فصل: صلاة الجمعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


صلاة الجمعة

521 - مَسْأَلَةٌ

الْجُمُعَةُ‏,‏ هِيَ ظُهْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى إلاَّ بَعْدَ الزَّوَالِ‏,‏ وَآخِرُ وَقْتِهَا‏:‏ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الأَيَّامِ

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيلاَنَ قَالَ‏:‏ شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَخُطْبَتَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَخُطْبَتَهُ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ‏.‏

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ صَلَّى بِنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْجُمُعَةَ ضُحًى‏,‏ وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا عَجَّلْت بِكُمْ خَشْيَةَ الْحَرِّ عَلَيْكُمْ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كُنْت أَرَى طَنْفَسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تُطْرَحُ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ‏,‏ فَإِذَا غَشَّى الطَّنْفَسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى‏,‏ ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى قال علي‏:‏ هذا يُوجِبُ أَنَّ صَلاَةَ عُمَرَ رضي الله عنه الْجُمُعَةَ كَانَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ‏,‏ لأَِنَّ ظِلَّ الْجِدَارِ مَا دَامَ فِي الْغَرْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ‏,‏ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَارَ الظِّلُّ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيّ ِعن ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِمَلَلٍ قَالَ ابْنُ أَبِي سَلِيطٍ‏:‏ وَكُنَّا نُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ عُثْمَانَ وَنَنْصَرِفُ وَمَا لِلْجِدَارِ ظِلٌّ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ بَيْنَ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَمَلَلٍ‏:‏ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِيلاً‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَخْطُبَ وَيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَمْشِيَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ إلاَّ مَنْ طَرَقَ طَرْقَ السَّرَايَا أَوْ رَكَضَ رَكْضَ الْبَرِيدِ الْمُؤَجَّلِ وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عن ابْنِ الزُّبَيْرِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ كُلُّ عِيدٍ حِينَ يَمْتَدُّ الضُّحَى‏:‏ الْجُمُعَةُ‏,‏ وَالأَضْحَى‏,‏ وَالْفِطْرُ‏,‏ كَذَلِكَ بَلَغَنَا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كُلُّ عِيدٍ فَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَيْنَ الْمُمَوِّهُونَ إنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ عَمَلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَهَذَا عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَعُثْمَانَ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَابْنِ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَطَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لاَ يُبَالُونَ مَا قَالُوا فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ وأما نَحْنُ فَالْحُجَّةُ عِنْدَنَا فِيمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حدثنا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشِ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا‏,‏ قُلْتُ‏:‏ أَيُّ سَاعَةٍ قَالَ‏:‏ زَوَالَ الشَّمْسِ‏.‏

وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ

حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً‏,‏ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً‏,‏ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا‏,‏ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً‏,‏ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً‏,‏ فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إلَى الْجُمُعَةِ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَدَنَةً‏,‏ ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَقَرَةً‏,‏ ثُمَّ مَثَلُ مَنْ يُهْدِي شَاةً‏,‏ ثُمَّ مَثَلُ مَنْ يُهْدِي دَجَاجَةً‏,‏ ثُمَّ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي عُصْفُورًا‏,‏ ثُمَّ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَيْضَةً‏,‏ فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ فَجَلَسَ طُوِيَتْ الصُّحُفُ‏.‏

وَرُوِّينَا نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ‏:‏ فَضْلُ التَّبْكِيرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الْمَسْجِدِ لاِنْتِظَارِ الْجُمُعَةِ وَبُطْلاَنُ قَوْلِ مِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ لِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ‏,‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهَا سَاعَاتٍ مُتَغَايِرَاتٍ ثَانِيَةً‏,‏ وَثَالِثَةً‏,‏ وَرَابِعَةً‏,‏ وَخَامِسَةً‏,‏ فَلاَ يَحِلَّ لأَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ إنَّهَا سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ دَرَجَ الْفَضْلِ يَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الإِمَامِ‏,‏ وَخُرُوجُهُ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ النِّدَاءِ‏,‏ وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ مَعَ النِّدَاءِ‏,‏ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَفِيهِمَا‏:‏ أَنَّ الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ‏;‏ لأَِنَّ مَالِكًا عَنْ سُمَيٍّ ذَكَرَ خَمْسَ سَاعَاتٍ‏.‏

وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَاللَّيْثِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ سَاعَةً سَادِسَةً وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ بِخُرُوجِ الإِمَامِ تُطْوَى الصُّحُفُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ خُرُوجَهُ بَعْدَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ‏,‏ وَهُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ‏,‏ وَوَقْتُ الظُّهْرِ فإن قيل‏:‏ ‏"‏ قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ ظِلًّا نَسْتَظِلُّ بِهِ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَلَمْ يَنْفِ سَلَمَةُ الظِّلَّ جُمْلَةً‏,‏ إنَّمَا نَفَى ظِلًّا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ‏,‏ وَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ الْخُطْبَةِ‏,‏ وَتَعْجِيلُ الصَّلاَةِ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ‏"‏ وَمَا كُنَّا نُقِيلُ، وَلاَ نَتَغَدَّى إلاَّ بَعْدَ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ ‏"‏ لَيْسَ‏,‏ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ رُوِّينَا عن ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ يَعْنِي‏,‏ لِلْجُمُعَةِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ‏:‏ شَهِدْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إذَا زَالَتْ‏,‏ الشَّمْسُ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ‏,‏ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ‏,‏ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ‏,‏ وَإِذْ هِيَ ظُهْرُ الْيَوْمِ فَلاَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ آخِرِ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ اخْتِلاَفِ الأَيَّامِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

522 - مَسْأَلَةٌ

وَالْجُمُعَةُ إذَا صَلاَّهَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا رَكْعَتَانِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ

وَمِنْ صَلاَّهُمَا وَحْدَهُ صَلاَّهُمَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُسِرُّ فِيهَا كُلَّهَا‏,‏ لأَِنَّهَا الظُّهْرُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ وُجُوبِ قَصْرِ الصَّلاَةِ مِنْ كِتَابِنَا حَدِيثَ عُمَرَ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ‏,‏ وَصَلاَةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ‏,‏ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ‏,‏ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا رَكْعَتَانِ لِلْفَذِّ وَلِلْجَمَاعَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ‏,‏ لأَِنَّهُ الْجُمُعَةُ‏:‏ اسْمٌ إسْلاَمِيٌّ لِلْيَوْمِ‏,‏ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏,‏ إنَّمَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏"‏ الْعُرُوبَةُ ‏"‏ فَسُمِّيَ فِي الإِسْلاَمِ ‏"‏ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏"‏‏;‏ لأَِنَّهُ يُجْتَمَعُ فِيهِ لِلصَّلاَةِ اسْمًا مَأْخُوذًا مِنْ الْجَمْعِ‏,‏ فَلاَ تَكُونُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ إلاَّ فِي جَمَاعَةٍ وَإِلاَّ فَلَيْسَتْ صَلاَةَ جُمُعَةٍ‏,‏ إنَّمَا هُمَا ظُهْرٌ‏,‏ وَالظُّهْرُ أَرْبَعٌ كَمَا قَدَّمْنَا‏.‏

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِيهَا‏,‏ وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ‏,‏ نَقْلُ كَوَافٍ مِنْ عَهْدِهِ عليه السلام إلَى الْيَوْمِ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَغَرْبِهَا وأما الْعَدَدُ الَّذِي يُصَلِّيه الإِمَامُ فِيهِ جُمُعَةٍ رَكْعَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا‏:‏ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ‏:‏ فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ الْجُمُعَةُ تَكُونُ بِخَمْسِينَ رَجُلاً فَصَاعِدًا‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ لاَ جُمُعَةَ إلاَّ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً‏:‏ أَحْرَارًا‏,‏ مُقِيمِينَ‏,‏ عُقَلاَءَ‏,‏ بَالِغِينَ فَصَاعِدًا‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ النَّاسِ‏:‏ ثَلاَثِينَ رَجُلاً‏.‏

وَعَنْ غَيْرِهِ‏:‏ عِشْرِينَ رَجُلاً‏.‏

وَعَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ سَبْعَةَ رِجَالٍ لاَ أَقَلَّ‏.‏

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏,‏ وَزُفَرَ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‏:‏ إذَا كَانَ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ وَالإِمَامُ رَابِعُهُمْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَلاَ تَكُونُ بِأَقَلَّ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ إذَا كَانَ رَجُلاَنِ وَالإِمَامُ ثَالِثُهُمَا صَلَّوْا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ إذَا كَانَ وَاحِدٌ مَعَ الإِمَامِ صَلَّيَا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا‏,‏ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فأما مَنْ حَدَّ خَمْسِينَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا حَدِيثًا فِيهِ عَلَى الْخَمْسِينَ جُمُعَةٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ إمَامٌ‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ‏;‏ لاَِنَّهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ‏,‏ وَالْقَاسِمُ هَذَا ضَعِيفٌ‏.‏

وأما مَنْ حَدَّ بِثَلاَثِينَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ إذَا اجْتَمَعَ ثَلاَثُونَ رَجُلاً فَلْيُؤَمِّرُوا رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ‏.‏

وأما مِنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَاللَّيْثِ‏:‏ فَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ وَقَدْ أَدْرَكَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إلاَّ أَرْبَعَةٌ‏.‏

وَهَذَا لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ‏;‏ لأَِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى‏,‏ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ سَعِيدٍ‏:‏ مَجْهُولاَنِ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الْخَبَرَ‏,‏ لأَِنَّهُ لاَ يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْقُرَى‏,‏ لَكِنْ فِي الأَمْصَارِ فَقَطْ فَكُلُّ هَذِهِ آثَارٌ لاَ تَصِحُّ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إسْقَاطُ الْجُمُعَةِ عَنْ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ سَاقِطٌ عَنْ رَوْحِ بْنِ غُطَيْفٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمَّا بَلَغُوا مِائَتَيْنِ جَمَّعَ بِهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أَخَذُوا بِالأَكْثَرِ فَهَذَا الْخَبَرُ هُوَ الأَكْثَرُ‏,‏ وَإِنْ أَخَذُوا بِالأَقَلِّ فَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثًا فِيهِ أَقَلُّ وأما الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عن ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ‏,‏ فَسَأَلَهُ ابْنُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ حُرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ‏,‏ فِي نَقِيعٍ يُعْرَفُ بِنَقِيعِ الْخَضِمَاتِ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلاً‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا‏;‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ‏:‏ إنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ‏,‏ نَعَمْ وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً وَبِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَبِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ‏:‏ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ‏,‏ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ‏:‏ إنَّهُ لاَ تَكُونُ جَمَاعَةٌ، وَلاَ جُمُعَةٌ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ وأما حُجَّتُنَا فَهِيَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ قَالَ لَهُ‏:‏ إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا‏,‏ وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا فَجَعَلَ عليه السلام لِلاِثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلاَةِ فإن قال قائل‏:‏ إنَّ الاِثْنَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ثَالِثٌ فَإِنَّ حُكْمَ الإِمَامِ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ عَلَى يَمِينِ الإِمَامِ‏,‏ فَإِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَقَدْ قِيلَ‏:‏ يَقِفَانِ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ وَيَسَارِهِ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ بَلْ خَلْفَ الإِمَامِ‏,‏ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الأَرْبَعَةِ‏:‏ أَنَّ الثَّلاَثَةَ يَقِفُونَ خَلْفَ الإِمَامِ‏,‏ فَوَجَدْنَا حُكْمَ الأَرْبَعَةِ غَيْرَ حُكْمِ الاِثْنَيْنِ قلنا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا نَعَمْ‏,‏ هُوَ كَمَا تَقُولُونَ‏:‏ فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفِ‏,‏ إلاَّ أَنَّ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبٌ لَهُمَا بِإِقْرَارِكُمْ‏,‏ وَلَيْسَ فِي حُكْمِ اخْتِلاَفِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْجُمُعَةِ أَصْلاً وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ صَلاَةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ‏.‏

