فصل: الفصل الأول في بيان ما يجب فيه العشر وما لا يجب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحيط البرهاني في الفقه النعماني



.كتاب العشر:

هذا الكتاب يشتمل على سبعة فصول:
1- في بيان ما يجب فيه العشر وما لا يجب.
2- في بيان اعتبار النصاب لوجوب العشر.
3- فيمن يجب عليه العشر وفيمن لا يجب عليه.
4- في معرفة وقت وجوب العشر.
5- في معرفة أرض العشر.
6- في التصرف فيما يخرج من الأرض من الطعام وفي التصرف في العشر.
7- في المتفرقات.

.الفصل الأول في بيان ما يجب فيه العشر وما لا يجب:

يجب أن يعلم بأن الأصل في وجوب العشر قول الله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267] قال أهل التفسير: المراد من قوله: {من طيبات ما كسبتم} زكاة مال التجارة، والمراد من قوله: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} العشر، وقوله تعالى: {وآتو حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] والمراد من الحق المذكور في الآية العشر، وقوله عليه السلام: «ما سقته السماء ففيه العشر، وما سقي بقرب دالية، أو ساقية ففيه نصف العشر».
قال أبو حنيفة رحمه الله: كل شيء أخرجته الأرض مما تستنمي به الأرض فيه العشر إلا الحطب، والقصب، والحشيش، والتبن، والسعف.
وقال أبو يوسف، ومحمد: وكل شيء له ثمرة باقية، وتكون منفعته عامة، ويكون مقصودًا في نفسه يجب فيه العشر، وما كان يخالفه لا يجب فيه العشر، حتى إن عندهما لا يجب العشر في الخضر، وعند أبي حنيفة يجب، وقولهما: في ماله ثمرة باقية تدخر في الغالب، وتبقى سنة أو أكثر نحو الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب وأشباهها حجتهما في ذلك قوله عليه السلام، «ليس في الخضروات صدقة»، ولأبي حنيفة رحمه الله العمومات التي مر ذكرها، وإن سبب وجوب العشر الأرض النامية بالخارج والاشتباه بالرطب أكثر من الاشتباه بالحنطة والشعير، ولهذا كان وظيفة الخراج في أراضي الرطاب أكثر، وما روينا من الحديث، فتأويله ليس فيها صدقة توجد.
ونحن هكذا نقول: أن الساعي لا يأخذ العشر من الرطاب التي مر بها، والمستثنى عند أبي حنيفة: الأشياء الخمسة الحطب والحشيش، فلأن سبب وجوب العشر الأرض النامية بالخارج والأراضي لا تستنمي بهذه الأشياء، ولا تقصد بالزراعة بل الاستنماء يفوت بهذه الأشياء، وأما القصب فالمراد منه القصب الفارسي؛ لأن الأراضي به لا تستنمي عادة، فأما قصب السكر، وقصب الذريرة، ففيهما العشر؛ لأن الأراضي تستنمي بهما عادة.
قال محمد في (الأصل): قصب السكر بمنزلة التمر، وقصب الذريرة بمنزلة الريحان، قال صاحب (العين): الذريرة..... قصب الطيب وفارسية....، وقصب الطيب قصب يجاء به من أرض الهند وفي..... الذريرة ما يدر على الميت أي ينشر، وأما السعف، فلأنه من جملة الحطب؛ لأنه جزء من أجزاء النخيل، ولأنه أصل الشجر؛ لأن السعف الغصن والعشر لا يجب في أصل الشجر، وأما التبن فلأن التبن هو الساق الذي يتولد منه الحب قد زانه أصل الشجر.
في (المنتقى) قال إبراهيم بن هراسة: سألت محمدًا عن أرض عشر فيه شجر ليس له ثمر مثل التوت، والخلاف، أو بالقصب وما أشبهها، فكان يقطع في كل سنة، ويبيع يجب فيه العشر عند أبي حنيفة، وإنه حسن، ولا عشر في الخوخ، والتفاح، والكمثرى، والإجاص، والسفرجل، والمشمش؛ لأن هذه الأشياء لا تدخر ولا تبقى سنة.
وفي (المنتقى): وفي التبن الذي ييبس العشر، ولا عشر في الخوخ الذي يسعق وييبس، علل فقال: لأن الغالب منه ليس على ذلك، فقد أشار إلى أن كل ما ييبس غالبًا، فهو الباقي في أيدي الناس، فيجب فيه العشر، وأشار إلى أن الخوخ مما لا ييبس في الغالب، وعن أبي يوسف: أن الإجاص الذي عين بمنزلة الزبيب يجب فيه العشر، وكذا العناب يجب فيه العشر.
ولا عشر في الثوم والباقلاء عند محمد؛ لأنها من جملة الخضر، وكذلك الثوم، وعن أبي يوسف: أنه أوجبه في البصل، وعن محمد: أنه لا عشر في القت؛ لأنه من الخضر، ولا عشر فيما هو من جملة الأدوية؛ لأنه لا ينتفع به انتفاعًا عامًا، وعن محمد: لا عشر في الرياحين كلها الآس والحناء؛ والورد والوسمة، وعن أبي يوسف: أنه أوجب في الحناء؛ لأنه ينتفع به انتفاعًا عامًا، وإنه يبقى سنة، ولا شيء في القنب؛ لأنه حطب ويجب في حبّه؛ لأنه ينتفع به انتفاعًا عامًا، ويدخر غالبًا، ويبقى حولًا. والبذور التي لا تصلح إلا للزراعة كبذر البطيخ وما أشبه ذلك، فلا عشر فيه؛ لأنها غير مقصودة في نفسها؛ ولأنه لا ينتفع به انتفاعًا عامًا، ولا شيء في السوسن والبانجواه والحلبة؛ لأنها من جملة الأدوية، أو لأنه لا ينتفع به انتفاعًا عامًا.
وما يوجد في الجبال من الثمر والفواكه، ففيه العشر، في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف: لا يجب؛ لأنه على أصل الإباحة كالقصب، وعن أبي حنيفة: أن الملك فيه ثبت بالأخذ والإحراز، وهو مما يحصن في نفسه، فيكون هذا، وما لو حصل في ملكه سواء في حق وجوب حق الله تعالى كخمس المعادن، والعشر واجب في العسل إن كان في أرض العشرية، به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ ولأن الأراضي يستنمى بها، وتعدله كالثمار، وما يوجد في الجبال من العسل، ففيه الخلاف عن أبي حنيفة، وأبي يوسف على نحو ما ذكرنا في الثمار والفواكه وفي (فتاوى أبي الليث) رحمه الله.
ولو كان في دار رجل شجرة لا يجب في ذلك عشر، وإن كانت تلك البلدة عشرية، فرق بين هذا، وبين الثمار التي تكون في الجبل.
والفرق: أن نفقة داره ليست بعشرية، والجبل عشري، وما سقته السماء، أو سقي سيحًا، ففيه العشر، وما سقي بقرب أو دالية أو ساقية، ففيه نصف العشر به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمعنى في التفاوت اختلاف قدر المؤنة وكثرتها.
وإذا سقي في بعض السنة سيحًا وفي بعضها بماله، فالمعتبر هو الأغلب، وقد مر نظير هذا، في الصوم عن أسد بن عمر، وفي أرض نبتت فيها بزار عنب من غير معالجة أحد، فجمع منه رجل قال: إن كان في أرض عشرية، ففيه العشر، وإن كانت هذه الأرض ليست لأحد، ولم يعالجها أحد، فكذلك فيه العشر، وسئل الحسن عن ذلك، فقال: ليس عليه عشر إذا وجدها في أرض ليست لأحد. قال الفقيه أبو الليث: قول الحسن أحب إليّ.

