فصل: الفرق بين الترجمة والتفسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.مدى الحاجة إلى ترجمة القرآن:

بالرغم من كل ما يقال عن استحالة ترجمة القرآن، فإن ترجمة القرآن إلى لغات الشعوب الإسلامية أمر ضروري، إذ لا يمكن لتلك الشعوب أن تقرأ القرآن بلغته العربية، وهي بحاجة إلى معرفة ما اشتمل عليه القرآن من معان وحكم، ونقل هذه المعاني من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى ليس أمرا محرما وليس ممنوعا، بل هو أمر مطلوب ومفيد، وفيه مصلحة واضحة، ومن حق كل مسلم أن يعرف معاني القرآن بلغته.
وإذا أثبتنا استحالة ترجمة القرآن بطريقة حرفية، لأن أية ترجمة لا يمكن أن تستوعب جميع دلالات الألفاظ العربية، ولا أن تتضمن جميع المقاصد المستفادة من النص القرآني، فإن الترجمة النسبية ممكنة، ويحرص المترجم من خلالها على أن يختار الكلمة المعبرة عن الكلمة الأصلية بقدر الطاقة البشرية، وبحسب ما يتراءى له أنه الأصح والأدق، سواء من حيث فهمه للفظة القرآنية، أو من حيث اختياره للكلمة المرادفة لتلك اللفظة، وفي جميع الأحوال فإن أية ترجمة للقرآن مهما بلغت درجة إتقانها ودقتها، لا يمكن أن تكون قرآنا.
وذهب الزرقاني في كتابه: (مناهل العرفان في علوم القرآن) إلى تقسيم ترجمة القرآن إلى قسمين:
- ترجمة حرفية: وهي غير ممكنة، لأنها تتطلب وجود مفردات متماثلة في اللغة المترجم إليها، واللغة المترجم منها، بحيث تترجم اللفظة بما يماثلها ويعبر عنها، وهذا أمر غير ممكن، لعدم إمكان التماثل في اللغات، ولأن كل لفظة تدل على معنى قد لا تدل عليه اللفظة المماثلة في اللغة الأخرى، ولو أمكنت الترجمة الحرفية لتماثلت الترجمات وتوحدت، ولما وقع الاختلاف بين المترجمين في كيفية الترجمة وفي اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى الأصلي.
- ترجمة تفسيرية: وهذه ممكنة من الناحية الواقعية، أولا: لأنها تعتبر الترجمة نوعا من التفسير، وثانيا: لأنها تنفي عن الترجمة صفة الترجمة، ولا تعتبر الترجمة في ظل هذا المفهوم ترجمة للقرآن، وإنما هي نوع من التفسير.
وكلمة التفسير ليست ملائمة في مجال الترجمة، فالترجمة ليست تفسيرا، وشروط الترجمة ليست هي شروط التفسير، وكلمة الترجمة التفسيرية تنفي عن الترجمة صفة الترجمة، لأن المفسر لا يكلف بما يكلف به المترجم من الالتزام باختيار الكلمة المماثلة، فإذا جاءت الكلمة غامضة فليس من حق المترجم أن يفسر غموضها، بخلاف المفسر، فهو مكلف بإزالة الغموض، وإذا كانت اللفظة محتملة لمعان عدة وجب على المترجم أن يأتي باللفظة المحتملة لنفس المعاني والدلالات، وليس من حقه أن يختار ويرجح، بخلاف المفسر فمن واجبه أن يبين ويوضح ويرجح، ولهذا فإن استعمال كلمة (الترجمة التفسيرية) ليست دقيقة في هذا المجال، لاختلاف معاني التفسير عن الترجمة.
وبالرغم من أنني استعملت كلمة الترجمة التفسيرية في بعض كتبي تعبيرا عن معنى الترجمة النسبية، واعتبرت ذلك هو الترجمة الممكنة، فإنني أؤكد أن الكلمة ليست دقيقة، فالترجمة صيغة بديلة عن الأصل، ولا تنفصل عنه، وتفي بجميع معاني الأصل ومقاصده، وكلمة التفسير لا تلزم المفسر بالإتيان بالصيغة البديلة عن الأصل، والتفسير في اللغة هو البيان والتوضيح، والترجمة لا تعني البيان والتوضيح، وإذا قام المترجم ببيان الأصل وإزالة غموضه، فهو مفسر وليس مترجما، وتحكمه مقاييس التفسير وليس مقاييس الترجمة.