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏‏.‏

فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ وَعَنْ هَذَا الْحُكْمِ أَحَدٌ إلاَّ مَنْ جَاءَ نَصٌّ جَلِيٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْهُ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ الْفَذَّ وَحْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فَإِنْ ابْتَدَأَهَا إنْسَانٌ، وَلاَ أَحَدَ مَعَهُ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ أَوْ أَكْثَرُ‏,‏ فَسَوَاءٌ أَتَوْهُ إثْرَ تَكْبِيرِهِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الآُولَى‏:‏ يَجْعَلُهَا جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ‏,‏ لأَِنَّهَا قَدْ صَارَتْ صَلاَةَ جُمُعَةٍ‏,‏ فَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَهِيَ ظُهْرُ يَوْمِهِ‏.‏

فَإِنْ جَاءَهُ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ‏:‏ فَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ وَيَبْتَدِئُهَا صَلاَةَ جُمُعَةٍ‏,‏ لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ لأَِنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ بِقَطْعِ صَلاَتِهِ الَّتِي قَدْ بَطَلَ حُكْمُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

523 - مَسْأَلَةٌ

وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الْمُسَافِرُ فِي سَفَرِهِ‏,‏ وَالْعَبْدُ‏,‏ وَالْحُرُّ‏,‏ وَالْمُقِيمُ‏,‏ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا يَكُونُ إمَامًا فِيهَا‏,‏ رَاتِبًا وَغَيْرَ رَاتِبٍ

وَيُصَلِّيهَا الْمَسْجُونُونَ‏,‏ وَالْمُخْتَفُونَ رَكْعَتَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُطْبَةٍ كَسَائِرِ النَّاسِ‏,‏ وَتُصَلَّى فِي كُلِّ قَرْيَةٍ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ‏,‏ كَانَ هُنَالِكَ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏,‏ وَإِنْ صُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي الْقَرْيَةِ فَصَاعِدًا‏:‏ جَازَ ذَلِكَ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ أَنْ لاَ جُمُعَةَ عَلَى عَبْدٍ‏,‏ وَلاَ مُسَافِرٍ‏.‏

وَاحْتَجَّ لَهُمْ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ لاَ تَصِحُّ‏:‏ أَحَدُهَا مُرْسَلٌ‏,‏ وَالثَّانِي فِيهِ هُرَيْمٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالثَّالِثُ فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو‏,‏ وَضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو‏,‏ وَهُمَا مَجْهُولاَنِ، وَلاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَوْ شِئْنَا لَعَارَضْنَاهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ‏,‏ وَخَطَبَهُمْ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا وَلَكِنَّنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي غِنًى بِالصَّحِيحِ عَمَّا لاَ يَصِحُّ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْهَرْ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ‏,‏ وَكَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَا رَوَى قَطُّ أَحَدٌ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا‏,‏ وَالْقَاطِعُ بِذَلِكَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ بِهِ وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ جُمُعَةٍ جَهَرَ الإِمَامُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْهَرْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ أَصْلاً‏,‏ لأَِنَّ الْجَهْرَ لَيْسَ فَرْضًا‏,‏ وَمَنْ أَسَرَّ فِي صَلاَةِ جَهْرٍ‏,‏ أَوْ جَهَرَ فِي صَلاَةِ سِرٍّ‏,‏ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ‏,‏ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وَلَجَأَ بَعْضُهُمْ إلَى دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مَكَانٌ هَانَ فِيهِ الْكَذِبُ عَلَى مُدَّعِيهِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ كَذَبَ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ‏:‏ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ

حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ‏:‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ‏:‏ ثُمَّ اتَّفَقَ وَكِيعٌ‏,‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّهُمْ كَتَبُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ‏:‏ أَنْ جَمِّعُوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ وَقَالَ وَكِيعٌ‏:‏ إنَّهُ كَتَبَ‏.‏

وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ‏:‏ عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ قَالَ‏:‏ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَعَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ وَقِيلَ لَهُ‏:‏ يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ‏,‏ عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ قَالَ‏:‏ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَعَمَّمَ سَعِيدُ‏,‏ وَعَمْرٌو‏:‏ كُلُّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّا عَبْدًا‏,‏ وَلاَ مُسَافِرًا‏,‏ مِنْ غَيْرِهِمَا‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ، حدثنا صَالِحُ بْنُ سَعْدٍ الْمَكِّيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ مُتَبَدٍّ بِالسُّوَيْدَاءِ فِي إمَارَتِهِ عَلَى الْحِجَازِ‏,‏ فَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ‏,‏ فَهَيَّئُوا لَهُ مَجْلِسًا مِنْ الْبَطْحَاءِ‏,‏ ثُمَّ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ‏,‏ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ فَجَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ‏,‏ ثُمَّ أَذَّنُوا أَذَانًا آخَرَ‏,‏ ثُمَّ خَطَبَهُمْ‏,‏ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ‏,‏ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَأَعْلَنَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ‏,‏ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ‏:‏ إنَّ الإِمَامَ يَجْمَعُ حَيْثُمَا كَانَ‏.‏

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ‏,‏ وَقَالَ‏,‏ إذَا سُئِلَ عَنْ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ قَرْيَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ فِيهَا قَالَ‏:‏ إذَا سَمِعَ الأَذَانَ فَلْيَشْهَدْ الْجُمُعَةَ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مَكِينٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ إذَا كَانُوا سَبْعَةً فِي سَفَرٍ فَجَمَعُوا يُحْمَدُ اللَّهُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ وَيُخْطَبُ فِي الْجُمُعَةِ‏,‏ وَالأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ أَيُّمَا عَبْدٍ كَانَ يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَرَاجٌ أَوْ شَغَلَهُ عَمَلُ سَيِّدِهِ فَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ الْفَرْقُ بَيْنَ عَبْدٍ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ‏,‏ وَبَيْنَ عَبْدٍ لاَ خَرَاجَ عَلَيْهِ‏:‏ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ فَلَجَئُوا إلَى أَنْ قَالُوا‏:‏ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ لاَ جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَعَنْ أَنَسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ بِنِيسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَكَانَ لاَ يَجْمَعُ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ بِكَابُلَ شِتْوَةً أَوْ شِتْوَتَيْنِ فَكَانَ لاَ يَجْمَعُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ حَصَلْنَا مِنْ دَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى ثَلاَثَةٍ قَدْ خَالَفْتُمُوهُمْ أَيْضًا‏;‏ لأَِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ‏,‏ وَأَنَسًا رضي الله عنهما كَانَا لاَ يَجْمَعَانِ‏,‏ وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ‏:‏ يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ مَعَ النَّاسِ وَيُجْزِئُهُ‏.‏

وَرَأَى عَلِيٌّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِالنَّاسِ مَنْ يُصَلِّي بِضُعَفَائِهِمْ صَلاَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ‏:‏ بِهَذَا‏.‏

وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرَى الْجُمُعَةَ عُمُومًا قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذَا خِطَابٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مُسَافِرٌ، وَلاَ عَبْدٌ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحُكْمُهُ وَفِعْلُهُ أَنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وأما إمَامَةُ الْمُسَافِرِ‏,‏ وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ‏:‏ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيَّ‏,‏ وَأَبَا سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابَهُمْ قَالُوا‏:‏ يَجُوزُ ذَلِكَ‏,‏ وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ وَهُوَ خَطَأٌ‏.‏

أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ إنَّ الْمُسَافِرَ وَالْعَبْدَ إذَا حَضَرَا الْجُمُعَةَ كَانَتْ لَهُمَا جُمُعَةٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جَوَازِ إمَامَتِهِمَا فِيهَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَ ‏"‏ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ فَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام جُمُعَةً مِنْ غَيْرِهَا‏,‏ وَلاَ مُسَافِرًا‏,‏ وَلاَ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ مُقِيمٍ‏,‏ وَلاَ جَاءَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْ الإِمَامَةِ فِيهِمَا‏,‏ بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه أَسْوَدُ مَمْلُوكٌ أَمِيرًا لَهُ عَلَى الرَّبَذَةَ يُصَلِّي خَلْفَهُ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا‏;‏ لأَِنَّ الرَّبَذَةَ بِهَا جُمُعَةٌ وأما قَوْلُنَا‏:‏ كَانَ هُنَالِكَ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏:‏ فَالْحَاضِرُونَ مِنْ مُخَالِفِينَا مُوَافِقُونَ لَنَا فِي ذَلِكَ إلاَّ أَبَا حَنِيفَةَ‏,‏ وَفِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ وَقَدْ قلنا‏:‏ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّجْمِيعِ بِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا وَبَيْنَ الإِمَامِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ رَدُّ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً إلَى السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهَا وأما قَوْلُنَا‏:‏ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي أَيِّ قَرْيَةٍ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ‏:‏ فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه‏:‏ لاَ جُمُعَةَ، وَلاَ تَشْرِيقَ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلاَفَ عُمَرَ لِذَلِكَ‏,‏ وَخِلاَفَهُمْ لِعَلِيٍّ فِي غَيْرِ مَا قِصَّةٍ‏.‏