.الفصل الثاني في بيان اعتبار النصاب لوجوب العشر:

وإنه مختلف فيه فأبو حنيفة رحمه الله: لا يعتبر النصاب، بل يوجب العشر في كل قليل وكثير أخرجته الأرض مما تستنمى به الأرض، ومما اعتبر النصاب قالا: لا يجب العشر حتى يبلغ الخارج خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، فخمسة الأوسق تكون ثلاثمائة أصوع، فما لم يبلغ الخارج ثلثمائة أصوع لا يجب فيه العشر، وإنما اعتبر النصاب لإيجاب العشر؛ لأن هذ نوع زكاة فيعتبر هاهنا النصاب قياسًا على الزكاة المعهودة، ويؤيده قوله عليه السلام «فيما دون خمسة أوسق صدقة».
ولأبي حنيفة رحمه الله: العمومات الواردة في هذا الباب من غير فصل فيما إذا قل الخارج أو كثر، والحديث الذي روينا محمول على الزكاة؛ لأنها هي الصدقة المطلقة، وإنما قدراه بالأوسق إما اتباعًا للحديث؛ أو لأنهم كانوا يتبايعون بالأوسق وإنما قدرناه بالخمسة؛ لأن ما دون الخمسة الأوسق كان لا يبلغ مائتي درهم في ذلك الزمان، والتقدير بالأوسق عندهما فيما يدخل تحت الوسق، ويكال به كالحنطة، والشعير، والذرة، وأشباهها، فأما ما لا يدخل تحت الوسق، ولا يكال به كالقطن، والزعفران، والفانيد، والسكر، والعسل وأشباهها، فعند أبي يوسف: تعتبر القيمة.
فبعد ذلك اختلفت الروايات عنه روى الفضل بن عاصم عنه: إذا بلغت قيمة الخارج فيه خمسة أوسق من أدنى الأشياء الخمسة الحنطة، والشعير، والذرة، والتمر، والزبيب يجب العشر، وما لا فلا، وروى ابن سماعة عنه: إذا بلغت قيمة الخارج فيه خمسة أوسق من أدنى ما يجب فيه العشر نحو الأرز، والعدس، والحمص، والمج يجب فيه العشر، وإلا فلا، وهو رواية ابن رستم عن محمد، وروى ابن سماعة عن محمد: أنه يعتبر خمسة أعداد على ما يقدر به ذلك الشيء، ففي القطن خمسة أحمال وفي العسل خمسة أفراق، والفرق ستون رطلًا بالعراقي، وفي الزعفران، والسكر، والفانيد خمسة أمنان، وهذا هو المشهور من قوله.
فأبو يوسف يقول: نصب النصاب بالرأي لا يكون ويكن فيما ورد عليه النص يعتبر المنصوص عليه، وفيما لا نص فيه تعتبر القيمة، ولا نص في هذه الأشياء، فتعتبر القيمة، بعد هذا قال: تعتبر قيمة الأدنى ولا تعتبر قيمة الأقصى نظرًا للفقراء غير أن في إحدى الروايتين لم يعتبر الأدنى من جملة ما يوسق، وكأنه فعل ذلك نظرًا لأرباب الأموال، لأنه كما يجب نظرًا للفقراء، يجب نظرًا لأرباب الأموال، فقد اعتبرنا نظرًا للفقراء حتى لم نعتبر الأقصى، فيجب اعتبار نظر أرباب المال، وذلك في أن لا يعتبر الأدنى من جميع ما يوسق.
ومحمد يقول: إن القيمة ساقطة الاعتبار في هذا الباب بالإجماع، فإن الغير يجب باعتبار العين بالإجماع، والشرع اعتبر الوسق في الموسقات أقصى ما يقدر به المغاير، فإنه يقدر أولًا بالمد، ثم بالصاع، ثم بالوسق، فاعتبرنا في هذه الأشياء التي لا تدخل تحت الوسق أقصى ما يقدر به من المغاير، استدلالًا بالموسقات، وأقصى ما يقدر به السكر، والفانيد، والزعفران المنّ، وأقصى ما يقدر به العسل الفرق، وأقصى ما يقدر به القطن الحمل، فقدرناه بذلك. هذا إذا كان الخارج جنسًا واحدًا، وإن أخرجت الأرض أجناسًا مختلفة كالحنطة، والشعير، والذرة، ولم يبلغ كل نوع منها خمسة أوسق، فعن أبي يوسف روايات:
أحدها: أنه لا يجب شيء حتى يبلغ كل نوع نصابًا؛ لأن العشر في ما يدخل تحت الوسق يجب باعتبار العين، والتكميل باعتبار العين متعذر لاختلاف العين كما في السوائم.
وفي رواية: كل نوعين لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا دليل المجانسة، قال القدوري: وهو قول محمد.
وفي رواية أخرى قال: كل ما أدرك في وقت واحد ضم بعضه إلى بعض، وما لا يدرك في وقت واحد لا يضم.
قال في (المنتقى): وبهذه الرواية كان يقول محمد رحمه الله أولًا، ثم رجع إلى الرواية الأولى.
وجه هذه الرواية أن الحق إنما يجب باعتبار المنفعة فما أدرك في وقت واحد، فمنفعته واحدة، فلا يعتبر اختلافه كالعروض، ولو حصل خمسة أوسق مختلفة في وسائق مختلفة، فإن كان العامل واحد انضم البعض إلى البعض، وأخذ العشر، وإن اختلف العامل، فلا سبيل لأحد من العاملين على الخارج الذي في عمله حتى يبلغ خمسة أوسق، وهذا لأن حق الأخذ للعامل بالحماية، فإذا كان العامل مختلفًا فإنما حمى كل واحد منهما أقل من خمسة أوسق، فلا يثبت له حق الأخذ، ولا كذلك ما إذا كان العامل واحدًا، وهذا كله قول أبي يوسف، وقال محمد: لا يثبت لاختلاف العامل بعد اتحاد المالك.
ووجهه أن الأراضي كلها محمية بحماية الإمام الأكبر، فكان حق الأخذ باقيًا للإمام الأكبر، والعاشر نائب عنه، فيثبت له حق الأخذ بحكم النيابة، وذكر الحاكم الشهيد في (المنتقى): رجل له في كور من أرض يخرج من كل واحد منهما وسقان ونصف من بر يوجب فيه العشر.
ولو كان له نخل وكرم، فخرج من كل واحد منهما أربعة أوسق لم يوجد منه شيء وكذلك الحنطة، والشعير.
وفي (المنتقى) أيضًا: أبو سليمان عن محمد عن أبي حنيفة في التمور المختلفة جمع بعضها إلى بعض من غير خلط، وقد بلغت خمسة أوسق أنه يؤخذ منها الصدقة من أوساطها، حتى إنه إذا اجتمع تمر دقل وتمر فارسي وتمر بري، أخذ العشر من الوسط، وهو قول محمد.
وقال أبو حنيفة بعد هذا: إنه يؤخذ من كل صنف بحصته، قال أبو الفضل، وهو القياس.
وفيه أيضًا: إذا كان له شجرة لها ثمر بان مثل العصفر والقرطم لا يجمعان كلاهما، وإن كانا لو جمعا بلغا خمسة أوسق من أدنى ما يخرج من الأرض، ولكن إذا بلغ كل واحد منها خمسة أوسق من أدنى ما تخرج الأرض، ففيه العشر.
وفيه أيضًا: ابن سماعة عن محمد: أرض زرعت مرتين في السنة، فأخرجت كل مرة أربعة أوسق، ففيه العشر؛ لأنه زرع سنة.
وفيه أيضًا: رجل زرع مراحًا له في السنة ثلاث مرات، فمرة خرج وسقان من سمسم، ومرة خرج وسقان من حنطة، ومرة خرج وسقان من شعير، فلا عشر فيه حتى يكون من نوع واحد خمسة أوسق. وقال إبراهيم بن هراسة: يضم البعض إلى البعض، وروى خالد بن صبح: أنه لا يضم.
وفيه أيضًا: إذا أخرجت الأرض خمسة أوسق من التمر الجاف، أو الزبيب كان فيه العشر فإن بيع رطبًا، أو عنبًا، أو بسرًا أخضر قال: يخرص ذلك تمرًا جافًا وزبيبًا، فإن بلغ خمسة أوسق وجب فيه العشر، وإلا فلا شيء عليه.
وفيه أيضًا: في الطلع يبيعه رب النخل إذا بلغ ثمنه خمسة أوسق من التمر أن فيه العشر، وكذلك العنب الأخضر يبيعه إن بلغ ثمنه خمسة أوسق من الزبيب ففيه العشر؛ لأن هذا جنس واحد وشيء واحد، والله أعلم بالصواب.

.الفصل الثالث فيمن يجب عليه العشر وفيمن لا يجب عليه:

