فصل: الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ

685 - مَسْأَلَةٌ

قال أبو محمد‏:‏ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ يُزَكَّى حِينَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ

وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ لاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً إلاَّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يَجِبُ فِي عَدَدِ مَا عِنْدَهُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ‏:‏ فَإِنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ‏:‏ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمُكْتَسَبَ مَعَ الأَصْلِ‏,‏ سَوَاءٌ عِنْدَهُ الذَّهَبُ‏,‏ وَالْفِضَّةُ‏,‏ وَالْمَاشِيَةُ‏,‏ وَالأَوْلاَدُ‏,‏ وَغَيْرُهَا وقال مالك‏:‏ لاَ يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً‏,‏ وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏,‏ إلاَّ الْمَاشِيَةَ‏;‏ فَإِنَّ مَنْ اسْتَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ وِلاَدَةٍ مِنْهَا‏,‏ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا نِصَابًا‏:‏ زَكَّى الْجَمِيعَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وِلاَدَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الآُمَّهَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَكُنْ وقال الشافعي‏:‏ لاَ يُزَكَّى مَالٌ مُسْتَفَادٌ مَعَ نِصَابٍ كَانَ عِنْدَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَلْبَتَّةَ‏,‏ إلاَّ أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا فَقَطْ إذَا كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا وَإِلاَّ فَلاَ قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ فَسَادِ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا‏;‏ وَيَكْفِي مِنْ فَسَادِهَا أَنَّهَا كُلَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَكُلُّهَا دَعَاوٍ مُجَرَّدَةٌ‏,‏ وَتَقَاسِيمُ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏

لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ وقال أبو حنيفة‏:‏ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ تَلِفَتْ كُلُّهَا أَوْ أَنْفَقَهَا إلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ‏;‏ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ اكْتَسَبَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا‏:‏ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ لِحَوْلِ الَّتِي تَلِفَتْ‏,‏ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا، وَلاَ دِرْهَمٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اكْتَسَبَ وَلَوْ أَنَّهَا مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهَا حَوْلٌ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ هَذَا الدِّرْهَمِ وَمَا قَوْلُهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ فَلْسٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ ذَهَبٍ‏,‏ أَوْ مِنْ بَقَرٍ‏,‏ أَوْ مِنْ إبِلٍ‏,‏ أَوْ مِنْ غَنَمٍ‏;‏ ثُمَّ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلاَّ وَاحِدَةً‏;‏ ثُمَّ اكْتَسَبَ مِنْ جِنْسِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ مَا يُتِمُّ بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُ النِّصَابَ وَهَذَا قَوْلٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةً فِي الدِّرْهَمِ الْبَاقِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ غَيْرَهُ‏;‏ نَعَمْ‏,‏ وَفِيمَا اكْتَسَبَ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ آخَرُ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ بَاقِيَةٍ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَوْلِ بِمَا اكْتَسَبَ مَعَهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفَائِدَةِ‏:‏ ابْنُ مَسْعُودٍ‏,‏ وَمُعَاوِيَةُ‏,‏ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَالْحَسَنُ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ‏:‏ لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ حَوْلٌ‏:‏ عَلِيٌّ‏,‏ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ‏,‏ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابٍ ذِكْرِنَا أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ‏.‏

وأما تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ فَلاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم نَعَمْ‏,‏ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كُلُّ فَائِدَةٍ فَإِنَّمَا تُزَكَّى لِحَوْلِهَا‏,‏ لاَ لِحَوْلِ مَا عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الأَحْوَالُ تَفْسِيرُ ذَلِكَ‏:‏ لَوْ أَنَّ امْرَأً مَلَكَ نِصَابًا وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ‏,‏ أَوْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ‏,‏ أَوْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ‏,‏ إلاَّ أَنَّهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا‏,‏ أَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ تَمَامَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ‏:‏ فَإِنْ كَانَ مَا اكْتَسَبَ لاَ يُغَيِّرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الَّتِي مَلَكَ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ‏;‏ لأَِنَّهَا لاَ تُغَيِّرُ حُكْمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ‏,‏ فَيُزَكَّى ذَلِكَ لِحَوْلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْجَمِيعَ حَوْلاً‏,‏ فَإِنْ اسْتَفَادَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ مَا يُغَيِّرُ الْفَرِيضَةَ فِيمَا عِنْدَهُ‏,‏ إلاَّ أَنَّ تِلْكَ الْفَائِدَةَ لَوْ انْفَرَدَتْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْوَرِقِ خَاصَّةً عَلَى كُلِّ حَالٍ‏,‏ وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ‏:‏ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الَّذِي عِنْدَهُ وَحْدَهُ لِتَمَامِ حَوْلِهِ‏,‏ وَضَمَّ حِينَئِذٍ الَّذِي اسْتَفَادَ إلَيْهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ وَاسْتَأْنَفَ بِالْجَمِيعِ حَوْلاً مِثْلُ‏:‏ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً ثُمَّ اسْتَفَادَ شَاةً فَأَكْثَرَ‏,‏ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بَقَرَةً فَأَفَادَ بَقَرَةً فَأَكْثَرَ‏,‏ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ مِنْ الإِبِلِ فَأَفَادَ وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ أَوْ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا فَأَفَادَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ‏,‏ لأَِنَّ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الَّذِي زَكَّى لاَ زَكَاةَ فِيهِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكَّى مَالٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَلَكَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ نِصَابًا أَيْضًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ مَالٍ لِحَوْلِهِ‏;‏ فَإِنْ رَجَعَ الأَوَّلُ مِنْهُمَا إلاَّ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ زَكَّاهَا ثُمَّ ضَمَّ الأَوَّلَ حِينَئِذٍ إلَى الآخَرِ‏,‏ لأَِنَّ الأَوَّلَ قَدْ صَارَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَعَ مَا قَدْ زَكَّاهُ مِنْ الْمَالِ الثَّانِي‏,‏ فَيَكُونُ يُزَكِّي الثَّانِي مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ‏;‏ وَيَسْتَأْنِفُ بِالْجَمِيعِ حَوْلاً فَإِنْ رَجَعَ الْمَالُ الثَّانِي إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَبَقِيَ الأَوَّلُ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ إذَا حَالَ حَوْلُهُ‏,‏ ثُمَّ يَضُمُّ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فَيَسْتَأْنِفُ بِهِمَا حَوْلاً فَلَوْ خَلَطَهُمَا فَلَمْ يَتَمَيَّزَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ عَدَدٍ مِنْهُمَا لِحَوْلِهِ‏,‏ وَيَجْعَلُ مَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ نُقْصَانًا مِنْ الْمَالِ الثَّانِي‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يُوقِنُ بِالنَّقْصِ إلاَّ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ الثَّانِي‏,‏ وأما قَبْلَ ذَلِكَ فَلاَ يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقَصَ‏;‏ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ كِلاَهُمَا إلَى مَا يُوقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ نَقَصَ، وَلاَ بُدَّ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ مِثْلُ‏:‏ أَنْ يُرْجِعَ الْغَنَمَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ بِشَاتَيْنِ‏,‏ أَوْ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ الْبَقَرَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ‏,‏ وَالذَّهَبَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا‏,‏ وَالإِبِلاَنِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ‏,‏ وَالْفِضَّتَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِذَا رَجَعَ الْمَالاَنِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّ النَّقْصَ دَخَلَ فِي كِلَيْهِمَا‏,‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي أَحَدِهِمَا‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ بِلاَ شَكٍّ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ‏;‏ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالشَّكِّ فَإِذَا كَانَ هَذَا‏:‏ ضَمَّ الْمَالَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الأَوَّلِ أَبَدًا‏,‏ حَتَّى يَرْجِعَ الْكُلُّ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَلَوْ اقْتَنَى خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ إلاَّ أَنَّهُ عَدَدٌ يُزَكَّى بِالْغَنَمِ ثُمَّ اقْتَنَى فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ عَدَدًا يُزَكَّى وَحْدَهُ لَوْ انْفَرَدَ إمَّا بِالْغَنَمِ‏,‏ وأما بِالإِبِلِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا كَانَ عِنْدَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِالْغَنَمِ‏;‏ ثُمَّ ضَمَّهُ إثْرَ ذَلِكَ إلَى مَا اسْتَفَادَ‏;‏ إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ إبِلٌ لَهُ قَدْ تَمَّ لِجَمِيعِهَا حَوْلٌ فَيُزَكِّي بَعْضَهَا بِالْغَنَمِ وَبَعْضَهَا بِالإِبِلِ‏;‏ لأَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زَكَاةِ الإِبِلِ فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ إحْدَى عَشْرَةَ زَكَّى الأَوَّلَ لِحَوْلِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ‏;‏ ثُمَّ ضَمَّهَا إلَى الْفَائِدَةِ مِنْ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلٍ مِنْ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفٍ بِبِنْتِ لَبُونٍ‏;‏ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ تَخْتَلِفُ زَكَاةُ إبِلٍ وَاحِدَةٍ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فإن قيل‏:‏ فَإِنَّكُمْ تُؤَخِّرُونَ زَكَاةَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ عَنْ حَوْلِهِ شُهُورًا قلنا‏:‏ نَعَمْ‏:‏ لاَِنَّنَا لاَ نَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ‏,‏ إلاَّ بِإِحْدَاثِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ‏;‏ وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعْجِيلُ مُبَاحٌ لاَ حَرَجَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