وقال مالك‏:‏ لاَ تَكُونُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ قال علي‏:‏ هذا تَحْدِيدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ‏,‏ وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ‏,‏ لأَِنَّ ثَلاَثَةَ دُورٍ قَرْيَةٌ مُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ تَحْدِيدِ الْعَدَدِ الَّذِي لاَ يَقَعُ اسْمُ قَرْيَةٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ‏,‏ وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ النَّقْلُ بِهِ مُتَّصِلاً فَيُقَالُ لَهُ‏:‏ نَعَمْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ‏,‏ حَتَّى قَطَعَهُ الْمُقَلِّدُونَ بِضَلاَلِهِمْ عَنْ الْحَقِّ‏,‏ وَقَدْ شَاهَدْنَا جَزِيرَةَ ‏"‏ مَيُورْقَةَ ‏"‏ يَجْمَعُونَ فِي قُرَاهَا‏,‏ حَتَّى قَطَعَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لِمَالِكٍ‏,‏ وَبَاءَ بِإِثْمِ النَّهْيِ عَنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمُرُّ عَلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ وَهُمْ يَجْمَعُونَ فَلاَ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَ الْمِيَاهِ أَنْ يَجْمَعُوا‏,‏ وَيَأْمُرُ أَهْلَ كُلِّ قَرْيَةٍ لاَ يَنْتَقِلُونَ بِأَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ يَجْمَعُ بِهِمْ وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا وَصَوَابًا لَجَاءَ بِهِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ‏,‏ وَلَمَا جَازَ أَنْ يَجْهَلَهُ ابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَقَبْلَهُ أَبُوهُ عُمَرُ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ الْجُمُعَةَ جَائِزَةٌ فِي مَسْجِدَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الْقَرْيَةِ‏:‏ فَإِنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ حَكَمُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ‏:‏ أَنَّهَا لاَ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمِصْرِ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ جَانِبَانِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ‏,‏ فَيُجْزِئُ أَنْ يَجْمَعَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمَا‏.‏

وَرَوَوْا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‏,‏ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا‏:‏ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُجْزِئُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ‏,‏ وَلاَ تُجْزِئُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ وَكِلاَ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ السُّخْفِ حَيْثُ لاَ نِهَايَةَ لَهُ لأَِنَّهُ لاَ يُعَضِّدُهُمَا قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قِيَاسٌ وَقَدْ رَوَوْا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمِصْرِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ صَلَّى عَلِيٌّ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى وَاسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى بِالضُّعَفَاءِ فِي الْمَسْجِدِ‏,‏ فَهُمَا مَوْضِعَانِ وَهَذَا لاَ يُقَالُ‏:‏ رَأْيًا قلنا لَهُمْ‏:‏ فَقُولُوا‏:‏ إنَّهُ لاَ تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلاَّ فِي الْمُصَلَّى‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ فَقَطْ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ‏,‏ كَمَا خَالَفْتُمُوهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ‏,‏ إذْ أَمَرَ رضي الله عنه الَّذِي اسْتَخْلَفَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ أَرْبَعًا‏:‏ فَقُلْتُمْ‏:‏ هَذَا شَاذٌّ فَيُقَالُ لَكُمْ‏:‏ بَلْ الشَّاذُّ هُوَ الَّذِي أَجَزْتُمْ‏,‏ وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى آرَاءَكُمْ قِيَاسًا عَلَى الآُمَّةِ‏,‏ وَلاَ عِيَارًا فِي دِينِهِ وَهَلاَّ قُلْتُمْ‏,‏ فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا تَقُولُونَ فِي خَبَرِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهِ‏:‏ هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الآيَةِ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِافْتِرَاضِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ‏,‏ فَصَارَ تَخْصِيصُهُ اعْتِرَاضًا عَلَى الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ شَاذٍّ غَيْرِ قَوِيِّ النَّقْلِ فِي أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجِبُ إلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ‏.‏

وَرَأَيْنَا الْمُنْتَسِبِينَ إلَى مَالِكٍ يَحُدُّونَ فِي أَنْ لاَ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعِينَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ‏,‏ وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا التَّحْدِيدُ، وَلاَ كَيْف دَخَلَ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ حَتَّى يَجْعَلَهُ دِينًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ فَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ فِي مَوْضِعٍ، وَلاَ مَوْضِعَيْنِ، وَلاَ أَقَلَّ‏,‏ وَلاَ أَكْثَرَ ‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏}‏‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ كَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يَشْهَدُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَجْمَعُونَ مَعَهُ أَيْضًا عليه السلام‏,‏ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُ هَذَا عِنْدَكُمْ‏,‏ وَقَدْ كَانُوا يَشْهَدُونَ مَعَهُ عليه السلام سَائِرَ الصَّلَوَاتِ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ سَائِرَ قَوْمِهِمْ لاَ يُصَلُّونَ الْجَمَاعَاتِ فِي مَسَاجِدِهِمْ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَجْمَعُونَ سَائِرَ قَوْمِهِمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ‏,‏ وَلاَ يَحُدُّونَ هَذَا أَبَدًا وَمِنْ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ السَّعْيَ إلَى صَلاَةِ الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا‏,‏ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى نَحْوِ نِصْفِ مِيلٍ‏,‏ أَوْ ثُلُثَيْ مِيلٍ لاَ يُدْرِكُ الصَّلاَةَ أَصْلاً إذَا رَاحَ إلَيْهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّوَاحِ إلَيْهَا‏.‏

فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهُ لاَ بُدَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ مَسْجِدٍ يَجْمَعُونَ فِيهِ إذَا رَاحُوا إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرُوا بِالرَّوَاحِ إلَيْهِ فِيهِ أَدْرَكُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلاَةَ‏,‏ وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَوْجَبَ الرَّوَاحَ حِينَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ‏,‏ وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَإِيجَابُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا‏.‏

وَمِنْ أَعْظَمِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِمْ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَدِينَةَ وَإِنَّمَا هِيَ قُرًى صِغَارٌ مُفَرَّقَةٌ‏,‏ بَنُو مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فِي قَرْيَتِهِمْ حَوَالِي دُورِهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَنَخْلُهُمْ‏,‏ وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فِي دَارِهِمْ كَذَلِكَ‏,‏ وَبَنُو مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ كَذَلِكَ‏,‏ وَبَنُو سَالِمٍ كَذَلِكَ‏,‏ وَبَنُو سَاعِدَةَ كَذَلِكَ‏,‏ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ كَذَلِكَ‏,‏ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَذَلِكَ‏,‏ وَبَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ كَذَلِكَ‏,‏ وَسَائِرِ بُطُونِ الأَنْصَارِ كَذَلِكَ‏,‏ فَبَنَى مَسْجِدَهُ فِي بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ‏,‏ وَجَمَعَ فِيهِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَتْ بِالْكَبِيرَةِ‏,‏ وَلاَ مِصْرَ هُنَالِكَ‏.‏

فَبَطَل قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنْ لاَ جُمُعَةَ إلاَّ فِي مِصْرٍ‏,‏ وَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ لاَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ كَافِرٌ‏,‏ بَلْ هُوَ نَقْلُ الْكَوَافِّ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ ‏"‏ حَيْثُمَا كُنْتُمْ ‏"‏ إبَاحَةٌ لِلتَّجْمِيعِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ وَرُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُجْمَعُ فِيهِ لِلصَّلاَةِ فَلْتُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ‏:‏ أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَصْرَةِ لاَ يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ الأَكْبَرُ كَيْفَ يَصْنَعُونَ قَالَ‏:‏ لِكُلِّ قَوْمٍ مَسْجِدٌ يَجْمَعُونَ فِيهِ ثُمَّ يُجْزِئُ ذَلِكَ عنهم‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ ‏.‏

524 - مَسْأَلَةٌ

وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ‏,‏ لأَِنَّهُ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَيْهَا فَسَعْيُهُ إلَيْهَا فَرْضٌ‏,‏ كَمَا أَنَّ الصَّلاَةَ فَرْضٌ، وَلاَ فَرْقَ

وَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهِ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ‏.‏

525 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمَرَضٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَعْذَارِ‏,‏ وَلاَ عَلَى النِّسَاءِ‏,‏ فَإِنْ حَضَرَ هَؤُلاَءِ صَلُّوهَا رَكْعَتَيْنِ

لأَِنَّ الْجُمُعَةَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَيُسْقِطُ الإِجَابَةَ مِنْ الأَعْذَارِ مَا يُسْقِطُ الإِجَابَةَ إلَى غَيْرِهَا، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ حَضَرَهَا الْمَعْذُورُ فَقَدْ سَقَطَ الْعُذْرُ‏,‏ فَصَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ صَلاَّهَا الرَّجُلُ الْمَعْذُورُ بِامْرَأَتِهِ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلاَّهَا النِّسَاءُ فِي جَمَاعَةٍ‏.‏

526 - مَسْأَلَةٌ

وَيَلْزَمُ الْمَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ مِنْهَا بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَقَدْ تَوَضَّأَ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ الطَّرِيقَ إثْرَ أَوَّلِ الزَّوَالِ وَمَشَى مُتَرَسِّلاً وَيُدْرِكُ مِنْهَا وَلَوْ السَّلاَمَ‏,‏ سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ‏,‏ فَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ إنْ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا، وَلاَ السَّلاَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَجِيءُ إلَيْهَا‏,‏ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ‏.‏

وَالْعُذْرُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا كَالْعُذْرِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ سَائِرِ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ‏,‏ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏,‏ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى‏:‏ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَأْمُرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ أَهْلَ فَاءَيْنِ فَمَنْ دُونَهَا بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلاً مِنْ دِمَشْقَ‏.‏

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ مَنْ كَانَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلاً بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ‏:‏ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ الْجَامِعِ بِمِقْدَارِ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ‏:‏ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ مِنْ فَرْسَخَيْنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَأَنَسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَنَافِعٍ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ‏,‏ وَالْحَكَمِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَعَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَقَتَادَةَ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏:‏ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ مِنْ حَيْثُ إذَا صَلاَّهَا ثُمَّ خَرَجَ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي مَنْزِلِهِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ‏,‏ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ‏:‏ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ‏,‏ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَكُونُ مِنْ الطَّائِفِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ فَلاَ يَأْتِي الْجُمُعَةَ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ‏:‏ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وقال مالك‏,‏ وَاللَّيْثُ‏:‏ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْمِصْرِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ‏,‏ وَلاَ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وقال الشافعي‏:‏ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ عَظُمَ‏,‏ وأما مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ‏,‏ فَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ‏:‏ تَلْزَمُ الْجُمُعَةُ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِصْرِ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا، وَلاَ تَلْزَمُ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ‏,‏ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ كُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ حُجَّةَ لِقَائِلِهَا‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفٍ لَهُ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ لاَ سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

