فصل: 642 - مَسْأَلَةٌ: لاَ زَكَاةَ فِي تَمْرٍ‏,‏ وَلاَ بُرٍّ‏,‏ وَلاَ شَعِيرٍ‏:‏ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُصِيبُهُ الْمَرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


642 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ زَكَاةَ فِي تَمْرٍ‏,‏ وَلاَ بُرٍّ‏,‏ وَلاَ شَعِيرٍ‏:‏ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُصِيبُهُ الْمَرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ‏;‏ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا‏;‏ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

وَالْمُدُّ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفٍ إلَى رَطْلٍ وَرُبْعٍ عَلَى قَدْرِ رَزَانَةِ الْمُدِّ وَخِفَّتِهِ‏,‏ وَسَوَاءٌ زَرَعَهُ فِي أَرْضٍ لَهُ أَوْ فِي أَرْضٍ لِغَيْرِهِ بِغَصْبِ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ جَائِزَةٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ جَائِزَةٍ‏,‏ إذَا كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مَغْصُوبٍ‏,‏ سَوَاءٌ أَرْضَ خَرَاجٍ كَانَتْ أَوْ أَرْضَ عُشْرٍ‏.‏

وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ‏:‏ مَالِكٌ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَحْمَدُ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وقال أبو حنيفة‏:‏ يُزَكَّى مَا قَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَثُرَ‏,‏ فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيمَا أُصِيبَ فِيهَا‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةً فَالزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ لاَ عَلَى الزَّارِعِ‏,‏ فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ‏,‏ فَإِنْ قُضِيَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِمَا نَقَصَهَا الزَّرْعَ فَالزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِشَيْءٍ فَالزَّكَاةُ عَلَى الزَّارِعِ قَالَ‏:‏ وَالْمُدُّ رَطْلاَنِ‏.‏

فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ خَالَفَ فِيهَا الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ‏.‏

وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ‏.‏

وَأَخْطَأَ فِي هَذَا‏,‏ لأَِنَّهُ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْخَبَرَ وَعَصَى الآخَرَ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ‏,‏ وَنَحْنُ أَطَعْنَا مَا فِي الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا‏,‏ وَهُوَ قَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا‏,‏ إذْ خَصَّ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ كَثِيرًا بِرَأْيِهِ‏,‏ كَالْقَصَبِ‏,‏ وَالْحَطَبِ‏,‏ وَالْحَشِيشِ‏,‏ وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ‏,‏ وَلَمْ يَرَ أَنْ يَخُصَّهُ بِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَلِفَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُطَاقُ كَمَا قَدَّمْنَا وَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ مَا أُصِيبَ فِي عَرَصَاتِ الدُّورِ‏,‏ وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ نَظِيرَ لَهَا‏.‏

وأما أَبُو سُلَيْمَانَ فَقَالَ‏:‏ مَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّوْسِيقَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ‏,‏ وَمَا كَانَ لاَ يَحْتَمِلُ التَّوْسِيقَ فَالزَّكَاةُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلُ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ صَاحِبُ قِيَاسٍ‏,‏ وَهُوَ لَمْ يَرَ فِيمَا يُزَكَّى شَيْئًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَهَلاَّ قَاسَ الزَّرْعَ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ‏.‏

فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعَ‏,‏ وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدَ‏.‏

وأما الْمُدُّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلاَنِ‏,‏ مَعَ الأَثَرِ الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ‏.‏

وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّ شَرِيكًا مُطَّرِحٌ‏,‏ مَشْهُورٌ بِتَدْلِيسِ الْمُنْكَرَاتِ إلَى الثِّقَاتِ‏,‏ وَقَدْ أَسْقَطَ حَدِيثَهُ الإِمَامَانِ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ‏;‏ وَتَاللَّهِ لاَ أَفْلَحَ مَنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْجُرْحَةِ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّ رَطْلاَنِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ بِثُلُثَيْ الْمُدِّ‏,‏ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ يُعَيِّرُ لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ بِكَيْلٍ كَكَيْلِ الزَّيْتِ لاَ يَزِيدُ، وَلاَ يَنْقُصُ‏.‏

أَيْضًا فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلاَنِ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُجْزِئَ أَقَلُّ‏,‏ وَهُمْ أَوَّلُ مُوَافِقٍ لَنَا فِي هَذَا‏,‏ فَمَنْ تَوَضَّأَ عِنْدَهُمْ بِنِصْفِ رِطْلٍ أَجْزَأَهُ‏,‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الأَثَرِ‏.‏

وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى الْجُهَنِيِّ‏:‏ كُنْت عِنْدَ مُجَاهِدٍ فَأَتَى بِإِنَاءٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ تِسْعَةَ أَرْطَالٍ‏,‏ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ الأَثَرِ الثَّابِتِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّ مُوسَى قَدْ شَكَّ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ إلَى عَشَرَةٍ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الصَّاعَ يَزِيدُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، وَلاَ فَلْسًا‏.‏

وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام اغْتَسَلَ هُوَ وَعَائِشَةُ رضي الله عنها جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ يَسَعُ ثَلاَثَةَ أَمْدَادٍ‏;‏ وَأَيْضًا مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرْقُ‏,‏ وَالْفَرْقُ‏:‏ اثْنَا عَشَرَ مُدًّا‏,‏ وَأَيْضًا بِخَمْسَةِ أَمْدَادٍ‏,‏ وَأَيْضًا بِخَمْسَةِ مَكَاكِيَّ‏.‏

وَكُلُّ هَذِهِ الآثَارِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏,‏ وَالإِسْنَادِ الْوَثِيقِ الثَّابِتِ الْمُتَّصِلِ‏,‏ وَالْخَمْسَةُ مَكَاكِيَّ‏:‏ خَمْسُونَ مُدًّا‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُعَيِّرْ لَهُ الْمَاءَ لِلْغُسْلِ بِكَيْلٍ كَكَيْلِ الزَّيْتِ‏,‏ وَلاَ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِإِنَاءَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ بَلْ قَدْ تَوَضَّأَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَر بِلاَ مُرَاعَاةٍ لِمِقْدَارِ الْمَاءِ‏.‏

هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا التَّحْدِيدِ فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ اغْتَسَلَ نِصْفَ صَاعٍ لاََجْزَأهُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآثَارِ الْوَاهِيَةِ‏.‏

وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَتَيْنِ وَاهِيَتَيْنِ‏:‏ إحْدَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ‏:‏ أَنَّ الْقَفِيزَ الْحَجَّاجِيَّ قَفِيزُ عُمَرَ‏,‏ أَوْ صَاعُ عُمَرَ‏.‏

وَالآُخْرَى مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ الْقَفِيزُ الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ‏.‏

وَبِرِوَايَةٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏:‏ عَيَّرْنَا صَاعَ عُمَرَ فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا‏.‏

وَبِرِوَايَةٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ‏,‏ وَمُدُّهُ رَطْلَيْنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ‏,‏ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ‏.‏

أَمَّا حَدِيثُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ فَبَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَبَيْنَهُ مَنْ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ‏;‏ وَمُجَالِدٌ ضَعِيفٌ‏,‏ أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَمَا انْتَفَعُوا بِهِ‏;‏ لاَِنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِي صَاعِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلاَ فِي قَفِيزِهِ‏,‏ إنَّمَا نَازَعْنَاهُمْ فِي صَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَسْنَا نَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ‏:‏ صَاعٌ‏,‏ وَقَفِيزٌ‏,‏ وَمُدٌّ‏.‏

رَتَّبَهُ لاَِهْلِ الْعِرَاقِ لِنَفَقَاتِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ‏;‏ كَمَا بِمِصْرَ الْوَيْبَةُ وَالإِرْدَبُّ‏;‏ وَبِالشَّامِ الْمُدُّ وَكَمَا كَانَ لِمَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ اخْتَرَعَهُ‏,‏ وَلِهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ مُدٌّ اخْتَرَعَهُ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وأما قَوْلُ إبْرَاهِيمَ فِي صَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُدِّهِ‏:‏ فَقَوْلُ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ فِي الرَّغْبَةِ عنهما إذَا خَالَفَا الصَّوَابَ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ

حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيّ، حدثنا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ‏,‏ فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالْمُدِّ الأَصْغَرِ مُدُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْهُ أَيْضًا فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ بِالصَّاعِ الأَوَّلِ صَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ بِمُدِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُدِّ الأَوَّلِ فَصَحَّ أَنَّ بِالْمَدِينَةِ صَاعًا‏,‏ وَمُدًّا غَيْرَ مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَلَوْ كَانَ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَا نُسِبَ إلَى عُمَرَ أَصْلاً دُونَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَلاَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا دُونَ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ بِلاَ شَكٍّ أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ إنَّمَا رَتَّبَهُ هِشَامٌ‏,‏ وَأَنَّ صَاعَ عُمَرَ إنَّمَا رَتَّبَهُ عُمَرُ‏.‏

هَذَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ صَاعٌ يُقَالُ لَهُ ‏"‏ صَاعُ عُمَرَ ‏"‏ فَإِنَّ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُدَّهُ مَنْسُوبَانِ إلَيْهِ لاَ إلَى غَيْرِهِ‏,‏ بَاقِيَانِ بِحَسَبِهِمَا‏.‏

وأما حَقِيقَةُ الصَّاعِ الْحَجَّاجِيِّ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ‏:‏ صَاعِي هَذَا صَاعُ عُمَرَ أَعْطَتْنِيهِ عَجُوزٌ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

فَإِنْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَرِوَايَتُهُ هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ‏,‏ وَهَذَا أَصْلُ صَاعِ الْحَجَّاجِ‏,‏ فَلاَ كَثُرَ، وَلاَ طِيبَ، وَلاَ بُورِكَ فِي الْحَجَّاجِ، وَلاَ فِي صَاعِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحُمَيْدِ عَنْ يَزِيدَ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ‏:‏ الصَّاعُ يَزِيدُ عَلَى الْحَجَّاجِيِّ مِكْيَالاً‏.‏

فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ‏,‏ قَالَ إِسْحَاقُ عَنْ الْمُلاَئِيِّ وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ

حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ‏.‏

فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِقْدَارِهِ عِنْدَهُمْ‏,‏ وَلاَ عَنْ مَوَازِينِ أَهْلِ مَكَّةَ‏,‏ وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ ‏"‏ لاَ يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ مُدَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بِهِ تُؤَدَّى الصَّدَقَاتُ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفٍ‏,‏ وَلاَ أَقَلَّ مِنْ رَطْلٍ وَرُبْعٍ ‏"‏‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ رَطْلٌ وَثُلُثٌ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلاَفًا‏;‏ لَكِنَّهُ عَلَى حَسَبِ رَزَانَةِ الْمَكِيلِ مِنْ الْبُرِّ‏,‏ وَالتَّمْرِ‏,‏ وَالشَّعِيرِ

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ مُدَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ الصَّدَقَاتِ‏:‏ رَطْلٌ وَنِصْفٌ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ‏:‏ صَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ‏.‏

قَالَ أَبُو دَاوُد‏:‏ وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ أَبِي أَنَّهُ عَيَّرَ مُدَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْحِنْطَةِ فَوَجَدَهَا رَطْلاً وَثُلُثًا فِي الْبُرِّ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَلاَ يَبْلُغُ مِنْ التَّمْرِ هَذَا الْمِقْدَارُ

حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ دَفَعَ إلَيْنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْمُدَّ‏,‏ وَقَالَ هَذَا مُدُّ مَالِكٍ‏,‏ وَهُوَ عَلَى مِثَالِ مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبْت بِهِ إلَى السُّوقِ‏,‏ وَخُرِطَ لِي عَلَيْهِ مُدٌّ وَحَمَلْته مَعِي إلَى الْبَصْرَةِ‏,‏ فَوَجَدْته نِصْفَ كَيْلَجَةٍ بِكَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ‏,‏ يَزِيدُ عَلَى كَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ شَيْئًا يَسِيرًا خَفِيفًا‏,‏ إنَّمَا هُوَ شَبِيهٌ بِالرُّجْحَانِ الَّذِي لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الأَجْزَاءِ‏,‏ وَنِصْفُ كَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ هُوَ رُبْعُ كَيْلَجَةِ بَغْدَادَ فَالْمُدُّ‏:‏ رُبْعُ الصَّاعِ‏,‏ وَالصَّاعُ مِقْدَارُ كَيْلَجَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ يَزِيدُ الصَّاعُ عَلَيْهَا شَيْئًا يَسِيرًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَخُرِطَ لِي مُدٌّ عَلَى تَحْقِيقِ الْمُدِّ الْمُتَوَارَثِ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَ أَكْبَرِهِمْ لاَ يُفَارِقُ دَارِهِ‏,‏ أُخْرِجُهُ إلَى ثِقَتِي الَّذِي كَلَّفْته ذَلِكَ‏:‏ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُدُّ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَبِي جَدِّهِ أَخَذَهُ وَخَرَطَهُ عَلَى مُدِّ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ‏,‏ وَأَخْبَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّهُ خَرَطَهُ عَلَى مُدِّ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى‏,‏ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى‏,‏ وَخَرَطَهُ يَحْيَى عَلَى مُدِّ مَالِكٍ‏,‏ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ صَحَّحَهُ أَيْضًا عَلَى مُدِّ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ثُمَّ كِلْته بِالْقَمْحِ الطَّيِّبِ‏,‏ ثُمَّ وَزَنْته فَوَجَدَتْهُ رَطْلاً وَاحِدًا وَنِصْفَ رَطْلٍ بِالْفُلْفُلِيِّ‏,‏ لاَ يَزِيدُ حَبَّةً‏,‏ وَكِلْته بِالشَّعِيرِ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّيِّبِ‏;‏ فَوَجَدْتُهُ رَطْلاً وَاحِدًا وَنِصْفَ أُوقِيَّةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ بِالْمَدِينَةِ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ‏,‏ وَصَالِحِهِمْ وَطَالِحِهِمْ‏,‏ وَعَالِمِهِمْ وَجَاهِلِهِمْ‏,‏ وَحَرَائِرِهِمْ وَإِمَائِهِمْ‏,‏ كَمَا نَقَلَ أَهْلُ مَكَّةَ مَوْضِعَ الصَّفَا‏,‏ وَالْمَرْوَةِ‏,‏ وَالاِعْتِرَاضُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ كَالْمُعْتَرِضِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فِي مَوْضِعِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلاَ فَرْقَ‏,‏ وَكَمَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَالْبَقِيعِ‏,‏ وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الدِّيَانَةِ وَالْمَعْقُولِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَبَحَثْت أَنَا غَايَةَ الْبَحْثِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ وَثِقْت بِتَمْيِيزِهِ‏,‏ فَكُلٌّ اتَّفَقَ لِي عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ‏:‏ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلاَثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ بِالْحَبِّ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ‏,‏ وَالدِّرْهَمَ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ‏;‏ فَوَزْنُ الدِّرْهَمِ الْمَكِّيِّ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ حَبَّةٍ‏,‏ فَالرَّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاحِدَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِالدِّرْهَمِ الْمَذْكُورِ‏.‏

وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَوَقَفَ عَلَى أَمْدَادِ أَهْلِهَا‏.‏

وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ الْوَسْقُ‏;‏ لأَِنَّهُ مِنْ وَسْقِ الْبَعِيرِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا طَرِيفٌ فِي الْهُوجِ جِدًّا وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ لَهُ بِذَلِكَ وَهَلاَّ قَالَ‏:‏ لأَِنَّهُ وَسْقُ الْحِمَارِ‏,‏ ثُمَّ أَيْضًا فَإِنَّ الْوِسْقَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ عِنْدَهُمْ‏:‏ سِتَّةَ عَشَرَ رُبْعًا بِالْقُرْطُبِيِّ‏,‏ وَحِمْلُ الْبَعِيرِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْمِقْدَارِ بِنَحْوِ نِصْفِهِ‏.‏

