فصل: 2285 - مَسْأَلَةٌ : مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ السَّارِقِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2285 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ السَّارِقِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُقْطَعُ فِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ ‏,‏ قَلَّ أَوْ كَثُرَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلاَ تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهِ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ‏,‏

وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ فَفِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ ‏,‏ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي دِرْهَمٍ أَوْ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي دِرْهَمَيْنِ أَوْ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ‏,‏

وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ فَلاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِيمَا قِيمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ ‏,‏ فَإِنْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ ‏,‏ وَلَمْ يُسَاوِ لِرُخْصِ الذَّهَبِ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ فَلاَ تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهِ وَإِنْ سَاوَى ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ وَلَمْ يُسَاوِ عُشْرَ دِينَارٍ لِغَلاَءِ الذَّهَبِ فَلاَ قَطْعَ فِيهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلاَ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ ‏,‏

وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ ‏,‏ فَكُلُّ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ‏,‏ فَفِيهِ الْقَطْعُ ‏,‏ فَإِنْ سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ ، وَلاَ يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ لِغَلاَءِ الذَّهَبِ ‏,‏ أَوْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ يُسَاوِ نِصْفَ دِرْهَمٍ لِرُخْصِ الذَّهَبِ فَالْقَطْعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلاَ قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ ‏,‏ وَتُقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ ‏,‏

وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ ‏,‏ فَإِنْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ يُسَاوِ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ أَوْ سَاوَى ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُسَاوِ رُبْعَ دِينَارٍ ‏,‏ قُطِعَ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ رُبْعَ دِينَارٍ ، وَلاَ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ فَلاَ قَطْعَ فِيهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي ثُلُثِ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيه فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ يُسَاوِيهَا فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي دِينَارِ ذَهَبٍ أَوْ مَا يُسَاوِيه فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي دِينَارِ ذَهَبٍ ‏,‏ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ‏,‏ أَوْ مَا يُسَاوِي أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ فَصَاعِدًا ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ لاَ دِينَارًا ، وَلاَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ لَمْ تُقْطَعْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ ‏,‏ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فَصَاعِدًا ‏,‏ وَلاَ تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا نَصًّا بَيِّنًا جَلِيًّا عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِيمَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ فِي السَّرِقَةِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ ‏:‏ فَوَجَدْنَا مَا ‏,‏ ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ‏,‏ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏.‏ فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَرِقَةٍ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ ‏,‏ وَلَوْ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ مِقْدَارًا مِنْ مِقْدَارٍ لَبَيَّنَهُ ‏,‏ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي النُّهْبَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ‏,‏ فَخَصَّ ذَاتَ الشَّرَفِ الَّتِي يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ فِي الزِّنَى ‏,‏ وَلاَ فِي السَّرِقَةِ ‏,‏ وَلاَ فِي الْخَمْرِ‏.‏ فَكَانَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ الْمُتَوَاتِرَةُ ‏,‏ الْمُتَظَاهِرَةُ ‏,‏ الْمُتَرَادِفَةُ ‏,‏ مُوَافَقَةً لِنَصِّ الْقُرْآنِ الَّذِي بِهِ عَرَّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ مِنَّا‏.‏

فَنَظَرْنَا ‏,‏ هَلْ نَجِدُ فِي السُّنَّةِ تَخْصِيصًا لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ ‏,‏ وَعَمْرَةَ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ كَمَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ أَرِنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ ‏,‏ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا‏.‏ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَخَرَجَ الذَّهَبُ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ جُمْلَةِ الآيَةِ ‏,‏ وَعَنْ عُمُومِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ ‏,‏ وَوَجَبَ الأَخْذُ بِكُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنْ يُسْتَثْنَى الذَّهَبُ عَنْ سَائِرِ الأَشْيَاءِ ‏,‏ فَلاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِوَزْنِ مَكَّةَ فَصَاعِدًا ‏,‏ وَلاَ تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ خَاصَّةً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ نَصًّا آخَرَ فِيمَا عَدَا الذَّهَبِ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ قِيمَةٍ ، وَلاَ ثَمَنٍ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ فِيهِ ذِكْرُ حُكْمِ شَيْءٍ غَيْرِ عَيْنِ الذَّهَبِ ‏,‏ فَإِذَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ حَدَّثَنَا ‏:‏ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ ‏,‏ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَئِذٍ ذُو ثَمَنٍ ‏,‏ وَأَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ فَكَانَ هَذَا حَدِيثًا صَحِيحًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ‏,‏ وَهُوَ مُسْنَدٌ ‏;‏ لأََنَّهَا ذُكِرَتْ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ إِلاَّ فِيهِ ‏,‏ وَلأََنَّهُ لاَ يَشُكُّ أَحَدٌ لاَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ كَافِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ حَيْثُ كَانَتْ عَائِشَةُ ‏,‏ وَحَيْثُ شَهِدَتْ الأَمْرَ أَحَدٌ يَقْطَعُ الأَيْدِي فِي السَّرِقَاتِ ‏,‏ وَلاَ يُحْتَجُّ بِفِعْلِ أَحَدٍ فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ‏.‏ فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَحْكَامٌ ثَلاَثَةٌ ‏:‏ أَحَدُهَا أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ فِي سَرِقَةِ مَا سِوَى الذَّهَبِ فِيمَا يُسَاوِي ثَمَنَ حَجْفَةٍ أَوْ تُرْسٍ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ دُونَ تَحْدِيدٍ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ قِيمَةَ لَهُ أَصْلاً وَهُوَ التَّافِهُ لاَ يُقْطَعُ فِيهِ أَصْلاً‏.‏ وَالثَّالِثُ بَيَانُ كَذِبِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ الَّذِي فِيهِ الْقَطْعُ ‏,‏ إنَّمَا هُوَ مِجَنٌّ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ مَعْرُوفٌ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي سُرِقَ ‏,‏ فَقَطَعَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ‏;‏ لأََنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ بِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ ثَمَنُ حَجْفَةٍ أَوْ تُرْسٍ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا ذُو ثَمَنٍ ‏,‏ فَلَمْ يَخُصَّ التُّرْسَ دُونَ الْحَجْفَةِ ‏,‏ وَلاَ الْحَجْفَةَ دُونَ التُّرْسِ ‏,‏ وَأَخْبَرَتْ أَنْ كِلَيْهِمَا ذُو ثَمَنٍ دُونَ تَحْدِيدِ الثَّمَنِ‏.‏ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الدِّينَارُ إنَّهُ بِوَزْنِ مَكَّةَ ‏,‏ فَلِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الزَّهْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ‏,‏ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ‏.‏ فَالْمِثْقَالُ الْمَكِّيُّ ‏:‏ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً مِنْ حُبِّ الشَّعِيرِ الْمُجْمَلِ لاَ تُنْتَخَبُ كَبِيرَةٌ ، وَلاَ تُتَحَرَّ صَغِيرَةٌ فَرُبْعُ دِينَارٍ ‏:‏ وَزْنُهُ عِشْرُونَ حَبَّةً وَنِصْفَ حَبَّةٍ لاَ قَطَعَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ الْمَحْضِ الصِّرْفِ ‏,‏ الَّذِي لاَ يَنْضَافُ إلَيْهِ خَلْطٌ يَظْهَرُ لَهُ فِيهِ أَثَرٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ وَرِقٍ ‏,‏ أَوْ نُحَاسٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2286 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