ذكر في (المنتقى) عن محمد: إذا زرع رجلان بالنصف، والبذر من رب الأرض، أو من العامل، فأخرجت الأرض خمسة أوسق، ففيها العشر، وإن كان البذر منهما نصفين فلا عشر فيها، إلا أن يبلغ نصيب كل واحد منها خمسة أوسق.
وفيه عنه أيضًا: إذا كان للرجل زرع في أرض العشر، فمات قبل أن يحصد، فوزنه، وفرقه، ولا يصيب كل واحد منهم خمسة أوسق، ففيه العشر؛ لأن ملك الورثة بناءً على ملك المورث، فيعتبر كمال النصاب في حق المورث، وقد وجد.
وفيه أيضًا: أرض بين رجلين، أخرجت خمسة أوسق حنطة، فاقتسماها، أو لم يقسماها قال: يؤخذ منه العشر، ولو تهايأا على الأرض فزرع كل واحد منهما طائفة منها لم تكن على واحد منها عشر حتى تخرج له خمسة أوسق.
وفي (القدوري): إذا أخرجت الأرض المشتركة خمسة أوسق، ففيها العشر في إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وروي عنه أنه لا يجب، وهو قول محمد، والله أعلم.
ويؤخذ العشر من الأراضي العشرية إذا كان المالك مسلمًا صغيرًا كان، أو كبيرًا عاقلًا كان، أو مجنونًا، وكذلك يجب في أرض المكاتب، وفي أرض الوقف؛ لأن هذا حق مال يجب بسبب أرض نامي، فيجب على هؤلاء كالخراج، وهذا لأن معنى المؤنة في العشر أصل، ومعنى العبادة تبع لأنه تجب بسبب أرض نامية، ونماء الأرض لا يحصل إلا بمؤنة عظيمة تلحق المالك، فعلم أنه أوجب بطريق المؤنة.
ألا ترى أن الزكاة لا تجب بسبب الإبل العوامل؛ لأن منفعتها لا تحصل إلا بمؤنة عظيمة تلحق المالك.... وجب العشر بسبب الأرض النامي الذي لا يحصل نماؤه إلا بمؤونة عظيمة تلحق المالك، علمنا أن الشرع ألحقه بالمؤن، إلا أن معنى العبادة فيه تبع من حيث المصرف، فإنه يصرف إلى الفقراء، وإذا كان معنى المؤن فيه أصلًا كانت العبرة لمعنى المؤن، فيجب على هؤلاء كالخراج، وهذا بخلاف الزكاة؛ لأن الزكاة عبادة محضة ليس فيها معنى المؤن، أوجبت شكرًا على نعمة الغنى، ألا ترى أنها لا تجب بسبب الإبل العوامل التي لا تحصل منفعتها إلا بمؤنة عظيمة تلحق المالك؟ والمعنى لا يثبت للمالك بما في يده، ولهذا حلت له الصدقة، فلا تجب عليه الزكاة، ويجب العشر على المديون بخلاف الزكاة؛ وهذا لأن الدين إنما منع وجوب الزكاة لنقصان في الملك، إلا أن نقصان الملك لا يمنع وجوب العشر، ألا ترى أنه يجب العشر في أرض المكاتب.
وإذا استأجر أرضًا عشرية وزرعها، فالعشر على رب الأرض في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف، ومحمد: يجب العشر على المستأجر، وأما المستعير إذا زرع، فعليه العشر دون صاحب الأرض، في ظاهر رواية أصحابنا.
وروى المبارك عن أبي حنيفة أنه أوجب على المستعير، فأبو حنيفة على رواية ابن المبارك. لا يحتاج إلى الفرق بين المستعير وبين الآجر، وعلى ظاهر الرواية يحتاج. ووجه الفرق أن الخارج سلم للمستأجر بعوض، وكأنه اشترى الزرع بعد الإدراك، ولا كذلك المستعير، فإن الخارج سلم له بغير عوض.
وأما الغاصب، إذا زرع فإن نقصت الزراعة الأرض غرم الغاصب النقصان، وعلى رب الأرض العشر عند أبي حنيفة؛ لأن ضمان النقصان بمنزلة الأجر، وإن لم توجب زراعته نقصانًا في الأرض، فالعشر على الغاصب، لا على رب الأرض استحسانًا؛ لأنه لم يسلم لرب الأرض الخارج لا بعينه، ولا بيد له، إنما سلم ذلك للغاصب، فتكون المؤن على الغاصب لا على رب الأرض، وعلى قول أبي يوسف، ومحمد رحمهما الله: العشر على الغاصب، أوجب زراعته نقصانًا في الأرض، أو لم يوجب؛ لأن ضمان النقصان ليس بإزاء الخارج، بل بإزاء منفعة الأرض، فقد سلم الخارج للغاصب بغير عوض، فيكون الخراج عليه كما لو كان مستأجرًا، فإن في الإجارة العشر على المستأجر لأن الأجرة بإزاء منفعة الأرض لا بإزاء الخارج، كذا هاهنا.
مسلم له أرض عشرية باعها من ذمي كان عليه الخراج عند أبي حنيفة، وعند محمد عليه عشر واحد كما كان، وقال أبو يوسف: عليه عشران.
محمد رحمه الله يقول: هذه وظيفة تقدرت في الأراضي، فلا تتبدل بتبدل المالك قياسًا على الخراج حتى أن المسلم إذا اشترى أرضًا خراجيًا، يبقى خراجيًا كما كان، أكثر ما فيه أن العشر معنى العبادة، إلا أن معنى العبادة فيه تبع، فيمكننا إلغاؤه، ويبقى العشر من حيث إنه مؤنة.
وأبو يوسف يقول: هذا حق مالي وجب أخذه من الذمي، فيؤخذ ضعف ما يؤخذ من المسلم كما في المال الممرور به على العاشر، وأبو حنيفة يقول: يقدر لها العشر؛ لأن في العشر معنى العبادة، والكفر ينافي العبادة، وما يقول: بأنه يلغي معنى العبادة عينًا فاسد؛ لأنه لا يحتمل الإلغاء والإسقاط، فإن الإمام لو أخذ العشر، وأراد أن يصرف إلى المقابلة لا يحجز، ولو فعل ذلك لمصلحة رأى يصير دينًا ببيت مال العشر في بيت مال الخراج.
وهذا بخلاف ما لو اشترى مسلم أرضًا خراجيًا؛ لأن معنى العقوبة في الخراج يحتمل الإلغاء، ألا ترى أن الإمام لو أراد أن يصرف الخراج إلى الفقراء له ذلك؟ ولو فعل ذلك لمصلحة رأى لا يصير دينًا لبيت مال الخراج في بيت مال الزكاة، فيلغي معنى العقوبة، ويبقي الخراج باعتبار معنى المؤنة، أما هنا بخلافه، ثم اتفقت الروايات عن أبي يوسف: أن ما يؤخذ من العشر المضاعف يصرف إلى المقابلة، وعن محمد في صرف ما يؤخذ من العشر الواحد روايتان.
في رواية: يصرف إلى المقابلة مصرف الخراج؛ لأن معنى العبادة لما لغى عنده، وبقي معنى المؤنة التحق هذا العشر بالخراج، فيصرف مصرف الخراج.