وأما إسْقَاطُهُمْ الزَّكَاةَ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ بُرٍّ‏,‏ وَتَمْرٍ‏,‏ وَشَعِيرٍ‏;‏ فَفَاحِشٌ جِدًّا‏,‏ وَعَظِيمٌ مِنْ الْقَوْلِ‏.‏

وَإِسْقَاطٌ لِلزَّكَاةِ الْمُفْتَرَضَةِ‏.‏

وَمَوَّهُوا فِي هَذَا بِطَوَامَّ‏,‏ مِنْهَا‏:‏ أَنْ قَالَ قَائِلُهُمْ‏:‏ إنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ‏;‏ لأَِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه إنَّمَا ضَرَبَ الْخَرَاجَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ‏,‏ وَلاَ زَكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ‏.‏

فَإِنْ ادَّعَى‏:‏ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقَدْ كَذَبَ جِدًّا‏,‏ وَلاَ يَجِدُ هَذَا أَبَدًا‏;‏ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ عُمَرَ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عنهم كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الصَّلاَةَ عنهم، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا‏,‏ وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّيْهَا وَدِينَارَهَا‏,‏ وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا‏,‏ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ‏,‏ قَالُوا‏:‏ فَأَخْبَرَ عليه السلام بِمَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَرَضِينَ‏,‏ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ فِيهَا زَكَاةً‏;‏ وَلَوْ كَانَ فِيهَا زَكَاةٌ لاََخْبَرَ بِهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مِثْلُ هَذَا لَيْسَ لاِِيرَادِهِ وَجْهٌ‏;‏ إلاَّ لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى مَنْ سَمِعَهُ عَلَى خَلاَصِهِ مِنْ عَظِيمِ مَا اُبْتُلُوا بِهِ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ‏,‏ وَمُعَارَضَةِ الْحَقِّ بِأَغَثِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَلاَمِ‏.‏

وَلَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ مَعْقُولٍ وَجَدُوا أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ‏.‏

وَهَلْ يَقُولُ هَذَا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ التَّمْيِيزِ‏.‏

وَهَلْ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ لأَِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَرْقٌ‏,‏ وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الصَّلاَةَ وَالْحَجَّ لأَِنَّهُمَا لَمْ يُذْكَرَا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَصَدَ بِهَذَا الْخَبَرِ ذِكْرَ مَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَرَضِينَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَهُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ سَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِهَا‏.‏

وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ انْتَظَمَ ذِكْرَ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا‏,‏ نَعَمْ‏,‏ وَلاَ سُورَةٌ أَيْضًا‏.‏

وَإِنَّمَا قَصَدَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَدِيثِ الإِنْذَارَ بِخَلاَءِ أَيْدِي الْمُفْتَتِحِينَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ مِنْ أَخْذِ طَعَامِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَدَنَانِيرِهَا فَقَطْ‏;‏ وَقَدْ ظَهَرَ مَا أَنْذَرَ بِهِ عليه السلام‏.‏

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا زَعَمُوا‏;‏ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ‏,‏ وَكَانَ أَرْبَابُ أَرَاضِي الشَّامِ‏,‏ وَمِصْرَ‏,‏ وَالْعِرَاقِ مُسْلِمِينَ‏;‏ فَمَنْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا وَمِنْ الْمَانِعِ مَا ذَكَرَ مَنْعَهُ‏.‏

هَذَا تَخْصِيصٌ مِنْهُمْ بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ‏,‏ وَلَوْ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ بَلْ فِي قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْخَرَاجِ وَبُطْلاَنِهِ‏,‏ إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا خَرَاجٌ لَذَكَرَهُ عليه السلام‏.‏

وَالْعَجَبُ أَيْضًا إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ فَأَسْقَطُوا فَرْضَيْنِ مِنْ فَرَائِضِ الإِسْلاَمِ بِرَأْيِ صَاحِبٍ‏,‏ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

وَخَالَفُوا ذَلِكَ الصَّاحِبَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا‏;‏ لأَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الْجِزْيَةِ مَعَ الْخَرَاجِ‏;‏ فَمَرَّةً يَكُونُ فِعْلُهُ حُجَّةً يُخَالِفُ بِهَا الْقُرْآنَ‏,‏ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ‏,‏ فَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَطُّ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ‏;‏ وَمَرَّةً لاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً أَصْلاً وَمَعَهُ الْحَقُّ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْخَرَاجِ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ وَالصَّحَابَةُ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَرَاجِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إيجَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ إذَا مَلَكَهَا‏,‏ وَإِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ‏,‏ وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا مَلَكَا أَرْضَ الْعُشْرِ‏,‏ وَإِسْقَاطُ الْخَرَاجِ عنهما وَفَاعِلُ هَذَا مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ لاَ يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَذَبُوا وَأَفِكُوا بَلْ تَجْتَمِعُ حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ‏;‏ وَلَوْ أَنَّهَا أَلْفُ حَقٍّ‏,‏ وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ‏;‏ وَهُمْ يُوجِبُونَ الْخُمْسَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزَّكَاةِ أَيْضًا‏;‏ إمَّا عِنْدَ الْحَوْلِ‏,‏ وأما فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ بَلَغَ حَوْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ‏;‏ وَيُوجِبُونَ أَيْضًا الْخَرَاجَ فِي أَرْضِ الْمَعْدِنِ إنْ كَانَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ‏.‏

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَغْلِيبُهُمْ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ فَأَسْقَطُوهَا بِهِ‏,‏ ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمَاشِيَةِ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ‏,‏ فَأَسْقَطُوهَا بِهَا‏;‏ ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ‏,‏ فَأَسْقَطُوهَا بِهَا‏;‏ فَمَرَّةً رَأَوْا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْكَدَ مِنْ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ‏,‏ وَمَرَّةً رَأَوْا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَوْلَى مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ‏.‏

وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏:‏ يَرَى أَنْ يُزَكَّى مَا زُرِعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لاَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةِ‏.‏

وَذَكَرْنَا هَذَا لِئَلاَّ يَدَّعُوا فِي ذَلِكَ إجْمَاعًا‏,‏ فَهَذَا أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَإِنَّ تَنَاقُضَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ لَظَاهِرٍ فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ عَنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِبْقَائِهِمْ إيَّاهَا مَعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَنَاقَضَ الْحَنِيفِيُّونَ إذْ أَثْبَتُوا الإِجَارَةَ وَالزَّكَاةَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ‏:‏ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى‏,‏ وَابْنُ شُبْرُمَةَ‏,‏ وَشُرَيْكٌ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏.‏

وَقَالَ سُفْيَانُ‏,‏ وَأَحْمَدُ‏:‏ إنْ فَضَلَ بَعْدَ الْخَرَاجِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ‏.‏

وَلاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَمْوِيهِهِمْ بِالثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ إذْ أَسْلَمَتْ دِهْقَانَةُ نَهَرَ الْمَلِكِ إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا أَوْ أَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا‏,‏ وَإِلاَّ فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُ هَذَا‏.‏

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ إنْكَارُ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِلْمُسْلِمِ‏.‏

وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ عَقَلَ ذُو عَقْلٍ قَطُّ أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَمَّا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ‏.‏

وَهَذَا مَكَانٌ لاَ يُقَابَلُ إلاَّ بِالتَّعَجُّبِ‏,‏ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏.‏

وَيَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الرَّافِعِ لاَ عَلَى الأَرْضِ إجْمَاعُ الآُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الْعُشْرَ مِنْ غَيْرِ الَّذِي أَصَابَ فِي تِلْكَ الأَرْضِ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ‏;‏ وَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مِنْ عَيْنِ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ فَصَحَّ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ الرَّافِعِ‏;‏ لاَ فِي الأَرْضِ ‏.‏

643 - مَسْأَلَةٌ

وَكَذَلِكَ مَا أُصِيبَ فِي الأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِلْغَاصِبِ‏;‏ لأَِنَّ غَصْبَهُ الأَرْضِ لاَ يُبْطِلُ مِلْكَهُ عَنْ بَذْرِهِ فَالْبَذْرُ إذَا كَانَ لَهُ فَمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ فَلَهُ

وَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَقُّ الأَرْضِ فَقَطْ‏;‏ فَفِي حِصَّتِهِ مِنْهُ الزَّكَاةُ‏,‏ وَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ وَمِلْكٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ الأَرْضُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ‏,‏ أَوْ الْمَأْخُوذَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا‏,‏ أَوْ الْمَمْنُوحَةُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ‏.‏

وأما إنْ كَانَ الْبَذْرُ مَغْصُوبًا فَلاَ حَقَّ لَهُ، وَلاَ حُكْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ‏;‏ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِهِ نَفْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهَا‏,‏ وَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏، وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ غَاصِبَ الْبَذْرِ إنَّمَا أَخَذَهُ بِالْبَاطِلِ‏,‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ بَذْرٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَكْلُهُ‏,‏ وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ وَلَيْسَ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِمُبِيحٍ لَهُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ‏,‏ فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ‏.‏

فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَوَّلُهَا‏:‏ أَنَّهُ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ‏,‏ لأَِنَّ رَاوِيَهُ مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ وَرَدَ فِي عَبْدٍ بِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ‏;‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلاَلِ‏,‏ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا‏;‏ فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَوْلاَدَ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ الإِمَاءِ وَالْحَيَوَانِ لِلْغَاصِبِ بِهَذَا الْخَبَرِ‏;‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ‏.‏

644 - مَسْأَلَةٌ

فَإِذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ - مِنْ الْبُرِّ‏,‏ أَوْ التَّمْرِ‏,‏ أَوْ الشَّعِيرِ - خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَصَاعِدًا‏,‏ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى بِسَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ‏,‏ أَوْ عَيْنٍ‏,‏ أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ ‏.‏

وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِسَاقِيَةٍ‏,‏ أَوْ نَاعُورَةٍ‏,‏ أَوْ دَلْوٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ‏,‏ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ - مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ‏.‏

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ‏,‏ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ‏:‏ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ‏,‏ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏,‏ مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَا نَقَصَ عَنْ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ نُقْصَانًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ‏.‏

وَالْعَجَبُ مِنْ تَغْلِيبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْخَبَرَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ عَلَى حَدِيثِ الْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ‏,‏ وَغَلَّبَ قَوْلَهُ عليه السلام‏:‏ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ‏,‏ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ عَلَى قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ فِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَعَلَى قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلِ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

645 - مَسْأَلَةٌ

لاَ يُضَمُّ قَمْحٌ إلَى شَعِيرٍ‏,‏ وَلاَ تَمْرٌ إلَيْهِمَا

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ‏,‏ وَأَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُضَمُّ كُلُّ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ‏:‏ مِنْ الْقَمْحِ‏,‏ وَالشَّعِيرِ وَالآُرْزُ‏,‏ وَالذُّرَةِ‏,‏ وَالدَّخَنِ‏,‏ وَجَمِيعِ الْقَطَانِيِّ‏,‏ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضِ‏,‏ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ وقال مالك‏:‏ الْقَمْحُ‏,‏ وَالشَّعِيرُ‏,‏ وَالسُّلْتُ‏:‏ صِنْفٌ وَاحِدٌ‏,‏ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ‏,‏ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ‏;‏ وَيُجْمَعُ الْحِمَّصُ‏,‏ وَالْفُولُ‏,‏ وَاللُّوبِيَا‏,‏ وَالْعَدَسُ‏,‏ وَالْجُلُبَّانُ وَالْبَسِيلَةُ‏,‏ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ‏.‏

وَلاَ يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ‏,‏ وَلاَ إلَى الشَّعِيرِ، وَلاَ إلَى السُّلْتِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وأما الآُرْزُ‏,‏ وَالذُّرَةُ‏,‏ وَالسِّمْسِمُ‏,‏ فَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ‏,‏ لاَ يُضَمُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَيَّ شَيْءٍ أَصْلاً وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْعَلَسِ‏,‏ فَمَرَّةٌ قَالَ‏:‏ يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ‏,‏ وَالشَّعِيرِ‏;‏ وَمَرَّةٌ قَالَ‏:‏ لاَ يُضَمُّ إلَى شَيْءٍ أَصْلاً وَرَأَى الْقَطَانِيَّ فِي الْبُيُوعِ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً‏,‏ حَاشَا اللُّوبِيَا‏,‏ وَالْحِمَّصَ‏;‏ فَإِنَّهُ رَآهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفًا وَاحِدًا قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ‏;‏ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ جُمْلَةً‏,‏ لاَ يَحْتَاجُ مِنْ إبْطَالِهِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ‏,‏ وَلاَ جَمَعَ هَذَا الْجَمْعَ‏,‏ وَلاَ فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ قَبْلَهُ، وَلاَ مَعَهُ، وَلاَ بَعْدَهُ‏,‏ إلاَّ مَنْ قَلَّدَهُ‏,‏ وَمَا لَهُ مُتَعَلَّقٌ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ يُعْرَفُ لَهُ وَجْهُ‏,‏ وَلاَ مِنْ احْتِيَاطٍ أَصْلاً وأما مَنْ رَأَى جَمْعَ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ إلاَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ‏.‏

لَكِنْ قَدْ خَصَّهُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ يَحِلُّ فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقِيَ، وَلاَ يَحِلُّ فِي الإِبِلِ زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ ذَوْدٍ‏.‏

فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ عَمَّا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْبُرِّ‏,‏ فَبَطَل بِهَذَا إيجَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏;‏ مَجْمُوعًا إلَى شَعِيرٍ أَوْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى أَنْ لاَ يُجْمَعَ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ‏,‏ وَمَا نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الآخَرِ إلاَّ كَنِسْبَةِ الْبُرِّ مِنْ الشَّعِيرِ‏;‏ فَلاَ النَّصَّ اتَّبَعُوا‏,‏ وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا‏,‏ وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ كُلِّ مَنْ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْخَمْسَةِ الأَوْسُقِ فَصَاعِدًا لاَ فِي أَقَلَّ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ التَّمْرُ إلَى الْبُرِّ‏,‏ وَلاَ إلَى الشَّعِيرِ‏.‏

646 - مَسْأَلَةٌ

وأما أَصْنَافُ الْقَمْحِ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ‏;‏ وَكَذَلِكَ تُضَمُّ أَصْنَافُ الشَّعِيرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ‏;‏ وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ التَّمْرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ الْعَجْوَةُ‏,‏ وَالْبَرْنِيُّ‏,‏ وَالصَّيْحَانِيُّ وَسَائِرُ أَصْنَافِهِ

وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ‏;‏ لأَِنَّ اسْمَ بُرٍّ يَجْمَعُ أَصْنَافَ الْبُرِّ‏;‏ وَاسْمَ تَمْرٍ يَجْمَعُ أَصْنَافَ التَّمْرِ‏;‏ وَاسْمَ شَعِيرٍ يَجْمَعُ أَصْنَافَ الشَّعِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

647 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُونَ شَتَّى فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ‏;‏ أَوْ فِي قُرًى شَتَّى فِي عَمَلِ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي أَعْمَالٍ شَتَّى وَلَوْ أَنَّ إحْدَى أَرْضَيْهِ فِي أَقْصَى الصِّينِ‏,‏ وَالآُخْرَى إلَى أَقْصَى الأَنْدَلُسِ‏:‏ فَإِنَّهُ يَضُمُّ كُلَّ قَمْحٍ أَصَابَ فِي جَمِيعِهَا بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ‏;‏ وَكُلَّ شَعِيرٍ أَصَابَهُ فِي جَمِيعِهَا بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ‏,‏ فَيُزَكِّيهِ

لأَِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالزَّكَاةِ فِي ذَاتِهِ‏,‏ مُرَتَّبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ‏,‏ دُونَ أَنْ يَخُصَّ اللَّهَ تَعَالَى‏;‏ أَوْ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ مَا كَانَ فِي طُسُوجٍ وَاحِدًا‏,‏ أَوْ رُسْتَاقٍ وَاحِدٍ‏:‏ مِمَّا فِي طُسُّوجَيْنِ‏,‏ أَوْ رُسْتَاقَيْنِ‏;‏ وَتَخْصِيصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ‏:‏ بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