686 - مَسْأَلَةٌ

مَنْ اجْتَمَعَ فِي مَالِهِ زَكَاتَانِ فَصَاعِدًا هُوَ حَيٌّ

قال أبو محمد‏:‏ تُؤَدَّى كُلُّهَا لِكُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ‏;‏ وَسَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ لِهُرُوبِهِ بِمَالِهِ‏;‏ أَوْ لِتَأْخِيرِ السَّاعِي‏;‏ أَوْ لِجَهْلِهِ‏,‏ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ‏;‏ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ‏,‏ وَالْحَرْثُ‏,‏ وَالْمَاشِيَةُ‏,‏ وَسَوَاءٌ أَتَتْ الزَّكَاةُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لَمْ تَأْتِ‏,‏ وَسَوَاءٌ رَجَعَ مَالُهُ بَعْدَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ‏,‏ وَلاَ يَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الزَّكَاةُ وقال مالك‏:‏ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَزْنُ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏,‏ وَالذَّهَبُ إلَى عِشْرِينَ دِينَارًا‏,‏ فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السِّنِينَ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ زَرْعٍ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ أُخِذَتْ كُلُّهَا وَإِنْ اصْطَلَمَتْ جَمِيعَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً‏.‏

فَإِنْ كَانَ هُوَ هَرَبَ أَمَامَ السَّاعِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ عَامٍ‏;‏ فَإِذَا رَجَعَ مَالُهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ إلاَّ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ لِسَائِرِ مَا بَقِيَ مِنْ الأَعْوَامِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ السَّاعِي هُوَ الَّذِي تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا وُجِدَ بِيَدِهِ لِكُلِّ عَامٍ خَلاَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ فِيمَا خَلاَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ‏;‏ فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وقال أبو حنيفة فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَشْرٌ مِنْ الإِبِلِ عَامَيْنِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا‏:‏ إنَّهُ يُزَكِّي لِلْعَامِ الأَوَّلِ شَاتَيْنِ‏.‏

وَلِلْعَامِ الثَّانِي شَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ هُوَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَلَمْ يُزَكِّهَا سَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا‏:‏ إنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ‏;‏ لأَِنَّ الزَّكَاةَ صَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيهَا هَذَا نَصُّ كَلاَمِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ فَقَطْ وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِكُلِّ عَامٍ أَبَدًا‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابُنَا قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ‏,‏ وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ‏,‏ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ‏;‏ لأَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ‏.‏

وَمَا الْعَجَبُ إلاَّ مِنْ رِفْقِهِمْ بِالْهَارِبِ أَمَامَ الْمُصَدِّقِ وَتَحَرِّيهِمْ الْعَدْلَ فِيهِ وَشِدَّةِ حَمْلِهِمْ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ السَّاعِي‏,‏ فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ زَكَاةً أَلْفَ نَاقَةٍ لِعَشْرِ سِنِينَ‏;‏ وَلَمْ يَمْلِكْهَا إلاَّ سَنَةً وَاحِدَةً‏,‏ وَإِنَّمَا مَلَكَ فِي سَائِرِ الأَعْوَامِ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَقَطْ‏.‏

وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِأَنَّ هَكَذَا زَكَّى النَّاسُ إذْ أَجْمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ قال أبو محمد‏:‏ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا مُعَاوِيَةَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الأَعْطِيَةِ وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ‏;‏ وَقَلَّدُوا هَاهُنَا سُعَاةَ مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ‏,‏ كَمَرْوَانَ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ‏,‏ وَمَا هُنَالِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ إبِلٍ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْلِمُ وَتُعَطَّلَ زَكَاةً قَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وأما قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَالِ نَفْسِهِ‏,‏ وَلاَ فِي الذِّمَّةِ‏,‏ وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ قَبْلُ‏;‏ وَأَوْضَحْنَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي الْعَيْنِ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ نَفْسِهِ‏;‏ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَى خِلاَفِهِ‏;‏ وَعَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ‏;‏ فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَلاَ يُسْقِطُهَا عَنْهُ ذَهَابُ مَالِهِ‏,‏ وَلاَ رُجُوعُهُ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ امْرَأً لَوْ بَاعَ مَاشِيَتَهُ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ الْمَبِيعَةِ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا بَاطِلٌ‏;‏ وَمَا لَهُ ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةٌ مِنْ عُمَرَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى زَيْدٍ‏;‏ وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْبَائِعُ بِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

687 - مَسْأَلَةٌ

فَلَوْ مَاتَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ‏,‏ أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ‏,‏ وَرِثَهُ وَلَدُهُ أَوْ كَلَالَةً‏,‏ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا لِلْوَصِيَّةِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ كُلُّهَا‏;‏ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمَا ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ‏,‏ لَا تُؤْخَذُ أَصْلًا‏,‏ سَوَاءٌ مَاتَ إثْرَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ‏,‏ أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِسِنِينَ ‏.‏

وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ‏:‏ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا الْمُصَدَّقُ مِنْهَا‏,‏ وَإِنْ وَجَدَهَا بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ ‏.‏

وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ‏:‏ فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ‏,‏ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ أَنَّهَا تُؤْخَذُ بَعْدِ مَوْتِهِ‏,‏ وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي الْمَاشِيَةِ‏,‏ وَالزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ‏;‏ فَأَمَّا زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ ‏.‏

وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ كَانَ حَاشَا الْمَوَاشِيَ -‏:‏ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ‏,‏ فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا‏,‏ فَتَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبْدَاةً عَلَى سَائِرِ وَصَايَاهُ كُلِّهَا‏,‏ حَاشَا التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ‏,‏ وَهِيَ مُبْدَاةٌ عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ إنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي فَلَا سَبِيلَ لِلسَّاعِي عَلَيْهَا‏,‏ وَقَدْ بَطَلَتْ‏,‏ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا‏,‏ فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ مُبْدَاةٍ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ‏.‏

وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ‏:‏ فَمَرَّةٌ رَآهَا مِنْ الثُّلُثِ‏,‏ وَمَرَّةً رَآهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏;‏ فَفِي غَايَةِ الْخَطَأِ‏;‏ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا بِمَوْتِ الْمَرْءِ دَيْنًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ‏,‏ بِلَا بُرْهَانٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا شَاءَ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُوَرِّثَ وَرَثَتَهُ شَيْئًا إلَّا أَمْكَنَهُ فَقُلْنَا‏:‏ فَمَا تَقُولُونَ فِي إنْسَانٍ أَكْثَرَ مِنْ إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا‏,‏ وَلَوْ أَنَّهَا دُيُونُ يَهُودِيٍّ‏,‏ أَوْ نَصْرَانِيٍّ لَا فِي خُمُورٍ أَهْرَقَهَا لَهُمْ ‏.‏

فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّهَا كُلَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ‏,‏ سَوَاءٌ وَرِثَ وَرَثَتُهُ أَوْ لَمْ يَرِثُوا‏,‏ فَنَقَضُوا عِلَّتَهُمْ بِأَوْحَشِ نَقْضٍ وَأَسْقَطُوا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى - الَّذِي جَعَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَالْغَارِمِينَ مِنْهُمْ‏,‏ وَفِي الرِّقَابِ مِنْهُمْ‏,‏ وَفِي سَبِيلِهِ تَعَالَى‏,‏ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى -‏:‏ وَأَوْجَبُوا دُيُونَ الْآدَمِيِّينَ وَأَطْعَمُوا الْوَرَثَةَ الْحَرَامَ ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مِنْ إيجَابِهِمْ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا عَلَى الْعَامِدِ لِتَرْكِهَا‏,‏ وَإِسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ وَوَقْتُهَا قَائِمٌ عَنْ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا ‏.‏

ثُمَّ تَقْسِيمُ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَغَيْرِ الْمَوَاشِي‏,‏ وَبَيْنَ زَكَاةِ عَامِهِ ذَلِكَ وَسَائِرِ الْأَعْوَامِ‏,‏ فَرَأَى زَكَاةَ عَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ يَعِيشُونَ مِنْهُ‏,‏ وَلَمْ يَرَ زَكَاةَ سَائِرِ الْأَعْوَامِ إلَّا سَاقِطَةً ‏.‏

ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ زَكَاةِ النَّاضِّ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا إلَّا عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَتُبَدَّى عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ -‏:‏ وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَلَا تُبَدَّى الْوَصَايَا‏,‏ وَهَذِهِ أَشْيَاءُ غَلِطَ فِيهَا مَنْ غَلِطَ وَقَصَدَ الْخَيْرَ‏,‏ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِتَقْلِيدِ قَائِلِهَا ‏.‏

ثُمَّ اسْتَعْمَلَ نَفْسَهُ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ نَصْرًا لَهَا ‏.‏

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ وَبَيْنَ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَوَارِيثِ ‏{‏مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ‏}‏ فَعَمَّ - عَزَّ وَجَلَّ - الدُّيُونَ كُلَّهَا‏,‏ وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَسَاكِينِ‏,‏ وَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَسَائِرِ مَنْ فَرَضَهَا تَعَالَى لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ‏.‏

قَالَ الْوَكِيعِيُّ‏,‏ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ‏;‏ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثُمَّ اتَّفَقَ زَائِدَةُ‏,‏ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ‏,‏ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ‏,‏ قَالَ مُسْلِمُ الْبُطَيْنُ‏:‏ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ‏,‏ وَسَلَمَةُ‏:‏ سَمِعْنَا مُجَاهِدًا ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ عَنْهَا ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ‏.‏

قَالَ أَبُو خَالِدٍ‏:‏ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ‏,‏ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ‏,‏ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَذَكَرَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ الْأَعْمَشَ سَمِعَهُ مِنْ الْحَكَمِ‏,‏ وَسَلَمَةَ وَمُسْلِمٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ‏,‏ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ‏:‏ فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ ‏.‏

فَهَؤُلَاءِ‏:‏ عَطَاءٌ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ‏,‏ بَلْ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطٌ وَدَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَالنَّاسُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ وَيَسْأَلُونَ عَنْ الزَّكَاةِ أَفِي الذِّمَّةِ هِيَ أَمْ فِي عَيْنِ الْمَالِ ‏.‏