وفي رواية: يصرف مصرف الزكاة، فيصرف إلى الفقراء؛ لأن إسقاط معنى العبادة مع الصرف إلى الفقراء ممكن، فإن الإمام لو صرف الخراج إلى الفقراء يجوز، وإذا أمكن إلغاء معنى العبادة مع الصرف إلى الفقراء لا ضرورة إلى تغيير المصرف، ومصرف هذا المال كان هو الفقراء في الأصل، فيبقى مصروفًا إليهم كما كان، فإن أخذها مسلم بالشفعة، ففيها عشر واحد عندهم جميعًا، وهذا لا يشكل على قول محمد، وكذلك عند أبي يوسف؛ لأنه لو اشتراها من المشتري كان عليه عشر واحد عنده؛ لأن التضعيف لكفر المالك، فإذا اشتراه مسلم، أو أخذها بالشفعة، فقد عدم كفر المالك، فيسقط التضعيف.
إنما يشكل على قول أبي حنيفة؛ لأنه لو اشتراها من المشتري كان خراجيًا في حقه عنده، والأخذ بالشفعة شرعي، والوجه في ذلك: أن الأخذ بالشفعة مع أن خيار المشتري يمنع وقوع الملك للمشتري في المشترى عند أبي حنيفة، وتملك على المشتري من وجه، فإنه لو أخذها من المشتري ترجع حقوق العقد إليه، ولو كان تملكًا على المشتري من كل وجه يكون خراجيًا في هذه الصورة، ولو كان تملكًا على البائع من كل وجه يكون عشريًا في هذه الصورة، فإذا وقع كان فيهما الشك في كونه خراجيًا في هذه الصورة، ولو كان تملكًا على البائع من كل وجه يكون عشريًا أو عشريًا، وقد كان عشريًا، فيبقى على ما كان، ولو كان الذمي اشتراها من المسلم بشرط الخيار للبائع يفسخ البائع العقد بحكم الخيار، فإنها تكون عشرية في حقه، وكذلك إذا كان الخيار للمشتري فرده بحكم الخيار، فإنها تكون عشرية في حق البائع، وكذلك إذا كان الرد من المشتري بخيار الرؤية؛ لأن الرد بهذه الأسباب فسخ من كل وجه، فعاد الأرض إلى قديم ملك البائع، وإن كان الرد بالعيب بعد القبض، إن كان قضاء، فإنها تكون عشرية، وإن كان بغير قضاء، فهو عشرية في قول أبي يوسف ومحمد.
وفي قول أبي حنيفة هو خراجي؛ لأن الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء، فسخ في حق المتعاقدين عقد جديد في حق الثالث، والعشر والخراج ثالث، فصار في حقها كأن البائع اشتراها من المشتري ثانيًا، ولو اشتراها من المشتري ثانيًا كان خراجيًا عند أبي حنيفة؛ عشريًا عندهما كذا هاهنا.
إذا كان للرجل أرض عشرية، فيها زرع قد أدرك، فباع الأرض مع الزرع، فالعشر يكون على البائع لا على المشتري؛ لأن العشر إنما يجب على من سلم له الحب بغير عوض، والحب سلم للبائع بغير عوض، فيكون العشر عليه.
وإن كان الزرع بقلًا، وباع الأرض مع الزرع، وأدرك الزرع، فالعشر على المشتري؛ لأن الحب هاهنا سلم للمشتري بغير عوض؛ لأن الأرض على ملكه حين انعقد الحب، فيكون العشر عليه، هذا إذا باع الأرض مع الزرع.
فأما إذا باع الزرع دون الأرض، والزرع قصيل؛ فإن كان البيع بشرط أن قفصله المشتري، فقصله، فالعشر على البائع؛ لأن الخارج سلم للبائع بغير عوض، فيكون العشر عليه، واعتبره ما لو قصله أولًا، ثم باعه، وهناك العشر على البائع، فقد أوجب العشر في الفصل مع أن القصيل في الحقيقة تبن، ولا عشر في التبن.
وفرق بين هذا، وبينما إذا أدرك الزرع، ثم هلك الحب، وبقي التبن، فإنه لا يجب في التبن شيء.
والوجه في ذلك: أن البائع لما قصل بنفسه، أو أمر المشتري بذلك، فهو الذي منع الحب من الانعقاد بعد وجود سببه، فيصير الحب بغير، فلا يمكن أن يجعل باقيًا في حقه، وما بقي تبن، والعشر لا يجب في التبن، وإن كان البيع مطلقًا من غير شرط، وترك الزرع حتى أدرك، فإن كان الترك بغير أجر ذكر في (الأصل): أن العشر على المشتري، ولم يحك فيه خلافًا.
وذكر في (نوادر الزكاة) لأبي سليمان على قول أبي حنيفة: فالعشر على المشتري، وعلى قول أبي يوسف: يقدر القصيل على البائع، وما زاد على ذلك إلى أن أدرك على المشتري؛ لأن بعض الخارج سلم للبائع بغير عوض، وهو قدر القصيل، فيكون عشره عليه، وما زاد على قدر القصيل إلى أن أدرك سلم المشتري بغير عوض، فيكون عشره على المشتري، لأبي حنيفة رحمه الله عن عشر الحب وجب على المشتري، وما وراء ذلك تبن، ولا عشر في التبن بعدما وجب على أحد، فجاز أن يجب عشر القصيل على البائع بالطريق الذي قلنا، أما هنا بخلافه.
هذا إذا ترك القصيل في الأرض بغير أجر، فأما إذا تركه بأجر إلى أن أدرك، قال أبو حنيفة: العشر على البائع، وقال أبو يوسف ومحمد: العشر على المشتري، والخلاف في هذا نظير الخلاف فيمن استأجر أرضًا عشرية، وزرعها، فعلى قول أبي حنيفة: العشر على الآجر، وعلى قولهما العشر على المستأجر.
وفي (المنتقى): رجل له أرض عشرية فيها نخل، وفي النخل طلع، باع ذلك كله بما في النخل من التمر، قال أبو حنيفة: العشر على المشتري الذي يدرك ذلك في يده، وقال أبو يوسف: العشر على البائع في قيمة الطلع إلى أن باعه إن كان يبلغ ذلك خمسة أوسق، وعلى المشتري تمام ذلك من يوم اشتراه إلى حين يبلغ. قال: وعلى هذا الزرع، ولو باع الطلع وحده، وقبضه المشتري، فإن أبا حنيفة يقول: لا عشر في كل واحد منهما، وقال أبو يوسف: العشر فيه على البائع إلى يوم باعه إن كانت قيمته ذلك الوقت تبلغ خمسة أوسق، ولا..... الزيادة فيه بعد البيع، ولا عشر فيه على المشتري. قال الحاكم أبو الفضل: قد صح رجوع أبي يوسف عن ذلك إلى قول أبي حنيفة.

