فصل: 984 - مسألة‏:‏ جواز أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


984 - مسألة‏:‏

وَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الْوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنْ الأَضَاحِيِّ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَالأَسْتِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ حَسَنٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ، أَوْ النَّاقَةُ عَنْ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ أَجْنَبِيِّينَ وَغَيْرَ أَجْنَبِيِّينَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَلاَ تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ، وَلاَ تُجْزِئُ الشَّاةُ إِلاَّ عَنْ وَاحِدٍ‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُجْزِئُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الْغَنَمِ عَنْ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إذَا أَشْرَكَهُمْ فِيهَا تَطَوُّعًا، وَلاَ تُجْزِئُ إذَا اشْتَرَوْهَا بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ، وَلاَ عَنْ أَجْنَبِيَّيْنِ فَصَاعِدًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَطَوُّعٌ بِالْبِرِّ فَالأَشْتِرَاكُ فِي التَّطَوُّعِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏ فَالْمُشْتَرِكُونَ فِيهَا فَاعِلُونَ لِلْخَيْرِ ‏;‏ فَلاَ مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الأَجْنَبِيِّينَ بِالْمَنْعِ، وَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ ‏;‏ لأََنَّهُ كُلَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ‏.‏ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّيْثُ الاشتراك فِي الْأُضْحِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لاَ مَعْنَى لَهُ أَيْضًا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ، سَمِينَيْنِ، أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ، فَيَذْبَحُ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَلَهُ بِالْبَلاَغِ، وَيَذْبَحُ الآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ‏.‏ فَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَوَّلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي خَبَرِ الصَّلاَةِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ الْبَدَنَةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ، لاَ أَعْلَمُ شِرْكًا‏.‏ وَصَحَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ دَمًا وَاحِدًا يُرَاقُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ‏.‏ وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ‏:‏ لاَ تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ عَنْ نَفْسَيْنِ وَكَرِهَهُ الْحَكَمُ‏.‏ وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ الْجَزُورُ، وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ‏:‏ كُلُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ لأََنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُجِزْ الرَّأْسَ الْوَاحِدَ إِلاَّ عَنْ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ سِيرِينَ، وَحَمَّادٌ، وَعَلِيٌّ أَجَازَ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لاَ أَكْثَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ الْبَقَرَةُ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ قَالُوا كُلُّهُمْ‏:‏ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ أَدْرَكْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ‏:‏ الْبَقَرَةُ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا حَمَّادٌ قَدْ رَوَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ خَالَفَ مَا رُوِيَ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ إجْمَاعًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلاَءِ‏:‏ وَعَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ‏:‏ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَلِيٍّ، وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏ وَمِمَّنْ أَجَازَ الاشتراك فِي الأَضَاحِيّ بَيْنَ الأَجْنَبِيِّينَ الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالنَّاقَةِ عَنْ سَبْعَةٍ‏:‏ طَاوُوس، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ‏.‏

فأما ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ، أَوَّلُهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ قُلْت‏:‏ إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ مَا شَعُرْت فَهَذَا تَوَقُّفٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَرِيفِ بْنِ دِرْهَمٍ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ كُلَّ رِوَايَةٍ رُوِيَتْ فِيهِ عَنْ صَاحِبٍ إِلاَّ رِوَايَةً، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَجَعَ عَنْهَا، وَخَالَفَ جُمْهُورَ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَمْنَعْ عليه السلام مِنْ الأَشْتِرَاكِ فِي التَّطَوُّعِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ، وَسَبْعَةٍ، بَلْ قَدْ أَشْرَكَ عليه السلام فِي أُضْحِيَّتِهِ جَمِيعَ أُمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