ولعل كلمة (الترجمة النسبية) هي الأدق، فليست هناك ترجمة حرفية، وكلمة الترجمة التفسيرية ليست دقيقة، فالمترجم ليس هو المفسر، ويختلف دور كل منهما عن الآخر، فإذا قصد المترجم التفسير، فقد خرج عن مهمته، ويملك المفسر من حرية التعبير ما لا يملكه المترجم، الذي يكلف بوفاء الترجمة لكل معاني النص الأصلي، وجميع دلالاته، وإذا وقع التساهل في ترجمة كلام البشر، فلا يمكن أن يقع التساهل في ترجمة القرآن، حيث يبرز الإعجاز فيه، ولا يمكن للمترجم أن يكون قادرا على فهم أوجه الإعجاز أو التعبير عنه.

.الفرق بين الترجمة والتفسير:

فرق الزرقاني في مناهل العرفان بين الترجمة والتفسير، وهو على حق في هذا التفريق، وذكر أربعة فروق:
الفارق الأول: صيغة الترجمة صيغة استقلالية، ويراعى فيها الاستغناء بالترجمة عن الأصل، بخلاف التفسير، فإنه يرتبط بأصله ولا ينفصل عنه أبدا، ومهمة المفسر شرح المفردات والجمل، واستنباط المعنى المراد، ولا مكان للتفسير إلا بربطه بالأصل، ويتعدد التفسير وتتباين المعاني المستفادة من النص الأصلي، ويظل الأصل هو الأساس، ولا مجال للقول باستقلال الترجمة القرآنية عن الأصل في جميع الأحوال، مهما بلغت درجة دقة تلك الترجمة، لأن القرآن لا يطلق إلا على القرآن نفسه بلغته وبألفاظه وبمفرداته، ولا يطلق لفظ القرآن على أية ترجمة، وبخاصة وأن الترجمة متعددة والقرآن واحد ولا يتعدد.
الفارق الثاني: لا يجوز الاستطراد في الترجمة، لأن الأصل فيها أن تكون مطابقة للنص الأصلي، مساوية له في الألفاظ والمفردات معبرة عن معانيه بدقة وأمانة، ولا يجوز للمترجم أن يفسر أو يوضح. وتتمثل مهمته في النقل الأمين للأصل، ويختلف الأمر بالنسبة للتفسير، فمن واجب المفسر أن يوضح ويبين ويستشهد ويرفع الفحوص، ويرجح المعاني المستفادة، ويوجه مسار النص المفسر ويحكم قبضته عليه بما يملكه من قوة التوجيه ووضوح الأدلة، ولهذا غلب على كتب التفسير أنها تأثرت بشخصية المفسر واختصاصه، ورضخت لآرائه وتوجيهاته واختياراته، وتعددت مناهج المفسرين وتباعدت، وأصاب بعضهم فيما ذهب إليه وأخطأ البعض الآخر، وقسم العلماء التفسير إلى محمود ومذموم، بحسب التزام المفسر بقواعد التفسير الصحيح، وإذا تضمنت الترجمة استطرادا أو تفسيرا أو ترجيحا وتوجيها فلا تعتبر ترجمة، ولابد من الترجيح في الترجمة لأن المفردات التي تحتمل أكثر من معنى تتطلب من المترجم أن يختار أو يرجح أحد المعاني المحتملة، ولا خيار له في ذلك، فإذا لم يرجح أحد المعاني وجب عليه أن يورد جميع المعاني المحتملة، وهذا أمر غير ممكن في الترجمة.
الفارق الثالث: يفترض في المترجم أن يأتي باللفظ المتضمن لجميع معاني الأصل، ولا يلتمس له العذر فيما قصر فيه، لأن الترجمة تتطلب ذلك، وليس من حقه أن يستبدل لفظة مرادفة للأصل بلفظة أخرى أوضح دلالة على المعنى، لأن غموض الأصل في بعض المواطن يحمل دلالات معينة، ويجعل النص قابلا للتفسير المتعدد، فإذا اختار المترجم تفسيرا واحدا فقد ضيق الخناق على المعنى المترجم وقصره على بعض معانيه، ويختلف الأمر بالنسبة للمفسر، فمن حقه أن يختار من المعاني ما يراه أقرب، ومن حقه أن يرجح وأن يوجه النص لاستنباط حكم تراءى له، فالمترجم ناقل والمفسر متحكم، وسلطة المفسر أوسع وسلطة المترجم ضيقة وأكثر مشقة.