ذِكْرُ أَعْيَانِ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْقَطْعِ بِاخْتِصَارٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ فَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إِلاَّ نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ الأَئِمَّةُ ‏:‏ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ‏,‏ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ‏,‏ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى ‏,‏ وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ ‏,‏ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ ‏,‏ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ‏,‏ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ‏,‏ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ‏,‏ وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ ‏,‏ وَغَيْرُ هَؤُلاَءِ مِمَّنْ لاَ يَلْحَقُ بِهَؤُلاَءِ ‏,‏ وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي اللَّفْظِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ ‏:‏ قِيمَتُهُ وَبَعْضُهُمْ قَالَ ‏:‏ ثَمَنُهُ‏.‏ وَرَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ أَيْضًا عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ‏.‏ وَجَاءَ حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ ‏;‏ لأََنَّ رَاوِيهِ أَبُو حَرْمَلٍ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ أَنَّ جَارِيَةً سَرَقَتْ رِكْوَةَ خَمْرٍ لَمْ تَبْلُغْ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ ‏,‏ فَلَمْ يَقْطَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ ‏,‏ فَلَمْ يُرْوَ إِلاَّ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ،

وَرُوِيَ عَنْهَا عَلَى ثَلاَثَةٍ أَضْرُبٍ ‏:‏ أَحَدُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ‏.‏ ‏"‏

وَالثَّانِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ قَطَعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ عليه السلام يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ لاَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ ‏,‏ أَوْ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ وَلَمْ يَرْوِ هَذِهِ الأَلْفَاظَ بِاخْتِلاَفِهَا عَنْهَا ، رضي الله عنها ، إِلاَّ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏,‏ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏,‏ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ لَمْ تُسَمَّ لَنَا‏.‏

فأما الْقَاسِمُ ‏,‏ فَأَوْقَفَهُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ لَفْظِهَا ‏,‏ وَلَمْ يُسْنِدْهُ ‏,‏ لَكِنْ أَنَّهَا قَالَتْ ‏:‏ السَّارِقُ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ‏.‏ وَأَنْكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُهُ عَلَى مِنْ رَفَعَهُ وَخَطَأَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ ‏,‏ فَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إِلاَّ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ ‏,‏ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا ‏,‏ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ رَوَوْا الْقَطْعَ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ لاَ فِي التَّافِهِ الَّذِي هُوَ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ ‏,‏ وَتَحْدِيدُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ‏,‏ وَامْرَأَةِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ الدِّينَارِ ‏,‏ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلاً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ التَّمْوِيهُ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ ‏,‏ إنَّمَا فِيهِ مَوْصُولاً بِهِ ذِكْرُ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا‏.‏ وَمِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَأَيْمَنُ كَذَلِكَ وَهُوَ عَنْهُمْ صَحِيحٌ ‏,‏ إِلاَّ حَدِيثًا مَوْضُوعًا مَكْذُوبًا لاَ يُدْرَى مَنْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُسْنَدًا ‏:‏ لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ ‏,‏ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ عِلَّتِهِ ذِكْرُ الْقِيمَةِ أَصْلاً‏.‏

2287- مَسْأَلَةٌ ‏:‏

ذِكْرُ مَا يُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ إِلاَّ الْيَدُ وَالرِّجْلُ مِنْ خِلاَفٍ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تُقْطَعُ الْيَدُ ‏,‏ ثُمَّ الرِّجْلُ الْأُخْرَى‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تُقْطَعُ يَدُهُ ‏,‏ ثُمَّ رِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ ‏,‏ ثُمَّ رِجْلُهُ الثَّانِيَةُ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا ‏:‏ كَيْف تُقْطَعُ الْيَدُ ‏,‏ وَكَيْف تُقْطَعُ الرِّجْلُ ‏,‏ وَمَاذَا يُفْعَلُ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يُقْطَعُ ‏,‏ وَأَيُّ الْيَدَيْنِ تُقْطَعُ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ بَابٍ مِنْ هَذِهِ أَلأََبْوَابِ ‏,‏ وَالْقَائِلِينَ بِذَلِكَ ‏,‏ وَحُجَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ ‏,‏ لِيَلُوحَ الْحَقُّ ، وَلاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ‏:‏