فَإِنْ تَعَلَّقَ مِنْ يَحُدُّ ذَلِكَ بِثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ بِأَنَّ أَهْلَ الْعَوَالِي كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلنا‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَهُ عليه السلام‏,‏ وَهِيَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ‏,‏ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا‏,‏ بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أُذِنَ لَهُمْ فِي أَنْ لاَ يُصَلُّوهَا مَعَهُ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ‏:‏ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ‏,‏ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا‏,‏ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ‏,‏ فَقَدْ أَذِنْت لَهُ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَذِنَ لَهُمْ فِي تَرْكِهَا‏.‏

وأما مَنْ قَالَ‏:‏ تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ‏:‏ فَإِنَّ النِّدَاءَ قَدْ لاَ يَسْمَعُهُ لِخَفَاءِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ أَوْ لِحَمْلِ الرِّيحِ لَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى‏,‏ أَوْ لِحَوَالَةٍ رَابِيَةٍ مِنْ الأَرْضِ دُونَهُ مَنْ كَانَ قَرِيبًا جِدًّا‏,‏ وَقَدْ يَسْمَعُ عَلَى أَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارِ وَالْقَرْيَةُ فِي جَبَلٍ‏,‏ وَالْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا وَالرِّيحُ تَحْمِلُ صَوْتَهُ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَجِبْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالإِجَابَةِ لِحُضُورِ الصَّلاَةِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهَا‏,‏ لاَ مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ لاَ يُدْرِكُ مِنْهَا شَيْئًا‏,‏ هَذَا مَعْلُومٌ يَقِينًا وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ إخْبَارُهُ عليه السلام بِأَنَّهُ يَهُمُّ بِإِحْرَاقِ مَنَازِلِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الصَّلاَةِ فِي الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ‏.‏

فَإِذْ قَدْ اخْتَلَفُوا هَذَا الاِخْتِلاَفَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏:‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏.‏

فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى السَّعْيَ إلَيْهَا إذَا نُودِيَ لَهَا‏,‏ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعَالَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ‏,‏ وَالنِّدَاءُ لَهَا إنَّمَا هُوَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ‏,‏ فَمَنْ أَمَرَ بِالرَّوَاحِ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا فَقَدْ افْتَرَضَ مَا لَمْ يَفْتَرِضْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّوَاحِ إلَيْهَا إثْرَ زَوَالِ الشَّمْسِ‏,‏ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَضِيلَةٌ لاَ فَرِيضَةٌ‏,‏ كَمَنْ قَرَّبَ بَدَنَةً‏,‏ أَوْ بَقَرَةً‏,‏ أَوْ كَبْشًا‏,‏ أَوْ مَا ذُكِرَ مَعَهَا وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ مَشَى إلَى الصَّلاَةِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ‏,‏ وَالسَّعْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ الْمَشْيُ لاَ الْجَرْيُ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ السَّعْيَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لاِِدْرَاكِ الصَّلاَةِ لاَ لِلْعَنَاءِ دُونَ إدْرَاكِهَا‏,‏ وَقَدْ قَالَ عليه السلام‏:‏ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏.‏

فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

527 - مَسْأَلَةٌ

وَيَبْتَدِئُ الإِمَامُ بَعْدَ الأَذَانِ وَتَمَامِهِ بِالْخُطْبَةِ فَيَخْطُبُ وَاقِفًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً

وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ فَرْضًا‏,‏ فَلَوْ صَلاَّهَا إمَامٌ دُونَ خُطْبَةٍ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ جَهْرًا، وَلاَ بُدَّ وَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهُمَا عَلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ مُقْبِلاً عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ‏,‏ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى‏,‏ وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِالآخِرَةِ‏,‏ وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا خَطَبَ بِهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ‏,‏ وَلَوْ خَطَبَ بِسُورَةٍ يَقْرَؤُهَا‏:‏ فَحَسَنٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى النَّاسِ إذْ دَخَلَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ إذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏:‏ أَنَّهُمَا كَانَا يُسَلِّمَانِ إذَا قَعَدَا عَلَى الْمِنْبَرِ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِع ٍعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ‏,‏ ثُمَّ يَقُومُ‏,‏ كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ‏,‏ وَمُعَاوِيَةَ‏,‏ أَنَّهُمَا كَانَا يَخْطُبَانِ جَالِسَيْنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏ فَإِنَّمَا لَنَا الاِئْتِسَاءُ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِعْلُهُ فَرْضًا فأما أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٌ فَقَالاَ‏:‏ الْخُطْبَةُ فَرْضٌ لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ إلاَّ بِهَا‏,‏ وَالْوُقُوفُ فِي الْخُطْبَةِ فَرْضٌ‏,‏ وَاحْتَجَّا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

ثُمَّ تَنَاقَضَا فَقَالاَ‏:‏ إنْ خَطَبَ جَالِسًا أَجْزَأَهُ‏,‏ وَإِنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَخْطُبْ لَمْ يُجْزِهِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ مَنْ أَخْبَرَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ فِعْلِهِ عليه السلام فَرْضًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ فَرْضٍ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ‏.‏

ثُمَّ تَنَاقَضَ فَأَجَازَ الْجُمُعَةَ لِمَنْ خَطَبَ قَاعِدًا‏,‏ وَالْقَوْلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ فِي إجَازَتِهِمَا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ فَرْقَ وَقَالَ عَطَاءٌ‏,‏ وَطَاوُسٌ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ‏:‏ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُصَلِّهَا إلاَّ أَرْبَعًا‏,‏ لأَِنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْت طَاوُسًا‏,‏ وَعَطَاءً يَقُولاَنِ‏:‏ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صَلَّى أَرْبَعًا وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى

حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ‏:‏ إذَا لَمْ تُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلِّ أَرْبَعًا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ الْخُطْبَةُ مَوْضِعُ الرَّكْعَتَيْنِ‏,‏ فَمَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ صَلَّى أَرْبَعًا قال أبو محمد‏:‏ الْحَنَفِيُّونَ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ‏:‏ الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ وَأَقْوَى‏,‏ فَيَلْزَمُهُمْ الأَخْذُ بِقَوْلِ عُمَرَ هَهُنَا‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا قال أبو محمد‏:‏ مَنْ احْتَجَّ فِي إيجَابِ فَرْضِ الْخُطْبَةِ بِأَنَّهَا جُعِلَتْ بَدَلاً عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ هَؤُلاَءِ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي إيجَابِ الْخُطْبَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا‏}‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا الاِحْتِجَاجُ لاَ مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ فِي تَصْوِيبِ قَوْلِهِمْ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ قَائِمًا‏,‏ وَهَكَذَا نَقُولُ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهُمْ تَرَكُوهُ عليه السلام قَاعِدًا‏,‏ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ‏,‏ وَلَيْسَ فِي إنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْكِهِمْ لِنَبِيِّهِ عليه السلام قَائِمًا‏:‏ إيجَابٌ لِفَرْضِ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ‏,‏ وَلاَ لِفَرْضِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا فَلاَ جُمُعَةَ لَهُ، وَلاَ لَهُمْ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ‏,‏ فَظَهَرَ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِالآيَةِ عَلَيْهِمْ‏,‏ وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ لاَِقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَلَى إيجَابِ الْقِيَامِ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى إيجَابِ الْخُطْبَةِ‏,‏ إنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ قِيَامًا فَقَطْ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا تُعْجَلُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ مَنْ لَمْ يَخْطُبْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

وَقَدْ قَالَهُ أَيْضًا ابْنُ سِيرِينَ‏:‏ وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ بِجَارِي عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ‏:‏ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ إنَّمَا مُرَادُهُ إلَى الْخُطْبَةِ وَجَعَلَ هَذَا حُجَّةً فِي إيجَابِ فَرْضِهَا قال أبو محمد‏:‏ وَمَنْ لِهَذَا الْمُقْدِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا الْخُطْبَةَ بَلْ أَوَّلُ الآيَةِ وَآخِرُهَا يُكَذِّبَانِ ظَنَّهُ الْفَاسِدَ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا افْتَرَضَ السَّعْيَ إلَى الصَّلاَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا‏,‏ وَأَمَرَ إذَا قُضِيَتْ بِالاِنْتِشَارِ وَذَكَرَهُ كَثِيرًا‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِالسَّعْيِ لَهُ هُوَ الصَّلاَةُ‏,‏ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ‏,‏ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّمْجِيدِ‏,‏ وَالْقِرَاءَةِ‏,‏ وَالتَّشَهُّدِ لاَ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا الْجَاهِلُ لَكَانَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا وَأَدْرَكَ الصَّلاَةَ غَيْرَ مُؤَدٍّ لِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ السَّعْيِ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا‏,‏ وَقَدْ قَالَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ‏,‏ فَلاَ يَكْذِبُونَ ثَانِيَةً فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ مُمَوِّهِينَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمْ يُصَلِّهَا عليه السلام قَطُّ إلاَّ بِخُطْبَةٍ قلنا‏:‏ وَلاَ صَلاَّهَا عليه السلام قَطُّ إلاَّ بِخُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا‏,‏ فَاجْعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا لاَ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلاَّ بِهِ‏,‏ وَلاَ صَلَّى عليه السلام قَطُّ إلاَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الآُولَى‏,‏ فَأَبْطِلُوا الصَّلاَةَ بِتَرْكِ ذَلِكَ وأما قَوْلُنَا‏:‏ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ فَاقْتِدَاءٌ بِظَاهِرِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ تُجْزِئُ تَكْبِيرَةٌ‏,‏ وَهَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لاِِيجَابِهِ الْخُطْبَةَ فَرْضًا‏,‏ لأَِنَّ التَّكْبِيرَةَ لاَ تُسَمَّى خُطْبَةً‏,‏ وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ إذَا جَازَ هَذَا عِنْدَكُمْ فَلِمَ لاَ أَجْزَأَتْ عَنْ الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ فَهِيَ ذِكْرٌ وقال مالك‏:‏ الْخُطْبَةُ‏:‏ كُلُّ كَلاَمٍ ذِي بَالٍ قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَ هَذَا حَدًّا لِلْخُطْبَةِ‏,‏ وَهُوَ يَرَاهَا فَرْضًا‏,‏ وَمَنْ أَوْجَبَ فَرْضًا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَحْدِيدُهُ‏,‏ حَتَّى يَعْلَمَهُ مُتَّبِعُوهُ عِلْمًا لاَ إشْكَالَ فِيهِ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ جَهِلُوا فَرْضَهُمْ وأما خُطْبَتُهَا عَلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ فَهَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَحَّتْ بِذَلِكَ الآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا أَيْضًا فَرْضًا‏,‏ لأَِنَّهُ مُذْ عُمِلَ الْمِنْبَرُ لَمْ يَخْطُبْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ إلاَّ عَلَيْهِ وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنْ خَطَبَ بِسُورَةٍ يَقْرَؤُهَا‏:‏ فَحَسَنٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنَةٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ ‏"‏ مَا حَفِظْت ق إلاَّ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ‏,‏ وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا ‏"‏‏.‏

