فصل: 835 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا جَاءَ الْقَارِنُ إلَى مَكَّةَ عَمِلَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


835 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَإِذَا جَاءَ الْقَارِنُ إلَى مَكَّةَ عَمِلَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا قلنا فِي الْعُمْرَةِ إلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي الثَّلاَثِ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا فِي الْحَجِّ ثُمَّ إذَا أَتَمَّ ذَلِكَ أَقَامَ مُحْرِمًا كَمَا هُوَ إلَى يَوْمِ مِنًى وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْمَذْكُورُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ نَهَضَ الْقَارِنُ‏,‏ وَالْمُتَمَتِّعُ إلَى مِنًى فَيَبْقَيَانِ بِهَا نَهَارَهُمَا وَلَيْلَتَهُمَا فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ وَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى عَرَفَةَ فَيُصَلِّي هُنَالِكَ الإِمَامُ وَالنَّاسُ الظُّهْرَ بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ ثُمَّ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ‏,‏ وَيُقِيمَ وَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِالنَّاسِ‏,‏ فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ إقَامَةً بِلاَ أَذَانٍ وَصَلَّى بِهِمْ الْعَصْرَ إثْرَ سَلاَمِهِ مِنْ الظُّهْرِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ لاَ يَنْتَظِرُ وَقْتَ الْعَصْرِ كَمَا فِي سَائِرِ الأَيَّامِ‏,‏ ثُمَّ يَقِفُ النَّاسُ لِلدُّعَاءِ فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى مُزْدَلِفَةَ‏.‏

وَلَوْ نَهَضَ إنْسَانٌ إلَى مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لاَ دَمَ، وَلاَ غَيْرَهُ وَحَجُّهُ تَامٌّ‏.‏

فَإِذَا أَتَوْا مُزْدَلِفَةَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ‏,‏ ثُمَّ أَقَامَ وَصَلَّى الإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ، وَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ مُزْدَلِفَةَ، وَلاَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ‏,‏ فَإِذَا سَلَّمَ أُقِيمَ لِصَلاَةِ الْعَتَمَةِ إقَامَةً بِلاَ أَذَانٍ فَيُصَلِّيهَا بِالنَّاسِ‏,‏ وَهِيَ لَيْلَةُ عِيدِ الأَضْحَى وَيَبِيتُ النَّاسُ هُنَالِكَ‏,‏ فَإِذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ‏.‏

وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى مِقْدَارِ مَا يُدْفَعُ مِنْهَا وَيُدْرِكُ بِمُزْدَلِفَةَ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ الإِمَامِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ إنْ كَانَ رَجُلاً‏,‏ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ بِمُزْدَلِفَةَ صَلاَةَ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ إنْ كَانَ رَجُلاً‏.‏

وأما النِّسَاءُ فَإِنْ وَقَفْنَ بِعَرَفَةَ إلَى قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ دَفَعْنَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا أَجْزَأَهُنَّ الْحَجُّ‏;‏ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مِنْهُنَّ بِعَرَفَةَ لاَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلاَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ‏,‏ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا‏,‏ وَمَنْ لَمْ تَقِفْ مِنْهُنَّ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ وُقُوفِهَا بِعَرَفَةَ وَتَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ‏,‏ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا‏.‏

فَإِذَا صَلَّى الإِمَامُ كَمَا ذَكَرْنَا بِمُزْدَلِفَةَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالنَّاسِ وَقَفُوا لِلدُّعَاءِ‏,‏ فَإِذَا أَسْفَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ دَفَعُوا كُلُّهُمْ إلَى مِنًى‏,‏ فَإِذَا أَتَوْا مِنًى أَحْبَبْنَا لَهُمْ التَّطَيُّبَ بَعْدَ أَنْ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُونَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ‏,‏ وَلاَ يَقْطَعُونَ التَّلْبِيَةَ مُذْ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ‏,‏ أَوْ بِالْقِرَانِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلاَّ مَعَ تَمَامِ رَمْيِ السَّبْعِ حَصَيَاتٍ‏,‏ فَإِذَا رَمَوْهَا كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ تَمَّ إحْرَامُهُمْ وَيَحْلِقُونَ أَوْ يُقَصِّرُونَ‏,‏ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرِّجَالِ‏.‏

وَيَنْحَرُونَ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُمْ‏,‏ ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُمْ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ اللِّبَاسِ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ‏,‏ وَحَلَّ لَهُمْ التَّصَيُّدُ فِي الْحِلِّ‏,‏ وَالتَّطَيُّبُ حَاشَا الْوَطْءَ فَقَطْ‏.‏

فَإِنْ نَهَضُوا مِنْ يَوْمِهِمْ إلَى مَكَّةَ فَطَافُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا لاَ خَبَبَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا‏,‏ أَوْ إنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ بَيْنَهُمَا أَوَّلَ دُخُولِهِ إنْ كَانَ قَارِنًا فَقَدْ تَمَّ الْحَجُّ كُلُّهُ‏,‏ أَوْ الْقِرَانُ كُلُّهُ وَحَلَّ لَهُمْ الْوَطْءُ‏.‏

وَيَرْجِعُونَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَرْمُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ الْجَمَرَاتِ الثَّلاَثَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ‏,‏ سَبْعِ حَصَيَاتٍ‏,‏ سَبْعِ حَصَيَاتٍ‏:‏ يَبْدَأُ بِالْقُصْوَى‏,‏ ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِيهَا‏,‏ ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ يَقِفُ عِنْدَ الآُولَيَيْنِ لِلدُّعَاءِ‏,‏ وَلاَ يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏;‏ فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ‏,‏ فَقَدْ تَمَّ جَمِيعُ عَمَلِ الْحَاجِّ‏.‏

وَيَأْكُلُ الْقَارِنُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

فأما الْمُتَمَتِّعُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ قَاطِنِينَ هُنَالِكَ‏:‏ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا‏,‏ وَلاَ بُدَّ‏:‏ إمَّا رَأْسٌ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ‏,‏ وأما شَاةٌ‏,‏ وأما نَصِيبٌ مُشْتَرَكٌ فِي رَأْسٍ مِنْ الإِبِلِ‏,‏ أَوْ فِي رَأْسٍ مِنْ الْبَقَرِ بَيْنَ عَشَرَة أَنْفُسٍ فَأَقَلَّ لاَ نُبَالِي مُتَمَتِّعِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُتَمَتِّعِينَ‏,‏ وَسَوَاءٌ أَرَادَ بَعْضُهُمْ حِصَّتَهُ لِلأَكْلِ‏,‏ أَوْ لِلْبَيْعِ‏,‏ أَوْ لِلَّهِ دْيِ‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى، وَلاَ بُدَّ‏,‏ أَوْ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ أَنْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ النَّحْرِ‏,‏ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَلْيُؤَخِّرْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ وَهُوَ الطَّوَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَوْمَ النَّحْرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ‏,‏ ثُمَّ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ‏;‏ ثُمَّ يَطُوفَ بَعْدَ تَمَامِ صِيَامِهِنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ‏;‏ ثُمَّ يَصُومَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ كُلِّهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ‏;‏ فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِمَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا هَدْيٌ‏,‏ وَلاَ صِيَامٌ‏,‏ وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلُهُ مِنْ سُكَّانِ الْحَرَمِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ‏,‏ أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ‏,‏ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ‏,‏ وَلاَ يَضُرُّ الْهَدْيَ أَنْ لاَ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ‏,‏ وَلاَ هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ حَاشَا الْهَدْيَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ‏.‏

فَمَنْ أَرَادَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَكَّةَ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا‏,‏ ثُمَّ يَخْرُجَ إثْرَ تَمَامِهِ مَوْصُولاً بِهِ، وَلاَ بُدَّ‏;‏ فَإِنْ تَرَدَّدَ لاَِمْرٍ مَا أَعَادَ الطَّوَافَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْ مَكَّةَ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَلاَ بُدَّ وَلَوْ مِنْ أَقْصَى الدُّنْيَا حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ بِمَكَّةَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَمَنْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ حَتَّى خَرَجَ‏:‏ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ حَتَّى يُتِمَّهُ‏;‏ فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ‏.‏

وَمَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَاقِيَ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ‏;‏ وَيُجْزِئُ الْقَارِنَ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِعُمْرَتِهِ وَلِحَجِّهِ‏,‏ كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ جَمِيعًا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ قُلْت لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّة الْوَدَاعِ فَقَالَ جَابِرٌ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَذَكَرَ كَلاَمًا ثُمَّ قَالَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ‏,‏ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ فَذَكَرَ كَلاَمًا ثُمَّ قَالَ‏:‏ حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا‏,‏ ثُمَّ نَفَذَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ‏.‏

ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ‏,‏ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا‏;‏ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ‏;‏ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ‏,‏ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ‏:‏ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ‏,‏ لَهُ الْمُلْكُ‏,‏ وَلَهُ الْحَمْدُ‏,‏ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏,‏ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ‏,‏ أَنْجَزَ وَعْدَهُ‏,‏ وَنَصَرَ عَبْدَهُ‏,‏ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ‏.‏

ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ‏;‏ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ قَالَ‏:‏ لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً‏;‏ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الآُخْرَى وَقَالَ‏:‏ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لاَ‏,‏ بَلْ لاَِبَدٍ أَبَدٍ‏,‏ وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ‏,‏ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ‏:‏ إنِّي أُمِرْتُ بِهَذَا‏.‏

فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلاَ تَحِلُّ‏.‏

فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إلاَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ‏;‏ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ‏,‏ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ‏.‏

فَنَزَلَ فِي الْقُبَّةِ بِنَمِرَةَ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا كَثِيرًا ثُمَّ أَذَّنَ‏,‏ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا‏;‏ ثُمَّ رَكِبَ عليه السلام حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ‏,‏ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً‏.‏

وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ‏,‏ كُلَّمَا أَتَى جَبَلاً مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ‏,‏ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ‏,‏ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا‏,‏ ثُمَّ اضْطَجَعَ عليه السلام حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏;‏ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ‏;‏ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ‏,‏ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً‏;‏ ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ‏,‏ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي‏;‏ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ‏.‏

ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا‏,‏ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ‏.‏

ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَتَنَاوَلَ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ دُعَاءٍ‏,‏ وَصِفَةِ مَشْيٍ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وأما قَوْلُنَا‏:‏ مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَحَجُّهُ تَامٌّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏,‏ وَوُجُوبُ فَرْضِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا‏:‏ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا وَكِيعٌ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ قَالَ‏:‏ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ وَسُئِلَ عَنْ الْحَجِّ فَقَالَ‏:‏ الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ أَدْرَكَ‏.‏

وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا خَالِدٌ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لاَمٍ الطَّائِيُّ قَالَ‏:‏ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجَمْعٍ فَقُلْت لَهُ‏:‏ هَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ‏:‏ مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلاَةَ مَعَنَا وَوَقَفَ هَذَا الْمَوْقِفَ حَتَّى يُفِيضَ‏,‏ وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ أَفَاضَ مِنْهَا نَهَارًا فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ دَمٌ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا لَيْلاً فَلاَ حَجَّ لَهُ‏,‏ وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بِهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَقُلْنَا‏:‏ وَوَقَفَ نَهَارًا‏,‏ فَأَبْطَلُوا حَجَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا نَهَارًا‏.‏

فَقَالُوا‏:‏ قَدْ قَالَ عليه السلام‏,‏ مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ فَقُلْنَا‏:‏ وَقَدْ قَالَ عليه السلام‏:‏ وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ فَبَلَّحُوا‏.‏

فَأَتَوْا بِنَادِرَةٍ‏,‏ وَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ ‏"‏ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا ‏"‏ إنَّمَا هُوَ لَيْلاً وَنَهَارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم صُرَاحًا‏;‏ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ لَمَا كَانَ عليه السلام مَنْهِيًّا عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ آثِمًا إلاَّ حَتَّى يَكُونَ كَفُورًا‏;‏ وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ‏,‏ بَلْ هُوَ عليه السلام مَنْهِيٌّ عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ الآثِمَ‏,‏ وَالْكَفُورَ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الآثِمُ كَفُورًا‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُمْ فِي الْخَبَرِ تَأْوِيلُكُمْ الْفَاسِدُ لَكَانَ لاَ يَصِحُّ لأَِحَدٍ حَجٌّ حَتَّى يَقِفَ بِهَا نَهَارًا وَلَيْلاً مَعًا‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقِفْ بِهَا إلاَّ نَهَارًا وَدَفَعَ مِنْهَا إثْرَ تَمَامِ غُرُوبِ الْقُرْصِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ‏,‏ وَالدَّفْعُ لاَ يُسَمَّى وُقُوفًا‏,‏ بَلْ هُوَ زَوَالٌ عَنْهَا‏.‏

وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ عَنْ دَاوُد بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ الْفَرَّاءِ الْوَاسِطِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا عَوْرَةٌ لأَِنَّ أَبَا عَوْنِ بْنَ عَمْرٍو‏,‏ وَرَحْمَةَ بْنَ مُصْعَبٍ‏,‏ وَدَاوُد بْنَ جُبَيْرٍ مَجْهُولُونَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ‏;‏ وَعَلَى هَذَا الْخَبَرِ يَبْطُلُ حَجُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَِنَّهُ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ إنَّمَا دَفَعَ مِنْهَا فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حدثنا عَطَاءٌ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ قَالَ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ‏,‏ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ الْمُرْسَلَ‏.‏

وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ‏,‏ حدثنا ابْنُ أَبِي نَافِعٍ عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ تَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَدْفَعَ الإِمَامُ‏.‏

وَهَذَا لاَ شَيْءَ‏;‏ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ مُرْسَلٌ‏;‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ فِيهِ ثَلاَثَةً ضُعَفَاءَ فِي نَسَقٍ وَثَالِثُهَا‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَيْلاً أَصْلاً‏;‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ‏;‏ لأَِنَّهُمْ لاَ يُبْطِلُونَ حَجَّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ مِنْ عَرَفَةَ‏,‏ وَلاَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمَدَنِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، هُوَ ابْنُ جُعْدُبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ أَجَازَ بَطْنَ عُرَنَةَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلاَ حَجَّ لَهُ وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ‏,‏ لأَِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ سَاقِطٌ وَأَبَا مُعَاوِيَةَ مَجْهُولٌ‏;‏ وَيَزِيدَ كَذَّابٌ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ‏;‏ ثُمَّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ‏;‏ لأَِنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ فَلَيْسَ فِيهِ وُجُوبُ الْوُقُوفِ لَيْلاً بِعَرَفَةَ أَصْلاً‏.‏

وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنَّا لاَ نَدْفَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ يَعْنِي مِنْ عَرَفَاتٍ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ‏,‏ وَإِنَّا نَدْفَعُ قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ شَيْءَ‏;‏ لأَِنَّهُ مُرْسَلٌ‏,‏ ثُمَّ هُوَ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ‏,‏ ثُمَّ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ‏;‏ لأَِنَّهُمْ لاَ يُبْطِلُونَ حَجَّ مَنْ دَفَعَ مِنْ جَمْعٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا أَصْلاً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ إيجَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَيْلاً‏,‏ وَإِبْطَالُ الْحَجِّ بِتَرْكِهِ وَهُمْ لاَ يُبْطِلُونَ الْحَجَّ بِمُخَالَفَةِ عَمَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلِّهِ فِي عَرَفَةَ‏,‏ وَفِي الدَّفْعِ مِنْهَا‏,‏ وَفِي مُزْدَلِفَةَ‏:‏ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ قلنا‏:‏ قَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ فَخَالَفْتُمُوهُ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ‏:‏ مَنْ قَدِمَ ثِقَلُهُ مِنْ مِنًى بَطَلَ حَجُّهُ فَخَالَفْتُمُوهُ‏;‏ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ ابْنُ عُمَرَ هَاهُنَا حُجَّةً‏,‏ وَلَمْ يَصِرْ حُجَّةً هُوَ، وَلاَ أَبُوهُ فِيمَا ذَكَرْنَا عنهما مِمَّا اسْتَسْهَلْتُمْ خِلاَفَهُمَا فِيهِ‏;‏ وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً وأما إيجَابُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ فَخَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ أَوْ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ‏;‏ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏;‏ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ فَحَجُّهُ بَاطِلٌ، وَلاَ مَزِيدَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مِلاَكُ الْحَجِّ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ‏.‏

وأما اسْتِحْبَابُنَا لِلْمُتَمَتِّعِ أَنَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي أَخْذِهِ فِي النُّهُوضِ إلَى مِنًى فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَضْرَتِهِ‏;‏ وَاخْتَارَ مَالِكٌ أَنَّ يُهِلَّ الْمُتَمَتِّعُ‏,‏ وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَقْدَمُ النَّاسُ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدَّهِنُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ فَأَهِلُّوا‏;‏ فَإِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ لاَ نَعْلَمُهَا تَتَّصِلُ إلَى عُمَرَ‏;‏ إنَّمَا نَذْكُرُهَا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ‏;‏ وَكِلاَهُمَا لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَعْوَامٍ‏;‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ الثَّابِتُ الْمُتَّصِلُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إذْ رَأَى هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ عَامًا ثُمَّ عَامًا آخَرَ‏;‏ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ قِيلَ لَهُ‏:‏ قَدْ رُئِيَ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ‏:‏ مَا أَنَا إلاَّ كَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي‏,‏ وَمَا أَرَانِي أَفْعَلُ إلاَّ كَمَا فَعَلُوا‏,‏ فَأَمْسَكَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ‏,‏ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْبَطْحَاءِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بِالْحَجِّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَامًا مِنْ الْمَسْجِدِ حِينَ أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ عَامًا آخَرَ كَذَلِكَ‏,‏ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّالِثُ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ إنِّي كُنْت امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُهِلَّ بِإِهْلاَلِهِمْ ثُمَّ ذَهَبْت أَنْظُرُ فَإِذَا أَنَا أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي وَأَنَا مُحْرِمٌ وَأَخْرُجُ وَأَنَا مُحْرِمٌ‏,‏ فَإِذَا ذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ‏;‏ لأَِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَحْرَمَ خَرَجَ لِوَجْهِهِ‏.‏

قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ فَقُلْت لاِبْنِ عُمَرَ‏:‏ فَأَيَّ ذَلِكَ تَرَى قَالَ‏:‏ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ‏.‏

فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُهِلَّ الْمُتَمَتِّعُ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ‏,‏ وَرَغِبَ عَنْ رَأْيِ أَبِيهِ لَوْ ثَبَتَ أَيْضًا عَنْهُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا اخْتَرْنَا لَهُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَشْعَثَ قلنا‏:‏ مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم اخْتِيَارَ الشُّعْثِ لِلْمُحْرِمِ فَإِنْ اخْتَرْتُمُوهُ فَأْمُرُوهُمْ بِالإِهْلاَلِ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ فَهُوَ أَتَمُّ لِلشُّعْثِ وأما قَوْلُنَا‏:‏ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَتَمَّ الإِمَامُ الْخُطْبَةَ بِعَرَفَةَ‏,‏ ثُمَّ يُقِيمَ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ‏,‏ ثُمَّ يُقِيمَ لِلْعَصْرِ، وَلاَ يُؤَذِّنَ لَهَا‏;‏ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ‏;‏ وقال مالك مَرَّةً أُخْرَى‏:‏ إنْ شَاءَ أَذَّنَ‏,‏ وَالإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ إذَا أَتَمَّ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَأَبُو ثَوْرٍ‏:‏ يُؤَذِّنُ إذَا قَعَدَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الإِمَامِ‏;‏ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ‏:‏ يُؤَذِّنُ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ الْخُطْبَةِ‏,‏ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ مُؤَذِّنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ يَأْخُذُ فِي الأَذَانِ إذَا أَتَمَّ الإِمَامُ الْخُطْبَةَ الآُولَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ حُجَّةَ لِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجُمُعَةِ قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ الأَذَانِ بِعَرَفَةَ عَلَى الأَذَانِ بِالْجُمُعَةِ بِأَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ لِلْجُمُعَةِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي عَرَفَةَ لاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ لاَ جُمُعَةَ بِعَرَفَةَ فإن قيل‏:‏ فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلاَدِ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُبِيحٍ مُخَالَفَةَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِفَةِ الأَذَانِ فِيهَا بِخِلاَفِهِ فِي سَائِرِ الْبِلاَدِ كَمَا كَانَ بِعَرَفَةَ حُكْمُ الصَّلاَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ‏,‏ وَالْعَصْرِ‏,‏ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْبِلاَدِ‏,‏ وَلَوْ قلنا‏:‏ إنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ خِلاَفٌ لاِِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كُلِّهِمْ فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ لَصَدَقْنَا‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ بِالْجَمْعِ بَيْنَ صَلاَتَيْ الظُّهْرِ‏,‏ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَلِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ‏;‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏;‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏;‏ فِي الصَّلاَةِ بِعَرَفَةَ كَمَا قلنا‏.‏

وقال مالك‏:‏ بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً لاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ عَمَلِ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ تَابِعٍ‏,‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ قلنا‏:‏ هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ‏,‏ وَقَوْلُكُمْ هَذَا فِي مُزْدَلِفَةَ خَطَأٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّ صَلاَةَ الظُّهْرِ‏,‏ وَالْعَصْرِ‏,‏ بِعَرَفَةَ لَيْسَتَا فَائِتَتَيْنِ‏,‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ قِيَاسُ صَلاَةٍ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا عَلَى صَلاَةٍ فَائِتَةٍ لاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِهَذَا الْعَمَلِ فِي الْفَائِتَاتِ‏,‏ وَقَالَ سُفْيَانُ‏,‏ وَإِسْحَاقُ‏:‏ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ‏,‏ وَالْعَصْرِ‏,‏ بِعَرَفَةَ بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ بِلاَ أَذَانٍ‏.‏

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِمَكَّةَ وَبِمِنًى كُلَّ صَلاَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏,‏ وَصَلَّى بِعَرَفَةَ‏,‏ وَبِجَمْعٍ كُلَّ صَلاَةٍ بِإِقَامَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ‏,‏ لأَِنَّ خَبَرَ جَابِرٍ وَرَدَ بِزِيَادَةِ ذِكْرِ الأَذَانِ‏,‏ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا‏,‏ وَلاَ بُدَّ‏,‏ وأما الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا‏.‏

وَفِي هَذَا خِلاَفٌ مِنْ السَّلَفِ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ‏,‏ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ‏,‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ عَنْ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ لَمْ أَحْفَظْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَذَانًا، وَلاَ إقَامَةً بِجَمْعٍ يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِجَمْعٍ الْمَغْرِبَ بِلاَ أَذَانٍ، وَلاَ إقَامَةٍ‏,‏ ثُمَّ الْعِشَاءَ بِلاَ أَذَانٍ، وَلاَ إقَامَةٍ‏.‏

وَقَوْلٌ ثَانٍ‏:‏ وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةِ بِلاَ أَذَانٍ وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ‏,‏ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ‏,‏ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ‏,‏ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد‏.‏

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ‏,‏ قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏;‏ وَقَالَ الْقَطَّانُ‏:‏ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ‏;‏ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏:‏ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ‏,‏ وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَقَوْلٌ ثَالِثٌ‏:‏ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلاَةٍ إقَامَةٌ دُونَ أَذَانٍ‏:‏ رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ يَعْنِي بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ‏,‏ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ يَعْنِي بِمُزْدَلِفَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَتَيْنِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ‏.‏

وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلَّى‏,‏ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا عَاصِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ‏,‏ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا‏,‏ وَلاَ عَلَى إثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ‏.‏

وَقَوْلٌ رَابِعٌ‏:‏ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، حدثنا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ ‏"‏ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِمُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ‏,‏ أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ‏,‏ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ‏:‏ الصَّلاَةَ‏,‏ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قَالَ أَشْعَثُ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عِلاَجُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا قَالَ‏:‏ فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا‏.‏

وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَقَامَ لِلْعِشَاءِ إقَامَةً أُخْرَى‏.‏

وَقَوْلٌ خَامِسٌ‏:‏ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ كُنْت مَعَ عُمَرَ فَأَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ‏,‏ كُلُّ صَلاَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ

حدثنا حمام، حدثنا الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيٌّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ صَلَّيْت مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏,‏ ثُمَّ أَتَيْنَا بِعِشَائِنَا فَتَعَشَّيْنَا‏,‏ ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ‏.‏

وَبِهِ نَصًّا إلَى أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ كُلُّ صَلاَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏,‏ وَذَكَرَهُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ‏.‏

وَلاَ حُجَّةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ خَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ عُمَرَ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ‏;‏ لأَِنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَاخْتَلَفَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا كَمَا أَوْرَدْنَا‏,‏ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ‏.‏

وَلاَ حُجَّةَ لاَِبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ إعَادَةَ الأَذَانِ لِلْعِشَاءِ هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ عُمَرَ‏,‏ وَابْنَ مَسْعُودٍ تَعَشَّيَا بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ‏;‏ لأَِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ أَخْبَرَا‏:‏ أَنَّ إعَادَتَهُمَا الأَذَانَ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ الْعِشَاءِ‏,‏ فَهِيَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ فإن قيل‏:‏ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إذَا صُلِّيَتْ الآُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا‏,‏ وَالآُخْرَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا‏,‏ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ بَاطِلٌ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَسَالِمٍ ابْنِهِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ‏:‏ صَلَّيْت خَلْفَ سَالِمٍ‏:‏ الْمَغْرِبَ‏,‏ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ‏,‏ فَلَقِيت نَافِعًا فَقُلْت لَهُ‏:‏ هَكَذَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ فَلَقِيت عَطَاءً فَقُلْت لَهُ فَقَالَ‏:‏ قَدْ كُنْت أَقُولُ لَهُمْ‏:‏ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِإِقَامَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْهُ‏,‏ فَهِيَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِلاَ أَذَانٍ، وَلاَ إقَامَةٍ‏,‏ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَصَحَّ أَيْضًا‏:‏ عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَأَبِي بَكْرٍ بْنِ دَاوُد وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ‏;‏ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَعَلِيٍّ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏;‏ وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَالرَّابِعُ‏:‏ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ‏;‏ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَالْخَامِسُ‏:‏ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَسَالِمٍ ابْنِهِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ وَصَحَّ بِذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَالسَّادِسُ‏:‏ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ‏,‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏

فأما الأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَبَعْضُهَا بِإِقَامَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَبَعْضُهَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ‏,‏ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَبَعْضُهَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ‏;‏ فَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إلاَّ أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ‏,‏ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ‏,‏ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ زَادَتْ عَلَى الآُخْرَى‏;‏ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ إقَامَةٌ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ‏,‏ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ‏,‏ وَعَنْ جَابِرٍ تَزِيدُ عَلَى الآُخْرَى‏,‏ وَعَلَى رِوَايَةِ أُسَامَةَ أَذَانًا‏,‏ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ لأَِنَّهَا رِوَايَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا‏,‏ فَإِذَا جَمَعْت رِوَايَةَ سَالِمٍ‏,‏ وَعِلاَجٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ صَحَّ مِنْهُمَا أَذَانٌ‏,‏ وَإِقَامَتَانِ كَمَا جَاءَ بَيِّنًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ، وَلاَ حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إلاَّ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا ابْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَاتٍ عَدَلَ إلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي قَالَ‏:‏ الْمُصَلَّى أَمَامَكَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ‏,‏ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ‏,‏ وَابْنُ حُجْرٌ قَالُوا

حدثنا إسْمَاعِيلُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشِّعْبَ الأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَاخَ فَبَالَ‏;‏ ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا‏,‏ ثُمَّ قُلْتُ‏:‏ الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ‏:‏ الصَّلاَةُ أَمَامَكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَإِذْ قَدْ قَصَدَ عليه السلام تَرْكَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّ الْمُصَلَّى مِنْ أَمَامٍ‏,‏ وَأَنَّ الصَّلاَةَ مِنْ أَمَامٍ‏,‏ فَالْمُصَلَّى هُوَ مَوْضِعُ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلاَةِ وَوَقْتَ الصَّلاَةِ مِنْ أَمَامٍ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ‏,‏ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ مُصَلًّى‏,‏ وَلاَ الصَّلاَةُ فِيهِ صَلاَةٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُنَا فَيَقُولُ‏:‏ أَلاَّ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ يُرَدِّدُهَا ثَلاَثًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ‏,‏ وَلَوْ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ دُونَ جَمْعٍ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وأما بُطْلاَنُ حَجِّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ‏,‏ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمِصِّيصِيِّ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏‏)‏ مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضُوا مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ وَالنَّاسِ فَلَمْ يُدْرِكْ‏.‏

وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَخْبَرَنِي عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِيُّ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُكَ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي‏,‏ وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ مِنْ جَبَلٍ إلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ هَاهُنَا‏,‏ ثُمَّ أَقَامَ مَعَنَا‏,‏ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهَا فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ، وَلاَ حَجَّ لَهُ‏,‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أَمَرَ‏;‏ إلاَّ أَنَّ إدْرَاكَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِيهَا مَعَ الإِمَامِ هُوَ الذِّكْرُ الْمُفْتَرَضُ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَذْكُورِ‏,‏ وَمَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ صَلاَةِ الإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ‏:‏ إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَائِمَةِ الإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ بِخِلاَفِ السَّائِمَةِ‏.‏

وَمِمَّنْ يَقُولُ‏:‏ إنَّ قَوْلَهُ عليه السلام وَإِذَا قَالَ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا‏:‏ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ دَلِيلٌ أَنَّ الإِمَامَ لاَ يَقُولُ‏:‏ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ‏,‏ وَأَنَّ الْمَأْمُومَ لاَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ لاَ يَرَى قَوْلَهُ عليه السلام‏:‏ مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ هَاهُنَا مَعَنَا‏,‏ وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ هُنَالِكَ مَعَ الإِمَامِ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ‏;‏ فَكَيْفَ وَقَدْ غُنِينَا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِنَصِّهِ عليه السلام عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ فَلَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الْحَجُّ عَرَفَةَ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِهَذَا الاِحْتِجَاجِ لأَِنَّ عِنْدَهُمْ فَرَائِضَ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِتَرْكِهَا سِوَى عَرَفَةَ كَتَرْكِ الإِحْرَامِ وَتَرْكِ طَوَافِ الإِفَاضَةِ‏.‏

وَتَرْكِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏.‏

فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ وَالْحَجُّ عَرَفَةَ بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ عَرَفَةَ الْحَجَّ أَيْضًا إذَا جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ وَالْبَيْتُ غَيْرُ عَرَفَةَ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ الأَمْرِ بِعَرَفَةَ‏,‏ وَالأَمْرِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْقُرْآنِ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ‏}‏‏.‏

وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلاَ يَكُونُ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ إلاَّ وَغَيْرُهُ يَوْمُ الْحَجِّ الأَصْغَرِ‏,‏ وَمُحَالٌ مُمْتَنِعٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، وَلاَ يَكُونَ فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ وَيَكُونَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي غَيْرِهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ جُمْلَةَ فَرَائِضِ الْحَجِّ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ‏,‏ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ الَّذِي لاَ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ‏,‏ وَرَمْيُ الْجَمْرَةِ‏,‏ وَالإِفَاضَةُ‏;‏ وَقَدْ يَكُونَانِ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا عَرَفَةُ فِيمَا قَبْلَهُ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏"‏ مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فَلاَ حَجَّ لَهُ ‏"‏‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ‏:‏ أَلاَ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِجَمْعٍ‏;‏ فَإِذَا أَبْطَلَ الصَّلاَةَ إلاَّ بِمُزْدَلِفَةَ فَقَدْ جَعَلَهَا مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ‏:‏ سَأَلْت عَلْقَمَةَ عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ‏,‏ أَوْ جَمْعًا‏,‏ أَوْ وَقَعَ بِأَهْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ فَقَالَ‏:‏ عَلَيْهِ الْحَجُّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ أَوْ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ‏,‏ أَوْ جَمْعٌ‏,‏ أَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ فَقَدْ فَسَدَ حَجُّهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ جَعَلَهَا عُمْرَةً‏.‏

وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِجَمْعٍ فَلاَ حَجَّ لَهُ‏.‏

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ مَنْ فَاتَهُ الإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ عَرَفَةُ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ وَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَاتَهُ الْحَجُّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ صَدَقَ سَعِيدٌ‏;‏ لأَِنَّ مَنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ لأَِنَّهُ يَقِفُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ‏;‏ وأما يَوْمُ النَّحْرِ فَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ لأَِنَّ فِيهِ فَرَائِضَ ثَلاَثًا مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ‏,‏ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ لاَ يَكُونُ جَازِئًا إلاَّ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ‏,‏ وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ‏,‏ وَطَوَافُ الإِفَاضَةِ‏,‏ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّ مُزْدَلِفَةَ أَشَدُّ فُرُوضِ الْحَجِّ تَأْكِيدًا وَأَضْيَقُهَا وَقْتًا‏;‏ وَقَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلاَفُ هَذَا‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ النِّسَاءَ‏,‏ وَالصِّبْيَانَ‏,‏ وَالضُّعَفَاءَ بِخِلاَفِ هَذَا‏;‏ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ لَهُ بِمُزْدَلِفَةَ‏:‏ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ‏:‏ لاَ‏,‏ فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ‏,‏ قَالَتْ‏:‏ ارْحَلْ بِي فَارْتَحَلْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ صَلَّتْ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا أَيْ هَنْتَاهُ لَقَدْ غَلَّسْنَا‏,‏ قَالَتْ‏:‏ كَلًّا أَيْ بُنَيَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللَّيْلِ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ‏:‏ أَنَّ ابْنَ شَوَّالٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرَتْهُ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّقَلِ وَفِي الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ قَدْ نَاهَزَ الاِحْتِلاَمَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ‏,‏ هَكَذَا ذَكَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ أَتَى مِنًى عَلَى أَتَانٍ‏,‏ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ‏:‏ وَأَنَا غُلاَمٌ قَدْ نَاهَزْت الاِحْتِلاَمَ فَخَرَجَ هَؤُلاَءِ عَنْ وُجُوبِ حُضُورِ صَلاَةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ‏,‏ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى هُنَالِكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَلاَ بُدَّ لِعُمُومِ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏‏.‏

