فصل: 1100 - مسألة‏:‏ حد الإسكار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1100 - مسألة‏:‏

وَحَدُّ الْإِسْكَارِ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ الشَّرَابُ وَيَنْتَقِلُ بِهِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ هُوَ أَنْ يَبْدَأَ فِيهِ الْغَلَيَانُ وَلَوْ بِحَبَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ شُرْبِهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ عَلَى الْمَرْءِ فِي الأَغْلَبِ أَنْ يَدْخُلَ الْفَسَادُ فِي تَمْيِيزِهِ، وَيَخْلِطَ فِي كَلاَمِهِ بِمَا يَعْقِلُ وَبِمَا لاَ يَعْقِلُ، وَلاَ يَجْرِي كَلاَمُهُ عَلَى نِظَامِ كَلاَمِ التَّمْيِيزِ، فَإِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الشَّرَابِ إلَى هَذِهِ الْحَالِ فَذَلِكَ الشَّرَابُ مُسْكِرٌ حَرَامٌ، سَكِرَ مِنْهُ كُلُّ مَنْ شَرِبَهُ سَوَاءٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، طُبِخَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ، ذَهَبَ بِالطَّبْخِ أَكْثَرُهُ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ، وَذَلِكَ الْمَرْءُ سَكْرَانُ، وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنْ الشَّرَابِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِيهِ مَوْجُودَةً فَصَارَ لاَ يَسْكَرُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْهُ، فَهُوَ حَلاَلٌ، خَلٌّ لاَ خَمْرٌ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ‏}‏ فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ سَكْرَانَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَفْهَمُ بَعْضَ الأَمْرِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَقُومُ إلَى الصَّلاَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَنَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً قَدْ يَفْهَمُ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ تَخْلِيطِهِ كَثِيرًا، وَلاَ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى مَجْنُونًا فِي اللُّغَةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْعَنْبَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ هُوَ الثَّقَفِيُّ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ انْتَبِذْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ وَاشْرَبْهُ حُلْوًا قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قَوْلُنَا ‏;‏ لأََنَّهُ إذَا بَدَأَ يَغْلِي حَدَثَ فِي طَعْمِهِ تَغْيِيرٌ عَنْ الْحَلاَوَةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لَيْسَ بِشُرْبِ الْعَصِيرِ وَبَيْعِهِ بَأْسٌ حَتَّى يَغْلِيَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَائِذٍ الأَسَدِيِّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْعَصِيرِ فَقَالَ‏:‏ اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْعَصِيرِ قَالَ‏:‏ اشْرَبْهُ حَتَّى يَغْلِيَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏:‏ لَيْسَ بِشَرَابِ الْعَصِيرِ بَأْسٌ مَا لَمْ يُزْبِدْ فَإِذَا أَزْبَدَ فَاجْتَنِبُوهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نُصَيْرٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي ثَابِتٍ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْعَصِيرِ‏:‏ اشْرَبْهُ مَا دَامَ طَرِيًّا‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعَصِيرِ هَكَذَا، وَفِي مَا عَدَا الْعَصِيرِ إذَا تَجَاوَزَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَهَذَا حَدٌّ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ نَا ثَابِتُ بْنُ عَجْلاَنَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ‏:‏ اشْرَبْ الْعَصِيرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَا لَمْ يَغْلِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ اشْرَبُوا الْعَصِيرَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ، قَالَ‏:‏ وَمَتَى يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ قَالَ‏:‏ بَعْدَ ثَلاَثٍ، أَوْ قَالَ‏:‏ فِي ثَلاَثٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِينَا أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُول‏:‏ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ النَّبِيذُ بَعْدَ ثَلاَثٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَا لَمْ يَغْلِ يَعْنِي الْعَصِيرَ‏.‏ وَحَدَّتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إذَا فَضَخْتَهُ نَهَارًا فَأَمْسَى فَلاَ تَقْرَبْهُ، وَإِذَا فَضَخْتَهُ لَيْلاً فَأَصْبَحَ، فَلاَ تَقْرَبْهُ قال أبو محمد‏:‏ احْتَجَّ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِثَلاَثٍ‏:‏ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ هُوَ يَحْيَى الْبَهْرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا أَمْسَى أَمَرَ بِهِ أَنْ يُهْرَاقَ أَوْ يُسْقَى‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ‏.‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ نَا ضَمْرَةُ عَنْ السَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَعْنَابِهِمْ فَقَالَ‏:‏ زَبِّبُوهَا‏.‏

