَلَمْ نَقْبَلْ تَوْبَتَهُ قَالَ هَؤُلاَءِ ‏:‏

وَأَمَّا الْمُعْلِنُ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ‏.‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْمُسِرِّ وَالْمُعْلِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏:‏ فَطَائِفَةٌ قَبِلَتْ تَوْبَتَهُمَا مَعًا أَقَرَّ الْمُسِرُّ أَوْ لَمْ يُقِرَّ‏.‏ وَطَائِفَةٌ ‏:‏ لَمْ تَقْبَلْ تَوْبَةَ مُسِرٍّ ، وَلاَ مُعْلِنٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ ‏,‏ أَوْ الْحَرْبِيِّ يَخْرُجَانِ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُتْرَكَانِ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ يُمْنَعَانِ مِنْهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يُتْرَكَانِ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏ ثُمَّ افْتَرَقَ هَؤُلاَءِ فِرْقَتَيْنِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنْ رَجَعَ الذِّمِّيُّ إلَى دِينِهِ الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ تُرِكَ ‏,‏ وَإِلَّا قُتِلَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُ الإِسْلاَمِ وَحْدَهُ ‏,‏ وَإِلَّا قُتِلَ ‏,‏ وَلاَ يُتْرَكُ عَلَى الدِّينِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ يُتْرَكُ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ ‏,‏ لَكِنْ إنْ أَسْلَمَ تُرِكَ ‏,‏ وَإِنْ أَبَى قُتِلَ ، وَلاَ بُدَّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ني حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَرْسَلَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْكُمْ ‏,‏ فَأَلْقَى لَهُ أَبُو مُوسَى وِسَادَةً لِيَجْلِسَ عَلَيْهَا ‏,‏ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ ‏,‏ فَقَالَ مُعَاذٌ ‏:‏ لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ ‏:‏ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا قُتِلَ قَعَدَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى ‏,‏ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ‏,‏ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مَا هَذَا قَالَ ‏:‏ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ ‏:‏ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ فِي حَدِيثٍ‏.‏ وَعَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ ‏,‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ ‏:‏ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ ‏,‏ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتهمْ ‏,‏ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏ وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عِجْلٍ تَنَصَّرَ ‏,‏ فَكَتَبَ بِذَلِكَ عُيَيْنَةَ بْنُ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ فَكَتَبَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَنْ يُؤْتَى بِهِ ‏,‏ فَجِيءَ بِهِ حَتَّى طُرِحَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ أَشْعَرُ عَلَيْهِ ثِيَابُ صُوفٍ مَوْثُوقٌ فِي الْحَدِيدِ ‏,‏ فَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ فَأَطَالَ كَلاَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَقَالَ ‏:‏ لاَ أَدْرِي مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ‏,‏ فَلَمَّا قَالَهَا قَامَ إلَيْهِ عَلِيٌّ فَوَطِئَهُ ‏,‏ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ‏:‏ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ وَطِئَهُ قَامُوا فَوَطِئُوهُ ‏,‏

فَقَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمْسِكُوا ‏,‏ فَأَمْسَكُوا حَتَّى قَتَلُوهُ ‏,‏ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ‏.‏ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ بَعَثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ بِفَتْحِ تُسْتَرَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَسَأَلَنِي عُمَرُ وَكَانَ نَفَرٌ سِتَّةٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَدْ ارْتَدُّوا عَنْ الإِسْلاَمِ وَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ فَقَالَ ‏:‏ مَا فَعَلَ النَّفَرُ مِنْ بَكْرٍ قَالَ ‏:‏ فَأَخَذْت فِي حَدِيثٍ آخَرَ لأََشْغَلَهُ عَنْهُمْ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مَا فَعَلَ النَّفَرُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قُلْت ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ ‏,‏ مَا سَبِيلُهُمْ إِلاَّ الْقَتْلُ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ لاََنْ أَكُونَ أَخَذْتهمْ سِلْمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ صَفْرَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ مَرَّةً ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ‏:‏ لِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ أَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنْ الإِسْلاَمِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ‏,‏ فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُثْمَانَ ‏,‏ فَرَدَّ إلَيْهِ عُثْمَانُ ‏:‏ أَنْ اعْرِضْ عَلَيْهِمْ دِينَ الْحَقِّ ‏,‏ وَشَهَادَةَ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ‏,‏ فَإِنْ قَبِلُوهَا ‏,‏ فَخَلِّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا ‏,‏ فَاقْتُلْهُمْ فَقَبِلَهَا بَعْضُهُمْ فَتَرَكَهُ ‏,‏ وَلَمْ يَقْبَلْهَا بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُ‏.‏ وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ ‏,‏ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ‏:‏ لَعَلَّك إنَّمَا ارْتَدَدْت لاََنْ تُصِيبَ مِيرَاثًا ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى الإِسْلاَمِ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَلَعَلَّك خَطَبْت امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوكَهَا فَأَرَدْت أَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَعُودَ إلَى الإِسْلاَمِ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَارْجِعْ إلَى الإِسْلاَمِ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ‏,‏ وَدَفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى وُلْدِهِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ‏:‏ أَنَّ الْمِسْوَرَ الْعِجْلِيّ تَنَصَّرَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ فَبَعَثَ بِهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى عَلِيٍّ فَاسْتَتَابَهُ فَلَمْ يَتُبْ ‏,‏ فَقَتَلَهُ ‏,‏ فَسَأَلَهُ النَّصَارَى جِيفَتَهُ بِثَلاَثِينَ أَلْفًا ‏,‏ فَأَبَى عَلِيٌّ وَأَحْرَقَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ‏:‏ فَلِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ‏:‏ أَنَّهُ كَفَرَ إنْسَانٌ بَعْدَ إيمَانِهِ ‏,‏ فَدَعَاهُ إلَى الإِسْلاَمِ ثَلاَثًا فَأَبَى ‏,‏ فَقَتَلَهُ‏.‏ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي حَيَّانُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إذَا أَشْرَكَ الْمُسْلِمُ دُعِيَ إلَى الإِسْلاَمِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَبَى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ‏,‏ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ مَرَّةً فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ‏:‏ فَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ شَهْرًا فَ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا عُثْمَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ‏:‏ أَنَّ عَلِيًّا اسْتَتَابَ رَجُلاً كَفَرَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ شَهْرًا فَأَبَى ‏,‏ فَقَتَلَهُ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ‏,‏ وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ ‏:‏ فَ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ ‏:‏ قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ الْيَمَنِ وَإِذَا بِرَجُلٍ عِنْدَهُ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مَا هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ‏,‏ ثُمَّ تَهَوَّدَ وَنَحْنُ نُرِيدُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ مُنْذُ أَحْسِبُهُ قَالَ شَهْرَيْنِ ‏,‏ قَالَ مُعَاذٌ ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ أَقْعُدُ حَتَّى تَضْرِبُوا عُنُقَهُ ‏,‏ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ مُعَاذٌ ‏:‏ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ أَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْيَمَنَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلاً قَدْ تَهَوَّدَ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى الإِسْلاَمَ شَهْرَيْنِ ‏,‏ فَقَالَ مُعَاذٌ ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ ‏;‏ قَضَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ أَبَدًا دُونَ قَتْلٍ ‏:‏ فَلِمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا دَاوُد ، هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏:‏ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَتَلَ جُحَيْنَةَ الْكَذَّابَ ‏,‏ وَأَصْحَابَهُ ‏,‏ قَالَ أَنَسٌ ‏:‏ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ ‏:‏ مَا فَعَلَ جُحَيْنَةُ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ قَالَ ‏:‏ فَتَغَافَلْت عَنْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ‏,‏ فَقُلْت ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ وَهَلْ كَانَ سَبِيلٌ إِلاَّ الْقَتْلُ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ لَوْ أَتَيْت بِهِمْ لَعَرَضْت عَلَيْهِمْ الإِسْلاَمَ ‏,‏ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا اسْتَوْدَعْتهمْ السِّجْنَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ أَبِيهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَدِمَ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ ‏,‏ أَوْ شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ عَلَى عُمَرَ يُبَشِّرُهُ بِفَتْحِ تُسْتَرَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ هَلْ كَانَتْ مُغْرِبَةٌ يُخْبِرُنَا بِهَا قَالَ ‏:‏ لاَ إِلاَّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْعَرَبِ ارْتَدَّ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ ‏,‏ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ وَيْحَكُمْ ‏,‏ فَهَلاَّ طَيَّنْتُمْ عَلَيْهِ بَابًا ‏,‏ وَفَتَحْتُمْ لَهُ كُوَّةً فَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا رَغِيفًا ‏,‏ وَسَقَيْتُمُوهُ كُوزًا مِنْ مَاءٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ‏,‏ ثُمَّ عَرَضْتُمْ عَلَيْهِ الإِسْلاَمَ فِي الثَّالِثَةِ ‏,‏ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ ‏,‏ اللَّهُمَّ لَمْ أَحْضُرْ ‏,‏ وَلَمْ آمُرْ ‏,‏ وَلَمْ أَعْلَمْ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ‏:‏ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ أَنَا سَحْنُونٌ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلاً يَهُودِيًّا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ ‏,‏ فَحَبَسَهُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُوهُ إلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ فَأَتَاهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَرَآهُ عِنْدَهُ فَقَالَ ‏:‏ لاَ أَنْزِلُ حَتَّى تَضْرِبَ عُنُقَهُ فَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ ‏,‏ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكًا قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلاَ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ‏.‏