وأما وُجُوبُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏,‏ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنِّي أَمْسَيْتُ‏,‏ وَلَمْ أَرْمِ قَالَ‏:‏ ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، حدثنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ‏:‏ ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ فَأَمَرَ عليه السلام بِرَمْيِهَا فَوَجَبَ فَرْضًا‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ‏:‏ اذْبَحْ، وَلاَ حَرَجَ فَأَوْجَبُوا الذَّبْحَ فَرْضًا قلنا‏:‏ إنْ كَانَ ذَلِكَ الذَّبْحُ مَنْذُورًا أَوْ هَدْيًا وَاجِبًا فَنَعَمْ هُوَ فَرْضٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَيَكْفِي مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ ذَبْحُهُ فَرْضًا تَيَقُّنُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لاَ فَرْضٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ‏:‏ إنْ ذَكَرَ وَهُوَ بِمِنًى رَمَى‏,‏ وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى نَفَرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد‏,‏ وَأَصْحَابُنَا‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُ الرَّمْيُ إلاَّ بِحَصًى كَحَصَى الْخَذْفِ لاَ أَصْغَرَ‏,‏ وَلاَ أَكْبَرَ‏;‏ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، حدثنا عَوْفُ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، حدثنا زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ هَاتِ اُلْقُطْ لِي فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ‏,‏ هِيَ حَصَى الْخَذْفِ‏,‏ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ‏:‏ بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ أُحِبُّ أَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ‏;‏ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَمُخَالَفَةِ الأَثَرِ الثَّابِتِ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَابْنِ الزُّبَيْرِ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ‏,‏ وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا لاَ مِنْ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ مِنْ تَابِعٍ‏;‏ وَهَذَانِ الأَثَرَانِ يُبْطِلاَنِ قَوْلَ مَنْ قَالَ‏:‏ يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الْحَصَى وأما الْعَدَدُ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ‏:‏ جَلَسْنَا فَقَالَ بَعْضُنَا‏:‏ رَمَيْت بِسِتٍّ‏,‏ وَقَالَ بَعْضُنَا‏:‏ رَمَيْت بِسَبْعٍ‏;‏ فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ يُفْتِي بِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِمَا رَمَى بِهِ الإِنْسَانُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ أَبُو حَبَّةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَبُو حَبَّةَ بَدْرِيٌّ وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ مَنْ تَرَكَ حَصَاةً فَإِنَّهُ يُطْعِمُ تَمْرَةً أَوْ لُقَيْمَةً وَعَنْ عَطَاءٍ‏:‏ مَنْ فَاتَتْهُ الْجِمَارُ يَوْمًا تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ‏,‏ وَمَنْ فَاتَتْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ‏:‏ نَسِيت أَنْ أَرْمِيَ بِحَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْجَمْرَةِ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ‏:‏ اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ فَسَلْهُ ثُمَّ ارْجِعْ فَأَخْبِرْنِي بِمَا يَقُولُ‏,‏ قَالَ‏:‏ فَسَأَلْته فَقَالَ لِي‏:‏ لَوْ نَسِيت شَيْئًا مِنْ صَلاَتِي لاََعَدْت‏,‏ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ أَصَابَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا الشَّيْخُ هُوَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ مَنْ نَسِيَ الْجَمْرَةَ رَمَاهَا بِاللَّيْلِ حِينَ يَذْكُرُ‏.‏

وَعَنْ طَاوُسٍ‏,‏ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ‏,‏ وَالْحَسَنِ قَالُوا كُلُّهُمْ‏:‏ يَرْمِي بِاللَّيْلِ هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ‏;‏ وَلَمْ يُوجِبُوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَمْيِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ‏,‏ وَأَبَاحَ رَمْيَهَا بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ وَإِنْ أَمْسَى‏;‏ وَهَذَا يَقَعُ عَلَى اللَّيْلِ وَالْعَشِيِّ مَعًا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَصَاةٍ نَسِيَهَا طَعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ إلاَّ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا‏.‏

وقال مالك‏:‏ عَلَيْهِ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فَأَكْثَرَ إنْ نَسِيَهَا دَمٌ‏;‏ فَإِنْ تَرَكَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ‏;‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ‏;‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ‏;‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ‏.‏

وأما الشَّافِعِيُّ فَمَرَّةً قَالَ‏:‏ عَلَيْهِ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مُدُّ طَعَامٍ‏,‏ وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ‏,‏ وَفِي ثَلاَثٍ فَصَاعِدًا دَمٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي حَصَاةٍ ثُلُثُ دَمٍ‏,‏ وَفِي الْحَصَاتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ‏,‏ وَفِي الثَّلاَثِ فَصَاعِدًا دَمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ لِلْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فَصَاعِدًا دَمٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ تَابِعٍ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ‏,‏ وَلاَ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَ الْقَائِلِ بِكُلِّ قَوْلٍ ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وأما الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا‏:‏ لاَ امْرَأَةً، وَلاَ رَجُلاً‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ الْمَرْوَزِيِّ، حدثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ أَهْلَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ‏:‏ إبَاحَةَ الرَّمْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ‏.‏

، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ مَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَعَادَ الرَّمْيَ بَعْدَ طُلُوعِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ لاَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلاَّ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏;‏ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ‏:‏ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا نَهَضَ إلَى عَرَفَةَ‏,‏ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعَنْ عَلِيٍّ‏;‏ وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ التَّلْبِيَةُ اسْتِجَابَةٌ فَإِذَا وَصَلَ فَلاَ مَعْنَى لِلتَّلْبِيَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَلاَ تَصِحُّ‏;‏ لأَِنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ إلَيْهِ‏;‏ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ‏,‏ وأما عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏,‏ وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فَالْمَرْجُوعُ فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏.‏

وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ التَّلْبِيَةَ اسْتِجَابَةٌ فَدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا‏;‏ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا‏:‏ لَوَجَبَتْ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الأَذَانِ‏,‏ وَوُجُوبِ النُّهُوضِ إلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا‏;‏ وَمَا التَّلْبِيَةُ إلاَّ شَرِيعَةٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا لاَ عِلَّةَ لَهَا إلاَّ مَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً‏}‏‏.‏

ثُمَّ لَوْ كَانَتْ اسْتِجَابَةً كَمَا قَالُوا‏:‏ لَكَانَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ لأَِنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ لاَ يَكُونُ وَاصِلاً إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ إلاَّ بِتَمَامِهَا كَعَرَفَةَ‏,‏ وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ‏.‏

وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ عَنْ أَيِّ هَذَا فَقَالَ‏:‏ أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَكَانِ‏:‏ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّتْ حِينَ رَمَتْ الْجَمْرَةَ‏.‏

وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ لاَ يُمْسِكُ الْحَاجُّ عَنْ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حدثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُلَبِّي بِعَرَفَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عُمَرَ يُلَبِّي غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَقُولُ‏:‏ أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ‏,‏ وَأَبُو بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرُ‏.‏

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ‏.‏

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ كَانَتْ تُلَبِّي بَعْدَ عَرَفَةَ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ أَبَاهُ صَعِدَ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمِنْبَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ‏:‏ مَا يَمْنَعُك أَنْ تُهِلَّ فَقَدْ رَأَيْت عُمَرَ فِي مَكَانِك هَذَا يُهِلُّ فَأَهَلَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ‏:‏ تُلَبِّي حَتَّى يَنْقَضِيَ حَرَمُك إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ كُنْت مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَلَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ غَدَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَامًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ يَصِيحُونَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا التَّلْبِيَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا جَرِيرُ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ مَا دَامَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ لاَ‏,‏ بَلْ يُلَبِّي قَبْلَ الطَّوَافِ‏,‏ وَفِي الطَّوَافِ‏,‏ وَبَعْدَ الطَّوَافِ‏,‏ وَلاَ يَقْطَعُهَا حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ‏:‏ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا فِي الْجَمْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ الْجَمْرَةِ لأَِنَّهُ نَصُّ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَأُسَامَةُ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ لَقَالاَ‏:‏ حَتَّى بَدَأَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُهِلُّ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فِيمَا الإِهْلاَلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ‏:‏ وَهَلْ قَضَيْنَا نُسُكَنَا بَعْدُ وَهُوَ الْمَفْهُومُ الظَّاهِرُ مِنْ فِعْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ‏:‏ إنَّ الْحَاجَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ‏,‏ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّ ذَلِكَ عَاوَدَهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَقْطَعُهَا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ‏;‏ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ‏:‏ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ‏,‏ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ

حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ‏:‏ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ‏:‏ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ‏,‏ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ‏,‏ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ‏,‏ فَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقْطَعْهَا‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَانِ إنَّ نَاسًا يَنْهَوْنَ عَنْ الإِهْلاَلِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَقَالَ‏:‏ لَكِنِّي آمُرُك بِهِ‏;‏ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا‏:‏ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلاَّ أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ بِتَهْلِيلٍ‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يُلَبِّي حَتَّى انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ وَقَالَ لِي‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُهِلُّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ‏,‏ وَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهَا‏.‏

قلنا‏:‏ الْحَارِثُ ضَعِيفٌ‏,‏ وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏;‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَ خَبَرُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ‏:‏ زَائِدَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا رَغْبَةً عَنْهَا وَاخْتِيَارًا لِغَيْرِهَا عَلَيْهَا‏;‏ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَهْيٌ عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَأُسَامَةَ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لاَ يَقْطَعُهَا إلاَّ حَتَّى يَرَى بُيُوتَ مَكَّةَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ مَكَّةَ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يَقْطَعُهَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَإِذَا اسْتَلَمَهُ قَطَعَهَا‏.‏