فأما مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ يَدُهُ فَقَطْ فَكَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ سَرَقَ الْأُولَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ تُقْطَعُ كَفُّهُ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ فَمَا قَوْلُهُمْ ‏:‏ أَصَابِعُهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لَمْ أَدْرِكْ إِلاَّ قَطْعَ الْكَفِّ كُلِّهَا ‏,‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ سَرَقَ الثَّانِيَةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ مَا أَرَى أَنْ تَقْطَعَ إِلاَّ فِي السَّرِقَةِ الْأُولَى الْيَدَ فَقَطْ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ وَلَوْ شَاءَ أَمَرَ بِالرِّجْلِ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ تَعَالَى نَسِيًّا هَذَا نَصُّ قَوْلِ عَطَاءٍ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ تُقْطَعُ الْيَدُ ‏,‏ ثُمَّ الْيَدُ ‏,‏ وَلاَ تُقْطَعُ الرِّجْلُ فَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ ‏:‏ تُقْطَعُ يَدُهُ ‏,‏ ثُمَّ رِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ فَقَطْ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ ‏:‏ فَكَمَا ‏,‏ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي الضُّحَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لاَ يَزِيدُ فِي السَّرِقَةِ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَالَ وَكِيعٌ ‏:‏ و ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ ‏,‏ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ ‏,‏ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي أَسْتَحْيِي أَنْ أَقْطَعَ يَدَهُ ‏,‏ فَبَأْي شَيْءٍ يَأْكُلُ ‏,‏ أَوْ أَقْطَعَ رِجْلَهُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ فَضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِدٍ الأَزْدِيُّ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ يُقَالُ لَهُ ‏:‏ سَدُومٌ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ ‏,‏ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ إنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ ‏,‏ فَحَبَسَهُ عُمَرُ‏.‏

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ‏:‏ كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ السَّارِقُ يَسْرِقُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ‏,‏ ثُمَّ يَعُودُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْأُخْرَى ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ بَلَى ‏,‏ وَلَكِنَّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلاَفٍ ‏,‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ‏:‏ سَمِعْته مِنْ عَطَاءٍ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ‏,‏ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا بَلَى ‏,‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَذَا ‏,‏ وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا بَلَى ‏,‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَذَا وَهُوَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَقْطَعُ الْيَدَ وَالرِّجْلَ ‏,‏ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَقِّقُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يُخَالِفُهُ وَيُعَارِضُهُ‏.‏ إذْ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ لِسُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخَةٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ ‏,‏ وَارِدَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ ‏,‏ إلَى نَبِيِّهِ عليه السلام‏.‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَأْيِهِ ‏,‏ أَوْ بِتَقْلِيدِهِ لِرَأْيِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏;‏ وَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فِي ‏"‏ الْعَوْلِ ‏"‏ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَقَالَ فِي أَمْرِ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَفَسْخِهِ بِعُمْرَةٍ ‏:‏ مَا أَرَاكُمْ إِلاَّ سَيَخْسِفُ اللَّهُ بِكُمْ الأَرْضَ أَقُولُ لَكُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ يَذْكُرُهَا ‏,‏ وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَسْمَعَهُ عَطَاءٌ وَيَفْهَمَ عَنْهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ سُنَّةً يَنْبَغِي لَهَا تَرْكُ الْقُرْآنِ ‏,‏ ثُمَّ يَأْبَى عَطَاءٌ مِنْ قَطْعِ الرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ وَيَتَمَسَّكُ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَيَقُولُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرِّجْلِ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرِدْ بِقَوْلِهِ ‏"‏ بَلَى ‏,‏ وَلَكِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ ‏"‏ إِلاَّ لِتَصْحِيحِ ‏:‏ قَطْعِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ ‏,‏ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ ‏,‏ وَأَنَّ قَوْلَهُ ‏"‏ وَلَكِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ ‏"‏ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَقَطْ‏.‏ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَسَالِمٍ ‏,‏ وَغَيْرِهِ ‏:‏ إنَّمَا قَطَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِجْلَهُ ‏,‏ وَكَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ قَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ فَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي السُّنَّةِ إِلاَّ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ ‏,‏ لاَ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ ‏:‏ لاَ يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ ‏,‏ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلْ بِهَا ‏,‏ وَيَسْتَنْجِي بِهَا

وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ ثُمَّ لاَ يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَوْلِ مَنْ رَأَى قَطْعَ الْيَدِ بَعْدَ الْيَدِ فَقَطْ ‏,‏ وَلَمْ يَرَ قَطْعَ الرِّجْلِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعَ مُحَمَّدُ يَدَهَا‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، ‏:‏ لَمْ تَكُنْ الأَيْدِي تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ‏.‏ فَهَذَا الْقُرْآنُ ‏,‏ وَالآثَارُ الصِّحَاحُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ بِقَطْعِ الأَيْدِي ‏,‏ لَمْ يَأْتِ فِيهَا لِلرِّجْلِ ذِكْرٌ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَطْعِ رَجُلِ السَّارِقِ شَيْءٌ أَصْلاً وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ ‏,‏ وَمَا تَعَدَّيْنَا‏.‏ وَلَمْ يُرْوَ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ شَيْءٌ إِلاَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَعَلِيٍّ ‏,‏ وَيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ‏.‏

فأما الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ فَلاَ تَصِحُّ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ قَطْعَ الرِّجْلِ الثَّانِيَةِ فِي السَّرِقَةِ الثَّالِثَةِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏.‏ وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ قَطْعَ الرِّجْلِ الثَّانِيَةِ ‏,‏ وَلاَ الْيَدِ الثَّانِيَةِ‏.‏ فَصَحَّ الأَخْتِلاَفُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ ، رضي الله عنهم ،‏.‏ وَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ قَطْعَ الرِّجْلِ بَعْدَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ ‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ السُّنَّةُ فِي الْيَدِ فَهَذَا عُمَرُ رضي الله عنه لَمْ يَرَ السُّنَّةَ إِلاَّ فِي الْيَدِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَانْبَلَجَ الأَمْرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه عَبَّرَ تِلْكَ الرُّؤْيَا ‏,‏ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأََبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا فَكُلُّ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي

قلنا ‏:‏ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ ، رضي الله عنهم ، هِيَ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِ عليه السلام ‏,‏

وَأَمَّا مَا عَمِلُوهُ بِاجْتِهَادٍ فَلاَ يَجِبُ اتِّبَاعُ اجْتِهَادِهِمْ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَعَلِيٍّ ‏,‏ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ ‏:‏ الْقَوَدُ مِنْ اللَّطْمَةِ وَالْحَنَفِيُّونَ ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّونَ ‏,‏ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إِلاَّ الَّذِي تَيَقَّنَ أَنَّهُمْ أَوَّلُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ قَالُوا بِهِ ‏,‏ وَعَمِلُوهُ ‏,‏ وَصَوَّبُوهُ ‏,‏ دُونَ سُكُوتٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ‏,‏ وَلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ‏,‏ فَهَذَا حَقًّا هُوَ الْإِجْمَاعُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَإِذْ إنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ ‏,‏ وَالسُّنَّةُ ‏,‏ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ لاَ بِقَطْعِ رِجْلِهِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ قَطْعُ رِجْلِهِ أَصْلاً ‏,‏ وَهَذَا مَا لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ‏.‏ فَوَجَبَ مِنْ هَذَا إذَا سَرَقَ الرَّجُلُ ‏,‏ أَوْ الْمَرْأَةُ ‏,‏ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدًا وَاحِدَةً ‏,‏ فَإِنْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا ثَانِيَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الثَّانِيَةُ ‏,‏ بِالنَّصِّ مِنْ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ فَإِنْ سَرَقَ فِي الثَّالِثَةِ عُذِّرَ ‏,‏ وَثُقِّفَ ‏,‏ وَمُنِعَ النَّاسُ ضُرَّهُ ‏,‏ حَتَّى يَصْلُحَ حَالُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2288 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

صِفَةُ قَطْعِ الْيَدِ قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي قَطْعِ الأَصَابِعِ مِنْ الْيَدِ ‏,‏ وَقَطْعِ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ الرِّجْلِ‏.‏ وَذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ فِي قَطْعِ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ الْمِفْصَلِ‏.‏

وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَرَأَوْا فِي ذَلِكَ قَطْعَ الْيَدِ مِنْ الْمِرْفَقِ ‏,‏ أَوْ الْمَنْكِبِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَالْيَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إلَى طَرَفِ الأَصَابِعِ ‏,‏ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ فَإِنَّ الْيَدَ أَيْضًا تَقَعُ عَلَى الْكَفِّ ‏,‏ وَتَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الأَصَابِعِ إلَى الْمُرْفَقِ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدٍ ‏;‏ لأََنَّ الْيَدَ مُحَرَّمَةٌ قَطْعُهَا قَبْلَ السَّرِقَةِ ‏,‏ كَمَا جَاءَ النَّصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ ‏,‏ فَوَاجِبٌ أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ التَّحْرِيمِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُتَقَدِّمِ شَيْءٌ ‏,‏ إِلاَّ مَا تُيُقِّنَ خُرُوجُهُ ‏,‏ وَلاَ يَقِينَ إِلاَّ فِي الْكَفِّ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ قَطْعُ أَكْثَرَ مِنْهَا‏.‏ وَهَكَذَا وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَمَرَنَا فِي التَّيَمُّمِ بِمَا أَمَرَ ‏,‏ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ‏}‏ فَفَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الأَيْدِي هَاهُنَا ‏,‏ وَأَنَّهُ الْكَفَّانِ فَقَطْ ‏,‏ عَلَى مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ حَدِّ الْحُرِّ ‏,‏ وَبَيْنَ حَدِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فَإِذْ قَدْ نَصَّ عليه السلام عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ بِخِلاَفِ حَدِّ الْحُرِّ ‏,‏ فَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ‏.‏ فَالْوَاجِبُ إنْ سَرَقَ الْعَبْدُ أَنْ تُقْطَعَ أَنَامِلُهُ فَقَطْ ‏,‏ وَهُوَ نِصْفُ الْيَدِ فَقَطْ ‏,‏ وَإِنْ سَرَقَ الْحُرُّ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ هُوَ الْمِفْصَلُ

وَأَمَّا فِي الْمُحَارَبَةِ فَتُقْطَع يَدُ الْحُرِّ مِنْ الْمِفْصَلِ ‏,‏ وَرِجْلُهُ مِنْ الْمِفْصَلِ ‏,‏ وَتُقْطَعُ مِنْ الْعَبْدِ أَنَامِلُهُ مِنْ الْيَدِ ‏,‏ وَنِصْفُ قَدَمِهِ مِنْ السَّاقِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه نَأْخُذُ مِنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ مَا وَافَقَ النَّصَّ ‏,‏ وَنَتْرُكُ مَا لَمْ يُوَافِقُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا أَيُّ الْيَدَيْنِ تُقْطَعُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ ثنا ‏,‏ قَالَ ‏:‏ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا سَحْنُونٌ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ سَرَقَ سَارِقٌ بِالْعِرَاقِ فِي زَمَانِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ فَقُدِّمَ لِيُقْطَعَ يَدُهُ ‏,‏ فَقَدَّمَ السَّارِقُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَلَمْ يَشْعُرُوا فَقُطِعَتْ ‏,‏ فَأُخْبِرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَبَرَهُ فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَقْطَع يَدَهُ الْأُخْرَى وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ ‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ‏:‏ عَلَى مُتَوَلِّي الْقَطْعِ دِيَةُ الْيَدِ وَقَالَ قَائِلُونَ ‏:‏ تُقْطَعُ الْيُمْنَى‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏"‏ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا ‏"‏‏.‏ وَالْقِرَاءَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ‏,‏ وَادَّعَوْا إجْمَاعًا وَهُوَ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ قَطْعُ عَلِيٍّ الشِّمَالَ عَنْ الْيَمِينِ وَاكْتِفَاؤُهُ بِذَلِكَ ‏,‏ فَلَوْ وَجَبَ قَطْعُ الْيَمِينُ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ ذَلِكَ قَطْعُ الشِّمَالِ ‏,‏ كَمَا لاَ يُجْزِئُ الأَسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ ‏,‏ وَلاَ الأَكْلُ بِالشِّمَالِ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ إِلاَّ وُجُوبُ قَطْعِ الْيَدِ ‏,‏ أَوْ الأَيْدِي ‏,‏ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّنَا نَسْتَحِبُّ قَطْعَ الْيَمِينِ ‏,‏ لِلأَثَرِ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ‏.‏