985- مسألة‏:‏

فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُضَحٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، وَلاَ بُدَّ لَوْ لُقْمَةً فَصَاعِدًا، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ أَيْضًا مِنْهَا بِمَا شَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلاَ بُدَّ، وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْغَنِيَّ، وَالْكَافِرَ، وَأَنْ يُهْدِيَ مِنْهَا إنْ شَاءَ ذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ نَزَلَ بِأَهْلِ بَلَدِ الْمُضَحِّي جَهْدٌ أَوْ نَزَلَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي جَهْدٍ جَازَ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مِنْ حِينِ يُضَحِّي بِهَا إلَى انْقِضَاءِ ثَلاَثِ لَيَالٍ كَامِلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ يَبْتَدِئُهَا بِالْعَدَدِ مِنْ بَعْدِ تَمَامِ التَّضْحِيَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصْبِحَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلاَثِ لَيَالٍ شَيْءٌ أَصْلاً لاَ مَا قَلَّ، وَلاَ مَا كَثُرَ‏.‏ فَإِنْ ضَحَّى لَيْلاً لَمْ يُعِدْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الثَّلاَثِ ‏;‏ لأََنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهَا شَيْءٌ ‏;‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلْيَدَّخِرْ مِنْهَا مَا شَاءَ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ‏;‏ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ قَالَ‏:‏ كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ‏"‏ أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ لَهُ سَمِعْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ‏:‏ إنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمَا ذَاكَ قَالُوا‏:‏ نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ قَالَ عليه السلام‏:‏ بَعْدُ كُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا‏.‏ فَهَذِهِ أَوَامِرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏‏.‏

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَدْبٌ فَقَدْ كَذَبَ، وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَيَكْفِيه أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لَمْ يَحْمِلُوا نَهْيَهُ عليه السلام عَنْ أَنْ يُصْبِحَ فِي بُيُوتِهِمْ بَعْدَ ثَلاَثٍ مِنْهَا شَيْءٌ إِلاَّ عَلَى الْفَرْضِ وَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَى مُخَالَفَتِهِ إِلاَّ بَعْدَ إذْنِهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، قَالَ عليه السلام‏:‏ إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَعَمَّ عليه السلام بِالْإِطْعَامِ فَجَائِزٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ كُلَّ آكِلٍ، إذْ لَوْ حُرِّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ عليه السلام وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَادِّخَارُ سَاعَةٍ فَصَاعِدًا يُسَمَّى ادِّخَارًا‏.‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَسْتَخْرِجُ بِعَقْلِهِ الْقَاصِرِ وَرَأْيِهِ الْفَاسِدِ عِلَلاً لأََوَامِر اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ عليه السلام لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهَا إِلاَّ دَعْوَاهُ الْكَاذِبَةُ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى حُكْمٍ جَعَلَهُ عليه السلام مُوجِبًا لِحُكْمٍ آخَرَ فَلاَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَهْدَ الْحَالَّ بِالنَّاسِ مُوجِبًا لِئَلَّا يَبْقَى عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ شَيْءٌ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا ثُلُثًا وَنَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا وَنُطْعِمَ الْجِيرَانَ ثُلُثَهَا‏.‏ فَطَلْحَةُ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ الْفَاضِحِ، وَعَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ إلَيْهِ، لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بَضْعَةٌ وَيُتَصَدَّقَ بِسَائِرِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نَا الْهَرَوِيُّ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ‏.‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ فَأَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ‏:‏ آكُلُهَا فَقُلْت لَهُ‏:‏ وَمَا عَلَيْك أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا فَقَالَ تَمِيمٌ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكُلُوا مِنْهَا‏}‏ فَتَقُولُ أَنْتَ‏:‏ وَمَا عَلَيْك أَنْ لاَ تَأْكُلَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ حَمَلَ هَذَا الأَمْرَ تَمِيمٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي لاَ يَسَعُ أَحَدًا سِوَاهُ، وَتَمِيمٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مَوْلًى لأََبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ‏:‏ إذَا ذَبَحْتُمْ أَضَاحِيكُمْ فَأَطْعِمُوا، وَكُلُوا، وَتَصَدَّقُوا‏.‏ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا نَحْوُ هَذَا وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ ‏;‏ وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ إِلاَّ رُبُعُهَا‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا‏:‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ، هُوَ ابْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الضَّحِيَّةِ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنَقْدَمُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ‏:‏ لاَ تَأْكُلُوا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ ‏;‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ فَهَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ، لأََنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ ‏"‏ لَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ ‏"‏ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ ظَنِّ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْخَبَرِ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ مَذْكُورٌ عَنْهُ فِي رِوَايَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ حَمَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ عليه السلام عَلَى الْوُجُوبِ، وَابْنُ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ فَلاَ تَأْكُلُوا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلاَثٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ كَانَ عَامَ حَصْرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي قَدْ أَلْجَأَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ فَأَمَرَ لِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَهِدَ النَّاسُ وَدَفَّتْ الدَّافَّةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