وَقَالَ اللَّيْثُ‏:‏ إذَا بَلَغَ الْكَعْبَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ لاَ يَقْطَعُهَا حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ وقال مالك‏:‏ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ أَوَّلَ الْحَرَمِ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ‏,‏ أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ قَطَعَهَا إذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ‏,‏ أَوْ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ‏:‏ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لاَ يَقْطَعْ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ‏,‏ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ قَالَ وَكِيعٌ‏:‏ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ لاَ يَقْطَعْهَا حَتَّى يُتِمَّ جَمِيعَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ‏;‏ فَإِنْ ذَكَرُوا‏:‏ مَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّى فِي عُمْرَتِهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ عُمَرَ‏,‏ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَهَذَانِ أَثَرَانِ ضَعِيفَانِ فِي أَحَدِهِمَا‏:‏ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَفِي الآخَرِ‏:‏ الْحَجَّاجُ‏,‏ وَنَاهِيكَ بِهِ‏;‏ وَهُوَ أَيْضًا صَحِيفَةٌ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فَهَلْ عِنْدَكُمْ اعْتِرَاضٌ فِيمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى‏,‏ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ‏,‏ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قلنا‏:‏ لاَ مُعْتَرَضَ فِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ‏;‏ أَوَّلُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا تَذْكُرُونَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ‏;‏ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ‏,‏ وَلِمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا‏.‏

ثم نقول لِمَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا‏:‏ إنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْمَبِيتِ بِذِي طُوًى وَصَلاَةِ الصُّبْحِ بِهَا فَقَطْ‏;‏ وَهَكَذَا نَقُولُ‏.‏

أَوْ يَكُونُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَطْعِ التَّلْبِيَةِ كَمَا تَقُولُونَ‏;‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَخَبَرُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ وَأُسَامَةَ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَزِمَ التَّلْبِيَةَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا‏;‏ لأَِنَّهُ ذَكَرَ عِلْمًا كَانَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما اخْتِيَارُنَا الطِّيبَ بِمِنًى قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ‏;‏ فَلِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي اخْتِيَارِ التَّطَيُّبِ لِلإِحْرَامِ مِنْ النَّصِّ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم‏,‏ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ‏,‏ وَبِدُخُولِ وَقْتِهَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا مِنْ اللِّبَاسِ‏,‏ وَالطِّيبِ‏,‏ وَالتَّصَيُّدِ فِي الْحِلِّ‏,‏ وَعَقْدِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ‏,‏ وَلِغَيْرِهِ حَاشَا الْجِمَاعَ فَقَطْ‏,‏ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بَعْدُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ‏:‏ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏

وقال مالك‏,‏ وَسُفْيَانُ‏:‏ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ‏,‏ وَالتَّصَيُّدَ‏,‏ وَالطِّيبَ قَالَ‏:‏ فَإِنْ تَطَيَّبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَإِنْ تَصَيَّدَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ‏.‏

وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ أَنَّهُ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَعَنْ سَالِمٍ‏,‏ وَعُرْوَةَ مِثْلُ هَذَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ‏,‏ وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ‏:‏ عَائِشَةَ وَغَيْرَهَا‏;‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ‏,‏ وَذَبَحْتُمْ‏,‏ وَحَلَقْتُمْ‏,‏ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ‏,‏ إلاَّ الطِّيبَ‏,‏ وَالنِّسَاءَ‏;‏ فَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي لَوْ اتَّبَعُوهُ لَوُفِّقُوا‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ‏,‏ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ وَالطِّيبُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ أَطِيبٌ ذَلِكَ أَمْ لاَ‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ‏:‏ إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَك كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ النِّسَاءَ‏.‏

وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ‏:‏ إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَك كُلُّ شَيْءٍ مَا وَرَاءَ النِّسَاءِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَعَلْقَمَةَ‏,‏ وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا‏}‏‏.‏

وَجَاءَ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ حَرَامٌ عَلَيْهِ لِبَاسُ الْقُمُصِ‏,‏ وَالْعَمَائِمِ‏,‏ وَالْبَرَانِسِ‏,‏ وَالْخُفَّيْنِ‏,‏ وَالسَّرَاوِيلِ‏,‏ وَحَلْقُ الرَّأْسِ‏;‏ وَوَافَقُونَا مَعَ مَجِيءِ النَّصِّ عَلَى جَوَازِ لِبَاسِ كُلِّ ذَلِكَ إذَا رَمَى وَنَحَرَ‏.‏

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّوَافِ‏,‏ وَالذَّبْحِ‏,‏ وَالرَّمْيِ‏,‏ وَالْحَلْقِ‏,‏ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الإِحْرَامَ قَدْ بَطَلَ بِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ‏,‏ وَالْحَلْقِ‏,‏ وَالنَّحْرِ‏,‏ رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ‏,‏ حَلَقَ أَوْ لَمْ يَحْلِقْ‏,‏ نَحَرَ أَوْ لَمْ يَنْحَرْ‏,‏ طَافَ أَوْ لَمْ يَطُفْ‏;‏ وَإِذَا حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا فِي الإِحْرَامِ‏;‏ فَبِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ الإِحْرَامُ‏,‏ وَبَطَلَ حُكْمُهُ‏;‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ‏,‏ فَحَلَّ لَهُ الصَّيْدُ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ إلاَّ بِالإِحْرَامِ‏,‏ وَحَلَّ لَهُ بِالإِحْلاَلِ‏,‏ وَكَذَلِكَ الزَّوَاجُ وَالتَّزْوِيجُ‏;‏ لأَِنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِأَنْ لاَ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ‏,‏ وَلاَ يُنْكِحَ‏,‏ وَلاَ يَخْطُبَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ‏,‏ وَمَنْ حَلَّ لَهُ لِبَاسُ الْقُمُصِ‏,‏ وَالْبَرَانِسِ‏,‏ وَحَلْقُ الرَّأْسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ لاَ مُحَرَّمٌ فَالنِّكَاحُ‏,‏ وَالإِنْكَاحُ‏,‏ وَالْخُطْبَةُ حَلاَلٌ لَهُ‏;‏ إذْ لَيْسَ مُحَرَّمًا‏,‏ وأما الْجِمَاعُ فَبِخِلاَفِ هَذَا‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ فَحُرِّمَ الرَّفَثُ‏,‏ وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي الْحَجِّ جُمْلَةً لاَ عَلَى الْمُحْرِمِ خَاصَّةً‏,‏ وَمَا دَامَ يَبْقَى مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ فَهُوَ بَعْدُ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا‏,‏ وَالْوَطْءُ حَرَامٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْحَجِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمَالِكٌ يَرَى فِي الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْفِدْيَةُ‏,‏ كَمَا يَرَى الْجَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الصَّيْدِ ثُمَّ رَأَى هَاهُنَا الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ فِي التَّطَيُّبِ‏,‏ وَهَذَا عَجَبٌ فَإِنْ احْتَجُّوا لَهُ بِالأَثَرِ الْوَارِدِ فِي طِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قلنا لَهُمْ‏:‏ لاَ يَخْلُو هَذَا الأَثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَفَرْضٌ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُخَالِفُوهُ‏,‏ وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ‏,‏ أَوْ يَكُونَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلاَ تُرَاعُوهُ‏,‏ وَأَوْجَبُوا الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ كَمَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ‏:‏ أَخْبِرُونَا عَنْ إيجَابِكُمْ الْجَزَاءَ عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ فِي الْحِلِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏,‏ أَحَرَمٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ حَرَمٍ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ‏.‏

