فصل: 955 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ سَلَبُهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


955 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ‏,‏ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَيْفَمَا قَتَلَهُ صَبْرًا‏,‏ أَوْ فِي الْقِتَالِ، وَلاَ يُخَمَّسُ السَّلَبُ قَلَّ‏,‏ أَوْ كَثُرَ‏,‏ وَلاَ يُصَدَّقُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ فِي الْحُكْمِ‏,‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ‏,‏ أَوْ خَشِيَ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ‏,‏ أَوْ أَنْ يُخَمَّسَ فَلَهُ أَنْ يُغَيِّبَهُ‏,‏ وَيُخْفِيَ أَمْرَهُ‏.‏

وَالسَّلَبُ‏:‏ فَرَسُ الْمَقْتُولِ‏,‏ وَسَرْجُهُ‏,‏ وَلِجَامُهُ‏,‏ وَكُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ لِبَاسٍ‏,‏ وَحِلْيَةٍ‏,‏ وَمَهَامِيزَ وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ سِلاَحٍ‏,‏ وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ فِي نِطَاقِهِ أَوْ فِي يَدِهِ‏,‏ أَوْ كَيْفَمَا كَانَ مَعَهُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ هُوَ عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ يَوْمَ حُنَيْنٍ‏:‏ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فِي حَدِيثٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ نَا أَبُو الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ قَالَ سَلَمَةُ‏:‏ فَقَتَلْتُهُ‏,‏ فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ‏:‏ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ‏.‏

فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تُوجِبُ مَا قُلْنَاهُ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ كَمَا تَرَى‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ‏:‏ أَنَّ بِشْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَتَلَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ عَظِيمًا مِنْ الْفُرْسِ مُبَارَزَةً وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَأَتَى بِهِ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَوَّمَهُ اثْنَيْ عَشْر أَلْفًا‏,‏ فَنَفَلَهُ إيَّاهُ سَعْدٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ أَنَّهُ رَكِبَ وَحْدَهُ حَتَّى أَتَى بَابَ دِمَشْقَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ خَيْلٌ مِنْهَا فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةً وَأَخَذَ خَيْلَهُمْ فَأَتَى بِهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعِنْدَهُ عَظِيمُ الرُّومِ فَابْتَاعَ مِنْهُ سَرْجَ أَحَدِهَا بِعَشَرَةِ آلاَفٍ وَنَفَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كُلَّ مَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ فَهَذَا وَاثِلَةُ‏,‏ وَخَالِدٌ وَسَعِيدٌ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ كَانَ السَّلَبُ لاَ يُخَمَّسُ وَكَانَ أَوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الإِسْلاَمِ سَلَبَ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ‏,‏ وَكَانَ قَتَلَ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةَ وَقَطَعَ مِنْطَقَتَهُ وَسِوَارَيْهِ‏,‏ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ صَلَّى عُمَرُ الصُّبْحَ‏,‏ ثُمَّ أَتَانَا فَقَالَ‏:‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَثَمَّ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إنَّا كُنَّا لاَ نُخَمِّسُ السَّلَبَ وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ مَالٌ وَإِنِّي خَامِسُهُ‏,‏ فَدَعَا الْمُقَوِّمِينَ فَقَوَّمُوا ثَلاَثِينَ أَلْفًا‏,‏ فَأَخَذَ مِنْهَا سِتَّةَ آلاَفٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت نَافِعًا يَقُولُ‏:‏ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مُنْذُ قَطُّ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لاَ يُدْرَى أَحَدٌ قَتَلَ أَحَدًا فَهَذَا يُخْبِرُ عَمَّا سَلَفَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ بَعْدَهُ وَجَمِيعِ أُمَرَائِهِمْ‏.‏

وَهَذَا نَافِعٌ يُخْبِرُ‏:‏ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِهِمْ بِالْمَدِينَةِ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ تَعَمُّدُ خِلاَفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ أَنَّهُ اسْتَطَابَ نَفْسَ الْبَرَاءِ‏.‏

وَهَذَا صَحِيحٌ حَسَنٌ لاَ نُنْكِرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏,‏ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ‏,‏ وَأَحْمَدَ قَالاَ‏:‏ إنْ قَتْلَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَلاَ يَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ الَّذِي ذَكَرنَا فَإِنَّهُ قَتَلَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ‏,‏ وَفِي غَيْرِ قِتَالٍ‏,‏ وَأَخَذَ سَلَبَهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِعُمُومِ حَدِيثِهِ عليه السلام فِي ذَلِكَ فَأَعْطُوا مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِحَقٍّ فِي قَوَدٍ‏,‏ أَوْ رَجْمٍ‏,‏ أَوْ مُحَارَبَةٍ‏,‏ أَوْ بَغْيٍ‏,‏ سَلَبَهُ‏.‏

قلنا‏:‏ لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْقُرْآنِ مَالَ الْمُسْلِمِ لَفَعَلْنَا مَا قُلْتُمْ‏;‏ فَخَرَجَ سَلَبُ الْمُسْلِمِ بِهَذَا عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ‏,‏ وَبَقِيَ سَلَبُ الْكَافِرِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ السَّلَبِ فَقَالَ‏:‏ لاَ سَلَبَ إِلاَّ مِنْ النَّفْلِ وَفِي النَّفْلِ الْخُمُسُ‏.‏

فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَبُ إِلاَّ نَفْلاً‏,‏ فَقَوْلٌ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرنَا‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ رَأَى فِيهِ الْخُمُسَ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ‏.‏

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانُ‏,‏ وَمَالِكٌ‏:‏ إلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ الأَمِيرُ قَبْلَ الْقِتَالِ‏:‏ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ‏,‏ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ‏,‏ وَلاَ يُخَمَّسُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ‏;‏ لأََنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَفْعَلُوا‏,‏ بَلْ خَالَفُوهُ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِتَالِ‏;‏ فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ صُرَاحًا‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا نَعَمْ‏,‏ فَهَبْكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ‏,‏ أَوْ قَالَهُ قَبْلُ وَبَعْدُ‏,‏ أَتَرَى يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَى بِهِ مَرَّةً‏,‏ أَوْ يَرَوْنَهُ بَاطِلاً حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَضَاءَ بِهِ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الضَّلاَلِ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا قَالَ مَرَّةً‏,‏ أَوْ أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ‏,‏ كُلُّهُ دِينٌ‏,‏ وَكُلُّهُ حَقٌّ‏,‏ وَكُلُّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَكُلُّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهُ‏.‏

وَمَوَّهُوا بِفِعْلِ عُمَرَ‏,‏ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ‏,‏ لأََنَّ عُمَرَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ دُونَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِتَالِ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ خَمَّسَهُ وَلَمْ يُمَانِعْهُ الْبَرَاءُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ طَابَتْ بِهِ نَفْسِهِ‏,‏ وَهَذَا حَسَنٌ لاَ نُنْكِرُهُ‏.‏