الفارق الرابع: يفترض في المترجم أن يؤكد أن المعاني المستفادة من اللفظ المترجم أو من النص المترجم تفيد نفس المعاني والدلالات المستفادة من النص الأصل، فإن أفاد النص المترجم معنى ليس واردا في النص الأصلي، فهذا خطأ فادح، وتحريف للأصل، وانحراف عنه، ونسبة معنى مستفاد من أصل لأصل، لا يفيد ذلك المعنى، وهذا أمر بالغ الخطورة، ولهذا فإن مسئولية المترجم كبيرة، ولابد له من الإحاطة بكل ما يفيده النص الأصلي من دلالات، وما يفيده النص المترجم من معاني، فإذا لاحظ خللا في المعاني المستفادة وجب عليه أن يعيد النظر في الترجمة، فيصحح منها ما يحتاج إلى تصحيح، ويستبدل من الألفاظ ما يحتاج إلى إبدال، ويقوّم أسلوب الترجمة من تقديم وتأخير إلى أن يجد التوافق في المعاني بين الأصل والفرع، بحيث يعبر كلا منهما عن الآخر، وبحيث لو تم الاستغناء عن الأصل لأفاد الفرع المترجم نفس المعاني، وهذا من المحال في مجال ترجمة القرآن، ومن العبث أن يحاول مترجم بلوغ تلك الغاية، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمفسر الذي لا يكلف بهذه الإحاطة، وليست هذه مهمة التفسير.
ومن منطلق أهمية ترجمة القرآن، وعدم إمكان ذلك من الناحية الفعلية ذهب بعض العلماء إلى جواز الترجمة، واعتبرت تلك الترجمة (ترجمة تفسيرية)، فهي ليست ترجمة حرفية وهي ليست تفسيرا، ووضعوا ضوابط للترجمة التفسيرية، ومن أهم هذه الضوابط ما يلي:
أولا: أن تكون الترجمة على شريطة التفسير، والغاية من هذا الشرط ضبط الترجمة، وتقييد حرية المترجم بحيث يتقيد في ترجمة المفردات بما دلت عليه اللغة العربية، وبما فسرت به السنة النبوية تلك المفردات، وبما دلت عليه الشريعة من معان موضحة لبعض المصطلحات، والمترجم في هذه الحالة، يتقيد بالمعنى التفسيري المنقول، ولا حرية له في تفسير أو توضيح، ويؤخذ على هذا الشرط أن كلمة الترجمة في معناها الأصلي تختلف عن معنى التفسير، فالتفسير قد يكون بنفس اللغة، وقد يكون بلغة أخرى، والترجمة هي أمر آخر، فالمترجم لا يفسر، ولا يملك حق التفسير، بخلاف المفسر، فلا ينكر حقه في التفسير والتوضيح، ومن الصعب وضع ضوابط دقيقة للتفريق بين التفسير والترجمة التفسيرية وكلمة التفسير ليست دقيقة في مجال الترجمة، لاختلاف طبيعة مهمة كل من المفسر والمترجم.
ثانيا: أن يلتزم المترجم بالموضوعية والحياد والإنصاف، وألا يكون صاحب بدعة أو دعوة، فإن كان مؤمنا بعقيدة منافية لعقيدة الإسلام، أو ملتزما ببدعة مغايرة لما أجمع عليه المسلمون، فلا يمكن الاطمئنان إلى سلامة ترجمته للقرآن، لاحتمال أن يترجم القرآن بما يخالف معناه المأثور عن الصحابة والتابعين، وهذا الشرط ذكره العلماء في مجال شروط المفسر، والمترجم ليس هو المفسر، فالمترجم تحكمه ضوابط ومقاييس في الترجمة من حيث دقة اختياره للمفردات، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمفسر الذي يملك حرية التفسير بما يحتمله اللفظ من معان ودلالات، ومن اليسير اكتشاف الخطأ في عمل المترجم، أو عدم الدقة في اختيار المفردات المعبرة عن معنى الأصل.
فقد يملك صاحب بدعة من أدوات الترجمة ما لا يملكه صاحب استقامة من حيث إلمامه بمعاني المفردات في كل من اللغتين، والمترجم منها والمترجم إليها، وما لم يقم دليل على قصد لتزوير المعاني القرآنية، وتحويرها عن معانيها، وإهمال في اختيار المفردات الدقيقة أو جهل باللغة العربية، فإن الترجمة تخضع لمقاييس موضوعية، ومن اليسير ضبط تلك المقاييس، وتتبع احترامها والالتزام بها، والحكم على الترجمة حكما موضوعيا، من حيث الدقة والالتزام، فقد تقبل الترجمة في لفظة أو آية، وترفض في لفظة أو آية أخرى، ويحكم على الترجمة بحسب دقتها، فإن كثرت أخطأ المترجم، وتجاوزاته حكم عليه بالجهل وردّت ترجمته، ووجب تنبيه الناس إلى تلك التجاوزات وبخاصة إذا كانت فاحشة فاسدة المعنى.