986 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَبِيعَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بَعْدَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا شَيْئًا‏:‏ لاَ جِلْدًا، وَلاَ صُوفًا، وَلاَ شَعْرًا، وَلاَ وَبَرًا، وَلاَ رِيشًا، وَلاَ شَحْمًا، وَلاَ لَحْمًا، وَلاَ عَظْمًا، وَلاَ غُضْرُوفًا، وَلاَ رَأْسًا، وَلاَ طَرَفًا، وَلاَ حَشْوَةً، وَلاَ أَنْ يُصْدِقَهُ، وَلاَ أَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ، وَلاَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ شَيْئًا أَصْلاً، لاَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَلاَ غِرْبَالاً، وَلاَ مُنْخُلاً، وَلاَ تَابِلاً، وَلاَ شَيْئًا أَصْلاً‏.‏ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَيَتَوَطَّأَهُ، وَيَنْسَخَ فِي الْجِلْدِ، وَيَلْبَسَهُ، وَيَهَبَهُ وَيُهْدِيَهُ، فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، فَلَهُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ عَلَى ذَبْحِهَا، أَوْ سَلْخِهَا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْ هَذَا فُسِخَ أَبَدًا‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ قُلْت لأَبْنِ عُمَرَ‏:‏ أَبِيعُ جِلْدَ بَقَرٍ ضَحَّيْت بِهَا فَرَخَّصَ لِي‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إذَا كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا يَتَصَدَّقُ بِإِهَابِهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَاعَهُ إنْ شَاءَ‏.‏ وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَيْك دَيْنٌ‏.‏ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ جُلُودِ الأَضَاحِيِّ فَقَالَ‏:‏ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا، وَلاَ دِمَاؤُهَا إنْ شِئْت فَبِعْ، وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ جُلُودِ الأَضَاحِيِّ، نِعْمَ الْغَنِيمَةُ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَتَقْضِي النُّسُكَ، وَيُرْجَعُ إلَيْك بَعْضُ الثَّمَنِ‏.‏ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى مِثْلِ هَذَا إِلاَّ أَنَّهُمْ أَجَازُوا أَنْ يُبَاعَ بِهِ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ‏:‏ صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبَدِّلَ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْضُ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ تَصَدَّقْ بِهِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُشْتَرَى بِهِ الْغِرْبَالُ وَالْمُنْخُلُ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ‏:‏ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَكِنْ يَبْتَاعُ بِهِ بَعْضُ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْغِرْبَالِ، وَالْمُنْخُلِ، وَالتَّابِلِ‏.‏ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ‏:‏ أَيَبْتَاعُ بِهِ الْخَلُّ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ فَقُلْت لَهُ‏:‏ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَلِّ وَالْغِرْبَالِ قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ تَشْتَرِ بِهِ الْخَلَّ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَطَرِيفٌ جِدًّا، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَابِلِ، الْكَمُّونِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْكُسْبُرَةِ، وَالْكَرَاوْيَا، وَالْغِرْبَالِ، وَالْمُنْخُلِ‏.‏ وَبَيْنَ الْخَلِّ، وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ، وَالْفَأْسِ، وَالْمِسْحَاةِ، وَالثَّوْبِ، وَالْبُرِّ، وَالنَّبِيذِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ وَهَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ فِي ابْتِيَاعِ‏:‏ التَّوَابِلِ، وَالْغِرْبَالِ، وَالْمَنَاخِلِ، مِنْ الرِّبَا وَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا لاَ يَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ خِلاَفُ كُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ فَقُلْت لأَبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ كَيْفَ نَصْنَعُ بِإِهَابِ الْبُدْنِ قَالَ‏:‏ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ‏.‏ وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ سِقَاءً يُنْبَذُ فِيهِ‏.‏ وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مِنْ جِلْدِ أُضْحِيَّتِهِ مُصَلًّى يُصَلِّي فِيهِ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ انْتَفِعُوا بِمُسُوكِ الأَضَاحِيِّ، وَلاَ تَبِيعُوهَا‏.‏ وَعَنْ طَاوُوس أَنَّهُ عَمِلَ مِنْ جِلْدِ عُنُقِ بَدَنَتِهِ نَعْلَيْنِ لِغُلاَمِهِ‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لاَ يُعْطَى الْجَزَّارُ جِلْدَ الْبَدَنَةِ، وَلاَ يُبَاعُ‏.‏ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ مُجَاهِدًا، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَرِهَا أَنْ يُبَاعَ جِلْدُ الْبَدَنَةِ تَطَوُّعًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ جُمْلَةً أَوْ مَنْ أَبَاحَ جُمْلَةً فَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ جُمْلَةً بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏}‏‏.‏