.الفصل الرابع في معرفة وقت وجوب العشر:

قال أبو حنيفة: وقت وجوب العشر عند وجود الخارج قال الله تعالى: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267] وقال أبو يوسف: عند الإدراك قال الله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] وقال محمد: عند استحقاقه وتصفيته، وحصوله في الحظائر. وثمرة هذا الاختلاف على قول أبي حنيفة تظهر في الاستهلاك، فإن ما يستهلكه قبل الوجوب لا يكون مضمونًا عليه، وما يستهلكه بعد الوجوب يكون مضمونًا عليه، وعندهما: يظهر في حق هذا الحكم، وفي حق تكميل النصاب؛ لأنهما يعتبران النصاب، فما هلك قبل الوجوب لا يكمل به النصاب، وما هلك بعد الوجوب لا يعدم الوجوب في الباقي، وإن انتقص النصاب كما في مال الزكاة، وما هلك من المال بعد الوجوب ألحق بغير فعل المالك سقط عنه من الواجب بقدره، ويفيد بما هلك في النصاب في قول من يعتبر النصاب؛ لأن الواجب عشره، فما هلك هالك بما فيه.
في (القدوري) قال أبو حنيفة: ما أكل من الثمرة، أو أطعم بثمن عشره، عند أبي يوسف أنه لا يضمن، ولكن بعشر ذلك في حق تكميل الأسوق.
وفي (المنتقى) قال أبو يوسف: ليس على الرجل فيما أكل من ثمره ونخله عشر، وقال: أنظر إلى رجل وعياله، وأترك له بقدر ما أظن أنه يكفيهم لأكلهم، وأحسبه لك لهم فيما أكلوا، وكأنه فعل ذلك دفعًا للحرج، قال: وأخذهم بالبغية، قال أبو حنيفة: آخذهم لكل شيء منه، ولا أحسبه لهم مما أكلوا شيئًا، وقال محمد: ما أكل حسب عليه من تسعة أعشاره، فالروايات اتفقت أن ما يعدو الكفاية له ولعياله يحتسب عليه من تسعة أعشاره، وإنما الخلاف في مقدار الكفاية، والله أعلم.