قلنا‏:‏ مَا نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ قَالَ‏:‏ انْبِذُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَانْبِذُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَانْبِذُوهُ فِي الشِّنَانِ، وَلاَ تَنْبِذُوهُ فِي الْقُلَلِ فَإِنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ عَصِيرِهِ صَارَ خَلًّا‏.‏ هَذَا السَّيْبَانِيُّ بِالسِّينِ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ هُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ كَانَ يُنْبَذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ أَعْلاَهُ وَلَهُ عَزْلاَءُ يُنْبَذُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَيُنْبَذُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا الْخَبَرُ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَانِ، وَلَيْسَا حَدًّا فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ ‏;‏ لأََنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الآخَرِ، إنَّمَا هَذَا عَلَى قَدْرِ الْبِلاَدِ وَالآنِيَةِ فَتَجِدُ بِلاَدًا بَارِدَةً لاَ يَسْتَحِيلُ فِيهَا مَاءُ الزَّبِيبِ إلَى ابْتِدَاءِ الْحَلاَوَةِ إِلاَّ بَعْدَ جُمُعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَآنِيَةً غَيْرَ ضَارِيَةٍ كَذَلِكَ، وَتَجِدُ بِلاَدًا حَارَّةً وَآنِيَةً ضَارِيَةً يَتِمُّ فِيهَا النَّبِيذُ مِنْ يَوْمِهِ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي ذَكَرْنَا‏:‏ وَاشْرَبْهُ حُلْوًا وَكُلُّ مَا أَسْكَرَ حَرَامٌ فَقَطْ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إذَا غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ وَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إذَا انْتَهَى غَلَيَانُهُ وَابْتَدَأَ بِأَنْ يَقِلَّ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ إذَنْ إذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

وَأَمَّا حَدُّ سُكْرِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّكْرَانِ فَقَالَ‏:‏ أَنَا آخُذُ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ حَدِّ السَّكْرَانِ فَقَالَ‏:‏ هُوَ الَّذِي إذَا اُسْتُقْرِئَ سُورَةً لَمْ يَقْرَأْهَا، وَإِذَا خُلِطَتْ ثَوْبُهُ مَعَ ثِيَابٍ لَمْ يُخْرِجْهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِنَا فِي أَنْ لاَ يَدْرِيَ مَا يَقُولُ، وَلاَ يُرَاعِيَ تَمْيِيزَ ثَوْبِهِ، وقال أبو حنيفة لَيْسَ سَكْرَانَ إِلاَّ حَتَّى لاَ يُمَيِّزَ الأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَبَاحَ كُلُّ سُكْرٍ دُونَ هَذَا فَاعْجَبُوا يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ‏.‏ 1101 - مسألة‏:‏