528 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ تَجُوزُ إطَالَةُ الْخُطْبَةِ‏,‏ فَإِنْ قَرَأَ فِيهَا بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ أَوْ آيَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فَيَسْجُدَ وَالنَّاسُ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ حَرَجَ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو وَائِلٍ‏:‏ خَطَبَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ‏,‏ فَلَمَّا نَزَلَ قلنا‏:‏ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ‏,‏ لَقَدْ أَبْلَغْت وَأَوْجَزْت فَلَوْ كُنْت تَنَفَّسْت فَقَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرِ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ‏,‏ فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ‏,‏ فَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ أَحْسِنُوا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَاقْصُرُوا هَذِهِ الْخُطَبَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ شَهِدْت ابْنَ مَعْدَان فِي جَامِعِ قُرْطُبَةَ قَدْ أَطَالَ الْخُطْبَةَ‏,‏ حَتَّى أَخْبَرَنِي بَعْضُ وُجُوهِ النَّاسِ أَنَّهُ بَالَ فِي ثِيَابِهِ‏.‏

وَكَانَ قَدْ نَشِبَ فِي الْمَقْصُورَةِ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ السَّلِيمِ الْقَاضِي، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلِمَا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ فَسَجَدَ بِالنَّاسِ سَجْدَتَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ فَسَجَدُوا مَعَهُ‏,‏ ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الآُخْرَى فَتَهَيَّئُوا لِلسُّجُودِ‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ عَلَى رِسْلِكُمْ‏,‏ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلاَّ أَنْ نَشَاءَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ‏.‏

حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ‏,‏ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ‏,‏ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا‏,‏ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ‏,‏ إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ‏,‏ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ‏:‏ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ كَانَ يَخْطُبُ فَقَرَأَ ‏"‏ ص وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ‏,‏ لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ بِالْمَدِينَةِ‏,‏ وَالْبَصْرَةِ‏,‏ وَالْكُوفَةِ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ‏,‏ وَقَدْ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ الْمَشْهُورَةِ‏,‏ فَأَيْنَ دَعْوَاهُمْ اتِّبَاعَ عَمَلِ الصَّحَابَةِ ‏.‏

529 - مَسْأَلَةٌ

وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ مُدَّةَ خُطْبَةِ الإِمَامِ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ‏,‏ إلاَّ التَّسْلِيمَ إنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ‏,‏ وَرَدَّ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ مِمَّنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ‏,‏ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إنْ عَطَسَ‏,‏ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ إنْ حَمِدَ اللَّهَ‏,‏ وَالرَّدَّ عَلَى الْمُشَمِّتِ‏,‏ وَالصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَرَ الْخَطِيبُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ‏,‏ وَالتَّأْمِينَ عَلَى دُعَائِهِ‏,‏ وَابْتِدَاءَ مُخَاطَبَةِ الإِمَامِ فِي الْحَاجَةِ تَعِنُّ‏,‏ وَمُجَاوَبَةَ الإِمَامِ مِمَّنْ ابْتَدَأَهُ الإِمَامُ بِالْكَلاَمِ فِي أَمْرٍ مَا فَقَطْ

وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ حِينَئِذٍ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ‏:‏ انْصِتْ‏,‏ وَلَكِنْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يَغْمِزُهُ‏,‏ أَوْ يَحْصِبُهُ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا ذَاكِرًا عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلاَ جُمُعَةَ لَهُ فَإِنْ أَدْخَلَ الْخَطِيبُ فِي خُطْبَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْكَلاَمُ مُبَاحٌ حِينَئِذٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ إذَا جَلَسَ الإِمَامُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَالْكَلاَمُ حِينَئِذٍ مُبَاحٌ‏,‏ وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ وَابْتِدَاءِ الصَّلاَةِ أَيْضًا‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ الْمَسُّ لِلْحَصَى مُدَّةَ الْخُطْبَةِ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ زِيَادِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ الْقَرْثَعِ الضَّبِّيِّ وَكَانَ مِنْ الْقُرَّاءِ الأَوَّلِينَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا أُمِرَ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلاَتَهُ إلاَّ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏,‏ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عن ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏:‏ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا‏}‏‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ سُورَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لاُِبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ أُبَيٌّ‏,‏ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لاَِبِي ذَرٍّ‏:‏ مَا لَكَ مِنْ صَلاَتِكَ إلاَّ مَا لَغَوْتَ‏,‏ فَدَخَلَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ‏.‏

وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ‏:‏ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ كَانَ بِمَكَّةَ فَجَاءَ كريه وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ حَبَسْت الْقَوْمَ قَدْ ارْتَحَلُوا‏,‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ لاَ تَعْجَلْ حَتَّى نَنْصَرِفَ‏,‏ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ أَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ‏,‏ وأما أَنْت فَلاَ جُمُعَةَ لَك وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً اسْتَفْتَحَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ آيَةً وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏,‏ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ‏:‏ هَذَا حَظُّك مِنْ صَلاَتِك قال أبو محمد‏:‏ فَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ‏,‏ كُلُّهُمْ يُبْطِلُ صَلاَةَ مَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الْخُطْبَةِ‏.‏

وَبِهِ نَقُولُ‏,‏ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ‏,‏ لأَِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ بَطَلَ أَجْرُهُ قال أبو محمد‏:‏ وَإِذَا بَطَلَ أَجْرُهُ فَقَدْ بَطَلَ عَمَلُهُ بِلاَ شَكٍّ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَصَبَ رَجُلَيْنِ كَانَا يَتَكَلَّمَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَأَنَّهُ رَأَى سَائِلاً يَسْأَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُ‏,‏ وَأَنَّهُ كَانَ يُومِئُ إلَى الرَّجُلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏:‏ أَنْ اُسْكُتْ وأما إذَا أَدْخَلَ الإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ مَدْحَ مَنْ لاَ حَاجَةَ بِالْمُسْلِمِينَ إلَى مَدْحِهِ‏,‏ أَوْ دُعَاءً فِيهِ بَغْيٌ وَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ‏,‏ أَوْ ذَمَّ مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ‏:‏ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْخُطْبَةِ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ الإِنْصَاتُ لِذَلِكَ‏,‏ بَلْ تَغْيِيرُهُ وَاجِبٌ إنْ أَمْكَنَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت الشَّعْبِيَّ‏,‏ وَأَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ يَتَكَلَّمَانِ وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ حِينَ قَالَ‏:‏ لَعَنَ اللَّهُ وَلَعَنَ اللَّهُ‏,‏ فَقُلْت‏:‏ أَتَتَكَلَّمَانِ فِي الْخُطْبَةِ فَقَالاَ‏:‏ لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ يَتَكَلَّمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ زَمَنَ الْحَجَّاجِ قال أبو محمد‏:‏ كَانَ الْحَجَّاجُ وَخُطَبَاؤُهُ يَلْعَنُونَ عَلِيًّا‏,‏ وَابْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم وَلُعِنَ لاَعنهم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ رُوِّينَا خِلاَفًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لاَ نَقُولُ بِهِ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عن ابْنِ نَائِلٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالْكَلاَمِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ‏.‏

وأما ابْتِدَاءُ السَّلاَمِ وَرَدُّهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رُبَيْعٍ حَدَّثَنَا قَالَ

حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا بِشْرٌ، هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ‏,‏ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ‏,‏ فَلَيْسَتْ الآُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الآخِرَةِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا‏}‏‏.‏

وأما حَمْدُ الْعَاطِسِ وَتَشْمِيتُهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رُبَيْعٍ حَدَّثَنَا قَالَ

حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ‏:‏ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ‏,‏ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ‏,‏ وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ‏:‏ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إنَّ بَيْنَ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ وَبَيْنَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ‏:‏ خَالِدَ بْنَ عَرْفَجَةَ وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد

حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏,‏ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ‏,‏ وَيَقُولُ هُوَ‏:‏ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فإن قيل‏:‏ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الْكَلاَمِ وَالأَمْرُ بِالإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ‏,‏ وَصَحَّ الأَمْرُ بِالسَّلاَمِ وَرَدِّهِ‏,‏ وَبِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْعُطَاسِ وَتَشْمِيتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَرَدِّهِ‏,‏ فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ إلاَّ فِي الْخُطْبَةِ‏,‏ وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ‏:‏ بِالإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ إلاَّ عَنْ السَّلاَمِ وَرَدِّهِ وَالْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَالرَّدِّ‏,‏ فَمَنْ لَكُمْ بِتَرْجِيحِ اسْتِثْنَائِكُمْ وَتَغْلِيبِ اسْتِعْمَالِكُمْ لِلأَخْبَارِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ غَيْرِكُمْ وَاسْتِعْمَالِهِ لِلأَخْبَارِ‏,‏ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏:‏ قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاَةِ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ وَالْقِيَاسُ لِلْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلاَةِ بَاطِلٌ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْخُطْبَةَ يَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الْخَطِيبِ بِالْكَلاَمِ وَمُجَاوَبَتِهِ‏,‏ وَابْتِدَاءُ ذِي الْحَاجَةِ لِلَّهِ بِالْمُكَالَمَةِ وَجَوَابِ الْخَطِيبِ لَهُ‏,‏ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا‏,‏ وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ هُوَ فَرْضًا‏,‏ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ‏.‏

وَيَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الدَّاخِلِ بِالصَّلاَةِ تَطَوُّعًا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْكَلاَمَ الْمَأْمُورَ بِهِ مُغَلَّبٌ عَلَى الإِنْصَاتِ فِيهَا‏,‏ لأَِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ جَوَازُهُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ الْمُبَاحُ جَائِزًا فِيهَا وَيَكُونُ الْكَلاَمُ الْفَرْضُ الْمَأْمُورُ بِهِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ فِيهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا أَبُو عَمْرٍو هُوَ الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏,‏ هَلَكَ الْمَالُ‏,‏ وَجَاعَ الْعِيَالُ‏,‏ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا‏,‏ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ‏,‏ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ‏:‏ انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ‏,‏ فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏,‏ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ‏,‏ لاَ يَدْرِي مَا دِينُهُ‏,‏ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ‏,‏ وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا‏,‏ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَتَى إلَى خُطْبَتِهِ فَأَتَمَّ آخِرَهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَبُو رِفَاعَةَ هَذَا تَمِيمُ الْعَدَوِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُتَّصِلِ بِهِ كَلاَمَ عُمَرَ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ فَرْضًا‏.‏