648 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ لَقَطَ السُّنْبُلَ فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْبُرِّ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا‏,‏ وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَلِكَ‏:‏ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا

الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ‏,‏ أَوْ بِالنَّهْرِ أَوْ بِالْعَيْنِ‏,‏ أَوْ بِالسَّاقِيَّةِ‏,‏ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى مَنْ الْتَقَطَ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَبِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَهَا عَلَى مَالِكِهَا الَّذِي يَخْرُجُ فِي مِلْكِهِ الْحَبُّ مِنْ سُنْبُلِهِ إلَى إمْكَانِ كَيْلِهِ‏;‏ وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مَنْ أَصَابَهُ مِنْ حَرْثِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ حَرْثِهِ، وَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ الَّذِي الْتَقَطَ هَذَا مِنْهُ‏;‏ لأَِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ إمْكَانِ الْكَيْلِ فِيهِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ‏,‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا الْتَقَطَ مِنْ التَّمْرِ‏;‏ لأَِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ‏;‏ بِخِلاَفِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

649 - مَسْأَلَةٌ

وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ

وَالإِزْهَاءُ‏:‏ هُوَ احْمِرَارُهُ فِي ثِمَارِهِ وَعَلَى مَنْ مَلَكَ الْبُرَّ‏,‏ وَالشَّعِيرَ قَبْلَ دِرَاسِهِمَا‏,‏ وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا مِنْ التِّبْنِ وَكَيْلِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ ذَلِكَ‏,‏ مِنْ مِيرَاثٍ‏,‏ أَوْ هِبَةٍ‏,‏ أَوْ ابْتِيَاعٍ‏,‏ أَوْ صَدَقَةٍ‏,‏ أَوْ إصْدَاقٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْ التَّمْرِ قَبْلَ الإِزْهَاءِ‏,‏ وَلاَ عَلَى مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ الإِزْهَاءِ‏,‏ وَلاَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْ الْبُرِّ‏,‏ وَالشَّعِيرِ‏,‏ قَبْلَ دِرَاسِهِمَا وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا، وَلاَ عَلَى مَنْ مَلَكَهُمَا بَعْدَ إمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ، وَلاَ تَمْرٍ صَدَقَةٌ فَلَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَبِّ صَدَقَةٌ إلاَّ بَعْدَ إمْكَانِ تَوْسِيقِهِ‏;‏ فَإِنَّ صَاحِبَهُ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِكَيْلِهِ وَإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِ‏;‏ فَلَيْسَ تَأْخِيرُهُ الْكَيْلَ وَهُوَ لَهُ مُمْكِنٌ بِمُسْقِطٍ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى التَّوْسِيقِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الدِّرَاسِ أَصْلاً‏;‏ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ الدِّرَاسِ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْهَا، وَلاَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

فَمَنْ سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ قَبْلَ الدِّرَاسِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ‏,‏ أَوْ إصْدَاقٍ‏:‏ أَوْ مَوْتٍ‏,‏ أَوْ جَائِحَةٍ‏,‏ أَوْ نَارٍ‏,‏ أَوْ غَرَقٍ‏,‏ أَوْ غَصْبٍ فَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا‏,‏ وَلاَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ‏.‏

وَمَنْ أَمْكَنَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ الَّذِي خُوطِبَ بِزَكَاتِهِ‏;‏ فَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَلَكَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ التَّمْرُ كَذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ إذَا بَدَا طِيبُهُ‏,‏ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الْبُرِّ‏,‏ وَالشَّعِيرِ إذَا يَبِسَا وَاسْتَغْنَيَا عَنْ الْمَاءِ‏.‏

سَأَلْنَاهُ عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى دَعْوَاهُ هَذِهِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَعَارَضْنَاهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى عَلَى مَنْ بَاعَ زَرْعًا أَخْضَرَ قَصِيلاً فَفَصَلَهُ الْمُشْتَرِي وَأَطْعَمَهُ دَابَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَبِّ‏:‏ أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ‏,‏ عُشْرُ الثَّمَنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ لاَِحَدِهِمَا إلَى تَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى الآخَرِ وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ قَبْلَ دِرَاسِهِ‏:‏ لَكَانَ وَاجِبًا إذَا أَدَّى الْعُشْرَ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي سُنْبُلِهِ أَنْ يُجْزِئَهُ‏;‏ وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ ‏.‏

650 - مَسْأَلَةٌ

وأما النَّخْلُ فَإِنَّهُ إذَا أَزْهَى خُرِصَ وَأُلْزِمَ الزَّكَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ‏;‏ وَالزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ سَمِعْت خُبَيْبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ قَالَ‏:‏ أَتَانَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا أَوْ دَعُوا الثُّلُثَ‏;‏ فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوا فَدَعُوا الرُّبُعَ شَكَّ شُعْبَةُ فِي لَفْظَةِ تَأْخُذُوا وَ ‏"‏ تَدَعُوا ‏"‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ‏.‏

وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى الْيَهُودِ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ أَوَّلُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ‏,‏ ثُمَّ يُخَيِّرُونَ الْيَهُودَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُوهَا إلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتَفْتَرِقُ‏.‏

651 - مَسْأَلَةٌ

فَإِذَا خُرِصَ كَمَا ذَكَرْنَا فَسَوَاءٌ بَاعَ الثَّمَرَةَ صَاحِبُهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ أَجِيحَ فِيهَا‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنْهُ

لأَِنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ‏,‏ وَأَطْلَقَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَأَمْكَنَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ‏,‏ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا‏,‏ وَلاَ فَرْقَ ‏.‏

652 - مَسْأَلَةٌ

فَإِذَا غَلِطَ الْخَارِصُ أَوْ ظَلَمَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ‏:‏ رَدَّ الْوَاجِبَ إلَى الْحَقِّ‏,‏ فَأُعْطِيَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا نَقَصَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}‏ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَارِصِ ظُلْمٌ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْتَدُوا‏}‏ فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ إلاَّ الْعُشْرَ‏,‏ لاَ أَقَلُّ، وَلاَ أَكْثَرُ‏,‏ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ‏,‏ لاَ أَقَلُّ، وَلاَ أَكْثَرُ‏,‏ وَنُقْصَانُ الْخَارِصِ ظُلْمٌ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ وَإِسْقَاطٌ لِحَقِّهِمْ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ‏.‏

653 - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ ظَلَمَهُ أَوْ أَخْطَأَ‏؟‏ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَ الْخَارِصُ عَدْلًا عَالِمًا‏,‏ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ جَائِرًا فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ ‏؟‏ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَائِرًا فَهُوَ فَاسِقٌ فَخَبَرُهُ مَرْدُودٌ

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ‏}‏ ‏.‏

وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَتَعَرُّضُ الْجَاهِلِ لِلْحُكْمِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا لَا يَدْرِي جُرْحَةٌ‏;‏ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ‏;‏ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَوْلِيَتُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

654 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَجُوزُ خَرْصُ الزَّرْعِ أَصْلاً

لَكِنْ إذَا حُصِدَ‏,‏ وَدُرِسَ‏,‏ فَإِنْ جَاءَ الَّذِي يَقْبِضُ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ فَقَعَدَ عَلَى الدُّرُوسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ فَلَهُ ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ نَفَقَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَصَ الزَّرْعَ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ خَرْصُهُ‏;‏ لأَِنَّهُ إحْدَاثُ حُكْمٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما النَّفَقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

655 - مَسْأَلَةٌ

وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ زَرْعٌ عِنْدَ حَصَادِهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمَسَاكِينِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ

وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ قَبْلُ فِي بَابِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ ذِكْرِنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

656 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ سَاقَى حَائِطَ نَخْلٍ أَوْ زَارِعَ أَرْضِهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَيُّهُمَا وَقَعَ فِي سَهْمِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَذَلِكَ مِنْ بُرٍّ‏,‏ أَوْ شَعِيرٍ‏:‏ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ

وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَصَاعِدًا فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ثَمَرَةِ نَخْلٍ بِحَبْسٍ‏,‏ أَوْ ابْتِيَاعٍ‏,‏ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ‏,‏ أَوْ الْعُمْيَانِ‏,‏ أَوْ الْمَجْذُومِينَ‏,‏ أَوْ فِي السَّبِيلِ‏,‏ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِأَهْلِهِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ‏,‏ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ‏:‏ فَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا ذَكَرْنَا‏;‏ وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَى شَرِيكٍ مِنْ أَجْلِ ضَمِّ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ شَرِيكِهِ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

وأما مَنْ لاَ يَتَعَيَّنُ فَلَيْسَ يَصِحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لاَِحَدِهِمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَلاَ زَكَاةَ إلاَّ عَلَى مُسْلِمٍ يَقَعُ لَهُ مِمَّا يُصِيبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وقال أبو حنيفة فِي كُلِّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَهَذَا خَطَأٌ‏,‏ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ‏,‏ وَإِنَّمَا الشَّرِيعَةُ عَلَى النَّاسِ‏,‏ وَالْجِنِّ‏;‏ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي أَرَاضِي الْكُفَّارِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ الْخَرَاجُ نَابَ عَنْهَا قلنا‏:‏ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ خَرَاجَ عَلَيْهِمْ‏,‏ فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِيمَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ‏;‏ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ‏,‏ وَبِإِجْمَاعِهِمْ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إذَا اجْتَمَعَ لِلشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ وَسَنَذْكُرُ بُطْلاَنَ هَذَا الْقَوْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ‏,‏ وَجُمْلَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إيجَابُ شَرْعٍ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

657 - مَسْأَلَةٌ

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُدَّ الَّذِي لَهُ الزَّرْعُ أَوْ التَّمْرُ مَا أَنْفَقَ فِي حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ‏,‏ أَوْ جَمْعٍ‏,‏ أَوْ دَرْسٍ‏,‏ أَوْ تَزْبِيلٍ أَوْ جِدَادٍ أَوْ حَفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَيُسْقِطُهُ مِنْ الزَّكَاةِ

وَسَوَاءٌ تَدَايَنَ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَدَايَنْ‏,‏ أَتَتْ النَّفَقَةُ عَلَى جَمِيعِ قِيمَةِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ لَمْ تَأْتِ‏,‏ وَهَذَا مَكَانٌ قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ ‏.‏

حدثنا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ فِي الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَى ثَمَرَتِهِ‏,‏ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ يُزَكِّيهَا‏,‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ يَرْفَعُ النَّفَقَةَ وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ ‏.‏

وَعَنْ عَطَاءٍ‏:‏ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِمَّا أَصَابَ النَّفَقَةَ‏,‏ فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى‏,‏ وَإِلَّا فَلَا ‏؟‏ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ‏:‏ الزَّكَاةُ جُمْلَةً إذَا بَلَغَ الصِّنْفُ مِنْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا‏;‏ وَلَمْ يُسْقِطْ الزَّكَاةَ عَنْ ذَلِكَ بِنَفَقَةِ الزَّارِعِ وَصَاحِبِ النَّخْلِ‏;‏ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقٍّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ ‏؟‏ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏,‏ إلَّا أَنَّ مَالِكًا‏,‏ وَأَبَا حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ تَنَاقَضُوا وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا إذَا كَانَ عَلَى صَاحِبِهَا دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهَا أَوْ يَسْتَغْرِقُ بَعْضَهَا‏;‏ فَأَسْقَطُوهَا عَنْ مِقْدَارِ مَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مِنْهَا ‏.‏

658 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعُدَّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ مَا أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ فَرِيكًا أَوْ سَوِيقًا

قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلاَ السُّنْبُلَ الَّذِي يَسْقُطُ فَيَأْكُلُهُ الطَّيْرُ أَوْ الْمَاشِيَةُ أَوْ يَأْخُذُهُ الضُّعَفَاءُ‏,‏ وَلاَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ حِينَ الْحَصَادِ‏;‏ لَكِنْ مَا صُفِّيَ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ إلاَّ حِينَ إمْكَانِ الْكَيْلِ‏,‏ فَمَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ وَاللَّيْثُ‏,‏ كَذَلِكَ‏.‏

وقال مالك‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ يُعَدُّ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا تَكْلِيفُ مَا لاَ يُطَاقُ‏,‏ وَقَدْ يَسْقُطُ مِنْ السُّنْبُلِ مَا لَوْ بَقِيَ لاََتَمَّ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ‏,‏ وَهَذَا لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، وَلاَ الْمَنْعُ مِنْهُ أَصْلاً‏.‏

وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

659 - مَسْأَلَةٌ

وأما التَّمْرُ فَفَرْضٌ عَلَى الْخَارِصِ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ رُطَبًا عَلَى السَّعَةِ‏,‏ لاَ يُكَلَّفُ عَنْهُ زَكَاةٌ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏.‏

وقال مالك‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لاَ يَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا أَوْ دَعُوا الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ، وَلاَ يَخْتَلِفُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ الَّذِينَ إجْمَاعُهُمْ الإِجْمَاعُ الْمُتَّبَعُ فِي أَنَّ هَذَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ إلَى الأَكْلِ رُطَبًا‏.‏

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ، حدثنا هُشَيْمٌ‏,‏ وَزَيْدٌ كِلاَهُمَا‏:‏ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ عَلَى خَرْصِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ إذَا وَجَدْت الْقَوْمَ فِي نَخْلِهِمْ قَدْ خَرَفُوا فَدَعْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ‏,‏ لاَ تَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ‏:‏ أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَهُ خَارِصًا لِلنَّخْلِ‏,‏ فَخَرَصَ مَال سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ سَبْعمِائَةِ وَسْقٍ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ لَوْلاَ أَنِّي وَجَدْت فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا لَخَرَصْته تِسْعِمِائَةِ وَسْقٍ‏;‏ وَلَكِنِّي تَرَكْت لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ وَأَبِي حَثْمَةَ‏,‏ وَسَهْلٍ‏,‏ ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ لاَ مُخَالِفُ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْهُمْ‏,‏ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إذَا وَافَقَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏,‏ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يُزَكِّي مَا بَقِيَ بَعْدَمَا يَأْكُلُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلنُّصُوصِ كُلِّهَا‏.‏

660 - مَسْأَلَةٌ

وَإِنْ كَانَ زَرْعٌ‏,‏ أَوْ نَخْلٌ يُسْقَى بَعْضَ الْعَامِ بِعَيْنٍ‏,‏ أَوْ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ‏,‏ وَبَعْضَ الْعَامِ بِنَضْحٍ‏,‏ أَوْ سَانِيَةٍ‏,‏ أَوْ خَطَّارَةٍ‏,‏ أَوْ دَلْوٍ‏,‏ فَإِنْ كَانَ النَّضْحُ زَادَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً ظَاهِرَةً وَأَصْلَحَهُ‏:‏ فَزَكَاتُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ‏;‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا، وَلاَ أَصْلَحَ فَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ

قال أبو محمد‏:‏ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَأَصْحَابُهُ‏:‏ يُزَكِّي عَلَى الأَغْلَبِ مِنْ ذَلِكَ‏;‏ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ

حدثنا حمام، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيٌّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ فِي الْمَالِ يَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ بَعْلاً عَامَّةَ الزَّمَانِ‏,‏ ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى الْبِئْرِ يُسْقَى بِهَا فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ يُسْقَى بِالْعَيْنِ أَوْ الْبَعْلِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْقَى بِالدَّلْوِ‏:‏ فَفِيهِ الْعُشْرُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِالدَّلْوِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْقَى بِالْبَعْلِ‏:‏ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ‏:‏ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَعُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولاَنِ هَذَا الْقَوْلَ‏.‏