قال علي‏:‏ هذا حَقٌّ إذْ لَمْ يَأْتِ مَا يَخُصُّهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَضَاحِيِّ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَادَّخِرُوا فَلاَ يَحِلُّ تَعَدِّي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَالأَدِّخَارُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْحَبْسِ، فَأُبِيحَ لَنَا احْتِبَاسُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا، فَلَيْسَ لَنَا غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ إذَا قُرِّبَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَخْرَجَهَا الْمُضَحِّي مِنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ لَهُ النَّصُّ، فَلَوْلاَ الأَمْرُ الْوَارِدُ بِالأَكْلِ وَالأَدِّخَارِ مَا حُلَّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ هَذَانِ عَنْ الْحَظْرِ بِالنَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْحَظْرِ‏.‏ وَهُمْ يَقُولُونَ وَنَحْنُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَهَا وَوَطْأَهَا وَعِتْقَهَا، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهَا، وَلاَ إصْدَاقُهَا، وَلاَ الْإِجَارَةُ بِهَا، وَلاَ تَمْلِيكُهَا غَيْرَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَمَا وَقَعَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ فَيُفْسَخُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَأَمَّا مَنْ تَمَلَّكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدُ فَلَهُ فِيهِ مَا لَهُ فِي سَائِرِ مَالِهِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

987 - مسألة‏:‏

وَمَنْ وَجَدَ بِالْأُضْحِيَّةِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ ضَحَّى بِهَا وَلَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ السَّلاَمَةَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً صَحِيحَةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مَعِيبَةً، وَذَلِكَ لأََنَّهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الْإِمْسَاكُ، فَلَمَّا بَطَلَ الرَّدُّ بِخُرُوجِهَا بِالتَّضْحِيَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَكْلُ مَالِ أَخِيهِ بِالْخَدِيعَةِ وَالْبَاطِلِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَزَادَ عَلَى حَقِّهَا الَّذِي يُسَاوِيهِ، لأََنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، إِلاَّ أَنْ يُحَلَّ لَهُ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَلَهُ ذَلِكَ، لأََنَّهُ حَقُّهُ تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مُتَقَصًّى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ‏}‏ فَالْخَدِيعَةِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ‏.‏

988 - مسألة‏:‏

فَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطَ السَّلاَمَةَ فَهِيَ مَيْتَةٌ وَيَضْمَنُ مِثْلَهَا لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ، وَلاَ تُؤْكَلُ لأََنَّ السَّالِمَةَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ هِيَ غَيْرُ الْمَعِيبَةِ‏.‏ فَمَنْ اشْتَرَى سَالِمَةً وَأَعْطَى مَعِيبَةً فَإِنَّمَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى، وَإِذَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى فَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ‏}‏‏.‏ وَالتَّرَاضِي لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لاَ بِالْجَهْلِ بِهِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَيْبَ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ، وَالرِّضَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي عَقْدِ الصَّفْقَةِ لاَ بَعْدَهُ‏.‏ وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَقَدْ تَعَدَّى، وَالتَّعَدِّي مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَظُلْمٌ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّكَاةِ فَهِيَ طَاعَةٌ لَهُ تَعَالَى، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْصِيَةٍ، فَالذَّبْحُ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَذَكَاةٌ، هُوَ غَيْرُ الذَّبْحِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ وَعُدْوَانٌ، وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلاَّ بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، لاَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْعُدْوَانِ ‏;‏ فَلَيْسَتْ ذَكِيَّةً فَهِيَ مَيْتَةٌ، وَمَنْ تَعَدَّى بِإِتْلاَفِ مَالِ أَخِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ فَالثَّمَنُ مَرْدُودٌ‏.‏ وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ تَنَاقَضَ، إذْ حَرَّمَ أَكْلَ مَا ذُبِحَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ أَوْ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَقَدْ أَبَاحَ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ أَكْلَ الصَّيْدِ الَّذِي يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ بِالْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا أَبَاحَ هَؤُلاَءِ أَكْلَ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏

989 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أَخْطَأَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لاَ تُؤْكَلُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَلِلْغَائِبِ أَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَهُوَ حَسَنٌ، لأََنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، فَإِنْ ضُحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ ضَحَّى عَنْ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا فَهُوَ حَسَنٌ، وَلَيْسَتْ مَيْتَةً، لأََنَّهُ النَّاظِرُ لَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