فَإِنْ نُبِذَ تَمْرٌ، أَوْ رُطَبٌ، أَوْ زَهْوٌ، أَوْ بُسْرٌ، أَوْ زَبِيبٌ مَعَ نَوْعٍ مِنْهَا أَوْ نَوْعٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ خُلِطَ نَبِيذُ أَحَدِ الأَصْنَافِ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْهَا، أَوْ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ بِمَائِعِ غَيْرِهَا حَاشَا الْمَاءِ حَرُمَ شُرْبُهُ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، وَنَبِيذُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَلاَلٌ، فَإِنْ مُزِجَ نَوْعٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ مَعَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْضًا أَوْ نُبِذَا مَعًا، أَوْ خُلِطَ عَصِيرٌ بِنَبِيذٍ فَكُلُّهُ حَلاَلٌ‏:‏ كَالْبَلَحِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَنَبِيذِ التِّينِ، وَالْعَسَلِ، وَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا لاَ تَحَاشَ شَيْئًا‏:‏ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْعَطَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ‏:‏ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ، وَقَالَ‏:‏ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ قال أبو محمد‏:‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا أَيْضًا آثَارًا مُتَوَاتِرَةً مُتَظَاهِرَةً فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ يَجْمَعُ كُلَّ مَا فِيهَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَالْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا، وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ أَنَسٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْبِذَ يَقْطَعُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا نَضِجَ مِنْهَا فَيَضَعُهُ وَحْدَهُ وَيَنْبِذُ التَّمْرَ وَحْدَهُ وَالْبُسْرَ وَحْدَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْبُسْرَ فَيَقْطَعُونَ مِنْهُ كُلَّ مُذَنَّبٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْبُسْرَ فَيَفْضَخُهُ ثُمَّ يَشْرَبُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِقَطْعِ الْمُذَنَّبِ فَيَنْبِذُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فَيَلْعَنُونَهُ وَيَقُولُونَ‏:‏ هَذَا يَشْرَبُ الْخَلِيطَيْنِ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا عِنْدَهُمْ إذَا وَافَقَهُمْ إجْمَاعٌ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ مَنْ أُصَدِّقُ‏:‏ أَنْ لاَ يَجْمَعَ بَيْنَ الْبُسْرِ، وَالرُّطَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، قُلْت لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ‏:‏ هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ لاَ ‏;‏ قُلْت لِعَمْرٍو‏:‏ فَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْحَبَلَةِ وَالنَّخْلَةِ، قَالَ‏:‏ لاَ أَدْرِي، قُلْت لِعَمْرٍو‏:‏ أَوْ لَيْسَ إنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّبِيذِ وَأَنْ يَنْبِذَ جَمِيعًا قَالَ‏:‏ بَلَى، وَقُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ أَذَكَرَ جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ قَالَ‏:‏ لاَ، إِلاَّ أَنْ أَكُونَ نَسِيتُ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ أَيُجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُنْبَذَانِ، ثُمَّ يُشْرَبَانِ حُلْوَيْنِ قَالَ‏:‏ لاَ قَدْ نُهِيَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ لَوْ نُبِذَ شَرَابٌ فِي ظَرْفٍ قَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ لَمْ يُشْرَبْ حُلْوًا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏.‏ فَهَذَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لَمْ يَرَ النَّهْيَ يُتَعَدَّى بِهِ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَوْ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيَّ نَبِيذُ تَمْرٍ، وَفِي الْأُخْرَى نَبِيذُ زَبِيبٍ فَشَرِبْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَلَوْ خَلَطْته لَمْ أَشْرَبْهُ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبُسْرِ، وَالتَّمْرِ يُجْمَعَانِ فِي النَّبِيذِ فَقَالَ‏:‏ لاََنْ تَأْخُذَ الْمَاءَ فَتَغْلِيَهُ فِي بَطْنِك خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَجْمَعَهُمَا جَمِيعًا فِي بَطْنِك‏.‏

وقال مالك بِتَحْرِيمِ خَلِيطِ كُلِّ نَوْعَيْنِ فِي الأَنْتِبَاذِ وَبَعْدِ الأَنْتِبَاذِ، وَكَذَلِكَ فِيمَا عُصِرَ، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ‏.‏

وقال أبو حنيفة بِإِبَاحَةِ كُلِّ خَلِيطَيْنِ وَاحْتَجَّ لأََبِي حَنِيفَةَ مُقَلِّدُوهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَنْ عَائِشَةَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ زَبِيبٌ فَيُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ أَوْ تَمْرٌ فَيُلْقَى فِيهِ زَبِيبٌ وَهَذَا لاَ شَيْءَ ‏;‏ لأََنَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ يَحْيَى الْحَسَّانِيِّ أَنَا أَبُو بَحْرٍ نَا عَتَّابُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحِمَّانِيُّ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَتْ‏:‏ كُنْت آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَأُلْقِيهِ فِي إنَاءٍ فَأَمْرُسُهُ، ثُمَّ أَسْقِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُرَدَّدٌ فِي السُّقُوطِ ‏;‏ لأََنَّهُ عَنْ أَبِي بَحْرٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَتَّابِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَطِيَّةَ، وَلاَ تُعْرَفُ مَنْ هِيَ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْتَرِضُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ‏.‏ وَأَبُو عُثْمَانَ مَشْهُورٌ قَاضِي الرَّيِّ رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ‏.‏ وَزَادُوا ضَلاَلاً فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ‏:‏ أَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ لِمَ قَالَ‏:‏ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لِمَ قَالَ‏:‏ سَكِرَ رَجُلٌ فَحَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ أَنْ يُنْظَرَ مَا شَرَابُهُ فَإِذَا هُوَ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ، فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَقَالَ‏:‏ يُلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ‏.‏ وَمِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْرَانَ وَقَالَ لَهُ‏:‏ أَيُّ شَيْءٍ شَرِبْتَ قَالَ‏:‏ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ، قَالَ‏:‏ لاَ تَخْلِطُوهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ يُلْقَى وَحْدَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِنَشْوَانَ فَقَالَ‏:‏ إنِّي لَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا إنَّمَا شَرِبْتُ زَبِيبًا وَتَمْرًا فِي إنَاءٍ‏.‏ فَنُهِزَ بِالأَيْدِي وَخُفِقَ بِالنِّعَالِ وَنَهَى عَنْ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَا

قال أبو محمد‏:‏ أَمَا لِهَؤُلاَءِ الْمَخَاذِيلِ دِينٌ يَرْدَعُهُمْ، أَوْ حَيَاءٌ يَزَعُهُمْ، أَوْ عَقْلٌ يَمْنَعُهُمْ عَنْ الأَحْتِجَاجِ بِالْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ ‏;‏ ثُمَّ بِمَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ‏:‏ أُخْبِرْت عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلاَ يُسَمِّي مَنْ أَخْبَرَهُ، ثُمَّ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ وَمَنْ النَّجْرَانِيُّ لَيْتَ شِعْرِي ثُمَّ هَبْكَ أَنَّنَا سَمِعْنَا كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَمِنْ ابْنِ عُمَرَ أَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَا‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جَمْعِهِمَا وَأَمَرَ بِإِفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَيْف يُجْعَلُ نَهْيُهُ نَفْسُهُ حُجَّةً فِي اسْتِبَاحَةِ مَا نَهَى عَنْهُ مَا بَعْدَ هَذَا الضَّلاَلِ ضَلاَلٌ، وَلاَ وَرَاءَ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ مُجَاهَرَةٌ، وَلَوْلاَ كَثْرَةُ مَنْ ضَلَّ بِاتِّبَاعِهِمْ لَكَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ أَوْلَى‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ ‏;‏ لأََنَّ أَحَدَهُمَا يُعَجِّلُ غَلَيَانَ الآخَرِ‏.‏‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ كَذَبْتُمْ وَقَفَوْتُمْ مَا لاَ عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَافْتَرَيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَلاَ أَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ هَبْ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى عليه السلام عَنْهُ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَانْهَوْا عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي قُلُوبِكُمْ إيمَانٌ بِهِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هَذَا نَدْبٌ قلنا‏:‏ كَذَبْتُمْ وَقُلْتُمْ مَا لاَ دَلِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ هَبْ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ فَاكْرَهُوهُ إذًا وَانْدُبُوا إلَى تَرْكِهِ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ عِنْدَكُمْ وَمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ أَصْلاً سَوَاءً‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِضِيقِ الْعَيْشِ، وَلأََنَّهُ مِنْ السَّرَفِ وَهَذَا قَوْلٌ يُوجِبُ عَلَى قَائِلِهِ مَقْتَ اللَّهِ تَعَالَى‏;‏ لأََنَّهُ كَذِبٌ بَحْتٌ، وَمَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ بَارِدٌ مِنْ الْكَذِبِ سَخِيفٌ مِنْ الْبُهْتَانِ ‏;‏ لأََنَّهُ مَا كَانَ قَطُّ عِنْدَ ذِي عَقْلٍ رِطْلُ تَمْرٍ وَرِطْلُ زَبِيبٍ، سَرَفًا، أَوْ رِطْلُ زَهْوٍ وَرِطْلُ بُسْرٍ سَرَفًا، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ قَرِيبٌ، وَهُمَا بِلاَدُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ‏.‏ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ رِطْلَ تَمْرٍ، وَرِطْلَ زَبِيبٍ، أَوْ رِطْلَ زَهْوٍ، وَرِطْلَ رُطَبٍ يُجْمَعَانِ سَرَفًا يَمْنَعُ مِنْهُ ضِيقُ الْعَيْشِ فَيُنْهَوْنَ عَنْهُ لِذَلِكَ، وَلاَ يَكُونُ مِائَةَ رِطْلِ تَمْرٍ، وَمِائَةَ رِطْلِ زَبِيبٍ، وَمِائَةَ رِطْل عَسَلٍ يُنْبَذُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ سَرَفًا‏.‏ وَكَيْفَ يَكُونُ رِطْلَ تَمْرٍ، وَرِطْلَ زَهْوٍ يُنْبَذَانِ مَعًا سَرَفًا، وَلاَ وَيَكُونُ أَكْلُهُمَا مَعًا سَرَفًا كَذَلِكَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فِي الأَكْلِ مَعًا، لَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ سُخْفِ الْعَقْلِ، مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عَقْلِهِ، وَلَقَدْ عَظُمَتْ بَلِيَّتُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ أَكْلَ الدَّجَاجِ وَالنِّقْيِ وَالسُّكَّرِ أَدْخَلُ عَلَى أُصُولِكُمْ الْفَاسِدَةِ فِي السَّرَفِ، وَأَبْعَدُ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ، وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ ذُو سَعَةٍ مِنْ الْمَالِ، قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ وَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ، وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ وَكَانَ فِيهِمْ عُثْمَانُ ‏;‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَغَيْرُهُ وَفِينَا نَحْنُ وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ذُو ضِيقٍ مِنْ الْعَيْشِ وَفَاقَةٍ شَدِيدَةٍ، فَالْعِلَّةُ بَاقِيَةٌ بِحَسْبِهَا، فَالنَّهْيُ بَاقٍ، وَلاَ بُدَّ، اسْخَفُوا مَا شِئْتُمْ لاََنْ تُفَوِّتُوا حُكْمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏.‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ قُلْت لأَبْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنْبِذُ نَبِيذَ زَبِيبٍ فَيُلْقَى لِي فِيهِ تَمْرٌ فَيَفْسُدُ عَلَيَّ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِهِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ مَجْهُولٌ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِزَبِيبٍ وَتَمْرٍ أَنْ يُنْبَذَا لَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ نَافِعٌ‏:‏ فَلاَ أَدْرِي أَلِشَيْءٍ ذَكَرَهُ أَمْ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ فَصَحَّ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّهْيَ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ أَوْ بَلَغَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أُسَامَةَ رَجُلاً مِنْ جِيرَانِنَا قَالَ‏:‏ سَمِعْت شِهَابَ بْنَ عَبَّادٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ‏:‏ لاَ يَضُرُّك أَنْ تَخْلِطَهُمَا جَمِيعًا أَوْ تُنْبَذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لاَ شَيْءَ، فَلاَ أَكْثَرَ، أُسَامَةُ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِ شُعْبَةَ وَمَا نَعْلَمُ أَتَمَّ جَهْلاً، أَوْ أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلاَ يَصِحُّ أَصْلاً ثُمَّ يُخَالِفُ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَان الضُّبَعِيِّ قَالَ‏:‏ قُلْت لأَبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إنِّي أَنْتَبِذْ فِي جَرَّةٍ خَضْرَاءَ نَبِيذًا حُلْوًا فَأَشْرَبُ مِنْهُ فَيُقَرْقِرُ بَطْنِي‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لاَ تَشْرَبْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْخُ النَّهْيِ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ‏.‏