وَذَكَرْنَا قَبْلُ كَلاَمَ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَكَلاَمَ عُثْمَانَ مَعَهُ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فِي أَمْرِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْكَارِ تَرْكِهِ‏,‏ لاَ يُنْكِرُ الْكَلاَمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ حَتَّى نَشَأَ مَنْ لاَ يَعْتَدُّ بِهِ مَعَ مَنْ ذَكَرْنَا‏.‏

وَالْعَجِيبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ بِزَعْمِهِمْ قَالَ‏:‏ لَعَلَّ هَذَا قَبْلَ نَسْخِ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ قَالَ‏:‏ فِي الْخُطْبَةِ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدَ نَسْخَ الْكَلاَمِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخُطْبَةِ وَمَا الَّذِي أَدْخَلَ الصَّلاَةَ فِي الْخُطْبَةِ وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ فِي أَحْكَامِهَا‏.‏

وَلَوْ خَطَبَ الْخَطِيبُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمَا ضَرَّ ذَلِكَ خُطْبَتَهُ‏,‏ وَهُوَ يَخْطُبُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ‏,‏ فَأَيْنَ الصَّلاَةُ مِنْ الْخُطْبَةِ لَوْ عَقَلُوا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَالدِّينُ لاَ يُؤْخَذُ بِ ‏"‏ لَعَلَّ ‏"‏ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ يُسَلِّمُ‏,‏ وَيَرُدُّ السَّلاَمَ‏,‏ وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏.‏

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُهُ‏.‏

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ‏,‏ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالاَ‏:‏ رُدَّ السَّلاَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْمَعْ‏.‏

وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ‏:‏ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ رَجُلٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ فَقَالاَ جَمِيعًا‏:‏ يُسَلِّمُ وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ‏,‏ وَإِنْ عَطَسَ شَمَّتُوهُ‏,‏ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ إذَا عَطَسَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى‏,‏ أَوْ سَلَّمَ وَأَنْت تَسْمَعُهُ وَتَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَشَمِّتْهُ فِي نَفْسِك‏,‏ وَرُدَّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِك‏,‏ فَإِنْ كُنْت لاَ تَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَشَمِّتْهُ وَأَسْمِعْهُ‏,‏ وَرُدَّ عَلَيْهِ‏,‏ وَأَسْمِعْهُ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ قَالاَ جَمِيعًا فِي الرَّجُلِ يُسَلِّمُ وَهُوَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ‏:‏ أَنَّهُ يَرُدُّ وَيُسْمِعُهُ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ وَيَرُدَّ السَّلاَمَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

530 - مَسْأَلَةٌ

وَالاِحْتِبَاءُ جَائِزٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏,‏ وَكَذَلِكَ شُرْبُ الْمَاءِ‏,‏ وَإِعْطَاءُ الصَّدَقَةِ‏,‏ وَمُنَاوَلَةُ الْمَرْءِ أَخَاهُ حَاجَتَهُ‏,‏ لأَِنَّ كُلَّ هَذَا أَفْعَالُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا نَهْيٌ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏ وَلَوْ كُرِهَتْ أَوْ حَرُمَتْ لَبَيَّنَّ ذَلِكَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَمَا كَانَ رُبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الاِحْتِبَاءِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ‏.‏

وَأَبُو مَرْحُومٍ هَذَا مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلاَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ‏.‏

رُوِّينَا عن ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَبِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏,‏ وَكَذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ‏,‏ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ‏,‏ وَمَكْحُولٌ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ‏,‏ وَنُعَيْمُ بْنُ سَلاَمَةَ‏,‏ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ كَرَّهَهُ‏,‏ إلاَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ وَحْدَهُ‏,‏ وَلَمْ تُرْوَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ إبَاحَةَ شُرْبِ الْمَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ‏:‏ إنْ شَرِبَ الْمَاءَ فَسَدَتْ جُمُعَتُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

531 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا آدَم، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ‏:‏ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا أَمْرٌ لاَ حِيلَةَ لِمُمَوِّهٍ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ

حدثنا قُتَيْبَةُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَلَّيْتَ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ‏:‏ قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ‏.‏

هَذَا لَفْظُ إِسْحَاقَ‏.‏

وَقَالَ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ ‏"‏ رَكْعَتَيْنِ ‏"‏‏.‏

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالاَ

حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عليه السلام‏:‏ أَصَلَّيْتَ شَيْئًا قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ قَالَ‏:‏ صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏"‏ أَنَّهُ جَاءَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ فَقَامَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ‏,‏ فَأَجْلَسُوهُ‏,‏ فَأَبَى‏,‏ وَقَالَ‏:‏ أَبَعْدَ مَا صَلَّيْتُمُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِأَصَحِّ أَسَانِيدَ تُوجِبُ الْعِلْمَ بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ وَصَلاَّهُمَا أَبُو سَعِيدٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ‏,‏ وَلاَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ‏,‏ إلاَّ شُرَطُ مَرْوَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِالْبَاطِلِ وَعَمِلُوا الْبَاطِلَ فِي الْخُطْبَةِ‏,‏ فَأَظْهَرُوا بِدْعَةً وَرَامُوا إمَاتَةَ سُنَّةٍ وَإِطْفَاءَ حَقٍّ‏,‏ فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَقْتَدِي بِهِمْ وَيَدَعُ الصَّحَابَةَ وَقَدْ رَوَى النَّاسُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ‏.‏

فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ فَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَخُصَّ إلاَّ مَا خَصَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ يَجِدُ الإِمَامَ يُقِيمُ لِصَلاَةِ الْفَرْضُ‏,‏ أَوْ قَدْ دَخَلَ فِيهَا وَسُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَ هَؤُلاَءِ لِعَكْسِ الْحَقَائِقِ‏,‏ فَقَالُوا‏:‏ مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلاَ يَرْكَعْ‏,‏ وَمَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَلَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، وَلاَ رَكَعَ رَكْعَتِي الْفَجْرِ فَلْيَتْرُكْ الْفَرِيضَةَ وَلْيَشْتَغِلْ بِالنَّافِلَةِ فَعَكَسُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَكْسًا‏.‏

وَلَوْلاَ الْبُرْهَانُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِأَنْ لاَ فَرْضَ إلاَّ الْخَمْسُ لَكَانَتْ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فَرْضًا‏,‏ وَلَكِنَّهُمَا فِي غَايَةِ التَّأْكِيدِ‏,‏ لاَ شَيْءَ مِنْ السُّنَنِ أَوْكَدُ مِنْهُمَا‏,‏ لِتَرَدُّدِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ

حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّلاَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَالَ‏:‏ لَوْ أَنَّ النَّاسَ فَعَلُوهُ كَانَ حَسَنًا وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ

حدثنا بَرِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ يَخْطُبُ‏,‏ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَلَسَ‏.‏

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ إذَا جِئْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ فَإِنْ شِئْت صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ‏,‏ وَمَكْحُولٍ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ‏,‏ وَالْحُمَيْدِيِّ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ‏,‏ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمَا وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ‏:‏ إنْ كَانَ صَلاَّهُمَا فِي بَيْتِهِ جَلَسَ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهِمَا فِي بَيْتِهِ رَكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ لاَ يُصَلِّ‏,‏ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِمَا فَلْيُتِمَّهُمَا قال أبو محمد‏:‏ إنْ كَانَتَا حَقًّا فَلِمَ لاَ يَبْتَدِئُ بِهِمَا فَالْخَيْرُ يَنْبَغِي الْبِدَارُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتَا خَطَأً وَغَيْرَ جَائِزَتَيْنِ فَمَا يَجُوزُ التَّمَادِي عَلَى الْخَطَأِ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمَا بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏,‏ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ‏;‏ لأَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا‏,‏ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَكَعَهُمَا ثُمَّ تَخَطَّى‏,‏ وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ يَكُونَ رَكَعَهُمَا‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ لاَ أَنَّهُ رَكَعَ‏,‏ وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ‏:‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلاَ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدَ الْكَذَّابِينَ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ‏,‏ وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ‏:‏ لَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بِالرُّكُوعِ‏,‏ وَمُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لَهُمْ، وَلاَ عَلَيْهِمْ وَالرَّابِعُ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ وَصَحَّ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ‏.‏

وَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِ عليه السلام مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ بِأَنْ يَرْكَعَ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ‏:‏ لِمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ‏,‏ لاَِنَّنَا لَمْ نَقُلْ‏:‏ إنَّهُمَا فَرْضٌ‏,‏ وَإِنَّمَا قلنا‏:‏ إنَّهُمَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ صَلاَتِهِمَا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْفَاسِدِ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏,‏ وَبَقِيَ أَمْرُهُ عليه السلام بِصَلاَتِهِمَا لاَ مُعَارِضَ لَهُ وَتَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏"‏ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ ‏"‏ فَذَكَر الْحَدِيثَ‏.‏

وَفِيهِ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ هَذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطُنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ‏,‏ لأَِنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَلاَتِهِمَا‏,‏ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ اعْتِرَاضٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ‏.‏

وَفِيهِ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ مِنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ‏:‏ قُولُوا لَنَا‏:‏ هَلْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ أُمّ بِبَاطِلٍ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ بِبَاطِلٍ‏,‏ كَفَرُوا‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ بِحَقٍّ أَبْطَلُوا مَذْهَبَهُمْ‏,‏ وَلَزِمَهُمْ الأَمْرُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحَّ أَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏,‏ إذْ لاَ يَأْمُرُ عليه السلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلاَّ بِحَقٍّ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ‏:‏ إذْ قُلْتُمْ هَذَا فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ بِهِ فَتَأْمُرُونَ مَنْ دَخَلَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَمْ لاَ تَرَوْنَ ذَلِكَ إنْ قَالُوا‏:‏ نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ تَرَكُوا مَذْهَبَهُمْ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَسْنَا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي تَوْجِيهِكُمْ لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وُجُوهًا أَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا‏,‏ وَعَاصُونَ لِلْخَبَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهَلْ هَهُنَا إلاَّ إيهَامُ الضُّعَفَاءِ الْمُغْتَرِّينَ الْمَحْرُومِينَ أَنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ حُكْمَ الْخَبَرِ وَصَحَّحْتُمْ بِذَلِكَ قَوْلَكُمْ وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِالضِّدِّ‏,‏ بَلْ هُوَ عَلَيْكُمْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وقال بعضهم‏:‏ لَمَّا لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا‏,‏ وَلاَ قَضَاهَا رَسُولُهُ عليه السلام‏,‏ بَلْ قَدْ فَرَّقَ عليه السلام بَيْنَهُمَا‏,‏ بِأَنْ أَمَرَ مَنْ حَضَرَ بِالإِنْصَاتِ وَالاِسْتِمَاعِ‏,‏ وَأَمَرَ الدَّاخِلَ بِالصَّلاَةِ‏,‏ فَالْمُعْتَرِضُ عَلَى هَذَا مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عليه السلام‏,‏ فَالْمُتَطَوِّعُ جَائِزٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ وَلِمَنْ دَخَلَ مَا لَمْ تَقُمْ الإِقَامَةُ لِلصَّلاَةِ ‏.‏