ولسنا بحاجة إلى اشتراط إتقان المترجم لكل من اللغتين المترجم منها والمترجم إليها، فهذا شرط بدهي لا تتصور الترجمة بدونه، إذ كيف يمكن لجاهل بالعربية أن يفهم معاني القرآن، وإذا عجز عن الفهم عجز عن الإتيان باللفظة المعبرة عن المعنى باللغة الأخرى، وإذا أتقن العربية، فلا يمكنه أن يترجم إلى لغة أخرى، إلا أن يكون متقنا لتلك اللغة، ممسكا بزمام مفرداتها مالكا ناصية أمرها، والإتقان المطلوب لكل من اللغتين، ليس هو إتقان حفظ ومعرفة بالمفردات، وإنما هو إتقان فهم للدلالات اللغوية وإتقان أسلوب تتميز به كل لغة عن اللغة الأخرى، وفضلا عن ذلك فالترجمة تحتاج إلى موهبة خلاقة وذكاء ودقة وحسن فهم وعمق إدراك، فلا يكتفي في الترجمة أن تكون قاصرة على استبدال لفظة بأخرى، أو الإتيان بلفظ مكان لفظ، فهذا مما يحسنه الكثير والترجمة أعمق من ذلك وأدق، وهي عمل متكامل، يجري تصحيحه وتقويمه باستمرار، إلى أن يستوي قريبا من الكمال دقيقا في استيعابه للمعاني والدلالات المطلوبة.
والملكة اللغوية هي أساس كل عمل جدير بالتقدير، ولابد من ملكة الإجادة في الترجمة، وهي ملكة نابعة من حسن فهم معاني القرآن باللغة العربية، وعمق ما يدل عليه الأسلوب القرآني من مقاصد وغايات وتوجيهات.
ثالثا: الأهلية والكفاءة والقدرة، وهذا هو الشرط الذي يعبر عن كثير مما يجب أن يتوفر في المترجم سواء كان فردا أو هيئة من أهلية وكفاءة وقدرة، ومعرفة كل من اللغتين يدخل ضمن هذا الشرط إلا أن كلمة الأهلية أولى وأوسع، فليس كل عالم باللغتين مؤهلا للقيام بترجمة القرآن، كما أن ليس كل عالم بالعربية مؤهلا لتفسير القرآن وفهمه، فقد ينحرف في تفسيره، وقد يضله علمه فتلتبس عليه المعاني، وتضيق عليه الخناق، فلا يهتدي إلى الطريق، ولابد في فهم القرآن من (أهلية) تتجاوز حدود المعايير اللغوية، فمن ختم الله على قلبه بالغفلة وسوء الفهم فلا يتوقع منه خير، وكم من عالم أحاط بعلم الأولين واستوعب كل الكتب ومع ذلك فقد ضل طريقه، لأن المعرفة تحتاج إلى بصيرة ثاقبة وأهل البصيرة يدركون بنور تلك البصيرة ما لا يدركه أهل البصر، فالبصر يحتاج إلى نور، والنور عطاء من الله يمن به على من اطمأن قلبه بذكر الله، وخشعت جوارحه بطاعة الله.
وفي كل ترجمة للقرآن يجب أن يذكر نص القرآن بلغته العربية، والتأكيد على أن ذلك النص العربي هو القرآن، بألفاظه وبرسمه، وبترتيبه، وما عداه فهو ليس القرآن، والقرآن لا يتعدد، فليس هناك قرآن باللغة العربية، وقرآن آخر بلغات أخرى، وليس لأية ترجمة للقرآن ما للقرآن من أحكام، سواء من حيث التعبد بقراءته أو من حيث وحدة نصوصه، فالترجمة تتعدد وتقبل الخطأ والصواب، ويجري عليها ما يجري على أية ترجمة من حيث التقويم والتصحيح والمراجعة والتدقيق في عمل متواصل لا يتوقف، بحثا عن الترجمة الأفضل والأدق.