قلنا‏:‏ النَّهْيُ وَاَللَّهِ عَنْ خَلْطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَصَحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَسْخِ النَّهْيِ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ الَّذِي لَمْ يَأْتِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ فَقَطْ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فِي الأَنْتِبَاذِ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ شَيْءٌ يَنْسَخُهُ لاَ ضَعِيفٌ، وَلاَ قَوِيٌّ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ جَمْعِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَبَيْنَ جَمْعِهِمَا فِي الْبَطْنِ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ لاَ يُعَارَضُ بِهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ نِكَاحِهِمَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى وَلَوْ عَارَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي فَرْقِكُمْ بَيْنَ الآبِقِ يُوجَدُ فِي الْمِصْرِ، وَبَيْنَ الآبِقِ يُوجَدُ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى ثَلاَثٍ لاََصَبْتُمْ‏.‏ وَفِي فَرْقِكُمْ بَيْنَ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلاَ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَبَيْنَ سَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلاَ يُوجِبُ الْقَطْعَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَسَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ حِرْزٍ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَبَيْنَ الْقَهْقَهَةِ تَكُونُ فِي الصَّلاَةِ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَتَكُونُ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَلاَ تَنْقُضُهُ لَكَانَ أَسْلَمَ لَكُمْ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَفْضَخَ الْعِذْقَ بِمَا فِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لأَِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَسَائِرِ مَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَفْوَانَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ كُنْت أَمْغَثُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه الزَّبِيبَ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَأَمْغَثُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً، قَالَتْ‏:‏ فَقَالَ لِي عُثْمَانُ‏:‏ لَعَلَّك تَجْعَلِينَ فِيهِ زَهْوًا قُلْت‏:‏ رُبَّمَا فَعَلْت، فَقَالَ‏:‏ فَلاَ تَفْعَلِي‏.‏