.الفصل الخامس في معرفة أرض العشر، وما العشر:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): أرض العرب كلها عشرية، وهي من عذيب إلى مكة وعدن أبني إلى مهرة في أقصى اليمن، وكان ينبغي أن تكون أرض مكة خراجية؛ لأن رسول الله عليه السلام فتحها قهرًا، وكل أرض فتحت قهرًا تكون خراجية، وإن أسلم أهلها طوعًا بعد ذلك كأراضي العجم، وأراضي العجم، وأراضي العرب، إذا كان أهلها من أهل الكتاب، وقد فتحت عنوة، لكن جعلناها عشرية اتباعًا لفعل رسول الله عليه السلام، فإن رسول الله عليه السلام فتح مكة عنوة، وأسلم أهلها، وتركها عليهم، ووظف عليهم العشر والمعنى فيه: أن أهل مكة كانوا عبدة الأوثان، وعبدة الأوثان من مشركي العرب لا يقبل منهم إلا السيف، أو الإسلام، ولا يتركون على الكفر بالجزية والخراج.
فبالفتح قبل إسلام لم يثبت حق توظيف الخراج عليهم لو ثبت حق توظيف الخراج عليهم بعد الإسلام، كان هذا توظيف الخراج على المسلم ابتداءً، والمسلم لا يبتدأ بتوظيف الخراج، بخلاف العجم ومشركي العرب من أهل الكتاب، فإنهم يتركون بالجزية والخراج بعد الفتح، فبمجرد الفتح يثبت للإمام حق توظيف الخراج عليهم، فلو وضعنا الخراج بعدما أسلموا لا يكون في هذا توظيف الخراج على المسلم، ابتداء، والمسلم لا يبتدأ بتوظيف الخراج بخلاف العجم، ومشركي العرب من أهل الكتاب، فإنهم يتركون بالجزية والخراج بعد الفتح، فبمجرد الفتح يثبت الإمام حق توظيف الخراج عليهم، فلو وضعنا الخراج بعدما أسلموا لا يكون في هذا توظيف الخراج على المسلم ابتداء.
وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها طوعًا، فإنها تكون عشرية، «ألا ترى أن رسول الله عليه السلام وظف العشر على أهل الحجاز واليمن، وقد أسلم أهلها طوعًا»، فصار هذا أصلًا للعمل في كل بلدة أسلم أهلها عليها طوعًا، وكذلك كل أرض فتحت قهرًا وعنوة، وقسمت بين الغانمين، فهي عشرية، عرف ذلك بفعل النبي عليه السلام في أراضي قريظة والنضير.
وكذلك كل أرض من أراضي العرب، إذا فتحت عنوة وقهرًا، وأهلها من عبدة الأوثان، فأسلموا بعد الفتح، وترك الإمام الأراضي عليهم، فهي عشرية، وكذلك بلدة من بلاد العجم إذا فتحها الإمام، أو عنوة، وتردد في أن يمن عليهم برقابهم وأراضيهم، ويضع على الأراضي الخراج، وبين أن يقسمها بين الغانمين، ويضع على الأراضي العشر، فقال: جعلت الأراضي عشرية، ثم بدا له، فمنّ عليهم برقابهم، فإن الأراضي تبقى عشرية، هكذا ذكر محمد في (النوادر)، والكرخي في (كتابه).
ولا يكون هذا ابتداء توظيف العشر على الكافر؛ لأن وضع العشر سبق المن، فلا يكون وضعه في أرض الكافر، وكذلك المسلم إذا جعل داره بستانًا أو مزرعة، فهو عشري هكذا ذكر في (الأصل) وفي (الجامع الصغير) فمن الحنفية من مشايخنا من قال: هذا إذا كانت الأرض في الأصل عشرية بأن أسلم أهلها عليها طوعًا، فمتى جعل داره في مثل هذه الأرض بستانًا تكون عشريًا؛ لأنها كانت عشرية في الأصل، إلا أنها ما دامت أيًا كأن لا يوجد منها شيء؛ لأنها غير نامية، فإذ جعلها بستانًا صارت نامية، فجاءت الوظيفة الأصلية.
فأما إذا كانت أرضه في الأصل خراجيًا، إذا جعل داره فيه بستانًا، فإنه يكون خراجيًا لما ذكرنا في طرف العشر، ومن مشايخنا من قال: العبرة في هذا للماء، فإن كانت تسقى بماء العشر، فهي عشرية، وإن كانت تسقى بماء الخراج، فهي خراجية؛ لأن وظيفة الأرض بسبب النماء، وحياة الأرض، وحصول النماء بالماء، فإن كانت تسقى من هذا مرة، ومن هذا أخرى فالعشر أحق بالمسلم؛ لأن فيه معنى العبادة.
وكذلك أرض الخراج إذا انقطع عنها ماء الخراج، وصارت تسقى بماء العشر، فهي عشرية لما ذكرنا أن وجوب وظيفة الأراضي بسبب النماء، فإذا انقطع عنها ماء الخراج، وصارت تسقى بماء العشر كان النماء بسبب ماء العشر، وكذلك أرض الموات إذا أحييت بإذن الإمام بماء العشر، فهي عشرية، وإن فتحت عنوة في الابتداء هكذا ذكر محمد رحمه الله في (الأصل)، والمعنى ما ذكرنا، وهذا قول محمد.
فأما على قول أبي يوسف، فإن كانت هذه الأراضي التي أحييت في جزء أرض العشر فهي عشرية، وإن كانت في جزء أرض الخراج فهي خراجية؛ لأن جزء الشيء يعطى له حكم ذلك الشيء، لهذا لا يجوز إحياء ما في خير القرية بحق أهل القرية، ويجوز لصاحب الدار الانتفاع بجزئه.
جئنا إلى بيان معرفة الماء، فنقول: ماء البئر التي حفرت في أرض العشر، وماء العين التي تظهر في أرض العشر؛ لأنه يخرج من الأرض، فإذا كانت الأرض عشرية كان الماء الخارج منها عشريًا تبعًا للأرض، وكذلك ماء السماء، وماء البحار العظام عشري؛ لأن الخراج من حكم الغنيمة، والغنيمة اسم لما كانت في أيدي الكفرة، ثم صارت في أيدينا بطريق القهر والغلبة، ولم تثبت أيدي الكفرة على ماء السماء، ولا على ماء البحار العظام؛ لأن ثبوت اليد على الماء إنما يتحقق بإمكان القنطرة، أو بإمكان السكر، أو بعقد الشقف بعضها ببعض حتى يصير بمنزلة القنطرة، وهذا الإمكان لا يثبت في ماء البحار وماء السماء، وإذا لم تأخذ هذه المياه حكم الغنيمة لم تكن خراجيًا فتكون عشريًا؛ لأن العشر ليس من حكم الغنيمة.
فأما ماء السيحون، وماء الجيحون، وماء الفرات، فذكر المشايخ في شرح كتاب الزكاة من (الأصل): أن على قول أبي يوسف خراجي، وعلى قول محمد عشري، وذكر محمد في أول كتاب (العشر والخراج) أنه خراجي، فإنه ذكر أن كل أرض تسقى بماء دجلة والفرات، فهي خراجية، وروي عن أبي حنيفة في (النوادر) أنه خراجي، وهكذا روي عن أبي يوسف في (النوادر) أيضًا، وروي عن محمد في (النوادر) أيضًا أنه عشري، فقيل أن يكون المذكور في كتاب (العشر والخراج) قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ويحتمل أن يكون قول الكل، فيكون في المسألة روايتان عن محمد، وإلى هذا مال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، أو يكون ما ذكر في (الكتاب)، أي في كتاب (العشر والخراج) تأولًا على قول محمد، وإليه مال شيخ الإسلام رحمه الله، وتأويله إذا كان الأرض بحالة بأن سقيها بماء الخراج، فسقيت بماء دجلة أو الفرات، وكل أرض خراجية يمكن سقيها بماء الخراج، إذا سقيت بماء العشر، فهي عشرية.