2289 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قَطْعُ الْيَدِ فِيمَنْ جَحَدَ الْعَارِيَّةَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ‏,‏ قَالَتْ ‏:‏ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ ‏,‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ ‏,‏ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَذَكَر الْحَدِيثَ‏.‏

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ قَالَتْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ فَتَجْحَدُهُ ‏,‏ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ أُسَامَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ يَا أُسَامَةُ ‏,‏ أَلاَ أَرَاك تُكَلِّمُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ‏,‏ ثُمَّ قَامَ عليه السلام خَطِيبًا فَقَالَ ‏:‏ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ‏,‏ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ ‏,‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ وَعَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ ‏,‏ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا‏.‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ‏:‏ سَأَلْتُ أَبِي ‏,‏ فَقُلْت لَهُ ‏:‏ تَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ تُقْطَعُ يَدُ الْمُسْتَعِير إذَا جَحَدَ ثُمَّ أَقَرَّ ‏:‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَبُو مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ إنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ لِلنَّاسِ ثُمَّ تُمْسِكُهُ ‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لِتَتُبْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏,‏ وَتَرُدَّ مَا تَأْخُذُ عَلَى الْقَوْمِ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ قُمْ يَا بِلاَلُ فَخُذْ بِيَدِهَا فَاقْطَعْهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَكَانَ مِنْ اعْتِرَاضِ مَنْ انْتَصَرَ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ ‏:‏ مُخْتَلِفٌ فِيهِ ‏,‏ فَرَوَى بَعْضُهُمْ ‏:‏ أَنَّ تِلْكَ الْمَخْزُومِيَّةَ سَرَقَتْ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ‏,‏ فَقَالُوا ‏:‏ مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ‏:‏ وَمِنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ‏,‏ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ‏,‏ وَاَيْمُ اللَّهِ ‏,‏ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ‏,‏ فَقَالُوا ‏:‏ مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ‏:‏ مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ‏:‏ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَالَ أُسَامَةُ ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَطَبَ ‏,‏ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ ‏,‏ فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ‏,‏ وَإِنْ سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ‏,‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ‏,‏ ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَطَعَ يَدَهَا‏.‏ فَهَؤُلاَءِ يَرَوْنَ أَنَّهَا سَرَقَتْ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ‏,‏ وَقِصَّةٌ وَاحِدَةٌ ‏,‏ وَأَنَّهَا سَرَقَتْ ، وَأَنَّ مَنْ رَوَى ‏"‏ اسْتَعَارَتْ ‏"‏ قَدْ وَهِمَ ‏:‏ أَنَّ فِي جُمْهُورِ هَذِهِ الآثَارِ أَنَّهُمْ اسْتَشْفَعُوا لَهَا بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ‏,‏ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَنَهَاهُ أَنْ يَشْفَعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه قَدْ نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَعُودُ فَيَشْفَعُ فِي حَدٍّ آخَرَ مَرَّةً أُخْرَى وَقَالُوا ‏:‏ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ خَائِنٌ ‏,‏ وَلاَ قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ ‏:‏ قَطْعٌ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهَا ‏:‏ أَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّعْرِيفَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ اسْتَعَارَتْ الْحُلِيَّ وَسَرَقَتْ ‏,‏ فَقُطِعَتْ لِلسَّرِقَةِ لاَ لِلْعَارِيَّةِ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ‏.‏ وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ وَلَيْسَ مِنْ أَجَلِ الْحِجَامَةِ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمَا أَفْطَرَا ‏,‏ لَكِنْ بِغَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ الصَّلاَةِ خَلْفَ الصَّفِّ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ ‏,‏ لَكِنْ بِغَيْرِ ذَلِكَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ أَمَّا كَلاَمُهُمْ فِي اخْتِلاَفِ الرِّوَايَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ ‏;‏ لأََنَّ مَعْمَرًا ‏,‏ وَشُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ ‏,‏ رَوَيَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُمَا فِي غَايَةِ الثِّقَةِ وَالْجَلاَلَةِ

وَكَذَلِكَ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى ‏,‏ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّهَا كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ فَتَجْحَدُهُ ‏,‏ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا ‏,‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَضْطَرِبْ عَلَى مَعْمَرٍ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ عَلَى شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَإِنْ كَانَا خَالَفَهُمَا ‏:‏ اللَّيْثُ ‏,‏ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ‏.‏ فَإِنَّ اللَّيْثَ قَدْ اضْطَرَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا ‏,‏

وَكَذَلِكَ عَلَى يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ‏,‏ فَإِنْ اللَّيْثَ ‏,‏ وَيُونُسَ ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ لَيْسُوا فَوْقَ مَعْمَرٍ ‏,‏ وَشُعَيْبٍ ‏,‏ فِي الْحِفْظِ ‏,‏ وَقَدْ وَافَقَهُمَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ‏.‏

وَأَمَّا تَنْظِيرُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ‏.‏ وَبِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ‏.‏ فَمَا زَادُوا عَلَى أَنْ فَضَحُوا أَنْفُسَهُمْ ‏,‏ وَاسْتَحَلُّوا فِي الْكَذِبِ الَّذِي لاَ يَسْتَسْهِلُهُ مُسْلِمٌ ‏;‏ لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّهُمَا أَفْطَرَا ‏;‏ لأََنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقِيلَ لَهُمْ ‏:‏ فَمَنْ اغْتَابَ النَّاسَ وَهُوَ صَائِمٌ أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ قَالُوا ‏:‏ لاَ‏.‏ وَهَذِهِ مَضَاحِكُ وَشَمَاتَةُ الأَعْدَاءِ وَاسْتِخْفَافٌ بِأَوَامِرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ ‏,‏ أَنْ يَقُولَ عليه السلام أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ فَيَقُولُونَ هُمْ ‏:‏ لَمْ يُفْطِرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا‏.‏