وأعتقد أن ترجمة القرآن لا يمكن أن ينهض بها فرد مهما بلغت درجة إتقانه، وارتقت مداركه، فالقرآن ليس كتابا كبقية الكتب تحكمه قدرات عادية، ويلتمس العذر لمترجمه في حالتي التقصير أو الخطأ، ويجوز لأي فرد أن يترجم لنفسه آية أو سورة أو يترجم القرآن نفسه، ولكن لا يجوز أن تنشر ترجمة القرآن الفردية إلا بعد أن تعتمد الترجمة وتراجع وتدقق من قبل جهات علمية مختصة، وأقترح في هذا المجال أن يتم إنشاء (هيئة علمية مختصة) تضم كفاءات قادرة في مجال اللغة والتفسير، وفي مجال الدراسات اللغوية المقارنة، تعكف لمدة سنوات على إعداد ترجمة نسبية للقرآن الكريم، تقترب أكثر من المعنى الأدق للمفردات القرآنية، وتعبر عن المراد من الآية، ثم يطرح مشروع الترجمة الأول للحوار والنقاش، يهدف إلى مزيد من الدقة إلى أن يقع اعتماد الترجمة النهائية، التي تمثل الحد الأقصى الممكن من ترجمة القرآن، ثم تقع مراجعة هذه الترجمة بين فترة وأخرى، وتلحق بالترجمة ملاحق بيانية توضح المعاني الممكنة والمحتملة، والأسباب التي دفعت اللجنة المختصة لاختيار اللفظة المعتمدة، وهذه الدراسات البيانية الملحقة بالترجمة هي الأهم لأنها تحقق الأهداف التالية:
أولا: تنفي عن الترجمة صفة القرآن، وتؤكد للباحثين أن الترجمة جهد بشري محتمل للخطأ والصواب، وأنه قابل للحوار والنقاش، ومن حق أي مختص أن يناقش الترجمة المعتمدة منتقدا اختياراتها وترجيحاتها، مبينا ملاحظاته الموضوعية شارحا وجهة نظره في الدلالات الممكنة لكل لفظة تحتمل معاني عدة.
ثانيا: تحدث علما جديدا في إطار الدراسات القرآنية يعطي المعاني المحتملة للمفردات القرآنية في اللغات المختلفة. وتعتبر هذه الدراسات نواة لعلم التفسير في اللغات المختلفة بحيث تتداخل الترجمة والتفسير، في إطار المفردات الدالة على معنى واحد أو معاني متقاربة، وهذا العلم واضح الأهمية في مجال الدراسات القرآنية، يغني هذه الدراسات، ويعمق مباحثها وينمي معارف جديدة في مجال التفسير.
ثالثا: تقضي على الترجمات الفردية المليئة بالأخطاء سواء بسبب نقص في الإمكانات العلمية لدى المترجم أو بسبب سوء قصد يهدف إلى تشويه المعاني القرآنية، ومن واجب أمتنا في مجال الترجمة، وفي مجال الاجتهاد وفي مجال التقنين أن تعتمد أسلوب العمل العلمي المتقن، الذي يخفف من الأخطاء والتجاوزات ويعطي للجماعة دورها في إثراء فكرنا الإسلامي، فلا تنطلق حركتنا العلمية من خلال وثبات فردية مرتجلة، أو آراء اجتهادية غير مدروسة، تحكمها، وتؤثر فيها نظرات ضيقة قد تكون ضارة في بعض الأحيان، ومع هذا، فإن الجهد الفردي المدروس لا ينبغي تجاهل أثره ودوره، وهو الأكثر شجاعة في اقتحام الجديد من الآراء، وفي تكسير القيود التي غالبا ما تقيد حركة الفكر وتحد من حرية المجتهد.
ونخلص من هذا إلى أن ترجمة القرآن ليست هي القرآن، وأية ترجمة لا يمكن أن تجسد معاني الإعجاز القرآني، سواء من حيث الأسلوب البياني أو من حيث المعاني والأحكام والدلالات، ومع هذا فالترجمة أمر لابد منه، لتعريف المسلمين بأمر دينهم.
الترجمة ليست هي التفسير، وما يملكه المفسر لا يملكه المترجم، من حيث حرية التعبير، وتتطلب الترجمة جهدا فائقا وعملا شاقا ومعرفة دقيقة بالقرآن وعلومه واللغات والمفردات والاشتقاقات، وتختلف الترجمة عن التفسير من حيث طبيعة علاقة النص المترجم بالأصل، وتبرز العلاقة قوية في مجال الترجمة حيث يفترض في الترجمة أن تكون معبرة عن الأصل ملتزمة به دالة عليه، وليس الأمر كذلك في مجال التفسير، حيث يقبل الاجتهاد ويتسع مداه، ويلتمس العذر للمفسر في حالة الخطأ ولا يلتمس العذر للمترجم.
وإنشاء هيئة مختصة بترجمة القرآن أمر ضروري، ولابد منه وهو الطريق لضمان ترجمة دقيقة، يقع الاطمئنان لها، والثقة بها.