فصل: 302 - مسألة: حكم من خرج من صلا ته وهو يظن أنه قد أتمها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


302 - مسألة

وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلاَتِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا فَكُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ طَلاَقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏:‏ فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ؛ لاَِنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّلاَةِ، وَلَوْ ذَكَرَ لَعَادَ إلَيْهَا‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي الصَّلاَةِ فَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ غَيْرُ الْفِعْلِ الْجَائِزِ اللاَّزِمِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ الْمُبَاحِ بِلاَ شَكٍّ، وَإِذْ هُوَ غَيْرُ الْجَائِزِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَهَذَا عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ عليه السلام؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ فَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلاَتَهُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ؛ لاَِنَّ بِذَكَرِهِ وَقَصْدِهِ إلَى عَمَلِ مَا ذَكَرْنَا خَرَجَ عَنْ الصَّلاَةِ؛ وَإِذَا خَرَجَ عَنْ الصَّلاَةِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ تَنْفُذُ فِيهَا هَذِهِ الأَفْعَالُ كُلُّهَا؛ وَهَكَذَا أَيْضًا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ فَهِيَ أَيْضًا نَافِذَةٌ لاَزِمَةٌ؛ لاَِنَّهُ بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ خَرَجَ عَنْ الصَّلاَةِ؛ فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

303 - مسألة

وَمَنْ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ غَيْرِهَا، مَعْصِيَةً أَوْ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ، أَوْ صَلَّى مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ؛ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ قَالَ‏:‏ ‏[‏ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إذَا نُودِيَ بِالأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ‏:‏ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِي مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ وَتَعْمَلْ بِهِ، وَبِمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الصَّلاَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ إلاَّ قَوْلٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَوْ عَمَلٌ كَذَلِكَ، أَوْ الْقَصْدُ إلَى تَبْدِيلِ نِيَّةِ الصَّلاَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّلاَةِ؛ الَّتِي لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهَا، وَهِيَ النِّيَّةُ لاَِدَاءِ تِلْكَ الصَّلاَةِ بِاسْمِهَا وَعَيْنِهَا؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ قَاصِدًا إلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ إنِّي لاََحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ‏.‏ وَقَدْ افْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ عَلَى الْعَاصِينَ، وَأُمِرُوا بِالصَّلاَةِ مَعَ ذَلِكَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ‏}‏‏.‏ وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا خَاطَبَ بِهَذَا الْمُصِرِّينَ؛ لاَِنَّ التَّائِبَ لاَ سَيِّئَةَ لَهُ،

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا‏}‏‏.‏ وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ، إلاَّ قَوْمًا خَالَفُوا الإِجْمَاعَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالُوا‏:‏ لاَ تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ عَمِلَ سُوءًا حَتَّى يَتُوبَ مِنْ كُلِّ عَمَلِ سُوءٍ، فَلَزِمَهُمْ أَنْ لاَ تُقْبَلَ التَّوْبَةُ مِمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ، وَتَرْكَ الزَّكَاةِ، وَتَرْكَ الصَّوْمِ؛ نَعَمْ، وَلاَ مَنْ تَرَكَ التَّوْحِيدَ إلاَّ بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ كُلِّ سَيِّئَةٍ فَحَصَلُوا عَلَى الأَمْرِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَجَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الإِسْلاَمِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

304 - مسألة

وَمَنْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى مَحْمَلٍ، أَوْ عَلَى فِيلٍ، أَوْ كَانَ فِي غُرْفَةٍ، أَوْ فِي أَعْلَى شَجَرَةٍ، أَوْ عَلَى سَقْفٍ، أَوْ فِي قَاعِ بِئْرٍ، أَوْ عَلَى نَهْرٍ جَامِدٍ، أَوْ عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ عَلَى صُوفٍ أَوْ عَلَى جُلُودٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏:‏ فَقَدَرَ عَلَى الصَّلاَةِ قَائِمًا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ حَيْثُ هُوَ قَائِمًا، يُوَفِّي رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَجُلُوسَهُ حَقَّهَا‏.‏ لاَِنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالاِعْتِدَالِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، وَلاَ بُدَّ؛ فَإِذَا وَفَّى كُلِّ ذَلِكَ حَقَّهُ فَقَدْ صَلَّى كَمَا أُمِرَ‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَنْهِيًّا عَنْ الصَّلاَةِ فِيهَا‏.‏ ‏[‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُحَرِّمُ الصَّلاَةَ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَحْمَلِ وَلَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَهُوَ يُبِيحُهَا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَإِلَى الْقَبْرِ وَالنَّصُّ قَدْ صَحَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ‏.‏ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْجُلُوسِ أَوْ الْقِبْلَةِ فِي الأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ النُّزُولُ إلَى الأَرْضِ وَالصَّلاَةُ كَمَا أُمِرَ إلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ النُّزُولِ؛ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ؛ فَلِيُصَلِّ كَمَا هُوَ يَقْدِرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدَّيْنِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏،