‏؟‏ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فِي عَيْنِ الْمَالِ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُمْ وَتَبْقَى دَيْنُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ‏؟‏ وَإِنْ قَالُوا‏:‏ فِي الذِّمَّةِ فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطُوهَا بِمَوْتِهِ ‏؟‏ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لَازِمٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ إبْطَالُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ‏؟‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ‏,‏ كَذَبُوا وَتَنَاقَضُوا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ وَصِيَّةً فَهُوَ مِنْ الصَّحِيحِ أَيْضًا فِي الثُّلُثِ‏,‏ وَإِلَّا فَهَاتُوا فَرْقًا بَيْنَ الْمَرِيضِ‏,‏ وَالصَّحِيحِ ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ لِأَنَّنَا نَتَّهِمُهُ ‏.‏

قُلْنَا‏:‏ فَهَلَّا اتَّهَمْتُمْ الصَّحِيحَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتُّهْمَةِ ‏؟‏ لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ قَوْلَ الْمَرِيضِ فِي دَعْوَاهُ‏:‏ إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ‏,‏ وَيُبْطِلُونَ إقْرَارَهُ فِي مَالِهِ‏,‏ وَهَذِهِ أُمُورٌ كَمَا تَرَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ‏:‏ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ ‏.‏

وَقَالَ رَبِيعَةُ‏:‏ لَا تُؤْخَذُ وَعَلَيْهِ مَا تَحَمَّلَ -‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ‏,‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏:‏ أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ‏,‏ وَالزَّكَاةِ‏:‏ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَتَحَاصُّ مَعَ دُيُونِ النَّاسِ ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ - الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا - وَالْقِيَاسَ‏,‏ وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ نَعْلَمُهُ ‏.‏

688 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يُجْزِئُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إذَا أَخْرَجَهَا الْمُسْلِمُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ‏,‏ فَإِنْ أَخَذَهَا الإِمَامُ‏,‏ أَوْ سَاعِيهِ‏,‏ أَوْ أَمِيرُهُ‏,‏ أَوْ سَاعِيهِ فَبِنِيَّةِ كَذَلِكَ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ‏.‏

فَلَوْ أَنَّ امْرَأً أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالٍ لَهُ غَائِبٍ فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ سَالِمًا‏,‏ وَإِلاَّ فَهِيَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ‏:‏ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ إنْ كَانَ سَالِمًا‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لأَِنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ مَحْضَةٍ كَمَا أُمِرَ‏,‏ وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ إنْ أَخْرَجَهَا عَلَى أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ فَقَطْ‏;‏ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ‏,‏ لأَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ مُخْلِصًا لَهَا‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ تَلِفَ‏,‏ فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعْطَى‏,‏ وَإِنْ فَاتَتْ أَدَّى الإِمَامُ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ‏,‏ لأَِنَّهُمْ أَخَذُوهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهَا‏,‏ فَهُمْ غَارِمُونَ بِذَلِكَ‏,‏ وَهَذَا كَمَنْ شَكَّ‏:‏ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لاَ وَهَلْ عَلَيْهِ صَلاَةُ فَرْضٍ أَمْ لاَ فَصَلَّى عَدَدَ رَكَعَاتِ تِلْكَ الصَّلاَةِ وَقَالَ‏:‏ إنْ كُنْتَ أُنْسِيتُهَا فَهِيَ هَذِهِ‏,‏ وَإِلاَّ فَهِيَ تَطَوُّعٌ‏;‏ وَصَامَ يَوْمًا فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ عَلَيَّ يَوْمٌ فَهُوَ هَذَا‏;‏ وَإِلاَّ فَهُوَ تَطَوُّعٌ‏;‏ فَإِنَّ هَذَا لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ تِلْكَ الصَّلاَةِ، وَلاَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إنْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَلَيْهِ‏.‏

689 - مَسْأَلَةٌ

مَنْ خَرَجَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ رَجَعَ إلَيْهِ‏,‏ وَلَوْ إثْرَ خُرُوجِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ أَكْثَرَ‏:‏ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ رُجُوعِهِ‏,‏ لاَ مِنْ حِينِ الْحَوْلِ الأَوَّلِ‏,‏ لأَِنَّ ذَلِكَ الْحَوْلَ قَدْ بَطَلَ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُعَدَّ عَلَيْهِ وَقْتٌ كَانَ فِيهِ الْمَالُ لِغَيْرِهِ

وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ إبِلاً بِإِبِلٍ‏,‏ أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ‏,‏ أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ‏,‏ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ‏,‏ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ‏:‏ فَإِنَّ حَوْلَ الَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ‏,‏ مِنْ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ‏,‏ وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ الَّذِي صَارَ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ‏,‏ فَهُوَ عَاصٍ بِنِيَّتِهِ السُّوءَ فِي فِرَارِهِ مِنْ الزَّكَاةِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ إنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ‏,‏ ثُمَّ نَاقَضَ مَنْ قَرَّبَ فَقَالَ‏:‏ مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ أَوْ بِدَنَانِيرِهِ عَقَارًا أَوْ مَتَاعًا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اشْتَرَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمِنْ الْمُحَالِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُزَكِّيَ الإِنْسَانُ مَالاً هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ عِنْدَهُ‏.‏

قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةً وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

وقولنا في هذا كُلِّهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ بَادَلَ إبِلاً بِبَقَرٍ أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ‏,‏ وَإِنْ بَادَلَ إبِلاً بِإِبِلٍ‏,‏ أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ‏,‏ أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ‏,‏ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ‏,‏ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ‏:‏ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي خَرَجَ عَنْ يَدِهِ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ‏,‏ وَدَعْوَى لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ‏,‏ وَلاَ رَأْيٍ يَصِحُّ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِهَذَا‏:‏ أَهَذِهِ الَّتِي صَارَتْ إلَيْهِ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْهُ أَمْ هِيَ غَيْرُهَا فَإِنْ قَالَ‏:‏ هِيَ غَيْرُهَا قِيلَ‏:‏ فَكَيْفَ يُزَكِّي عَنْ مَالٍ لاَ يَمْلِكُهُ وَلَعَلَّهَا أَمْوَاتٌ‏,‏ أَوْ عِنْدَ كَافِرٍ‏.‏

وَإِنْ‏:‏ قَالَ بَلْ هِيَ تِلْكَ‏,‏ كَابِرُ الْعِيَانِ‏,‏ وَصَارَ فِي مِسْلاَخِ مَنْ يَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ جِهَارًا‏,‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَيْسَتْ هِيَ‏,‏ وَلَكِنَّهَا مِنْ نَوْعِهَا قلنا نَعَمْ‏,‏ فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ زَكَاةُ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْحَوْلُ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعِهِ ثُمَّ يُسْأَلُونَ إنْ كَانَتْ الأَعْدَادُ مُخْتَلِفَةً‏:‏ أَيُّ الْعَدَدَيْنِ يُزَكِّي الْعَدَدَ الَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَمْ الْعَدَدُ الَّذِي اكْتَسَبَ وَلَعَلَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ نِصَابًا وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَيُّ شَيْءٍ قَالُوا فِي ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا وَبَاطِلاً بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَالِكًا لِمِائَةِ شَاةٍ أَوْ لِعَشْرٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَوْلاً كَامِلاً مُتَّصِلاً قلنا‏:‏ إنَّمَا الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ عَنْ مَالِ مِلْكِهِ بِعَيْنِهِ حَوْلاً كَامِلاً مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِلاَ خِلاَفٍ‏;‏ فَعَلَيْكُمْ الْ بُرْهَانُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْ عَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَكِنْ فِي أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ‏,‏ وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ‏,‏ إلاَّ بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

زَكَاة الْمَغْصُوبِ ‏.‏

690 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ غُصِبَهُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَيُّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ

فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ يَوْمًا مَا اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً مِنْ حِينَئِذٍ‏,‏ وَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا خَلاَ‏;‏ فَلَوْ زَكَّاهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ كُلَّهُ‏,‏ وَضَمِنَ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ

لأَِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الآُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ‏,‏ وَلَمْ يُكَلَّفْ الزَّكَاةَ مَنْ سِوَاهُ مَا لَمْ يَبِعْهُ هُوَ أَوْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ‏,‏ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكَلَّفُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ‏,‏ فَسَقَطَ بِهَذَا الإِجْمَاعِ تَكْلِيفُهُ أَدَاءَ زَكَاةٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ‏;‏ ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ذَلِكَ‏,‏ وَكَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ‏,‏ أَوْ الْمُتْلَفِ‏,‏ أَوْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ‏:‏ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ بِخِلاَفِ مَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إحْضَارِهِ وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ‏,‏ وَمَا سَقَطَ بِبُرْهَانٍ لَمْ يَعُدْ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ‏,‏ وَقَدْ كَانَتْ الْكُفَّارُ يُغِيرُونَ عَلَى سَرْحِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏;‏ فَمَا كَلَّفَ قَطُّ أَحَدًا زَكَاةَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ مَالِهِ‏.‏

وَقَدْ يُسْرَقُ الْمَالُ وَيُغْصَبُ فَيُفَرَّقُ، وَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَكَانَهُ‏,‏ فَكَانَ تَكْلِيفُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي قَدْ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏,‏ إذْ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ وَكَذَلِكَ تَغَلُّبُ الْكُفَّارِ عَلَى بَلَدِ نَخْلٍ فَمِنْ الْمُحَالِ تَكْلِيفُ رَبِّهَا أَدَاءَ زَكَاةِ مَا أَخْرَجَتْ‏,‏ وأما الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ‏,‏ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَإِعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ تَعَدٍّ مِنْهُ‏,‏ فَهُوَ ضَامِنٌ لَمَا تَعَدَّى فِيهِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ‏,‏ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ بِتَلَفِ مَكَانِهِ فِي مَنْزِلِهِ أَدَّى زَكَاتَهُ‏;‏ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ‏.‏

وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ‏,‏ وقال مالك‏:‏ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ‏,‏ فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ سِنِينَ‏.‏

وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلٍ لَهُ رَجَعَ إلَيْهِ‏,‏ وَكَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ‏:‏ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ هَاهُنَا‏,‏ وَلَمْ يُقَلِّدُوهُ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ‏;‏ وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَلَّدُوهُ فِيهِ لأَِنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حِينَ يُفَادُ فَخَالَفُوهُ هَاهُنَا وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ‏,‏ وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏:‏ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ‏,‏ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا لاَ يَرَيَانِ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ‏,‏ وَاللَّيْثِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ سُفْيَانَ‏,‏ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالٍ رَدَّهُ عَلَى رَجُلٍ كَانَ ظُلِمَهُ‏:‏ أَنْ خُذْ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِمَا أَتَتْ عَلَيْهِ‏,‏ ثُمَّ صَبَّحَنِي بَرِيدُ عُمَرَ‏:‏ لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً‏,‏ فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا أَوْ غَوْرًا‏.‏

691 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ رَهَنَ مَاشِيَةً‏,‏ أَوْ ذَهَبًا‏,‏ أَوْ فِضَّةً‏,‏ أَوْ أَرْضًا فَزَرَعَهَا‏,‏ أَوْ نَخْلاً فَأَثْمَرَتْ‏,‏ وَحَال الْحَوْلُ عَلَى الْمَاشِيَةِ‏,‏ وَالْعَيْنِ‏:‏ فَالزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلاَ يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فِي زَكَاتِهِ‏,‏ أَمَّا وُجُوبُ الزَّكَاةِ‏;‏ فَلأَِنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ‏,‏ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ‏;‏ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ عَنْهُ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِتَكْلِيفِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وأما الْمَنْعُ مِنْ تَكْلِيفِهِ الْعِوَضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ وَعِدْوَانٍ‏,‏ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِرَدِّهِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِحَقٍّ مُفْتَرَضٍ إخْرَاجُهُ‏;‏ فَتَكْلِيفُهُ حُكْمًا فِي مَالِهِ بَاطِلٌ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ إلاَّ بِنَصٍّ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ‏.‏

692 - مَسْأَلَةٌ

وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى السُّلْطَانِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ مَالَهُ لِلْمُصَدَّقِ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْحَقَّ‏,‏ ثُمَّ مُؤْنَةُ نَقْلِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الزَّكَاةِ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ‏;‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ وَهُمْ السُّعَاةُ فَيَقْبِضُونَ الْوَاجِبَ وَيَبْرَأُ أَصْحَابُ الأَمْوَالِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَلاَ مَزِيدَ‏;‏ لأَِنَّ تَكْلِيفَ النَّقْلِ مُؤْنَةٌ وَغَرَامَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ مَيْلاً أَوْ مَنْ كَلَّفَهُ إلَى خُرَاسَانَ أَوْ أَبْعَدَ‏.‏

693 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَلاَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ‏,‏ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا‏,‏ وَيَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ قَبْلَ وَقْتِهِ

لأَِنَّهُ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَصَحَّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ‏,‏ وَالضَّحَّاكِ‏,‏ وَالْحَكَمِ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ لِثَلاَثِ سِنِينَ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ‏:‏ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ‏:‏ لاَ أَدْرِي مَا هَذَا‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ وَأَصْحَابُهُ بِجَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا ثُمَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ تَخْلِيطٌ كَثِيرٌ‏:‏ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‏:‏ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالٍ عِنْدَهُ‏,‏ وَلاَ فِي زَرْعٍ قَدْ زَرَعَهُ‏,‏ وَلاَ فِي نَخْلٍ قَدْ أَطْلَعَتْ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ اطِّلاَعِ النَّخْلِ وَقَبْلَ زَرْعِ الأَرْضِ‏,‏ وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ ثَلاَثِ سِنِينَ أَجْزَأَهُ‏.‏

وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ تَخَالِيطِ أَقْوَالِهِمْ فِي كِتَابِ الأَعْرَابِ ‏"‏ و اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ عَنْ مَالٍ عِنْدَهُ‏,‏ لاَ عَنْ مَالٍ لَمْ يَكْتَسِبْهُ بَعْدُ وَقَالَ‏:‏ إنْ اسْتَغْنَى الْمِسْكِينُ مِمَّا أَخَذَ مِمَّا عَجَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَ صَاحِبَ الْمَالِ‏;‏ فَإِنْ اسْتَغْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُجْزِئُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ‏,‏ لاَ أَكْثَرَ‏,‏ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وأما رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فَكَمَا قلنا نَحْنُ‏,‏ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏,‏ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ يَصِحُّ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ‏.‏

وَقَوْلُ اللَّيْثِ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏:‏ كَقَوْلِنَا‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا بِحُجَجٍ‏:‏ مِنْهَا‏:‏ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي‏,‏ فِي هَلْ تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَمْ لاَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ بَكْرًا فَقَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ جَمَلاً رَبَاعِيًا وَهَذَا لاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ‏,‏ لأَِنَّهُ اسْتِسْلاَفٌ كَمَا تَرَى‏,‏ لاَ اسْتِعْجَالَ صَدَقَةٍ‏;‏ بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَهَا لاَ يَجُوزُ‏,‏ إذْ لَوْ جَازَ لَمَا احْتَاجَ عليه الصلاة والسلام إلَى الاِسْتِقْرَاضِ‏;‏ بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ زَكَاةً لِحَاجَتِهِ إلَى الْبِكْرِ‏,‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد

حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَأَذِنَ لَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عُمَرَ مُصَدِّقًا وَقَالَ لَهُ عَنْ الْعَبَّاسِ‏:‏ إنَّا قَدْ اسْتَسْلَفْنَا زَكَاتَهُ لِعَامِ عَامِ الأَوَّلِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ قَالَ ‏"‏ قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ‏:‏ أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ‏:‏ قَدْ أَدَّيْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صَدَقَ ‏"‏‏.‏

هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ حُقُوقُ الأَمْوَالِ كُلُّهَا جَائِزٌ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا‏,‏ قِيَاسًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ وَحُقُوقِهِمْ‏,‏ كَالنَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ إنَّمَا أُخِّرَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْحَوْلِ فُسْحَةً عَلَى النَّاسِ فَقَطْ‏.‏

وَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ‏.‏

وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ‏.‏

أَمَّا حَدِيثُ حُجِّيَّةَ‏:‏ فَحُجِّيَّةُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالْعَدَالَةِ‏,‏ وَلاَ تَقُومُ الْحُجَّةُ إلاَّ بِرِوَايَةِ الْعُدُولِ الْمَعْرُوفِينَ‏.‏

وأما حَدِيثُ هُشَيْمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هُشَيْمٍ‏,‏ وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَبَنَّدَ بِهِ‏,‏ فَصَارَ مُنْقَطِعًا‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا لَفْظَ أَنَسٍ، وَلاَ كَيْفَ رَوَاهُ‏,‏ فَلَمْ يُجِزْ الْقَطْعَ بِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ‏,‏ وأما سَائِرُ الأَخْبَارِ فَمُرْسَلَةٌ‏.‏

وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ الْمُرْسَلَ‏,‏ وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ‏:‏ إنَّهُ كَالْمُسْنَدِ‏,‏ وَرَدُّوا فِيهِ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ‏,‏ وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِهَا إذَا وَافَقَتْهُمْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ‏.‏

وأما قِيَاسُهُمْ الزَّكَاةَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ‏:‏ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏;‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّ تَعْجِيلَ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ قَدْ وَجَبَ بَعْدُ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى تَأْجِيلِهَا وَالزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ‏,‏ فَقِيَاسُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى مَا قَدْ وَجَبَ فِي الأَدَاءِ بَاطِلٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَتَعْجِيلُ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِرِضًا مِنْ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ‏,‏ وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ لاِِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ‏,‏ وَلاَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ‏,‏ فَيَجُوزُ الرِّضَا مِنْهُمْ بِالتَّعْجِيلِ‏,‏ وَإِنَّمَا هِيَ لاَِهْلِ صِفَاتٍ تَحْدُثُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا‏,‏ وَتَبْطُلُ عَمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا‏,‏ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْقَابِضِينَ لَهَا الآنَ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا لَوْ أَبْرَءُوا مِنْهَا دُونَ قَبْضٍ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ بَرِئَ مِنْهَا مِنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ بِإِبْرَائِهِمْ بِخِلاَفِ إبْرَاءِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ‏,‏ وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهَا إلَى السَّاعِي‏,‏ فَقَدْ يَأْتِي وَقْتُ الزَّكَاةِ وَالسَّاعِي مَيِّتٌ أَوْ مَعْزُولٌ‏,‏ وَاَلَّذِي بَعَثَهُ كَذَلِكَ‏,‏ فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ‏,‏ وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُمْ عَلَى النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ‏,‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً عَجَّلَ نَفَقَةً لاِمْرَأَتِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ‏,‏ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ النَّفَقَةَ‏,‏ وَاَلَّذِي تَجِبُ لَهُ مُضْطَرٌّ‏:‏ لَمْ يُجْزِئْهُ تَعْجِيلُ مَا عَجَّلَ‏,‏ وَأُلْزِمَ الآنَ النَّفَقَةَ‏,‏ وَأُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ بِمَا عَجَّلَ لَهُ دَيْنًا‏,‏ لاِسْتِهْلاَكِهِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ‏,‏ بَلْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى تَعْجِيلِ الصَّلاَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالصَّوْمُ قَبْلَ وَقْتِهِ أَصَحُّ‏,‏ لأَِنَّهَا كُلَّهَا عِبَادَاتٌ مَحْدُودَةٌ بِأَوْقَاتٍ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ‏.‏

فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّلاَةِ أَكْذَبَهُمْ الأَثَرُ الصَّحِيحُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ‏,‏ وَهْبَكَ لَوْ صَحَّ لَهُمْ الإِجْمَاعُ لَكَانَ هَذَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏,‏ لأَِنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ قِيَاسَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ‏.‏

وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ قَبْلُ‏,‏ ثُمَّ فُسِحَ لِلنَّاسِ فِي تَأْخِيرِهَا‏:‏ فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَطُّ إلاَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ‏,‏ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ لِصِحَّةِ النَّصِّ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُصَدِّقِينَ عِنْدَ الْحَوْلِ‏,‏ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ وَمَا كَانَ عليه السلام لَيُضَيِّعَ قَبْضَ حَقٍّ قَدْ وَجَبَ وَلاِِجْمَاعِ الآُمَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى وُجُوبِهَا قَبْلَهُ‏,‏ وَلاَ تَجِبُ الْفَرَائِضُ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ‏,‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ‏.‏

ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ‏:‏ أَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَمْ لَمْ تَجِبْ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَمْ تَجِبْ قلنا‏:‏ فَكَيْفَ تُجِيزُونَ أَدَاءَ مَا لَمْ يَجِبْ وَمَا لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ تَطَوُّعٌ‏,‏ وَمَنْ تَطَوَّعَ فَلَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ وَجَبَتْ قلنا‏:‏ فَالْوَاجِبُ إجْبَارُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَى أَدَائِهِ‏,‏ وَهَذَا بُرْهَانٌ لاَ مَحِيدَ عَنْهُ أَصْلاً‏,‏ وَنَسْأَلُهُمْ‏:‏ كَيْفَ الْحَالُ إنْ مَاتَ الَّذِي عَجَّلَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ الَّذِينَ أَعْطُوهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ خَرَجُوا عَنْ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تُسْتَحَقُّ الزَّكَوَاتُ فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَهَا بَاطِلٌ‏,‏ وَإِعْطَاءٌ لِمَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهَا‏,‏ وَمَنْعٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا‏,‏ وَإِبْطَالُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ‏;‏ وَكُلُّ هَذَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

وَالْعَجَبُ مِنْ إجَازَةِ الْحَنَفِيِّينَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ وَمَنْعُهُمْ مِنْ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَكِلاَهُمَا مَالٌ مُعَجَّلٌ‏,‏ إلاَّ أَنَّ النَّصَّ قَدْ يَصِحُّ بِتَعْجِيلِ مَا مَنَعُوا تَعْجِيلَهُ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ بِتَعْجِيلِ مَا أَبَاحُوا تَعْجِيلَهُ‏,‏ فَتَنَاقَضُوا فِي الْقِيَاسِ‏,‏ وَصَحَّحُوا الآثَارَ الْفَاسِدَةَ‏,‏ وَأَبْطَلُوا الأَثَرَ الصَّحِيحَ‏,‏ وأما الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ مَعَ مَا تَنَاقَضُوا خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ‏,‏ وَهُمَا يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ‏,‏ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ الْقِيَاسَ‏,‏ وَقَبِلُوا الْمُرْسَلَ الَّذِي يَرُدُّونَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

694 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ مَاشِيَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ لَمْ يَتْلَفْ وَأَتَمَّ عِنْدَهُ حَوْلاً مِنْهُ مَا فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَصْلاً

وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ سِنِينَ وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ يُزَكِّيهِ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إذَا حَلَّتْ يَعْنِي الزَّكَاةَ فَاحْسِبْ دَيْنَكَ وَمَا عِنْدَكَ وَاجْمَعْ ذَلِكَ جَمِيعًا ثُمَّ زَكِّهِ‏.‏

وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ‏:‏ يَجِيءُ إبَّانَ صَدَقَتِي فَأُبَادِرُ الصَّدَقَةَ فَأُنْفِقُ عَلَى أَهْلِي وَأَقْضِي‏,‏ دَيْنِي قَالَ عُمَرُ‏:‏ لاَ تُبَادِرْ بِهَا‏,‏ وَاحْسِبْ دَيْنَك وَمَا عَلَيْكَ‏,‏ وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ‏,‏ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمْطُلُهُ قَالَ‏:‏ زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي يَأْكُلُ مَهْنَأَةً وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ نَحْوَهُ‏.‏

وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْهُ‏:‏ ابْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالاَ

حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ وُلِّيَ مَالَ يَتِيمٍ فَكَانَ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ‏,‏ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أُحْرِزَ لَهُ‏:‏ وَيُؤَدِّي زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ‏,‏ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لاَ يُزَكِّيهِ عَنْ نَفْسِهِ‏,‏ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ‏,‏ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ إذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ‏;‏ إنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ‏,‏ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْفُضَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ مِنْ مَالِكَ‏,‏ وَمَا لَكَ عَلَى الْمَلِيءِ، وَلاَ تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ‏:‏ وَمَالِكٍ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ‏,‏ وَوَكِيعٍ قال أبو محمد‏:‏ إنَّمَا وَافَقْنَا قَوْلَ هَؤُلاَءِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَقَطْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ خَالَفَنِي إبْرَاهِيمُ فِي الدَّيْنِ‏,‏ كُنْتُ أَقُولُ‏:‏ لاَ يُزَكِّي‏,‏ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِي‏:‏ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَلاَ عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ السَّلَفُ يُسْلِفُهُ الرَّجُلُ‏.‏

قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْمَالِ، وَلاَ عَلَى الَّذِي اسْتَسْلَفَهُ زَكَاةٌ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ‏:‏ لاَ يُزَكِّي الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الدِّينَ‏,‏ وَلاَ يُزَكِّيهِ الَّذِي هُوَ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إذَا خَرَجَ الدَّيْنُ عَنْ مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ لاَ شَيْءَ‏,‏ وَعَمَّا لاَ يَمْلِكُ‏,‏ وَعَنْ شَيْءٍ لَوْ سَرَقَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ‏;‏ لأَِنَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ‏.‏

695 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ‏,‏ مِنْ جِنْسِهِ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ‏:‏ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا عِنْدَهُ‏,‏ وَلاَ يَسْقُطُ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي عِنْدَهُ الَّتِي لاَ زَكَاةَ فِيهَا‏,‏ وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عُرُوضٌ جَعَلَ دَيْنَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ‏,‏ وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ الزَّكَاةَ‏,‏ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلاَّ فَلاَ‏,‏ وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ‏.‏

وأما الْمَوَاشِي وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فَلاَ‏;‏ وَلَكِنْ يُزَكِّي كُلَّ ذَلِكَ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَوَاشِي‏,‏ وَلاَ يُسْقِطُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏,‏ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ يُجْعَلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ‏,‏ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ‏,‏ وَالْفِضَّةُ‏,‏ وَالْمَوَاشِي‏,‏ وَالْحَرْثُ‏,‏ وَالثِّمَارُ‏,‏ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ‏,‏ وَيَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُهُ فِي عُرُوضِ الْقِنْيَةِ مَا دَامَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ‏,‏ أَوْ مَا دَامَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ‏;‏ وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ‏:‏ لاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الزَّرْعِ إلاَّ فِي الزَّرْعِ‏,‏ وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الْمَاشِيَةِ إلاَّ فِي الْمَاشِيَةِ‏,‏ وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الْعَيْنِ إلاَّ فِي الْعَيْنِ‏,‏ فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا عَلَيْهِ دَيْنُ مِثْلِهِ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ حَرْثٌ لِرَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ‏,‏ أَيُؤَدِّي حَقَّهُ قَالَ‏:‏ مَا نَرَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً‏,‏ لاَ فِي مَاشِيَةٍ، وَلاَ فِي أَصْلٍ‏,‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ‏,‏ سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إسْقَاطُ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ سَقِيمَةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏;‏ بَلْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَنُ الصِّحَاحُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَوَاشِي‏,‏ وَالْحَبِّ‏,‏ وَالتَّمْرِ‏,‏ وَالذَّهَبِ‏,‏ وَالْفِضَّةِ‏,‏ بِغَيْرِ تَخْصِيصِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّنْ لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ‏,‏ وأما مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ جَارِيَةً يَطَؤُهَا وَيَأْكُلَ مِنْهُ وَيُنْفِقَ مِنْهُ‏;‏ وَلَوْ لَمْ يَكْفِي لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا‏;‏ فَإِذَا هُوَ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَدِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَزَكَاةُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وأما تَقْسِيمُ مَالِكٍ‏:‏ فَفِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ‏;‏ وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

وَالْمَالِكِيُّونَ‏:‏ يُنْكِرُونَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي إيجَابِهِ لِلزَّكَاةِ فِي زَرْعِ الْيَتِيمِ وَثِمَارِهِ دُونَ مَاشِيَتِهِ وَذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ‏,‏ فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَبْضَ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ إلَى الْمُصَدِّقِ‏.‏

قِيلَ‏:‏ فَكَانَ مَاذَا وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَبْضُ زَكَاةِ الْعَيْنِ إلَى السُّلْطَانِ إذَا طَلَبَهَا، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

696 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً عِنْدَ مَلِيءٍ مُقِرٍّ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ أَوْ مُنْكِرٍ‏,‏ أَوْ عِنْدَ عَدِيمٍ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏,‏ وَلاَ زَكَاةَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ عَنْهُ سِنِينَ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلاً كَسَائِرِ الْفَوَائِدِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ‏,‏ لاَ حِينَئِذٍ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَاشِيَةُ‏,‏ وَالذَّهَبُ‏,‏ وَالْفِضَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وأما النَّخْلُ‏,‏ وَالزَّرْعُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ زَرْعِهِ، وَلاَ مِنْ ثِمَارِهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ يُزَكِّيهِ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى آخَرَ فَقَالَ‏:‏ يُزَكِّيهِ صَاحِبُ الْمَالِ‏,‏ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ لاَ يَقْضِيَهُ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ‏,‏ فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هِشَامُ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ‏:‏ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ الدَّيْنِ الظَّنُونِ‏:‏ أَيُزَكِّيهِ قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ لِمَا مَضَى وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏,‏ وَالظَّنُونُ‏:‏ هُوَ الَّذِي لاَ يُرْجَى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ‏:‏ إذَا كَانَتْ لَك دَيْنٌ فَزَكِّهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ يُزَكِّيهِ يَعْنِي‏:‏ مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ احْسَبْ دَيْنَكَ وَمَا عَلَيْكَ وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ‏:‏ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَعَلَى صَاحِبِهِ أَدَاءُ زَكَاتِهِ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْدِمٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ‏;‏ فَيَكُونُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السِّنِينَ الَّتِي مَضَتْ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏.‏

وَعَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ إذَا كَانَ لَكَ الدَّيْنُ فَعَلَيْكَ زَكَاتُهُ‏;‏ وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْكَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ‏,‏ فَإِذَا قَبَضَهُ أَوْ قَبَضَ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ وَإِنْ بَقِيَ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ زَكَّاهُ‏;‏ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ زَكُّوا أَمْوَالَكُمْ مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ‏,‏ فَمَا كَانَ فِي دَيْنٍ فِي ثِقَةٍ فَاجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيكُمْ‏,‏ وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ ظَنُونٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ صَاحِبُهُ‏.‏

وَعَنْ طَاوُسٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ‏:‏ إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فَزَكِّهِ‏,‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ‏:‏ زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ وَمَالَكَ عَلَى الْمَلِيءِ‏,‏ وَلاَ تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ‏.‏

ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا‏.‏

وَعَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ فِي مَلِيءٍ تَرْجُوهُ فَاحْسُبْهُ‏,‏ ثُمَّ أَخْرِجْ مَا عَلَيْك وَزَكِّ مَا بَقِيَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَزَكِّهِ‏.‏

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ‏,‏ وأما قَوْلُنَا فَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُ‏,‏ وَعَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَرُوِّينَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ‏;‏ لأَِنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الدَّيْنِ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ‏,‏ وَعَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ‏.‏

فَأَوْجَبَ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ‏,‏ فَحَصَلَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعُشْرِ‏,‏ وَفِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاتَانِ‏,‏ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ‏.‏

وأما تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ إلاَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ وَمِثْلُ قَوْلِنَا‏.‏

وأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَسَّمَ ذَلِكَ تَقَاسِيمَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏,‏ وَهِيَ‏:‏ أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ لَيْسَ عَنْ بَدَلٍ‏,‏ أَوْ كَانَ عَنْ بَدَلِ مَا لاَ يَمْلِكُ‏,‏ كَالْمِيرَاثِ‏,‏ وَالْمَهْرِ‏,‏ وَالْجُعْلِ‏,‏ وَدِيَةِ الْخَطَأِ‏,‏ وَالْعَمْدِ إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا‏,‏ وَالْخُلْعِ‏:‏ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ أَصْلاً حَتَّى يَقْبِضَهُ‏,‏ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً‏,‏ وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَقَرْضِ الدَّرَاهِمِ وَفِيمَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي‏,‏ وَثَمَنِ عَبْدِ التِّجَارَةِ‏:‏ فَإِنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ حَتَّى يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ‏,‏ ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ أَرْبَعِينَ يَقْبِضُ‏,‏ وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعُرُوضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ يَبِيعُهَا‏:‏ قِسْمًا آخَرَ‏,‏ فَاضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُهُ‏,‏ فَمَرَّةً جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْمِيرَاثِ‏,‏ وَالْمَهْرِ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏,‏ فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ‏,‏ وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ مَا كَانَ عِنْدَ عَدِيمٍ أَوْ مَلِيءٍ إذَا كَانَا مُقِرَّيْنِ‏.‏

وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْلِيطٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إنَّمَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ غَرِيمِهِ عَدَدٌ فِي الذِّمَّةِ وَصِفَةٌ فَقَطْ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالٍ أَصْلاً‏,‏ وَلَعَلَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ اللَّذَيْنِ لَهُ عِنْدَهُ فِي الْمَعْدِنِ بَعْدُ‏,‏ وَالْفِضَّةُ تُرَابٌ بَعْدُ‏,‏ وَلَعَلَّ الْمَوَاشِيَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ‏,‏ فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَمَالِكٍ‏:‏ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا‏,‏ لأَِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ فِي الْغَصْبِ لاَ فِي الدَّيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

697 - مَسْأَلَةٌ

وأما الْمُهُورُ وَالْخُلْعُ‏,‏ وَالدِّيَاتُ‏,‏ فَبِمَنْزِلَةِ مَا قلنا‏;‏ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَهْرُ

لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَيْنٌ‏,‏ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ فِضَّةً مُعَيَّنَةً دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ ذَهَبًا بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ مَاشِيَةً بِعَيْنِهَا‏,‏ أَوْ نَخْلاً بِعَيْنِهَا‏,‏ أَوْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِيرَاثًا‏:‏ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ‏;‏ لأَِنَّهَا أَمْوَالٌ صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ مَوْجُودَةٌ‏,‏ فَالزَّكَاةُ فِيهَا‏,‏ وَلاَ مَعْنَى لِلْقَبْضِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ صَاحِبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ فَإِنْ مَنَعَ صَارَ مَغْصُوبًا وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

698 - مَسْأَلَةٌ

وَمِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ بُرًّا‏,‏ أَوْ شَعِيرًا‏,‏ أَوْ ذَهَبًا‏,‏ أَوْ فِضَّةً‏,‏ أَوْ مَاشِيَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ قِبَلَهُ‏,‏ وَنَوَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ وَنَوَى بِذَلِكَ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ‏,‏ وَبِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْهَا‏,‏ فَإِذَا كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ يُسَمَّى صَدَقَةً فَقَدْ أَجْزَأَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ أُصِيبَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

699 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا‏,‏ أَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ الْمَأْمُورِ بِقَبْضِهَا فَبَاعَهَا مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ فِيهَا أَوْ مَنْ لَهُ قَبْضُهَا نَظَرًا لأَِنَّهَا لاَِهْلِهَا‏:‏ فَجَائِزٌ لِلَّذِي أَعْطَاهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا

وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِهِبَةٍ‏,‏ أَوْ هَدِيَّةٍ‏,‏ أَوْ مِيرَاثٍ‏,‏ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ سَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا‏;‏ لأَِنَّهُ ابْتَاعَ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ‏;‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا الَّذِي ابْتَاعَ‏,‏ وَلَمْ يُعْطِ الزَّكَاةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا‏,‏ وَبِهَذَا نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا لَزِمَهُ الْقِيمَةُ‏,‏ وأما بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏ فَهُوَ قَدْ أَدَّى صَدَقَةَ مَالِهِ كَمَا أُمِرَ‏,‏ وَبَاعَهَا الآخِذُ كَمَا أُبِيحَ لَهُ‏,‏ وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ‏;‏ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ‏;‏ وَأَجَازَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ‏,‏ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ‏,‏ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ تَشْتَرِهِ‏,‏ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ‏"‏ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ فَوَجَدَ فَرَسًا مِنْ ضِئْضِئِهَا يَعْنِي مِنْ نَسْلِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ‏,‏ فَنُهِيَ ‏"‏ وَنَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ‏,‏ وَلاَ يَصِحُّ‏,‏ قال أبو محمد وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّ فَرَسَ عُمَرَ كَانَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ فَصَارَ حَبْسًا فِي هَذَا الْوَجْهِ‏,‏ فَبَيْعُهُ إخْرَاجٌ لَهُ عَمَّا سُبِّلَ فِيهِ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ هَذَا أَصْلاً‏;‏ فَابْتِيَاعُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرَيْنِ الآخَرَيْنِ‏,‏ لَوْ صَحَّا‏,‏ لاَ سِيَّمَا‏,‏ وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ نَهَى نِتَاجَهَا‏,‏ وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَبْسِ‏.‏

وأما مَا لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهُ وَكَانَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَبِيعُهَا إنْ شَاءَ فَلَيْسَ ابْتِيَاعُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَوْدًا فِي صَدَقَتِهِ‏,‏ لاَ فِي اللُّغَةِ‏,‏ وَلاَ فِي الدِّيَانَةِ‏;‏ لأَِنَّ الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ انْتِزَاعُهَا وَرَدُّهَا إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ‏,‏ وَإِبْطَالُ صَدَقَتِهِ بِهَا فَقَطْ‏,‏ وَالْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ يُجِيزُونَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا بِالْمِيرَاثِ‏,‏ وَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ كَمَا عَادَتْ بِالشِّرَاءِ، وَلاَ فَرْقَ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا فَقَطْ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا آدَم، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ‏:‏ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ‏,‏ فَقُلْتُ‏:‏ هَذَا مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، حدثنا الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ السَّبَّاقَ أَنَّهُ سَمِعَ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ‏:‏ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ هَلْ مِنْ طَعَامٍ فَقُلْتُ‏:‏ لاَ‏,‏ إلاَّ عَظْمًا أُعْطِيَتْهُ مَوْلاَةٌ لَنَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ‏:‏ قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ اسْتَبَاحَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا مَحِلَّهَا‏,‏ إذْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا‏,‏ أَوْ لِغَارِمٍ‏,‏ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ‏,‏ أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ‏,‏ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ‏.‏

فَهَذَا نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِجَوَازِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ الْمُتَصَدِّقَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ لاَ تَشْتَرِ الصَّدَقَةَ حَتَّى تَعْقِلَ‏:‏ يَعْنِي حَتَّى تُؤَدِّيَهَا‏:‏ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا‏,‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ‏:‏ إنْ اشْتَرَيْتهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْك‏,‏ أَوْ وَرِثْتهَا حَلَّتْ لَك‏,‏ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلاَ يَبْتَاعَهَا حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قال أبو محمد‏:‏ فَهَذَا عُمَرُ يُجِيزُ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ ابْتِيَاعَهَا إذَا انْتَقَلَتْ عَنْ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ، وَلاَ فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الأَمْرَيْنِ‏,‏ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ‏,‏ وَمَكْحُولٍ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ‏,‏ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ‏,‏ وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ‏,‏ وَأَجَازَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ تَصَدَّقَ بِهِ‏,‏ وَيُفْتِي بِذَلِكَ‏,‏ فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم مُوَافِقٌ‏.‏

