فصل: تفاوت الصحابة في الحفظ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.تفاوت الصحابة في الحفظ:

وقد كان الصحابة متفاوتين في الحفظ قلة، وكثرة، وإتقانا وتجويدا، فمنهم من كان يحفظه كله، ومنهم من كان يحفظ جله، ومنهم من كان يحفظ بعضه، ومنهم من كان يحفظ السورة، ومنهم من كان يحفظ السورتين، والثلاث، والخمس، والعشر، والأكثر، ولكن مما لا ينبغي أن يشك فيه أن القرآن كله كان محفوظا عند الكثرة الكاثرة منهم، التي تفيد التواتر المفيد للقطع واليقين بحيث كان مجموع القرآن عند مجموعهم.

.المشتهرون بالحفظ والإقراء من الصحابة:

وقد اشتهر بحفظ القرآن الكريم، وإقرائه من الصحابة من المهاجرين أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو هريرة، وعبد الله بن السائب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن أم مكتوم، ومصعب بن عمير... وغيرهم كثير.
ومن الأنصار: عبادة بن الصامت، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو زيد قيس بن السكن أحد عمومة أنس ابن مالك، ومجمع بن جارية، وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مسلمة وغيرهم كثير.
ومن النساء: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم ورقة وغيرهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على بعض أصحابه القراء المجيدين، حتى يقرأ عنهم، أو ينهج منهجهم من يريد أن يلحق بهم، وذلك أسلوب تربوي عظيم ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود كان يعرف بذلك.
كما كان صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمعه من بعض أصحابه كابن مسعود، ففي صحيح البخاري رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي»! قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل! قال: «نعم» فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41] قال: «حسبك الآن» فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان يعني: بالدموع إما فرحا بهذه المنزلة التي تفرد بها: وإما حزنا وأسفا لأنه سيشهد على أمته؛ وفيهم المسيء والعاصي.
وعن الصحابة حفظه الألوف من التابعين ثم ألوف الألوف ممن جاء بعدهم حتى وصل إلينا القرآن كما أنزله الله من غير زيادة، ولا نقصان ولا تغيير ولا تبديل وتحققت كلمة الله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} صدق الله العظيم وكذلك أمره الله سبحانه أن يقرأه على بعض أصحابه المجيدين لحفظ القرآن كأبي بن كعب رضي الله عنه.

.العوامل المساعدة على حفظ القرآن:

إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أمرا هيأ له الأسباب، وهذا من رحمته بخلقه، فقد أوجب على الأمة الإسلامية حفظ القرآن، وجعل لهم من الدواعي والحوافز ما أعانهم على حفظه، ومداومة قراءته، وتلاوته فمن هذه العوامل:

.العامل الأول: التعبد بالقرآن الكريم في الصلاة وخارجها:

وقد اتفق الفقهاء قاطبة على أن الصلاة سواء أكانت فرضا أم نفلا جماعة، أو غيرها لا تصح إلا بالقرآن، ولا تصح بالأحاديث القدسية، ولا النبوية، ولا بالأذكار المأثورة، فالقراءة ركن في الصلاة، وهذا محل إجماع، إلا أن منهم من جعل قراءة الفاتحة ركنا لا تصح الصلاة إلا به وهم الأئمة مالك والشافعي، وأحمد في المشهور عنه.
ومنهم من لم يجعل الفاتحة ركنا، فالصلاة تصح بالفاتحة وغيرها، وهو الإمام أبو حنيفة وأصحابه، إلا أن الصلاة عندهم ناقصة الثواب غير كاملة؛ لأنهم جعلوا قراءة الفاتحة واجبا لا ركنا، فمن ترك قراءتها عمدا أساء، وعليه إعادتها، ومن تركها سهوا جبر بسجود السهو، ومن ذلك يتبين أن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحفظ من القرآن ما يصحح به صلاته.
وأيضا فقد كان قيام الليل واجبا في صدر الإسلام على النبي، وقيل عليه وعلى أصحابه وعماد القيام بالصلاة ومن أركانها قراءة القرآن قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1- 4] وكانوا مخيرين في هذا الوجوب بين الثلث أو النصف، أو الثلثين، وقد مكثوا على هذا عاما أو عامين، وقيل عشر سنين حتى كانت تنتفخ أقدام بعضهم من طول القيام فخفف الله عنهم، وصار مستحبا، ونسخ الفرضية بقوله سبحانه في آخر السورة: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20] وبذلك صار مستحبا مرغوبا فيه ووكل إلى كل ما يستطيعه من ساعاته.
وقد كان النبي والصحابة ملازمين للقيام وقراءة القرآن حتى بعد التخفيف ونسخ الفرضية حتى استحقوا الثناء من الله عز وجل قال سبحانه: {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16- 17].
وقال سبحانه: {كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات 17- 19].
وقد كان هذا القيام لونا من ألوان التربية الإسلامية حتى تصفو نفوسهم هم وتتبدل أخلاقهم، وتقوى عزائمهم وتتربى فيهم ملكات الصبر، والتحمل، وعدم الخضوع لأهواء النفس وشهواتها، ويكونوا على استعداد للتضحية والكفاح في سبيل عقيدتهم ودينهم رضوان الله عليهم، فلا سهر في لهو، ولا في شرب خمر، ولا في متابعة للجواري والحسان ولا في قمار، ولا ميسر إلى غير ذلك من مباذل الجاهلية.
وإنما هو سهر في حب الله، وفي مدارسة كتاب الله، وفي الصلاة، والذكر، والدعاء، خلوات ما أحلاها من خلوات، وسمو بالأرواح إلى معارج القدس الأعلى.
فلا تعجب إذا كانوا كتب الله لهم النصر والعزة على قلتهم، وأن حملوا رسالة نبيهم فبلغوها إلى الدنيا كلها، وأنهم لم يمض عليهم نصف قرن من الزمان حتى دانت لهم فارس، والروم بل لم يمض قرن على الدعوة حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار.
وما ظنك برجال كان بعضهم يختم القرآن في ركعة يحيى بها ليله كذي النورين عثمان رضي الله عنه وتميم الداري، بل روي عن سليم بن عتر التجيبي أنه كان يقرأ القرآن في الليلة ثلاث مرات! وروي عن الإمام الشافعي أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة، وروي عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه كان يختم القرآن في الليلة ويومها من رمضان إلى غير ذلك مما ذكر عن بعض السلف، وقد كان الإمام أبو حنيفة ممن يختم القرآن في ليلة، وذلك أنه مر على قوم، فسمعهم يقولون: هذا يختم القرآن في ليلة، فأبت عليه نفسه وأخلاقه إلا أن يكون كما يقولون فواظب على ذلك.

.العامل الثاني: الترغيب في قراءة القرآن وحفظه:

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى من الأحاديث في الترغيب في قراءة القرآن، وتلاوته كما ينبغي، وحفظه، والوصاية به.
فالقرآن الكريم أصدق الحديث وأحسنه، روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» رواه مسلم أيضا في صحيحه.
والقرآن أفضل الكلام وأشرفه، روى الحافظ أبو بكر البزار بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» ورواه البيهقي في الأسماء والصفات.
والقرآن أحب إلى الله من كل شيء، روى الدارمي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: «القرآن أحب إلى الله من السموات والأرض، ومن فيهن».
وأهل القرآن: هم أهل الله وخاصته، روى الإمام أحمد بسنده عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين من الناس» قيل: من هم يا رسول الله قال: «أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته» وبحسبهم شرفا هذه النسبة إلى الله.
وأهل القرآن، وحفظته هم عرفاء الجنة؛ ففي الحديث الذي رواه الطبراني: «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة».
وتعلم القرآن، وتعليمه يجعل صاحبه خير الناس وأفضلهم، روى الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» والاشتغال به خير من الاشتغال بصلاة النوافل، روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي ذر: «لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة».
وقارئ القرآن مأجور على قراءته عمل به أو لم يعمل، فهم معناه أم لم يفهم، وإن كان من فهم وعمل أعظم أجرا، وأكثر ثوابا؛ روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، ويعمل به كالأترجة طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، ويعمل به، كالتمرة طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن، كالريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث، وريحها مر» وفي رواية أخرى «ولا ريح لها» وهي أصح من جهة المعنى.
والقرآن الكريم حبل ممدود بين السماء والأرض، يصل الإنسان الحافظ له، والعامل به بالله تعالى، روى ابن أبي شيبة من حديث أبي شريح الخزاعي: إن القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدا.
وروى ابن جرير مرفوعا: «إن هذا القرآن هو حبل الله الممدود من السماء والأرض».
وروى ابن مردويه بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه» وفي حديث الترمذي الذي رواه عن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «... وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم».
والمشتغل بحفظ القرآن عن الذكر، وسؤال الله يعطيه الله أفضل مما يعطي السائلين: ففي الحديث الذي رواه الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه».
وقراءة القرآن ومدارسته، تستنزل الملائكة، والسكينة، والرحمة، ففي حديث أسيد بن حضير: أنه قرأ سورة البقرة ذات ليلة، فاضطربت فرسه، فسكت، فسكنت، ثم قرأ فاضطربت، فسكت فسكنت.
فلما فرغ من قراءته رفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح، عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت- أي استمررت في قراءتك- لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم» وفي حديث الصحابي الذي كان يقرأ سورة الكهف فتغشته مثل السحابة، فجعلت تدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فعجب من ذلك، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» متفق عليه وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
وقارئ القرآن، وحافظه، العامل به، يغبطه الناس، ويتمنون أن يكونوا مثله؛ روى البخاري وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل».
وحافظ القرآن، وصاحبه الملازم لقراءته، له بكل آية درجة يرقاها يوم القيامة، فانظر أيها القارئ- كم يرقى من الدرجات عن أبي سعيد الخدري قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة. اقرأ، وارق، واصعد فيقرأ، ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه» رواه الإمام أحمد في مسنده.
والقرآن أحد الشفعاء الذين تقبل شهادتهم يوم القيامة، روى أبو عبيد، عن أنس مرفوعا: «القرآن شافع مشفع، وماجد مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار».
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه».
وروى أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان».
وحافظ القرآن عن ظهر قلب، والعامل بما فيه يشفعه الله في أهله يوم القيامة؛ أخرج الترمذي، وابن ماجه، وأحمد من حديث عليّ: «من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله، وحرم حرامه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد وجبت لهم النار. وحافظ القرآن الذي لا يغلط فيه، ولا يغيب عنه شيء مع السفرة الكرام البررة من الملائكة»؛ روى الشيخان، وغيرهما من حديث عائشة مرفوعا: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران» أما الأول فأجره أكثر، وأضعاف مضاعفة.
وما من أحد يقرأ شيئا من القرآن حين يأخذ مضجعه إلا حفظ حتى يصبح، أخرج أحمد في مسنده والترمذي في سننه من حديث شداد بن أوس: «ما من مسلم يأخذ مضجعه، فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلا وكل الله به ملكا يحفظه، فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهبّ متى هبّ».
وفي حديث أبي هريرة وقصته مع الشيطان الذي كان يسرق من الزكاة وقوله له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ أية الكرسي، لم يزل معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقك، وهو كذوب، ذاك شيطان» رواه البخاري.
والبيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، ويقل شره، روى البزار من حديث أنس مرفوعا: «البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره».
والقلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب؛ روى الإمام أحمد والترمذي بسندهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» ومن ذا الذي يرضى أن يكون قلبه خرابا.
والقرآن هو الغنى الحقيقي، فمن رزقه رزق الغنى كله، ومن حرمه فلا غنى له وإن كان عنده مال قارون، روى الطبراني بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه».
وقارئ القرآن له بكل حرف حسنة؛ عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل القرآن، وفضل آيات أو سور خاصة كالفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، والبقرة، وآل عمران، والكهف والإخلاص، والمعوذتين وغيرها.
فمن ذا الذي يسمع، أو يصل إليه كل هذا الترغيب الحبيب، والوعد الجميل ولا يسارع إلى حفظ القرآن وتفهمه، والعمل به، فلا تعجب إذا كان الصحابة تنافسوا في هذا المضمار الشريف، وكذلك تنافس فيه من جاء بعدهم، حتى حفظ الألوف، بل وألوف الألوف.