وقال الشافعي ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏:‏ لاَ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ فَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ إنْ رَجَعَ إلَى الْكُفْرِ الَّذِي تَذَمَّمَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَإِلَّا قُتِلَ ‏,‏ وَإِلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ ‏,‏ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الإِسْلاَمِ أَوْ السَّيْفِ وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّهُ يُسْتَتَابُ مَرَّةً ‏,‏ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَكَانَتْ الأَسْتِتَابَةُ فِعْلَ خَيْرٍ وَدُعَاءً إلَى سَبِيلِ رَبِّنَا بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ‏,‏ وَدُعَاءً إلَى الْخَيْرِ ‏,‏ وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ ‏,‏ فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا ‏,‏ وَكَانَ فَاعِلُهُ مُصْلِحًا‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ لاََنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَهَذَا لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُزْهَدَ فِيهِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ ‏,‏ وَعُثْمَانُ ‏,‏ وَابْنُ مَسْعُودٍ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً ‏,‏ فَعَارَضَهُمْ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ أَسْتَتِيبُهُ بِأَنْ قَالُوا ‏:‏ بِأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَجِبَ مَرَّةً ‏,‏ أَوْ عَدَدًا مَحْدُودًا ‏,‏ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ‏,‏ أَوْ أَبَدًا مَا امْتَدَّ الْعُمْرُ بِلاَ نِهَايَةٍ ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَإِنْ قُلْتُمْ ‏:‏ إنَّهُ يَجِبُ أَبَدًا مَا امْتَدَّ بِهِ الْعُمْرُ بِلاَ نِهَايَةٍ ‏:‏ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ وَصِرْتُمْ إلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يُسْتَتَابَ الْمُرْتَدُّ أَبَدًا ‏,‏ وَلاَ يُقْتَلَ وَهَذَا لَيْسَ هُوَ قَوْلَكُمْ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ لَكُنَّا قَدْ أَبْطَلْنَاهُ آنِفًا ‏,‏ وَلَوْ كَانَ هَذَا أَيْضًا لَبَطَلَ الْجِهَادُ جُمْلَةً ‏,‏ لأََنَّ الدُّعَاءَ كَانَ يَلْزَمُ أَبَدًا مُكَرَّرًا بِلاَ نِهَايَةٍ ‏,‏

وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَصْلاً ‏,‏ وَلَيْسَ دُعَاءُ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ أَحَدُ الْكُفَّارِ بِأَوْجَبَ مِنْ دُعَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ الْحَرْبِيِّينَ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَإِنْ قُلْتُمْ ‏:‏ إنَّهُ يَجِبُ عَدَدًا مُحَدَّدًا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ‏:‏ كُنْتُمْ قَائِلِينَ بِلاَ دَلِيلٍ ‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ ‏.‏ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ ‏:‏ يُسْتَتَابُ مَرَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ ‏:‏ ثَلاَثَةً ‏,‏ وَلاَ مِمَّنْ قَالَ ‏:‏ أَرْبَعًا ‏,‏ أَوْ خَمْسًا ‏,‏ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ بِلاَ برهان ‏,‏ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ ‏:‏ يُدْعَى مَرَّةً فَيُقَالُ لَهُ ‏:‏ إنَّ مَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ ‏:‏ قَدْ تَقَدَّمَ دُعَاؤُهُ إلَى الإِسْلاَمِ حِينَ أَسْلَمَ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ إنْ كَانَ دَخِيلاً فِي الإِسْلاَمِ ‏,‏ أَوْ حِينَ بَلَغَ ‏,‏ وَعَلِمَ شَرَائِعَ الدِّينِ ‏,‏ هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ إنَّ التَّكْرَارَ لاَ يَلْزَمُ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ ‏,‏ إذْ قَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ الإِسْلاَمَ ‏,‏ فَالأَشْتِغَالُ عَنْ ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ بِاسْتِتَابَةٍ ‏,‏ وَدُعَاءٍ ‏:‏ لاَ يُلْزِمَانِ تَرْكَ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ قَالُوا ‏:‏ وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ دُعَائِهِ إلَى الإِسْلاَمِ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ دُونَ تَأْخِيرٍ لأَِقَامَةِ الْحَقِّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ تَضْيِيعٍ لَهُ ‏,‏ وَإِنَّمَا كَلاَمُنَا ‏:‏ هَلْ يَجِبُ دُعَاؤُهُ وَاسْتِتَابَتُهُ فَرْضًا أَمْ لاَ فَهَاهُنَا اخْتَلَفْنَا ‏,‏ فَأَوْجَبْتُمُوهُ بِلاَ

برهان ‏,‏ وَلَمْ نُوجِبْ نَحْنُ ، وَلاَ مَنَعْنَا فَإِنْ قُلْتُمْ ‏:‏ نَدْعُوهُ مَرَّةً بَعْدَ الدُّعَاءِ الأَوَّلِ السَّالِفِ ‏:‏ لَمْ تَكُونُوا بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ ‏:‏ بَلْ اُدْعُوهُ مَرَّةً ثَانِيَةً أَيْضًا بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ أَوْ مِمَّنْ قَالَ ‏:‏ بَلْ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ‏.‏ أَوْ مِمَّنْ قَالَ ‏:‏ بَلْ الرَّابِعَةُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا‏.‏ فَبَطَلَ بِلاَ شَكٍّ مَا أَوْجَبْتُمْ فَرْضًا مِنْ اسْتِتَابَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ‏.‏ قَالَ ‏:‏

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ ‏:‏ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ ‏,‏ وَعَلِيٍّ ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا ‏:‏ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَلاَ تَصِحُّ ‏,‏ لأََنَّ الطَّرِيقَ فِي كِلْتَيْ الرِّوَايَتَيْنِ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ‏.‏

وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ ‏:‏ فَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ ‏,‏ نَقْلُ الْكَوَافِّ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إنْكَارِهِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ كَانُوا قِسْمَيْنِ ‏:‏ قِسْمًا لَمْ يُؤْمِنْ قَطُّ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ ‏,‏ وَسَجَاحَ ‏,‏ فَهَؤُلاَءِ حَرْبِيُّونَ لَمْ يُسْلِمُوا قَطُّ ‏,‏ لاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُمْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَإِسْلاَمُهُمْ‏.‏ وَالْقِسْمُ الثَّانِي ‏:‏ قَوْمٌ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَكْفُرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ ‏,‏ لَكِنْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ مِنْ أَنْ يَدْفَعُوهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَعَلَى هَذَا قُوتِلُوا‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُ الْحَنَفِيُّونَ ‏,‏ وَلاَ الشَّافِعِيُّونَ ‏:‏ فِي أَنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ أَصْلاً ‏,‏ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِعْلَ أَبِي بَكْرٍ فِيهِمْ ‏,‏ وَلاَ يُسَمِّيهِمْ أَهْلَ رِدَّةٍ‏.‏ وَدَلِيلُ مَا