700 - مَسْأَلَةٌ

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ شَيْءَ فِي الْمَعَادِنِ‏,‏ وَهِيَ فَائِدَةٌ‏,‏ لاَ خُمْسَ فِيهَا، وَلاَ زَكَاةً مُعَجَّلَةً‏,‏ فَإِنْ بَقِيَ الذَّهَبُ‏,‏ وَالْفِضَّةُ عِنْدَ مُسْتَخْرِجِهَا حَوْلاً قَمَرِيًّا‏,‏ وَكَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ‏:‏ زَكَّاهُ وَإِلاَّ فَلاَ

وقال أبو حنيفة‏:‏ عَلَيْهِ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ‏,‏ وَالْفِضَّةِ‏,‏ وَالنُّحَاسِ‏,‏ وَالرَّصَاصِ‏,‏ وَالْقَزْدِيرِ‏,‏ وَالْحَدِيدِ‏:‏ الْخُمْسُ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ‏,‏ سَوَاءٌ أَصَابَهُ مُسْلِمٌ‏,‏ أَوْ كَافِرٌ‏,‏ عَبْدٌ‏,‏ أَوْ حُرٌّ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِ فَلاَ خُمْسَ فِيهِ‏,‏ وَلاَ زَكَاةَ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَادِنِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزِّئْبَقِ‏,‏ فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ‏,‏ وَمَرَّةً لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا‏,‏ وقال مالك‏:‏ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ‏,‏ وَالْفِضَّةِ‏:‏ الزَّكَاةُ مُعَجَّلَةٌ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ شَيْءَ فِي غَيْرِهَا‏,‏ وَلاَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ يَكُونُ عَلَيْهِ‏;‏ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ‏,‏ أَوْ الْفِضَّةِ نُدْرَةً بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ فَفِي ذَلِكَ الْخُمْسُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ احْتَجَّ مَنْ رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ‏:‏ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الرِّكَازِ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ هُوَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ‏;‏ لأَِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَى إطْرَاحِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي الذَّهَبِ خَاصَّةً‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا سَائِرَ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الذَّهَبِ‏.‏

قلنا لَهُمْ‏:‏ فَقِيسُوا عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَادِنَ الْكِبْرِيتِ‏,‏ وَالْكُحْلِ‏,‏ وَالزِّرْنِيخِ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هَذِهِ حِجَارَةٌ‏.‏

قلنا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا وَمَعْدِنُ الْفِضَّةِ‏,‏ وَالنُّحَاسِ أَيْضًا حِجَارَةٌ، وَلاَ فَرْقَ وأما الرِّكَازُ فَهُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَطْ‏;‏ لاَ الْمَعَادِنُ‏,‏ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اللُّقَطَةِ مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْخَرَابِ وَالأَرْضِ الْمِيْتَاءِ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏,‏ وَهَذَا كَمَا تَرَى‏,‏ وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لَكَانَ الْخُمْسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ‏,‏ كَمَا أَنَّ الْخُمْسَ فِي كُلِّ دَفْنٍ لِلْجَاهِلِيَّةِ‏,‏ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ‏;‏ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَنَاقُضُهُمْ لاَ سِيَّمَا فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْخَرَاجِ‏,‏ وَلَمْ يُسْقِطُوا الْخُمْسَ فِي الْمَعَادِنِ بِالْخَرَاجِ وَأَوْجَبُوا فِيهَا خُمْسًا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ‏,‏ وَعَلَى الْكَافِرِ‏,‏ وَالْعَبْدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَعْدِنِ فِي الدَّارِ وَبَيْنَهُ خَارِجَ الدَّارِ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ كُلُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ بِرَدِّ الأَخْبَارِ الصِّحَاحِ إذَا خَالَفَتْ الآُصُولَ وَحُكْمُهُمْ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِلآُصُولِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ‏:‏ أَنَّ فِيهِ الْخُمْسَ‏.‏

قلنا‏:‏ أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ إنْ كَانَ حُجَّةً‏;‏ لأَِنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي رَجُلٍ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا فَبَاعَهُ بِمِائَةِ شَاةٍ‏,‏ وَأَخْرَجَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ثَمَنَ أَلْفِ شَاةٍ فَرَأَى عَلِيٌّ الْخُمْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي‏;‏ لاَ عَلَى الْمُسْتَخْرِجِ لَهُ‏.‏

وأما مَنْ رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْفُرْعِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إلاَّ الزَّكَاةَ إلَى الْيَوْمِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لأَِنَّهُ مُرْسَلٌ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ إرْسَالِهِ إلاَّ إقْطَاعُهُ عليه السلام تِلْكَ الْمَعَادِنَ فَقَطْ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ‏;‏ لأَِنَّهُمْ رَأَوْا فِي النُّدْرَةِ تُصَابُ فِيهِ بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ‏:‏ الْخُمْسَ‏;‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا عَنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْكَبِيرِ وَحَدِّ النُّدْرَةِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ إلاَّ بِدَعْوَى لاَ يَجُوزُ الاِشْتِغَالُ بِهَا فَظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَتَنَاقُضُهُ‏.‏

وَقَالُوا أَيْضًا‏:‏ الْمَعْدِنُ كَالزَّرْعِ يَخْرُجُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قِيَاسُ الْمَعْدِنِ عَلَى الزَّرْعِ كَقِيَاسِهِ عَلَى الزَّكَاةِ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَتَعَارَضَ هَذَانِ الْقِيَاسَانِ‏;‏ وَكِلاَهُمَا فَاسِدٌ‏,‏ أَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الرِّكَازِ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ‏;‏ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا‏,‏ وأما قِيَاسُهُ عَلَى الزَّرْعِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُرَاعُوا فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا‏,‏ وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَقِيسُوا كُلَّ مَعْدِنٍ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ عَلَى الزَّرْعِ‏,‏ وَاحْتَجَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُبَيٍّ نَعَمْ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ‏:‏ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا‏,‏ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ‏:‏ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ‏,‏ وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ‏,‏ وَزَيْدِ الْخَيْرِ‏,‏ وَذَكَرَ رَابِعًا‏,‏ وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ‏.‏

فَقَالَ مَنْ رَأَى فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ‏:‏ هَؤُلاَءِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ‏,‏ وَحَقُّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لاَ فِي الْخُمْسِ‏;‏ وَقَالَ الآخَرُونَ‏:‏ عَلِيٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي الأَخْمَاسِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ كِلاَ الْقَوْلَيْنِ دَعْوًى فَاسِدَةٌ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ مِنْ خُمْسٍ وَاجِبٍ‏,‏ أَوْ مِنْ زَكَاةٍ لَمَا جَازَ أَلْبَتَّةَ أَخْذُهَا إلاَّ بِوَزْنٍ وَتَحْقِيقٍ‏,‏ لاَ يُظْلَمُ مَعَهُ الْمُعْطِي، وَلاَ أَهْلُ الأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ‏;‏ فَلَمَّا كَانَتْ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَدِيَّةً مِنْ الَّذِي أَصَابَهَا‏,‏ أَوْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ‏,‏ فَأَعْطَاهَا عليه السلام مَنْ شَاءَ‏,‏ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ غَيْرِ الزَّرْعِ إلاَّ بَعْدَ الْحَوْلِ‏,‏ وَالْمَعْدِنِ مِنْ جُمْلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ‏;‏ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا إلاَّ بَعْدَ الْحَوْلِ‏,‏ وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏,‏ وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَقَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ‏,‏ وَيَصِيرُ لِلسُّلْطَانِ‏,‏ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏;‏ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ‏,‏ وَعَلَى هَذَا إنْ ظَهَرَ فِي مَسْجِدٍ أَنْ يَصِيرَ مِلْكُهُ لِلسُّلْطَانِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏‏)‏‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَهُوَ لَهُ‏,‏ يُورَثُ عَنْهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ‏.‏

701 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ تُؤْخَذُ زَكَاةٌ مِنْ كَافِرٍ لاَ مُضَاعَفَةً، وَلاَ غَيْرَ مُضَاعَفَةٍ‏,‏ لاَ مِنْ بَنِي تَغْلِبٍ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ كَذَلِكَ إلاَّ فِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً‏;‏ فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةُ مُضَاعَفَةً‏,‏ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ وَاهٍ مُضْطَرِبٍ فِي غَايَةِ الاِضْطِرَابِ‏,‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ التَّغْلِبِيِّ قَالَ‏:‏ صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ بَنِي تَغْلِبَ بَعْد أَنْ قَطَعُوا الْفُرَاتَ وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ عَلَى أَنْ لاَ يَصْبُغُوا صَبِيًّا، وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ قَالَ دَاوُد بْنُ كُرْدُوسٍ‏:‏ لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ‏,‏ قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ‏:‏ أَنَّهُ كَلَّمَ عُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَقَالَ لَهُ‏:‏ إنَّهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ‏,‏ فَلاَ تُعِنْ عَدُوَّكَ بِهِمْ‏;‏ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ أُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ‏,‏ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ‏:‏ أَنْ لاَ يَنْصُرُوا أَوْلاَدَهُمْ‏.‏

قَالَ مُغِيرَةُ فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لاَُقَتِّلَنَّ مُقَاتِلَتَهُمْ وَلاََسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ‏;‏ فَقَدْ نَقَضُوا‏,‏ وَبَرِئَتْ مِنْهُمْ الذِّمَّةُ حِينَ نَصَرُوا أَوْلاَدَهُمْ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ‏:‏ فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ النُّعْمَانِ‏,‏ وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏,‏ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لاَ ذِمَّةَ لَهُمْ الْيَوْمَ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ لاَ نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إلاَّ الْجِزْيَةَ غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ الْمَوَاشِي تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَيْ الصَّدَقَةِ‏.‏

هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ‏,‏ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا حَلَّ الأَخْذُ بِهِ لاِنْقِطَاعِهِ وَضَعْفِ رُوَاتِهِ‏,‏ فَكَيْفَ وَلَيْسَ هُوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ وَهَدَمُوا بِهِ أَكْثَرَ أُصُولِهِمْ لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا كَثُرَتْ بِهِ الْبَلْوَى‏,‏ وَهَذَا أَمْرٌ تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى‏,‏ وَلاَ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ‏,‏ فَقَبِلُوا فِيهِ خَبَرًا لاَ خَيْرَ فِيهِ‏,‏ وَهُمْ قَدْ رَدُّوا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا خَبَرَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ‏,‏ وَيَقُولُونَ‏:‏ لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ‏,‏ وَرَدُّوا بِهَذَا حَدِيثَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏,‏ وَكَذَّبُوا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ‏,‏ وَلاَ خِلاَفَ لِلْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ فَقَالُوا هُمْ‏:‏ إلاَّ بَنِي تَغْلِبَ فَلاَ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ، وَلاَ صَغَارَ عَلَيْهِمْ‏;‏ بَلْ يُؤَدُّونَ الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً‏;‏ فَخَالَفُوا الْقُرْآنَ‏,‏ وَالسُّنَنَ الْمَنْقُولَةَ نَقْلَ الْكَافَّةِ بِخَبَرٍ لاَ خَيْرَ فِيهِ‏,‏ وَقَالُوا‏:‏ لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا خَالَفَ الآُصُولَ‏,‏ وَرَدُّوا بِذَلِكَ خَبَرَ الْقُرْعَةِ فِي الأَعْبُدِ السِّتَّةِ‏,‏ وَخَبَرَ الْمُصَرَّاةِ‏,‏ وَكَذَّبُوا مَا هُمَا مُخَالِفَيْنِ لِلآُصُولِ بَلْ هُمَا أَصْلاَنِ مِنْ كِبَارِ الآُصُولِ‏,‏ وَخَالَفُوا هَاهُنَا جَمِيعَ الآُصُولِ فِي الصَّدَقَاتِ‏,‏ وَفِي الْجِزْيَةِ بِخَبَرٍ لاَ يُسَاوِي بَعْرَةً‏,‏ وَتَعَلَّلُوا بِالاِضْطِرَابِ فِي أَخْبَارِ الثِّقَاتِ‏,‏ وَرَدُّوا خَبَرَ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ وَخَبَرَ لاَ قَطْعَ إلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَسْقَطِ خَبَرٍ وَأَشَدِّهِ اضْطِرَابًا‏,‏ لأَِنَّهُ يَقُولُ رِوَايَةً مَرَّةً‏:‏ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ‏,‏ وَمَرَّةً‏:‏ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى‏,‏ وَمَرَّةً عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ عَنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَرَّةً‏:‏ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ‏,‏ أَوْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ‏,‏ أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ وَمَعَ شِدَّةِ هَذَا الاِضْطِرَابِ الْمُفْرِطِ فَإِنَّ جَمِيعَ هَؤُلاَءِ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمْ مِنْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ‏,‏ كَكَلاَمِهِ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ‏,‏ وَنَفْيِهِ فِي الزِّنَى وَإِغْرَامِهِ فِي السَّرِقَةِ قَبْلَ الْقَطْعِ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ‏:‏ أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ آخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ‏,‏ وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَكَمَا لَمْ يُسْقِطْ أَخْذُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ عنهم فَكَذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَيْضًا الْجِزْيَةَ عنهم‏,‏ وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ‏,‏ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا‏,‏ فَقَدْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ أَيْضًا‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَثَبَتَ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ‏;‏ لأَِنَّ جَمِيعَ مَنْ رَوَوْهُ عَنْهُ أَوَّلُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ‏:‏ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَدْ نَقَضُوا تِلْكَ الذِّمَّةَ‏;‏ فَبَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ‏,‏ وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ‏,‏ فَخَالَفُوا‏:‏ عُمَرَ وَعَلِيًّا‏,‏ وَالْخَبَرَ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا وَالْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كِتَابِيٍّ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا‏,‏ كَهَجَرَ‏,‏ وَالْيَمَنِ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ وَالْقِيَاسَ‏,‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

702 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ زَكَاةٍ، وَلاَ تَعْشِيرَ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ تُجَّارُ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ مِنْ كَافِرٍ أَصْلاً تَجَرَ فِي بِلاَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بِلاَدِهِ إلاَّ أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْجِزْيَةِ فِي أَصْلِ عَقْدِهِمْ‏,‏ فَتُؤْخَذُ حِينَئِذٍ مِنْهُمْ وَإِلاَّ فَلاَ

أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي الْعُرُوضِ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وأما الْكُفَّارُ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَقَطْ‏;‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا مَعَ الْجِزْيَةِ فَهُوَ حَقٌّ وَعَهْدٌ صَحِيحٌ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ صِحَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ وَالصِّغَارِ‏,‏ مَا لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا سَافَرُوا نِصْفُ الْعُشْرِ فِي الْحَوْلِ مَرَّةً فَقَطْ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ‏,‏ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ‏,‏ وَإِلاَّ فَلاَ‏;‏ إلاَّ إنْ كَانُوا لاَ يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا شَيْئًا فَلاَ نَأْخُذُ مِنْ تُجَّارِهِمْ شَيْئًا قَالَ مَالِكٌ‏:‏ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعُشْرُ إذَا تَجَرُوا إلَى غَيْرِ بِلاَدِهِمْ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ إذَا بَاعُوا‏,‏ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سُفْرَةٍ كَذَلِكَ‏,‏ وَلَوْ مِرَرًا فِي السَّنَةِ‏,‏ فَإِنْ تَجَرُوا فِي بِلاَدِهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ‏,‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ كَذَلِكَ إلاَّ فِيمَا حَمَلُوا إلَى الْمَدِينَةِ خَاصَّةً مِنْ الْحِنْطَةِ‏,‏ وَالزَّبِيبِ خَاصَّةً‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلاَّ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ‏:‏ كُنْتُ أَعْشُرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْصَافَ عُشْرِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا تَجَرُوا بِهِ وَبِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا‏,‏ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا‏,‏ وَمِمَّنْ لاَ ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمِ دِرْهَمًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ‏:‏ أَمَرَنِي عُمَرُ بِأَنْ آخُذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ‏,‏ وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ كُنْتُ غُلاَمًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَأَيْضًا فَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا آنِفًا‏,‏ وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حُكْمِ عُمَرُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ‏,‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الآثَارَ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ عُمَرَ‏,‏ فِي بَعْضِهَا الْعُشْرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏,‏ وَفِي بَعْضِهَا نِصْفُ الْعُشْرِ‏,‏ فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ الآثَارَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ تِجَارَتِهِمْ فِي أَقْطَارِ بِلاَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا‏,‏ وَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ فِي وَضْعِهِمْ ذَلِكَ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَطْ‏,‏ وَذَلِكَ فِي هَذِهِ الآثَارِ‏,‏ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَاسِدًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَيُّوبَ بْنِ شُرَحْبِيلَ‏:‏ خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا‏,‏ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا‏,‏ إذَا كَانُوا يُدِيرُونَهَا‏,‏ ثُمَّ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى رَأْسَ الْحَوْلِ‏,‏ فَإِنِّي سَمِعْتُ ذَلِكَ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا عَنْ مَجْهُولِينَ‏,‏ وَلَيْسَ أَيْضًا فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد‏:‏ فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بَيَانَ هَذَا كُلِّهِ‏,‏ كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ، حدثنا الأَنْصَارِيُّ هُوَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ بَعَثَ عُمَرُ‏:‏ عَمَّارًا‏,‏ وَابْنَ مَسْعُودٍ‏,‏ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ مَسَحَ الأَرْضَ فَوَضَعَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا‏,‏ وَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَجَعَلَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ‏:‏ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ وَذِمَّتِهِمْ‏,‏ وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ

حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت زِيَادَ بْنَ حُدَيْرٍ‏:‏ مَنْ كُنْتُمْ تُعْشِرُونَ قَالَ مَا كُنَّا نُعْشِرُ مُسْلِمًا، وَلاَ مُعَاهِدًا‏,‏ كُنَّا نُعْشِرُ تُجَّارَ أَهْلِ الْحَرْبِ كَمَا يُعَشِّرُونَنَا إذَا أَتَيْنَاهُمْ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يُعَاقَدْ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ

حدثنا مُعَاوِيَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَخْوَفُ عِنْدِي أَنْ يُدْخِلُنِي النَّارَ مِنْ عَمَلِكُمْ هَذَا‏,‏ وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ فِيهِ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا‏,‏ وَلَكِنْ لاَ أَدْرِي مَا هَذَا الْحَبَلُ الَّذِي لَمْ يَسُنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ‏,‏ وَلاَ عُمَرُ قَالُوا‏:‏ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ دَخَلْتَ فِيهِ قَالَ‏:‏ لَمْ يَدَعْنِي زِيَادٌ‏,‏ وَلاَ شُرَيْحٌ‏,‏ وَلاَ الشَّيْطَانُ‏,‏ حَتَّى دَخَلْتُ فِيهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مُحْدَثٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَعَدَّى مَا كَانَ فِي عَقْدِهِمْ‏;‏ كَمَا لاَ يُظَنُّ بِهِ فِي أَمْرِهِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ أَنَّهُ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

703 - مَسْأَلَةٌ

وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُصِيبَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ بِحَرِيِّهِ وَبَرِّيِّهِ‏:‏ شَيْءٌ أَصْلاً‏,‏ وَهُوَ كُلُّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ أَنَّ فِي الْعَنْبَرِ‏,‏ وَفِي كُلِّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ حِلْيَةِ الْبَحْرِ‏:‏ الْخُمْسُ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مُطْرَحٌ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَنْبَرِ‏:‏ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمْسُ‏,‏ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ شَيْءَ فِيهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ إغْرَامُ مُسْلِمٍ شَيْئًا بِغَيْرِ نَصٍّ صَحِيحٍ‏,‏ وَكَانَ بِلاَ خِلاَفٍ كُلُّ مَا لاَ رَبَّ لَهُ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