وَشَغَبُوا أَيْضًا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏;‏ فَمَوَّهَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ‏}‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ‏;‏ لأََنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْحَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ‏,‏ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ فَأَبْطِلُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ قَوْلَكُمْ‏:‏ إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ‏:‏ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ كَانَ لَهُ‏.‏

فَقَدْ جَعَلْتُمْ قَوْلَ إمَامٍ لَعَلَّهُ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ حُجَّةً عَلَى الآيَةِ‏,‏ وَلَمْ تَجْعَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ الَّذِي لاَ إمَامَةَ لأََحَدٍ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ بَيَانًا لِلآيَةِ‏,‏ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ لاَ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ الأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ لاَ خُمُسَ فِيهَا‏,‏ وَهَذَا مَوْضِعُ الأَحْتِجَاجِ بِالآيَةِ حَقًّا وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ فِي أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ فَارِسًا مِنْ الرُّومِ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَخَذَ سِلاَحَهُ وَفَرَسَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْ السَّلَبِ قَالَ عَوْفٌ‏:‏ فَأَتَيْتُ خَالِدًا فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ‏:‏ بَلَى‏,‏ وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ‏,‏ قُلْتُ‏:‏ لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لاَُعَرِّفَنَّكَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ‏,‏ قَالَ عَوْفٌ‏:‏ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَا خَالِدُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْتُهُ فَقَالَ عليه السلام‏:‏ يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ‏,‏ قَالَ عَوْفٌ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ دُونَكَ يَا خَالِدُ‏,‏ أَلَمْ أَفِ لَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ‏:‏ يَا خَالِدُ لاَ تَرُدَّ عَلَيْهِ‏,‏ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا‏,‏ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ‏.‏

أَوَّلُهَا‏:‏ أَنَّ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا قَوْلُنَا‏.‏

وَثَانِيهَا‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ خَالِدًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ‏.‏

وَثَالِثُهَا‏:‏ أَنَّ فِي نَصِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ لاَ يَرُدَّ عَلَيْهِ‏,‏ لأََنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْقَاتِلَ صَاحِبَ السَّلَبِ أَعْطَاهُ بِطَيِّبِ نَفْسٍ وَلَمْ يَطْلُبْ خَالِدًا بِهِ‏,‏ وَأَنَّ عَوْفًا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ‏.‏

وَرَابِعُهَا‏:‏ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يُوهِمُونَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ‏,‏ لأََنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ عليه السلام‏:‏ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ كَانَ بَعْدَ يَوْمِ مُؤْتَةَ‏,‏ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ‏,‏ وَقَدْ كَانَ قَتْلُ جَعْفَرٍ‏,‏ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ‏,‏ وَابْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنهم قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ يَوْمَ مُؤْتَةَ‏,‏ فَيَوْمُ حُنَيْنٍ حُكْمُهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَوْ كَانَ خِلاَفَهُ‏.‏

وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرِ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَهُوَ أَحَدُ قَاتِلِيهِ‏,‏ وَالثَّانِي‏:‏ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ‏,‏ وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ أَيْضًا فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ‏,‏ وَأَيْنَ يَوْمُ بَدْرٍ مِنْ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَبَيْنَهُمَا أَعْوَامٌ وَمَا نَزَلَ حُكْمُ الْغَنَائِمِ إِلاَّ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ فَكَيْفَ يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ‏,‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ أَحَدٍ قَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ حَتَّى السَّهْمُ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ أَحَقَّ مِنْ أَخِيهِ بِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى أَصَدَقَ فِي ادِّعَائِهِ الصُّحْبَةَ أَمْ لاَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لأََنَّ الْخُمُسَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْغَنِيمَةَ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ فَالسَّلَبُ مَضْمُومٌ إلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ‏.‏

ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ هَلَّا احْتَجَجْتُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي قَوْلِكُمْ‏:‏ إنَّ الْقَاتِلَ أَحَقُّ بِالسَّلَبِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَكُمْ مَخْصُوصًا بِقَوْلِ مَنْ لاَ وَزْنَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تَخُصُّوهُ بِقَوْلِ مَنْ لاَ إيمَانَ لَكُمْ إنْ لَمْ تُسَلِّمُوا لأََمْرِهِ وَقَضَائِهِ‏,‏ تَبًّا لِهَذِهِ الْعُقُولِ الْمَكِيدَةِ‏.‏

وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَتَلَ قَتِيلاً فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ سَلَبَهُ‏,‏ فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ‏,‏ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ‏:‏ مَهْلاً يَا حَبِيبُ‏,‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ مَكْذُوبٌ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ‏,‏ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ‏,‏ وَقَدْ تَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ‏.‏

وقد رُوِّينَا عَنْ مُوسَى هَذَا، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابًا حُفَاةً فَجِئْنَا نَحْنُ أَبْنَاءَ فَارِسٍ فَلَخَّصْنَا هَذَا الدِّينَ فَانْظُرُوا بِمَنْ يَحْتَجُّونَ عَلَى السُّنَنِ الثَّابِتَةِ‏.‏

ثُمَّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ جُنَادَةَ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏,‏ لأََنَّهُ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ الَّذِي وَجَدَ الرِّكَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِجَمِيعِهِ دُونَ طِيبِ نَفْسِ إمَامِهِ‏.‏

ثم نقول لِلْمُحْتَجِّ بِهَذَا الْخَبَرِ‏:‏ أَرَأَيْت إنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْجَيْشِ بِسَهْمِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَيَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقَّهُمْ إنَّ هَذَا لَعَجِيبٌ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏;‏ فَصَارُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا حَقَّقُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ‏,‏ وَهَذَا فِعْلُ مِنْ لاَ وَرَعَ لَهُ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ غَالِبِ بْنِ حَجْرَةَ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِيهِ ‏]‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ قَالُوا‏:‏ فَقُولُوا بِهَذَا أَيْضًا ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ‏.‏

فَقُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيِّ لاَ صَدَاقَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ‏,‏ وَمَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فِي إبَاحَةِ الْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ‏,‏ وَتِلْكَ النَّطَائِحُ وَالْمُتَرَدِّيَاتُ‏.‏