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ‏}‏‏.‏

305 - مسألة

وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَبَدًا، فَلَوْ نَسِيَهُ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَبَدًا مَتَى مَا ذَكَرَهُ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ الْمُفَرِّجِ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَتْ كُلُّ صَلاَةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا‏.‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ، حدثنا صَالِحُ بْنُ مُعَاذٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَلَمْ يُوتِرْ فَلاَ وِتْرَ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ نَسِيَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا وَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، فَهُوَ بِالْفَرْضِ أَمْرُ فَرْضٍ؛ وَهُوَ بِالنَّافِلَةِ أَمْرُ نَدْبٍ وَحَضٍّ؛ لاَِنَّ النَّافِلَةَ لاَ تَكُونُ فَرْضًا‏.‏ وَهَذِهِ الآثَارُ تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏[‏ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلاَةِ الْوِتْرِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ إنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ وَهُوَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، إلاَّ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَلْيَتَمَادَ فِيهَا وَلْيَبْدَأْ بِهَا‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَهُوَ مَعَ خِلاَفِهِ لِلسُّنَّةِ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ، لاَ مِنْ نَظَرٍ، وَلاَ مِنْ احْتِيَاطٍ، لاَِنَّهُ يُبْطِلُ الْفَرْضَ الْمَأْمُورَ بِإِتْمَامِهِ مِنْ أَجْلِ نَافِلَةٍ؛

وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏‏.‏

306 - مسألة

وَمَنْ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ مُلْغَاةٌ؛ لاَِنَّهُ أَتَى بِالْوِتْرِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَالشَّرَائِعُ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ فِي وَقْتِهَا، لاَ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلاَ بَعْدَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

307 - مسألة

وَوَقْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى أَنْ تُقَامَ صَلاَةُ الصُّبْحِ هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ‏.‏

308 - مسألة

فَمَنْ سَمِعَ إقَامَةَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ ‏[‏ إنْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَاتَهُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَلَوْ التَّكْبِيرُ‏:‏ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِمَا؛ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى‏.‏ وَإِنْ دَخَلَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَأُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَلاَ فَائِدَةَ لَهُ فِي أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا إلاَّ السَّلاَمُ لَكِنْ يَدْخُلُ بِابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ كَمَا هُوَ‏.‏ فَإِذَا أَتَمَّ صَلاَةَ الصُّبْحِ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْكَعْهُمَا، وَهَكَذَا يَفْعَلُ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلاَةُ الْفَرِيضَةِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ لِلصُّبْحِ فَإِنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ تَفُوتُهُ أُخْرَى فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ‏.‏ وَإِنْ خَشِيَ أَلاَ يُدْرِكَ مَعَ الإِمَامِ، وَلاَ رَكْعَةً فَلْيَبْدَأْ بِالدُّخُولِ مَعَ الإِمَامِ، وَلاَ يَقْضِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ أَوْ وَجَدَ الإِمَامَ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ؛ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَإِنْ شَاءَ فَلْيَقْضِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَعَلِمَ بِالإِقَامَةِ أَوْ بِأَنَّ الإِمَامَ فِي الصَّلاَةِ‏:‏ فَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لِيَدْخُلْ مَعَ الإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الإِمَامِ‏.‏