.الفصل السادس في التصرف فيما يخرج من الأرض من الطعام، وفي التصرف في العشر:

قال محمد رحمه الله في (الأصل): إذا كان للرجل أرض عشرية، وأخرجت طعامًا، فباع الطعام قبل أن يؤدي عشره، ثم جاء صاحب العشر يعني المصدق، والطعام عند المشتري كان للمصدق أن يأخذ من المشتري عشر الطعام، ذكر المسألة هاهنا مطلقة، وذكر في مسائل الزكاة أن المصدق، إذا جاء قبل أن يتفرقا عن مجلس العقد يتخير: إن شاء أتبع البائع، وإن شاء أتبع المشتري، وإن جاء بعدما تفرقا عن مجلس العقد، ففيه قياس واستحسان، فمن مشايخنا من قال: ذكر القياس والاستحسان عن ذكره هاهنا، ومنهم من قال: الجواب هنا على الإطلاق، وللمصدق خيار أن يتبع المشتري على كل حال.
والفرق على قول هذا القائل بين الزكاة والعشر أن في باب العشر الحب كما نبت نبت على أن يكون العشر للفقير، وتسعة أعشاره للمالك؛ لأنه أوجب باسم العشر، وهذا الاسم ينبي عن الشركة، وأمكننا أن نجعل قدر العشر ملك الفقير قبل التسليم؛ لأن الأصل في العشر معنى المؤونة، ومعنى العبادة فيه تابع، فحصل تصرف المالك في مال الغير بغير إذنه فسد حق الفسخ على كل حال بخلاف الزكاة؛ لأن الزكاة عبادة، فلا يمكننا أن نجعل قدر الزكاة ملكًا للفقير قبل التسليم، إذ يفوت به معنى العبادة، وإنما الثابت للفقير والساعي قبل التسليم حق الأخذ، فأما الملك في قدر الزكاة فللمالك، فلاعتبار حق الأخذ للساعي أثبتنا له حق الفسخ، إذا وجده قبل التفرق عن مجلس لعقد.
وفي (المنتقى): إذا وجب العشر في الطعام، وباعه السلطان من رب الأرض، ومن غيره من غير أن يقضيه يجوز قال: لأنه شريك فيه بالعشر، ولا يجوز ذلك في صدقة السوائم؛ لأنه ليس بشريك فيها.
وفيه أيضًا: لو مر على عاشر بمائتي درهم، فوجب له فيها خمسة دراهم، فباعها من صاحب المال بدينار، وقضى الدينار جاز، وهذا بمنزلة الصلح، ولو باعه من غيره لم يجز، ولا يشبه هذا عشر الطعام، واستشهد فقال: ألا ترى أن هذا قد يموت قبل أن يؤخذ عشرة دراهم، فلا يؤخذ، وإن هذا بطل بالدين يكون عليه، ولا يبطل عشر الطعام بموت صاحبه، ولا بالدين وغيره، وذكر عن محمد بعد هذا: إن عشر الطعام بمنزلة زكاة السائمة، ولا تبعية من رب الأرض، ولا من غيره حتى يقضيه وليس بشريك فيه، وكذلك قال بعد هذا في عشر مائتي درهم إذا باعه منه بدينار أنه لا يجوز.
وإن قال: خذ هذا الدينار من الخمسة التي يكون فيه حبيبه علي فهو جائز، وكذلك لو أخذ منه مكان عشر الطعام على غير بيع، فهو جائز، وإذا عجل عشر الأرض، أو عجل عشر الثمار، فقد ذكرنا هذه الفصول بتمامها في فصل تعجيل الزكاة، وإذا ترك السلطان عشر الأرض لرب الأرض لا يجزئه بلا خلاف في زكاة العيون.
قال محمد رحمه الله في (الأصل): من عليه العشر إذا صرف العشر إلى نفسه لا يجوز، ولا يبرأ عن العشر فيما بينه، وبين الله تعالى، ومن عليه الخمس، إذا صرف الخمس إلى نفسه، وكان فقيرًا يجوز، ويخرج عن عهدة الخمس فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك إذا صرف من عليه العشر العشر إلى أبيه، أو ابنه، فإنه لا يجوز؛ لأن صرفه إلى هؤلاء كالصرف إلى نفسه.
وفي (مجموع النوازل): سئل أبو القاسم عن أرض جبل يأخذ عشرها دهقان دون السلطان قال: إن كان الدهقان يأخذون بأمر السلطان جاز أخذه، وسقط عنهم العشر، وليس لصاحب الطعام أن يأكل الطعام قبل أن يؤدي عشره؛ لأن قدر العشر ملك الفقراء، والله أعلم.

.الفصل السابع في المتفرقات:

قال الكرخي في (كتابه): يؤخذ العشر من جميع ما أخرجته الأرض، ولا يحتسب لصاحبها ما أنفق على الغلة من سقي، أو عمارة، أو أجرة حافظًا، وأجر العمال، ولا نفقة الثغور.
وفي (الأصل): ولا يجتمع العشر والخراج في الأرض واحدة، سواء كان الأرض عشرية أو خراجية، به ورد الأثر عن رسول الله عليه السلام، والمعنى فيه: أن سبب وجوب الخمس واحد، وهو الأرض النامية، ولهذا يضاف كل واحد منهما إلى الأرض. يقال: عشر الأرض وخراج الأرض، والحكم أبدًا يضاف إلى سببه.
قلنا: لا يجب حقان لله تعالى بسبب واحد، ولو اشترى أرض عشر، أو خراج للتجارة، ففيها العشر، والخراج يكون إنما زكاة التجارة.
وروي عن محمد: أنه جمع بين العشر والزكاة في الإيجاب، وإذا صرف العشر إلى صنف واحد يجوز، وكذا إذا صرفه إلى واحد يجوز؛ لأن العشر نوع صدقة كالزكاة، وقد ذكرنا وجه الكلام في الزكاة في مسائل الزكاة، ولا يسقط العشر بموت من عليه في ظاهر رواية أصحابنا، وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنه يسقط.