فَهَذَا الْخَبَرُ مُضَافٌ إلَى تِلْكَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ لاَ يَأْخُذُ إِلاَّ بِمَا رَوَى الثِّقَةُ عَنْ الثِّقَةِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا رَوَاهُ غَالِبُ بْنُ حَجْرَةَ الْمَجْهُولُ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ الَّتِي لاَ يُدْرَى مَنْ هِيَ عَنْ أَبِيهَا الَّذِي لاَ يُعْرَفُ‏,‏ وَالْقَوْمُ فِي عَمًى نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا ابْتَلاَهُمْ بِهِ‏,‏ وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِنْهُ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الأَنْفَالِ ‏"‏ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنْفِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَلَبَ الْكَافِرِ إذَا قَتَلَهُ‏,‏ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏,‏ قَالَ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أَيْ لِيَرُدَّنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ شَيْءَ لأََنَّهَا صَحِيفَةٌ وَمُرْسَلٌ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي أَمْرِ بَدْرٍ وقد قلنا‏:‏ إنَّ الْقَضَاءَ بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَانَ فِي حُنَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ سِتَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا‏.‏

ثُمَّ مَوَّهُوا بِقِيَاسَاتٍ سَخِيفَةٍ كُلُّهَا لاَزِمٌ لَهُمْ وَغَيْرُ لاَزِمٍ لَنَا‏.‏

مِنْهَا‏:‏ أَنْ قَالُوا‏:‏ لَمَّا كَانَ الْغَانِمُ لَيْسَ أَحَقَّ بِمَا غَنِمَ كَانَ الْقَاتِلُ فِي السَّلَبِ كَذَلِكَ‏;‏ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ حَقًّا لِلْقَاتِلِ لَكَانَتْ الأَسْلاَبُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُو أَهْلِهَا مُوقَفَةً كَاللُّقَطَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْقِيَاسُ بَاطِلٌ‏,‏ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْقِيَاسُ مَنْ صَحَّحَهُ‏,‏ وَهُمْ يُصَحِّحُونَهُ فَهُوَ لَهُمْ لاَزِمٌ فَلْيُبْطِلُوا بِهَاتَيْنِ الْأُحْمُوقَتَيْنِ قَوْلَهُمْ‏:‏ إنَّ السَّلَبَ ‏]‏ لِلْقَاتِلِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ قَبْلَ الْقِتَالِ ‏]‏‏:‏ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ فَهَذَا يَلْزَمُهُمْ إذْ عَدَلُوا هَذَا الْإِلْزَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ‏:‏ إنَّ كُلَّ مَالٍ لاَ يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَكُلُّ سَلَبٍ لاَ تَقُومُ لَقَاتَلَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَصِّ قَوْلِهِ لاَ نَتَعَدَّاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ‏}‏ وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ إذَا قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ عليه السلام وَاجِبَةً فَالسَّلَبُ حَقٌّ لِلْقَاتِلِ مَتَى قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلاَ خِيرَةَ لأََحَدٍ لاَ إمَامٍ، وَلاَ غَيْرِهِ فِي خِلاَفِ ذَلِكَ‏,‏ لِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ عليه السلام لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَهَذَا كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَبُ مِنْ حَقِّ الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام‏:‏ إنَّهُ لَهُ إذَا قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ وَأَيْنَ وَجَدُوا مَا يُوجِبُ قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ‏:‏ فِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ‏:‏ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ‏.‏

كَانَ السَّلَبُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ‏,‏ وَلاَ نُعْمَى عَيْنٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَحْرِيمًا أَوْ إيجَابًا‏.‏

فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً وَتَعَرِّيه مِنْ الدَّلِيلِ‏,‏ وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ قَبْلَهُمْ لاَ عَنْ صَاحِبٍ‏,‏ وَلاَ عَنْ تَابِعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

956 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَإِنْ نَفَّلَ الْإِمَامُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ مَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُ مِمَّنْ أَغْنَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَمِمَّنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَنْتَفِعُ بِهِنَّ أَهْلُ الْجَيْشِ‏,‏ وَمَنْ قَاتَلَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ‏:‏ فَحَسَنٌ‏.‏

وَإِنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَ مَنْ أَتَى بِمَغْنَمٍ فِي الدُّخُولِ رُبْعَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ‏,‏ أَوْ ثُلُثَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ‏,‏ لاَ أَكْثَرَ أَصْلاً‏:‏ فَحَسَنٌ‏,‏ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لأََنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمَةِ عَامَّةِ الْجَيْشِ‏,‏ وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلُّهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت‏:‏ أَبَا وَهْبٍ يَقُولُ ‏]‏‏:‏ سَمِعْت مَكْحُولاً قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جَارِيَةَ سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ مَمْطُورٍ الْحَبَشِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْفُلُ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبْعَ وَفِي الْقُفُولِ الثُّلُثَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ لِي مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ ‏"‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ لاَ نَفْلَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ الْخُمُسِ وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشُّعَبِيِّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْمِهِ يُرِيدُ الشَّامَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَأُنْفِلُكَ الثُّلُثَ مِنْ بَعْدِ الْخُمْسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَشَيْءٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ‏:‏ كَانَ النَّاسُ يُنَفِّلُونَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى إذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْخُمُسُ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لأََهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى‏,‏ فَالنَّفَلُ مِنْهُ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً‏,‏ وَهُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ‏,‏ وَسَائِرُ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى إخْرَاجَهُ‏,‏ أَوْ أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ إِلاَّ السَّلَبُ جُمْلَةً لِلْقَاتِلِ‏,‏ وَتَنْفِيلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرُّبْعِ فَأَقَلَّ‏,‏ أَوْ الثُّلُثِ فِي الْقُفُولِ فَأَقَلَّ‏.‏

وَكَذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏,‏ لاَ نَفْلَ إِلاَّ بَعْدَ الْخُمْسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

957 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَتُقْسَمُ الْغَنَائِمُ كَمَا هِيَ بِالْقِيمَةِ، وَلاَ تُبَاعُ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِبَيْعِهَا‏,‏ وَتُعَجَّلُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ‏,‏ وَتُقْسَمُ الأَرْضُ وَتُخَمَّسُ‏,‏ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏,‏ فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ عَلَى تَرْكِهَا أَوْقَفَهَا الْإِمَامُ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلاَ‏,‏ وَمَنْ أَسْلَمَ نَصِيبَهُ كَانَ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى حَقِّهِ‏,‏ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ تُبَاعُ الْغَنِيمَةُ وَتُقْسَمُ أَثْمَانُهَا وَتُوقَفُ الأَرْضُ، وَلاَ تُقْسَمُ، وَلاَ تَكُونُ مِلْكًا لأََحَدٍ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا وَإِنْ شَاءَ أَوْقَفَهَا‏,‏ فَإِنْ أَوْقَفَهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ‏,‏ وَلاَ تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ يُبَيِّنُ مَا قلنا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَثْمَانِ مَا غَنِمْتُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الأَحْوَصِ نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ أَصَابُوا غَنَائِمَ فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا قَسَّمَ أَعْيَانَ الْغَنِيمَةِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا غَنِمُوا‏,‏ فَبَيْعُ حُقُوقِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوَّلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ لاَ يَحِلُّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