قلنا ‏:‏ شِعْرُ الْحُطَيْئَةِ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ ‏:‏ أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَنَا فَيَا لَهْفَنَا مَا بَالُ دِينِ أَبِي بَكْرِ أَيُورِثُهَا بَكْرًا إذْ مَاتَ بَعْدَهُ فَتِلْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ وَإِنَّ الَّتِي طَالَبْتُمْ فَمُنِعْتُمْ لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى لَدَيَّ مِنْ التَّمْرِ فِدًا لِبَنِي بَكْرِ بْنِ ذُودَانَ رَحْلِي وَحَدَّثَنَا قَتِي عَشِيَّةَ يَحْدِي بِالرِّمَاحِ أَبُو بَكْرِ فَهُوَ مُقِرٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَرَى ‏,‏ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الأَشْعَثُ مِنْ هَؤُلاَءِ وَغَيْرُهُ وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قَوْمٌ ارْتَدُّوا جُمْلَةً ‏,‏ كَمَنْ آمَنَ بِطُلَيْحَةَ ‏,‏ وَنَحْوِ هَؤُلاَءِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَنْسَنِدُ فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لأََنَّ الْخِلاَفَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏

وَمَنْ قَالَ ‏:‏ بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ دُونَ ذِكْرِ اسْتِتَابَةٍ أَوْ قَبُولِهَا ‏:‏ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ مُعَاذٍ ‏,‏ وَأَبِي مُوسَى ‏,‏ وَأَنَسٍ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَمَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ‏:‏ بِالأَسْتِتَابَةِ أَبَدًا وَإِيدَاعِ السِّجْنِ فَقَطْ ‏:‏ كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِمَّا قَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ ‏,‏ وَوُجُوبُ الْقِتَالِ ‏:‏ هُوَ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ وُجُوبِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ ‏,‏ فَإِنَّ قِتَالَ مَنْ بَغَى عَلَى الْمُسْلِمِ ‏,‏ أَوْ مَنَعَ حَقًّا قِبَلَهُ ‏,‏ وَحَارَبَ دُونَهُ ‏:‏ فَرْضٌ وَاجِبٌ بِلاَ خِلاَفٍ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَهْلَ الرِّدَّةِ ‏,‏ لأََنَّهُ حَقٌّ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلَمْ نُخَالِفْكُمْ فِي هَذَا ‏,‏ وَلاَ يَصِحُّ أَصْلاً عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ ظَفِرَ بِمُرْتَدٍّ عَنْ الإِسْلاَمِ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ بِاسْتِتَابَةٍ ‏,‏ فَتَابَ ‏,‏ فَتَرَكَهُ ‏,‏ أَوْ لَمْ يَتُبْ فَقَتَلَهُ هَذَا مَا لاَ يَجِدُونَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ بَدَّلَ كُفْرًا بِكُفْرٍ آخَرَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ ‏:‏ أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلاَ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏:‏ لاَ يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ يُنْبَذُ إلَيْهِ عَهْدُهُ ‏,‏ وَيُخْرَجُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ‏,‏ فَإِنْ ظُفِرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ إنْ رَجَعَ إلَى دِينِهِ الْكِتَابِيِّ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ أُقِرَّ عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَتُرِكَ‏.‏ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ لاَ يُتْرَكُ بَلْ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ إِلاَّ الإِسْلاَمُ أَوْ السَّيْفُ‏.‏ وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ إلْحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ‏,‏ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَإِلَّا قُتِلَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ وَأَمْرِهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ مُخَاطِبًا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ ‏,‏ إلَى آخِرِ السُّورَةِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْكُفْرَ كُلَّهُ دِينًا وَاحِدًا‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ فَكَانَ هَذَا ظَاهِرًا يَمْنَعُ مِنْ إكْرَاهِهِ عَلَى تَرْكِ كُفْرِهِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَلاَ يَخْلُو إذَا أُجْبِرَ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏,‏ وَلاَ ثَالِثَ لَهُمَا ‏:‏ إمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى دِينِهِ الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَوْ يُجْبَرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ كَمَا قَالَ هُوَ فِي قَوْلِهِ الثَّانِي ‏,‏ وَأَصْحَابُكُمْ ‏,‏ فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى دِينِهِ فَقَدْ أُجْبِرَ عَلَى اعْتِقَادِ الْكُفْرِ ‏,‏ وَعَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْكُفْرِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَاعْتِقَادُ جَوَازِ هَذَا كُفْرٌ قَالُوا ‏:‏ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الإِسْلاَمِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ‏,‏ فَهُوَ كَافِرٌ ‏,‏ وَهُمْ كُفَّارٌ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ النُّصُوصِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ ‏:‏ أَرَأَيْت مَنْ أَحْدَثَ فِي نَصْرَانِيَّةٍ ‏,‏ أَوْ يَهُودِيَّةٍ ‏,‏ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ ‏:‏ رَأْيًا لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ جُمْلَتِهِمْ أَتُجْبِرُونَهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ الرَّأْيِ وَالرُّجُوعِ إلَى جُمْلَتِهِمْ ‏,‏ أَوْ إلَى الإِسْلاَمِ وَأَرَأَيْتُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَلْكَانِيَّةٍ إلَى نُسْطُورِيَّةٍ ‏,‏ أَوْ يَعْقُوبِيَّةٍ ‏,‏ أَوْ قَادُونِيَّةٍ ‏,‏ أَوْ مَعْدُونِيَّةٍ ‏,‏ فَدَانَ بِعُبُودِيَّةِ الْمَسِيحِ ‏,‏ وَأَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ ‏,‏ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَتُجْبِرُونَهُ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى التَّثْلِيثِ ‏,‏ أَوْ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ

وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنْ رَبَّانِيَّةٍ إلَى عَامَانِيَّةٍ ‏,‏ أَوْ إلَى عِيسَوِيَّةٍ ‏,‏ أَتُجْبِرُونَهُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكُفْرِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ التَّشْنِيعِ وَكُلُّ هَذَا عَائِدٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ فَحَقٌّ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَقَطْ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ حُكْمُ إقْرَارِهِمْ ‏,‏ وَلاَ حُكْمُ قَتْلِهِمْ ‏,‏ وَلاَ حُكْمُ مَا يُفْعَلُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ أَصْلاً‏.‏

وَكَذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ إلَى آخِرِهَا لَيْسَ فِيهَا أَيْضًا إِلاَّ أَنَّنَا مُبَايِنُونَ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ فِي الْعِبَادَةِ ‏,‏ وَالدِّينِ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِمْ ‏,‏ لاَ مِنْ إقْرَارِهِمْ ، وَلاَ مِنْ تَرْكِ إقْرَارِهِمْ‏.‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لَنَا ‏{‏وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏}‏ فَمَنْ تَوَلَّاهُمْ مِنَّا فَهُوَ مِنْهُمْ ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى إنَّ ‏{‏بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ ‏.‏ فَهَلاَّ تَرَكُوا الْمُرْتَدَّ إلَيْهِمْ مِنَّا عَلَى رِدَّتِهِ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مِنْهُمْ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الآيَةُ حُجَّةً فِي إقْرَارِ الْمُرْتَدِّ مِنَّا إلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ ذَانِكَ النَّصَّانِ لَيْسَا بِحُجَّةٍ فِيمَا أَرَادُوا التَّمْوِيهَ بِإِيرَادِهِمَا مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمْ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا ‏;‏ لأََنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إكْرَاهِ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ ‏,‏ فَمِنْ قَائِلٍ ‏:‏ يُكْرَهُ ، وَلاَ يُقْتَلُ ‏,‏ وَمِنْ قَائِلٍ ‏,‏ يُكْرَهُ وَيُقْتَلُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمْ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ ‏,‏ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا قُلْتُمْ ‏,‏ وَإِنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينٌ‏}‏ فِي أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَشَيْءٌ وَاحِدٌ ‏:‏ هُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ الأَحْتِجَاجَ وَخَالَفَهُ ‏,‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِ أَهْلِ الْكُفْرِ ‏,‏ فَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ مَعَنَا عَلَى ‏:‏ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مَنْ تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ ‏,‏ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ ‏,‏ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لاَ تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ ‏,‏ وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ لاَ يَخْلُو مَنْ أُجْبِرَ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ إمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَنَعَمْ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِهِمَا وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ ‏:‏ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الإِسْلاَمِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَلاَ يُتْرَكُ يَرْجِعُ إلَى الدِّينِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الإِسْلاَمِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُمْ

برهان مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ إجْبَارِهِ ‏,‏ وَإِلَّا فَهُوَ قَوْلُكُمْ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنْ خَرَجَ مِنْ فِرْقَةٍ مِنْ النَّصَارَى إلَى فِرْقَةٍ أُخْرَى فَإِنَّنَا لاَ نَعْتَرِضُ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ فَبَقِيَ الآنَ الْكَلاَمُ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ فَوَجَدْنَا النَّاسَ عَلَى قَوْلَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ‏,‏

وَالثَّانِي ‏:‏ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ‏.‏

فأما مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ‏,‏ فَيَحْتَجُّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْوَثَنِيِّينَ فَيُقَالُ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ لَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْوَثَنِيِّينَ مِنْ الْعَرَبِ إِلاَّ الإِسْلاَمَ أَوْ السَّيْفَ إلَى أَنْ مَاتَ عليه السلام فَهُوَ إكْرَاهٌ فِي الدِّينِ ‏,‏ فَهَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّهَا مَخْصُوصَةٌ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ قَالُوا ‏:‏ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى خَاصَّةً ‏,‏ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ لِعَجُوزٍ نَصْرَانِيَّةٍ ‏:‏ أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ أَسْلِمِي تَسْلَمِي ‏,‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ فَقَالَتْ الْعَجُوزُ ‏:‏ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَأَمُوتُ إلَى قَرِيبٍ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ‏,‏ لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏.‏ وَبِ

مَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إنْ عَاشَ وَلَدُهَا تُهَوِّدُهُ ‏,‏ فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ ‏,‏ فَقَالَتْ الأَنْصَارُ ‏:‏ لاَ نَدَعُ أَبْنَاءَنَا ‏,‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ ‏.‏ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ إلَى أَنْ مَاتَ عليه السلام حَتَّى أَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ‏.‏ وَصَحَّ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ فِي الدِّينِ ‏,‏ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ الآيَةَ إلَى قوله تعالى ‏{‏فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏}‏ ‏.‏ وَنَزَلَ قوله تعالى ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}

فإن قال قائل ‏:‏ فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ قوله تعالى ‏{‏فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ‏}‏ ‏.‏ فَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ ‏"‏ بَرَاءَةٌ ‏"‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ‏"‏ بَرَاءَةٌ ‏"‏ نَسَخَتْ كُلَّ حُكْمٍ تَقَدَّمَ ‏,‏ وَأَبْطَلَتْ كُلَّ عَهْدٍ سَلَفَ بِقَوْلِ تَعَالَى ‏{‏كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ وَإِنَّمَا كَانَتْ آيَةُ النَّبْذِ عَلَى سَوَاءٍ أَيَّامَ كَانَتْ الْمُهَادَنَاتُ جَائِزَةً ‏,‏

وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ مُشْرِكٍ أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ بِأَنْ يُقْتَلَ ‏,‏ أَوْ يُسْلِمَ ‏,‏ أَوْ يُنْبَذَ إلَيْهِ عَهْدُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَتْلِهِ حَيْثُ وُجِدَ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَبْنَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَيُقَرَّ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ يَكُونَ مُسْتَجِيرًا فَيُجَارَ حَتَّى يُقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ‏,‏ ثُمَّ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ إلَى أَنْ يُسْلِمَ ‏,‏ وَلاَ يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ رَسُولاً فَيُتْرَكَ مُدَّةَ أَدَاءِ رِسَالَتِهِ ‏,‏ وَأَخْذِ جَوَابِهِ ‏,‏ ثُمَّ يُرَدَّ إلَى بَلَدِهِ ‏,‏ وَمَا عَدَا هَؤُلاَءِ فَالْقَتْلُ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ أَوْ الإِسْلاَمُ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا ‏:‏ مَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ حَيْثُ رُفِعَ إلَى عَلِيٍّ فِي يَهُودِيٍّ تَزَنْدَقَ وَنَصْرَانِيٍّ تَزَنْدَقَ قَالَ ‏:‏ دَعُوهُ يُحَوِّلُ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ عَلِيٍّ ‏;‏ لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَلَمْ يُولَدْ ابْنُ جُرَيْجٍ إِلاَّ بَعْدَ نَحْوِ نَيِّفٍ وَثَلاَثِينَ عَامًا مِنْ مَوْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمْ مِنْ قَوْلَةٍ لِعَلِيٍّ صَحِيحَةٍ قَدْ خَالَفُوهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2200 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِيرَاثِهِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ هُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏:‏ كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ دِثَارِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الأَبْرَصِ الأَسَدِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏:‏ مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَلَدِهِ‏.‏ وَعَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ ‏,‏ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الإِسْلاَمِ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ‏:‏ لَعَلَّك إنَّمَا ارْتَدَدْت ‏,‏ لاََنْ تُصِيبَ مِيرَاثًا ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَلَعَلَّك خَطَبْت امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوكَهَا فَأَرَدْتَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَعُودَ إلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَارْجِعْ إلَى الإِسْلاَمِ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحُ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ‏,‏ فَدَفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمِثْلِهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِهَذَا ‏,‏ مِنْهُمْ ‏:‏ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ‏.‏ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ ‏:‏ إنْ قُتِلَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ عَلَى دِينِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ‏,‏ وَإِلَّا فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ تَرِثُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ ‏,‏ وَتَعْتَدُّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ‏,‏ وَدَفْعُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لاَ أَعْلَمُهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ عَلَى دِينِهِ فِي أَرْضٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ مِيرَاثُهُ لأََهْلِ دِينِهِ فَقَطْ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ‏:‏ مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لأََهْلِ دِينِهِ‏.‏ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏:‏ أَنْبَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ النَّاسُ فَرِيقَانِ ‏,‏ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ‏:‏ مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ ‏,‏ لأََنَّهُ سَاعَةَ يَكْفُرُ يُوقَفُ ‏,‏ فَلاَ يُقْدَرُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى يُنْظَرَ أَيُسْلِمُ أَمْ يَكْفُرُ مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ ‏:‏ وَالشَّعْبِيُّ ‏,‏ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَفَرِيقٌ يَقُولُ ‏:‏ لأََهْلِ دِينِهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ فَمَالُهُ لَهُ ‏,‏ وَإِنْ قُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لاَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ قَالَ بِهَذَا رَبِيعَةُ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ فَمَالُهُ لَهُ ‏,‏ وَإِنْ قُتِلَ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ قَالَ بِهَذَا أَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُنَا‏.‏

وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ ‏:‏ إنْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَتَرِثُهُ زَوْجَتُهُ كَسَائِرِ وَرَثَتِهِ ‏,‏ وَإِنْ فَرَّ وَلَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ مَالَهُ عِنْدَنَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِذَلِكَ ‏,‏ وَيُعْتِقُ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَيَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ مَا وَجَدَ فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ ‏,‏ وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا اسْتَهْلَكُوهُ ‏,‏ هَذَا فِيمَا كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ

وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ مَالُ الْمُرْتَدِّ سَاعَةَ يَرْتَدُّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ ‏,‏ أَوْ مَاتَ ‏,‏ أَوْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ ‏,‏ أَوْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ ‏,‏ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْهُ ‏,‏ وَأَشْهَبُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ‏:‏ مَانِعًا مِنْ تَوْرِيثِ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ وَهُمْ مُسْلِمُونَ مَالَ أَبِيهِمْ الْمُرْتَدِّ ‏,‏ لأََنَّهُ كَافِرٌ وَهُمْ مُسْلِمُونَ أَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ ‏,‏ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ ‏:‏ مَا أَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أَنَا أَبُو دَاوُد ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ‏.‏ هَذَا عُمُومٌ مِنْهُ عليه السلام لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ مُرْتَدٌّ مِنْ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخُصَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَهُ ‏,‏ وَلاَ أَهْمَلَهُ ‏,‏ بَلْ قَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏}‏ ‏.‏ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2201 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

وَصِيَّةُ الْمُرْتَدِّ وَتَدْبِيرِهِ

قال أبو محمد ‏:‏ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ ‏,‏ أَوْ فِي حِينِ رِدَّتِهِ ‏,‏ بِمَا يُوَافِقُ الْبِرَّ وَدِينَ الإِسْلاَمِ ‏,‏ فَكُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ فِي مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ ‏,‏ لأََنَّهُ مَالُهُ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ فَإِذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ ‏,‏ فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ وَصَايَاهُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ عَبْدٍ ‏,‏ وَذِمِّيٍّ ‏,‏ أَوْ مَالٍ ‏,‏ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ كُلُّهُ ‏,‏ لاَ تَنْفُذُ فِيهِ وَصِيَّةٌ ‏,‏ لأََنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَالُ لَهُ بَعْدُ ‏,‏ وَلاَ تَنْفُذُ وَصِيَّةُ أَحَدٍ فِيمَا لاَ يَمْلِكُهُ‏.‏

2202 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَنْ صَارَ مُخْتَارًا إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ ‏,‏ مُشَاقًّا لِلْمُسْلِمِينَ أَمُرْتَدٌّ هُوَ بِذَلِكَ أَمْ لاَ وَمَنْ اعْتَضَدَ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ دَارَ الإِسْلاَمِ أَمُرْتَدٌّ هُوَ بِذَلِكَ أَمْ لاَ