532 - مَسْأَلَةٌ

وَالْكَلاَمُ مُبَاحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا دَامَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الْخَطِيبُ بِالْخُطْبَةِ

وَالْكَلاَمُ جَائِزٌ بَعْدَ الْخُطْبَةِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ الإِمَامُ‏.‏

وَالْكَلاَمُ جَائِزٌ فِي جِلْسَةِ الإِمَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ‏,‏ لأَِنَّ الْكَلاَمَ بِالْمُبَاحِ مُبَاحٌ إلاَّ حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ‏,‏ وَلَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ إلاَّ مِنْ الْكَلاَمِ فِي خُطْبَةِ الإِمَامِ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ‏,‏ فَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إلَى الْمُصَلَّى فَيُصَلِّي‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ لَهُ بِلاَلٌ‏:‏ يَا أَبَا بَكْرٍ قَالَ‏:‏ لَبَّيْكَ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ أَمْ لِنَفْسِك قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ قَالَ‏:‏ فَأْذَنْ لِي أُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ فَأَذِنَ لَهُ‏,‏ فَذَهَبَ إلَى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا رضي الله عنه‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ بُرْدِ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ كَلاَمُ الإِمَامِ يَقْطَعُ الْكَلاَمَ‏:‏ فَلَمْ يَرَ عُمَرُ الْكَلاَمَ يَقْطَعُهُ إلاَّ كَلاَمُ الإِمَامِ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي الصَّعْبَةِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ‏:‏ هَلْ اشْتَرَيْت لَنَا وَهَلْ أَتَيْتنَا بِهَذَا يَعْنِي الْحَبَّ وَعَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَالِسًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ وَعُثْمَانُ يَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ أَسْعَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ‏.‏

وَعَنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ كَلاَمُ الإِمَامِ يَقْطَعُ الْكَلاَمَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ‏:‏ قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏:‏ كَيْفَ أَصْبَحْت وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالْكَلاَمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الإِمَامُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ‏.‏

وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ مِثْلُهُ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلُهُ‏.‏

وَعَنْ الْحَسَنِ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالْكَلاَمِ فِي جُلُوسِ الإِمَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ‏.‏

533 - مَسْأَلَةٌ

وَمِنْ رَعَفَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ فَلْيَخْرُجْ وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَدْعُوهُ إلَى الْخُرُوجِ

وَلاَ مَعْنَى لاِسْتِئْذَانِ الإِمَامِ‏,‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ‏}‏‏.‏

وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ اسْتِئْذَانِ الإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الإِمَامُ‏,‏ أَتَرَاهُ يَبْقَى بِلاَ وُضُوءٍ أَوْ هُوَ يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ بِالدَّمِ أَوْ يُضَيِّعُ مَا لاَ يَجُوزُ لَهُ تَضْيِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا ‏.‏

534 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ صَلاَةَ فَرْضٍ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّهَا

سَوَاءٌ كَانَ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ‏.‏

وَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَقِيهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا خَطَأٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ نَظَرٌ‏,‏ وَلاَ مَعْقُولٌ‏,‏ بَلْ الْحُجَّةُ أَلْزَمُ لِلْفَقِيهِ فِي أَنْ لاَ يُضَيِّعَ دِينَهُ مِنْهَا لِغَيْرِهِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ يَرَاهُ الْجَاهِلُ فَيَظُنُّ الصَّلاَةَ تَطَوُّعًا جَائِزَةً حِينَئِذٍ قلنا‏:‏ لاَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ لِنَفْسِهِ مُخَالَفَةَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَضْيِيعَ فَرْضِهِ خَوْفَ أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ وَلَعَلَّ غَيْرَهُ لاَ يَظُنُّ ذَلِكَ أَوْ يَظُنُّ‏,‏ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ‏}‏‏.‏

535 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ إلاَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً‏,‏ أَوْ الْجُلُوسَ فَقَطْ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَلْيَقْضِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلاَّ الْجُلُوسَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ‏.‏

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَضَى إلَيْهَا أُخْرَى‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلاَّ رَفْعَ الرَّأْسِ مِنْ الرَّكْعَةِ فَمَا بَعْدَهُ صَلَّى أَرْبَعًا‏.‏

وَقَالَ عَطَاءُ‏,‏ وَطَاوُسٌ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْخُطْبَةِ صَلَّى أَرْبَعًا‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِأَنَّ الْخُطْبَةَ جُعِلَتْ بِإِزَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ‏,‏ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا‏:‏ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ الآُولَى وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً‏,‏ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ‏:‏ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلاَةَ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ النَّضْرِيُّ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حدثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ‏,‏ وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ‏,‏ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ‏,‏ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ‏:‏ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا‏:‏ اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلاَةِ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَلاَ تَفْعَلُوا إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ‏,‏ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏.‏

فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ مَا أَدْرَكَ‏,‏ وَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ‏,‏ وَسَمَّاهُ مُدْرِكًا لِمَا أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ‏,‏ فَمَنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا‏,‏ أَوْ سَاجِدًا‏,‏ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَلْتَزِمَ إمَامَتَهُ‏,‏ وَيَكُونَ بِذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ دَاخِلاً فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ‏,‏ فَإِنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ وَيُتِمُّ تِلْكَ الصَّلاَةَ‏,‏ وَلَمْ تَفُتْهُ إلاَّ رَكْعَتَانِ‏,‏ وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ فَلاَ تُصَلَّى إلاَّ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى الَّذِي فِيهِ ‏"‏ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً ‏"‏ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُمْ جُلُوسٌ قَالَ‏:‏ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ‏,‏ قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ فَقُلْنَا لَهُ‏:‏ مَا قَالَ هَذَا عَنْ إبْرَاهِيمَ إلاَّ حَمَّادٌ قَالَ الْحَكَمُ‏:‏ وَمَنْ مِثْلُ حَمَّادٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ إنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا فِي آخِرِ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قال أبو محمد‏:‏ إلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا‏,‏ لأَِنَّ مِنْ أُصُولِهِمْ الَّتِي جَعَلُوهَا دِينًا أَنَّ قَوْلَ الصَّاحِبِ الَّذِي يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى إلَيْهَا أُخْرَى‏,‏ وَإِنْ وَجَدَ الْقَوْمَ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا‏.‏

وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ‏.‏

نَعَمْ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَتْ فِيهِ آثَارٌ لَيْسَتْ بِأَضْعَفَ مِنْ حَدِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ‏,‏ وَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ‏,‏ وَالْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ‏,‏ فَخَالَفُوهَا إذْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدَيْنِ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ قال أبو محمد‏:‏ وأما نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ صَحَّ فِي هَذَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَتَعَدَّهُ ‏.‏

536 - مَسْأَلَةٌ

وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ‏,‏ وَالسِّوَاكُ

وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ‏,‏ إذْ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ‏,‏ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلاَ يَتَطَيَّبُ لَهَا الْمُحْرِمُ، وَلاَ الْمَرْأَةُ ‏,‏‏.‏

لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي النِّسَاءِ يَحْضُرُونَ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ‏,‏ وَلاَِنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ إحْدَاثِ التَّطَيُّبِ‏,‏ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَيَلْزَمُ الْغُسْلُ‏,‏ وَالسِّوَاكُ‏:‏ الْمُحْرِمَ‏,‏ وَالْمَرْأَةَ كَمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ‏,‏ فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ‏,‏ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ ‏.‏

537 - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ امْتَلاََتْ الرِّحَابُ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ صُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي الدُّورِ‏,‏ وَالْبُيُوتِ‏,‏ وَالدَّكَاكِينِ الْمُتَّصِلَةِ بِالصُّفُوفِ‏,‏ وَعَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ

بِحَيْثُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِمَا خَلْفَ الإِمَامِ‏,‏ لاَ لِلإِمَامِ، وَلاَ لِمَا أَمَامَ الإِمَامِ أَصْلاً وَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ وَالصُّفُوفِ نَهْرٌ عَظِيمٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ حَائِطٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ‏,‏ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ بِصَلاَةِ الإِمَامِ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدٌ، هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ‏,‏ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ‏,‏ فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ حُكْمُ الإِمَامَةِ سَوَاءٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا‏,‏ وَالنَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ‏,‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحْوَالِ الإِمَامَةِ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ جَاءَ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ الاِئْتِمَامِ بِالإِمَامِ إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا‏,‏ فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ الصَّلاَةِ فِي مَوْضِعٍ إلاَّ مَوْضِعًا جَاءَ النَّصُّ بِالْمَنْعِ مِنْ الصَّلاَةِ فِيهِ‏,‏ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ‏.‏

رُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تعالى عنها‏:‏ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي بَيْتِهَا بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ‏,‏ إذْ صَلَّتْ فِي بَيْتِهَا بِصَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الشَّقَرِيُّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْبَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ بَعْدَ أَنْ تَسْمَعَ التَّكْبِيرَ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ امْتَلاََ فَدَخَلَ دَارَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏,‏ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ‏,‏ فَصَلَّى مَعَهُمْ وَهُوَ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ‏.‏

وَعَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي بَيْتِ الْخَيَّاطِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّحْبَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا الْقِبَابُ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ‏:‏ جِئْت أَنَا وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّاسُ عَلَى الْجُدُرِ وَالْكَنَفِ‏,‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ أَبَا سَعِيدٍ‏,‏ أَتَرْجُو لِهَؤُلاَءِ قَالَ‏:‏ أَرْجُو أَنْ يَكُونُوا فِي الأَجْرِ سَوَاءً وقال مالك‏:‏ لاَ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ خَاصَّةً فِي مَكَان مَحْجُورٍ بِصَلاَةِ الإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ‏,‏ وأما سَائِرُ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ فِيهَا‏.‏

وَهَذَا لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَلاَ يُعَضِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ سَقِيمَةٌ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ‏,‏ وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ صَغِيرٌ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ‏,‏ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ تُجْزِهِ‏.‏