وقال مالك مَرَّةً‏:‏ إنَّ زَكَاتَهُ بِاَلَّذِي غَذَّاهُ بِهِ وَتَمَّ بِهِ‏,‏ لاَ أُبَالِي بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ سَقْيِهِ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى‏:‏ يُعْطِي نِصْفَ زَكَاتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُهَا نِصْفُ الْعُشْرِ‏,‏ وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ بِنِصْفِ الْعُشْرِ‏,‏ وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ السَّمَاءَ تَسْقِيه وَيُصْلِحُهُ مَاءُ السَّمَاءِ‏;‏ بَلْ قَدْ شَاهَدْنَا جُمْهُورَ السِّقَاءِ بِالْعَيْنِ وَالنَّضْحِ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ مَاءٌ السَّمَاءِ تَغَيَّرَ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ فَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام لِذَلِكَ حُكْمًا‏;‏ فَصَحَّ أَنَّ النَّضْحَ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِلزَّرْعِ أَوْ النَّخْلِ فَزَكَاتُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ‏:‏ وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ‏.‏

661 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ زَرَعَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ أَوْ أَكْثَرَ‏,‏ أَوْ حَمَلَتْ نَخْلَةٌ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَضُمُّ الْبُرَّ الثَّانِي، وَلاَ الشَّعِيرَ الثَّانِي، وَلاَ التَّمْرَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ‏;‏ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ يُزَكِّهِ‏;‏ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِانْفِرَادِهِ لَمْ يُزَكِّهِمَا

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَا لَوَجَبَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَامَانِ أَوْ أَكْثَرُ‏;‏ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ وَإِذْ صَحَّ نَفْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ رَاعَى الْمُجْتَمَعَ‏,‏ لاَ زَرْعًا مُسْتَأْنَفًا لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

662 - مَسْأَلَةٌ

وَإِنْ كَانَ قَمْحُ بِكِيرٍ أَوْ شَعِيرُ بِكِيرٍ أَوْ تَمْرُ بِكِيرٍ وَآخَرُ مِنْ جِنْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُؤَخَّرٌ‏,‏ فَإِنْ يَبِسَ الْمُؤَخَّرُ أَوْ أَزْهَى قَبْلَ تَمَامِ وَقْتِ حَصَادِ الْبَكِيرِ وَجِدَادِهِ فَهُوَ كُلُّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَتَمْرٌ وَاحِدٌ‏,‏ يَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ‏,‏ وَتُزَكَّى مَعًا‏;‏ إنْ لَمْ يَيْبَسْ الْمُؤَخَّرُ، وَلاَ أَزْهَى إلاَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ حَصَادِ الْبَكِيرِ فَهُمَا زَرْعَانِ وَتَمْرَانِ‏,‏ يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ كُلَّ زَرْعٍ وَكُلَّ تَمْرٍ فَإِنَّ بَعْضَهُ يَتَقَدَّمُ بَعْضًا فِي الْيُبْسِ وَالإِزْهَاءِ‏;‏ وَإِنَّ مَا زُرِعَ فِي تَشْرِينَ الأَوَّلِ يَبْدَأُ يُبْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ مَا زُرِعَ فِي شُبَاطَ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقَضِي وَقْتُ حَصَادِ الأَوَّلِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الثَّانِي‏;‏ لأَِنَّهَا صِيفَةٌ وَاحِدَةٌ‏,‏ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وأما إذَا كَانَ لاَ يَجْتَمِعُ وَقْتُ حَصَادِهِمَا، وَلاَ يَتَّصِلُ وَقْتُ إزْهَائِهِمَا فَهُمَا زَمَنَانِ اثْنَانِ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَبْكَرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا يَقِينًا‏:‏ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَنْ يُزْرَعَ فِي بِلاَدٍ مِنْ شِنْتَ بَرِيَّةَ‏,‏ وَهِيَ مِنْ عَمَلِ مَدِينَةِ سَالِمٍ بِالأَنْدَلُسِ‏,‏ فَإِنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الشَّعِيرَ فِي آخِرِ أَيْلُولَ وَهُوَ ‏"‏ شتنبر ‏"‏ لِغَلَبَةِ الثَّلْجِ عَلَى بِلاَدِهِمْ‏,‏ حَتَّى يَمْنَعُهُمْ مِنْ زَرْعِهَا إنْ لَمْ يُبَكِّرُوا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا‏;‏ وَيَتَّصِلُ الزَّرْعُ بَعْدَ ذَلِكَ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٌ أَيَّامٍ‏,‏ فَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الأَعْوَامِ زَرِيعَةَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فِي صَدْرِ ‏"‏ آذَارٍ ‏"‏ وَهُوَ ‏"‏ مُرْسٍ ‏"‏‏.‏

وَأَبْكَرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا حَصَادُهُ فألش فألش ‏"‏ مِنْ عَمَلِ ‏"‏ تَدْمِيرَ ‏"‏ فَإِنَّهُمْ يَبْدَءُونَ بِالْحَصَادِ فِي أَيَّامٍ بَاقِيَةٍ مِنْ ‏"‏ نَيْسَانَ ‏"‏ وَهُوَ ‏"‏ أَبْرِيلُ ‏"‏ وَيَتَّصِلُ الْحَصَادُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَى صَدْرِ زَمَنِ ‏"‏ أَيْلُولَ ‏"‏ وَهُوَ ‏"‏ أُغِشَّتْ ‏"‏ وَهِيَ كُلُّهَا صِيفَةٌ وَاحِدَةٌ‏,‏ وَاسْتِحْصَادٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ‏.‏

663 - مَسْأَلَةٌ

فَلَوْ حُصِدَ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ ثُمَّ أُخْلِفَ فِي أُصُولِهِ زَرْعٌ فَهُوَ زَرْعٌ آخَرُ‏,‏ لاَ يُضَمُّ إلَى الأَوَّلِ‏;‏ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

664 - مَسْأَلَةٌ

وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ لاَ فِي عَيْنِ الْمَالِ‏;‏ قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُ الْمُخَالِفِينَ فِي هَذَا‏.‏

وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ هُوَ أَنْ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ مِنْ زَمَنِنَا إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَأَعْطَى زَكَاتَهُ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ التَّمْرِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الذَّهَبِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْفِضَّةِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الإِبِلِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْبَقَرِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْغَنَمِ‏:‏ فَإِنَّهُ لاَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ‏,‏ بَلْ سَوَاءٌ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ‏,‏ أَوْ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِهَا‏,‏ أَوْ مِمَّا يَشْتَرِي‏,‏ أَوْ مِمَّا يُوهَبُ‏,‏ أَوْ مِمَّا يُسْتَقْرَضُ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي الْعَيْنِ إذْ لَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْبَتَّةُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهَا‏,‏ وَلَوَجَبَ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ كَمَا يُمْنَعُ مَنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ شَرِيكَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ الَّتِي هُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ إلاَّ بِتَرَاضِيهِمَا‏,‏ وَعَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ لَكَانَتْ لاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا‏:‏ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ‏,‏ أَوْ تَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَحَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ رَأْسًا أَوْ حَبَّةً فَمَا فَوْقهَا‏;‏ لأَِنَّ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ شَرِيكًا‏,‏ وَلَحَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ‏.‏

وَلَلَزِمَهُ أَيْضًا‏:‏ أَنْ لاَ يُخْرِجَ الشَّاةَ إلاَّ بِقِيمَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِمَّا بَقِيَ‏,‏ كَمَا يُفْعَلَ فِي الشَّرِكَاتِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ‏;‏ فَهَذَا بَاطِلٌ‏.‏

وَكَانَ يَلْزَمُ أَيْضًا‏:‏ مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏;‏ لأَِنَّهُ كَانَ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَبِيعُ أَوْ يَأْكُلُ الَّذِي هُوَ حَقُّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ‏.‏

فَصَحَّ مَا قلنا يَقِينًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

665 - مَسْأَلَةٌ

فَكُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ مِنْ الأَمْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا‏,‏ فَسَوَاءٌ تَلَفَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ إثْرِ إمْكَانِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ‏,‏ إثْرِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا قَلَّ مِنْ الزَّمَنِ أَوْ كَثُرَ‏,‏ بِتَفْرِيطٍ تَلَفَ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ‏:‏ فَالزَّكَاةُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ كَمَا كَانَتْ لَوْ لَمْ يَتْلَفْ