فَإِنْ رَضِيَ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ بِالْبَيْعِ إِلاَّ وَاحِدًا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْطَى حَقَّهُ مِنْ عَيْنِ الْغَنِيمَةِ‏,‏ وَيُبَاعُ إنْ أَرَادَ الْبَيْعَ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏‏.‏

وَبِهَذَا جَاءَتْ الآثَارُ فِي حُنَيْنٍ‏,‏ وَبَدْرٍ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا‏,‏ كَقَوْلِ عَلِيٍّ‏:‏ إنَّهُ وَقَعَ لِي شَارِفٌ مِنْ الْمَغْنَمِ‏,‏ وَكَوُقُوعِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ‏,‏ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ‏,‏ وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ وَقَعَتْ فِي سَهْمِي يَوْمَ جَلُولاَءَ جَارِيَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ أَكْرَهُ بَيْعَ الْخُمْسِ حَتَّى يُقْسَمَ‏,‏ وَلاَ نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ مَطْلَ ذِي الْحَقِّ لِحَقِّهِ ظُلْمٌ‏,‏ وَتَعْجِيلَ إعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَرْضٌ‏,‏ وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ‏:‏ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ‏,‏ أَوْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ فَلاَ سَهْمَ لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَلَوْ خَرَجُوا عَنْ دَارِ الْحَرْبِ فَلَحِقَ بِهِمْ مَدَدٌ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ فَحَقُّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا ظُلْمٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ‏,‏ وَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ‏;‏ بَلْ كُلُّ مَنْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ الْغَنِيمَةِ‏,‏ أَوْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَحَقُّهُ فِيهَا يُورَثُ عَنْهُ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهَا فَهَلْ سُمِعَ بِظُلْمٍ أَقْبَحَ مِنْ مَنْعِ مَنْ قَاتَلَ وَغَنِمَ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَلاَ غَنِمَ وَأَمَّا الأَرْضُ‏,‏ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا‏.‏

فَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَبِلاَلاً‏,‏ وَغَيْرَهُمْ دَعَوْا إلَى قِسْمَةِ الأَرْضِ‏,‏ وَأَنَّ عُمَرَ‏,‏ وَعَلِيًّا‏,‏ وَمُعَاذًا‏,‏ وَأَبَا عُبَيْدَةَ‏,‏ رَأَوْا إبْقَاءَهَا رَأْيًا مِنْهُمْ‏,‏ وَإِذْ تَنَازَعُوا فَالْمَرْدُودُ إلَيْهِ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ فَوَجَدْنَا مَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا افْتَتَحْت قَرْيَةَ إِلاَّ قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ‏.‏

أَوَّلُهَا‏:‏ إقْرَارُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ خَيْبَرَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لأَخِرِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ ‏]‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَنْظَرَ لأََوَّلِ الْمُسْلِمِينَ وَلأَخِرِهِمْ مِنْ عُمَرَ‏,‏ فَمَا رَأَى هَذَا الرَّأْيَ‏;‏ بَلْ أَبْقَى لأَخِرِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَبْقَى لأََوَّلِهِمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ فأما الْغَنِيمَةُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ‏,‏ وَأَبْقَى لَهُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاهُمْ‏,‏ وَالتِّجَارَةَ‏,‏ وَالْمَاشِيَةَ‏,‏ وَالْحَرْثَ‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرَ الزُّبَيْرُ‏,‏ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَحَقُّ بِالأَتِّبَاعِ مِنْ بَعْضٍ‏;‏ فَحَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَا ظَنُّوهُ بِهِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ‏,‏ وَلَكَانَ رَأْيًا مِنْهُ غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ‏,‏ وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ وَعُمَرُ قَوْلُهُ كَقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وهذا الخبر مِنْ عُمَرَ يُكَذِّبُ كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةٍ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقَسِّمْ خَيْبَرَ كُلَّهَا‏,‏ فَهُمْ دَأَبًا يَسْعَوْنَ فِي تَكْذِيبِ قَوْلِ عُمَرَ نَصْرًا لِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ وَظَنِّهِمْ الْكَاذِبِ‏.‏

وقد رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لاَ تُفْتَحُ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ‏,‏ فَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ عُمَرَ إلَى الْقِسْمَةِ‏.‏

وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا‏,‏ وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّهَا وَدِينَارَهَا‏,‏ وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَهَذَا هُوَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَى الأَرْضِ‏,‏ وَهُوَ يُوجِبُ إيقَافَهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْخَبَرِ بِالْبَاطِلِ وَادِّعَاءٌ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ بِلاَ نَصٍّ، وَلاَ دَلِيلٍ‏,‏ وَلاَ يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَطْ‏,‏ أَوْ قَدْ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ‏.‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجِزْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ إذَا فُتِحَتْ وَهُوَ قَوْلُنَا لأََنَّ الْجِزْيَةَ بِلاَ شَكٍّ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏,‏ وَلاَ نَصَّ يُوجِبُ الْخَرَاجَ الَّذِي يَدَّعُونَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ إنْذَارٌ مِنْهُ عليه السلام بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي آخِرِ الأَمْرِ‏,‏ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَمْنَعُونَ حُقُوقَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ وَيَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا‏,‏ وَهَذَا أَيْضًا حَقٌّ قَدْ ظَهَرَ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ فَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَإِذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فَلْنَذْكُرْ الآنَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ‏}‏ فَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ مَا صَارَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ مَالٍ‏,‏ أَوْ أَرْضٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى‏}‏‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ عَنْ سَالِمِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ ‏"‏ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا‏,‏ وَلاَ فِضَّةً إنَّمَا غَنِمْنَا الْإِبِلَ‏,‏ وَالْبَقَرَ‏,‏ وَالْمَتَاعَ‏,‏ وَالْحَوَائِطَ ‏"‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْحَوَائِطَ‏,‏ وَهِيَ‏:‏ الضِّيَاعُ‏,‏ وَالْبَسَاتِينُ‏:‏ مَغْنُومَةٌ كَسَائِرِ الْمَتَاعِ فَهِيَ مُخَمَّسَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏,‏ وَالْمُخَمَّسُ مَقْسُومٌ بِلاَ خِلاَفٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا‏,‏ وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا‏,‏ وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ‏,‏ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ مَحِيصَ عَنْهُ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ‏,‏ وَخَيْبَرَ‏.‏

ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ‏:‏ أَنَّ مَالِكًا قَلَّدَ هَاهُنَا عُمَرَ‏,‏ ثُمَّ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَقْفٌ‏,‏ فَلَمْ يُخْبِرْ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي خَرَاجِهَا‏,‏ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي فِعْلَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ‏,‏ فَهَلْ فِي الأَرْضِ أَعْجَبُ مِنْ جَهَالَةٍ تُجْعَلُ حُجَّةً وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ جَاءَتْ عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَتَرَكَ سَائِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ‏,‏ وَتَحَكَّمُوا فِي الْخَطَأِ بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيصَالِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ ‏]‏ فَكَيْفَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ الصَّحِيحَةُ هِيَ قَوْلُنَا كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا أَبُو عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ‏:‏ كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَجَعَلَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ السَّوَادِ فَأَخَذُوا سَنَتَيْنِ‏,‏ أَوْ ثَلاَثًا‏,‏ فَوَفَدَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ يَا جَرِيرُ لَوْلاَ أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ‏,‏ وَأَرَى النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

فَفَعَلَ جَرِيرٌ ذَلِكَ‏,‏ فَقَالَتْ أُمُّ كُرْزٍ الْبَجَلِيَّةُ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ أَبِي هَلَكَ وَسَهْمُهُ ثَابِتٌ فِي السَّوَادِ وَإِنِّي لَمْ أُسْلِمْ‏.‏

فَقَالَ لَهَا عُمَرُ‏:‏ يَا أُمَّ كُرْزٍ إنَّ قَوْمَك قَدْ صَنَعُوا مَا قَدْ عَلِمْت‏,‏ فَقَالَتْ‏:‏ إنْ كَانُوا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَإِنِّي لَسْت أُسْلِمُ حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ وَتَمْلاَُ كَفَّيَّ ذَهَبًا‏.‏

فَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ‏,‏ فَكَانَتْ الذَّهَبُ نَحْوَ ثَمَانِينَ دِينَارًا‏,‏ فَهَذَا أَصَحُّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُنَا‏,‏ فَإِنَّهُ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى اسْتَطَابَ نُفُوسَ الْغَانِمِينَ وَوَرَثَةَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ‏;‏ وَهَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ‏,‏ وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ تَخْمِيسِهِ السَّلَبَ وَإِمْضَائِهِ سَائِرَهُ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وقد رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ‏,‏ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالاَ‏:‏ إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَأَخَذْنَا مِنْهُ خَرَاجَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ أُلَّيْسٍ أَسْلَمَا فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنْ يَرْفَعَ الْجِزْيَةَ عَنْ رُءُوسِهِمَا وَأَنْ يَأْخُذَ الطَّسْقَ مِنْ أَرْضَيْهِمَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دُهْقَانَةَ مِنْ نَهْرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ‏.‏

نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الرَّفَيْلَ دُهْقَانَ النَّهْرَيْنِ أَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ فِي أَلْفَيْنِ‏,‏ وَوَضَعَ عَنْ رَأْسِهِ الْجِزْيَةَ‏,‏ وَأَلْزَمَهُ خَرَاجَ أَرْضِهِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ حَدِيثُ ابْنِ عَوْنٍ مُرْسَلٌ قلنا‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ وَإِذْ رُوِيَ الْمُرْسَلُ عَنْ مُعَاذٍ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ كَانَ حُجَّةً وَالآنَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

958 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إِلاَّ الإِسْلاَمُ‏,‏ أَوْ السَّيْفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَاشَا أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً‏,‏ وَهُمْ الْيَهُودُ‏,‏ وَالنَّصَارَى‏,‏ وَالْمَجُوسُ فَقَطْ‏,‏ فَإِنَّهُمْ إنْ أَعْطُوا الْجِزْيَةَ أُقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الصَّغَارِ‏.‏

وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ‏:‏ أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيًّا مِنْ الْعَرَبِ خَاصَّةً فَالْإِسْلاَمُ أَوْ السَّيْفُ‏.‏

وَأَمَّا الأَعَاجِمُ فَالْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ‏,‏ وَيُقَرُّ جَمِيعَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى عَرَبِيًّا مِنْ عَجَمِيٍّ فِي كِلاَ الْحُكْمَيْنِ‏.‏

وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجْرٍ‏;‏ فَصَحَّ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ‏,‏ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا خَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ رَبِّهِ تَعَالَى‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ إنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ ثُمَّ تُؤَدِّي إلَيْهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا‏;‏ لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ‏,‏ وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَمِ لاَ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ‏,‏ وَأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا عَنَى بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ بَعْضَ الْعَجَمِ لاَ كُلَّهُمْ‏,‏ وَبَيَّنَ تَعَالَى مَنْ هُمْ‏,‏ وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَطْ‏.‏

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فأما مَنًّا بَعْدُ‏}‏ وَأَمَّا فِدَاءً مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏}‏ وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مُبَيِّنًا لِقَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ تُؤَدِّي إلَيْكُمْ الْجِزْيَةَ وَلَوْ قَلَبُوا لاََصَابُوا وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ‏:‏ إنَّ الْعَرَبَ الْوَثَنِيِّينَ يُكْرَهُونَ عَلَى الإِسْلاَمِ‏,‏ وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ يُكْرَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْرَهَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى الإِسْلاَمِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ ‏]‏ الآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِيمَنْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُكْرِهَهُ‏,‏ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

959 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالصَّغَارُ هُوَ أَنْ يَجْرِيَ حُكْمُ الإِسْلاَمِ عَلَيْهِمْ‏,‏ وَأَنْ لاَ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ‏,‏ وَلاَ مِمَّا يُحَرَّمُ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ‏,‏ وَيَجْمَعُ الصَّغَارَ شُرُوطُ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَيْهِمْ‏.‏

نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ نَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبِيعُ بْنُ تَغْلِبَ نَا يَحْيَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الْعَيْزَارِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ‏:‏ كَتَبْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ فِيهِ‏:‏ أَنْ لاَ يُحْدِثُوا فِي مَدِينَتِهِمْ، وَلاَ مَا حَوْلَهَا دَيْرًا‏,‏ وَلاَ كَنِيسَةً‏,‏ وَلاَ قَلِيَّةً، وَلاَ صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ‏,‏ وَلاَ يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا‏,‏ وَلاَ يَمْنَعُوا كَنَائِسَهُمْ أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُطْعِمُونَهُمْ‏,‏ وَلاَ يُؤْوُوا جَاسُوسًا‏,‏ وَلاَ يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ يُعَلِّمُوا أَوْلاَدَهُمْ الْقُرْآنَ‏,‏ وَلاَ يُظْهِرُوا شِرْكًا‏,‏ وَلاَ يَمْنَعُوا ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنْ الإِسْلاَمِ إنْ أَرَادُوهُ‏,‏ وَأَنْ يُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَيَقُومُوا لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ‏,‏ وَلاَ يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ‏:‏ فِي قَلَنْسُوَةٍ‏,‏ وَلاَ عِمَامَةٍ‏,‏ وَلاَ نَعْلَيْنِ‏,‏ وَلاَ فَرْقِ شَعْرٍ‏,‏ وَلاَ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ‏,‏ لاَ يَرْكَبُوا سُرُجًا‏,‏ وَلاَ يَتَقَلَّدُوا سَيْفًا‏,‏ وَلاَ يَتَّخِذُوا شَيْئًا مِنْ السِّلاَحِ‏,‏ وَلاَ يَنْقُشُوا خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ‏,‏ وَلاَ يَبِيعُوا الْخُمُورَ‏,‏ وَأَنْ يَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ‏,‏ وَأَنْ يَلْزَمُوا زِيَّهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا‏,‏ وَأَنْ يَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ‏,‏ وَلاَ يُظْهِرُوا صَلِيبًا، وَلاَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ‏,‏ وَلاَ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا إِلاَّ ضَرْبًا خَفِيفًا‏,‏ وَلاَ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يُخْرِجُوا سَعَانِينَ، وَلاَ يَرْفَعُوا مَعَ مَوْتَاهُمْ أَصْوَاتَهُمْ‏,‏ وَلاَ يُظْهِرُوا النِّيرَانَ مَعَهُمْ‏,‏ وَلاَ يَشْتَرُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

فَإِنْ خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شَرَطُوهُ فَلاَ ذِمَّةَ لَهُمْ‏,‏ وَقَدْ حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا‏:‏ أَنْ لاَ يُجَاوِرُونَا بِخِنْزِيرٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمِنْ الصَّغَارِ أَنْ لاَ يُؤْذُوا مُسْلِمًا‏,‏ وَلاَ يَسْتَخْدِمُوهُ‏,‏ وَلاَ يَتَوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ السُّلْطَانِ يَجْرِي لَهُمْ فِيهِ أَمْرٌ عَلَى مُسْلِمٍ

‏.‏

960 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالْجِزْيَةُ لاَزِمَةٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْعَبْدِ‏,‏ وَالذَّكَرِ‏,‏ وَالْأُنْثَى‏,‏ وَالْفَقِيرِ الْبَاتِّ‏,‏ وَالْغَنِيِّ الرَّاهِبِ سَوَاءٌ مِنْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الدِّينَ لاَزِمٌ لِلنِّسَاءِ كَلُزُومِهِ لِلرِّجَالِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ أَنَّهُ فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ‏,‏ عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ عُتَقَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وقال مالك‏:‏ لاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ‏,‏ أَوْ كَافِرٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِ مَالِكٍ حُجَّةً أَصْلاً‏.‏

فإن قيل‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي إِلاَّ النِّسَاءَ قلنا‏:‏ أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ فَأَسْقَطْتُمُوهَا عَنْ الْمُعْتَقِينَ‏,‏ وَالرُّهْبَانِ‏,‏ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ مُرْسَلَةٌ وَهِيَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ عَوَّلُوا فِي أَخْذِ التَّبِيعِ مِنْ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْمُسِنَّةِ مِنْ الأَرْبَعِينَ‏,‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرٌ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي غَيْرِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ‏:‏ مَنْ كَرِهَ الإِسْلاَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ‏,‏ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ لاَ يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ‏,‏ أَوْ أُنْثَى‏,‏ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ‏:‏ دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عَرَضِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ‏:‏ فِي الْحَالِمِ‏,‏ أَوْ الْحَالِمَةِ دِينَارٌ‏,‏ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحَنَفِيُّونَ‏,‏ وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُرْسَلَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ وَيَأْخُذُونَ بِهِ إذَا وَافَقَهُمْ‏,‏ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا هَاهُنَا بِهَا فَلاَ مُرْسَلَ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاسِيلِ‏,‏ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّمَا مُعَوَّلُنَا عَلَى عُمُومِ الآيَةِ فَقَطْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ قلنا‏:‏ فَلاَ تَأْخُذُوهَا مِنْ الْمَرْضَى‏,‏ وَلاَ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ مِنْ بِلاَدِ الْكُفْرِ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَأَسْوَاقَهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ أَوَّلُ الآيَةِ قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ، وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ إنْ قَاتَلُونَا حَتَّى يُعْطِيَ جَمِيعُهُمْ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ كَمَا فِي نَصِّ الآيَةِ‏;‏ لأََنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُقِيمُونَ أَضْعَافَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ مَقَامَ الْجِزْيَةِ‏,‏ ثُمَّ يَضَعُونَهَا عَلَى النِّسَاءِ‏,‏ ثُمَّ يَأْبَوْنَ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ نَهَى عُمَرُ عَنْ أَخْذِهَا مِنْ النِّسَاءِ قلنا‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ الأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ‏,‏ وَفِي أَلْفِ قَضِيَّةٍ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا‏,‏ فَلاَ نَدْرِي مَتَى هُوَ عُمَرُ حُجَّةٌ‏,‏ وَلاَ مَتَى هُوَ لَيْسَ حُجَّةً فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كُذِّبُوا‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَجِدُوا نَهْيًا عَنْ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عُمَرَ وَمَسْرُوقٌ أَدْرَكَ مُعَاذًا وَشَاهَدَ حُكْمَهُ بِالْيَمَنِ‏,‏ وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَاطَبَهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ‏,‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخَالِفَ مُعَاذٌ مَا كَتَبَ إلَيْهِ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ يُقَاتَلُ أَهْلُ الأَوْثَانِ عَلَى الإِسْلاَمِ‏,‏ وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الْجِزْيَةِ‏,‏ وَهَذَا عُمُومٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وقال الشافعي‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إِلاَّ مِنْ كِتَابِيٍّ‏.‏

وَأَمَّا غَيْرُهُمْ‏:‏ فَالْإِسْلاَمُ‏,‏ أَوْ الْقَتْلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ‏.‏

فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ ‏]‏ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَبْقَى مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ لاَ يُسْلِمُ‏,‏ وَلاَ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ‏,‏ وَلاَ يُقْتَلُ‏;‏ لأََنَّهُ خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي النِّسَاءِ مُكَلَّفَاتٍ مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ وَمُفَارَقَةِ الْكُفْرِ مَا يَلْزَمُ الرِّجَالَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ إبْقَاؤُهُنَّ عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ قَتْلٍ، وَلاَ جِزْيَةٍ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ ‏]‏ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ‏:‏ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ‏,‏ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ‏,‏ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ‏,‏ وَيُؤْمِنُوا بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ‏,‏ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏.‏

وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ هَذِهِ اللَّوَازِمَ كُلَّهَا هِيَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هِيَ عَلَى الرِّجَالِ‏,‏ وَأَنَّ أَمْوَالَهُنَّ فِي الْكُفْرِ مَغْنُومَةٌ كَأَمْوَالِ الرِّجَالِ‏;‏ فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُنَّ لاَ يَعْصِمْنَ دِمَاءَهُنَّ وَأَمْوَالَهُنَّ إِلاَّ بِمَا يَعْصِمُ الرِّجَالُ بِهِ أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ‏,‏ أَوْ الْجِزْيَةِ إنْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

961 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لاَ فِي عَسْكَرٍ، وَلاَ فِي غَيْرِ عَسْكَرٍ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ كَانَ عَسْكَرٌ مَأْمُونٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏,‏ وَقَدْ يُهْزَمُ الْعَسْكَرُ الْمَأْمُونُ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُخَصُّ بِلاَ نَصٍّ‏.‏

962 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ تَحِلُّ التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ أَحْكَامُهُمْ تَجْرِي عَلَى التُّجَّارِ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ إلَيْهِمْ سِلاَحٌ‏,‏ وَلاَ خَيْلٌ‏,‏ وَلاَ شَيْءٌ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ لِغَيْرِ جِهَادٍ‏,‏ أَوْ رِسَالَةٍ مِنْ الأَمِيرِ فَإِقَامَةُ سَاعَةٍ إقَامَةٌ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏}‏ فَفَرَضَ عَلَيْنَا إرْهَابَهُمْ‏,‏ وَمَنْ أَعَانَهُمْ بِمَا يَحْمِلُ إلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْهِبْهُمْ‏;‏ بَلْ أَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏.‏

963 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا غَنِمَ جَيْشٌ‏,‏ أَوْ سَرِيَّةٌ شَيْئًا خَيْطًا فَمَا فَوْقَهُ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا اُضْطُرُّوا إلَى أَكْلِهِ وَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا غَيْرَهُ‏.‏

وَأَمَّا مَا يُقْدَرُ عَلَى حَمْلِهِ فَجَائِزٌ إفْسَادُهُ وَأَكْلُهُ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُضْطَرُّوا إلَيْهِ‏.‏

وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا مَلَكُوهُ‏,‏ وَأَمَّا مَا لَمْ يَمْلِكُوهُ مِنْ صَيْدٍ‏,‏ أَوْ حَجَرٍ‏,‏ أَوْ عَوْدِ شَعْرٍ‏,‏ أَوْ ثِمَارٍ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ مُبَاحٌ كَمَا هُوَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ فَرْقَ‏,‏ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ‏:‏ مِدْعَمٌ‏,‏ حَتَّى إذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ‏;‏ فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا‏;‏ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ‏,‏ أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عليه السلام‏:‏ شِرَاكٌ‏,‏ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ وَالطَّعَامُ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ‏.‏

فَإِنْ ذَكَر ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ غَنِمَ جَيْشٌ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا وَعَسَلاً فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ فَهَذَا عَلَيْهِمْ‏;‏ لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنْ كَثُرَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ خُمِّسَ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الآيَةَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏,‏ وَهِيَ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى‏}‏‏.‏

وَحَدِيثُ الْغُلُولِ زَائِدٌ عَلَيْهِ‏,‏ فَيَخْرُجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْخُمْسِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ هَذَا‏;‏ لأََنَّ الأَخْذَ بِالزَّائِدِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ‏,‏ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الآيَةَ‏,‏ وَحَدِيثَ الْغُلُولِ غَيْرُ مَنْسُوخَيْنِ مُذْ نَزَلاَ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعِنَبَ وَالْعَسَلَ فَنَأْكُلُهُ، وَلاَ نَرْفَعُهُ ‏"‏ فَهَذَا بَيِّنٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ‏;‏ إذْ لَمْ يَرْفَعُوهُ فَأَكْلُهُ خَيْرٌ مِنْ إفْسَادِهِ‏,‏ أَوْ تَرْكِهِ‏,‏ وَهَكَذَا نَقُولُ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مُغَفَّلٍ فِي جِرَابِ الشَّحْمِ‏,‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَيَقُولُونَ‏:‏ لاَ يَحِلُّ أَخْذُ الْجِرَابِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ الشَّحْمُ فَقَطْ‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ قَدْ رُوِّينَاهُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ‏,‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ‏,‏ وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالاَ‏:‏ نَا شُعْبَةُ عَنْ حَمِيدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ‏:‏ كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَدُلِّيَ إلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ شَحْمٌ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَنَوَيْنَا أَنْ لاَ نُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفِي يَبْتَسِمُ‏,‏ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ آخُذَهُ‏.‏

ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لَكَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ‏.‏

يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَمًا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجَّلُوا فَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ‏,‏ ثُمَّ قَسَّمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ أَكْلَ شَيْءٍ إذْ قَدْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قَدْ حَضَرَتْ فَيَصِلُ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

964 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏,‏ وَالْخُمْسُ فِيمَا أُصِيبَ‏,‏ وَالْبَاقِي لِمَنْ غَنِمَهُ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ‏}‏‏,‏ وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ‏}‏‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ خُمُسَ إِلاَّ فِيمَا أَصَابَتْهُ جَمَاعَةٌ‏.‏

قَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ تِسْعَةٌ فَأَكْثَرُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَتِهَا الْقُرْآنَ‏,‏ وَالسُّنَنَ‏,‏ وَالْمَعْقُولَ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً‏}‏ فَلَمْ يَخُصَّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ، وَلاَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا نَهَى عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوَجَبَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي ذَلِكَ‏,‏ لأََنَّهُ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ لَهُ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ‏}‏ وَهَذَا خِطَابٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ مُسْلِمٍ‏,‏ فَكُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِالْجِهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا‏}‏‏.‏

965 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَنَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ‏.‏

966 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ لَيْلاً‏,‏ وَمَنْ قَدِمَ لَيْلاً فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ نَهَارًا إِلاَّ لِعُذْرٍ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَسَارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلاَ يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ يَسَارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ عليه السلام‏:‏ أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً كَيْ تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ‏.‏

967 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُقَلَّدَ الْإِبِلُ فِي أَعْنَاقِهَا شَيْئًا‏,‏ وَلاَ أَنْ يُسْتَعْمَلُ الْجَرَسُ فِي الرِّفَاقِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ عليه السلام رَسُولاً‏:‏ لاَ تُبْقِيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةً مِنْ وَتَرٍ‏,‏ أَوْ قِلاَدَةً إِلاَّ قَطَعْتَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ‏,‏ أَوْ جَرَسٌ‏.‏

وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ الْجَرَسِ عَنْ عَائِشَةَ‏,‏ وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْي عَنْ تَقْلِيدِ أَعْنَاقِ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا أَثَرٌ0

968- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَجَائِزٌ تَحْلِيَةُ السُّيُوفِ‏,‏ وَالدَّوَاةِ‏,‏ وَالرُّمْحِ‏,‏ وَالْمَهَامِيزِ‏,‏ وَالسُّرُجِ‏,‏ وَاللِّجَامِ‏,‏ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ الذَّهَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا‏}‏ فَأَبَاحَ لَنَا لِبَاسَ اللُّؤْلُؤِ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏,‏ فَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ حَلاَلٌ إِلاَّ مَا فُصِّلَ لَنَا تَحْرِيمُهُ وَلَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُ الْفِضَّةِ أَصْلاً إِلاَّ فِي الآنِيَةِ فَقَطْ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ نَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِضَّةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَقَاسَ قَوْمٌ عَلَى السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ الْمُصْحَفَ وَالْمِنْطَقَةَ وَمَنَعُوا مِنْ سَائِرِ ذَلِكَ‏;‏ فَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلاَ النُّصُوصَ اتَّبَعُوا‏.‏

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ تَحْرِيمِهِمْ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي السُّرُجِ وَاللِّجَامِ، وَلاَ نَهْيَ فِي ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِمْ لِبَاسَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ جُمْلَة‏.‏

969 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ حَسَنٌ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ الرِّبَاطُ إلَى مَا لَيْسَ ثَغْرًا كَانَ فِيمَا مَضَى ثَغْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِدْعَةٌ عَظِيمَةٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامُ الدَّارِمِيُّ نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ سَمِعْتُ‏:‏ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ‏,‏ وَإِنَّ مَنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ‏,‏ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏,‏ وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَكُلُّ مَوْضِعٍ سِوَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ كَانَ ثَغْرًا وَدَارَ حَرْبٍ‏,‏ وَمَغْزَى جِهَادٍ‏;‏ فَتَخْصِيصُ مَكَان مِنْ الأَرْضِ كُلِّهَا بِالْقَصْدِ لأََنَّ الْعَدُوَّ ضَرَبَ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الأَرْضِ كُلِّهَا ضَلاَلٌ‏,‏ وَحُمْقٌ‏,‏ وَإِثْمٌ‏,‏ وَفِتْنَةٌ‏,‏ وَبِدْعَةٌ‏.‏

فَإِنْ كَانَ لِمَسْجِدٍ فِيهِ فَهَذَا أَشَدُّ فِي الضَّلاَلِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ السَّفَرِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ حَاشَا مَسْجِدَ مَكَّةَ‏,‏ وَمَسْجِدَهُ بِالْمَدِينَةِ‏,‏ وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ سَاحِلَ بَحْرٍ فَسَاحِلُ الْبَحْرِ كُلِّهِ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا سَوَاءٌ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ سَاحِلِ بَحْرٍ وَسَاحِلِ نَهْرٍ فِي الدِّينِ‏,‏ وَلاَ فَضْلَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ كَانَ أَثَرُ نَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ فَالْقَصْدُ إلَيْهِ حَسَنٌ‏,‏ قَدْ تَبَرَّكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَوْضِعِ مُصَلَّاهُ وَاسْتَدْعُوهُ لِيُصَلِّيَ فِي بُيُوتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ يَتَّخِذُونَهُ مُصَلًّى فَأَجَابَ إلَى ذَلِكَ عليه السلام

‏.‏

970 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَتَعْلِيمُ الرَّمْي عَلَى الْقَوْسِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ فَضْلٌ حَسَنٌ سَوَاءٌ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمْ اللَّهُ فَلاَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِسَهْمِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ‏"‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ‏,‏ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى‏.‏

971 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ‏,‏ وَالْبِغَالِ‏,‏ وَالْحَمِيرِ‏,‏ وَعَلَى الأَقْدَامِ‏:‏ حَسَنٌ‏,‏ وَالْمُنَاضَلَةُ بِالرِّمَاحِ‏,‏ وَالنَّبَلِ‏,‏ وَالسُّيُوفِ‏:‏ حَسَنٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ قَالَتْ سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلِي فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي‏,‏ فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي حَافِرٍ‏,‏ أَوْ خُفٍّ‏,‏ أَوْ نَصْلٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْخُفُّ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ‏.‏

وَالْحَافِرُ فِي اللُّغَةِ لاَ يَقَعُ إِلاَّ عَلَى الْخَيْلِ‏,‏ وَالْبِغَالِ‏,‏ وَالْحَمِيرِ‏.‏

وَالنَّصْلُ لاَ يَقَعُ إِلاَّ عَلَى السَّيْفِ‏,‏ وَالرُّمْحِ‏,‏ وَالنَّبْلِ‏.‏

وَالسَّبَقُ هُوَ مَا يُعْطَاهُ السَّابِقُ‏.‏

972 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالسَّبَقُ هُوَ أَنْ يُخْرِجَ الأَمِيرُ‏,‏ أَوْ غَيْرُهُ مَالاً يَجْعَلُهُ لِمَنْ سَبَقَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ‏,‏ فَهَذَا حَسَنٌ‏.‏

وَيُخْرِجُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مَالاً فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ‏:‏ إنْ سَبَقْتنِي فَهُوَ لَك‏,‏ وَإِنْ سَبَقْتُك فَلاَ شَيْءَ لَك عَلَيَّ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ لِي عَلَيْك‏,‏ فَهَذَا حَسَنٌ‏.‏

فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَجُوزَانِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ فِي سَبَقٍ غَيْرِ هَذَا أَصْلاً لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا‏.‏

فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالاً يَكُونُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ أَصْلاً إِلاَّ فِي الْخَيْلِ فَقَطْ‏.‏

ثُمَّ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْخَيْلِ أَيْضًا إِلاَّ بِأَنْ يُدْخِلاَ مَعَهَا فَارِسًا عَلَى فَرَسٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا‏,‏ وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ يَسْبِقَهُمَا‏,‏ وَلاَ يُخْرِجُ هَذَا الْفَارِسُ مَالاً أَصْلاً فَأَيُّ الْمُخْرِجَيْنِ لِلْمَالِ سَبَقَ أَمْسَكَ مَالَهُ نَفْسَهُ وَأَخَذَ مَا أَخْرَجَ صَاحِبُهُ حَلاَلاً‏,‏ وَإِنْ سَبَقَهُمَا الْفَارِسُ الَّذِي أَدْخَلاَ وَهُوَ يُسَمَّى الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ سُبِقَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَا عَدَا هَذَا فَحَرَامٌ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى السَّابِقِ إطْعَامُ مَنْ حَضَرَ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ يَعْنِي وَهُوَ لاَ يُؤْمِنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ‏,‏ وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا عَدَا هَذَا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