فَإِنْ قُلْتُمْ‏:‏ هُوَ حَرَمٌ قلنا لَكُمْ‏:‏ فَحَرِّمُوا عَلَيْهِ اللِّبَاسَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ وَحَرِّمُوا عَلَيْهِ حَلْقَ رَأْسِهِ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَ حَرَامًا قلنا‏:‏ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي التَّصَيُّدِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ بِأَمْرِهِ بِحَلْقِ رَأْسِهِ‏,‏ وَبِلِبَاسِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ قلنا‏:‏ فَهَذَا بُرْهَانٌ كَافٍ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا‏,‏ وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ‏;‏ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِعُمَرَ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏;‏ وَإِنَّمَا عنهما الْمَنْعُ مِنْ التَّطَيُّبِ لاَ مِنْ الصَّيْدِ‏,‏ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ‏,‏ وَهُمْ قَدْ أَبَاحُوا لِبَاسَ الْقُمُصَ‏,‏ وَالسَّرَاوِيلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ‏,‏ وَحَلْقِ الرَّأْسِ‏,‏ وَمَنَعُوا مِنْ الصَّيْدِ‏,‏ وَالطِّيبِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَاهُ عَلَى الْجِمَاعِ قلنا‏:‏ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ‏,‏ لأَِنَّ اللِّبَاسَ‏,‏ وَالْحَلْقَ‏,‏ وَالطِّيبَ‏,‏ وَالصَّيْدَ عِنْدَكُمْ خَبَرٌ وَاحِدٌ‏,‏ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ فِي الإِحْرَامِ‏,‏ وَكَانَ لِلْجِمَاعِ خَبَرٌ آخَرُ‏,‏ لأَِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ فِي الإِحْرَامِ‏;‏ فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الطِّيبِ‏,‏ وَالصَّيْدِ‏,‏ عَلَى اللِّبَاسِ‏,‏ وَالْحَلْقُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْجِمَاعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنْ نَهَضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا لاَ رَمَلَ فِيهَا وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏,‏ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا‏,‏ أَوْ لَمْ يَسْعَ إنْ كَانَ قَارِنًا‏,‏ وَكَانَ قَدْ سَعَى بَيْنَهُمَا فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقِرَانُهُ‏,‏ وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ فَإِجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مَعَ النَّصِّ فِي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا يَرْمُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ الْجَمَرَاتِ الثَّلاَثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ سَبْعِ حَصَيَاتٍ كُلُّ جَمْرَةٍ يَبْدَأُ بِالْقُصْوَى‏,‏ ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا‏;‏ ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ‏,‏ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَعَمَلُهُ كُلُّهُ فَإِجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ يَقِفُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الآُولَيَيْنِ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ‏;‏ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ، حدثنا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً‏,‏ وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ‏,‏ ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى‏;‏ ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً ثُمَّ يَدْعُو‏,‏ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ‏,‏ ثُمَّ يَقُومُ طَوِيلاً ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا‏,‏ ثُمَّ يَنْصَرِفُ‏,‏ وَيَقُولَ‏:‏ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنَى قَالاَ جَمِيعًا، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ‏,‏ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ وَيَأْكُلُ الْقَارِنُ مِنْ هَدْيِهِ، وَلاَ بُدَّ وَيَتَصَدَّقُ‏,‏ وَكَذَلِكَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ‏}‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَارِنِينَ‏,‏ وَأَكَلاَ مِنْ هَدْيِهِمَا وَتَصَدَّقَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَرُوِيَ أَثَرٌ‏:‏ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُحْرِمًا كَمَا كَانَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَلاَ يَصِحُّ‏,‏ لأَِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورَ الشَّرَفِ وَالْجَلاَلَةِ فِي الرِّيَاسَةِ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِنَقْلِ الْحَدِيثِ‏,‏ وَلاَ مَعْرُوفًا بِالْحِفْظِ‏;‏ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ إلَى ذَلِكَ‏;‏ وَقَدْ قَالَ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ فأما الْمُتَمَتِّعُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ قَاطِنِينَ هُنَالِكَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَلاَ مَا يَبْتَاعُهُ بِهِ فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَى انْقِضَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيُؤَخِّرْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ‏,‏ ثُمَّ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ‏,‏ فَإِذَا أَتَمَّهَا كُلَّهَا طَافَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ‏,‏ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِصِيَامِ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى خَرَجَ عَنْ عَمَلِ الْحَجِّ صَامَ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ فَقَطْ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ‏.‏

وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَمْ يُجْزِهِ وَفَرْضُهُ الصَّوْمُ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ فَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَفَرْضُهُ الْهَدْيُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ وَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا‏.‏

وَقَدْ أَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ‏,‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَصُومَهَا فِي الْحَجِّ‏,‏ وَمَا لَمْ يُحْرِمْ الْمَرْءُ فَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَجِّ فَلَيْسَ هُوَ فِي وَقْتِ صِيَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ، وَلاَ الصِّيَامُ الْمَذْكُورُ إلاَّ بِتَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُ أَدَاءُ فَرْضٍ إلاَّ فِي وَقْتِهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ‏.‏

وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا خَطَأٌ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلاَنِ هَذَا الْقَوْلِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ‏,‏ وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جُمْلَةً‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏,‏ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ لاَ يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ لاَ يَقْضِي عَنْهُ إلاَّ ذَلِكَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا جَوَازَ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَمَتِّعِ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ مَعَ التَّنَازُعِ إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ أَوْ عَنْ رَسُولِهِ عليه السلام‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمُتَمَتِّعِ‏:‏ يَفُوتُهُ الصَّوْمُ فِي الْعَشْرِ‏:‏ أَنَّهُ يَتَسَحَّرُ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَيَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ هِيَ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ التَّالِيَةُ لاِخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى صِيَامَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ إلاَّ فِي الْحَجِّ‏,‏ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا لاَ قَبْلَ الْحَجِّ، وَلاَ بَعْدَ الْحَجِّ‏;‏ لأَِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ‏,‏ وَلَمْ يُوجِبْ، عَزَّ وَجَلَّ، صِيَامَهَا فِي الإِحْرَامِ لَكِنْ فِي الْحَجِّ‏,‏ وَهُوَ مَا لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ صَامَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ‏,‏ وَقَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا‏,‏ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ‏;‏ فَكَانَ هَذَا تَنَاقُضًا لاَ خَفَاءَ بِهِ‏,‏ وَخِلاَفًا لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ دَلِيلٍ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ مَعْنَى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِي الْحَجِّ‏}‏ أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقُلْنَا‏:‏ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الْقُرْآنِ‏,‏ فَإِنْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَأَجِيزُوا لَهُ صِيَامَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ‏,‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَصُومُ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ إلاَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ‏;‏ وقال الشافعي‏:‏ يَصُومُهُنَّ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الثَّلاَثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَلَوْ بِيَوْمٍ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ‏,‏ وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَقَالَ عَطَاءٌ‏:‏ لاَ يُجْزِئُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ إلاَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ‏.‏

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُجْزِئُ مُذْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ‏}‏‏.‏

فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى بِلاَدِكُمْ‏,‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إذَا رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِلاَ نَصٍّ، وَلاَ ضَرُورَةَ مُوجِبَةٌ لِتَخْصِيصِهِ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى صِيَامَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ فِي الْحَجِّ‏;‏ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ‏}‏ فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ الْمُوجِبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الصِّيَامَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ‏,‏ وَيُقَصِّرْ‏,‏ وَيَحِلَّ‏,‏ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ وَالرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا الْمَشْيُ إلَى بَلَدِهِ‏,‏ وَالآخَرُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ‏;‏ وَإِنْ حَلَّ لَهُ فِيهَا مَا كَانَ لَهُ حَرَامًا بِالْعَمَلِ لِلْحَجِّ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَحَمْلُهُ عَلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُجُوعٍ هُوَ الْوَاجِبُ‏,‏ فَإِنْ صَامَ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ‏,‏ وَإِنْ صَامَهَا إذَا رَجَعَ بِالْمَشْيِ فَذَلِكَ جَائِزٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ حَتَّى أَتَمَّ الْحَجَّ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَصَحَّ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ‏,‏ وَالْحَكَمِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيَيْنِ‏:‏ هَدْيَ الْمُتْعَةِ‏,‏ وَهَدْيًا لِتَأْخِيرِهِ‏,‏ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

وقال مالك‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يَصُومُهُنَّ بَعْدَ الْحَجِّ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ‏:‏ يُطْعِمُ عَنْ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ نَصَّ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا‏,‏ وَلاَ ثَمَنَهُ أَنَّ فَرْضَهُ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ‏,‏ فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ بِيَقِينٍ‏,‏ وَبِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ‏.‏

وَإِيجَابٌ هَدْيٍ قَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُهُ أَيْضًا أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صِيَامَهَا فِيهِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لاَ يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ وَعُمَرُ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولاَنِ‏:‏ لاَ يَصُومُ بَعْدُ وَعَلِيٌّ يَقُولُ‏:‏ لاَ يُهْدِي بَعْدُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ‏:‏ لاَ يُهْدِي، وَلاَ يَصُومُهُنَّ‏,‏ لَكِنْ يُطْعِمُ وَغَيْرُهُ لاَ يَرَى الإِطْعَامَ‏,‏ فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ صَوْمٍ‏,‏ أَوْ هَدْيٍ‏,‏ أَوْ إطْعَامٍ بِغَيْرِ إجْمَاعٍ، وَلاَ نَصٍّ‏;‏ بَلْ النَّصُّ مَانِعٌ مِنْهُمَا‏,‏ وَغَيْرُ مُوجِبٍ لِلإِطْعَامِ‏.‏

وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏.‏

وَهُوَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَصُومَ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامِ فِي وَقْتٍ قَدْ فَاتَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بَعْدُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَسَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهَا كَمَا أَمَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ صِيَامُ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ‏,‏ لأَِنَّهُ مُسْتَطِيعٌ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَبَدًا وَتُجْزِئُ عَنْهُ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ‏,‏ وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَلاَ تُصَامُ عَنْهُ الثَّلاَثَةُ الأَيَّامِ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ بَعْدُ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُهَا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيَتُبْ وَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ‏,‏ وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ وَجَدَ هَدْيًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صِيَامَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّهُنَّ‏,‏ وَقَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ‏,‏ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَدْ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فَصَوْمُهُ تَامٌّ‏,‏ وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ‏.‏

وقال مالك‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ، وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الصَّوْمِ عَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ كِلاَ الْقَوْلَيْنِ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى مَا أَوْجَبَ مِنْ الْهَدْيِ‏,‏ أَوْ مِنْ الصَّوْمِ إنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ‏,‏ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَتَّى الآنَ هَدْيٌ‏,‏ وَلاَ صَوْمٌ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ اعْتَمَرَ‏,‏ وَهُوَ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلاَّ بِدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ‏,‏ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ‏,‏ فَإِذًا لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَإِنَّمَا حُكْمُهُ حِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالتَّمَتُّعِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ كَانَ فِي أَثَرٍ حِينَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَادِرًا عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ الْهَدْيُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْهَدْيِ بِدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ‏,‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ مَتَى وَجَدَ‏.‏