وَلاَ فَرْقَ‏;‏ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي عَيْنِ الْمَالِ وَإِنَّمَا قلنا‏:‏ إثْرَ إمْكَانِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لأَِنَّهُ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ وَالإِبِلُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ‏,‏ إلاَّ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُزَكَّى بِالْغَنَمِ وَلَهُ غَنَمٌ حَاضِرَةٌ فَهَذَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ مِنْ الْغَنَمِ الْحَاضِرَةِ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْطُلَ بِالزَّكَاةِ حَتَّى يَبِيعَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏‏.‏

666 - مَسْأَلَةٌ

وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَعَزَلَهَا لِيَدْفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ أَوْ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَضَاعَتْ الزَّكَاةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا كُلِّهَا، وَلاَ بُدَّ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا

وَلأَِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوَصِّلَهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَحُدَّ لِذَلِكَ مُدَّةً فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ هَلَكَ‏;‏ فَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ فَقَطْ‏,‏ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلَفَ‏,‏ فَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏;‏ فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي عَيْنِ الْمَالِ‏,‏ قلنا لَهُ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ بِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا‏,‏ ثُمَّ هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ الْبَاقِي لَيْسَ مِمَّا يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ‏;‏ لأَِنَّ التَّالِفَ عِنْدَكُمْ لاَ زَكَاةَ فِيهِ لِتَلَفِهِ‏,‏ وَالْبَاقِي لَيْسَ نِصَابًا‏,‏ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فَالتَّالِفُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَقَدْ قَدَّمْنَا‏;‏ أَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ مُشَاعَةٌ فِي الْمَالِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالشَّرِكَةِ‏;‏ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ إخْرَاجُهَا إلاَّ بِقِيمَةٍ مُحَقَّقَةٍ مَنْسُوبَةٍ مِمَّا بَقِيَ‏.‏

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا فِي زَكَاةِ الإِبِلِ‏,‏ وَقَالَ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّعَامِ يَخْرُجُ عَنْ الطَّعَامِ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ‏;‏ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وقال مالك‏:‏ إنْ تَلَفَ النَّاضُّ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ‏;‏ وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ زَكَاةَ الطَّعَامِ فَتَلِفَتْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا‏,‏ لاَ عَنْ الْكُلِّ، وَلاَ عَمَّا بَقِيَ‏,‏ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَتَلَفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ زَكَاتِهِ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ لاَِهْلِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَتْ عَيْنًا مُعِينَةً‏;‏ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ، وَلاَ جُزْءًا مُشَاعًا فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ‏.‏

وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ يَكُونُ مَنْ كَانَا عِنْدَهُ بِحَقٍّ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ‏;‏ فَإِذْ الزَّكَاةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى الْمُصَدِّقِ‏,‏ أَوْ إلَى مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ‏:‏ فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لاَ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَدًّى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ‏,‏ وَجَرِيرٍ‏,‏ وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ‏,‏ وَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ‏,‏ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ‏,‏ قَالَ حَفْصٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏;‏ و قَالَ جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةَ عَنْ أَصْحَابِهِ‏;‏ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادٍ‏,‏ وَقَالَ زَيْدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ‏;‏ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ‏:‏ فِيمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فَضَاعَتْ‏:‏ أَنَّهَا لاَ تُجْزِي عَنْهُ وَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا ثَانِيَةً وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ - مَسْأَلَةٌ

وَأَيُّ بُرٍّ أَعْطَى‏,‏ أَوْ أَيُّ شَعِيرٍ‏:‏ فِي زَكَاتِهِ كَانَ أَدْنَى مِمَّا أَصَابَ أَوْ أَعْلَى‏:‏ أَجْزَأَهُ‏,‏ مَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا بِعَفَنٍ‏,‏ أَوْ تَآكُلٍ‏,‏ فَلاَ يُجْزِئُ عَنْ صَحِيحٍ‏,‏ أَوْ مَا كَانَ رَدِيئًا بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ بِالنَّصِّ عُشْرُ مَكِيلَةِ مَا أَصَابَ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهَا إذَا كَانَتْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا‏,‏ وَلَوْ كَانَ لاَ يُجْزِئُهُ أَدْنَى مِنْ صِفَةِ مَا أَصَابَ لَكَانَ لاَ يُجْزِئُهُ أَعْلَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ‏;‏ وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّصِّ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي أَصَابَ‏;‏ فَمَنْ ادَّعَى أَنْ لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ مِثْلَ صِفَةِ الَّتِي أَصَابَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلاَّ بِبُرْهَانٍ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إلاَّ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَعْطَى فَاسِدًا عَنْ صَحِيحٍ فَلاَِنَّ الْمَكِيلَةَ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَبِالإِجْمَاعِ‏,‏ وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ الْعَفَنَ وَالْمُتَآكِلَ قَدْ نَقَصَا مِنْ الْمَكِيلَةِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَصْلاً‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ الْمَكِيلَةُ تَامَّةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

668 - مَسْأَلَةٌ

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ‏,‏ أَيِّ تَمْرٍ أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ‏,‏ سَوَاءٌ مِنْ جِنْسِ تَمْرِهِ‏,‏ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ‏,‏ أَدْنَى مِنْ تَمْرِهِ أَوْ أَعْلَى‏,‏ مَا لَمْ يَكُنْ رَدِيًّا كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ أَوْ مَعْفُونًا أَوْ مُتَآكِلاً‏,‏ أَوْ الْجُعْرُورُ‏,‏ أَوْ لَوْنُ الْحُبَيْقِ فَلاَ يُجْزِئُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً‏,‏ وَسَوَاءٌ كَانَ تَمْرُهُ كُلُّهُ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا‏,‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِتَمْرٍ سَالِمٍ غَيْرِ رَدِيءٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ هَذَيْنِ اللَّوْنَيْنِ

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ‏}‏‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنْ التَّمْرِ‏:‏ الْجُعْرُورُ‏,‏ وَلَوْنُ الْحُبَيْقِ‏,‏ وَكَانَ النَّاسُ يَتَيَمَّمُونَ شِرَارَ ثِمَارِهِمْ فَيُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ‏;‏ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏,‏ وَنَزَلَتْ، وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيِّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ السُّدِّيَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَةِ بِأَدْنَى طَعَامِهِمْ‏,‏ وَأَدْنَى تَمْرِهِمْ‏,‏ فَنَزَلَتْ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ، وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ الْخَبِيثُ لاَ يَكُونُ إلاَّ حَرَامًا قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَهَذَا الْمَنْهِيُّ عَنْ إخْرَاجِهِ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ حَرَامٌ فِيهَا‏,‏ فَهُوَ خَبِيثٌ فِيهَا لاَ فِي غَيْرِهَا، وَلاَ يُنْكَرُ كَوْنُ الشَّيْءِ طَاعَةً فِي وَجْهٍ مَعْصِيَةً فِي وَجْهٍ آخَرَ‏;‏ كَالأَكْلِ لِلصَّائِمِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ‏,‏ هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى طَيِّبٌ حَلاَلٌ‏,‏ وَلَوْ أَكَلَهُ فِي صَلاَةِ الْمَغْرِبِ لاََكَلَ حَرَامًا عَلَيْهِ خَبِيثًا فِي تِلْكَ الْحَالِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ‏,‏ هُمَا حَرَامَانِ خَبِيثَانِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ‏,‏ وَهُمَا لِلْمُضْطَرِّ غَيْرِ الْمُتَجَانِفِ لاِِثْمٍ حَلاَلاَنِ طَيِّبَانِ غَيْرُ خَبِيثَيْنِ‏;‏ وَهَكَذَا أَكْثَرُ الأَشْيَاءِ فِي الشَّرَائِعِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حدثنا عَبَّادٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجُعْرُورِ‏,‏ وَلَوْنِ ابْنِ حُبَيْقٍ أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ لَوْنَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ‏.‏