وقال الشافعي وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قلنا‏:‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ حُجَّةً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلاً‏.‏ فَإِنْ شَغَبُوا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى الْمَسْجِدَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ الإِمَامَ يُصَلِّي فَدَخَلَ بَيْتَ حَفْصَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلاَةِ الإِمَامِ؛ فَلَمْ يُقَسِّمْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلاَ ابْنُ عُمَرَ تَقْسِيمَهُمْ، مِنْ رَجَاءِ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ أَوْ عَدَمِ رَجَاءِ ذَلِكَ، وَلاَ يَجِدُونَ هَذَا عَنْ مُتَقَدِّمٍ أَبَدًا‏.‏ وَالثَّابِتُ عن ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا؛ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ، وَلَمْ يَأْتِ إلاَّ، وَالإِمَامُ فِيهَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ كَانَ حَاضِرًا لاِِقَامَةِ الصَّلاَةِ فَتَرَكَ الدُّخُولَ مَعَ الإِمَامِ أَوْ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ بِذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِابْتِدَاءِ تَطَوُّعٍ‏:‏ فَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَلاَعِبٌ بِالصَّلاَةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اشْتِغَالِهِ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَوْ أَنْصَفُوا‏.‏ فَإِنْ مَوَّهُوا بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ‏:‏ أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا الْفِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَرَوْا لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالإِمَامُ يُصَلِّي أَنْ يَشْتَغِلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَدْ قَسَّمُوا تَقْسِيمًا لَمْ يَأْتِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ يَرَى التَّطْبِيقَ فِي الصَّلاَةِ، وَهُمْ لاَ يَرَوْنَهُ‏.‏ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ لاَ تُعْتَقَ أُمُّ الْوَلَدِ إلاَّ مِنْ حِصَّةِ وَلَدِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ، وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ حَيْثُ وَافَقَ السُّنَّةَ، وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ؛ وَحَيْثُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،‏:‏ فِي عَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا؛ بَلْ لَعَلَّهُمْ خَالَفُوهُ كَذَلِكَ فِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا وَقَدْ خَالَفَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ فَلَمَّا عَرِيَ قَوْلُهُمْ مِنْ حُجَّةٍ أَصْلاً رَجَعْنَا إلَى قَوْلِنَا؛ فَوَجَدْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ‏:‏ قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ وَرْقَاءَ وَقَالَ مُسْلِمٌ‏:‏ حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ‏,‏ وَأَبُو عَاصِمٍ قَالَ يَزِيدُ‏:‏ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ‏:‏ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ ثُمَّ اتَّفَقَ وَرْقَاءُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ‏,‏ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الْمَكْتُوبَةُ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عن ابْنِ بُحَيْنَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ‏:‏ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ‏:‏ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ يَا فُلاَنُ، بِأَيِّ الصَّلاَتَيْنِ اعْتَدَدْتَ أَبِصَلاَتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلاَتِكَ مَعَنَا‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ حَجَاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ‏:‏ حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ بِمِثْلِهِ، وَفِيهِ‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ النَّاسِ‏.‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ هُوَ أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَلَمْ أَكُنْ صَلَّيْت الرَّكْعَتَيْنِ يَعْنِي صَلاَةَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَقُمْت لاُِصْلِيَهُمَا فَجَبَذَنِي وَقَالَ‏:‏ أَتُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا قِيلَ لاَِبِي عَامِرٍ‏:‏ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ نَعَمْ ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذِهِ نُصُوصٌ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ الْوِتْرِ، لاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهَا، وَقَدْ حَمَلَ اتِّبَاعُ الْهَوَى بَعْضَهُمْ عَلَى أَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ ‏[‏ قَدْ اُضْطُرِبَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَأَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لِقَائِلِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلاً ثُمَّ يَسْتَحْيِ مِنْ النَّاسِ ثَانِيَةً، وَلاَ يَأْتِي بِهَذِهِ الْفَضِيحَةِ؛ لاَِنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةٌ فَهَبْكَ لَوْ لَمْ يُسْنَدْ‏.‏ أَمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تُرَجِّحَ إمَّا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَوْ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ مِمَّا يَضُرُّ الْحَدِيثَ شَيْئًا لاَِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَأَيُّوبَ وَزَكَرِيَّا بْنَ إِسْحَاقَ لَيْسُوا بِدُونِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَكَيْفَ وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْثَقُ، وَأَضْبَطُ مِنْ الَّذِي أَوْقَفَهُ عَنْهُ، وَأَيُّوبُ لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ فَكَيْفَ وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَهُوَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ، فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصْلاً لَكَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ بُحَيْنَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ فِي تَقْلِيدِ مَنْ لاَ يُغْنِي عَنْهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَنَصْرِ الْبَاطِلِ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْكَلاَمِ الْغَثِّ‏.‏ فَكَيْفَ وَقَدْ

رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلاَ تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏.‏ فَهَذَا فَرْضٌ لِلدُّخُولِ مَعَ الإِمَامِ كَيْفَمَا وُجِدَ، وَتَحْرِيمٌ لِلاِشْتِغَالِ بِشَيْءٍ عَنْ ذَلِكَ‏.‏ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ بُحَيْنَةَ بِضَحِكَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ قَالَ‏:‏ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ

قال علي‏:‏ وهذا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، وَمُجَاهَرَةٌ سَمِجَةٌ؛ لاَِنَّ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ ‏[‏ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهِمَا إلاَّ خَلْفَ النَّاسِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، كَمَا يَأْمُرُونَ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ فَكَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَكَانَ مِمَّا يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْقَائِلِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ بِأَيِّ الصَّلاَتَيْنِ اعْتَدَدْت أَبِصَلاَتِك وَحْدَك أَمْ بِصَلاَتِك مَعَنَا وَ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا لاَِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَقُولَ ‏[‏ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إلاَّ صَلاَتَهُ الرَّكْعَتَيْنِ مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ ‏[‏ وَمُتَّصِلاً بِهِمْ فَيَسْكُتُ عليه السلام عَمَّا أَنْكَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ وَيَهْتِفُ بِمَا لَمْ يَذْكَرْ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَنْ هَذَا التَّخْلِيطِ الَّذِي لاَ يَلِيقُ بِذِي مَسْكَةٍ إلاَّ بِمِثْلِ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُ ظَنٌّ مَكْذُوبٌ مُجَرَّدٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ‏:‏ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ؛ لاَِنَّهُ كَانَ بِلاَ وُضُوءٍ، أَوْ لاَِنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ ثَوْبَ حَرِيرٍ وَمِثْلُ هَذِهِ الظُّنُونِ لاَ يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ فِي الدِّينِ، وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّهُ عليه السلام لَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا قِيلَ‏:‏ وَلاَ ذَكَرَ عليه السلام اخْتِلاَطَهُ بِالنَّاسِ، وَلاَ اتِّصَالَهُ بِهِمْ، وَإِنَّمَا نَصَّ عليه السلام عَلَى إنْكَارِهِ الصَّلاَةَ الَّتِي صَلاَّهَا، وَهُوَ عليه السلام يُصَلِّي الصُّبْحَ فَقَطْ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ فَعَلَ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، وَهُمْ يَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ النَّافِلَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى بِبَعْضِ الْفَرِيضَةِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، مَعَ مَعْصِيَتِهِمْ السُّنَنَ الَّتِي أَوْرَدْنَا وَبِمَا قُلْنَاهُ يَقُولُ جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى الصَّلاَةِ بَعْدَ الإِقَامَةِ‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانٍ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَلَمَّا ضَحَّى قَامَ فَصَلاَّهُمَا‏.‏ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الْمَكْتُوبَةَ‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ‏:‏ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَا الْفَجْرِ عِنْدَ إقَامَةِ صَلاَةِ الصُّبْحِ، قَالَ‏:‏ أَتُصَلِّيهِمَا وَقَدْ فُرِضَتْ الصَّلاَةُ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ‏:‏ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ صَلَّى مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ رَكَعَهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ فِي الَّذِي يَجِدُ الإِمَامَ يُصَلِّي وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ‏:‏ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ مَوْهَبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ يَقُولُ لِلنَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ‏:‏ وَيْلَكُمْ، لاَ صَلاَةَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ‏:‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ فُضَيْلٍ ‏[‏ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ اقْطَعْ صَلاَتَك عِنْدَ الإِقَامَةِ وَعَنْ عِمَادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ‏:‏ جَاءَ ابْنُ أَخٍ لِعُرْوَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ؛ فَزَجَرَهُ عُرْوَةُ

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ بَدَأَ فِي تَطَوُّعِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَأُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ أَوْ غَيْرُهَا فَقَدْ بَطَلَتْ الصَّلاَةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا، بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ هَذَا حَقٌّ، وَمَا هُوَ أَبْطَلَهَا؛ وَلَوْ تَعَمَّدَ إبْطَالَهَا لَكَانَ مُسِيئًا؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَهَا عَلَيْهِ كَمَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ؛ وَبِمُرُورِ مَا يُبْطِلُ الصَّلاَةَ مُرُورُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَضَاءُ الرَّكْعَتَيْنِ فَلِقَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، وَهَذَا عُمُومٌ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَصَلاَّهُمَا بَعْدَ مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَهَذَا عليه السلام لَمْ يَبْدَأْ بِهِمَا قَبْلَ الْفَرْضِ‏.‏ ‏[‏ وبه إلى ابْنِ أَيْمَنَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيِّ الْقَاضِي، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ‏:‏ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يُصَلِّي بَعْدَ الْغَدَاةِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ فَلَمْ يَقُلْ ‏[‏ لَهُ عليه السلام شَيْئًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ ‏[‏ صَلاَّهُمَا‏:‏ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ صَلَّى الإِمَامُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ إذَا أَخْطَأْت أَنْ تَرْكَعَهُمَا قَبْلَ الصُّبْحِ فَارْكَعْهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ‏.‏ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ جُرَيْجٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ صَنْعَاءَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الإِمَامُ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ طَاوُوس وَغَيْرُهُ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى قَضَائِهَا؛ لاَِنَّ وَقْتَهَا قَدْ خَرَجَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