وَهَذَا كَلاَمٌ سَاقِطٌ‏,‏ لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ سَقِيمَةٌ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ‏,‏، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ وَحَدُّ النَّهْرِ الْكَبِيرِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْرِيَ فِيهِ السُّفُنُ قال أبو محمد‏:‏ لَيْتَ شِعْرِي أَيْ السُّفُنُ وَفِي السُّفُنِ مَا يَحْمِلُ أَلْفَ وَسْقٍ‏,‏ وَفِيهَا زُوَيْرِقٌ صَغِيرٌ يَحْمِلُ ثَلاَثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فَقَطْ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ صَلَّى بِصَلاَةِ الإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جُدُرٌ أَوْ نَهْرٌ فَلاَ يَأْتَمُّ بِهِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَهْرٍ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ

حدثنا قَتَادَةُ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ لاَ جُمُعَةَ لِمَنْ صَلَّى فِي الرَّحْبَةِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ زُرَارَةُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَوْ كَانَ تَقْلِيدًا لَكَانَ هَذَا لِصِحَّةِ إسْنَادِهِ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مَالِكٍ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ‏:‏ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ جُمُعَةَ لَهُمْ‏,‏ قُلْت‏:‏ لِمَ قَالَ‏:‏ لأَِنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا فَلاَ يَفْعَلُونَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كَمَا قَالَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَصِلَ الصَّفَّ فَلَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّ الْعَجَبَ كُلَّهُ مِمَّنْ يُجِيزُ الصَّلاَةَ حَيْثُ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاَةِ فِيهِ كَالْمَقْبَرَةِ‏,‏ وَمَعْطِنِ الإِبِلِ‏,‏ وَالْحَمَّامِ‏,‏ ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْهَا حَيْثُ لاَ نَصَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا‏,‏ كَالْمَوْضِعِ الْمَحْجُورِ‏,‏ أَوْ بَيْنَهَا نَهْرٌ كَبِيرٌ وَكُلُّ هَذَا كَمَا تَرَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

538 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَلَوْ إيمَاءً وَعَلَى الرُّكُوعِ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ

فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَصْلاً وَقَفَ كَمَا هُوَ‏,‏ فَإِذَا خَفَّ الأَمْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَجْزَأَهُ‏.‏

لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهَ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِمَرَضٍ أَوْ بِخَوْفٍ أَوْ بِمَنْعِ زِحَامٍ وَقَدْ صَلَّى السَّلَفُ الْجُمُعَةَ إيمَاءً فِي الْمَسْجِدِ‏,‏ إذْ كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ إلَى قُرْبِ غُرُوبِ الشَّمْسِ ‏.‏

539 - مَسْأَلَةٌ

وَإِنْ جَاءَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَقَدْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ صَلَّوْهَا جُمُعَةً

لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْجَمَاعَةِ ‏.‏

540 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ فَرَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَحَسَنٌ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ

وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ فَصَاعِدًا صَلَّى فِي مَوْضِعِهِ‏,‏ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَجِيءُ إلَى الْمَسْجِدِ إلاَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ‏,‏ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَاصَّةً‏,‏ فَالْمَجِيءُ إلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ‏:‏ فَضِيلَةٌ‏:‏ لِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حدثنا رَوْحٌ، هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ‏:‏ مَسْجِدِ الْحَرَامِ‏,‏ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الرِّحْلَةُ هِيَ السَّفَرُ‏,‏ وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ السَّفَرَ مِيلٌ فَصَاعِدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

541 - مَسْأَلَةٌ

وَالصَّلاَةُ فِي الْمَقْصُورَةِ جَائِزَةٌ

وَالإِثْمُ عَلَى الْمَانِعِ لاَ عَلَى الْمُطْلَقِ لَهُ دُخُولُهَا‏,‏ بَلْ الْفَرْضُ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ دُخُولُهَا أَنْ يَصِلَ الصُّفُوفَ فِيهَا‏,‏ لأَِنَّ إكْمَالَ الصُّفُوفِ فَرْضٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ فَحَقُّهُ أَطْلَقَ لَهُ‏,‏ وَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ‏,‏ وَمَنْ مُنِعَ فَحَقُّهُ مُنِعَ مِنْهُ وَالْمَانِعُ مِنْ الْحَقِّ ظَالِمٌ‏,‏ وَلاَ إثْمَ عَلَى الْمَمْنُوعِ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ ‏.‏

542 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ مِنْ أَثَرِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ‏,‏ وَمِنْ أَوَّلِ أَخْذِهَا فِي الزَّوَالِ وَالْمَيْلِ إلَى أَنْ تُقْضَى صَلاَةُ الْجُمُعَةِ

فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ قَدْ مُنِعَ أَهْلُهَا الْجُمُعَةَ أَوْ كَانَ سَاكِنًا بَيْنَ الْكُفَّارِ‏,‏ وَلاَ مُسْلِمَ مَعَهُ‏:‏ فَإِلَى أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَ يَوْمِهِ‏,‏ أَوْ يُصَلُّوا ذَلِكَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ‏:‏ فَإِلَى أَنْ يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ‏.‏

وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ أَبَدًا إنْ وَقَعَ، وَلاَ يُصَحِّحُهُ خُرُوجُ الْوَقْتِ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ التَّبَايُعُ مِنْ مُسْلِمِينَ‏,‏ أَوْ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ‏,‏ أَوْ مِنْ كَافِرِينَ‏.‏

وَلاَ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ‏:‏ نِكَاحٌ‏,‏ وَلاَ إجَازَةٌ‏,‏ وَلاَ سَلَمٌ‏,‏ وَلاَ مَا لَيْسَ بَيْعًا وقال مالك كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ مُسْلِمٌ‏,‏ وَفِي النِّكَاحِ‏,‏ وَعَقْدِ الإِجَارَةِ‏,‏ وَالسَّلَمِ‏,‏ وَأَبَاحَ الْهِبَةَ‏,‏ وَالْقَرْضَ‏,‏ وَالصَّدَقَةَ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ الْبَيْعُ‏,‏ وَالنِّكَاحُ‏,‏ وَالإِجَارَةُ‏,‏ وَالسَّلَمُ‏:‏ جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ‏}‏ وَوَقْتُ النِّدَاءِ‏:‏ هُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ‏,‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلاَةِ وَأَبَاحَهُ بَعْدَهَا‏,‏ فَهُوَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَلَمْ يُحَرِّمْ تَعَالَى نِكَاحًا‏,‏ وَلاَ إجَارَةً‏,‏ وَلاَ سَلَمًا‏,‏ وَلاَ مَا لَيْسَ بَيْعًا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا‏.‏

وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الصَّلاَةِ غَيْرَ مُتَشَاغِلٍ بِهَا فَجَازَ كُلُّ ذَلِكَ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ السَّعْيِ إلَى الصَّلاَةِ‏.‏

فَظَهَرَ تَنَاقُضُ قَوْلِ مَالِكٍ وَفَسَادُهُ فَإِنْ كَانَ جَعَلَ عِلَّةَ كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ التَّشَاغُلَ‏,‏ سَأَلْنَاهُمْ عَمَّنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَلْ بَاعَ أَوْ أَنْكَحَ‏,‏ أَوْ أَجَرَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الْجُمُعَةِ‏,‏ أَوْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ يُفْسَخُ‏,‏ فَبَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِالتَّشَاغُلِ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلُوا بِالتَّشَاغُلِ فَقَدْ قَاسُوا عَلَى غَيْرِ عِلَّةٍ‏,‏ وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ‏:‏ بِالْقِيَاسِ‏,‏ فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لاَ يَقُولُ بِهِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ النِّكَاحُ بَيْعٌ‏,‏ قلنا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بَيْعًا، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَبِيعَ‏:‏ فَنَكَحَ أَوْ أَجَرَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ لاَ يَحْنَثُ وَاعْتَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّشَاغُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ فَقَطْ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ‏,‏ وَقَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى خَطَأِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَنِّهِ‏,‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ‏,‏ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ قلنا‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمُوهُ فَإِنْ ادَّعَيْتُمْ ضَرُورَةً كَذَبْتُمْ‏,‏ لاَِنَّنَا غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى عِلْمِ ذَلِكَ‏,‏ وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ‏,‏ وَإِنْ ادَّعَوْا دَلِيلاً سُئِلُوهُ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ‏,‏ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الظَّنُّ وَقَالُوا‏:‏ نَحْنُ مَنْهِيُّونَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الصَّلاَةِ‏,‏ وَلَوْ بَاعَ امْرُؤٌ فِي صَلاَتِهِ‏:‏ نَفَذَ الْبَيْعُ ‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ‏:‏ إنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلاَةِ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّهُ إذَا وَقَعَ عَمْدًا أَبْطَلَهَا‏,‏ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ فِي صَلاَةٍ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ‏,‏ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلاَةٍ فَبَاعَ‏,‏ أَوْ نَكَحَ‏,‏ أَوْ أَنْكَحَ‏,‏ أَوْ عَمِلَ مَا لاَ يَجُوزُ فِي الصَّلاَةِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏;‏ لأَِنَّ الْحَالَ الَّتِي هُوَ فِيهَا مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَهِيَ حَالٌ ثَابِتَةٌ‏,‏ فَمَا ضَادَّهَا فَبَاطِلٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ‏,‏ أَوْ نَكَحَ‏,‏ أَوْ طَلَّقَ‏,‏ أَوْ أَعْتَقَ‏,‏ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ إلاَّ مِقْدَارُ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ لأَِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ أَمْرًا بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ لاَ يَصْلُحُ الْبَيْعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى بِالصَّلاَةِ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَاشْتَرِ وَبِعْ ‏"‏‏.‏

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏:‏ أَنَّهُ فَسَخَ بَيْعًا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ‏,‏ وَالْحَنَفِيُّونَ‏,‏ لأَِنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ‏,‏ وَهَذَا مَكَانٌ لاَ يُعْرَفُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَتَنَاقَضَ الْمَالِكِيُّونَ أَيْضًا‏,‏ لأَِنَّهُمْ حَمَلُوا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏‏:‏ عَلَى التَّحْرِيمِ‏,‏ وَلَمْ يَحْمِلُوا أَمْرَهُ تَعَالَى بِتَمْتِيعِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى الإِيجَابِ وَقَالُوا‏:‏ لَفْظَةُ ‏"‏ ذَرْ ‏"‏ لاَ تَكُونُ إلاَّ لِلتَّحْرِيمِ فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ‏}‏ فَهَذِهِ لِلْوَعِيدِ لاَ لِلتَّحْرِيمِ وأما مَنْعُنَا أَهْلَ الْكُفْرِ مِنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ‏:‏ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِحُكْمِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏‏.‏