فَإِنْ كَانَ فِي أَثَرٍ حِينَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لاَ يَقْدِرُ عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَادِرًا عَلَى هَدْيٍ أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ بِدَعْوَى لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ‏.‏

وَقَاسَهُ الْحَنَفِيُّونَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَتَحِيضُ قَبْلَ إتْمَامِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْعِدَّةِ بِالأَقْرَاءِ‏,‏ أَوْ بِالْمُطَلَّقَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قِيَاسٌ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لأَِنَّهُ لاَ نِسْبَةَ بَيْنَ الْحَجِّ وَبَيْنَ الطَّلاَقِ‏,‏ وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ إلَى الْعِدَّةِ بِالأَقْرَاءِ‏;‏ لأَِنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا‏,‏ وَبِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الأَقْرَاءُ إلاَّ أَنَّ الَّتِي لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ‏,‏ فَإِذَا حَاضَتْ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ‏,‏ وَلاَ مِنْ اللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ بِمَا أَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ مِنْ الأَقْرَاءِ‏,‏ وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ‏;‏ لأَِنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ‏,‏ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَاقٍ عَلَيْهَا‏,‏ وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا‏,‏ فَإِذَا مَاتَ زَوْجُهَا لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَمَا أَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى‏,‏ فَظَهَرَ تَخْلِيطُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ‏,‏ وَجَهْلُهُمْ بِالْقِيَاسِ‏,‏ وَخِلاَفُهُمْ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ‏.‏

وأما قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ وَوَجَدْنَا النَّاسَ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ مَكْحُولٍ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ هُمْ مَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُرْدٍ بِحَيْثُ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ إلَى مَكَّةَ‏;‏ وَصَحَّ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

وقال مالك‏:‏ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ‏,‏ وَذِي طُوًى‏.‏

وَقَالَ سُفْيَانُ‏,‏ وَدَاوُد‏:‏ هُمْ أَهْلُ دُورِ مَكَّةَ فَقَطْ‏;‏ وَصَحَّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَعَنْ الأَعْرَجِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَطَاوُسٍ‏:‏ أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ إلاَّ أَنَّ طَاوُسًا قَالَ‏:‏ إذَا اعْتَمَرَ الْمَكِّيُّ مِنْ أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ‏:‏ الْحَرَمُ كُلُّهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ‏,‏ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ مَعْمَرٌ‏,‏ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ‏,‏ وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَطَاوُسٌ‏,‏ وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالُوا كُلُّهُمْ‏:‏ هِيَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ فِي الْحَرَمِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ وَجَدْنَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الْمَوَاقِيتَ إلاَّ مُحْرِمِينَ‏,‏ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا قَبْلَهَا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ لِلْمَوَاقِيتِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا الاِحْتِجَاجُ فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ‏,‏ وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَا وَرَاءَهَا إلَى مَكَّةَ هُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَلْ هَذَا التَّخْلِيطُ إلاَّ كَمَنْ قَالَ‏:‏ وَجَدْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ فِيمَنْ لَقِيَ وَغَارَتَهُ وَوَجَدْنَا مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ وَغَارَتَهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ لاَِهْلِ دَارِ الإِسْلاَمِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ غَيْرِهَا فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَهْلِ دَارِ الإِسْلاَمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏.‏

ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ إنَّ الْحَاضِرَ عِنْدَكُمْ يُتِمُّ الصَّلاَةَ‏,‏ وَالْمُسَافِرُ يَقْصُرُهَا فَإِذَا كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ‏,‏ وَالْجُحْفَةِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ عِنْدَكُمْ يَقْصُرُونَ إلَى مَكَّةَ وَيُفْطِرُونَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَاضِرُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنْ جَعَلَ مَنْ كَانَ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ سَاكِنًا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مِائَتَيْ مِيلٍ‏,‏ وَجَعَلَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا خَلْفَ يَلَمْلَمُ لَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ مِيلاً‏,‏ فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ‏;‏ إذْ صَارَتْ الشَّرَائِعُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى تُشَرَّعُ بِمِثْلِ هَذَا الرَّأْيِ وأما قَوْلُ مَالِكٍ‏:‏ فَتَخْصِيصُهُ ذَا طُوًى قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ وأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏:‏ فَإِنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ‏,‏ وَقَوْلُهُ هُنَالِكَ خَطَأٌ فَبَنَى الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ وَيُقَالُ لَهُمْ‏:‏ أَنْتُمْ تَقُولُونَ‏:‏ لاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْحَاضِرِ الْمُقِيمِ أَصْلاً وَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ‏;‏ فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّونَ‏:‏ صَاحِبًا‏,‏ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِهَذَا‏.‏

وأما قَوْلُ سُفْيَانَ‏,‏ وَدَاوُد‏:‏ فَوَهْمٌ مِنْهُمَا‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ‏:‏ حَاضِرِي مَكَّةَ‏,‏ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ فَسَقَطَتْ مُرَاعَاةُ مَكَّةَ هَاهُنَا‏,‏ وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَاعَى هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَقَطْ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ نَطْلُبَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ‏:‏ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِنَعْرِفَ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ إنْ تَمَتَّعَ مِمَّنْ لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا لَفْظَةَ ‏"‏ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ‏"‏ لاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْكَعْبَةَ فَقَطْ‏,‏ أَوْ مَا أَحَاطَتْ بِهِ جُدْرَانُ الْمَسْجِدِ فَقَطْ‏,‏ أَمْ أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يَقَعُ اسْمُ ‏"‏ مَسْجِدٍ حَرَامٍ ‏"‏ إلاَّ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَطْ‏.‏

فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْكَعْبَةَ فَقَطْ‏;‏ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ لاَ يَسْقُطُ الْهَدْيُ إلاَّ عَمَّنْ أَهْلُهُ فِي الْكَعْبَةِ وَهَذَا مَعْدُومٌ وَغَيْرُ مَوْجُودٍ‏.‏

وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَرَادَ مَا أَحَاطَتْ بِهِ جُدْرَانُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ‏;‏ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَدْ زِيدَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً فَكَانَ لاَ يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ يَنْتَقِلُ، وَلاَ يَثْبُتُ‏.‏

وَأَيْضًا فَكَانَ لاَ يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ إلاَّ لِمَنْ أَهْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏,‏ وَهَذَا مَعْدُومٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ‏,‏ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَقَدْ صَحَّ الثَّالِثُ إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَقَعُ عَلَى الْحَرَمِ كُلِّهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ بَعْضُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الاِسْمُ دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ عَلَيْنَا فَقَالَ‏:‏ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَهْمَلَ ذَلِكَ وَلَبَيَّنَهُ‏,‏ أَوْ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَنِّتًا لَنَا غَيْرَ مُبَيِّنٍ عَلَيْنَا مَا أَلْزَمَنَا‏,‏ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَظُنَّ هَذَا مُسْلِمٌ‏.‏

فَصَحَّ إذْ لَمْ يُبَيِّنْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا‏}‏ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى‏.‏

وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَجَابِرٍ‏,‏ وَحُذَيْفَةَ جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْحَرَمَ مَسْجِدٌ لأَِنَّهُ مِنْ الأَرْضِ فَهُوَ كُلُّهُ مَسْجِدٌ حَرَامٌ فَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ وَالْحَاضِرُونَ هُمْ الْقَاطِنُونَ غَيْرُ الْخَارِجِينَ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ الْحَرَمَ فإن قيل‏:‏ فَإِنَّ مَنْ سَكَنَ خَارِجًا مِنْهُ بِقُرْبِهِ هُمْ حَاضِرُوهُ قلنا‏:‏ هَذَا خَطَأٌ‏:‏ وَ بُرْهَانُ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّنَا نَسْأَلُكُمْ عَنْ تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْقُرْبِ الَّذِي يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ حَاضِرًا مِمَّا يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ غَيْرَ حَاضِرٍ‏,‏ وَهَذَا لاَ سَبِيلَ إلَى تَفْصِيلِهِ إلاَّ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ‏;‏ لأَِنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا خَطٌّ بَعْدَ خَطٍّ إلَى مُنْقَطَعِهَا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ فَقَالَ‏:‏ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَصَحَّ أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ لأَِنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُبْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ‏,‏ وَإِنَّمَا بَنَاهَا إبْرَاهِيمُ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ عليهما السلام‏,‏ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ‏}‏ وَلَمْ يُبْنَ الْمَسْجِدُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلاَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ أَبَدًا حَتَّى يَعُمَّ بِهِ جَمِيعَ الْحَرَمِ يُسَمَّى مَسْجِدًا حَرَامًا‏,‏ وَأَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يُسَمَّ مَا زِيدَ فِيهِ مَسْجِدًا حَرَامًا‏,‏ فَارْتَفَعَ كُلُّ إشْكَالٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا‏.‏