فإن قيل لَهُمْ ‏:‏ أَتُكَذِّبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ أَفْطَرَا قَالُوا أَفْطَرَا بِغَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ وَهُوَ الْغِيبَةُ‏.‏

فإن قيل لَهُمْ ‏:‏ أَتُفَطِّرُ الْغِيبَةُ قَالُوا ‏:‏ لاَ‏.‏ فَرَجَعُوا إلَى مَا فَرُّوا عَنْهُ كَيْدًا لأََهْلِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَلِمَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ مِنْ الضُّعَفَاءِ الْمَخَاذِيلِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ‏:‏ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ ‏,‏ فَلَوْ لَمْ يَرْوِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ ‏,‏ وَالتَّرَاصِّ فِيهَا ‏,‏ وَالْوَعِيدِ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ ‏:‏ لاََمْكَنَ أَنْ يُعْذَرُوا بِالْجَهْلِ ‏,‏ فَكَيْف ، وَلاَ عُذْرَ لَهُمْ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُظَنَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ لأَُمَّتِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ‏.‏ وَأَمَرَ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ‏,‏ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ‏.‏ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ لَهُمْ الْوَجْهَ الَّذِي أَفْطَرَا ‏,‏ بِهِ ‏,‏ وَلاَ الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَ مِنْ أَجَلِهِ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ ‏,‏ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ‏.‏ فَهَذَا طَعْنٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لأََمْرٍ لَمْ يُبَيِّنُهُ عَلَيْنَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ الْجَاحِدَ ‏:‏ خَائِنٌ ‏,‏ وَلاَ قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ ‏,‏ وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فَسَادَ هَذَا الْخَبَرِ فِي صَدْرِ كَلاَمِنَا فِي قَطْعِ السَّارِقِ ‏,‏ وَأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ ‏;‏ لأََنَّهُ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّدْلِيسِ‏.‏ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ ‏:‏ إنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدَهَا ‏,‏ وَرِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهَا سَرَقَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا ‏:‏ صَحِيحَانِ ‏,‏ لاَ مَغْمَزَ فِيهِمَا ‏;‏ لأََنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا‏.‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِيمَنْ يَتَعَلَّلُ فِي رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ بِهَذَا الأَضْطِرَابِ ‏,‏ وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِحَدِيثِ لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ‏.‏ وَبِحَدِيثِ الْقَطْعِ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهُمَا مِنْ الأَضْطِرَابِ بِحَيْثُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ ‏,‏ وَذَلِكَ الأَضْطِرَابُ أَشَدُّ مِنْ الأَضْطِرَابِ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِكَثِيرٍ ‏,‏ أَوْ يَأْخُذُ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ‏:‏ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ حَدُّ الْقَطْعِ ‏,‏ وَقَدْ عَارَضَهُ مِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِنَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الأَضْطِرَابِ لَيْسَ عِلَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ ‏,‏ فَلِنَقُلْ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ إنَّ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا ‏:‏ اسْتَعَارَتْ الْمَتَاعَ فَجَحَدَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهَا وَفِي الْأُخْرَى ‏:‏ أَنَّهَا سَرَقَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا ‏:‏ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَا فِي قِصَّتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ‏,‏ فِي امْرَأَتَيْنِ مُتَغَايِرَتَيْنِ ‏,‏ أَوْ يَكُونَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ ‏,‏ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي قِصَّتَيْنِ ‏,‏ وَفِي امْرَأَتَيْنِ ‏,‏ فَقَدْ انْقَطَعَ الْهَذْرُ ‏,‏ وَبَطَل الشَّغَبُ جُمْلَةً ‏,‏ وَيَكُونُ الْكَلاَمُ فِي شَفَاعَةِ أُسَامَةَ فِيهِمَا جَمِيعًا ‏,‏ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ شَفَعَ فِي السَّرِقَةِ فَنُهِيَ ‏,‏ ثُمَّ شَفَعَ فِي الْمُسْتَعِيرَةِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ أَيْضًا الْقَطْعُ‏.‏ عَلَى أَنَّنَا لَوْ شِئْنَا الْقَطْعَ ‏,‏ فَإِنَّهُمَا امْرَأَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ ‏,‏ وَقَضِيَّتَانِ اثْنَتَانِ ‏,‏ لَكَانَ لَنَا مُتَعَلَّقٌ ‏,‏ بِخِلاَفِ دَعَاوِيهمْ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ كُلِّ عَلْقَةٍ ‏,‏ إِلاَّ مِنْ الْمُجَاهِرَةِ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَالْجَسْرِ عَلَى الْكَذِبِ ‏,‏ لَكَانَ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَتْ ‏:‏ إنَّ فُلاَنَةَ تَسْتَعِيرُكِ حُلِيًّا وَهِيَ كَاذِبَةٌ فَأَعَارَتْهَا إيَّاهُ ‏,‏ فَمَكَثَتْ لاَ تَرَى حُلِيَّهَا ‏,‏ فَجَاءَتْ الَّتِي كَذَبَتْ عَلَيَّ فِيهَا فَسَأَلَتْهَا حُلِيَّهَا ‏,‏ فَقَالَتْ ‏:‏ مَا اسْتَعَرْتُ مِنْكِ شَيْئًا ‏,‏ فَرَجَعَتْ إلَى الْأُخْرَى فَسَأَلَتْهَا حُلِيَّهَا ‏,‏ فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ اسْتَعَارَتْ مِنْهَا شَيْئًا ‏,‏ فَجَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهَا ‏,‏ فَقَالَتْ ‏:‏ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْتُ مِنْهَا شَيْئًا ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اذْهَبُوا فَخُذُوهُ مِنْ تَحْتِ فِرَاشِهَا ‏,‏ فَأُخِذَ ‏,‏ وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ تَمِيمٍ أَنَّهَا أُمُّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ لاَ آخُذُ غَيْرَهَا ‏,‏ لاَ آخُذُ غَيْرَهَا ‏,‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏:‏ سَرَقَتْ امْرَأَةٌ ‏,‏ فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ‏,‏ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَيْ إنَّهَا عَمَّتِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا‏.‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ‏:‏ فَلَمْ أَشُكَّ حِين قَالَ حَسَنٌ ‏:‏ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا عَمَّتِي ‏,‏ إنَّهَا بِنْتُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَهَذَا ابْنُ جُرَيْجٍ يَحْكِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَشُكُّ أَنَّ الَّتِي سَرَقَتْ بِنْتَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ ‏,‏ وَيُخْبِرُ عَنْ بِشْرٍ التَّيْمِيِّ أَنَّ الَّتِي اسْتَعَارَتْ هِيَ بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ ‏,‏ وَهُمَا ابْنَتَا عَمٍّ مَخْزُومِيَّتَانِ ‏,‏ عَمُّهُمَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ رضي الله عنه زَوْجُ أُمِّ سَلَمَةَ ، رضي الله عنها ، قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَلَكِنَّا نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ هَبْكَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ‏,‏ وَقِصَّةٌ وَاحِدَةٌ ‏,‏ فَلاَ حُجَّةَ فِيهَا ‏;‏ لأََنَّ ذِكْرَ السَّرِقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظِ بَعْضِ الرُّوَاةِ ‏,‏ لاَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏,‏