309 - مسألة

وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ أَوْ نَسِيَهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَالأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلاَةِ الصُّبْحِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَهُ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا‏.‏ وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً؛ لاَِنَّهُ خِلاَفُ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

310 - مسألة

وَالْكَلاَمُ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهَا‏:‏ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُذْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ‏:‏

قال علي‏:‏ هذا بَاطِلٌ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ؛ فَهَذَانِ الْوَقْتَانِ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الأَوْقَاتِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَإِنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ وَحِينَ حُضُورِ الْخُطْبَةِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَمِنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏.‏

311 - مسألة

وَمَنْ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ فَظَنَّ أَنَّ أَهْلَهُ قَدْ صَلَّوْا صَلاَةَ الْفَرْضِ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ فَابْتَدَأَ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ‏:‏ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى تَكْبِيرِهِ وَيَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي الصَّلاَةِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَكَذَلِكَ؛ فَإِذَا أَتَمَّ هُوَ صَلاَتَهُ جَلَسَ وَانْتَظَرَ سَلاَمَ الإِمَامِ فَسَلَّمَ مَعَهُ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏}‏ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ وَجَدَ إمَامًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ وَلاِِنْكَارِهِ عليه السلام عَلَى مَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ، وَالإِمَامُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؛ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ إلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ‏.‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ لِمَنْ عُذِرَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِ الإِمَامُ فَقَطْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ إمَامِهِ إذَا كَانَ تَكْبِيرُهُ بِحَقٍّ، وَمُخَالِفُنَا يُجِيزُ لِمَنْ كَبَّرَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ الإِمَامُ مَنْ كَبَّرَ بَعْدَهُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهَذَا الْمُسْتَخْلَفِ الَّذِي كَبَّرَ مَأْمُومُهُ قَبْلَهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَالأَعْمَشِ كِلاَهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ‏:‏ قَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ يَدْخُلُ مَعَ الإِمَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَاقِيَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقِيلَ لاِِبْرَاهِيمَ‏:‏ مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ إنَّ هَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ ‏[‏ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا خَبَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَعَنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، رضي الله عنهم،‏:‏ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ لِمَنْ افْتَتَحَ صَلاَةَ تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْمَكْتُوبَةِ وَاصِلِينَ بِتَطَوُّعِهِمْ بِهَا، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْجَبُ بِلاَ شَكٍّ‏:‏ مِنْهُمْ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ‏.‏ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا، بَلْ هُوَ بَابٌ وَاحِدٌ، وَنَتِيجَةُ بُرْهَانٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي التَّطَوُّعِ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ‏[‏ مِنْ انْقِطَاعِهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

312 - مسألة

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ الإِمَامِ إلاَّ لِعُذْرٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَدَأَ فِي قَضَاءِ صَلاَةٍ فَائِتَةٍ أَوْ بَدَأَهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلاَةُ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا؛ فَإِنَّ هَذَا يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ فِي صَلاَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا؛ فَإِذَا أَتَمَّهَا سَلَّمَ ثُمَّ دَخَلَ خَلْفَ الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ الَّتِي الإِمَامُ فِيهَا، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا؛ لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَالَ‏:‏ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الْمَكْتُوبَةَ وَاَلَّتِي دَخَلَ فِيهَا مَكْتُوبَةٌ؛ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الإِمَامِ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ بِأَيِّ صَلاَتَيْكَ اعْتَدَدْتَ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام إنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الاِئْتِمَامُ بِالإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ الَّتِي يُصَلِّيهَا الإِمَامُ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ إلاَّ بِالسَّلاَمِ، فَيُسَلِّمُ، وَلاَ بُدَّ، أَوْ يَكُونُ مُسَافِرًا يَدْخُلُ فِي صَلاَةِ مُقِيمٍ، وَيَخَافُ مِمَّنْ لاَ عِلْمَ لَهُ إنْ قَعَدَ مُنْتَظِرًا سَلاَمَ الإِمَامِ فَهَذَا يُسَلِّمُ، وَلاَ بُدَّ؛ لاَِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ مُتَطَوِّعًا، وَنَحْوُ هَذَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

313 - مسألة

فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَائِسًا عَنْ إدْرَاكِهَا فَابْتَدَأَ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَاَلَّتِي بَدَأَ بِهَا بَاطِلَةٌ فَاسِدَةٌ، لاَ تُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الَّتِي أُقِيمَتْ، وَلاَ مَعْنَى لاََنْ يُسَلِّمَ مِنْ الَّتِي بَدَأَ؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي صَلاَةٍ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ وَهَذَا كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ‏.‏