قال أبو محمد ‏:‏ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ كَانَ جَرِيرٌ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ ‏,‏ وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا ‏,‏ فَأَبَقَ غُلاَمٌ لِجَرِيرٍ ‏,‏ فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ‏.‏ وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ أَنَا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ ‏:‏ أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمْ قَالَ مَنْصُورٌ ‏:‏ قَدْ وَاَللَّهِ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ يُرْوَى عَنِّي هَاهُنَا بِالْبَصْرَةِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَازِمٍ الضَّرِيرُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ ‏:‏ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ ‏,‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَتَرَاءَى نَارُهُمَا‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ الَّذِي قَدَّمْنَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى جَرِيرٍ ‏,‏ فَلاَ وَجْهَ لِلأَشْتِغَالِ بِهِ‏.‏ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مُسْنَدٌ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ فِيهِ ‏:‏ إنَّ الْعَبْدَ بِإِقَامَتِهِ يَكُونُ كَافِرًا ‏,‏ فَظَاهِرُهُ فِي الْمَمْلُوكِ ‏,‏ لأََنَّ الْحُرَّ لاَ يُوصَفُ بِإِبَاقٍ فِي الْمَعْهُودِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ ‏,‏ وَبَيَانُ الْإِبَاقِ الَّذِي يَكْفُرُ بِهِ ‏,‏ وَهُوَ إبَاقُهُ إلَى أَرْضِ الشِّرْكِ ‏,‏ وَالْبُعْدُ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ أَحَدٍ عَبْدُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ‏,‏ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ‏,‏ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ ‏:‏ حَمِدَنِي عَبْدِي‏.‏ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ‏(‏ إذَا قَالَ الْعَبْدُ ‏)‏ عَنِيَ بِهِ الْحُرَّ وَالْمَمْلُوكَ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ وَالْإِبَاقُ مُطْلَقٌ عَلَى الْحُرِّ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ الْحُرِّ يُونُسَ بْنِ مَتَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَقَ إذْ خَرَجَ مُغَاضِبًا لأََمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى‏.‏ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ دَارِ الإِسْلاَمِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ أَبَقَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَعَنْ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ ‏,‏ وَيُبَيِّنُ هَذَا حَدِيثُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ عليه السلام لاَ يَبْرَأُ إِلاَّ مِنْ كَافِرٍ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ مَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ وَالْحَرْبِ مُخْتَارًا مُحَارِبًا لِمَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَهُوَ بِهَذَا الْفِعْلِ مُرْتَدٌّ لَهُ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ كُلُّهَا ‏:‏ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ ‏,‏ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَمِنْ إبَاحَةِ مَالِهِ ‏,‏ وَانْفِسَاخِ نِكَاحِهِ ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ مُسْلِمٍ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لِظُلْمٍ خَافَهُ ‏,‏ وَلَمْ يُحَارِبْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَلاَ أَعَانَهُمْ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَلَمْ يَجِدْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُجِيرُهُ ‏,‏ فَهَذَا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏,‏ لأََنَّهُ مُضْطَرٌّ مُكْرَهٌ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِم بْنِ شَهَابٍ ‏:‏ كَانَ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ ‏,‏ لأََنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ نَذَرَ دَمَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَهُوَ كَانَ الْوَالِي بَعْدَ هِشَامٍ فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَعْذُورٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ ‏:‏ مَنْ سَكَنَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ ‏,‏ وَالسِّنْدِ ‏,‏ وَالصِّينِ ‏,‏ وَالتُّرْكِ ‏,‏ وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ ‏,‏ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هُنَالِكَ لِثِقَلِ ظَهْرٍ ‏,‏ أَوْ لِقِلَّةِ مَالٍ ‏,‏ أَوْ لِضَعْفِ جِسْمٍ ‏,‏ أَوْ لأَمْتِنَاعِ طَرِيقٍ ‏,‏ فَهُوَ مَعْذُورٌ‏.‏ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ مُعِينًا لِلْكُفَّارِ بِخِدْمَةٍ ‏,‏ أَوْ كِتَابَةٍ ‏:‏ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُقِيمُ هُنَالِكَ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا ‏,‏ وَهُوَ كَالذِّمِّيِّ لَهُمْ ‏,‏ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اللِّحَاقِ بِجَمْهَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ ‏,‏ فَمَا يَبْعُدُ عَنْ الْكُفْرِ ‏,‏ وَمَا نَرَى لَهُ عُذْرًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ‏.‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ‏:‏ مَنْ سَكَنَ فِي طَاعَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ الْغَالِيَةِ ‏;‏ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ ‏,‏ لأََنَّ أَرْضَ مِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ ‏,‏ وَغَيْرَهُمَا ‏,‏ فَالْإِسْلاَمُ هُوَ الظَّاهِرُ ‏,‏ وَوُلاَتُهُمْ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ لاَ يُجَاهِرُونَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الإِسْلاَمِ ‏,‏ بَلْ إلَى الإِسْلاَمِ يَنْتَمُونَ ‏,‏ وَإِنْ كَانُوا فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ كُفَّارًا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي أَرْضِ الْقَرَامِطَةِ مُخْتَارًا فَكَافِرٌ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ لأََنَّهُمْ مُعْلِنُونَ بِالْكُفْرِ وَتَرْكِ الإِسْلاَمِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي بَلَدٍ تَظْهَرُ فِيهِ بَعْضُ الأَهْوَاءِ الْمُخْرِجَةِ إلَى الْكُفْرِ ‏,‏ فَهُوَ لَيْسَ بِكَافِرٍ ‏,‏ لأََنَّ اسْمَ الإِسْلاَمِ هُوَ الظَّاهِرُ هُنَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ‏,‏ مِنْ التَّوْحِيدِ ‏,‏ وَالْإِقْرَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ ‏,‏ وَصِيَامِ رَمَضَانَ ‏,‏ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ الإِسْلاَمُ وَالْإِيمَانُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ ‏,‏ وَأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ دَارَ الْحَرْبِ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَعْمَلَ عليه السلام عُمَّالَهُ عَلَى خَيْبَرَ ‏,‏ وَهُمْ كُلُّهُمْ يَهُودُ‏.‏ وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي مَدَائِنِهِمْ لاَ يُمَازِجُهُمْ غَيْرُهُمْ فَلاَ يُسَمَّى السَّاكِنُ فِيهِمْ لأَِمَارَةٍ عَلَيْهِمْ ‏,‏ أَوْ لِتِجَارَةٍ بَيْنَهُمْ ‏:‏ كَافِرًا ‏,‏ وَلاَ مُسِيئًا ‏,‏ بَلْ هُوَ مُسْلِمٌ حَسَنٌ ‏,‏ وَدَارُهُمْ دَارُ إسْلاَمٍ ‏,‏ لاَ دَارُ شِرْكٍ ‏,‏ لأََنَّ الدَّارَ إنَّمَا تُنْسَبُ لِلْغَالِبِ عَلَيْهَا ‏,‏ وَالْحَاكِمُ فِيهَا ‏,‏ وَالْمَالِكُ لَهَا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا مُجَاهِدًا غَلَبَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَأَقَرَّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا عَلَى حَالِهِمْ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهَا ‏,‏ الْمُنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِي ضَبْطِهَا ‏,‏ وَهُوَ مُعْلِنٌ بِدِينٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ لَكَفَرَ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ كُلُّ مَنْ عَاوَنَهُ ‏,‏ وَأَقَامَ مَعَهُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ حَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ مِنْ أَهْلِ الثَّغْرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ الْحَرْبِيِّينَ ‏,‏ وَأَطْلَقَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ أَوْ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ ‏,‏ أَوْ سَبْيِهِمْ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ هِيَ الْغَالِبَةُ وَكَانَ الْكُفَّارُ لَهُ كَأَتْبَاعٍ ‏,‏ فَهُوَ هَالِكٌ فِي غَايَةِ الْفُسُوقِ ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا أَوْجَبَ بِهِ عَلَيْهِ كُفْرًا ‏:‏ قُرْآنٌ أَوْ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْكُفَّارِ جَارِيًا عَلَيْهِ فَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لاَ يَجْرِي حُكْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فَمَا نَرَاهُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا الْكَافِرُ الَّذِي بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