وَكَذَلِكَ ذِكْرُ الأَسْتِعَارَةِ ‏,‏ وَإِنَّمَا لَفْظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُهَا‏.‏ فَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ ‏,‏ يَعْنِي ذِكْرَ السَّرِقَةِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي يَرَى أَنَّ الأَسْتِعَارَةَ سَرِقَةٌ ‏,‏ فَيُخْبِرُ عَنْهَا بِلَفْظِ السَّرِقَةِ‏.‏ وَالْوَجْهُ الآخَرُ هُوَ أَنَّ الأَسْتِعَارَةَ ‏,‏ ثُمَّ الْجَحْدَ سَرِقَةٌ صَحِيحَةٌ لاَ مَجَازًا ‏;‏ لأََنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا أَتَى عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ ‏,‏ فَإِنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِأَخْذِ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ‏,‏ يُوَرِّي بِالأَسْتِعَارَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ‏,‏ ثُمَّ يَمْلِكُهُ مُسْتَتِرًا مُخْتَفِيًا فَهَذِهِ هِيَ السَّرِقَةُ نَفْسُهَا دُونَ تَكَلُّفٍ ‏,‏ فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ خَارِجًا عَمَّا ذَكَرْنَا أَحْسَنَ خُرُوجٍ ‏,‏ وَكَانَ لَفْظُ مَنْ رَوَى ‏"‏ الْعَارِيَّةَ ‏"‏ لاَ يَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَصْلاً

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَتُقْطَعُ يَدُ الْمُسْتَعِيرِ الْجَاحِدِ كَمَا تُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ مِنْ الذَّهَبِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ لاَ فِي أَقَلَّ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا‏.‏ وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ فِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرْت ‏;‏ لأََنَّهُ قَطْعٌ فِي مَالٍ أُخِذَ اخْتِفَاءً لاَ مُجَاهِرَةً‏.‏ وَتُقْطَعُ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ ‏,‏ لأَِجْمَاعِ الأَمَةِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ ‏,‏ وَمِنْ مُسْقِطٍ الْقَطْعَ عَنْهَا ‏,‏ وَمِنْ مُوجِبٍ الْقَطْعَ عَلَيْهَا ‏,‏ وَلاَ قَطْعَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ بِالأَخْذِ ‏,‏ وَالتَّمْلِيكِ ‏,‏ مَعَ الْجَحْدِ ‏,‏ أَوْ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ ‏,‏ فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى قُطِعَتْ الْيَدُ الْأُخْرَى ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَهَذَا عُمُومٌ ‏;‏ لأََنَّ الْمُسْتَعِيرَ طَلَبَهُ الْعَارِيَّةَ مُسْتَخْفِيًا بِمَذْهَبِهِ فِي أَخْذِهِ ‏,‏ فَكَانَ سَارِقًا ‏,‏ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَحَسْبنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ‏.‏