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يُشْرَبَا قلنا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْخَلِيطَانِ قَالَ‏:‏ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا وِقَاءُ بْنُ إيَاسٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْمَعَ شَيْئَيْنِ نَبِيذًا مِمَّا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَكَانَ أَنَسٌ يَكْرَهُ الْمُذَنَّبَ مِنْ الْبُسْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ فَكُنَّا نَقْطَعُهُ ‏"‏‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُجْمَعَ التَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْبُسْرُ، وَالزَّهْوُ، وَالرُّطَبُ‏:‏ اثْنَانِ مِنْهُمَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَآخَرُ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي الأَنْتِبَاذِ مَعًا، أَوْ يَنْبِذَهُمَا فِي إنَاءٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ مَا يَنْبِذُ وَيَعْصِرُ كَذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لاَ يَصِحُّ‏:‏ أَمَّا الْحَدِيثُ الأَوَّلُ‏:‏ فَمُدَلَّسٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ تَفْصِيلِ الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ

وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ كِلاَبَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ‏.‏ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ‏:‏ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ كِلاَبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ انْتَبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا، وَلاَ تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا فَإِنَّمَا سَمِعَهُ يَحْيَى مِنْ كِلاَبِ بْنِ عَلِيٍّ، وَثُمَامَةَ بْنِ كِلاَبٍ، وَكِلاَهُمَا لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ فَسَقَطَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّ الْخَلِيطَيْنِ هَكَذَا مُطْلَقًا لاَ يُدْرَى مَا هُمَا أَهُمَا الْخَلِيطَانِ فِي الزَّكَاةِ أَمْ فِي مَاذَا وَأَيْضًا فَإِنَّ ثَرِيدَ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ خَلِيطَانِ، وَاللَّبَنَ وَالْمَاءَ خَلِيطَانِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُرَادِهِ عليه السلام بِذَلِكَ، وَلاَ يُؤْخَذُ بَيَانُ مُرَادِهِ إِلاَّ مِنْ لَفْظِهِ عليه السلام فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الأَثَرِ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ الْأُبُلِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حُجَّةً عَظِيمَةً قَاطِعَةً عَلَيْهِمْ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمْ يَعْرِفُوا مَا الْخَلِيطَانِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُمَا حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَفَسَّرَهُمَا لَهُمْ عليه السلام بِأَنَّهُمَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ غَيْرَهُمَا لَمَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ وَقَدْ سَأَلُوهُ الْبَيَانَ هَذَا مَا لاَ يُحِيلُ عَلَى مُسْلِمٍ ‏;‏ لأََنَّهُ كَانَ يَكُونُ أَعْظَمَ التَّلْبِيسِ عَلَيْهِمْ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَهُنَا شَيْئًا زَائِدًا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ لأَُمَّتِهِ فَقَدْ افْتَرَى الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْحَدَ فِي الدِّينِ بِلاَ شَكٍّ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ فَمِنْ طَرِيقِ وِقَاءِ بْنِ إيَاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كَلاَمٌ فَاسِدٌ لاَ يُعْقَلُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَتَّةَ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا مَعْنَى يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّبِيذِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ مَعْنَاهُ يُعَجِّلُ أَحَدُهُمَا غَلَيَانَ الآخَرِ قلنا‏:‏ هَذَا الْكَذِبُ الْعَلاَنِيَةُ وَمَا يَغْلِي تَمْرٌ وَزَبِيبٌ جَمْعًا فِي النَّبِيذِ إِلاَّ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِي فِيهَا الزَّبِيبُ وَحْدَهُ ‏;‏ أَوْ التَّمْرُ وَحْدَهُ وَهُوَ عليه السلام لاَ يَقُولُ إِلاَّ الْحَقَّ ‏;‏ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ بِيَقِينٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ قِسْنَا سَائِرَ الْخَلْطِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لأََنَّكُمْ لَسْتُمْ بِأَوْلَى أَنْ تَقِيسُوا التِّينَ، وَالْعَسَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ آخَرَ أَرَادَ أَنْ يَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ اللَّبَنَ وَالسُّكَّرَ مَجْمُوعَيْنِ، أَوْ الْخَلَّ، وَالْعَسَلَ فِي السَّكَنْجَبِينِ مَجْمُوعَيْنِ، أَوْ الزَّبِيبَ، وَالْخَلَّ مَجْمُوعَيْنِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ نَتَعَدَّى النَّبِيذَ‏.‏

قلنا لَهُمْ‏:‏ بَلْ قِيسُوا عَلَى الْجَمْعِ فِي النَّبِيذِ الْجَمْعَ فِي غَيْرِ النَّبِيذِ، أَوْ لاَ تَتَعَدَّوْا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ لاَ فِي نَبِيذٍ، وَلاَ غَيْرِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