2290 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قَطْعُ الدَّرَاهِمِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَجَدَ رَجُلاً يَقْرِضُ الدَّرَاهِمَ فَقَطَعَ يَدَهُ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ وَقَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ ‏,‏ وَحَلَقَهُ ‏,‏ وَأَمَرَ بِهِ فَطِيفَ بِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ ‏,‏ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَمَا إنِّي لَمْ يَمْنَعنِي مِنْ أَنْ أَقْطَعَ يَدَك إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ ‏,‏ وَقَدْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْت الأَيْدِي تُقْطَعُ فِي قَرْضِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَعْنَى هَذَا ‏:‏ أَنَّهُ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا دُونَ وَزْنٍ ‏,‏ فَكَانَ مَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ يَقْرِضُ بِالْجَلَمِ مِنْ تَدْوِيرِهَا ‏,‏ ثُمَّ يُعْطِيهَا عَدَدًا ‏,‏ وَيَسْتَفْضِلُ الَّذِي قَطَعَ مِنْ ذَلِكَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَهَذَا عَمَلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ صَاحِبٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَالْحَنَفِيُّونَ يَجْعَلُونَ نَزْحَهُ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ وَقَعَ فِيهَا حُجَّةً وَإِجْمَاعًا لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ فِي نَصْرِ بَاطِلِهِمْ ‏,‏ فِي أَنَّ الْمَاءَ يُنَجِّسُهُ مَا وَقَعَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَيْسَ فِي خَبَرِهِمْ ‏:‏ أَنَّ زَمْزَم لَمْ تَكُنْ تَغَيَّرَتْ ‏,‏ وَلَعَلَّهَا قَدْ كَانَتْ تَغَيَّرَتْ ‏,‏ وَلَعَلَّ الْمَاءَ كَانَ فِيهَا قَدْرَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ‏.‏ وَكَيْفَ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ ‏,‏ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَذَا ‏,‏ وَإِسْقَاطُهُمْ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ فَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ حَيْثُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ ‏,‏ وَلَيْسَ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْجِيسًا مِنْ الْمَيِّتِ ‏,‏ وَلاَ كَرَامَةً ‏,‏ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا لَكِنَّهَا شَرِيعَةٌ ‏,‏ كَالْغُسْلِ مِنْ الْإِيلاَجِ وَإِنْ كَانَ كِلاَ الْفَرْجَيْنِ طَاهِرًا وَكَالْغُسْلِ مِنْ الأَحْتِلاَمِ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ضَرَبَ رَجُلاً فِي قَطْعِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ هَذَا لاَ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ قَبْلُ ‏;‏ لأََنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ ‏:‏ أَنَّهُ قَرْضُ مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ ‏,‏ فَلاَ يَلْزَمُهُ قَطْعٌ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ عليه السلام إيجَابُ الْقَطْعِ فِي قَرْضِ الدَّنَانِيرِ ‏,‏ وَالدَّرَاهِمِ ‏,‏ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَارِقٍ ، وَلاَ مُسْتَعِيرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2291 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَاخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي حَدِّ شَارِبِهَا قَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْرِضْ فِيهَا حَدًّا وَإِنَّمَا فَرَضَهُ مَنْ بَعْدَهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ فِيهَا أَصْلاً ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْرِضْ فِيهَا حَدًّا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ بَلْ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَدًّا ‏,‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ ثَمَانِينَ ‏,‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ أَرْبَعِينَ

فأما مَنْ قَالَ ‏:‏ لَمْ يُوَقِّتْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدًّا ‏,‏ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ ‏:‏ مَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ النَّخَعِيّ يَقُولُ ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏:‏ مَا كُنْتُ لأَُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إِلاَّ صَاحِبَ الْخَمْرِ ‏,‏ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَكَذَا ناه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ جِيءَ بِالنُّعَيْمَانَ أَوْ ابْنِ النُّعَيْمَانِ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ ‏,‏ فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبُوهُ بِالنِّعَالِ‏.‏ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ شَرِبَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اضْرِبُوهُ ‏,‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ‏:‏ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ ‏,‏ وَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ ‏,‏ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ ‏,‏ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ ‏:‏ أَخْزَاكَ اللَّهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لاَ تَقُولُوا هَذَا ‏,‏ لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ‏.‏ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ ‏:‏ كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏,‏ وَإِمْرَةَ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ ‏,‏ فَنَقُومُ إلَيْهِ بِأَيْدِينَا ‏,‏ وَنِعَالِنَا ‏,‏ وَأَرْدِيَتِنَا ‏,‏ حَتَّى كَانَ آخِرَ إمْرَةِ عُمَرَ ‏,‏ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ ‏,‏ حَتَّى إذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ‏.‏ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثني اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ‏,‏ وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشُّرْبِ ‏,‏ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا ‏,‏ فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ‏,‏ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ‏:‏ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ‏,‏ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ تَلْعَنُوهُ ‏,‏ فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إِلاَّ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتِلْكَ سُنَّتَهُ‏.‏ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ ‏,‏ ثُمَّ جَلَدَ عُمَرُ أَرْبَعِينَ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ ‏,‏ ثُمَّ جَلَدَ عُثْمَانُ الْحَدَّيْنِ كِلَيْهِمَا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ ‏,‏ ثُمَّ أَثْبَتَ مُعَاوِيَةُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَمَنْ تَعَلَّقَ بِزِيَادَةِ عُمَرَ رضي الله عنه وَمَنْ زَادَهَا مَعَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ ‏,‏ وَجَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا وَاجِبًا مُفْتَرِضًا‏.‏ فَيَلْزَمُهُ ‏:‏ أَنْ يُحَرِّقَ بَيْتَ بَائِعِ الْخَمْرِ ‏,‏ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ حَدًّا مُفْتَرَضًا ‏;‏ لأََنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ وَأَنْ يَنْفِيَ شَارِبَ الْخَمْرِ أَيْضًا وَيَجْعَلَهُ حَدًّا وَاجِبًا ‏;‏ لأََنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ قَدْ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ لاَ أُغَرِّبُ بَعْدَهُ أَحَدًا قِيلَ ‏:‏ وَقَدْ جَلَدَ عُمَرَ أَرْبَعِينَ ‏,‏ وَسِتِّينَ ‏,‏ فِي الْخَمْرِ ‏,‏ بَعْدَ أَنْ جَلَدَ الثَّمَانِينَ ‏,‏ بِأَصَحَّ إسْنَادٍ يُمْكِنُ وُجُودَهُ‏.‏ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا شَارِبَ الْخَمْرِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ‏,‏ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ ‏,‏ فَلاَ يَحُدُّونَهُ أَصْلاً ‏,‏ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُوجِبُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ أَيْضًا ، وَلاَ بُدَّ عَلَى مِنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ أَوْ عَلَى عُمَرَ ‏,‏ وَعَلَى مَنْ فَضَّلَ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ‏;‏ لأََنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا ‏,‏ قَالاَ ذَلِكَ ‏,‏ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ‏.‏ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجْلَدَ حَدًّا وَاجِبًا كُلُّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَعَلَى الْقُرْآنِ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا بِالْبَاطِلِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا ‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ بِجِلْدِ أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَعَلِيٍّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ‏,‏ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا وَبِهِ نَأْخُذُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